أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتمصطفى شيخ مسلمملف العدد 62

التطبيع العربي والإقليمي مع دمشق

مصطفى شيخ مسلم

مصطفى شيخ مسلم

مصطفى شيخ مسلم
مصطفى شيخ مسلم

اتضح منذ أشهر بشكلٍ واضحٍ وجَلي مدى تهافت غالبية الأنظمة العربية على التطبيع مع دمشق، بمبرراتٍ وأسباب مختلفة، حيث تزامن هذا التطبيع مع الزلزال المدمّر الذي كان مركزه تركيا وكان تأثيره واضحاً داخل سوريا والدول المحيطة، ليبرر بعض المراقبون حينذاك بأن التطبيع ربما يعود لدوافع إنسانية بالدرجة الاولى فيما رجح آخرون أنه من الممكن ان تكون هذه المبادرات تحمل في طياتها رسائل سياسية أخرى.

وفي الحديث عن التطبيع لابد من الاشارة إلى أنَّ الإمارات العربية المتّحدة كانتْ في ريادة الدول التي نادت بالتطبيع المذكور أواسط عام 2018 تحت مبرَّر ضرورة خلق حضور عربي في بلد باتت تحتلّه وتدير النزاع والمفاوضات فيه روسيا وإيران وتركيا، والحليف الأميركي الذي يترأس تحالفاً دولياً ينشط في الجغرافيا السورية، في ملفٍ عسكري وهو واضح المعالم ” ملف محاربة داعش”، لتأتي السعودية اليوم وتستأنف مساعي الامارات العربية المتحدة في التقارب مع حكومة دمشق، متنازلةً بذلك عن غالبية شروطها أو متراجعة عن أبرز ما كرّرته طيلة السنوات المنصرمة.

ولعل هذا التطبيع مع حكومة دمشق يعود لأسبابٍ كثيرة نستعرض منها:

أولاً: يرتبط هذا التطبيع بشكلٍ أو بآخر بخارطة تموضع الدول الإقليمية على الجغرافيا السورية والمستجدات التي رافقت هذه التغطية الجغرافية لمساحاتٍ واسعة من قبل تلكم الدول، علاوةً على التنافس فيما بينها لتثبيت اقدامها لكسب أدوار سياسية واقتصادية في مرحلةٍ ما، لا سيما في مرحلة إعادة الاعمار التي كَثُر الحديث عنها، بحيث يبلغ فيها الانكفاء الأمريكي ذروته، وبالتالي ينأى بنفسه عن بعض ملفّات المنطقة ويكتفي بتجميد نزاعات مشتعلة دون السعي لإيجاد حلول أو السعي للبت فيها.

إذ تعد سوريا مسرحاً لهذا الصراع المتشَّعِب، لاسيما بعد تعذّر إسقاط نظام الحكم في دمشق كنتيجة حتمية للدعم الإيراني والروسي اللامتناهي لحكومة دمشق، في الوقت الذي كانت تشهد صفوف المعارضة العسكرية انشقاقاتٍ شبه يومية في صفوفها المخترقة تُركياً وقطرياً، والتي وصل بها الحال لتفَشِّي العصاباتية في عفرين وعموم المناطق المحتلة حيث امتهنت الفصائل المسلحة خطف المدنيين مقابل مبالغ بلغت في كثير من الأحيان عشرات الآلاف من الدولارات على سبيل الفدية مقابل اطلاق سراحهم.

أمّا في معرض الحديث عن شمال وشرق سوريا حيث القوات الكردية المدعومة أمريكياً ونظامها السياسي المعروف باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية غير المعترفة بها على الصعيد الدولي بشكلٍ منفصل عن التمثيل الدبلوماسي لحكومة دمشق.

كل ما سبق دفع بعض الدول للتصرّف في سوريا على أنَّها ساحة مفتوحة لتصفية حسابات قديمة أو إعادة توزيع للأدوار، فإسرائيل مثلاً ترى في سوريا خطها الفاصل الذي لا يمكن للقوات الإيرانية تجاوزه بأي شكلٍ كان حيث لا تتردد في ضربها بشكلٍ متكرر.

أما السعودية، فكما يبدو بأنَّها لم تعد تمانع عملية التطبيع مع حكومة دمشق لا سيما بعد تهدئة الأمور فيما بينها وبين ايران مؤخراً، بل اكثر من ذلك، كان لهذا التطبيع دور إيجابي في جعل السعودية بمثابة العرَّاب في مشروع التطبيع العربي وإعادة الانفتاح على حكومة دمشق بعد عزلةٍ استمرت لأكثر من عقد.

ثانياً: يتعلّق بما ذُكِر أعلاه، أي بإعادة الإعمار وما يتفرع عنها من صفقاتٍ تسيل لُعاب الدول الطامعة لأخذ موطئ قدم فيها مستغلةً بذلك العجز الاقتصادي الإيراني والروسي عن إطلاق يدهما في إعادة الاعمار، وسط تمنّع غربي عن الدخول في هذا الحيز الذي سيخدم حكومة دمشق بالدرجة الأولى من وجهة نظر غربية، إضافة لانعدام نوايا الصين في الانخراط في هذا الموضوع الشائك لأسباب كثيرة لعل أبرزها هو أولويات بكين في السنوات المقبلة.

هذا الانفتاح لم يكن مفاجئاً لحكومة دمشق، إذ أنَّه لطالما كانت تلوح العديد من الدول ذات المصلحة المباشرة مع حكومة دمشق بأنَّها تعمل جاهدة للسعي في إعادة الاستقرار للمنطقة و ما يترتب على ذلك من المساعدة في توفير البنى التحتية و تشجيع عودة اللاجئين الطوعية إلى سوريا, كل هذا دون الحديث عن التمسك بضرورة تغيير او اسقاط نظام الحكم كشرط لإعادة تفعيل القنوات الدبلوماسية, لكن الذي لم يكن بالحسبان هو الموقف الأميركي الخجول حيال التطبيع التي اكتفت بانتقادها قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية بقرار صدر في اجتماعٍ لوزراء الخارجية العرب.

وفي هذا الصدد لابد من التطرق لتصريح الخبير البريطاني في السياسات الأمنية لنورث برس دين ميكيلسون والذي يخزل وجهة نظر الغرب بصورة عامة في التعاطي مع الملف السوري حيث قال: أن جهود الغرب للضغط على دمشق ومنع إعادة تأهيل نظام حكمها لم تكن كافية لذلك أقدمت الدول العربية على إعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق.

وأن مسألة العملية الانتقالية في سوريا فقدت أهميتها بالنسبة لصناع القرار في الغرب وبات الهاجس الأساسي هو إعادة اللاجئين إلى بلادهم وتأمين أساسيات العيش للسوريين.

وفي الحديث عن سبب عدم المضي قدماً بالتطبيع لمراحل أكثر تقدماً، يؤكد مراقبون أن السبب في ذلك يعود لعدم تنفيذ دمشق بنود المبادرة العربية التي رعتها كل من الأردن والسعودية بشكل على وجه التحديد وقتذاك، ولم تفِ دمشق بوعودها بتكثيف الجهود بما يخص ملف المخدرات، كما ولم تلتزم بالحل السياسي المطروح.

علاوةً على وجود انقسام عربي أصلاً حول الالتزام بتطبيق القرار الأممي ذو الرقم/2254 / الخاص بسوريا من عدمه.

إضافةً لتنصل دمشق من بعض الوعود و الشروط التي رافقت التطبيع والتي كان أبرزها ضرورة إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، أو التخفيف منه على الاقل، إذ غضت دمشق النظر عن هذا البند وضربته عرض الحائط, بل على العكس قامت بتمتين علاقاتها مع ايران أكثر من ذي قبل، إذ قام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بزيارة طهران مؤخرا مترأساً وفد اقتصادي كبير حيث شهدت هذه الزيارة توقيع اتفاقيات جديدة بين الطرفين، إضافة للاتفاقيات التي وقعها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إبَّان الزيارة التي قام بها إلى دمشق حيث حُرِرَتْ ثمان مذكرات وقتذاك بين الجانبين, جابتْ مجالات الطيران و الزراعة والسكك الحديدية بالإضافة للتعاون في مجال الاتصالات وتقانة المعلومات IT وقطاع النفط، فضلاً عن الاعتراف المتبادل بالشهادات العلمية، واتفاق تصفير التعرفة الجمركية بين الجانبين).

لم يشهد الوضع السوري خارجياً أي تغيير ملموس من حيث الانفتاح العربي على دمشق كما ذي قبل، سوى حضور دمشق بعض الاجتماعات التي وصفها المراقبون بأنها حضور لم يتجاوز كونه شكلي دون البحث في المضمون وما يمكن البناء عليه مستقبلاً.

التطبيع التركي السوري:

من حيث المبدأ يختلف التطبيع التركي مع حكومة دمشق بطبيعة الحال عن تطبيع الدول العربية من حيث المآرب والأهداف وحتى النتائج التي كان من المتوقع ان تنعكس على الأرض بشكلٍ مباشر فيما لو تم إعادة احياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تحت مسمى التطبيع لكن الكثير من التكهنات أحاطت بهذا الموضوع، لا سيما أن طرفي التفاوض، أي حكومة دمشق والحكومة التركية، لا يجمعهما أي روابط لعقد الثقة مجدداً, على الأقل في الوقت الراهن, الثقة التي عادة ما تكون مهمشة في عالم السياسة و صفقاتها, وسط تشكيكٍ من الطرفين بنوايا بعضهما البعض, حيث عمدت حكومة دمشق ومن موقف وطني بالاشتراط على أنقرة للانسحاب الفوري من كامل الأراضي السورية المحتلة تركياً كشرط للقبول بالتفاوض من اجل إعادة احياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تمهيداً لإعادة الحال لما كان عليه مسبقاً في قادم الأيام, فيما لو تدحرجت عجلة التطبيع بالفعل للأمام, لكن هذا الشرط لم يرق أنقرة التي أبدت امتعاضها منه و تمسكت بوجودها اللاشرعي في سوريا تحت حججٍ و مبرراتٍ واهية خافية بذلك نواياها الاحتلالية التوسعية.

حيث كانت دمشق تخطو للمفاوضات بحذرٍ كبير، لئلا تمنح أردوغان جرعة دعم إضافي في الانتخابات وقتذاك، لا سيما مع تصاعد ضغط الشارع التركي الرافض لوجود السوريين في تركيا، والمطالب المتكررة من المجتمع التركي بإعادة اللاجئين السوريين البالغ عددهم في تركيا حوالي 3.5 ملايين لاجئ حتى نهاية العام 2022 بحسب احصائيات غير رسمية.

في الجانب الآخر، تركيا على يقينٍ تام بعدم جدية دمشق بالسعي للتوصل لتفاهمات جوهرية قد تنتهي بالتطبيع الفعلي، إن لم تنسحب القوات التركية بشكل كامل من الأراضي السورية منهية بذلك كل مظاهرها الاحتلالية للمدن والبلدات السورية دون شروطٍ مسبقة.

فيما يبقى هذا الانسحاب مستبعداً في ظل العداء التركي الواضح للإدارة الكردية في شمال وشرق سوريا، وقواتها العسكرية (قسد)، إذ لا توفر تركيا مجهوداً في استخدام كل السبل المتاحة للنيل من هذه الإدارة براً وجواً، وانطلاقاً من هذا العداء تبرر تركيا ضرورة وجودها في سوريا تحت مسمى ضرورات الامن القومي التركي.

يبقى موضوع التطبيع التركي السوري مرهوناً بمدى تقارب الإدارة الذاتية وحكومة دمشق، ومدى قدرة الجانب السوري على حلحلة مشاكله الداخلية ومحاولة لملمة البيت السوري بموالاته ومعارضاته على طاولة حوار سورية.

المراجع

– صحيفة القدس العربي.

– موقع الحرة.

– وكالات مختلفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى