أبحاث ودراساتافتتاحية العددصلاح الدين مسلممانشيتملف العدد 62

الهجرة الطوعيّة الدائمة وعلاقتها بقلق المستقبل في مرحلة الشباب في الشرق الأوسط

صلاح الدين مسلم

صلاح الدين مسلم

صلاح مسلم
صلاح مسلم

منهجية البحث:

الهجرة لُغةً لفظٌ مشتقٌ من الكلمة الثُلاثيّة (هَجَرَ)، ومعناها الرّحيلُ عن المكان، أو التَخليّ عن شيءٍ ما، وأيضاً تُعرفُ الهجرة بأنّها انتقالُ الأفراد من مكانٍ إلى آخر بغرضِ الاستقرار في المكان الجديد. (“تعريف الهجرة”، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 24-3-2023. بتصرّف.)

أمّا اصطلاحاً تُعرفُ الهجرة بأنّها الانتقالُ مِنَ البلد الأمّ للاستقرار في بلدٍ آخر، وهي حركة أفرادٍ يتمّ فيها الانتقالُ بشكلٍ فرديّ أو جماعيّ من موطنهم الأصليّ إلى وطن جديد، وعادةً ما توجدُ ظروفٌ عديدةٌ تُؤدّي إلى الهجرة، مثل انتشار الحروب الأهليّة أو الخارجيّة في الدّول، أو سوء الأوضاع الاقتصاديّة والتي تُعتبرُ من المُحفّزات للهجرةِ. وتحرصُ دول المَهجر على تطبيقِ مجموعةٍ من الآليات القانونيّة والتشريعيّة، والتي تَضمن حماية واحترام كامل حقوق المُهاجرين. ووفقاً للتّعداد العامّ للهجرة عام 2013م وصلَ عدد المُهاجرين من دولهم الأصليّة إلى 247 مليون نسمة. (أحمد، شيرين 2022)

مُنذ الأزمنة الأولى والبشرية في حالة تحرك وتنُّقل، فبعض الناس ينتقلون بحثًا عن العمل أو لأسباب اقتصادية، ومنهم من يهاجر للانضمام إلى أفراد عائلته أو سعيا لتحصيل أكاديمي. بينما يتنقل آخرون هربا من الصراع أو الاضطهاد أو الإرهاب أو انتهاكات حقوق الإنسان، وبعضهم يهاجر بسبب آثار تغيّر المناخ والعوامل الطبيعية والبيئية الأخرى. تُعرِّف وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة   (IOM)المهاجر بأنه أي شخص ينتقل أو انتقل عبر حدود دولية أو داخل دولة بعيداً عن مكان إقامته المعتادة، بغض النظر عن: أولا الوضع القانوني للشخص، وثانياً ما إذا كانت الحركة طوعية أو غير طوعية، وثالثاً ما هي أسباب الحركة، أو رابعاً ما هي مدة الإقامة. (موقع الأمم المتّحدّة 2023)

إذا أردنا تناول ظاهرة الهجرة تاريخيّاً، فإنّ الشعوب الرعوية قد اعتمدت على الهجرة بحثاً عن الكلأ والمرعى، وهروباً من الكوارث الطبيعيّة، والحروب ما بين القبائل والإمبراطوريات، وقد انتشر الجنس البشري في بقاع المعمورة عن طريق الهجرة، لكنّها في عصرنا الحالي أخذت بعداً آخر، فالهجرات الحديثة فتنقسم تاريخيّاً إلى مرحلتين: المرحلة الأولى تمتد منذ الكشوفات الجغرافية والاستعمار حتى القرن الثامن عشر. بينما تمتد المرحلة الثانية من الثورة الصناعية الأوروبيّة وصولاً إلى الثورة التكنولوجيّة والمعلوماتيّة في العصر الحالي.

وقد ازدادت موجات الهجرة في عصرنا الحالي من خلال الأحداث الدامية التي عصفت في الشرق عبر ما يسمّى بمصطلح (الربيع العربي) الذي بدأت شرارته من تونس، وازدادت في المأساة السورية، وصارت الشغل الشاغل، والطموح، والمستقبل بالنسبة معظم الشرائح العمرية، وخاصّة الجيل الشاب، وخاصّة انعدام الأمن في الكثير من المناطق السوريّة التي انقسمت إلى ثلاث مناطق، ومع انخفاض سعر العملة السورية، وانخفاض دخل الفرد يوماً بعد يوم، فالمشكلات الاقتصاديّة لها دور كبير في خلق القلق الشديد عند الشاب والمراهق على السواء.

فالمشكلات الاقتصادية تثير عند المراهق ضعف المستوى الاقتصادي له، ويترتب على ذلك عدم قدرته على إشباع حاجاته، وتلبية مطالب تلك المرحلة، وغالباً ما يتدخل لدى المراهق حول كيفية إنفاق نقوده، وعدم الاستقلال في التصرف بها، ومن أكثر المشكلات الاقتصادية شيوعاً لدى المراهق؛ رغبته في الاستقلال والتصرف في المال كيفما يريد، وضعف الحالة المادية لديه، وعدم وجود مصدر ثابت للحصول على الأموال اللازمة من أجل إشباع حاجاته، وقلقه من عدم القدرة على إيجاد عمل خارجي لكسب المال ومساعدة الأسرة، والخلافات الأسرية في تنظيم الشؤون المالية لها، وعدم الاستقرار المالي للأسرة. (البرهو، محمد 2023).

  • مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في أنّ الهجرة قد باتت آفة العصر، وصارت خطأ شائعاً، فالذي يحارب ظاهرة الهجرة صار شاذّاً، وقد تغيّرت المفاهيم، وصار الصواب خطأ والخطأ صواباً، وباتت الهجرة هاجس الشباب، وبما أنّ الشباب هم محور الحياة ومستقبلها، فالخطر الأكبر يقع عليهم، أو بالأحرى يقع على الدولة والمجتمع من خلال هجرة الشبّان.

بالمقابل تعصف بالإنسان في وقتنا الراهن المتغيّرات الاجتماعية والفكرية والاقتصاديّة والسياسية، وقد تعقّدت الحياة، وتعدّ الحروب العامل الأكبر لقلق الناس وخاصّة قلق الشباب من المستقبل، لذلك تطوّر هذا القلق وأضحى توتراً وضيقاً واكتئاباً، وما فتئت الهجرة حلمَ هذا الشاب الوحيد للتخلّص من الوضع الذي فيه، فانعكست بذلك خطورة قلق المستقبل سلباً على إدراك الشباب لفاعليتهم وقدراتهم الذاتية، فأمسوا يستسلمون للاضطرابات النفسية والسلوكيّة، فما عادوا يستطيعون التكيّف مع الواقع، وبما أنّ عدم الرضا عن الحياة يشكّل الهدف الرئيس لقلق المستقبل، فالسخط من الواقع يكدّر صفو الحياة، ليقع الشاب في فخّ الهموم والمشاكل، فتتحوّل الهجرة الحلّ الوحيد لدى ذلك اليائس للوصول إلى الخلاص الموجود في الهجرة؛ الفردوس المفقود.

  • أهمية البحث:

تكمن أهمّيّة الدراسة في التنقيب عن خطر الهجرة على الفرد والمجتمع على السواء، وعلى فئة الشباب على وجه الخصوص، وربط هذا المتغيّر بظاهرة قلق المستقبل، وما هي الحلول للحدّ من هذه الظاهرة؟!

إنّ طبيعة الواقع الذي نعيشه؛ هو واقع القلق الذي يؤثّر على شرائح المجتمع المختلفة، ومنهم فئة الشباب، كفئة تتطلّع نحو آفاق المستقبل التعليمي والمهني، لا سيما وأنّهم يتعرّضون لعدد من المتغيّرات المحيطة بهم، وأهمها القلق من المستقبل، فالتفكير في الاستقرار والأمن، والمستقبل الوظيفي، والوارد المالي، والخلاص من واقع الحرب، والنزاعات، والتمييز العنصري والديني، عوامل تؤثّر بشكل مباشر وغير مباشر في البحث عن عالم بعيد عن هذا الواقع.

  • أهداف البحث:

يسعى الباحث في هذه الدراسة إلى أن يربط بين الهجرة وخطورتها وبين قلق المستقبل، فيستقصي تأثير متغيّر قلق المستقبل في الدافع الرئيس وراء هجرة الشباب، ليدرك مدى تحوّل هذه الحالة التي من المفترض أن تكون حالة طارئة إلى حالة غير طبيعيّة وغير طارئة؛ وذلك لطول المسبّب لهذه الحالة، وليس لطول مدّة قلق المستقبل عند البعض.

  • أسئلة البحث:
  • ما هي العلاقة بين الهجرة الطوعيّة الدائمة وقلق المستقبل في مرحلة الشباب؟
  • ما هي الهجرة، وأنواعها، وأسبابها، وآثارها؟
  • ما خطر الهجرة الطوعيّة الدائمة على الفرد والمجتمع؟
  • ما هو قلق المستقبل، وأسبابه، ونتائجه، وطرق معالجته؟
  • ما هي الأسباب التي تؤدّي إلى قلق المستقبل؟
  • ما هي الحلول والمقترحات للحدّ من الهجرة وقلق والمستقبل؟
  • متغيّرات البحث:
  • المتغير المستقل: هو قلق المستقبل.
  • المتغير التابع: هو الهجرة.
  • حدود البحث:
  • الحدود الزمانية: تمّ إجراء هذه الدراسة في عام 2023.
  • الحدود المكانية: الشرق، سوريا، شمال وشرق سوريا، الرقّة وكوباني.
  • الحدود البشرية: الاقتصار على فئة الشباب ما بين (17- 30) سنة ذكوراً وإناثاً.
  • الحدود النوعيّة: تقتصر هذه الدراسة على الهجرة الطوعيّة الدائمة وهي نوع من أنواع الهجرة، وعلاقتها بقلق المستقبل في مرحلة الشباب.
  • منهج البحث:

اعتمد الباحث في الدراسة الحاليّة المنهج الوصفي التحليلي، إذ يفيد المنهج الوصفي في رصد ظاهرة الدراسة كما توجد في الواقع ويهتمّ بوصفها وصفاً دقيقاً من خلال التعبير النوعي الذي يصف الظاهرة ويوضّح خصائصها، وتمثلت إجراءات البحث بالاطّلاع على الأبحاث السابقة، والاستفادة منها ومقارنتها، واستنباط الأسباب وربطها، واستخلاص النتائج.

  • مصطلحات البحث:

قلق المستقبل: هو النظرة التشاؤميّة نحو المستقبل في ظلّ معتركات الحياة الصعبة وتقاطعها مع الأحداث السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فأكثر ما يؤرّق الناس هو خوفهم من المجهول ذلك الشبح الذي يسمّى بالمستقبل الغامض. مقداد، غالب رضوان زياد (2015)

  • دراسات سابقة:
  • دراسة حسانين، أسامة محمد عبد الرحمن (2010):

عنوان الدراسة: بعنوان علاقة تعرّض المراهقين للتليفزيون المصري باتجاهاتهم نحو الهجرة غير الشرعيّة إلى أهم الوسائل الإعلاميّة التي يحصل منها المراهقين.

هدف الدراسة: البحث عن معلومات حول الهجرة غير الشرعيّة، والكشف عن أسباب هذه الهجرة غير الشرعية.

عينة الدراسة: كانت عينة الدراسة قوامها 400 مفردة تتراوح أعمارهم بين (17-19سنة) في سنة المرحلة الجامعيّة في مصر في محافظات القاهرة و7 أكتوبر والشرقيّة من الذكور فقط، لدراسة العلاقة بين تعرّض المراهقين عينة الدراسة للتليفزيون المصري باتجاهاتهم نحو الهجرة غير الشرعيّة.

منهج الدراسة: اتبعت الدراسة منهج المسح الإعلامي.

أدوات الدراسة: اعتمدت الدراسة على أداة الاستبيان ومقياس الاتجاه واستمارة المستوى الاجتماعي والاقتصادي كأسلوب لجمع البيانات في هذه الدراسة.

نتائج الدراسة: توصلت الدراسة إلى النتائج التالية: خسائر الوطن في هجرة الكفاءات والعقول ويترتّب عليه التخلّف، والخسائر المادّية للمهاجر غير الشرعيّ، وقد يتورّط المهاجر غير الشرعيّ أو يتمّ اتهامه بالقيام بعمليات إرهابيّة، ووجود أسر مصرية بلا عائل.

دراسة الرشيدي، بنيان باني دغش القلادي (2017):

عنوان الدراسة: قلق المستقبل والفاعلية الذاتية لدى طلبة كلّية المجتمع في جامعة حائل في ضوء بعض المتغيّرات.

هدف الدراسة: بحث العلاقة بين قلق المستقبل والفاعلية الذاتية.

عينة الدراسة: عيّنة مكونة من (301) طالب وطالبة بتخصّص (الحاسب الآلي، إدارة الأعمال) من طلبة كلية المجتمع بجامعة حائل.

أدوات الدراسة: وقد استخدم الباحث مقياس قلق المستقبل ومقياس الفاعلية الذاتية وبعد جمع المعلومات وتحليل النتائج عبر التحليل الإحصائي.

نتائج الدراسة: وجدت الدراسة عدّة نتائج ومن أهمها: توجد علاقة عكسية ذات دلالة إحصائيّة عند مستوى (0.01) في أغلب معاملات الارتباط لأبعاد قلق المستقبل والدرجة الكلّية مع الفاعليّة الذاتيّة عدا بعد قلق الصحّة والموت والذي لم يكن دالاً إحصائيّاً، وهذه النتيجة تشير إلى وجود ارتباط سلبي بين قلق المستقبل والفاعليّة الذاتية حيث صاحب ارتفاع قلق المستقبل انخفاض في الفاعلية الذاتية لدى طلبة كلية المجتمع بجامعة حائل.

  • دراسة الكريديس، د. ريم سالم علي الكريديس (2015)

عنوان الدراسة: قلق المستقبل وعلاقته بالرضا عن الحياة لدى طالبات جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن.

هدف الدراسة: وقد أوضحت الدراسة العلاقة بين قلق المستقبل والرضا عن الحياة، والتعرّف على الفروق في متغيّرات الدراسة بسبب متغيّر (العمر، الحالة الاجتماعيّة).

عينة الدراسة: تكونت عينة الدراسة من 545 طالبة في جامعة الأميرة نورة.

أدوات الدراسة: واستخدمت مقياس قلق المستقبل، ومقياس الرضا عن الحياة، وجاءت نتائج الدراسة بوجود علاقة بين مستوى قلق المستقبل وبين الرضا عن الحياة.

نتائج الدراسة: كلّما ارتفعت درجات الرضا عن الحياة انخفضت درجات قلق المستقبل، وهناك فروق دالة إحصائياً في التفكير السلبي تجاه المستقبل، النظرة السلبية للحياة، المظاهر الجسميّة.

  • دراسة شلهوب، دعاء جهاد (2016):

عنوان الدراسة: قلق المستقبل وعلاقته بالصلابة النفسيّة (دراسة ميدانية لدى عينة في مراكز الإيواء المؤقّت في مدينتَي دمشق والسويداء).

هدف الدراسة: التعرف على مستوى قلق المستقبل والصلابة النفسية لدى أفراد عينة الدراسة ومدى العلاقة الارتباطيّة بين قلق المستقبل والصلابة النفسية لدى أفراد عيّنة الدراسة تبعاً لمتغيّرات الجنس (ذكور، إناث) الحالة الاجتماعيّة (عازب، متزوج) المستوى التعليمي (ثانوي، معهد، جامعة)، ودلالة الفروق بين متوسطات درجات أفراد عينة الدراسة على مقياسَي قلق المستقبل والصلابة النفسية تبعاً للمتغيّرات السابقة.

عينة الدراسة: وقد تمّ اختيار عينة الدراسة من الشباب الموجودين في مراكز الإيواء المؤقّت في دمشق والسويداء، وقد بلغ أفراد العينة المعتمدة 300 شاباً وشابة، بنسبة 1% من المجتمع الأصلي، والذين تتراوح أعمارهم بين (18) و(30).

أدوات الدراسة: مقياس قلق المستقبل من إعداد الباحثة ويتألّف من 33 بنداً موزّعين على خمسة مجالات وهي (المجال الاجتماعي، المجال الاقتصادي، مجال الموت، مجال العمل، المجال الإنساني).

نتائج الدراسة: أظهرت النتائج أنّ المستوى العام لقلق المستقبل لدى أفراد عينة الدراسة كان متوسّطاً، أمّا بالنسبة لمستوى قلق المستقبل على الأبعاد الخمسة، فقد كان على البعد الاجتماعي ضمن المتوسط، أما بالنسبة للبعد الاقتصادي كان عالياً، وعلى بعد العمل كان متوسطاً، وفيما يتعلّق ببعد الموت فقد كان عالياً، وكذلك كان عالياً على البعد الإنسانيّ.

  • دراسة ذهبية، حسين (2012):

عنوان الدراسة: قلق المستقبل لدى الفتاة العانس وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعيّ.

هدف الدراسة: دراسة آثار العنوسة وانعكاساتها على الصحّة النفسية للفتاة، ولا سيّما ظهور قلق المستقبل، ومدى تأثير هذا الأخير على توافقها النفسي، وذلك في ضوء متغيّرات السن، الوضعيّة المهنية والمستوى التعليمي.

عينة الدراسة: شملت عيّنة البحث على 103 فتاة عازبة.

أدوات الدراسة: وقد استخدمت الباحثة المنهج الوصفي، مستعينة في ذلك بمجموعة من أدوات القياس بمثّلث أساساً في: استبيان من إعداد الباحثة، مقياس التوافق النفسي ومقياس قلق المستقبل، وقد تمت معالجة البيانات باستخدام برنامج SPSS بالاعتماد على الأساليب الإحصائيّة التالية: المتوسّط الحسابي، الانحراف المعياري، تحليل التباين الأحادي، معامل الارتباط برسون، واختبار ت.

نتائج الدراسة: توصلت الباحثة إلى عدّة نتائج وهي؛ عدم وجود فروق بين المتوسط الحسابي لأفراد العينة والمتوسط الفرضي للمقياس، لكن توجد فروق على مقياس قلق المستقبل وفقاً لمتغيّر السن، لكن توجد فروق وفق متغيّر الوضعيّة المهنيّة، والمستوى التعليمي، وهناك ارتباط سالب ودال بين درجة قلق المستقبل ومستوى التوافق لدى الفتاة العانس.

  • تعقيب على الدراسات السابقة:
  • أوجه الاستفادة:
  • بناء الإطار النظريّ للبحث الحالي.
  • الاستفادة من منهجيّة الدراسات السابقة في صوغ مشكلة البحث الحالي.
  • الاستفادة من الدراسات السابقة في تفسير وتحليل نتائج البحث الحالي.

 

الفصل الثاني: الجانب النظري

المبحث الأوّل: متغيّر الهجرة

مقدّمة:

إنّ الهجرة تغيّر في بيئة الشخص الثقافية والطبيعية والاجتماعية والفكريّة لذلك سنتناول هذه الظاهرة من حيث التغيير النفسي.

كانت الهجرة وما زالت آفة العصر، وحصراً من الشرق منذ بداية القرن العشرين عندما نزح المشرقيّون من العرب والكرد والآشور وغيرهم إلى ما وراء البحار، هرباً من جور العثمانيين وجهلهم وتجهيلهم، فعندما كانت النهضة الغربيّة تنمو وتتفجّر في أوروبا، وأميركا كان الشرق يعيش تحت نير الحروب والصراعات والبحث عن لقمة العيش.

هذه البلاد التي كانت موطناً للخيرات، وأولى الحضارات باتت تعاني وتتألم إرضاء للعثمانيّ الذي كان منشغلاً بالحروب، وبالمقابل فتحت أميركا ذراعيها لاحتضان العقول، فصارت تستقبل المهاجرين، وإلى هذه اللحظة ظلت قضيّة الهجرة الشغل الشاغل للمفكّرين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والتربيّة، لوضع الحلول للحدّ لهذه الآفة التي أضحت تنهش في الوطن والفرد والمجتمع على السواء.

أنواع الهجرة:

  • الهجرة القسرية: لأسباب سياسيّة أو أمنيّة أو تغيير ديمغرافي أو تطهير عرقيّ، كما حصل في الحالة الأرمنية، والمجازر الكرديّة، والفلسطينيّة، أو تقسيم المنطقة حسب المعاهدات الدولية، كاتّفاقيّة سايكس بيكو، وغيرها من الهجرات القسرية.
  • الهجرة الطوعيّة: بحثاً عن تحسين الوارد الماليّ، أو تحصيل علمي.
  • الهجرة الداخلية: لتنقّل وظيفي أو تجارة ما، وليس لها خطر كبير ضمن وطن تحكمه نفس العادات والتقاليد.
  • الهجرة الخارجية: وتنقسم إلى قسمين:

هجرة خارجيّة غير خطرة: الهجرة من وطن إلى وطن آخر يتشابه في العادات والتقاليد واللغة، كهجرة العربيّ السوري إلى مصر أو السعوديّة، أو هجرة الكرديّ إلى مكان فيه الكرد، كهجرة الكرديّ من شمال وشرق سوريا إلى إقليم كردستان.

هجرة خارجيّة خطرة: هي الخروج من البيئة الثقافيّة والفكريّة واللغويّة والتاريخيّة أي انسلاخ عن الموطن، كهجرة السوريين إلى ألمانيا.

  • الهجرة الدائمة: كطلب اللجوء لدولة غربيّة، والحصول على الجنسيّة، والتخلّي عن جنسيته الأمّ.
  • الهجرة المؤقتة: كالهجرة إلى أوروبا للعلم، أو للتجارة.
  • الهجرة الشرعية: عن طريق تأشيرة نظاميّة، والخروج والعودة عبر المطارات أو غيرها دون رادع على المعابر الحدوديّة، ودون اللجوء إلى المهرّبين.
  • الهجرة غير الشرعية: مثل هجرة السوريين إلى أوروبا عبر البحار وركوب الأهوال عن طريق المهرّبين.

أسباب الهجرة:

تتلخّص أسباب الهجرة في عوامل التنفير في البلد الأصلي، وعوامل الاستمالة في البلد المستقبل، ويمكننا تلخيص هذه الأسباب فيما يلي:

  • الحرب: هي السبب الرئيس لكلّ أنواع الهجرات، بحثاً عن السلم والأمان، فالحرب تحرق الأخضر واليابس، وهي من صنع البشر.
  • الأسباب السياسية: كالهروب من حكم سياسيّ بالاعتقال، أو خوفاً من التطهير العرقيّ.
  • الأسباب الجنائيّة: كالهروب من حكم جنائي.
  • الأسباب الاقتصاديّة: بحثاً عن لقمة العيش أو تحسين الوضع المعيشيّ.
  • الأسباب الاجتماعيّة: لوصمة عار أو شرف أو خروج عن مبادئ وقيم المجتمع.
  • القروية والمدنية: هجرة القرويين إلى المدينة، وبالعكس.

الهجرة من وجهة نظر السياسة الاجتماعية:

يعتمد النظام العالمي الجديد أو الليبرالية على الهجرة، فالولايات المتّحدة الأمريكيّة تشكّلت من خلال الهجرة، فاللا انتماء هو الهدف الذي ينشده هذا النظام، فاللا هويّة تعني عدم الرضوخ للتاريخ، وبذلك يُبعد هذا النظام الفردَ عن ذاكرته المجتمعيّة، فالليبراليّة تشجّع على الهجرة، ليتبنّى الفرد هذا النظام العالمي الجديد الليبرالي هويةً لها، بديلاً عن هويته المفقودة، لذلك ينسف التاريخ، ليسهُلَ انخراطه في سوق العمل، وتبرز حينها حرّيّة الفرد؛ هذا الفرد الذي لا تحكمه العادات والتقاليد التي تكبّله، وتقيّد سوق العمل.

هذا النظام العالميّ الجديد يريد تفكيك المجتمعيّة وإبراز الفرديّة، لذلك تعتبر عملية التطهير العرقيّ والتغيير الديمغرافيّ عملاً يصبّ في بوتقة مصالحه، لإبعاد المجتمع والفرد عن هويّتهم، وهذه الهجرة غير الشرعيّة التي تحفّها المخاطر تُبرز الشجاع الجريء القويّ الذي يتحدّى المخاطر للوصول إلى سوق العمل، فهذه السوق لا تقبل الضعفاء، والفقراء الذين لا يستطيعون أن يهاجروا.

تعامل الغرب مع المهاجرين:

  • الدونيّة المجتمعيّة: لزجّهم في المعامل.
  • الدونيّة القوميّة: عندما طالبت ألمانيا على سبيل المثال بالدواعش فإنّها طالبت بالدواعش ذي الأصل الألماني فقط، وهذه الجنسيّة التي تعطى حبر على ورق، فيظلّ الألمانيّ ذا الأصل الألماني في العرف الاجتماعيّ هو المواطن رقم 1.
  • الدونيّة السياسية: وتنبثق عن الدونيّة السياسيّة، فلا يستطيع المهاجر أن يتبوّأ مناصب سياسيّة أو أمنيّة، فالمجتمع له دور في تحديد المرشّحين على سبيل المثال.
  • الدونيّة العقائديّة الدينيّة: على الرغم من القوانين الصارمة في الغرب التي تمنع من التدخّل في أديان المهاجرين، لكن الدين الطاغي هو المسيحيّة على سبيل المثال، فالدين الإسلامي أمر طارئ على ثقافتهم، فكلّ فترة تظهر مشاكل دينيّة كمنع الحجاب، أو الأذان.

 

إيجابيات الهجرة على الفرد والوطن: ليس كلّ متغيّر له أثره السلبي، فمتغيّر الهجرة له آثار إيجابيّة:

لا يمكن أن تكون للهجرة إيجابيات، لكن يمكن أن يكون لها تأثيرات إيجابية، لكن سلبيات الهجرة أكثر من الإيجابيّات، يمكن أن نلخّص الإيجابيّات فيما يلي:

  • الدخل المادّي: بالطبع صار هناك فارق كبير بين دخل الفرد السوريّ والبريطاني.
  • التعرّف على الحضارات: من خلال الهجرة تطوّرت الحضارات وتعلّمت من بعضها، وأثرت فيها.
  • كانت رسالة الأديان والأفكار السامية تنتشر عبر الهجرة.
  • احتماليّة عودة المهاجرين لموطنهم بمهارات جديدة ومتقدّمة.
  • الأمن والاستقرار.
  • الدخل الأجنبي يساعد الوطن: فالمهاجرون يرسلون الأموال إلى ذويهم، ولهذا تأثير إيجابي على الدولة السورية على سبيل المثال، فمعظم الناس لا يعتمدون على دخل الفرد المتدنّي، فراتب الموظّف لا يتجاوز 25 دولاراً، في حين هناك تضخّم كبير، بالمقابل لهذا تأثير سلبي على الدولة الغربيّة، فالمال يخرج منها.
  • قلة نسب البطالة.
  • الكيان الصهيوني في إسرائيل مبنيّ على المهاجرين، وكل فرد من ثقافة ولغة، وهذا التنوّع أفاد هذا الكيان الصهيونيّ.
  • الكثافة السكانية: عندما تزداد الهجرة تقل الكثافة السكانيّة وخاصّة في المدن، وهذا يؤثّر على انخفاض سعر آجار المنازل، والازدحام.
  • ازدياد الشتات غير المندمج: ونيويورك أكبر مثال على ذلك، وهذا يؤثّر على تنوّع الثقافات.

أضرار الهجرة على الفرد المهاجر ومجتمعه ووطنه:

  • الاغتراب النفسي، والتشظّي، والانشطار الروحي، واللاهوية، والابتعاد عن الذاكرة الأخلاقيّة والمجتمعيّة، وتفكّك الأسرة، وغيرها من الآثار النفسية كالاكتئاب، والسوداوية، والانعزاليّة.
  • تجهيل المجتمعات التي غادرت منه العقول.
  • سيطرة (الإنسان المناسب في المكان غير المناسب) أو العكس.

أضرار الهجرة على المجتمَع الذي هاجر إليه:

  • التأثير على ضرائب الفرد.
  • ارتفاع سعر آجار البيوت كما حصل في تركيا.
  • ازدياد البطالة: بالطبع تعتبر البطالة عاملاً مربحاً للشركات والمصانع، وهذا يخدم سوق العمل، فكلّما زادت البطالة تحكّمت المصانع والشركات بالعمال والموظّفين.
  • انخفاض أجور العمال: فالعامل غير الشرعي مرغوب لدى المصانع، فليس له تأمين صحّي ولا تقييد بساعات العمل، ويمكن طرده بسهولة.
  • التغيير الديمغرافي: كما حصل في التغريبة الفلسطينية والعفرينية.

 

المبحث الثاني: قلق المستقبل

لقد بات التفكير في المستقبل الشغلَ الشاغلَ لمعظم الفئات العمريّة من الناس، وخاصّة التفكير والخوف من المستقبل الغامض، وهذا التفكير هو الهاجس الذي يراود المجتمعات والدول على السواء، في ظلّ الكوارث والحروب، وصراع الحضارات، والتسارع في مواكبة العلم والتكنولوجيا، والحروب بكلّ معانيها.

ولا شكّ أنّ التكنولوجيا والتطوّر المعلوماتي قد فتح الآفاق، وصارت الناس تتسابق للوصول إلى الإنسان الكامل، من خلال التركيز الإعلاميّ على المشاهير والغنى الفاحش، والنظرة المادّية التي باتت تفتقر للقيم، مع سيطرة الإعلام الليبرالي الذي لا يعترف بالروحانيات والمثل، بل صار الهدف الأسمى هو المال، والشهوات.

يعرف برهو، د. محمد (2023) القلق؛ على أنّه خوف غالباً ما يكون مجهول السبب حيث يصبح المراهق فجأة متهيجاً وغير مستقر، وغالباً ما تظهر عنده أعراض جسمية كالدوخة، أو الصداع، أو الغثيان مع شيوع اضطرابات النوم لديه، وغالباً ما ينسب المراهق أسباب قلقه إلى متغيرات خارجية، إلّا أنّ الأسباب الحقيقية لقلقه كثيراً ما تكون ناتجة عن علاقات المراهق بوالديه أو انشغاله الشديد بظروف ومطالب نموه أو الخوف، وقصور الحيلة في التعامل مع نزعاته الجنسية أو العدوانية وغيرها من النزعات والمشكلات النفسية والاجتماعية الناتجة عن صعوبة التكيف مع الإطار الاجتماعي والديني والسلطوي الذي يعيش فيه، ونتيجة لقصور خبرة المراهق وقلة حيلته لحل مثل هذه المشكلات فيجب مساعدته على تجاوز محنته من قبل أولياء الأمور أو المدرسين أو المختصين خاصة إذا كانت نوبات القلق هذه متكررة وتستغرق أوقات طويلة، العلاج المبكر له أهمية حتى لا تصبح مظاهر القلق أسلوباً دائماً في الحياة.

إنّ قلق المستقبل يكون بفعل عوامل اجتماعية ثقافية سياسيّة كالحرب، وأزمة السكّان، وضعف الانتماء للوطن، وفقدان الهويّة، ودخل الفرد، وغيرها من العوامل التي تؤدّي بالشاب إلى اليأس من المكان الذي فيه، والتطلع إلى الهجرة.

ويرى مقداد، غالب رضوان زياد (2015) أنّ مريض القلق لا يورث هذا المرض لأبنائه عبر (الجينات)، ولكن ما يقصد به هو توريثه الاستعداد الوراثي، وينتظر التحفيز من المحيط، وبصورة أخرى يتفاعل العامل الوراثي للشخصية مع العوامل الأخرى المحيطة التي قد تؤدّي إلى ظهور أو تحفيز القلق.

فالقلق من أكثر السلبيات التي تصاحب الإنسان منذ ولادته حتّى نهاية حياته، حيث يظهر في المواقف التي يدركها الفرد على أنّها مهدّدة، ممّا يشعره بالانزعاج والضيق منها. وتعدّ ظاهرة القلق بصفة عامّة وقلق المستقبل بصفة خاصّة في مجتمع مليء بالتغيّرات في المجالات كافّة، لما يتولّد معها من الشعور بعدم الارتياح، وافتقار الأمن النفسي، وتدنّي اعتبار الذات، ومواجهة الضغوط الحياتيّة، والتفكير السلبي تجاه المستقبل. (شلهوب، دعاء جهاد 2016)

عرّفت الباحثة؛ ذهبية، حسين (2012) قلق المستقبل بأنّه أحد أنواع القلق العام، يتميّز بوجود استعداد له، وهو خبرة انفعاليّة غير سارة تتسم بالترقّب والتوجّس وعدم الاطمئنان والخوف ممّا يحمله المستقبل الأكثر بعداً.

في حين أشار الرشيدي، د. بنيان باني دغش القلادي (2017) إلى أنّ قلق المستقبل وما يرتبط به من آثار سلبية على تفكير الطلبة، وقد ينعكس على مدى كفاءتهم أثناء أدائهم للمهام والواجبات المختلفة التي يكلّفون بها.

في حين تنظر الباحثة شلهوب، دعاء جهاد (2016) إلى قلق المستقبل بنظرة إيجابيّة عندما يكون في حدوده المنطقيّة؛ من حيث دفع الشخص للإحاطة بكلّ الاحتمالات ممكنة الحدوث مستقبلاً سواء كانت إيجابيّة أم سلبية، والوصول بالتالي إلى التخطيط المنظّم للمستقبل، ومواجهة تلك الأحداث بمزيد من الثقة والتحدّي.

لقد بات المستقبل مصدراً من مصادر القلق، باعتباره مساحة لتحقيق الرغبات والطموحات، وتحقيق الذات والطاقات الكامنة، فأحداث الحياة اليومية وضغوطها وصدماتها ومسرّاتها، يتطلّب منّا ردود أفعال نحو أحداث الحياة، والتي تشكّل خبراتنا فتجعل سلوكنا وفق هذه الخبرات في حاضرنا، واستشراف المستقبل، ومن ثم نؤول مستقبلنا، باعتبار خبراتنا مِحكّات أساسيّة في رسم تصوّرنا عن الأحداث المستقبليّة، فالخبرات غير السارة بوصفها أحداث صدميّة تشعرنا بعدم التوازن فيتولّد القلق لدى الفرد، فيرى المستقبل بصورة مؤلمة. (الكردييس، د. ريم سالم علي 2015)

يستنتج الباحث (مقداد، غالب رضوان زياد 2015) أنّ منبت القلق حسب ما جاءت النظريّة المعرفيّة يرجع إلى تبنّي الأفراد أفكاراً غير عقلانيّة، ومعتقدات خاطئة ومسلكيّات غير منهجيّة نمطيّة في التعامل مع المواقف والأحداث، فهم يضخّمون المواقف التي تواجههم ويتوقّعون حدوث السيء، ممّا يسبب لهم في نهاية المطاف القلق والتوتر.

لا يشكّل قلق المستقبل اضطرابًا في حدِّ ذاته، إنما يعدّ عرضًا شائعًا للعديد من الاضطرابات المرتبطة بالقلق، مثل القلق العام.

شعر معظم الأشخاص بالقلق في كثيرٍ من الأحيان قبل القيام بشيءٍ جديد، أو أداء مهمة كبيرة، أو التجهيز لحدث كبير في الحياة، مثل: القلق قبل أداء الامتحان، أو الانتقال إلى منزلٍ جديد، أو الذهاب برحلة كبرى، ويعدُّ هذا القلق من الأمور المستقبلية أمرًا طبيعيًّا، إلا أنّه يعدّ حالةً غير طبيعية في حال تجاوزه الحد الطبيعي، مثل استمراره لعدة ساعات، أو أيام، أو أسابيع، أو حتى شهور قبل وقوع الحدث، فمصطلح قلق المستقبل، أو القلق التوقعي عن الشعور بالقلق الشديد والمبالغ به بسبب التفكير في الأحداث والمواقف التي قد تحدث في المستقبل.

 

المبحث الثالث: الربط بين المتغيّرين

من خلال هذه الحرب التي طالت على سوريا، والتي لم تتلخّص بحلّ سياسيّ على المدى القريب أو البعيد، وتوالي النكبات والمآسي بكلّ أنواعها على الشعب السوريّ برمّته، وتوالي التهديدات خاصة التركيّة على شرق الفرات؛ أي المنطقة الشماليّة من سوريا، وبما أنّ مدينة كوباني على سبيل المثال وقراها تحت التهديد المباشر للحكومة التركيّة التي لا تتوانى عن تجديد تهديداتها لشمال وشرق سوريا وخاصة كوباني، فقد أصبح قلق المستقبل آفة تنخر في تفكير المواطنين وخاصّة فئة الشباب منهم.

وأضحت شمال وشرق سوريا الموطن الذي طرد الإرهاب الداعشي، وقدّم العديد من الشهداء، ولم تتخلّص من التهديدات منذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا في آذار 2011 أي قبل اثنَي عشر عاماً وحتّى الآن، فكانت هناك مآسٍ كثيرة على الشعب ومن ضمنها النظام التربوي والتعليمي، وقد تعرض معظم الناس للقلق في مواقف متعدّدة في الحياة، خاصّةً في المواقف التي تتطلب اتّخاذ قرارات مصيرية أو صعبة، ويعّد القلق شعورًا طبيعيًّا في معظم الحالات، إلّا أنّه من الممكن أن يشكّل القلق المبالغ به اضطرابًا لدى بعض الأشخاص، وقد تفشّى قلق المستقبل بين الشباب، فأدى ذلك إلى التفكير بالهجرة.

إنّ مصطلح قلق المستقبل، أو القلق التوقّعي عن الشعور بالقلق الشديد والمبالغ به بسبب التفكير في الأحداث والمواقف التي قد تحدث في المستقبل، ولا يشكّل قلق المستقبل اضطرابًا في حدِّ ذاته، إنما يعدّ عرضًا شائعًا للعديد من الاضطرابات المرتبطة بالقلق، مثل القلق العام.

فقد شعر معظم الأشخاص بالقلق في كثيرٍ من الأحيان قبل القيام بشيءٍ جديد، أو أداء مهمة كبيرة، أو التجهيز لحدث كبير في الحياة، مثل: القلق قبل أداء الامتحان، أو الانتقال إلى منزلٍ جديد، أو الذهاب برحلة كبرى، ويعدُّ هذا القلق من الأمور المستقبلية أمرًا طبيعيًّا، إلا أنّه يعدّ حالةً غير طبيعية في حال تجاوزه الحد الطبيعي، مثل استمراره لعدة ساعات، أو أيام، أو أسابيع، أو حتى شهور قبل وقوع الحدث، وقد تحوّل هذا المتغيّر الذي من المفترض أن يكون متغيّراً طارئاً إلى متغيّر غير طبيعيّ وغير طارئ؛ وذلك لطول المسبّب لهذه الحالة، وليس لطول مدّة قلق المستقبل عند البعض، ويمكن أن يتحوّل إلى ظاهرة.

بالطبع يتأثّر الشبّاب بهذه الحرب النفسيّة المروّعة التي تُلخّص الكون كلَّه في البحث عن المال، واختصار كلّ شيء في الوارد المالي، ودخل الفرد، وصارت هذه المنظومة الإعلاميّة تلخّص سعادة الدول بمدى تحصيلها المالي.

عندما تتحدّث مع معظم الشباب عن القيم والتاريخ والمبادئ والحضارات والعلماء السابقين والمتصوّفة والثائرين والأنبياء والقدّيسين فكأنّك تتحدّث عن الأساطير، فهو في عالم بعيد كل البعد عمّا تقول، وذلك لسيطرة الإعلام عليه، من خلال هذا الهاتف النقّال الذي يوجّهه، ويربّيه، ويرشده، ويحدّد له الأهداف السلوكيّة في الحياة.

فالشباب هم المستقبل، وإذا كانوا يعيشون في حالة فصام عن المجتمع، فهذه كارثة، والكارثة أكبر من أن يختلط متغيّر الحرب مع متغيّر قلق المستقبل.

فالإنسان يعيش في الوقت الحاضر في عالم متغير، حيث الحياة تتعقّد، وتجعل الإنسان غير قادر على تحقيق هدفه، ولم تعد الأهداف قادرة على أن تجلب الطمأنينة، والأمن النفسي، فالقلق من المستقبل، وما يحمله من مفاجآت وتغيّرات تتخطّى قدرة الكائن على التكيف معها، وهذا ما يجعل التوتر النفسي شديداً، ومن ثم تكون استجابته متطرفة في محاولة منه للتقوقع بعيداً عن هذه التغيرات المتلاحقة، ومن هنا يشكل المستقبل، والاهتمام به الأولوية في حياة الشاب، وهذا ما أكّدته العديد من النظريات و الدراسات، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة القيام بدراسة علمية من أجل تعرفنا على أهمية هذا المتغيّر لدى شريحة مهمة من شرائح المجتمع؛ وهم الشباب. (محمد، هبة مؤيد 2010) العراق

ممّا لا شك فيه أنّ التفكير والخوف من المستقبل من الأمور التي أصبحت لا تشغل بال أو فكر الشباب فقط، بل أصبح التفكير في المستقبل، والتنبؤ به من الأمور التي تهمّ المجتمعات والشعوب المتحضرة، والتي تحاول أن تجد لنفسها موضعاً على الخريطة العالمية والدولية.

والشباب اليوم، هم المستقبل، ويفكرون بشكل كبير فيه، ويتخوفون منه، وما يخبئه لهم، فغالبية الشباب لديهم ترقّب وخوف من المستقبل من أشياء محددة فعلى سبيل المثال لا الحصر ينبع القلق من المستقبل من ( عدم وجود صديق وفي – القلق العاطفي، والخوف من عدم الارتباط بالشخص المناسب – عدم تحقيق الطموحات المادية والرياضية – الخوف من الموت ومن العقاب في الآخرة – عدم تكوين أسرة، بل والفشل في تربية الأبناء أو عدم توفير جو صحى وتربوي لهم – الخوف الشديد من موت صديق أو شخص عزيز – الخوف من ضياع وضعف الدين ودخول الشكوك فيه، وتدهور بعض الأوضاع الدينية، فيظهر اليوم على الفضائيات الخلافات الدينية والخلاف بين الدعاة حول الأمور أو القضايا الدينية – أيضا كثرة برامج الفضائيات دون رقابة حقيقية – عدم سيطرة فكرة العمل الجماعي – الخوف من عدم وجود عمل ثابت بعد سنوات الدراسة – الشعور بالوحدة في المستقبل). (فراج، محمّد أنور إبراهيم 2006) مصر.

وبالإضافة إلى ما ذكره الدكتور فرّاج نضيفُ ما يلي:

  • ازدياد قضايا الإلحاد: خاصّة ردّة الفعل على ممارسات الجماعات الإسلاميّة الأصوليّة المتشدّدة المسلّحة، كداعش.
  • الابتعاد عن الواقع من خلال الانغماس في عوالم بعيدة كلّ البعد عن واقعه، فعوالم النت والمسلسلات والأفلام تسيطر عليه.
  • ضعف الرقابة الأبويّة: ما خلق فجوة بين الآباء والأبناء، فكلّ منهم منشغل بالهاتف النقّال، وكلّ منهما يقاد من المنظومة الإعلاميّة العالميّة.
  • ضعف الانتماء الوطني، وزعزعة القيم الأخلاقيّة، والارتباط بالذاكرة الأخلاقيّة المجتمعيّة.

وممّا دفع الباحث إلى الاهتمام بالهجرة الطوعيّة الدائمة وعلاقتها بقلق المستقبل في مرحلة الشباب هو أنّ موضوعَي الهجرة وقلق المستقبل يمثّلان موضوعاً خصباً، ومن موضوعات الاهتمام الحديثة والمعاصرة نسبياً على المستويين النظري والواقعي حيث يعتبران من الموضوعات المهمّة، فالإنسان بطبيعته عندما ينظر ويتأمّل المستقبل، فإنّه يخاف من الكثير من الأشياء التي يخاف من مواجهتها، وخاصّة في هذه المأساة السوريّة، ففي كلّ يوم شهيد، وفي كلّ يوم هناك صديق أو عزيز أو جار يستشهد، أو يغادر ويهاجر، فكلّ هذه العوامل تؤدّي بالشاب إمّا إلى أن يواجه الواقع ويتحدّاه، أو يستسلم لقلقه وهروبه، فيزيد الطين بلّة.

إنّ كل أنواع القلق لدينا لها بعد زمني قصير ومحدود نسبيّاً يؤثر فينا لمدة فترات زمنية محدودة على العكس فإنّ قلق المستقبل يشير إلى التأثير بعيد المدى إلى المستقبل البعيد. (فراج، محمّد أنور إبراهيم 2006) مصر.

 

المبحث الرابع: توصيات ومقترحات

  • توعية الشباب فيما يتعلق بمستقبلهم من خلال ربطهم بوطنهم، وتعزيز الجانب الأخلاقيّ، والقيم والمبادئ السامية، فمن دون معنى لا جمال للمبنى.
  • إجراء بحوث ودراسات عديدة تتناول متغيرات قلق المستقبل، وربطها بمتغيّرات أخرى.
  • عقد ندوات ومؤتمرات ودورات إرشاديّة عن أخطار الهجرة، وترسيخ القيم الوطنيّة والأخلاقيّة والمجتمعيّة، فالهجرة ليست أمراً طبيعيّاً، فالطائر الذي يمتلك أجنحة لا يترك الصحراء على سبيل المثال، ولا يفضّل مكاناً جميلاً كشاطئ البحر على موطنه، مع أنّه ليس بحاجة إلى جواز سفر، أو تأشيرة، أو إقامة، أو مخاطر البلم؛ ليهاجر.
  • افتتاح مدارس خاصّة بالمتفوّقين، تضمن محفّزات مثل؛ مجانية الإقامة، وراتب يغطي نفقاتهم الدراسيّة، وضمان توظيفهم بعد تخرّجهم.
  • الترويج لعظمة الشرق والوطن، وهذا ليس تزييفاً، بل هو التاريخ المخفيّ، فالترويج الإعلاميّ الغربيّ للخراب الشرقيّ، وتصوير الشرق على أنّه موطن الفوضى والدمار والقهر والإرهاب والجهل، وكلّ ذلك لتهيئة الشارع الغربيّ لتقبّل المهاجرين.
  • الفقر هو أهم عوامل قلق المستقبل، لذلك يمكن تشجيع الفئات الشابة للانخراط في العمل، وتأمين فرص عمل لهم.
  • الإعلام لا يغطّي مساوئ تعامل الغرب مع الشاب المهاجر، فتنظيم حملات إعلاميّة للحدّ من ظاهرة الهجرة هو الحلّ ليطلّع الشاب على مساوئ الهجرة، فليست الهجرة عبارة عن صور يرسلها المنغمسون في قيعان الاغتراب، لا يستطيعون أن ينقذوا فيها أنفسهم.
  • سرد قصص عن المهرّبين، وخطورة طريق الهجرة.
  • تفعيل دور المؤسسات الاجتماعيّة للحدّ من قلق المستقبل.
  • تفعيل الوحدات الإرشادية في المدارس والجامعات، والكومينات.
  • التوعية الدائمة للطلاب والشباب عن دورهم العظيم، وتعزيز الثقة، والصلابة النفسية، والفاعلية الذاتية، وتعزيز الرضا عن النفس.

 

قائمة المراجع

المراجع العربيّة:

  • البرهو، محمّد (2023). علم نفس النمو، محاضرات لطلاب ماجستير التربية، جامعة كوباني، سوريا.
  • حسانين، أسامة محمد عبد الرحمن (2010). علاقة تعرّض المراهقين للتليفزيون المصري باتجاهاتهم نحو الهجرة غير الشرعيّة، جامعة عين شمس، مصر.
  • ذهبيّة، حسين (2012). قلق المستقبل لدى الفتة العانس وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر 2، قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطوفونيا.
  • الرشيدي، بنيان باني دغش القلادي (2017). قلق المستقبل والفاعلية الذاتية لدى طلبة كلّية المجتمع في جامعة حائل في ضوء بعض المتغيّرات، مجلة كلّية التربية جامعة الأزهر الجزء الثاني، يوليو، العدد (174).
  • شلهوب، دعاء جهاد (2016). قلق المستقبل وعلاقته بالصلابة النفسيّة (دراسة ميدانية لدى عينة في مراكز الإيواء المؤقّت في مدينتَي دمشق والسويداء)، رسالة ماجستير، جامعة دمشق، كلية التربية، قسم علم النفس.
  • فراج، محمّد أنور إبراهيم (2006). قلق المستقبل وعلاقته ببعض المتغيرات لدى عينة من طلاب كلية التربية جامعة الإسكندرية. دراسة، جامعة الإسكندرية، مصر.
  • الكريديس، ريم سالم علي (205). قلق المستقبل وعلاقته بالرضا عن الحياة لدى طالبات جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، مجلة الإرشاد النفسي، العدد (42).
  • محمد، هبة مؤيد (2010). قلق المستقبل عند الشباب وعلاقته ببعض المتغيرات، مجلة البحوث التربوية و النفسية، جامعة بغداد مركز البحوث التربوية و النفسية، المجلد 2010، العدد 26-27 (30 سبتمبر/أيلول 2010)
  • مقداد، غالب رضوان زياد (2015). قلق المستقبل لدى مرضى الفشل الكلوي وعلاقته ببعض المتغيّرات، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلاميّة، كلّيّة التربيّة، قسم علم النفس، غزة.

مراجع النت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى