أبحاث ودراساتافتتاحية العددشرفان مسلممانشيتملف العدد 55

قضية الصراع السني الشيعي، الأسباب والنتائج، والحلول

 

شرفان مسلم 

مدخل:

هناك الكثير من القضايا الهامة التي غيّرت مصير الشعوب وقلبت حال الأقوام رأسا على عقب، قضايا تعتبر مفصلية نظرا للتحولات والتغييرات التي تسببت بها فيما بعد، من إحدى هذه القضايا هي قضية السنة والشيعة، يعاني شرقنا الأوسط في الكثير من مفاصله من بعض المشكلات التي تعتبر بنيوية ومصيرية وتسببت هذه المعضلات بما آل عليه الحال في الشرق الأوسط.

فالمشكلات التي تتسبب بعدم تطوير منطقة ما ورفع سويّتها الثقافية والفكرية لا تقتصر فقط على الماديات وتجفف الاقتصاد، في الكثير من الأحيان نلاحظ بأن المشكلات الداخلية النابعة من عدم توافق فكري في تحليل موقف ما، أو عدم السير في طريق واحد من الناحية الأيديولوجيا أيضا تتسبب في تراجع منطقة ما بكل مقوماتها عشرات السنين.

معضلة المفهوم السنّي والشيعي أخذت حيزاً واسعاً من تفكيري، وسؤال لطالما راود خيالي، هل هذه المشكلة نابعة من خلاف فكري يحوم حول عدم التوافق في تحديد ومنبع جانب روحي؟ أم أنه صراع بدأ وفقا لمفهوم قبلي، عشائري وعائلي؟ أم أنه صراع سياسي يتمحور حول التمسك بالسلطة وعدم الإفراط بها؟ أم أنه صراع بدأ شرارتها من فتنة ما، واتسعت فيما بعد؟

التطرق الى أمور المعتقدات ربما لا يعتبر من المسلمات، والتقرب منه دائما يكون بحذر وخوف وقلق، وذلك لخصوصية الموقف، والتعصب الفكري المتمسك بمفهوم ثابت لا يقبل النقاش والتطرّق بحجة ذرائع مختلفة، لست الآن في صدد ذكرها، الا أنّني ووفقا لإيماني وقناعتي بالمقولة السائدة: (لا يوجد شيء فوق الدراسة والنقد) وكذلك رغبة مني في الخوض في معرفة هذا الصراع والنظر إليه بعين الثالث، وطرح الحلول المناسبة وفقاً لمنظوري الشخصي اخترت هذا البحث.

بحسب تجربتي الشخصية في الكثير من المواقف أثناء الدراسة والحياة العملية، اكتشفت الكثير من السلبيات والأوهام التي تركتها هذه المعضلة التي بدأت شرارتها منذ أكثر من ألف وثلاثمئة عام، أحيانا أصل الى قناعة ألا وهي أنّه من الممكن كثيرا أن تحدث مصالحات بين المسلم واليهودي والمسيحي، ويتقبلوا بعضهم البعض من كافة النواحي، حتى من الناحية الأيديولوجيّة، لكن من الصعب جدا أن يحدث توافق أو اتفاق إن صح التعبير بين السني والشيعي…لماذا؟ طبعا مؤسف جدا هذا الأمر.

هذه المشكلة التي مازالت حتى الآن جدلاً يصعب حله، وورقة بيد الساسة الذين يديرون الكثير من الدول، واللعب بها وفقاً لمصالحهم على حساب دماء الشعوب الفقيرة التي تفتقد العلم والمعرفة، والذين يتبعون فقط غريزتهم الروحية المرسومة لهم، حتى الطقوس التي يمارسونها بعيدة عن قيم الحضارة.

سأحاول بإمكانياتي المتواضعة – وبعد إجراء الكثير من البحث والتحليل – تسليط الأضواء على معرفة تاريخ السنة والشيعة، أسباب ظهور الخلافات، والنتائج التي آلت إليه، كما أنني سأطرح وفقا لمنظوري الحلول التي من الممكن أن تساعد في حل هذا الصراع التاريخي.

لا بدّ لنا في البداية وقبل أن ننخرط في الصراع وأسبابه والنتائج التي تمخّضت عنه أن نعرِّف وإن بأسطر بسيطة السنة والشيعة.

الشيعة:

لغة: هي المشايعة، أي المتابعة والمناصرة والموالاة.

الشيعة هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيةً، إما جليّاً وإما خفيّاً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده.

وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحة تناط باختبار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، ولا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه الى العامة وإرساله.(1)

وقالوا أيضا: إنَّ عليّاً مع الحقّ، يدور معه حيث دار، وأوجبوا نُصرته على كل من خالفه وعاداه، عملاً بأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي نصّ على أنّ عليّاً مولى المؤمنين، وولي كلّ مؤمن، وأنّه إمام أهل البيت والثّقل الأصغر الذي تركه رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) في المسلمين، وأمر بالتمسك به في القرآن الكريم، ثمّ دانوا بإمامة ولديه الحسن والحُسين من بعده.(2)

كما أنه من المعلوم أنّ نشأة الفكر الشيعي كانت عند تمام البيعة لأبي بكر رضي الله عنه. لكن لم يظهر مذهب على صعيد المجتمع الإسلامي إلّا في أواخر عهد عثمان رضي الله عنه. أما فيما بين ذلك فإنما كان وجهة نظر قامت يوم السقيفة، ثم هدأت وطويت باستقرار الأمر لأبي بكر رضي الله عنه واجتماع الناس على بيعته، لاسيما عندما بايعه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بذاته. وقد كانت بيعته له بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها بعشرة أيام، وقيل بعد وفاة رسول (صلى الله عليه وسلم) بثلاثة أشهر، وقيل غير ذلك.(3)

يتلخص المذهب الشيعي الذي يتفق الشيعة جميعهم عليه في النقاط التالية:

أولا: ليست الإمامة من المصالح العامة التي تفوّض إلى نظر الأمّة، بحيث يعتمد الشخص الذي تختاره من بينها للنهوض بهذا الأمر، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، وليس من شأن النبي إغفاله ولا تقويضه إلى ما تراه الأمة، بل يجب عليه أن يعين لهم الإمام من بعده.

ثانيا: لابدّ أن يكون الإمام معصوماً من المعاصي بنوعيها: الكبائر والصغائر.

ثالثاً: إنَّ عليّاً كرم الله وجهه، هو الإمام الذي عيّنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للأمة من بعده.

فهذه النقاط الثلاثة محل إجماع منهم جميعاً عليها، على اختلافهم وتفرقهم عن بعضهم بصدد النظر في أمور أخرى.

ثم أنّهم لمّا نظروا في أمر الخلافة من بعد علي كرم الله وجهه تفرقوا إلى المذاهب التالية:

  • الإمامية: وهم يرَون أن مساق الخلافة من بعد علي كرم الله وجهه في ولد فاطمة، بالنص عليهم، واحداً إثر الآخر. وسمّوا بالإمامية نسبة إلى مقالتهم باشتراط معرفة الإمام وتعيينه في الإيمان.
  • الزيدية: وهم يرون أن مساقها في ولد فاطمة، لكن بالاختيار من الشيوخ، على أن يكون الإمام منهم عالماً زاهداً جواداً شجاعاً. وسمّي هذا المذهب بالزيدية نسبةً إلى صاحب المذهب وهو زيد بن علي بن الحسين.
  • رافضة: عندما ناظر الإمامية زيداً في إمامة الشيخين، ورأوه يقول بإمامتهما ولا يتبرأ منهما رفضوه ولم يجعلوه من الأئمة المعتمدين. وبذلك سموا رافضة.
  • الكيسانية: وسموا بالكيسانية نسبة إلى كيسان مولى محمد بن الحنفية، ويرون أن مساق الخلافة بعد علي وابنيه السبطين، إلى أخيهما محمد بن الحنفية، ثم إلى ولده.

وقد نشأت منهم طوائف يسمّون الغلاة، تجاوزوا حدّ العقل والإيمان، فقالوا بألوهية كثير من هؤلاء الأئمة وقد تبرّأ منهم أولئك الأئمة أنفسهم، وعاقبوهم على ذلك عقاب المرتدين.

السنة:

السُّنَّة والجماعة هم أكبر مجموعة دينية إسلامية من المسلمين في معظم الفترات من تاريخ الإسلام، وينتسب إليهم غالبية المسلمين، ويُعرِّف بهم علماؤهم أنهم هم المجتمعون على اتباع منهج السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل. ولم تكن هذه التسمية مصطلحا متعارفاً عليه في بداية التاريخ الإسلامي حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق، وإنما ظهرت هذه التسمية تدريجياً بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسمّيات مختلفة، وكان لقب أهل السنة يطلق على أهل العلم من أئمة الصحابة ومن تبع طريقتهم المسلوكة في الدين، حيث ورد في مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين أنّه لما وقعت أحداث مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والتي يشير إليها باسم “الفتنة” أنه قال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»، فالأئمة في الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان هم أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين باعتبار أنّ طريقتهم التي كانوا عليها قائمة على اتباع منهاج الهدي النبوي حيث نقلوا علم الدين بعمومه، واستند عليه علمهم فيما بيّنوه، وفيما استنبطوه وفق أصول الشريعة.

كان أخذ علم الدين مختصا بالحاملين له من الصحابة وكانوا في صدر الإسلام يسمونهم القراء لقراءتهم القرآن وعلمهم في الدين، وبحسب ما ذكر ابن خلدون أنه بعد تمكن الاستنباط الفقهي وكمل الفقه وصار علما بدلوا باسم الفقهاء والعلماء بدلا من القراء، وانتقل علم الصحابة إلى التابعين وأخذ عنهم الأئمة من بعدهم، ثم انقسم الفقه فيهم إلى: طريقة أهل الرأي في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه؛ هو أبو حنيفة، وطريقة أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده.

 

نشأة الفرق الإسلامية وأسبابها:

كما نعلم جميعاً أن الدين الإسلامي جاء يدعو الى توحيد الألوهية، وضرورة الالتزام بالشريعة. كما أنه دعا الى الوحدة والتآلف بين أتباعه. وينهي عن الفرقة والاختلاف بين المسلمين.

وقد أكدت الكثير من الآيات في القرآن الكريم الوحدة وعدم التفرقة، ودعت إلى التمسك بحبل الله المتين. وعدم التنازع والاختلاف، كما ورد في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) <آل عمران/103> وكذلك قوله تعالى: (إن الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شِيعاً لستَ منهم في شيءٍ إنما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) <الأنعام/159>

وبهذا نجد أن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن الفرقة، وكان ذمّ الرسول الكريم الجدال رادعاً قويّاً للمسلمين عن الاختلاف والفرقة، لاسيما في مسائل الاعتقاد. وقد استقامت حياة المسلمين في عهد الرسول الكريم وكانت بعيدة عن الاختلاف والتنازع، وكان الرسول هو المرجعية لهم في اختلاف يصدر، والآية التالية تؤكد هذا الشيء (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخبرة من أمرهم. ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مُبيناً) <الأحزاب/36>

وظل الحال كذلك حتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته نشب الخلاف حول الخلافة، ولم يلبث أن نما حتى أصبح مذاهب وأحزاب.

بدأ الخلاف بين المسلمين على بعض الأمور الاجتهادية التي لم تصل بأحد منهم إلى درجة الابتداع والكفر، كالخلاف الذي وقع بينهم في سقيفة بني ساعدة فيمن يخلف رسول الله بعد وفاته، وغير ذلك من الخلافات التي وقعت بينهم ولم يكن لها خطرها الذي ينجم عنه التفرق ووقوع الفتنة والبغضاء بين المسلمين.

ظل الأمر كذلك إلى زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان ما كان من خروج بعض المسلمين عليه ومحاصرته داره، وقتلهم له، فأصاب المسلمين من ذلك الوقت رجة فكرية عنيفة. طاحت بالروية. وذهبت بالكثير من الأفكار ومذاهب شتى. فقام قوم يطالبون بدم عثمان. ثم نشبت الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من أجل القصاص من قتلة عثمان، وكان لكل منهم شيعة وأنصار يشدون أزره. ويقوّومون عزمه. وتبع ذلك انشقاق جماعة علي رضي الله عنه. بعد مسألة التحكيم في الخلاف بينه وبين معاوية…فظهرت من ذلك الوقت فرقة الشيعة وفرقة الخوارج وفرقة المرجئة وفرقة أخرى انحازت لمعاوية، وأيدت الأمويين على وجه العموم.

-أما بالنسبة لأسباب نشوء الفرق والتفرقة فيمكننا ذكرها بالعناوين العريضة بحسب ما يتفق عليها الباحثين والمؤرخين:

1- الفتنة الكبرى ومقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.

2- دور عبد الله بن سبأ اليهودي في الفتنة ونشر الأفكار الهدامة.

3- ترجمة الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية، وإتقان البعض بها.

4-دخول بعض الموتورين من أهل الديانات القديمة في الإسلام.

 

– الخلاف بين السنة والشيعة وفقا لمنظور غربي، برنابى روجرسون نموذجاً.

يذكر الكاتب برنابى روجرسون في كتابه (ورثة محمد) المترجم من قبل الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ، جذور الخلاف السني الشيعي، كما أنه يربط هذا الخلاف بالكثير من الأمور التي قد لا نجدها في الكتب الإسلامية، ولم يتطرق إليها أحد من شرقنا، تختلف رؤيته عن رؤيتنا الكلاسيكية المعتادة والتي ورثناها جميعاً من مصدرنا الشرقي، فهو يعود بجذور هذا الاختلاف الى فترة وجود النبي صلى الله عليه وسلم ذاته، ويربط الأمور بالخصوصية الجغرافية والسياسية لمكة والمدينة في تلك الفترة، والتغييرات التي تسببت بهذا الخلاف.

لا يجد هذا المؤرخ الانثربولوجي الرائع أية فوارق دينية بين السنة والشيعة، أو بين من يقال لهم سنة، ومن يقال لهم شيعة، وذلك بعد أن بسط بين يدي كل ما ترجم إلى اللغات الأوروبية من كتب التراث الاسلامي وهي كثيرة جداً، وبعد أن أمعن النظر في محتواها، متجاوزاً الظاهر الكاذب ليغوص في المعنى والمبنى والفحوى. يقول برنابى روجرسون: ((وعندما نتفحص الممارسات (العبادات) الدينية للمسلمين السنة والمسلمين الشيعة نجد أن الفروق ضئيلة لا تكاد تذكر، فالشيعة يعترفون بالقرآن نفسه (النص عند كليهما واحد) وهم يصلون الصلوات الخمس اليومية، ويتبعون تقويماً واحداً، ويلتزمون في صومهم بالالتزامات نفسها، وكلهما يحج ملتزما بالطقوس (الشعائر) نفسها)).

فالمؤلف بعد ان بسط أمامه كتب السيرة النبوية وكتب الحوليات التي تعرضت إلى أحداث هذه الفترة (السيرة النبوية لابن هاشم والطبقات الكبرى لابن سعد، وتاريخ الطبري…إلخ)

وأزاح منها كل ما هو غير اجتماعي وغير اقتصادي وغير سياسي، خلص إلى أن احد جدور ما يسمى الخلاف السني الشيعي ليس ذا طابع ديني، وما يؤكد رؤيته هذه هو أن معظم الشيعة الآن من أصول تعود للمدينة المنورة، كما تعود إلى أصول شرق الجزيرة  العربية ( الذين لم يأخذوا نصيبا كافيا من الريع لأنهم ليسوا من قريش)، أو من الشعوب الزراعية التي إن لم تكن من الشيعة من الناحية الرسمية، إلّا أنّ حبهم لآل البيت طاغ وجار بسبب ارتباط تراث علي بالعمل والإنتاج، ويذكر أيضاً أنّ أحد أسباب الخلاف يعود أيضاً إلى الخلاف الذي نشب بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.

 

أهم نقاط الاختلاف بين السنة والشيعة:

الإمامة

إنها أبرز نقطة خلاف، وعلى أساسها وقعت الفُرقة أصلا. يؤمن السنّة أنّ الإمام أو الخليفة يتعين بالاختيار أو الانتخاب. فيما يؤمن الشيعة أنه يتعين بالنص، أي أنّ الأمر محسوم بحكم إلهي لم يترك للأفراد حرية التصرف. وأصل الخلاف هو أن السنّة يؤمنون أن النبي محمد لم يسم خليفة بعده، يُمنع على المسلمين التحوّل إلى غيره. وعلى هذا، تكون إمامة الخليفة الأول أبي بكر، في نظر أهل السنة، شرعية لأنها تمت باختيار المسلمين، وينطبق الأمر ذاته على عمر وعثمان وعلي.

أما الشيعة، فيؤمنون أنّ النبي محمد اختار ابن عمه (علي بن أبي طالب) للإمامة، يتوارثها أولاده بعده ولا يجوز صرفها إلى غيرهم. فتكون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان غير شرعية، وإنما انتزعت من علي غصباً.

يستدل الشيعة على وجوب الإمامة لعلي بأحاديث من أبرزها حديث الغدير، وهو معروف وموجود أيضا في كتب السنة. يقول النبي في مقطع منه “من كنت وليه (في بعض الروايات مولاه) فعلي وليه”.

في رأي الشيعة، هذا الحديث يؤكد حكماً قطعيّاً ملزماً بالولاية لعلي. بينما يقول السنة: إنّه لا يتضمن دلالة على ذلك، وإنما المقصود بالموالاة المحبة والمودة وترك المعاداة. ويضيفون أن الخلافة أمر عظيم لا يمكن الدلالة عليه بلفظ مجمل كهذا.

العصمة:

يؤمن الشيعة بعصمة الأئمة. ويعٌدون اثني عشر إماماً معصوماً، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسن العسكري، مهدي آخر الزمان في رأيهم. ويستدلون على عصمة الأئمة بآيات وأحاديث نبوية يرون أنها تؤكد ذلك. من بين هذه الآيات مثلا ما ورد في سورة الأحزاب “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا”.

يرفض السنّة في المقابل تفسيرات الشيعة، ويرون أن العصمة من الخطأ لا تثبت إلا للأنبياء فيما يبلغونه من رسالات ربهم. وأن جميع الناس بمن فيهم الصحابة يصيبون ويخطئون ويؤخذ من قولهم ويترك، إلا الأنبياء فيستحيل الخطأ في حقهم لأن الأمر هنا يتعلق بوحي.

السنة:

السنّة النبوية عند الشيعة والسنّة معا هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. تأتي بعد القرآن، وهي امتداد وتفسير له، ولها قوة تشريعية ملزمة. لكن، إذا كانت السنة عند أهل السنة تقتصر على قول الرسول أو فعله أو تقريره، فإنها تتوسع عند الشيعة لتشمل أيضا قول الإمام المعصوم أو فعله أو تقريره. فالأئمة تجري سنتهم مجرى سنة الرسول، لأن ما يصدر عنهم ليس اجتهادا أو استنباطا أو رأيا، بل هو عين سنة الرسول، سواء أسندوها إليه أم لم يسندوها.

ويمتاز الشيعة أيضا بأنهم لا ينقلون السنة عن كل الصحابة، بل يقتصرون على المعتبرين عندهم. وهذا نابع من عدم إيمانهم بفكرة عدالة كل الصحابة التي يؤمن بها أهل السنة.

عدالة الصحابة

رغم أن فكرة عدالة الصحابة قد تكون أهون نقاط الخلاف بين الشيعة والسنة من الناحية العقدية أو الفقهية، إذا قارناها بالموقف من الولاية أو العصمة أو السنة، إلا أنها النقطة التي تثير الكثير من الحزازات والتوتر في الوقت الحالي.

يقول السنّة إنّ الصحابة جميعهم عدول، تقاة، مستقيمو الدين والسيرة، غير أنهم غير معصومي الخطأ. يُجمع على عدالة الصحابة علماء أهل السنّة، ويرونها أصلا من أصولهم لا يقبلون الخروج عنه. وينظرون إلى خلافات الصحابة، وحتى الحرب بينهم، على أنّها اجتهادات أخطأ فيها من أخطأ وأصاب من أصاب. وهي لا تضع عدالة أي منهم محل نقاش. ويوالي السنة الصحابة كلهم ويمسكون عما شجر بينهم.

على العكس من ذلك، لا يؤمن الشيعة بعدالة كل الصحابة، ويرون أن منهم العادل والفاسق والمنافق. بل ذهب بعض المتشددين إلى درجة تكفير وسب بعض الصحابة وزوجات النبي. وهو ما أثار موجات غضب عارمة في أوساط السنة، ورفضا وانتقادات في أوساط الشيعة أنفسهم.

النتائج:

ربما كانت أسباب الاختلاف مختلفة بين عالم وآخر أو رواية وأخرى، إلّا أنّ أبرز النتائج واضحة كوضوح الشمس لا يختلف عليها اثنان، فهذا الاختلاف لم يكن ضرورة تاريخية ولم يكن نابعاً من اتّباع او اعتناق طريقة فكرية مختلفة، لسنا هنا بصدد العودة إلى التأسف، وذكر الأسباب مرّة أخرى، وإنّما النتائج الكارثية التي حلت بالعالم الإسلامي، واستغلالها من قبل الانظمة الدكتاتورية لضرب الشعوب واللعب بوترهم العاطفي، ويمكننا تلخيص أبرز النتائج ومجملها بما يلي:

  • انقسام العالم الإسلامي إلى فرقتين، وأضحى هذا الانقسام نواة فيما بعد لتقسيمهم إلى فرق متعددة.
  • انتشار الحقد والكراهية بين المسلمين على الرغم من أن الدين الاسلامي يدعو إلى التسامح والحب والوفاء، فبشكل تلقائي يبرهن هذا الشيء ابتعادهم عن قيم الإسلام ومبادئه.
  • وقد ترتب عن هذا الانقسام ضعف شديد في صفوف المسلمين، بعد أن كانت في أوج قوتها في العالم أجمع.
  • حدوث معارك كثيرة بين المسلمين ذاتهم (وقعت الجمل، صفين …إلخ) على الرغم من تناقض هذا الشيء مع مضمون القرآن الكريم، وكذلك في أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
  • ظهور الحركات الراديكالية الإسلاموية كأمثال القاعدة ومشتقاتها.
  • استغلال هذا الاختلاف سياسياً من قبل الكثير من الدول لضرب المسلمين بعضهم ببعض، وإنشاء حروب على أسس طائفية ومذهبية.

الحلول:

ربما لم تكن وجهة نظري لادغة وناقدة إلى الحد المطلوب مني كباحث يحاول الغوص في قاع المشكلة وتفتيتها وتشريحها، ولن يكون بحثنا موضوعيا ما لم نتطرق الى العوامل والظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والجغرافية، في تلك الحقبة من الزمن، فالعمل الجغرافي لعب دورا مهما في تكون الشخصية وأثرت عليها بشكل مباشر، فالطبيعية الصحراوية الجامدة، أنشأت شخصيات صلبة وخشنة تعكس ملامح تلك الصحراء القاحلة، والعلاقات والروابط الاجتماعية كان مستندة إلى المفهوم القبلي والعشائري، والتي بدورها كرست أرضية مناسبة لتأجج الصراعات، أما بالنسبة للثقافة والوعي فكانت إلى حد ما شبه معدومة، فوأد البنات وغيرها من الأعراف والتقاليد البالية انعكاس لهذه الجهالة.

يرى البوطي رحمه الله أن موضوع النظر والبحث في هذه المسألة قد طوي وزال، فقد عفى الزمن على ما يمكن أن يختلف المسلمون حوله من أمر الخلافة والأحق بها، وأن عليّا ذاته قد بايع بنفسه أبا بكر الصديق.

والعجب الذي لا يهضمه عقل ولا تقبله غيرة صادقة على الدين الحق، هو مرور قرون على عصر الخلافة الراشدة، وما زلنا نجعل من أحقية علي أو غيره، موضوع لجج ومسألة خلاف، وحجاب تفرقة بين المسلمين..

فالحل الأنسب للوقوف أمام هذا الصراع ومنع استغلاله من قبل الكثير من الدول الشرقية منها والغربية، ومنعهم من اللعب بالوتر العاطفي للشعوب من تأجيج فكرة الإسلام الناعم بإنشاء مجموعات متطرفة سلفية معتنقة المذهب السني وموزعة في الكثير من الدول لتحقيق مصالح أجندات استخباراتية خارجية، وكذلك تأجيج فكرة الهلال الشيعي الذي يساهم في تقسيم جيوسياسي خاص بهم، ومبني على أيديولوجيا راديكالية تسير الآن بقيادة إيران وغيرها من الدول التي تستخدم العقائد لتمكين سلطتها، فأفضل الحلول هو العودة الى الطبيعة، والاتحاد بين الطبيعة الأولى والثانية، وقبول البعض على مبدأ الإنسانية قبل كل شيء، بغض النظر عن خلفيته واعتقاده.

إنّ تطبيق مفهوم الأمة الديمقراطية جوهريّاً، سيساهم كثيراً في حل هذا الصراع، فالأمة الديمقراطية التي من خلالها ينفرد الإنسان مع معتقده ويؤمن به دون أن يتأثر أو يؤثر على أحد، كما أنها تفصل تماماً بين السلطات والأديان والمعتقدات، فهذه الأشياء تعتبر من خصوصية الشخص ذاته، وتمنع استغلال هذه الأمور من قبل السلطات لضرب المجتمعات بعضها ببعض.

وأخيرا المعرفة ورفع سوية العلم الموضوعي والثقافة المجتمعية المبنية على حب الطبيعة والممزوجة بمبادئ الإنسانية هي صمام الأمان لحل هذه المشكلة من جذورها، لطالما المناهج الدراسية في إيران والسعودية معدة على أسس طائفية وتحريضية مؤدلجة، ستبقى هذه المعضلة مستمرة، لأنها تنغرس في مخيلة الأطفال، لذلك يفترض زيادة مستوى الوعي وتغيير المناهج وجعلها داعية إلى السلام والتسامح والمحبة.

بهذه النفاط التي ولو تطبق بعون الله سيعم السلام ليس فقط على العالم الإسلامي، بل على كافة الشعوب.

وفي النهاية لا يسعي إلا أن أوجه ندائي في بحثي هذا إلى وقعت عينه عليه، أن يتخذ من مبادئ الإنسانية أساس له، وينظر إلى الأمور بأفق واسعة، تجعله يميز بين الأشياء، ويساهم لحل هذه المشكلة ورفع مستوى المعرفة.

 

المراجع

أبو الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني. (2013). الملك والنحل. دمشق: مؤسسة الرسالة ناشرون.

الإمام محمد أبو زهرة. (بلا تاريخ). تاريخ المذاهب الإسلامية. القاهرة: دار الفكر العربي.

برنابي روجرسون،ترجمة د.عبدالرحمن عبدالله الشيخ. (2010). ورثة محمد. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتب.

د.محمد شيخاني. (2009). الفرق الإسلامية والمتأسلمة. دمشق: قتيبة.

سعد رستم. (2010). الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات. دمشق: دار النشر الأوائل.

عبدالله أوجلان. (2014). مانيفستو الحضارة الديمقراطية،المجلد الخامس. قنديل: آزادي.

محمد سعيد رمضان البوطي. (2008). المذاهب التوحيدية والفلسفات المعاصرة. دمشق: دار الفكر.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى