أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتمصطفى شيخ مسلمملف العدد 63

تحديات الأمن في الشرق الأوسط الإرهاب ـ الصراعات الإقليمية

مصطفى شيخ مسلم

مصطفى شيخ مسلم

مصطفى شيخ مسلم
مصطفى شيخ مسلم

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تشهد صراعاتٍ مختلفة نتيجة التنوع العرقي والديني والإثني وحتى القومي في المنطقة المذكورة آنفاً، عدا عن السياسات المتّبعة من قبل الدول المهيمنة وما تخلقه من فجواتٍ مُتعمَّدة بين مجتمعات الشرق الأوسط, وذلك بهدف شرعنة التدخل في شؤونها الداخلية وبالتالي التحكم في مصير البلاد بحججٍ مختلفة، عبر ادّعائها بالتدخل لإنهاء الحروب وفضِّ الخلافات, بيد أنَّ الحقيقة دائماً ما تكون بانحيازها لطرفٍ على حساب آخر.

وفي غالب الأحيان قد تؤدي هذه التدخلات إلى مزيدٍ من الفوضى والكثير الكثير من الحروب الأهلية الدموية، التي تنتهي إما بالانفصال كما حدث في السودان أو بالهُدن الهشَّة التي سرعان ما يتم خرقها كما حدث في اليمن وليبيا والكثير من دول الشرق الأوسط.

وبهذا الصدد، تفيد دراسة بأنَّ حوالي 75% من الحروب الأهلية على مستوى العالم قد انتهت بانتصار أحد الأطراف على حساب تدمير الطرف الآخر بشكل كامل، فيما بلغت نسبة الحروب الأهلية التي انتهت بالتفاوض بين أطراف المعركة، والتوصل لتسوية سلمية، قرابة 5%، فيما قُدِّر عدد الحروب الأهلية التي انتهت عن طريق وساطة طرف خارجي بحوالي 20%.

وفي ذات الوقت، يبدو أنه من المستبعد نجاح أي جهود للوساطة الخارجية في الشرق الأوسط, إذا لم تُقترن بتدخل خارجي مباشر يجعل جميع الأطراف متعادلين في القوة، على أن يتم بعد هذا التدخل ضمان تمثيل مناسب وعادل في المناصب السياسية المختلفة لجميع الأطراف.

إيران من جهتها لم تتوقف عن التدخل في منطقة الشرق الأوسط لزعزعة استقرار المنطقة منذ سنوات طويلة، حيث قامت عام 1980 بقصف المدن الحدودية العراقية، ما أدى لاندلاع حرب الخليج الأولى، فضلاً عن دعم الجمهورية الإسلامية لحزب الله بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، ناهيك عن غيره من التنظيمات في المنطقة.

كما تؤكد التقارير بأنَّ حكومة طهران استغلت الفوضى المنتشرة في الشرق الأوسط، وانهيار العديد من أنظمة الحكم لتنفيذ مشروعها التوسعي في الإقليم, كما يتوقع الخبراء أن يفضي الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب إلى دعم الاقتصاد الإيراني، مما يشجع طهران على الإبقاء على سياستها العدوانية، وهذا من شأنه أن يحفّز الاستقطاب في المنطقة والمشاعر العدائية ضدها.

تُجمِع الغالبية من المتابعين والمتخصصين على أنَّ الأمن في الشرق الأوسط يتطلب صيانة سيادة دول المنطقة وسلامة أراضيها بشكلٍ فعَّال وحازم, ففي السنوات الماضية تعرضت بعض دول المنطقة، من فلسطين إلى العراق، ومن ليبيا إلى سوريا، للدوس المتكرر على سيادتها وسلامة أراضيها، كما تعاني شعوبها من الظلم منذ زمن طويل، مما شكَّل النواة الأولى لصراع طويل الأمد والاضطراب في المنطقة. تدعم بكين من جانبها ـ باعتبارها الصديقة المخلصة لدول الشرق الأوسط ـ جهود الدول العربية بكل ثبات في صيانة سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بصفتها لبّ قضية الشرق الأوسط من وجهة نظرها، فيدعم الجانب الصيني غالباً الشعب الفلسطيني بكل ثبات لاستعادة ما يعتبره حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة, ومساندته لتحقيق حلمه لإقامة دولة مستقلة. طرح الرئيس الصيني الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع لحل القضية الفلسطينية، حيث أكد بكل وضوح على أن الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، كما أن التطلعات لإقامة دولة مستقلة لا ينبغي أن تُرفَض.

فالأمن كما أسلفنا يعتبر ضرورة لضمان استمرارية أي كيان في عالمنا هذا، وعليه فإنَّ الأمن في الشرق الأوسط يمكن تلخيصه بنقاطٍ جوهرية تعتليها ضرورة وجود ما يُعرف في يومنا هذا بالأمن القائم على أساس العدالة الاجتماعية والأخلاقية, والمفاهيم السليمة المقبولة من الشارع, على ألا يتم إغفال مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وكل ما انبثق عنها فيما يتعلق بحقوق الإنسان في ظل الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة, فضلاً عن ضرورة فتح قنوات لمحاولة حل الخلافات سلمياً بالدرجة الأولى, عبر الحوار والتشاور داخلياً و على صعيدٍ وطني لكل دولة على حدة.

الصراع العربي – الإسرائيلي

على امتداد سنواتٍ طويلة، كان الصراع العربي – الإسرائيلي قضية الشرق الأوسط المحورية، التي كانت محطّ اهتمام المعنيين بشؤون المنطقة، إلا أنه ومنذ عام 2011 تراخى هذا الاهتمام بعض الشيء. ويؤكد المراقبون على ضرورة إعادة الاهتمام بهذه القضية، لا سيما من جانب الدول الغربية التي تتعرض للمقاطعة الاقتصادية، وسحب الاستثمارات العربية منها بسبب دعمها لإسرائيل.

وكان الكثير من المراقبين يعوّلون على الفترة الماضية بأنَّها الأكثر ملاءمة للتوصل لتسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، حيث إنه في الفترة الأخيرة شهدت كل من حركتي حماس وحزب الله تراجعاً واضحاً، كما تراجعت قوة العديد من الأنظمة العربية التي تعادي إسرائيل. ومن وجهة نظر أخرى يمكن استنباط أنه بات لدى إسرائيل وبعض الدول العربية أعداء مشتركون، وهم إيران وداعش, لكن كانت المعارك الأخيرة وتصاعد وتيرة العنف بين حماس وإسرائيل بمثابة إعادة الصراع العربي الإسرائيلي للواجهة مجدداً، دون وجود بصيص أمل في حلحلة الأمور بين طرفي النزاع وبالتالي إمكانية عقد اتفاقٍ ما.

انخفاض أسعار النفط

ليس خافياً على أحد بأنَّ الدخل القومي للعديد من دول الشرق الأوسط يكون بالدرجة الأولى من الثروة النفطية التي تعتبر أحد مصادر دخلها الرئيسية، بيد أن السوق العالمية تشهد انخفاضاً ملحوظاً في أسعار النفط بين الفينة والأخرى، وهو الانخفاض الذى يتوقع خبراء الاقتصاد أن يستمر لسنوات مقبلة، وهو ما سينتج عنه خلل واضح في موازنات بعض دول المنطقة في قادم الأيام.

وفى السياق ذاته، يُرجِّح الخبراء بأن استمرار تراجع أسعار النفط سينتج عنه تفاقم المشكلات الأمنية، وزيادة عدد الدول الفاشلة في الشرق الأوسط، وتصاعد الحروب الأهلية, ويزداد هذا الأمر حدة في الدول التي تعاني من مشكلات هيكلية بالأساس، مثل العراق وسوريا, والتي لن تستطيع تحمّل تكلفة الحرب على جماعات إرهابية، مثل «داعش»، وهو ما سوف يؤدي بالنتيجة إلى استمرار تمدد هذه التنظيمات مستغلةً بذلك الفوضى الناتجة عن الهشاشة الاقتصادية.

من جهة أخرى، فإن انخفاض أسعار النفط سيدفع ببعض الدول إلى اللجوء للاستدانة المشروطة من الدول والمؤسسات الغربية، وكما بات معروفاً بأنَّ استحقاق هذه القروض سيُقترن بشروط من قبل الدول المانحة كحقوق الامتياز لبرامج إصلاح سياسية واقتصادية واجتماعية.

 

تحدّي مكافحة الإرهاب

يعدّ الشرق الأوسط بمثابة الحاضنة الأكبر للإرهاب في العالم، من حيث التنظيمات الراديكالية المتطرفة التي تتخذ من بعض الدول لتنطلق بنشاطاتها مستهدفة الشرق الأوسط من الداخل أو مشكِّلة تهديداً للعالم أجمع, وهو ما يمكن تعليله بأنه السبب وراء التهالك الاقتصادي والاجتماعي الذى يعصف بسكان هذه المنطقة, ومن ثم فإن أي إستراتيجية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط يجب أن تبدأ بإنشاء برامج إصلاح اقتصادي وإدماج اجتماعي، إلا أن أغلب حكومات الشرق الاوسط تتعامل مع هذه المقترحات باعتبارها نوعاً من الرفاهية، وتكتفي بالاعتماد على الأداة العسكرية بشكل مركزي.

كذلك يمكن القول إن إنشاء التحالفات العسكرية كحلف شمال الأطلسي “الناتو”, قد أسهم في الحفاظ على أمن أوروبا، بل ودفعها للتطور قُدماً, ومن ثم فإن الاقتراح الذي لم يلقَ النور من بعض زعماء الدول العربية وبعض دول الشرق الأوسط, هو الاتفاق الذي يفيد بإنشاء تحالف يجمع بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، بما فيها إيران، بحيث يقوم هذا التحالف على تدابير واتفاقيات لمنع استخدام القوة المسلحة بين دوله المنخرطة في هذا الجسم التحالفي، مع وجود آليات فعَّالة لتسوية الصراعات بالطرق السلمية، والسعي للتوصل لاتفاقيات للحدّ من التسلح.

ولعل أحد أبرز أسباب عدم الأخذ بجدية هذا المتقرح هو يقين الجميع بأنَّ إيران لن تكفّ عن إفشال هذا التحالف حتى قبل بدايته.

وفي الوقت ذاته، ولدى الرجوع لتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين المعتدلين، سنجد الذين يعبّرون عن قبولهم لهذه الفكرة بل وترحيبهم بها، ومنهم جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، في حوار له مع جريدة نيويورك تايمز, عندما كان سفيراً لإيران في الأمم المتحدة.

ومن المحتمل أنه قد تحدث بعض المحاولات لإفشال التحالف المقترح من جانب الدول التي لديها مصالح سياسية واقتصادية في المنطقة مثل: الصين، والهند، وروسيا، لكن يتعين على الولايات المتحدة احتواء تخوفات هذه القوى الدولية، ودعوتها للمشاركة في هذا التحالف، إلا أن وجود روسيا سوف يثير غالباً القلاقل، وقد يؤدي إلى إفشال التحالف، ومن ثم يتوجب تحييدها تماماً.

في المحصلة، يُستخلص مما سبق، ومن التسلسل الزمني للأحداث التاريخية لمنطقة الشرق الأوسط منذ القِدم إلى يومنا هذا، بأنَّ التهديدات الأمنية التي تواجه دول الشرق الأوسط تتجه نحو مزيد من التعقيد والتشابك، إذ لم يعد يجدي معها الحلول الكلاسيكية، وأصبحت هناك حاجة ضرورية لإيجاد أساليب إبداعية وابتكارية لوأد هذه التهديدات بشكلٍ جذري وذلك باللجوء للأطروحات السياسية التي لطالما نادى بها رموز المعارضة البارزين في الشرق الأوسط, كمشروع الأمة الديمقراطية للمفكر الكردستاني المعتقل لدى تركيا، عبدالله أوجلان.

 

الإرهاب

يعتبر مصطلح الإرهاب ذا مدلول فضفاض نظراً لاستخدامه من قبل أي كيانٍ كان سواءً أكان دولة أو إقليم فيدرالي أو حتى في الأنظمة الكونفدرالية, تجاه كل من يتخذ لنفسهِ مساراً مغايراً عن مسار الكيان المحتضن له أو لمشروعهِ الذي ينادي به والمصحوب غالباً بنشاطاتٍ مناوئة للأنظمة الحاكمة، بمعنى أدقّ، يلجأ كل كيان اعتباري بهدف شرعنة القضاء على خصومه إلى إصباغه بالصبغة الإرهابية ليُصار له التعامل معه عسكرياً وسط تأييد الرأي العام العالمي.

فمناطق الشرق الأوسط أضحت ساحة جيوسياسية واسعة لتغيير موازين القوى الإقليمية والدولية، ولتصفية حساباتهم خارج حدود دولهم، حيث استعادت روسيا دورها الريادي على مستوى العالم بانخراطها في صراعات المنطقة، إذ قدَّمتْ دعماً لا مُتناهياً لحكومة دمشق، ثم توسعت لاحقاً صوب ليبيا كمنصة قفز إستراتيجية ليُصار لها الدخول للقارة السمراء، وامتلاك أوراق ضغط في مضمار التنافس العالمي على موارد الطاقة. وساعدها في ذلك تراخي الوجود الأميركي، فضلاً عن انقسام المواقف الأوروبية. وفي الوقت ذاته وظَّفتْ القوى الإقليمية غير العربية هذه الصراعات لتحقيق المزيد من التغلغل في الدول العربية الهشّة المنكوبة أصلاً بالصراعات، كما كان واضحاً من خلال التدخل التركي في كلٍ من سوريا وليبيا، وكذلك التواجد الإيراني في سوريا والعراق واليمن ولبنان فيما يُعرف اصطلاحاً باسم الهلال الشيعي.

تعقيدات جمَّة

لا يكاد يخفى على أحد بأنَّ السمات الأساسية للصراعات الشرق أوسطية، ولَّدتْ معضلات رئيسية بلغت مستوى صياغة تسويات سلمية مستقرة، يمكن على أساسها إحداث تحول جوهري في واقع المنطقة. فمن جهة أولى، بات التوصل إلى اللحظة الناضجة التي تحدّث عنها ويليام زارتمان محكوماً بتعقيدات عديدة.

ومن منظور آخر، ثمة إشكاليات في أمور التسوية السلمية، مثل قضايا العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، ونزع السلاح، وإعادة بناء المؤسسات، وتقاسم السلطة، وكيفية التعامل مع المحاربين السابقين في المجتمع. ومثل هذه الإشكاليات تحول دون التوصل لسلام مُستتِب، فحتى مع الشروع في إجراءات بناء السلام والدخول في تسويات سلمية مع مفتعلي الصراع، وفي مقدمتها التنظيمات والميليشيات المسلحة، فإنه في الوقت ذاته تبقى احتمالية الارتداد إلى العنف قائمة وبشكلٍ كبير.

وأيضاً، وفق غالبية المراقبين فإنَّ دول المنطقة بحاجة لسنوات وربما لعقود للتعافي من تداعيات الصراعات المسلحة وانعكاساتها على العلاقة بين الدولة والمجتمع، إذ أن أغلب أطروحات التعافي تُحيل إلى ضرورة التوازن بين الدولة والمجتمع، وتجنّب الاختلالات ومكامن الهشاشة في الجانبين على السواء، والتي كشفت عنها الانتفاضات العربية بشكل أو بآخر.

وفي الختام يُستنتج من التحليل التاريخي للصراعات الشرق أوسطية مع الأخذ بعين الاعتبار العامل الجيوسياسي لكل دول الشرق الأوسط, بأنَّ الرسالة الأساسية هي أن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط سيتحقق بتوفر شرطين أساسيين، أولهما استعادة الدولة مناعتها على أسس جديدة من العدل، واستيعاب التنوعات المجتمعية، وتحويلها لمصدر قوة، بما يقلص انكشافها داخلياً وخارجياً, والثاني هو أن تجد المجتمعات على الجانب الآخر بيئة مواتية لتلبية احتياجاتها من الأمن والمشاركة في السلطة والموارد والاعتراف بالهويات، دون الانتقاص من الانتماء الوطني، بما قد يخلق لحظة تعافٍ قد تُخرج الشرق الأوسط من الدائرة المفرغة للصراعات.

المراجع

– صحيفة “الوطن” المصرية.
– ويكيبيديا.
– صحيفة الشرق الأوسط.
– مجلة المصري اليوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى