أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتمصطفى شيخ مسلمملف العدد 56

جبهة التحرير الوطني لفيتنام «الفيتكونغ»

مصطفى شيخ مسلم

جبهة التحرير الوطني لفيتنام «الفيتكونغ»

مصطفى شيخ مسلم
مصطفى شيخ مسلم

مصطفى شيخ مسلم

كما الحال بالنسبة لكل الدول التي تحوي صراعاتٍ مُختلفة، أغلبها عسكرية، كان لفيتنام باعٌ طويل في حربٍ

لرُبَّما لم تُشفَ منها إلى يومنا هذا، وُصِفَتْ بأنَّها الحَرب الأكثر دَمَويّة في القرن العشرين، بحسب المؤرخين

والمعاصرين لتِلك الحرب، حيثُ بَلَغتْ خسائِر الطرفين الملايين ما بين قتيلٍ وجريح.

هَذِهِ الحَرب الضَروس التي دارتْ رُحاها ما بين جبهة التحرير الوطني لفيتنام والتي تُعرف أيضاً باسم

«الفيتكونغ» إذ حاربتْ ضِدَّ الولايات المتحدة الأمريكية، والحكومات الفيتنامية الجنوبية آنئِذٍ، حيث كانتْ

«الفيتكونغ» منظمة سياسية جماهيرية في جنوب فيتنام وكمبوديا مع جيشها – قوات التحرير الشعبية

المسلحة لجنوب فيتنام (PLAF).

من هم «الفيتكونغ»؟ هو المُصطَلح الذي أطلقته حكومة سايغون على القطَّاع العسكري الثائر من جبهة

التحرير الوطني، والتي تم الإعلان عنها مطلع العام 1960.

وكلمة «فيت ـ كونغ» التي دَرجتْ عام 1956 تعني باللغة الفيتنامية «الشيوعيين الفيتناميين». وجبهة التحرير

الوطني تُمَثِل الواجهة السياسية للحزب الشيوعي الفيتنامي، «لاودونغ» ـ أو حزب العمال الفيتنامي ـ الحزب

الشيوعي الحاكم في الشمال. وجبهة التحرير الوطني و«الفيتكونغ»، لا يضمان أحداً من المواطنين غير

الشيوعيين. فهما جهتان تنتميان إلى حزب واحد، تَنوَّعتْ أسماؤه، في مراحل مختلفة من الحقبة السياسية لِفيتنام.

إلاّ أنه بقي حزباً شيوعياً واحداً منذ تأسيس حزب الهند الصينية الشيوعي عام 1930. وعلى عكس منظمة

«فيت ـ منه» التي تعني باللغة الفيتنامية، الوطنيين الفيتناميين ـ والتي تسلّل إلى صفوفها الشيوعيون عام

1940 تحت ستار محاربة الاستعمار الفرنسي، انتهت بتصفية الوطنيين غير الشيوعيين منها في نهاية عام

1945، قبل تصفية فرنسا من الهند الصينية عام 1954.

فقصة «الفيتكونغ» ـ ومعها «الفيت ـ منه» ـ تعود إلى أوائل الثلاثينيات من القرن المُنصَرِم. وأشخاصها لا

زالوا معنا حتى يومنا هذا، فتحت إمرة ورعاية وتوجيه الرجل الذي أطلق على نفسه اسم هوتشي منه، تأسس

حزب الهند الصينية الشيوعي مطلع يناير عام 1930. ولفترةٍ من الزمن، انشغل الشيوعيون الفيتناميون ببناء

كوادر حزبهم وتَصقيل نفوذهم بدخولهم في المنظمات الوطنية المعادية لفرنسا وَقتَذاك، بُغية إقصاء العناصر

الوطنية غير الشيوعية عنها بِكُل السُبُل المُتاحة حينئِذٍ، بما في ذلك كشف أسمائهم للسُلطات الاستعمارية

الفرنسية في فيتنام. وفي عام 1941، انضمّ الشيوعيون الفيتناميون إلى «جامعة الاستقلال الفيتنامي» أو

«الفيت ـ منه» كما عُرِفَتْ فيما بعد، وهي منظمة وطنية لطالما شجّعها الصينيون الوطنيون لمحاربة اليابان في

الهند الصينية.

وبين عام 1958 وعام 1960، كان دور هانوي دوراً بعيداً عن الأضواء. فقد ظَلَّتْ العمليات في الجنوب،

عمليات لا تحمل وُسُوم الشمال الرسمية حتى منتصف عام 1960، حتَّى بدأت هانوي تلمّح لتأييدها الفيتكونغ

بشكلٍ خَجول، بل وتدعو رجالات القبائل للثورة، واعدة إياهم بدعم لا متناهٍ من «حكومة هوتشي منه

المحبوبة».

وفي ذلك العام بالذات، تحولت عمليات الفيتكونغ إلى عمليات علنية، وتبنَّى الحزب الشيوعي ثورة الفيتكونغ

على الجنوب بشكلٍ رَسمي في المؤتمر الوطني الثالث في سبتمبر عام 1960.

وانبثقت جبهة التحرير الوطني في يناير عام 1961 عن برنامج كامل لمحاربة «نظام ديم الفاشيستي في

الجنوب»، مؤلف من عشر نقاط. وأصبح الفيتكونغ الجناح العسكري للجبهة بشكلٍ رسمي، وبقيت الجبهة

واجهة سياسية لتنفيذ ما تريده هانوي.

وبعد مضيّ أكثر من قرن وربع قرن، تقف الولايات المتحدة وجهاً لوجه أمام عدو فيتنامي من جهة، ومع

حليف فيتنامي من جهةٍ أخرى.

والعدو الفيتنامي عسكرياً، هو الفيتكونغ في الجنوب والقوات النظامية لفيتنام الشمالية، وسياسياً جبهة التحرير

الوطني، الذراع السياسية للفيتكونغ في الجنوب، والنظام الشيوعي الذي يرأسه هوتشي منه في الشمال.

وبعد الهجوم الصاعق الذي شنه الفيتكونغ طوال ثلاثة أسابيع، في أكثر المدن «أماناً» في فيتنام الجنوبية، من

سايغون إلى دالات حتى هوي، ناسفاً البديهيات التي كانت تقوم عليها الاستراتيجية الأميركية، تصلب موقف

الفيتكونغ عند المواقف التالية:

* أولاً – لا حلّ وسطاً للحرب الفيتنامية. فالنضال «حتى النهاية» ـ الانتصار أو الموت.

* ثانياً – الشرط الوحيد لإنهاء الحرب هو الهزيمة الحتمية للولايات المتحدة وحليفتها فيتنام الجنوبية.

* ثالثاً – مشاكل فيتنام الجنوبية تُحَل في محادثات بين الأميركيين وجبهة التحرير، وليس بين واشنطن وهانوي.

وكما قال أحد زعماء الفيتكونغ: «في الوقت الذي يوقف فيه الأميركيون قصف فيتنام الشمالية يستطيعون التحدث مع هانوي. أما إذا أرادوا البحث في شؤون فيتنام الجنوبية فعليهم أن يتحدثوا مع جبهة التحرير».

* رابعاً – إنّ وجود قوات فيتنامية شمالية في الجنوب هو واجب ملقى على عاتق الشمال لمساعدة إخوانه في

الجنوب. ولا انسحاب قبل التحرير الشامل. إنّ الواجب العادي لـ 31 مليون فيتنامي يؤلفون أمة واحدة أن

يحاربوا معاً. فالأميركيون يعتقدون أنّ القوات الشمالية قوات غازية، وينسون أن فيتنام أمة وشعب واحد.

*خامساً – شرط المحادثات الوحيد بين الفيتكونغ والأميركيين هو الاعتراف بجبهة التحرير الممثلة الوحيدة لشعب فيتنام

الجنوبية، أي التخلي نهائياً عن الحكومة الحالية ورجالاتها في سايغون.

وتبقى الاستراتيجية الأميركية في فيتنام موضع «شك كبير»، وعلى وجهِ التحديد عقب تبرير هجوم الفيتكونغ

الأخير على المدن الجنوبية، بأنه عملية «يائسة». فما زال الأميركيون يصرون على تعليم العدو «ما يجب»

أن يفعله، لا «ما يريد» أن يقوم به.

غير أن هذا «الشك الكبير» لا بد له من أن يولّد نوعين من ردود الفعل. الأول يتعلق بالفيتناميين، والثاني

بالأميركيين. فبعض هؤلاء في سايغون من الذين يحافظون على إدراكهم الصحيح، يأملون أن يكون هجوم

الفيتكونغ الأخير قد أسفر عن نتيجة إيجابية هي أنّ على الفيتناميين أن يختاروا الآن وفوراً إلى أي

جانب يريدون أن ينضموا وينتموا إليه.

إذ أنّ الأيام الأخيرة أظهرت أنّ الأميركيين والشيوعيين هما الطرفان اللذان يحاربان باقتناع والتزام دفاعاً عن

مبدأين مختلفين لشعب تعب من الحروب على مدى 21 سنة كاملة منها، فلجأ إلى عدم الاكتراث ليحمي نفسه

من ويلاتها.

لذلك كان قوام الدولة في فيتنام الجنوبية مهلهلاً منذ مؤتمر جنيف عام 1954، وعبر عهود دييم وأشقائه ومن

بعدهم العسكر وفيالقهم. وإذا لم توقظ هذه الصدمة الفيتناميين الجنوبيين، وتشعرهم بأهمية الفترة المصيرية

التي يمرون بها، فلا شيء في الدنيا ينقذهم.

لكن الإدراك الثاني يقع على عاتق الأميركيين، وهو أن الهدف المباشر للهجوم الشيوعي الكبير الذي وقع

عليهم في فيتنام، من السفارة الأميركية في سايغون جنوباً حتى الجامعة الإمبراطورية في هوي شمالاً، لم يكن

الاستيلاء على المدن، أو احتلال السفارة الأميركية. ولم يكن إثارة معارك جانبية، إذ أنّ هذه المعارك نشبت

منذ أشهر في «لوك نيه» و«داك تو» و«لانغ في» على مقربة من «خي سانة».

بل لم يكن معركة خي سانة نفسها. إنّ الهدف الأساسي من الهجوم الصاعق ذاك هو تدمير الجهد الحربي

للأميركيين والفيتناميين الجنوبيين، ووقف عمليات التمشيط والإبادة، وبالتالي عمليات «السيطرة السلمية»

على المناطق الجنوبية التي تمَّ تطهيرُها من الفيتكونغ، ثم جعل الحكومة الجنوبية تنهار.

ونجح الفيتكونغ في إلهاء الأميركيين وحلفائهم عن إمكان قيامهم بكل ذلك، بواسطة تضخيمهم إمكان غزو

تقليدي للجنوب عبر المنطقة المجردة في الشمال أو حدود لاوس وكمبوديا، وبالتالي تركيز القوى الأميركية

على هذه المناطق تركيزاً يمتنع معه وجودها على نحو كافٍ في المدن.

والجنرال جياب يعرف، حتى لو تجاهل القادة الأميركيون، أنّ هذه الحرب يجب أن يكون ربحها في عقول

الفيتناميين الجنوبيين وقلوبهم، أكثر من ربحها في الغابات الكثيفة والجبال النائية.

المصادر

  • ويكيبيديا
  • صحيفة البيان.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى