أبحاث ودراساتاسماعيل خالد اسماعيلافتتاحية العددمانشيتملف العدد 64

الماسلوية، إعادة تشكيل هرم الاحتياجات وفق فلسفة الحداثة الغربية الماسلوية النظرية والتطبيق الحداثي

إسماعيل خالد

إسماعيل خالد

اسماعيل خالد اسماعيل
اسماعيل خالد اسماعيل

لقد تركزت اهتمامات المجتمعات ومنذ بدء الحياة على تأمين مقومات الحياة وحمايتها, وهناك الكثير من الأدلة الأثرية التي تركتها الأقوام والمكتشفات الأثرية للكثير من الحضارات التي تذكر من خلال رسوماتها أثرها على ما ذكرناه .

وتطورت تلك الفكرة عبر الزمن لتاخذ أبعاداً أكبر وتشمل مجالات أكثر وتدخل ضمن سياقات البحث والتنظيم, وفيما بعد ذلك ظهرت مدارس وأكاديميات وباحثون وتركزت أبحاثهم على دراسة الاحتياجات البشرية, ومن بين أبرز الشخصيات التي قامت بتحليل ودراسة الاحتياجات البشرية كان “أبراهام ماسلو”.

قام أبراهام ماسلو بتحليل ودراسة احتياجات البشر عن طريق وصفها في شكل هرم، حيث يقبع في قاعدة الهرم الحاجات الفسيولوجية أو ضروريات الحياة من مأكل ومشرب وجنس وغيرها، وتصف قمته الحاجة لتحقيق الذات أو إنجاز كوامن, وتحقيق الرضا عن الوجود .

ويؤكد ماسلو على ضرورة المحافظة على إشباع الحاجات الأساسية في قاعدة الهرم قبل أن يسعى لإشباع الحاجات المتقدمة, من ذلك مثلاً أن يصار إلى إشباع الحاجة المتولدة عن الإحساس بالجوع قبل التفكير في زراعة المحاصيل الزراعية، أو إقامة المصانع، وعمليات تصنيع المنتجات التي تصنف ضمن الحاجات الاجتماعية .

وينشد الفرد كذلك أن يكون مقبولاً في وسط اجتماعي وأن يشعر بأنه معتبر وذو قيمة, ويكسب ثقة الآخرين قبل أن يسعى لتحقيق ذاته. ويسمي ماسلو الحركة باتجاه الصعود للأمام أو أعلى الهرم بالتقدم (Progress) وعلى النقيض فالحركة باتجاه أسفل الهرم أو التراجعيسميها بالتخلف (Regression).

وفي ظل المتغيرات والظروف والتداخلات والصراعات مختلفة الأوجه من قبل قوى الهيمنة العالمية, تغيّر هرم الحاجات بدرجة كبيرة جداً نظراً لتوسّع رقعة الحروب والصراعات، والانتشار الكبير للأوبئة والمشكلات البيئية التي تعاني منها الطبيعة بسبب تدخلات البشر، وتسارع وتيرة الإنتاج الصناعي السلبي لأدوات تدمير البيئة المحيطة بالإنسان, مثل المواد السامة التي تدخل في صناعة الأسلحة وكذلك المبيدات والمواد الضارة، وتغير كبير في ثقافات العالم والشعوب والمجتمعات .

لذلك كان لا بد من تسليط الضوء على هذا الموضوع لما يشكله من قضايا تهم البشرية نظراً لما يتعرض له البشر من آثار تلك التدخلات الفظّة من قبل تلك القوى المهيمنة .

مشكلة البحث:

إن ترابط وتفاعل النسق السياسي الدولي في مستوياته المحلية والإقليمية والعالمية مع نسق العلاقات  الاقتصادية والسياسية في نفس المستويات, يضع الباحثين والمعنيين أمام صعوبات عديدة في تقديم إجابات سليمة وكاملة عن المشاكل التي يبحثون عنها في موضوع إعادة ترتيب هرم الاحتياجات أو الحاجات, مثل مشكلة ماهية طبيعة ملامح العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية وقضايا محاربة الإرهاب الدولي، وكيف يتم احتواء القضايا الدولية التي تهدد الأمن الدولي, مثل الصراعات السياسية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة, وبين روسيا والاتحاد الأوروبي، وأطماع الدول الإقليمية المفترسة مثل تركيا.

تتحدد مشكلة البحث  في الأسئلة التالية :

1- ما الأساليب التي تعتمد عليها القوى المهيمنة لدفع المجتمعات لإعادة ترتيب هرم الاحتياجات؟

2- ما هو دور وأساليب الحداثة الرأسمالية في تدمير القيم الاجتماعية  في مجتمعات الشرق؟

3- كيف يمكن التعزيز والمحافظة على الكفاءات الاقتصادية والإنتاجية وكذلك القيم الاجتماعية والإنسانية  للحدّ من التدخلات العنيفة  لقوى الحداثة الرأسمالية والهيمنة العالمية؟

4- ما أهم مظاهر التدخلات العنيفة لقوى الهيمنة العالمية، وإعادة ترتيب هرم الاحتياجات في الشرق الأوسط؟

5- ما حقيقة نظرية المليار الذهبي ودور المنظمات في تغيير ترتيب الأولويات والاحتياجات الإنسانية؟

أهداف البحث :

تهدف هذه الدراسة إلى الأهداف الآتية:

1- الأبعاد المرتبطة بهرم الحاجات كما وصفها أبراهام ماسلو، وأهم الملامح التي يشکلها، وکذلك أبرز العوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على تشكيله .

2- تحديد أهم العوامل التي ساعدت على انتشار وتکريس الهيمنة الحداثية للرأسمالية الغربية وثقافة التطرف  والعنف وخطاب الكراهية في المجتمعات الشرقية .

3- تحديد أهم التغيرات التي أصابت هرم الحاجات  في دول و مجتمعات الشرق الأوسط .

4- التعرف على الدور الملقى على عاتق شعوب الشرق الأوسط  لمواجهة التدخلات العنيفة لقوى الحداثة الغربية في إعادة ترتيب هرم الحاجات .

 

 

أهمية البحث :

تبرز أهمية البحث  فيما يلي:

التأثير المباشر على الشعوب والمجتمعات في الشرق الأوسط، والتي تتسم بالتداخلات الكبيرة التي تستهدف حياة البشر وصحتهم واستمرارهم، حيث أن قوة أي مجتمع إنما تقاس بقوة وقدرة الإدارات على تأمين استمرارية حياة تلك الشعوب .

وكذلك يفيد البحث في الکشف عن الأهداف التي تسعى قوى الحداثة الرأسمالية الغربية والتي تسعى وبكل إمكانياتها في ترسيح سياسة تتماشى مع مخططاتهم, من أجل تغيير المنطقة ورسم احتياجات سكانها وفق ما يناسبهم.

قد يفتح هذ البحث الباب أمام المهتمين لإجراء مزيد من البحوث، حول الأدوار الجديدة للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في التعامل مع مخططات تغيير المجتمعات  .

مصطلحات البحث :

الحاجات الفسيولوجية:

وهي ضروريات الحياة وتشتمل على الحاجة للهواء والطعام والماء والتكيف، مثل هذه الحاجات يلزم إشباعها قبل أن الانتقال للسعي في إشباع  الحاجة للأمن والأمان بنجاح .

حاجات الأمان:

وهي ضرورية للاستقرار في حياة الفرد، وتشمل هذه الحاجة الأمان من أخطار البيئة المادية والانفعالية، من ذلك على سبيل المثال الحماية من العنف والإصابات، فالناس دائماً تسعى لضمان استقرار البيئة المادية والانفعالية قبل التحرك لإشباع حاجات تأتي بعد هذه الحاجات في هرم الحاجات .

الحاجات الاجتماعية:

وهي حاجة الناس الملحّة للإحساس بالتبعية من خلال قبول ومرافقة ومصاحبة الآخرين له، وإقامة علاقات اجتماعية معهم، وإشباع مثل هذه الحاجات مطلب للحيلولة دون الإقصاء والاستبعاد من قبل الآخرين والبعد عن الوحدة والعزلة والاعتزال، والرغبة عند هذا المستوى من الحاجات ينبني على الحاجة أكثر من العطاء.

الحاجة للتقدير:

بمجرد ما يشبع الفرد الحاجات الأولى في سلم الحاجات يبدأ يصارع ويكافح في سبيل بلوغ مستوى من النمو الشخصي يرضى عنه، والمحفّز للبحث عن إشباع مثل هذه الحاجة هو الاحترام والإقرار والاعتراف الذي يحظى به الفرد من قبل من ينتمي إليهم من جماعات .

وحاجات الاحترام والاعتراف تمكّن الفرد من تطوير الإحساس بالثقة والإنجاز والرضا، وعادة ما يؤدي الإخفاق في إشباع هذه الحاجات بأن ينمّي الفرد لديه اعتقادات خاطئة مؤذية في حق ذاته كالشعور بالدونية      ( worthless )  أو عدم القيمة والضعف( helpless ).

الحاجات المعرفية:

وتشتمل على السعي للحصول على المعارف وفهم ما يجري حول الفرد في عالمه خاصاً وعاماً، ويمكن للفرد الحصول على ما يسدّ احتياجاته من معارف وتطوير فهمه واستيعابه لما حوله متى ما كانت البيئة والوسط المحيط به يتسم بالاتساق والاستقرار، حيث يحظى فيها بالقبول والاعتراف من قبل الجماعات الاجتماعية في تلك البيئة .

تحقيق الذات:

يمثل القمة من الهرم أو ذروته، وطبقاً لأبراهام ماسلو فإن من يوفَّق في تحقيق ذاته فقد بلغ كوامنه، وبلغ مستوى من الاستقلالية، فالفرد قابل متقبل لذاته وقد أسس لعلاقة صداقة واضحة و موثوقة، وأحرز ثقة بدوره في الحياة، وفوق هذا قد أبدى رغبة متواصلة في الاكتشاف والنمو الشخصي .

الفصل الأول: التصنيف الهرمي للحاجات حسب أبراهام ماسلو

أولاً : الترتيب الهرمي للحاجات البشرية ، وتقسم إلى :

1– الحاجات الفسيولوجية:

وتشمل الحاجة إلى الطعام، الشراب، التناسل، الحاجة للهواء النظيف، الحاجة للنوم، وغيرها. إن العديد من الحاجات الفسيولوجية تتصف بالنقص أو العجز ولكن ليس بشكل مطلق (أي لايمكن للفرد أن يشبع كل حاجاته الفسيولوجية, ومن هذا الاستثناء الحاجة للتناسل والنوم) .

2– حاجات الأمان :

عندما يتم إشباع الحاجات الفسيولوجية للفرد بدرجة مناسبة، فإن المستوى الثاني من الترتيب الهرمي للحاجات ينبثق تدريجياً وهو ما يعرف بحاجات الأمان، وتساعدنا حاجات الأمـان علـى تجنـب الآلام الموجعة والإصابة بها.

3– الحاجات الاجتماعية:

بمجرد أن تشبع الحاجات الفسيولوجية وحاجات الأمان سواء بدرجة كبيرة أو صغيرة تـأتي الحاجات الاجتماعية مثل حاجـات الانتماء إلى المجموعة  في المقدمة كدوافع للسلوك، ولهذا يصبح لدى الفرد رغبة قوية لتكوين علاقات تفاعل مع الآخرين، وينتابه شعور مؤلم بدرجة قوية من الإحساس بالوحدة ينتج مـن افتقـاده إلى العلاقات ([1])

4– حاجات التقدير وتأكيد الذات :

وهي تلك الحاجات التي في إشباعها تؤكد احترام الإنسان لذاته واحترام الجماعة له، فتؤكـد مكانتـه وتعزز هويته، وتوجه سلوكه نحو العمل والإنجاز.

5– حاجات تحقيق الذات :

يمثل الحاجة إلى تحقيق الذات، تلك التي حين يصل إلى إشباعها الإنسان، فإنه يصبح مميـزاً وسـط الجماعة، فيتفوق بها على مجرد تأكيد الذات([2])

ومن هذا التصنيف الهرمي للحاجات “يتضح أن الحاجات تنتظم وفقاً لأهميتها بالنسبة للفـرد، وأن مقدرته على إشباع الحاجة ذات المستوى الأرقى تتوقف على مـدى نجاحـه فـي إشـباع حاجاتـه الأساسية، أي ذات المستوى الأدنى أو الأقل وعادة ما يكون هذا الإشباع إشباعاً جزئياً أكثر منه إشباعاً كلياً، فالإشباع الجزئي حالة سوية يتعلم معظم الأشخاص ضرورة التكيف معها, وعلى الرغم مما وُجِّه لتصنيف الحاجات لما سلو من نقد, مازال يحظى بالقبول فـي كثير من الدوائر العلمية لاشتماله على معظم الحاجات الإنسانية وترتيبها, وتقديره لأهميـة كـل منهـا بالنسبة لحياة الفرد، وفى مراحل نموه المختلفة.

ثانياً : المنافسة والصراعات وتأثيراتها المباشرة على الأمن الاقتصادي وهرم الاحتياجات

أكد العديد من الباحثين على أهمية الاقتصاد في تحقيق الأمن, حيث بحث “باري بوزان” في مدى قدرة الدول في الوصول إلى الأسواق الخارجية والمصادر المالية، وما تفرزه هذه التفاعلات من اشتداد حالة التنافس بين الدول ضمن المستوى الإقليمي للحصول على صفقات تجارية مع قوى اقتصادية كبرى، وحسب بوزان فإنه يمكن إدراك الأمن الاقتصادي من خلال المؤشرات التالية:

1- اشتداد حالة عدم التوازن الاقتصادي بين الدول والضغوط التي يخلقها الاختلاف في الثروة والتطلعات بين الدول، خاصة بين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقيرة، والقوى الاقتصادية العالمية .

2- هشاشة الاقتصاديات الوطنية، التي أصبحت مهددة في ظل عولمة الاقتصاد الدولي وهيمنة الشركات الرأسمالية الكبرى، ومدى قدرة الدول في الحفاظ على إمكانات مستقلة من الإنتاج العسكري والتسليح في إطار سوق عالمية .

3- التخوف من حدوث الأزمات الاقتصادية العالمية يؤدي إلى إنتهاج سلوكيات حمائية وعدم استقرار بنيوي على مستوى الأنظمة المحلية والعالمية على حد سواء.

4- التنافس الدولي الحادّ على مصادر الطاقة والغذاء، والوصول إلى الأسواق الاستهلاكية من خلال استغلال التبعية الاقتصادية لأغراض سياسية, أو حتى استحداث الأولويات للشراكة الاقتصادية نظراً لحساسية العلاقات الطاقوية الدولية التي يمثل البترول أهم عناصرها([3])

ثالثاً: العوامل المؤثرة  في الأمن الاقتصادي

– التقدم العلمي: وهو العامل الرئيسي لنمو الإنتاج والتطور الاقتصادي، حيث يمكّن من إيجاد حلول سليمة لمشكلات الإنتاج.

– التطور التقني: ويعد العامل الأساسي  للتطور الاقتصادي، حيث تؤدي التقنيات المتطورة إلى زيادة الإنتاجية والتخلص من العيوب.

– التغيير الاجتماعي الإيجابي: يؤثر التغيير الاجتماعي الإيجابي الذي يواكب تطورات الحضارات البشرية ويراعي طبيعة الاحتياجات الإنسانية المعاصرة, دون أن يتسبب في إضعاف قيم المجتمع العقائدية بشكل إيجابي على أمن الدول، نتيجة قبول بعض الأفراد العمل ببعض المهن التي كانت تعد أقل شأناً في الماضي القريب .

– امتداد إقليم الدولة: حيث يشكل عاملاً حاسماً لأمنها الاقتصادي، لأنه يقرر قدراتها الذاتية على إحداث التطورات الاقتصادية، فكلما زاد إقليم الدولة زادت مواردها وإمكاناتها المادية والبشرية, وتصبح الدولة غنية بذاتها عن الآخرين وقادرة بمجهوداتها الذاتية على دفع قطاعاتها الاقتصادية إلى الأمام.

الفصل الثاني : الأدوار المختلفة لقوى الهيمنة الرأسمالية وصناعة الأزمات

يمكننا من خلال ما وصفه المفكر الأممي عبد الله أوجلان، أن نوجز الأدوار السلبية للهيمنة الحداثية الرأسمالية ضد المجتمعات ووسائطها على شكل بندين:

1- مهاجمة خصائص المجتمع الأخلاقية والسياسية وصهرها.

2- تحويل الأفراد إلى عبيد عبر انقطاعهم عن المجتمعية التي انتهكتهم .

لم يستسلم المجتمع لهجمات الحضارة الدولتية بالكامل في أي زمن, كما أنه وجدت المقاومات في جميع أماكن الهجمات، وبحث المجتمع دوماً عن الفترات الزمنية التي عاش فيها بحريته، ووجّه حلم “العصر الذهبي” جميع تحركاته.

أولاً : سياسات التحكم والسيطرة والليبرالية الجديدة

لقد دخلت الرأسمالية الأوروبية بالمنافسة فى الميادين الاقتصادية فى نفس الوقت مع المحافظة على عدم الدوران فى مدار الإستراتيجية السياسية الأمريكية، فى هذا المجال استخدمت أوروبا فائض رأس المال لديها، من أجل خلق انتعاش اقتصادي واجتماعي في دولها بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأدركت أنها لا  تستطيع تحقيقه دون هذا الفائض, وبالتالي ستخلق لدى الطبقة الحاكمة الأمريكية مشكلات اجتماعية، في تلك اللحظة التى ستختار فيها أوروبا إعطاء الأولوية للازدهار الاقتصادي والاجتماعي. هذا هو المعنى الذى أعطيه للخاتمة “إما أن تكون أوروبا يسارية أو لا تكون”.

وحتى تتمكن أوروبا من تحقيق ذلك، عليها التخلص من وهم أنه من الواجب ومن الممكن أن يلعب الجميع لعبة الليبرالية بـ “استقامة”، وأن الأمور ستسير بشكل أفضل في هذه الحالة, فأمريكا لا تستطيع العدول عن اختيارها الخاص بممارسة الليبرالية بشكل غير متناغم؛ لأن هذه هي وسيلتها الوحيدة لتعويض قصورها الخاص، فثمن “ازدهار” أمريكا هو ركود الآخرين.

لماذا يتوالى إذاً تدفق رؤوس الأموال لصالح الولايات المتحدة على الرغم من هذه البديهيات؟ بلا شك إن حافز الكثيرين هو كون أمريكا ببساطة “بلد الأغنياء”، والملجأ الأكثر أمناً. هذا الوضع ينطبق على بورجوازية بلدان العالم الثالث الكومبرادورية, لكن ماذا عن الأوروبيين؟ يبدو أن فيروس الليبرالية، والاعتقاد الساذج بأن أمريكا ستقبل ذات يوم “لعبة السوق” لهما سلطة أكيدة على الرأي العام الواسع.

من هذا المنطلق، قام صندوق النقد الدولي بإضفاء نوع من القداسة على مبدأ “حرية انتقال رأس المال”، وذلك ببساطة للسماح لأمريكا بشكل خاص  بتغطية عجزها عن طريق ضخ الفائض المالي الناتج خارجها عن تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة، التى لا تخضع لها أمريكا إلا بشكل انتقائي للغاية, إلا أنه بالنسبة إلى الجزء الأكبر من رأس المال المهيمن، فتفوق إيجابيات هذا النظام مساوئه المتمثلة فى الأتاوة التى يجب دفعها لواشنطن حتى تضمن استمراره.

إن الدول المعروفة “بالدول الفقيرة المدينة” مضطرة للدفع, لكن هناك أيضاً “دول قوية مدينة” لن تقوم أبداً بسداد ديونها، وهذا ما علينا يجب أن نعلم, وبالتالي فإن هذه الأتاوة الفعلية التى تفرضها واشنطن عن طريق الابتزاز السياسي تصير هشة.

تقع خيارات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية والسياسية الراهنة ضمن هذا المنظور, فهو يعني الاعتراف بأنه لا يوجد تحت تصرف الولايات المتحدة  وسائل أخرى تمكّنها من فرض هيمنتها الاقتصادية.

هناك جملة من القضايا والسياسات الدولية المعقدة, ومحاولة دراسة الأهداف التي تأسست عليها التكتلات السياسية والاقتصادية المختلفة يخطر في بال الكثير من المتابعين لتلك القضايا, ومحاولة الوقوف عند تلك الأمور الغامضة التي تكتنف هذه السياسات, فالعالم يشهد تغيرات سريعة وغير معقولة وترى تبعات تلك السياسات وانعكاساتها العميقة على الداخل وعلى المحيط الإقليمي والدولي, ومن هذه الأمور في عالمَي السياسة والاقتصاد نرى الصراعات الكبيرة على النفوذ والولادة المتعثرة للنظام العالمي الجديد في ظل سيطرة قوى الهيمنة الكبرى المتمثلة في الولايات المتحدة وروسيا والصين، وظهور قوى دولية مفترسة تنتهج الاحتلال ودعم الفصائل المتشددة ودعم الأنشطة غير القانونية وتصدير الأزمات وافتعالها كما تفعل دولة الاحتلال التركي في منطقة الشرق الأوسط.

ثانياً: الشرق الأوسط ودور قوى الهيمنة العالمية على هرم الاحتياجات

يتم تخريب الشرق الأوسط مهد الحضارة الإنسانية بعد محاولة فصله عن جذوره الاجتماعية وتحويله إلى دول مقطوعة عن جذورها، ولذا ‏فالدولة في الشرق الأوسط مكمن المشاكل والأزمات أكثر من المجتمع ذاته, فالدولة مريضة وعاجزة عن تجاوز المشاكل المعاشة ‏والأزمات الموجودة, أما الأساليب المستخدمة والسياسات المتبعة فتعمق الأزمات والأمراض أكثر من معالجتها لها‎.‎

ثالثاً: الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الأمن الاجتماعي والغذائي لدول الشرق الأوسط

اندلاع الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا وبعد ذلك ما رافقه من تصعيد خطير في مستويات الصراع، أثّر بشكل كبير على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي بشكل سلبي وحادّ، أول تأثيراته كانت على الملفّ النووي الإيراني، حيث أجّلت روسيا مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك في وقت كان الاتفاق قاب قوسين أو أدنى، لتطالب بعدئذٍ بضمانات بأن العقوبات الغربية على روسيا لن تمنعها من التجارة مع إيران بمجرد إبرام صفقة جديدة، وهو ما يصعب على واشنطن والعواصم الأوروبية منحه، لتبقى المسألة خاضعة إلى ما إذا كان يمكن لروسيا بالفعل إفشال الاتفاق أم لا, ومن ثم المخاطرة بمزيد من التصعيد لبرنامج إيران النووي، وربما اندلاع صراع إقليمي أوسع كاختبار لمدى استعداد موسكو للذهاب في تأجيج عدم الاستقرار في المنطقة.

كما أثرت سلباً على اقتصادات دول الشرق الأوسط، وخاصة تلك التي تعتمد في غذائها على القمح الأوكراني، حيث تُعدّ روسيا وأوكرانيا من بين أكبر منتجي القمح في العالم، فيما تتربع منطقة الشرق الأوسط على قمة المستهلكين.

وتعاني بلدان مثل اليمن، وسوريا، ولبنان، إيران ومصر تضرراً كبيراً  في الأمن الغذائي، فعلى سبيل المثال مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم, فبين عامي 2020 و2021 حصلت على 85٪ من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا. وسوريا أيضاً تستورد نحو ثلثي احتياجاتها من المواد الغذائية والنفط، ويأتي معظم وارداتها من القمح من روسيا. ولبنان كذلك يستورد من أوكرانيا وروسيا أكثر من 90% من احتياجاته من الحبوب، واحتياطاته من الحبوب لا تكفي إلا لمدة شهر تقريباً. ويستورد اليمن نحو 40% من احتياجاته من القمح من هذين البلدين المتحاربين, وعدد من يعانون من الأزمة أو – الأسوأ- من نقص حادّ في الأمن الغذائي في اليمن قفز من 15 مليوناً إلى أكثر من 16 مليوناً في ثلاثة أشهر فقط في أواخر عام 2021. وستؤدي الحرب في أوكرانيا حتماً إلى تفاقم هذه الدينامية القاتمة بالفعل في اليمن، كما يمكن أن يكون لارتفاع الأسعار أو اضطرابات سلاسل التوريد، أثرٌ مدمّر في كثير من البلدان، سواء على مستويات المعيشة، أو على مستوى الاستقرار السياسي, فغالبًا ما كان القلق الشعبي من ارتفاع أسعار الخبز حافزاً رئيسيّاً للاحتجاجات والاضطرابات الشعبية في جميع أنحاء المنطقة([4])

الفصل الثالث:  نماذج من الأطروحات الحداثية المهيمنة المؤثرة في ترتيب هرم الاحتياجات

أولاً : نادي الأغنياء العالمي (دافوس)  

يُوصف من طرف منتقديه بأنه “نادٍ لرجال الأعمال الأثرياء” الذين يدّعون أن نواياهم طيبة لكنهم لا يهتمون أولاً وأخيراً إلا بالترويج لمصالحهم الخاصة, ويقومون بأعمال تجارية خاصة في دافوس.

المنتدى الاقتصادي العالمي ليس سوى مروّج للعولمة التي أدت للترفيع في معدلات الفقر ودمرت البيئة.

ونتائج المؤتمر متواضعة بل ستزيد من التناقضات الدولية وستعقد المشاكل الاقتصادية العالمية وتزداد معدلات البؤس والتضخم والركود والإفلاس والفوضى العالمية, وخاصة الأوروبية, وعجز السياسات النقدية والمالية والاستثمارية والائتمانية وغيرها لمواجهة مشاكل القارة العجوز.

ولهذا تسيطر حالة من التشاؤم على نتائج المؤتمر في ظل حدوث ركود عالمي، لأن الاقتصاد العالمي في وضع غير مستقر، ومستويات التضخم المرتفع الحالي والنمو المنخفض والديون المرتفعة والتجزئة المرتفعة, تقلل من حوافز الاستثمار اللازم لاستئناف النمو وتحسين مستويات المعيشة للسكان الأكثر ضعفاً في العالم.

ولو رجعنا إلى ظروف تأسيس منتدى دافوس، يمكن رؤية عدة أسباب ساعدت على تأسيس المنتدى, ومنها:

1-  الكساد الاقتصادي الذي حل بالعالم عام1973م.

2- انهيار نظام بريتون وودز المالي الذي تم وضعه بعد الحرب العالمية الثانية، وانهيار غطاء الذهب للعملة الأمريكية “الدولار”.

3- تداعيات الارتفاع الكبير في أسعار النفط بعد عام1973م.

4- الحروب الاقتصادية بين الدول والشركات المتعددة الجنسية.

5- انعكاسات الحروب والصراعات الدولية على نشاطات العلاقات الاقتصادية الدولية.

6- بناء مستقبل أفضل للعلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية.

7- تبعية السياسات الليبرالية الجديدة للبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والتي تستهدف بالأساس خصخصة الخدمات الأساسية وتحرير السوق وخلق مناخ يسمح بالاستثمار بما يتطلب ذلك من إصلاحات سياسية.

وبهذا الصدد يركز المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) عمله على ثلاث قضايا كبرى هي:

1- التحكم في الثورة الصناعية الرابعة:

ثورة عالم الأنترنيت، عالم العقول الذكية، حيث يهتم المنتدى باستشراف التحولات التي سوف يعرفها الاقتصاد العالمي في السنوات القادمة على مستوى نظم الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وكيف ستؤثر هذه التحولات على حياتنا وعلى الأجيال القادمة، وتعيد تشكيل واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي.

2- الإشكالات المتعلقة بالمشاعات العالمية:

المشاعات العالمية من البحار والمحيطات خارج الحدود السياسية للدول مليئة بالثروات الطبيعية، ويرى المنتدى أن التحديات المشتركة التي تواجهها البشرية مثل المتغيرات المناخية، تستدعي بناء توافقات عالمية أكثر من أي وقت مضى، ويتطلب مواجهتها تحفيز نماذج جديدة من التعاون بين القطاعين الخاص والعام وإبداع حلول تكنولوجية جديدة.

3- قضايا الأمن العالمي:

إذ يعمل المنتدى على تطوير استراتيجيات لفائدة قادة العالم تؤهلهم للتعاطي مع التحولات السريعة المتعلقة بالأمن، لا سيما في مجال مواجهة التطرف والإرهاب.

الآثار المختلفة للأطروحات الحداثية على العالم ومنطقة الشرق الأوسط

الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمنتدى دافوس:

لا شك أن دافوس تشكل منصة رأسمالية جاءت على وقع متغيرين أساسيين هما:

– حاجة الرأسمالية إلى مرحلة توسع جديدة عبر ما أطلق عليه العولمة.

– التأييد للنمط (الليبرالية الجديدة) الذي جاء لنشر الرأسمالية تحت معطى الصالح الاقتصادي والتكييف والخصخصة، والترويج والدخول مع الحكومات في حوارات تستفيد منها الشركات الرأسمالية في الدخول الواسع إلى اقتصاديات عالم الجنوب النامي من مداخل مختلفة، بغية تصفية الدور الاقتصادي للدولة وإطلاق القطاع الخاص فيها، الذي يسهل للشركات التعامل معه, فالتصميم الأساسي للسياسات التي اعتمدتها البلدان الرأسمالية التي قادتها الولايات المتحدة، أريد لها أن تكون صفرية لصالح نزح الفائض الاقتصادي من البلدان التي دخلت في العولمة والانفتاح الاقتصادي وتحرير معاملاتها المالية والتجارية، وهو ما ساهم في إفقار هذه البلدان, لهذا تصاعد الرفض لما آلت إليه أوضاعها الاقتصادية, لذلك فإن الهدف الذي أقيم من أجله منتدى دافوس بحسب وثائق تأسيسه، وهو تحسين وضع العالم، لم يتحقق, بل جلّ ما فعله هو خدمة الرأسمالية العالمية ومصالح الدول الغربية، وحتى البعد السياسي لهذا المنتدى جرى تحريفه لصالح مشكلات تتعلق بالوضع الإنساني المباشر([5]).

بالإضافة إلى كل ما سبق لعبت دافوس دوراً كبيراً في تقريب التفاهم بين تركيا وإسرائيل في عام 2009 إذ كان المنتدى مناسبة للتعبير عن نوايا الدولة التركية من تقرّبها تجاه إسرائيل وزيادة الاستثمارات فيما بينهما.

وفي ظل احتدام الصراع  على النفوذ بين الأقطاب المهيمنة على الساحات السياسية والاقتصادية العالمية بين  الولايات المتحدة والصين في العديد من المجالات، جاء عدد من المشاريع التي تزيد من حدة تلك الصراعات وهي خطوات نحو التصعيد.

ثانياً: مبادرة الحزام والطريق الصيني

إن انخراط الصين المتنامي في المنطقة يجري في فترات تشهد اضطرابات جيوسياسية كبيرة ومتزايدة, إذ يشهد النظام العاملي الليبرالي  بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تغيرات جذرية كبيرة, مما أدى إلى تقلبات في  الاقتصاد العالمي  والنظام الدولي.

لقد أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013م ، وهي مشروع واسع النطاق يهدف إلى ربط بلدان العالم ببعضها بحلول عام 2049.

أطلقت الصين شراكة في مشروع الحزام والطريق مع 17 بلداً منها العراق والكويت والسودان, وعززت هذه الشراكة تبادل السياسات والطاقة وبرامج التبادل التكنولوجي، وإطلاق مشاريع تعاون ثنائية ومتعددة الأطراف بالإضافة إلى عقد مؤتمرات وتدريب الموظفين، وبناء القدرات.

يحتوي مشروع مبادرة الحزام والطريق على ستة ممرات رئيسية, الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان, الممر الاقتصادي بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار, الممر الاقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا, الممر الاقتصادي بين الصين وشبة جزيرة الهند الصينية, الممر الاقتصادي بين الصين وغرب ووسط آسيا (يصل الى إيران وتركيا), الممر الاقتصادي للجسر البري لـ “أوراسيا”.

تقييم الآثار المترتبة على مشروع مبادرة الحزام والطريق

إن أبرز الآثار المترتبة على المشروع تتجسد في النقاط التالية:

– تغييرات في موازين التجارة العالمية.

– نتائج اقتصادية كبيرة (القيمة العالمية, اختلاف الآثار باختلاف الموقع من الممرات ودرجة الاندماج في سلاسل متطلبات مصاحبة للمشروع, تسهيل التجارة، مفاوضات تجارية، سلاسل قيمة).

إن مشروع مبادرة الحزام والطريق في المنطقة يمر ببعض الدول  في الشرق الأوسط, لكن يبدو أنها لا تشرك المنطقة العربية بشكل رسمي, والممرات الستة الحالية لا تشمل البلدان العربية بالرغم من أن الدول العربية لها دور مهم في التجارة الصينية، ولا سيما أن %40 من النفط الذي تستورده الصين مصدره الدول  العربية ([6])

ثالثاُ: منظمة شنغهاي للتعاون

يمكننا القول إن الظروف الدولية الخاصة والمحيطة بكل من روسيا والصين ساهمت في نشوء منظمة شنغهاي للتعاون, فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان لا بدّ لروسيا الاتحادية من استرداد عافيتها والتوسع في مناطق النفوذ خاصة في قارة آسيا, ونظراً لحاجة الصين الكبيرة إلى موارد مختلفة كان لا بد من اللجوء إلى اتفاقيات تضمن لها تأمين تلك الموارد, فتم تشكيل منظمة شانغهاي للتعاون وهي منظمة إقليمية دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية.

وهذه المنظمة الدولية تضم الصين، روسيا، كازاخستان،  قرغيزستان،  طاجيكستان  وأوزبكستان,  وتأسست في مدينة  شنغهاي الصينية عام 2001م

تتجاوز مساحة الدول الأعضاء في المنظمة ثلاثة أخماس مساحة قارتي أوروبا وآسيا, أي ما يعادل  30 مليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكان الدول الأعضاء فيها نحو نصف تعداد سكان العالم.

لمنظمة شانغهاي للتعاون مقريان دائمان هما مقر الأمانة العامة للمنظمة في العاصمة الصينية بكين، ومقر  جهاز مكافحة  الإرهاب  الإقليمي  في  العاصمة  الأوزبكية  طشقند.

أهمية منظمة شانغهاي للتعاون في الاقتصاد العالمي والهيمنة

تهدف منظمة شانغهاي للتعاون إلى تحقيق التعاون في المجال السياسي والأمني والاقتصادي والتجاري والثقافي وشبكات النقل والطاقة, وكذلك تبنيها العديد من الاستراتيجيات لحل مشاكل الحدود ومكافحة الإرهاب والمخدرات، فالمنظمة منذ تأسيسها تسعى إلى الحفاظ على السلم والأمن الإقليمي وإلى تعزيز السلم والأمن الدوليين، حيث حققت للدول الأعضاء إنجازات ملحوظه في استتباب الأمن والتعاون في كافة مجالات الحياة.

تتركز أهداف منظمة شنغهاي للتعاون أيضاً حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن والتعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية, وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة, وكذلك تعد منظمة  إقليمية تهتم بالشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية وتنفيذ القانون وحماية البيئة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والطاقة والمواصلات والمال والمصارف والتأمين والقروض وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك, وتعزيز التنمية الشاملة في المنطقة، كما بدأت بإنجاز أهدافها عن طريق إجراء النشاطات في كافة المجالات.

في  المرحلة  الحالية لاحتياج آلياتها إلى الاستكمال في بعض الجوانب تسعى لتحقيق الأهداف الآتية:

  • تعزيز الثقة المتبادلة وعلاقات الصداقة وحسن  الجوار  بين  الدول الأعضاء.
  • تطوير التعاون في كافة  المجالات  وحماية  وتعزيز  السلم  والأمن.
  • مكافحة الحركات الإرهابية والتطرف بشتى  أشكالها, ومكافحة  بيع  المخدرات  والأسلحة  غير  الشرعية  وغيرها  من  الجرائم ، والدفاع  الوطني  وتفعيل  القانون  وحماية  البيئة  والثقافة  والعلوم  والتكنولوجيا والتعليم والطاقة والمواصلات والمال والمصارف والتأمين والقروض وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك.
  • رفع مستوى معيشة مواطني الدول الأعضاء وتحسين ظروف الحياة من خلال الأعمال المشتركة وعلى أساس علاقات المساواة والشراكة والتعاون.
  • تنسيق المواقف عند المشاركة في الاقتصاد العالمي.
  • إيجاد الحلول للمشاكل القائمة بشكل مشترك وبتنسيق عال.

إن الدول الست في منظمة شنغهاي للتعاون دول مجاورة ترتبط ارتباطاً مهماً فيما بينها، حيث إن هناك العديد من القواسم المشتركة, وحققت  المنظمة  في  مجال  التعاون  الأمني  والاقتصادي وعلاقاتها الخارجية وفي المجالات الأخرى إنجازات مستمرة ومتطورة ([7])

رابعاً: مجموعة دول البريكس ودورها  في الهيمنة

عملت كل جهدها لترسيخ شكل جديد من أشكال الهيمنة على الساحة الدولية بتشكيل مجموعة منظمات ومجموعات ساهمت في تطوير قدراتها الاقتصادية، حيث عملت على ضم دولة إفريقية إلى المجموعة باعتبارها الشريك التجاري الأول لجنوب إفريقيا, ولتكون بوابة بريكس إلى قارة إفريقيا في ظل السباق الأمريكي الصيني الروسي  الكبير على النفوذ والتجارة في القارة, علاوة على أن جنوب إفريقيا تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة, فهي تشرف على المحيطين الأطلسي غرباً والهندي شرقاً من ناحية الجنوب عبر طريق رأس الرجاء الصالح.

لم تغب الاعتبارات السياسية الاستراتيجية أيضاً من المنظور الصيني، فقد حرصت على إظهار وحدة صفها بشأن القضايا الدولية الكبرى وإثبات وزنها المتزايد في العالم, خاصة ما يجري في منطقة الشرق الأوسط ومنها تفادي استخدام القوة واستخدام أساليب وأدوات أكثر دبلوماسية مع إبداء الكبير من المرونة إزاء ما يحدث من اضطرابات, وتحديداً في كل من  سوريا والعراق واليمن و ليبيا ومناطق التوتر المستمر.

– تسعى مجموعة دول البريكس إلى المنافسة والاحتكار وإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب بعيداً عن الأحادية القطبية التي يعيشها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة، حيث تنفرد الولايات المتحدة بعناصر القوة والنفوذ نتيجة التمركز الشديد للموارد والإمكانيات المتاحة على نحو يجعل منها وحدة دولية متفوقة بكل المقاييس على بقية الوحدات الأخرى التي يتألف منها النظام الدولي، والتأكيد على الحضور القوي والمؤثر على الساحة الدولية.

أهمية مجموعة دول البريكس في الاقتصاد العالمي والهيمنة وترتيب هرم ماسلو:

باعتبار أن مجموعة دول البريكس تمثل أكبر الاقتصادات العالمية خارج منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأيضاً دافوس, فهي تشكل وتعتبر نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة.

وبالرغم من أنها مجموعة لا تتمتع بالتماسك القانوني والتاريخي والجيوسياسي والفكري والثقافي مثل الاتحاد الأوروبي, إلا إنها تملك من المؤشرات الاقتصادية ما يجعل لها دوراً ومكانة في الاقتصاد العالمي، وهي الوزن الديمغرافي المقصود به عدد السكان ،ومستوى تطور التنمية البشرية، إذ يقدر عدد سكان دول البريكس حالياً حوالي /3/مليار نسمة وهو ما يعادل تقريبا /45%/ من سكان العالم فهي قوة بشرية هائلة، ويرجع ذلك أساساً إلى التعداد السكاني الكبير جداً للصين والهند والبرازيل. ([8])

خامساً: مشروع طريق التوابل الهندي

كانت هناك معطيات جديدة بعد الإعلان عن اتفاقية الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، حيث فسرت أوساط دولية عديدة أن الهدف من مشروع طريق التوابل الهندي  هو كسب الهند إلى جانب الغرب، وتطوير بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

وفي حال إذا تم تنفيذ هذا المشروع الاقتصادي الكبير، فإنه سيعمل أيضاً حسب القوى الدولية المهيمنة مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية, على تعزيز العلاقات التجارية بين شركائه في الشرق الأوسط مع الهند بدلاً من الصين, حيث يهدف هذا المشروع  والذي تم اعتماده نهاية عاد 2023 والذي تم طرحه خلال قمة الدول العشرين في نيودلهي الهند، إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع, وكذلك تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية وغيرها.

ويطرح هذا الممر الاقتصادي الحيوي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مستقبل وفعالية مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني الذي يهدف إلى زيادة تجارة الصين مع آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

الخاتمة

لا شك بأن قوى الهيمنة العالمية لعبت دوراً في تطوير أدوات إنتاج الدول الغربية وأساليبها في إدارة العلاقات الاقتصادية طبقاً لتغيير المعطيات الدولية المتعلقة بالنظام الدولي، فهو يسعى بشكل متواصل إلى نظرية التجديد المتواصل للرأسمالية العالمية، ويُحدث تطورات في عناصر الهيمنة بنظرية تعاون دولية عمودها الأول العامل الاقتصادي بقيادة الدول الرائدة من النواحي العلمية والاقتصادية والعسكرية والسياسية.

وتعد الشركات المتعددة الجنسية هي الجهة الأكثر استفادة من الاضطرابات وحالات الفوضى والحروب والأزمات.

إن جميع القضايا والهموم ذات طابع عالمي, ولكي يصلح وصف أي منتدى اقتصادي بأنه عالمي حقاً يجب أن تمتزج أجندته بالقضايا والمشكلات بأبعادها المختلفة، إذ يجب عليه:

1- أن يهتم بمسببات ونتائج الوضع غير المتكافئ لمجموعة البلدان النامية في النظام الاقتصادي العالمي، وتخصصها في إنتاج وتصدير المواد الخام بأسعار رخيصة، وما يترتب على ذلك من استنزاف مواردها الاقتصادية الناضبة، بنفس الأهمية والدور الذي يتناول بها قضية التباطؤ في معدلات نمو الاقتصادات الرئيسية في العالم.

2- أن يتصدى للمشكلات المترتبة على التحرير غير العادل لأسواق الدول النامية أمام سيول المنتجات الصناعية المصدرة إليها من الدول المتقدمة.

3- أن يركز على إبراز الآثار الضارة للمضاربات المالية من قبل الصناديق الاستثمارية الدولية في أسواق المال في الدول النامية، وأن يركز على مناقشة القضايا المرتبطة  بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول، وأن يسلط الضوء على الآثار السلبية لسيطرة قوى الهيمنة العالمية.

4- أن يتم الاهتمام بالبحث في القضايا المرتبطة بالتوسع الشديد في الإنفاق العسكري في أغلب بلدان العالم، مثلما يتناول بالتمحيص الأسباب الحقيقية لتفاقم ظاهرة تلوث البيئة، ومسؤولية كل من الدول المتقدمة والدول النامية عنها.

فإذا ما وضعنا نصب العين الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والعلمية العملاقة التي تنفرد بها الرأسمالية العالمية؛ فإن كل أنواع العمليات القانونية الديمقراطية، وكذلك الانتفاضات المنظمة، والحروب المعتمدة على الدفاع الذاتي؛ يمكن اعتبارها أساليب للرد على النظام القائم، في حال الإخلال بالتطبيق المتساوي والعادل للقوانين، وفي حال العمل بالنظام الاستبدادي لا استغناء عن التحرك وفق نظرية وممارسة عملية أخلاقيتين كمبدأ وسلوك أولي مصيري لدى إنشاء المجتمع الديمقراطي والأيكولوجي التحرري الجنسوي؛ ذلك لأن المجتمع الرأسمالي تأسس على أساس إنكار الأخلاق ودحضها.

المراجع والمصادر:

  • محمد السيد عبد الرحمن، نظريات الشخصية، القاهرة: قباء للطباعة والنشر،1998.
  • حمدي علىي الفرماوي ،الحاجات النفسية فى حياة الناس اليومية ( قراءة جديدة ف ى هرم ماسلو)، ط،١ القاهرة، دار الفكر العربى،2008م
  • حمزاوي، ج ،التصور الأمني الأوروبي نحو بنية أمنية شاملة وهوية إستراتيجية في المتوسط. كلية الحقوق والعلوم السياسية، باتنة، جامعة الحاج لخضر
  • بسام حجار، العلاقات الاقتصادية الدولية، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت ،2003 م
  • مبادرة الحزام والطريق: ماذا تحمل للمنطقة العربية؟ الدورة الاستثنائية السادسة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا

،كانون الأول الثاني، ديسمبر 2019

  • سام محمد العامري ، منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، بغداد ،2013م.
  • ماهر بن ابراهيم القصير، تكتل دول البريكس: نشأته ـ اقتصاداته ـ أهدافه، دار الفكر العربي، القاهرة، 2014 م
  • تقرير منظمة الأمم المتحدة للاغذية (الفاو) 2021م

[1] محمد السيد عبد الرحمن، نظريات الشخصية، القاهرة: قباء للطباعة والنشر،1998، ص 437

[2]– حمدي علي الفرماوي ،الحاجات النفسية فى حياة الناس اليومية ( قراءة جديدة ف ى هرم ماسلو)، ط،١ القاهرة، دار الفكر العربى،2008م،ص13

[3] – حمزاوي، ج ،التصور الأمني الأوروبي نحو بنية  أمنية شاملة وهوية إستراتيجية في المتوسط. كلية الحقوق والعلوم السياسية، باتنة: جامعة الحاج لخضر

[4] – تقرير منظمة الأمم المتحدة للاغذية (الفاو) 2021م

[5] – بسام حجار، العلاقات الاقتصادية الدولية، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت ،2003 ص 66

[6] – مبادرة الحزام والطريق: ماذا تحمل للمنطقة العربية؟ الدورة الاستثنائية السادسة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا

،كانون الأول الثاني، ديسمبر 2019

[7] – ابتسام محمد العامري ، منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، بغداد ،2013م.

[8] – ماهر بن ابراهيم القصير، تكتل دول البريكس: نشأته ـ اقتصاداته ـ أهدافه، دار الفكر العربي، القاهرة، 2014 م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى