أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتملف العدد 63يوسف وهيب

تحديات تغير المناخ والتغيرات البيئية على دول الشرق الأوسط وآثارها المختلفة والحلول الممكنة

يوسف وهيب / السودان 

يوسف وهيب / السودان 

مخطط البحث

مقدمة

المحور الأول: التغيرات المناخية وعلاقتها بالسياسة والتحديات أمام الدول للحد منها

المحور الثاني: الإشكاليات المناخية والبيئية الناتجة عن تزايد الأنشطة البشرية

المحور الثالث: العدالة المناخية كرؤية لحل الآثار الناتجة عن التغير المناخي

الخلاصة

مقدمة

تركز معظم الدراسات التخصصية التي تنشرها مراكز الأبحاث والمؤسسات المعنية بالتغيرات المناخية والبيئية والناشطين البيئيين وآراء من يعتبرون أنفسهم حماة البيئة والأرض, تركز على أن التغير المناخي لم يبقَ مجرد مصطلح يدل على ارتفاع حرارة الأرض أو توسع ثقب الأوزون فحسب، فالعالم يعيش تغييرات كبيرة وواسعة تشمل الغلاف الجوي، والغلاف الأرضي المتمثل بالقشرة الأرضية وأيضاً الغلاف المائي، والمحيطات والمناطق الثلجية, فجميع تلك المظاهر تعكس الصورة الملخصة عن طبيعة التغيرات المناخية  التي نلاحظها وتؤثر في بقية مظاهر الحياة على الكرة الأرضية.

و تعتبر التغيرات المناخية من أكثر التحديات التي تواجه الدول, حيث لا يوجد هنالك بلد متمتع بالحصانة ضد هذا التحدي الذي أضحى قضية بيئية وحياتية هامة وحقيقة علمية ومشكلة عالمية طويلة الأجل، تنطوي على تفاعلات معقدة لها تداعيات مختلفة ومتنوعة سياسية، اجتماعية، بيئية واقتصادية، وهو ما أكدته الأمم المتحدة بقولها:

“إن التغير في المناخ العالمي هو حقيقة لا لبس فيها، وأنه من المرجح جداً أن تكون معظم الزيادات الملحوظة في متوسط درجات الحرارة عالمياً منذ منتصف القرن العشرين, ناجمة عن الزيادة الملحوظة في تركيزات الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية”.

ما المقصود بالتغيرات المناخية؟ وما آثارها المختلفة على دول الشرق الأوسط؟ وما علاقة السياسة بالبيئة؟ وما الحلول الممكنة؟ وكيف تتعامل المجتمعات مع هذه الظاهرة في ظل التحديات التي تفرضها؟

للإجابة على هذه الإشكالية نطرح الفرضيات التالية:

1ـ تطرح قضية تغير المناخ في الشرق الأوسط رهانات كبيرة أمام المجتمعات والدول, وبالتالي ضرورة التصدي لها.

2- لعبت السياسة الدور السلبي على البيئة والقضايا البيئية في ظل تزايد حدة الحروب الصراعات والعنف وعمليات ضرب البنية التحتية البيئية، والمساهمة في ارتفاع درجات الحرارة عبر التسبب في الحرائق والكوارث والتغيرات المناخية.

المحور الأول: التغيرات المناخية وعلاقتها بالسياسة والتحديات أمام الدول للحد منها

عرف المشهد الدولي عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط على الوجه الخصوص خلال السنوات الماضية, تغيرات كبيرة طرأت على البيئة والمناخ معاً، بسبب الحروب والصراعات وممارسات المنخرطين في تلك الصراعات، فقد أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية على نحو متزايد خلال العقود الخمسة الماضية ، وحدوث هذه التغيرات يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري، الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي، بالإضافة إلى أن كل أشكال التغيرات التي يمكن التعبير عنها والتي ممكن أن تستمر لعقود متوالية, ناتجة عن التفاعلات الداخلية لمكونات النظام المناخي.

لقد تعددت التعاريف التي قيلت بشأن مصطلح التغير المناخي, ولكن دون الدخول في تفاصيل هذه التعاريف, إلا أنه يمكن القول بأنه تم تعريف مصطلح التغير المناخي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ, حيث عرفته بأنه “التغير في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى التغير في تکوين الغلاف الجوي العالمي والذي يتم ملاحظته، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية مماثلة”.

غدا الوضع البيئي اليوم خلافاً لما كان عليه قبل مئة سنة, قضية سياسية جدية في العديد من مناطق العالم, بل ثمة حركات سياسية ذات ثقل سياسي مهم تتمحور وتنتظم اهتماماتها المركزية حول قضية الدفاع عن البيئة, وحمايتها من المزيد من التردي وإعادة الأوضاع قدر الإمكان إلى ما كانت عليه.

إن السموم ظواهر طبيعية بالقدر نفسه, وقد لعبت دوراً في التوازن البيئي قبل أن يدخل الكائن البشري الصورة بوقت طويل, ومن المؤكد أننا نعرف عن الكيمياء والبيولوجيا أكثر بكثير مما عرف أسلافنا بحيث غدونا أكثر وعياً للسموم في بيئتنا, وربما كان الأمر غير ذلك لأننا نعلم في هذه الأيام كذلك مدى التقدم في معرفة الشعوب غير المتعلمة بالسموم ومضادات السموم, ونحن نتعلم هذه الأشياء كلها أثناء تلقينا العلم في مدارسنا ومن خلال ملاحظتنا الحياة اليومية, بيد أننا نميل إلى تجاهل هذه التقييدات الواضحة عندما نناقش الأبعاد السياسية في قضايا البيئة.

في بحثنا سنسلط الضوء فقط على الأسباب البشرية الاصطناعية، فهي تلك المسببات الناجمة عن الأنشطة البشرية, وترتبط بالنمو السكاني المتزايد بالعالم, مثل الغازات المنبعثة من الصناعات المختلفة, كتكرير النفط وإنتاج الطاقة الكهربائية ومعامل إنتاج الإسمنت ومصانع البطاريات، وعوادم السيارات والمولدات الكهربائية، و نواتج الأنشطة الزراعية كالأسمدة وعمليات إزالة الغابات والأشجار التي تعتبر أكبر مصدر لامتصاص غازات الاحتباس الحراري, وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات المنبعثة من مياه الصرف الصحي خاصة الميثان, الذي يعتبر أكثر خطراٍ بعشرة أضعاف من غاز ثاني أكسيد  الكربون.

تغير المناخ  يُعتبر القضية الحاسمة في عصرنا, حيث إن تأثيرات تغير المناخ عالمية النطاق وغير مسبوقة من حيث الحجم، وبدون اتخاذ إجراءات صارمة اليوم سيكون آثارها كبيرة جداً  في المستقبل و أكثر صعوبة ومكلفة، حيث أصاب التلوث كل عناصر البيئة المحيطة بالإنسان بعد أن ضل الطريق من أجل ما يصبو إليه من مكاسب.

فالأرض التي نأكل من نتاجها والهواء الذي نحيا به والماء الذي يعتبر من أهم مقومات الحياة, وبما أن قضية التغير المناخي ذات طابع عالمي، فإن أي جهود لصيانة البيئة داخل إقليم الدولة سوف تبقى محدودة الفاعلية، ولذلك فإن عملية حماية البيئة تتطلب مجهودات دولية من خلال التعاون بين كافة المجتمعات والدول, للتقليل من الآثار السلبية والحدّ من التغيرات المناخية التي تغير الحياة وديمومتها.

المحور الثاني: الإشكاليات المناخية والبيئية الناتجة عن تزايد الأنشطة البشرية

– إن ظاهرة التغُّير المناخي من أهم المشكلات المتجددة التي تهدد البشرية,  فالزيادة الكبيرة في استهلاك مصادر الطاقة غير المسؤولة بات لا يمكن تجاهله, حيث يعتبر تغيّر المناخ أمراً أشبه بخطر الحروب على البشرية، الأمر الذي يمكن معه القول بأن قضية التغيرات  تؤثر على السلم والأمن الدوليين.

– إن قضية التغير المناخي ذات طابع عالمي، ومن ثم فإن أي جهود لصيانة البيئة داخل إقليم الدولة سوف تبقى محدودة الفاعلية، ولذلك فإن عملية حماية البيئة تتطلب مجهودات أكبر من خلال التعاون بين كافة الدول فضلاً عن الجهود المحلية باعتبارها  جزءاً لا  يتجزأ من الجهود  الدولية.

– إن غالبية المفاوضات  والمؤتمرات الدولية بشأن البيئة والتي جرت, قد فشلت بنسبة ما إلى التوصل لقواسم مشتركة كافية لخروج المؤتمرات بالتزامات حقيقية تجبر الدول الكبرى على تحقيق التزاماتها تجاه البيئة والمناخ.

بدأت إرهاصات تغير المناخ في الظهور في أعقاب الثورة الصناعية عندما بدأ العلماء يحذرون من اختلال المعادلة المناخية لكوكب الأرض، وذلك بزيادة نسبة الغازات الدفيئة، وارتفاع تركيزها في الغلاف الجوي بكميات تفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض، نتيجة اعتماد الإنسان على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للحصول على طاقة بنسبة %78 من الطاقة المستخدمة في العالم، والذي ينتج عن احتراقه انبعاث كميات هائلة من هذه الغازات، وأهمها غاز  ثاني أكسيد الكربون المسؤول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري.

حل المشكلة البيئية والتغيرات المناخية والحفاظ على النوع الحيوي والطبيعي للكائنات والبيئة, هو حل متعلق بقدرة الكيانات والمجتمعات والدول على تقدير هذه التهديدات  التي تبدو أنها  تفوق قدراتنا الثقافية حتى عن إدراك  المشكلة, و بالتالي لا تستطيع المجتمعات أن تبتكر قدرات أخلاقية جديدة لمواجهة الإشكاليات البيئية.

المحور الثالث: العدالة المناخية كرؤية لحل الآثار الناتجة عن التغير المناخي

المقصود بالعدالة المناخية هو تحقيق عدالة کونية  تتحمل المسؤوليات  من انبعاثات الغازات الدفيئة, وهي تقع على عاتق الدول الصناعية في المرکز الرأسمالي العالمي، وتمثل العدالة المناخية رؤية لحل وتخفيف الأعباء غير المتعادلة الناتجة عن التغير المناخي، وتظهر عادات الإنتاج والاستهلاك للدول الصناعية مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية, والتي  تستمر  في تهديد بقاء البشرية والتنوع الحيوي.

لقد استعمل مصطلح العدالة المناخية لدراسة التغير المناخي کقضية أخلاقية, ولا يوجد تعريف جامع مانع لمصطلح العدالة المناخية، ولكنها تندرج تحت مفهوم العدالة البيئية، ولقد تعددت التعاريف التي قيلت بشأن مصطلح العدالة المناخية، وذلك على النحو التالي:

“تحمل الأعباء والتكاليف بين مختلف الأجناس والأمم والأفراد والفئات والأقاليم تبعًا لأماكن وجود البنيات التحتية الملوثة للبيئة وأساليب مجابهة هذا التلوث”.

إن آراء بعض الباحثين في قضايا البيئة والمناخ والتدخلات السياسية, أكدت أن العدالة المناخية  قد تأسست في الضرورات القانونية والأخلاقية لحقوق الإنسان واحترام کرامة الشخص، مما جعلها أساسًا لا غنى عنه للعمل في مجال تغير المناخ.

تعتبر العدالة المناخية هي أفضل طريقة لتوزيع أعباء تغير المناخ على البشر من الأفراد والجماعات, أي العدالة في توزيع الأعباء وتكاليف التخفيف بالتساوي لحماية حقوق الإنسان، خاصة بالنسبة للفئات الضعيفة في المجتمع.

واعتماداً على ما سبق نستطيع القول إن العدالة المناخية تعدّ مزيجًا بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، حيث تهدف في المقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر من جراء التغيرات المناخية، ولذا فإن العدالة المناخية تعد أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول الفقيرة الأكثر تضرراً من جراء التغيرات المناخية، والتي تعد الدول الصناعية المتسبب الأول في هذه التغيرات.

علاقة العدالة المناخية بالتغير المناخي

إن تغير المناخ قضية بيئية اجتماعية اقتصادية سياسية أمنية وإنسانية، لها تداعيات عميقة على البشر وعلى التمتع الفعلي بحقوق الإنسان، وعواقب وخيمة على العدالة الاجتماعية، فعلى المستوى الفردي سيشعر بآثار تغير المناخ الأفراد الذين تكون تدابير حماية حقوقهم غير قوية أصلاً بسبب عوامل محددة مثل السن والإعاقة والجنس ووضع الشعب الأصلي ووضع المهاجر ووضع الأقلية والفقر، وعلى المستوى العالمي ستکون أقل البلدان نموّاً والدول الجزرية الصغيرة التي ساهمت بشكل أقل في الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة, ستكون هي الأكثر تضرراً من تغير المناخ، في حين ستتطور العديد من الآثار الأخرى ببطء أكثر لتصبح قضايا واسعة وشاملة.

إذا نظرنا إلى قضية التغير المناخي, لا نلاحظ وجود عدالة بين الدول الصناعية الكبرى المتسببة في الاحتباس الحراري، وبين الدول الفقيرة التي تعاني أصلاً من التغيرات المناخية بصورة قد تفوق ما تعانيه الدول المتسببة في هذه الظاهرة، ومن ثم فلا يوجد عدالة توزيعية بين الدول الكبرى والدول الفقيرة، ولا عدالة تعويضية, فعلى الرغم من أن الدول الكبرى هي المتسببة في حدوث الظاهرة، ومع ذلك  فإن الدول الفقيرة هي التي تتحمل العبء الأكبر.

قضية العدالة الاجتماعية

يشکل تغير المناخ تحديًا صعباً للعدالة الاجتماعية, فالأشخاص ليسوا متساوين في التأثر بتغير المناخ، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا في الدول النامية “النساء، الأطفال، الفقراء، ذوو الاحتياجات الخاصة والشعوب الأصلية “؛ لأنها الأقل جاهزية ماليًا واقتصاديًا لمواجهة آثار تغير المناخ، فالدول النامية هي الأكثر تضرراً من تغير المناخ بسبب انخفاض نصيب الفرد من الدخل, وانتشار الأمية والأمراض المنتشرة وانخفاض متوسط العمر والبنية التحتية المحدودة والهشاشة الاقتصادية والزراعة التقليدية.

يمكننا القول  إن تغير المناخ في حد ذاته قضية غير عادلة لثلاثة أسباب:

أولاً: ليس کل شخص مسؤولاً بنفس القدر عن تغير المناخ، والبلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي الأكبر والأفراد ذوو المستوى الأعلى, هم الأكثر مساهمة في انبعاثات الغازات الدفيئة.

ثانيًا: ليس کل البشر عرضة للخطر على قدم المساواة, فأولئك الذين هم أقل مسؤولية  عن المشكلة, هم من يتحملون العبء الأكبر من الآثار السلبية الناتجة من التغيرات البيئية والمناخية.

ثالثًا: ليس کل شخص على قدم المساواة مع الأشخاص الآخرين لتمكينه من المشاركة في عملية صنع القرار التي ستؤثر على كيفية توزيع الموارد المحدودة للتكيف, واستخدام الوسائل المناسبة للإنتاج.

لا نستطيع أن نؤكد على أن للدول الصناعية السبق التاريخي في التصنيع، وبالتالي الإضرار بالغلاف الجوي، ولكنها تتحمل معظم المسؤولية عن توليد الانبعاثات، في حين تعتبر الدول النامية الأكثر عرضة لتبعات ارتفاع درجة حرارة الأرض, وهي الأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتكنولوجيا للتكيف مع عواقب التغيرات المناخية، ومن ثم ينبغي أن تتحمل الدول المتقدمة عبئاً أكبر من الدول الفقيرة في التصدي لتغير المناخ، وهو ما يُعرف بمبدأ المسؤولية المشتركة، ولا يوجد اتفاق دولي حتى الآن على كيفية ترجمة هذا المبدأ لتوزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشکل عادل ومنصف، وتطرح العدالة المناخية بعض المقاربات والرؤى بشأن كيفية الاستجابة لتغير المناخ, سواء عن طريق خفض الانبعاث “التخفيف” أو عن طريق التكيف معه بطريقة منصفة مما يتطلب معرفة کيف تتحقق العدالة المناخية.

أكد “موراي بوكتشين” بقوله إن المجتمع الصناعي شرير، تسيطر فيه الآلات  على الإنسان, و هذا يؤدي إلى نزع صفة الإنسانية عنه، وتفكك شخصيته وخنق الإبداع لديه”.

على هذا الأساس فإن ما يحدد على نحو واضح اجتماعية الإيكولوجيا الاجتماعية, هو أن جميع مشاكلنا البيئية تم تغافلها في الوقت الحالي, ولا يمكن بأي حال من الأحوال إدراك المشكلات البيئية في الوقت الحالي بوضوح، ناهيك عن إيجاد حل لها، دون التعاطي  مع تلك المشكلات داخل إطارها الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، المشاكل البيئية لا يمكن أن تكون مفهومة دون فهم دقيق لفكرة اللاعقلانية التي تهيمن على المجتمع، والتي نراها في أمور عدة اقتصادية، وعرقية، وثقافية، و خلال النزاعات بين الجنسين، و أمور أخرى كثيرة، والتي تكون جميعها في جوهرها معبرة عن أكثر وأخطر الاضطرابات البيئية التي نواجهها اليوم, بصرف النظر عن تلك الناتجة من الكوارث الطبيعية.

بحسب “موراي بوكتشين” فإن النأي بالمشكلات البيئية عن المشكلات الاجتماعية – أو حتى الإقلال منها، أو القبول الرمزي بهذه العلاقة المتداخلة ـ سوف يعني بالتأكيد سوء فهم كبير لروافد الأزمة البيئية المتنامية، فالأسلوب الذي تتعامل به الكائنات البشرية مع بعضها البعض, أمر أساسي للبحث في الأزمة البيئية, وإذا لم نقرّ بهذا الأمر بوضوح تام فسوف نفشل بشكل مؤكد في فهم أن العقلية التراتبية الهرمية للعالقات القائمة على الطبقية التي تنتشر بعمق كبير داخل المجتمع, هي التي تتسبب في ظهور فكرة الهيمنة على عالم الطبيعة, فمثلاً بالنسبة لمشكلة الزيادة السكانية، ترى الحركات البيئية التقليدية أن الناس يتكاثرون بلا هدف مثل ذباب الفاكهة، وهو ما يضرّ بالبيئة ويستنزف المواد بشكل متلاحق، بيد أنها مشكلة ثقافية واجتماعية من الأساس، فقد وُجد أن مستويات المعيشة اللائقة لها دور في تلك المسألة.

ومن الناحية التطبيقية، لا يمكن تحقيق الطبيعة الحرة دون إلغاء مركزية المدن بهدف إيجاد مجتمعات موحدة مرتبطة بشكل حيوي بالمناطق الطبيعية الكائنة فيها، كما يعني ذلك استخدام تقنيات إيكولوجية، مثل الطاقات الشمسية، والرياح) طواحين الهواء وغاز الميثان، والمصادر الأخرى) بجانب الاستفادة من أشكال الزراعة العضوية وعلى إنتاج بضائع ذات جودة عالية.

والواضح هنا أن إدراك اللبنة الأولى لبناء مجتمع إيكولوجي تكون عبر مجال أقل اتساعاً، عبر الانتقال من مركزية المدن إلى تكوين تجمعات مركزية بهدف أن يعيش الناس فيها بشكل يستطيعون من خلاله ممارسة الديمقراطية المباشرة وحكم أنفسهم بأنفسهم، بجانب استخدام الطاقة النظيفة، وسهولة ممارسة زراعة محلية ومن ثم تحقيق الاكتفاء الذاتي، مع الأخذ في الاعتبار أن “موراي بوكتشين” يميز بشكل كبير بين المدينة والتمدن، ذلك أن تفشي الأخير يعني تهديد ما تملكه المدينة من مقومات عبر ما يسميها التقنية التحويلية.

الخاتمة

لقد أصبحت قضية العدالة المناخية من أهم القضايا، بل وفي مقدمة القضايا التي تطرح بشدة على صعيد الأجندات الدولية، لا سيما تلك التي تتعلق بقضايا تغير المناخ.

و يُعد مصطلح العدالة المناخية مصطلحاً حديثاً, حيث ظهر في الآونة الأخيرة ضمن أولويات العمل المناخي والتنموي، ولکن على الرغم من ذلك ينبغي أن نشير إلى أن تحديد المصطلح على نحو واضح لم يتم إلا في الاتفاقيات الدولية منذ عام 1992م، وتحديدًا من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

تعد العدالة المناخية مزيجاً بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، حيث تهدف في المقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر من جراء التغيرات المناخية، ولذا فإن العدالة المناخية تعدّ أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول الفقيرة الأكثر تضرراً من جراء التغيرات المناخية، والتي تعد الدول الصناعية المتسبب الأول في هذه التغيرات.

لا يوجد اتفاق دولي حتى الآن ينص على كيفية ترجمة مبدأ توزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشکل عادل ومنصف، وتطرح العدالة المناخية بعض المقاربات والرؤى بشأن كيفية الاستجابة لتغير المناخ، سواء عن طريق خفض الانبعاث “التخفيف” أو عن طريق التكيف معه بطريقة منصفة، مما يتطلب معرفة کيف تتحقق العدالة المناخية.

وفي النهاية نستنتج أننا لا نستطيع أن نتخلص أو نتهرب من اهتمامنا بالبيئة، والذي يلزمنا بواجبات أخلاقية نحوها.

إن التحديات التي يواجهها الإنسان تدعو إلى خطورة القضايا البيئية والمناخية، وتلزم الدول والمجتمعات للعمل على سياسات الحفاظ على البيئة.

المراجع:

  • عبد الله الدروبي، إيهاب جناد ومحمود السباعي، التغُّير المناخي وتأثيره على المائية في المنطقة العربية، المركز العربي للدراسات، أكساد، المؤتمر الوزاري العربي للمياه، القاهرة 2008م.
  • إيمانويل والرشتاين، كتاب نهاية العالم كما نعرفه، ترجمة فايز الصباغ ، هيئة البحرين للثقافة والآثار ،المنامة 2017م
  • موراي بوكتشين، ما هي الإيكولوجيا الاجتماعية؟، مقال في كتابل الفلسفة البيئية من حقوق الحيوان إلى الإيكولوجيا الجذرية، الجزء الثاني، تحرير مايكل زيمرمان، ترجمة معين شفيق رومية، سلسلة المعرفة، العدد ،888 المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2002م
  • أنجي أمحد عبد الغني مصطفى، الإدارة الدولية لقضية التغيرات المناخية مجلة كلية السياسة والاقتصاد ، القاهرة 2019م.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى