أبحاث ودراساتافتتاحية العددكتّاب الموقعمانشيتملف العدد 60

القلق والكوارث الطبيعية

إبراهيم الحمد

إبراهيم الحمد

المقدمة: الكوارث الطبيعية ظواهر طبيعية حدثت ومازالت تحدث وستستمر بالحدوث، وهي ظواهر خارجة عن سيطرة البشر ولا تخضع لسلطان علمه وتكنولوجيته. ولهذه الكوارث تداعياتها على النفس البشرية ناهيك عن أضرارها المادية.

إنّ هذه الكوارث تهدّد الوجود الإنساني، لذلك تتسبب باضطرابات سيكولوجية وفيزيولوجية، وتكون العلاقة بينهما تبديلية، فكل ما يضر النفس يؤثر سلبا على الجسد والعكس صحيح.

مشكلة البحث: من خلال تعايشنا مع كارثية الزلزال التي ضربت المنطقة في الآونة الأخيرة؛ ولازالت الهزات الارتدادية متوالية حتى اللحظة، وجدت أن أبحث بهذه المشكلة (القلق والكوارث الطبيعية) التي وجدت التعامل مع تأثيراتها النفسية عشوائيا، فنجد أن اتحاد الخوف والقلق قد أنتج وسواسا قهريا بحاجة إلى إرشاد ودعم نفسي لنتخطى جميعاً هذه الأزمة.

أهمية البحث: تكمن أهمية هذا البحث في طريقة التعامل مع الكوارث الطبيعية، من حيث السيطرة على توتر النفسية التي تأثرت سلباً بتداعيات الكارثة أما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالقلق الموضوعي حالة طبيعة، ولكن يجب أن يبقى هذا القلق تحت السيطرة وألا يفلت من عقال المنطق فيصبح مرضيا.

لذلك على المهتمين بمجال علم النفس، أن يأخذوا دورهم في تقديم الدعم، والإرشاد النفسي.

أهداف البحث: إن الهدف من هذا البحث هو توعية المجتمع إلى الدور الكبير الذي تلعبه العوامل النفسية، فأغلب الأمراض الجسدية هي بالأصل ناتجة عن مشاكل نفسية. والمشاكل النفسية ليست وصمة عار؛ فكما يمرض الجسد تمرض النفس وتحتاج لعلاج. فمراجعة الطبيب النفسي أو المرشد ليست معيبة، وليس كل من يعاني من مشاكل نفسية هو مجنون.

نحن نمر بحرب مازالت دائرة فوق رؤوسنا منذ أثنى عشر عاما وفوقها ضربتنا كارثة الزلزال التي ماتزال قائمة، فمن يدعي بأنه معافى نفسياً أو يعتقد ذلك، لابد أن يراجع حساباته المعرفية.

أسئلة البحث: حاولنا الإجابة على هذه الأسئلة:

ما مدى تأثير الكوارث الطبيعية على الصحة النفسية؟

ما مدى تأثير الحالة النفسية على الصحة الجسدية؟

كيف نتعايش مع الكوارث؟

فرضيات البحث: مهما حاول الإنسان أن يهتم بصحة جسده وحده؛ لن ينجح، مالم يهتم بالجانب الآخر من شخصيته وهي النفسية.

الصحة الجسدية والصحة النفسية هما واحد واي مشكلة تواجه إحداهما تتأثر الأخرى.

 

متغيّرات البحث: أن الصحة النفسية والجسدية يشكلان شخصية الإنسان، فكلما كان الانسجام بينهما أعمق كانت الشخصية الإنسانية أكثر تصالحا مع الذات وأكثر كمالا، وكلما تنافرت أنتجت شخصية مهزوزة مريضة.

مصطلحات البحث:

سيكولوجية: علم النفس والسلوكيات النفسية.

فيزيولوجية: علم الوظائف الحيوية للجسد.

ميثيولوجية: علم الأساطير.

ميتافيزيقية: علم ما وراء الطبيعة.

الدراسات السابقة: لم اطلع على ما كتب في هذا المجال من بحوث سواء كانت عربية أو أجنبية، فهذا البحث هو بحث تدريبي كلفنا به من قبل دكتورنا الفاضل: علاء العياش.

ولكن هذا البحث اعتمد على مدرسة التحليل النفسي ونظريات رائدها (سيغموند فرويد).

هيكلية البحث

المقدمة:

العرض: تضمن البحث ثلاثة مباحث:

المبحث الاول:

القلق وتداعياته الصحية.

. تعريف القلق

. أنواع القلق

. الفرق بين القلق والخوف

. تأثير القلق على السلوك

. تأثير القلق على الصحة الجسدية

 

المبحث الثاني:

            القلق والكوارث الطبيعية

 

. الكوارث الطبيعية

. الزلازل

 

  المبحث الثالث:

             علم النفس الاجتماعي.

 

 

الخاتمة:

 

    قائمة المصادر والمراجع:

 

. ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، الأربعاء، 20 نوفمبر، 2013م، 16 محرم، 1435ه.

. عودة، سامح، علم نفس القلق… لماذا ننشغل بالمصائب قبل وقوعها؟، مقالة، الجزيرة نت، 20.1.2019.

 

 

 

 

 

   

 

بحث القلق والكوارث الطبيعية

القلق حالة نفسية ترافق الإنسان منذ وجوده الأول، فهذه الحالة النفسية ليست وليدة القرن الواحد والعشرين وليست من مفرزات العولمة أو الثورة الصناعية.

لقد وجد الإنسان ذاته أعزلاً بمواجهة الطبيعة، وضعيفاً حيال الحيوانات المفترسة التي تهدد وجوده غي كل لحظة. وإن استطاع أن يقوي شوكته حيال الحيوانات، باجتماعه بأبناء جنسه وتشكيل قوة دفاعية ما لبثت أن أصبحت هجومية، إلا أنه بقي القلق الوجودي مسيطراً عليه حيال الطبيعة التي لم يجد حلاً لها من خلال عقله ومنطقه وآليات دفاعه وعصبته، لذلك دفعه القلق إلى عبادة القوى الطبيعية والتضرع لها ليضمن بقاءه بحسب ما اعتقد. فقدم لها صلواته وقرابينه وأفرط في تقديسها. يمكننا القول أن أول أنواع القلق كان القلق الوجودي الذي يدفع الإنسان إلى التوجس مما يخفيه له المستقبل سواء على المدى المنظور أو المدى البعيد.

وقد قابلت أناساً لديهم هذا القلق، فبعضهم يقلق من الموت وما وراء الموت، وبعضهم يقلق من اقتراب نهاية العالم فيفرط في متابعة أفلام الخيال العلمي التي تتناول هذا الموضوع.

وهذا القلق الوجودي حق مشروع لكل ذات ولكن بشرط أن لا يزيد عن الحد المعرفي فيتحول إلى مرض نفسي وهذا ما ذهب إليه فلاسفة المدرسة الوجودية.

فالقلق ضمن دائرة المعرفة محفز للإبداع ولإيجاد حلول للمسائل التي تثير القلق وإنتاج أفكار ونظريات تجعله يتقبل قلقه ويتعايش معه بشكل طبيعي.

وأرجو أن يفيد هذا البحث المهتمين بهذا المجال وأن يكون رغم تواضعه لا يخلو من الفائدة

 

المبحث الأول: القلق وتداعياته الصحية

تعريف القلق: يعرفه عالم النفس النمساوي ورائد مدرسة التحليل النفسي ((فرويد)) بأنه: شعور اضطرابي ينشأ تلقائياً كلما طغى على النفس وابل من المثيرات الشديدة التي لا يمكن السيطرة عليها والتخلص منها. وبحسب فرويد للقلق ثلاثة أنواع: القلق الموضوعي، والقلق العصابي، والقلق الأخلاقي.

اعتبر فرويد أن القلق آلية دفاعية ملازمة للإنسان، بينما أصحاب المدرسة السلوكية ((هيل)) و ((بيكرون)) ينظرون إلى القلق على أنه سلوك مكتسب من البيئة المحيطة بالفرد تحت شروط التدعيم الإيجابي والتدعيم السلبي. إذ إن أصحاب هذه المدرسة لا يؤمنون كثيراً بالدوافع اللاشعورية الفرويدية.

الفرق بين القلق والخوف:

القلق حالة مزمنة بينما الخوف يثيره تهديد ملحوظ.

المعنى: ((القلق حالة نفسية وفيزيولوجية تتركب من تضافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية لخلق شعور غير سارّ يرتبط عادة بعدم الارتياح)). [1]

أما الخوف فهو حالة من الهلع في أعلى درجاته ربما تزول بزوال المثير.

والقلق في أغلب الأحيان يثيره المجهول المنظر أو انتظار نتائج فعل ما، وفي كلا الحالتين لربما تطول كثيراً فترة القلق هذه.

وهناك أناس استحال لديهم القلق إلى مرض مزمن فقد اعتادوه وتعايشوا معه، لكنّهم لا يعلمون كم شوه هذا القلق شخصياتهم!

الخوف يكون بشكل عام آني يزول بزوال الخطر ولكن قد يتحول الخوف إلى نوع من أنواع القلق إذا استمر التهديد إلى وقت طويل.

يخلط الناس بين الخوف والقلق، فنجد من يقول: أنا خائف من المستقبل. نجده هنا استخدم خطأً كلمة الخوف بدلاً من القلق.

ولابد من التمييز بينهما:

  • القلق مزمن، والخوف آني.
  • القلق يكون من مجهول أحياناً، والخوف يكون من معلوم.
  • القلق يتحول إلى مرض نفسي إذا تفاقم، والخوف يزول بزوال الخطر وإذا لم يزول الخطر يتحول إلى قلق موضوعي وهذا طبيعي.
  • القلق يكون سببه أحياناً المعرفة، والخوف يتحول إلى شجاعة عندما يعرف شيئاً كان يجهله.
  • القلق يؤدي أحياناً إلى الانتحار، والخوف هو آلية دفاعية.

نجد هنا أن الخوف والقلق أحياناً يكونان متناقضين والتشابه بينهما سطحي أما في العمق فلا علاقة تربط بينهما.

 

تأثير القلق على السلوك:

يصاحب القلق عادة أعراض سلوكية عدة منها:

  • الشعور بالخوف أو الفزع. نجده يتوقع حدوث طارئ ما سيقضي عليه.
  • صعوبة التركيز، لا يستطيع صب انتباهه على الموضوع الذي أمامه أو بين يديه فكلما حاول الانتباه تجره أفكاره إلى الموضوع أو المواضيع التي تثير قلقه، فنجده غير مكترث بحاضره بالقدر الذي يثيره قلقه. فيتأثر تحصيله سلباً، إن كان طالباً ويتراجع عمله إن كان مهنياً فيصبح متوتراً عصبياً لا يتوقع سوى الأسوأ.

كما يتعرض لكوابيس أثناء نومه، ويفسرها على أنها علامات بعد أن يربطها بهواجسه ويفسرها بالطريقة التي تتوافق وقلقه.

ناهيك عن مشاعر الحزن والألم والنفور، كما يجد عقله فارغاً لا يستطيع تفسير أي شيء يحصل من حوله.

تأثير القلق على الصحة الجسدية:

((غالباً ما تصاحب القلق أعراض مرضية مثل: خفقان القلب، والتعب، والغثيان، وألم الصدر، وضيق في التنفس، وآلام في المعدة، والصداع… وهنا يستعد جسد الكائن الحي للتعامل مع هذه التهديدات ومقاومتها فيزيد ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ويزيد التعرق، كما يزيد تدفق الدم إلى مجموعات العضلات الرئيسية، وتثبط وظائف النظام الهضمي والمناعي. فتظهر علامات المرض على الجسد الخارجي من: شحوب الجلد، والتعرق، والارتعاش، واتساع حدقة العين.

كما يصاب بالذعر الذي قد يسبب الأزمات القلبية)).[2]

إذن كما لاحظنا مدى ارتباط العوامل السيكولوجية بالعوامل الفيزيولوجية، فالعلاقة بينهما وثيقة فعندما تتأثر الصحة النفسية تتأثر مباشرة الصحة الجسدية والعكس صحيح. فالذي يعاني من أمراض جسدية تتأثر صحته النفسية بشكل مباشر ومن يعاني اضطرابات نفسية تتأثر صحته الجسدية بهذه الاضطرابات بشكل مباشر.

ويرجح بعض علماء النفس لا سيما فرويد أن أغلب الأمراض الجسدية أسبابها نفسية.

 

المبحث الثاني: القلق والكوارث الطبيعية

الكوارث الطبيعية هي التهديد الناتج عن العالم الطبيعي الذي يحيط بنا، قد يأتي هذا التهديد من المياه (تسونامي) أو من انزياح الصفائح التكتونية (زلازل) أو من باطن الكرة الأرضية (براكين) أو من السماء (صواعق وفيضانات) وهذه الكوارث خارجة عن سيطرة البشر، ولا يمكن درأها بالتكنولوجيا التي اخترعها البشر فكل التكنولوجيا المتطورة تقف مشدوهة لا تحرك ساكناً أمام زلزال بسيط أو فيضان أو بركان. فكلما شعر الإنسان جهلاً أو غروراً بأنه سيطر على الطبيعة تفاجئه الطبيعة وتقول له ما أنت إلا دابة من دواب الأرض، وتقنياتك ليست إلا ألعاباً بشرية مضحكة حيال الطبيعة.

إن خوف الإنسان من الطبيعة متجذر به، فمنذ خطوات الإنسان الأولى على سطح هذه الأرض أدرك بأنه أضعف من أن يواجه الطبيعة ذلك عبدها، فتعدد الآلهة ماهي إلا وسيلة دفاع روحية اخترعها الإنسان عله يحمي وجوده الضعيف من غضبها، فعبد إله البرق وإله الرعد وإله البحر وإله الخصب… الخ.

فبعد أن عجز عقله عن تفسير هذه الظواهر لجأ إلى الروحانيات، إلى الماورائيات، إلى التفسيرات الميتافيزيقية التي تبث شيئاً من الطمأنينة الأسطورية في كيانه.

فالمصريون القدماء يدفعهم قلقهم الوجودي إلى رمي أجمل بناتهم في نهر النيل عندما يفيض ليهدأ، فالتفسير الميثولوجي لديهم أن النيل هائج جنسياً وبحاجة لأنثى يفرغ بها شهوته.

إذن نجد أن القلق قديم قدم الإنسان فأحياناً يكون آلية دفاع وأحياناً يكون مرضاً.

وكون بحثنا بمجمله يهتف بالقلق والكوارث الطبيعية سنتوقف على عتبة شخصية الإنسان القلقة من الزلزال الذي مازال يضرب منطقتنا حتى اللحظة، فأثناء كتابتي لهذا المقال ضربت هزة ارتدادية لا أعرف كم درجتها..

ولتتضح الاضطرابات النفسية في سلوك أفراد المجتمع، ويظهر القلق واضحاً لياً في سلوكيات أغلب الناس.

 

الزلازل

((الزلزال: هو ظاهرة طبيعية ناتجة عن اهتزاز أرضي سريع ناتج عن تصادم للصفائح التكتونية، ويسمى مركز الزلزال (البؤرة) يتبع بارتدادات تدعى أمواج زلزالية.)) [3]

وهو بلغة أبسط: تحرك للصفائح الأرضية.

عندما يضرب الزلزال منطقة ما، يصيب الناس خوف ثم هلع. يزول هذا الخوف وهذا الهلع بانتهاء الزلزال، وينشغلوا بتفقد أوضاعهم.

ولكن عندما تستمر الهزات الارتدادية كما يحصل عندنا منذ ما يقارب العشرين يوماً فإن الخوف يتحد مع القلق، خوف آني يتمثل في التعرض للخطر بأي لحظة، وقلق وجودي مزمن قد يستمر لدى البعض حتى آخر حياته.

نكون الآن في جلسة معتادة، تجد العيون لا تفارق (المروحة) وكأنها مقياس ريختر ولا تخلو أية جلسة من الاستفسار مرة وربما أكثر، هل اهتزت الأرض؟

والدتي تعاني من التهاب الأذن الوسطى ومن أعراضه اختلال في التوازن، فوالدتي حتى اللحظة لم تتوقف الأرض عندها، فهي تهتز دائماً وأحياناً تخرج من الغرفة لئلا تقع فوقها.

إن اتحاد الخوف مع القلق أنتج وسواساً قهرياً.

فالوسواس القهري هو بالأصل أحاسيس قلق وشكوك واعتقادات مرتبطة بالتشاؤم والتفاؤل زائدة عن حدها فتنتج مرض الوسواس القهري.

لا أحد لا يخاف ولا أحد لا يقلق على وجوده فهذه الجزئيات كلها تصب في كلية غريزة البقاء. ولكن ما يغذي القلق هو التفسيرات التي تتبع الحدث. وغالباً ما تكون هذه التفسيرات مجرد لغو وثرثرة لا تمت للحقيقة بصلة، ولكن لها تأثيرها الكبير على المجتمع فالإنسان بهذه الظروف لا تكون ملكته العقلية سليمة بسبب الكارثة ونتائج الكارثة، فينزع عقله إلى تصديق الأفكار الجاهزة. لأن لا وقت لديه لتمحيص المعلومة، هب لو أن أحداً هرب أو صرخ زلزال اهربوا إلى مكان مكشوف، طبعاً سيلحق به أغلب الموجودين من دون وعي منهم وقد يكون في مقدمتهم عالم جيولوجيا، لأن غريزة البقاء هي التي تمتلك دفة السلوك البشري عند الخطر، فيغيب العقل غياباً شبت نهائي.

قبل أسبوع، مات أناس في مدينة حلب بسبب الهلع إثر هزة متوسطة الشدة لم تسقط أبنية على حد علمي، ولكن تسبب لهم الهلع بأزمات قلبية مميتة.

نحن في سوريا نعيش حرباً دائرة منذ اثني عشر عاماً، ورغم حجم الدمار ورغم الخوف رغم تعرض أغلب الشعب للموت إلا أننا لم نسمع أن أحد المواطنين مات هلعاً.

وهنا نعود إلى المقارنة بين القلق والخوف، في ظروف الحرب يتملكنا الخوف والذي هو أقل تأثيراً على حياة الإنسان من القلق.

إن الذين ماتوا هلعاً في الزلزال، لم يموتوا فجأة بل تملكهم القلق الذي أثر سلباً على صحتهم الجسدية والنفسية فماتوا بسبب القلق على يد الخوف.

ففي الزلزال الأول لم يمت أحد هلعاً، لماذا؟

الجواب برأيي: كان الزلزال طارئ أخاف الناجين وزال بزوال الزلزال. ولكن عندما توالت الهزات وكثرت التنبؤات والتكهنات، أصاب الناس القلق على وجودهم ومع استمرار الزلزال أحبطوا، ومع أية هزة جديدة سيموت الكثيرين هلعاً، لأن صحته الجسدية أنهكت تماماً.

في الحروب يبقى الأمل موجوداً في النجاة، وموجود في توقف الحرب وموجود في الهجرة…. إلخ.

ولكن أين المفر من الكوارث الطبيعية؟ خاصة بعد أن عرف الإنسان حجمه على سطح هذه الأرض، عندما أدرك ان كوكبه كله قد يزول بلحظة واحدة. بيته الذي يحميه أصبح عدوه الأول، لا مفر، هل الهجرة إلى بلد آخر حل؟ لا طبعاً فمن الممكن أن تشق الأرض وتبتلعه، أين الحل؟

أين الحل؟ هذا السؤال لا جواب له وهو مفتاح الحيرة في قفل القلق.

يعود أغلب البشر إلى الروحانيات بعد أن عجز العقل الكلي للبشر من الوصول إلى جواب. تجد الملحد يعود إلى الإيمان والمهمل لشعائره الدينية يواظب عليها.

لأن كارثة كهذه تنزل الإنسان من برجه العاجي على أنه سيد الأرض إلى حضيض المعرفة، فكيف لا يقلق؟

العلماء في هذه الحالة يقلقون أكثر من الناس العاديين فالوجود البشري برمته معرض للخطر وكل نظرياتهم عن الكون وعن ترويضه تبوء بالفشل كل مرة حيال كارثة ما من كوارث الطبيعة.

إن كوارث الطبيعة تنتج ثقافة جديدة على كافة الأصعدة، وما يهمنا هنا هو الصعيد الاجتماعي الذي تكثر فيه التكهنات والخزعبلات والنظريات الميثولوجية والخرافات.

هنا على الباحث التصدي لمثل هذه الثقافة وتفنيد جوانب كذبها وعدم مصداقيتها.

وتوعية المجتمع وتحذيره من الانجرار إلى تصديق ما يروجه البعض من خزعبلات.

فالقلق الوجودي حق مشروع ولكن إذا زاد عن حده سيكون وبالاً على الإنسان.

وهنا لابد أن يأخذ كل مثقف دوره في شرح ظاهرة الزلزال للمجتمع المحيط به ويقدم الدعم النفسي اللازم وتوعية الناس بطرق الوقاية وعناصر السلامة.

 

المبحث الثالث: علم النفس الاجتماعي

((هو من فروع علم النفس، يدرس السلوك الاجتماعي للفرد والجماعة، كاستجابات لمثيرات اجتماعية، هدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماعة.

والجماعة: هي وحدة اجتماعية مكونة من مجموعة الأفراد وتربط بينهم علاقات اجتماعية ويحدث بينهم تفاعل اجتماعي متبادل فيؤثر بعضهم ببعض))[4]

إذا كان علم النفس قد اهتم بالنفس الإنسانية المفردة، فإن المجتمع ليس إلا مجموعة من هذه الأنفس تؤثر ببعضها البعض وتتأثر.

فكما ينتشر الوباء المرضي عن طريق العدوى كذلك تنتشر الاضطرابات والمشاكل والأمراض النفسية. فإذا كان الوباء ينتشر عن طريق اللمس أو الشم أو العطاس أو التذوق…. الخ الأمراض النفسية تنتشر عن طريق الأذن (السمع) وبدرجة أقل بالنظر. ففي ظروف الحرب مثلاً يلعب الإعلام دوراً محورياً في مشاعر الناس.

وفي ظروف الكوارث الطبيعية يطفو على السطح الدجل والخرافات والتفسيرات الشعبوية المستمدة من الأساطير.

وفي مجتمعاتنا الشرق أوسطية التي لا تؤمن بمجال علم النفس، يحدث اضطراب علم ودربكة اجتماعية وعشوائية لا تقبل التنظيم.

فعندما يتطرق المختص بمجال علم النفس إلى المشاكل الناجمة من اضطرابات الشخصية الناجم عن مشكلة ما، يكاد الجميع يسدون آذانهم.

وعندما ينصح زيد من الناس بأن يراجع مرشداً نفسياً أو طبيباً نفسياً فإن جوابه سيكون: لست مجنوناً، وكأن الصحة النفسية وصمة عار.

لذلك في الكوارث والتي من المفترض أن يكون لعمال التوعية النفسية صوت مسموع والمرشدين النفسيين الدور الريادي، يتجاهل الناس المنكوبون العاملين في هذا المجال ويصبوا عليهم اللعنات. فنجد عمال التوعية النفسية يندمجون مع عمال الإغاثة ولا يكملون مهمتهم التي أوكلوا بها.

هناك بعض الأشخاص من الناحين لا يعاني ضرراً جسدياً جراء الكارثة ولكن يجد أن ضغطه غير منتظم، أو دقات قلبه غير منتظمة أو بات يعاني مشكلة هضمية أو صداع.

يراجع طبيباً فيزيولوجياً الطبيب الجسدي يعطيه أدوية مناسبة لألمه، ولكن هذه الأعراض لا تزول مهما واظب على تناول الدواء لأن مصدر مرضه نفسي وليس جسدياً.

إن وصمة العار المصاحبة للصحة النفسية تؤثر سلباً على الفرد وبالتالي على المجتمع وسبب هذه الوصمة هو الجهل الناتج عن المعلومات الخاطئة التي يحصل عليها الناس من مصادر شعبوية لا أساس لها، فلديهم كل مريض أو كل مضطرب نفسياً هو مجنون والمرشد النفسي أو الطبيب النفسي مختص لمعالجة المجانين.

 

ولانعدام الصحة النفسية كثقافة مجتمعية كنا ننظر إلى المرشد النفسي في المدارس على أنه موظف لا حاجة له، وكذلك تنظر إليه المؤسسات التربوية فيوكل إليه تدريس مادة القومية لكي يكون أكثر نفعاً.

صحيح أن الإرشاد النفسي لا يستطيع إيقاف الزلازل ولا إعادة من قضوا نحبهم به ولا يقدم الأموال لبناء ما تهدم، ولكنه يقدر بمكان أن يوقف الهزات الارتدادية للقلق ومساعدة من تأثرت نفسياتهم بالكارثة، ويحاول بناء الإنسان من الداخل.

شعبنا اليوم تائه بين الحقيقة والخيال. لا يوجد بين هذين الطرفين حد وسط يجمعهما حقيقة مرة وخيال متخبط.

الزلزال كارثة مخيفة ولكن لا يمكن السيطرة عليها ولا التنبؤ بموعدها.  هذه حقيقة علمية لا بد أن نؤمن بها، ثم نبحث عن وسائل النجاة وتهيئة النفس على تقبل الأضرار التي ستلحق بنا من هذه الكارثة ولا داعي للإصغاء إلى الدجالين والمشعوذين والمنجمين الذين يسعون إلى الشهرة عن طريق نشر الأكاذيب الصرفة.

لابد من شرح حقيقة هندسية لسكان البنايات مفادها ان أي بناء يحتاج إلى دقائق لكي يتهدم فهو ليس قطعة بسكوت ستتكسر بثانية تحت الضغط، فاغلب الذين شعروا بالزلزال استطاعوا أن يخرجوا من بيوتهم وإلا لأبيدت مدن بحالها.

حتى سكان (بؤرة) الزلزال نجا كل من شعر بالزلزال رغم شدته الهائلة لأن البناء مكون من حديد وإسمنت سيقاوم بما يكفي للنجاة.

كما لابد من أخذ الحذر من البقاء في أماكن تعلوها الأبنية وهناك نصائح كثيرة تخص السلامة. أما أن نعتبر هذا غضب من عند الله وننتظر مصيرنا المحتوم فهذا لا يرضي حتر الرب الذي خلقنا، فهناك خطر لابد من أخذ الحيطة منه. من مبدأ: اعقل وتوكل.

ليس عيباً أن يقلق الإنسان ولكن يجب أن يكون قلقه موضوعياً وليس عصبياً فالقلق الموضوعي هو حالة طبيعية ناتجة عن التفكير المنطقي بخطر ما يعرف كنهه.

على عكس القلق العصبي الذي يتطور عن الموضوعي إذا لم تتم السيطرة فيصبح هذا القلق واسعاً شاسعاً متشائماً لا يتوقع إلا الأسوأ.

الكوارث ظواهر طبيعية يجب أن نتعايش معها ولعلها تكون آية للبشر الذين أوغلوا وغالوا في  تبجيل قوة الإنسان الذي حيال الطبيعة ليس إلا عدماً.

في الختام: لا بد من التذكير بأن للمشاكل النفسية تداعيات خطيرة على الصحة بشكل عام والعلاقة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية تبديلية، مما يؤثر على النفس ويؤثر على الجسد والعكس صحيح.

وللقلق تداعيات نفسية قد تتحول إلى أمراض نفسية خطيرة وكذلك على الصعد الجسدية وبأن يجب على الإنسان أن يتحلى بالصبر حيال الأزمات الطبيعية لأنها خارج سيطرة البشر ولا سلطان له عليها.

وكل تطور للبشرية لا يساوي شيئا ًحيال جبروت الطبيعة.

وأن ما يحدث ليس نهاية الكون بل ستستمر الحياة وستحدث كوارث طبيعية بشكل دائم ولا داعي أن يتملكنا القلق الوجودي الذي لا يكون منطقياً، وغير منصف ويهدم الإنسان من الداخل.

وعلى التربية والتعليم وباقي مؤسسات المجتمع أن ينشروا الوعي بالصحة النفسية التي لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية. وفي بعض الدول المتقدمة مراجعة الطب النفسي شأنه شأن مراجعة الطب الجسدي، دون وصمة عار لأنهم يتجاوزون هذه النظرة الرجعية وتخطوها.

[1] ويكيبيديا، القلق.

[2] ويكيبيديا الموسوعة الحرة، الأربعاء، ٢٠ نوفمبر، ٢٠١٣،١٦ محرم، ١٤٣٥ه. القلق.

[3] ويكيبيديا.

[4] ويكيبيديا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى