أبحاث ودراساتافتتاحية العددلقمان أحميمانشيتملف العدد 59

الواقع البيئي في سوريا

لقمان احمي

الواقع البيئي في سوريا

لقمان احمي

تمهيد

 

ترمز البيئة ( Ecos ) بشكل عام، إلى المركّبات الحية النباتية والحيوانية والمركّبات غير الحية، فلكل جرم في الكون بيئة، ولا يرتبط ذلك بوجود البشر.

أما البيئة (الأرضية): فتشير إلى المركّبات الحية وغير الحية التي تعيش على كوكب الأرض وما يحيط به، و التي توفر ظروف الحياة التي نعرفها، والاستمرارية للبشر وللمركّبات الأخرى.

أما علم البيئة ( الإيكولوجيا، Ecology) فهي الدراسات التي تؤدي إلى معرفة العلاقة أو التفاعلات بين هذه المركّبات الحية وغير الحية من جهة، وبينها وبين البشر من جهة أخرى, كما تشكل العلاقات بين المركّبات الحية وغير الحية النظام البيئي.

البيئة توفر الثروات الطبيعية إضافة إلى وظائف النظام البيئي التي تعتمد عليها لإنتاج الغذاء وتوفير المواد الأولية وتوفير الطاقة، وتُدوِّر البيئة جزئياً مخلفات المنتجات والنفايات الناتجة من النشاطات البشرية، وتمثل البيئة للبشر المصدر الأساسي للغذاء والاستجمام والقيم الروحية.

التلوث البيئي

التلوث البيئي مصطلح يُعنى بكافة الطرق التي يتسبب النشاط البشري في إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية، وهو أحد أكثر المشاكل خطورة على البشرية، وعلى أشكال الحياة الأخرى التي تدبّ حالياً على كوكبنا, ففي مقدور هواء ملوّث أن يسبب الأذى للمحاصيل، وأن يحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة.

وتهدد ملوّثات الماء والتربة قدرة المزارعين على إنتاج الغذاء الضروري لإطعام السكان، كما تهدد الملوّثات البحرية الكثير من الكائنات العضوية البحرية.

وللتلوث أنواع عديدة منها: تلوث الهواء، تلوث الماء, تلوث التربة، التلوث بالضجيج، التلوث بالنفايات السائلة والصلبة، التلوث البصري، التلوث بالإشعاعات وغيرها.

نظرة عامة على البيئة في سوريا قبل وبعد العام 2011م كونه لا يمكن الفصل بينهما من ناحية التأثير المتسلسل:

كان وضع البيئة في سوريا حتى قبل بداية الحرب الأهلية سيئاً بشكل عام، للأسباب التالية:

– سوء إدارة الموارد الطبيعية، والإصرار على الإنتاج الكثير بأي طريقة كانت.

– ازدياد الجفاف.

– غياب المعايير والتشريعات البيئية لقطاع الصناعة المتنامي، تحديداً في مجالات البتروكيماويات، الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية.

– غياب نظم إدارة النفايات الفعالة للحدّ من تلوّث التربة بسبب النفايات المنزلية والصناعية.

– ازدياد صناعة التنقيب المتنامية وخاصة النفط.

– الإنتاج النفطي المعتمد على الغزارة الإنتاجية في أقل وقت ممكن، دون الالتفات إلى النتائج المدمرة للبيئة المحيطة بمناطق الإنتاج.

كان لكلّ ذلك أثر جدّي على مستويات التلوّث المائي والهوائي، والتي كانت ترتفع باستمرار قبل عام 2011, وأضعف جودة التربة والهواء.

إن الحرب الدائرة في سوريا إثر سنوات من القصف والتدمير، وصوت الحرب العالي والذي يطغى على كل صوت، لا يلغي كثرة أضرارها المتراكمة في البلاد، و سيكون لها بالتأكيد تداعيات طويلة الأمد على البيئة.

الوضع البيئي:

الهواء

حسب إحصاءات دولية، فلقد عانت سوريا من مستويات عالية من تلوث الهواء حتى قبل اندلاع الحرب, هذا المستوى المرتفع من تلوث الهواء نتج عن الانبعاثات الصناعية وعوادم المركبات، وحرق النفايات، والتلوث الموسمي, فقد ساهمت الجسيمات الخطرة في الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة ومشاكل التنفس والإعاقة, ففي بداية الأزمة في 2011، انخفضت نسبة السكان المعرّضين للجسيمات الدقيقة وذلك نتيجة هروب السكان من المدن بأعداد كبيرة وانخفاض النشاط الصناعي واستهلاك الطاقة, ولكنها ازدادت نتيجة المعارك بين الأطراف المتحاربة، والتي تسببت بحرق الغابات والآبار النفطية، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، وتكرير النفط بالطرق البدائية, حيث بلغت ثلاثة أضعاف النسب المسموحة بها، وهذه المستويات العالية من “الجسيمات الدقيقة” أيضاً تؤثر على الإنتاجية الزراعية وتقلل من غلّة المحاصيل، لا سيما بذور القمح والبذور الزيتية التي تتأثر أكثر من غيرها.

لقد تشكلت موادّ خطرة بسبب قصف مصافي تكرير النفط، وإنشاء مصافٍ بدائية جديدة, و أدى انسكاب النفط من المصافي والآبار والشاحنات وخطوط الأنابيب والصهاريج المتضررة – التي تستخدم في عمليات التكرير- إلى تلوث الأرض والمياه السطحية والتربة، الأمر الذي أدى إلى تلوث مياه الشرب والأراضي الزراعية. وقد أدى التلوث والآثار الناجمة عن حرائق النفط إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي المزروعة.

الغابات

فقدت سوريا ربع الغطاء الشجري، وقد تأثرت محافظتا اللاذقية وإدلب ومقاطعة عفرين بقدر كبير من هذه الخسارة. وقد ارتبط نضوب الغطاء الحراجي بمجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة المرتبطة بالصراع، منها حرائق الغابات المتكررة، وقطع الأشجار بشكل جائر وخاصة في منطقة عفرين المحتلة من قبل تركيا والمجموعات الإرهابية المرتبطة بها، والتوسع الزراعي، وإنتاج الفحم النباتي، وضعف مؤسسات الدولة والمؤسسات الناشئة في إدارة الموارد الطبيعية والتنمية البيئية.

تُعتبر حرائق الغابات من الأسباب الرئيسية لاجتثاث الغابات، وقد ازداد تواتر اندلاعها وشدتها بشكل كبير خلال سنوات الصراع في سوريا، من الجدير بالذكر أن أحد الأسباب الرئيسية وراء اندلاع هذه الحرائق هي حملات القصف التي شنتها مختلف أطراف الصراع التي تتحصّن في الغابات الكثيفة وتتخذها درعاً للحماية والتخفّي عن الطائرات المسيَّرة والطائرات القتالية.

ومن الأسباب الأخرى لاجتثاث الغابات, اعتماد السكان الكبير على الأشجار من أجل الحصول على التدفئة والمأوى, حيث تعرضت خطوط الكهرباء في البلاد للتخريب، وتعطلت المحطات الحرارية وخرجت السدود عن الخدمة نتيجة سيطرة المجموعات الإرهابية عليها وتخريبها، أو نتيجة قطع تركيا مياه نهر الفرات عندما تم تحريرها من المجموعات الإرهابية، فصارت الأشجار ضرورية للتدفئة. تضرّ عملية اجتثاث الغابات بجودة الهواء والتربة وتنزف المياه السطحية وتقلل نسبة الأمطار، وتؤدي إلى تدمير المحميات الطبيعية.

 المياه

قبل اندلاع الحرب كانت موارد المياه في سوريا بالفعل تحت ضغوط جدية، نتيجة محدودية الاحتياطي الطبيعي ومعدل النمو السكاني المرتفع في البلاد. حيث بدأت المياه الجوفية بالنضوب في بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وتفاقم الوضع مع التوسع في الزراعة المعتمدة على الريّ التقليدي. إضافة إلى هذا، لعب التغيّر المناخي دوراً بارزاً في انتشار الجفاف وتفاقمه.

كما أن عدم إطلاق تركيا حصة سوريا من مياه الأنهار( دجلة والفرات) وقطع مياه أنهار الخابور وجغجغ والبليخ وغيرها، ساهم بالضغط بشكل كبير على مخزون المياه السطحية واستنزاف المياه الجوفية.

النفايات

عانت سوريا بالفعل في فترة ما قبل الأزمة، من مشكلة تتعلق بالنفايات الخطرة، نتيجة الافتقار إلى نظم ولوائح مناسبة لإدارة النفايات. أدّى سوء الإدارة على المدى الطويل للنفايات الخطرة – وفي المقام الأول النفايات الصناعية والطبية ـ إلى توليد مستوى عالٍ من الديوكسين وغيره من الغازات الأخرى، وإلى زيادة تلوث الهواء، وخصوصاً في حلب ودمشق، وجلب هذا الأمر معه مخاطر صحية جسيمة مرتبطة بالنفايات الخطرة.

ومع الإغلاق التام لخدمات إدارة النفايات التي تديرها حكومة دمشق، أحدثت الحرب مشكلة كارثية فيما يتعلق بالتخلص من النفايات، وأسهمت في إنتاج المزيد من النفايات الخطرة عبر عمليات حرق النفايات وإلقائها بدون ضوابط أو رقابة. وقد أدى تدمير المصانع المختلفة والمستشفيات والمدن إلى انبعاث مستويات عالية من السموم في الهواء، وإلى تسرّب كميات من المواد الكيماوية إلى التربة ومنابع المياه الجوفية. تجتذب تلك النفايات البلدية والمنزلية غير المجمّعة القوارضَ والحشرات التي تحمل وتنقل الأمراض المعدية، الأمر الذي يعرّض الأطفال وجامعي القمامة للمخاطر, ويؤدي أيضاً إلى تلويث التربة والمياه والهواء.

التربة

تسبّبت سنوات الجفاف الطويلة التي شهدتها البلاد في جدب التربة وتدهورها وانحسار الغطاء النباتي؛ وهي مشكلات تفاقَمَت مع اندلاع الحرب، وتمثّل تهديداً لإنتاجية الأراضي والتنوع الحيوي والإنتاج الزراعي في فترة ما بعد الحرب. وقد أدى القصف المتواصل إلى خلخلة التربة، مما سهّل انتقالها عبر الرياح والمياه وزاد من فرص حدوث العواصف الترابية. تسارعت أيضاً وتيرة تآكل التربة نتيجة التغيرات المقلقة في الغطاء النباتي, وذلك لزيادة الطلب على الموارد الطبيعية والتوسع الحضري خلال الصراع بسبب حركة وتنقلات السكان, فغالبية الأراضي الزراعية في سورية أصبحت عرضة لتآكل التربة، وقد انخفض استخدام الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة كبيرة. لقد أدى الاستغلال الكثيف للأراضي الهشّة، وخصوصاً في منطقة زراعة المحاصيل الأساسية التي كانت أيضاً مسرحاً للأعمال القتالية العنيفة إلى مزيد من التدهور, وإلى جانب تلوث الأراضي والتربة بالذخائر والمتفجرات الحربية، فإن ذلك يؤدي أيضاً إلى تفاقُم عملية تآكل التربة.

إن استخدام الأسلحة الكيماوية والمتفجرات يتسبب – التي تحتوي على عناصر من المعادن الثقيلة والوقود والمذيبات والمواد النشطة التي أدت إلى تلوث المياه الجوفية والتربة- في مشاكل بيئية خطيرة، ستؤدي إلى تفاقُم أشكال أخرى من التداعيات السلبية على البيئة في المستقبل، كالجفاف والعواصف الرملية وانخفاض نسبة هطول الأمطار، إلى جانب تلوث التربة والمياه.

الوضع البيئي في روجافا

الهواء:

لقد أصبح الهواء أكثر تلوثاً من ذي قبل بسبب تكرير النفط البدائي، وتدمير المساحات الخضراء مثل قطع أشجار سدّ جل آغا وتربه سبيه، وكذلك تجريف وقلع الأشجار من قبل النظام الفاشي التركي في مقاطعة عفرين وكذلك في سري كاني، وتدمير المحميات الطبيعية كمحمية جبل كزوان (عبد العزيز) على يد المجموعات الإرهابية كداعش وغيرها، وزيادة عدد السيارات العاملة على المازوت، ومولدات الكهرباء الأهلية، وحرق التنظيمات الإرهابية للمواسم الزراعية عامي 2019 و 2020، إضافة إلى ازدياد أعمال حرق الفرازات بعد جني المحصول من قبل المزارعين.

المياه:

إن قلة الأمطار وقطع تركيا لمياه نهر الفرات على فترات متوالية قد أثّر في مخزون السدود، وكذلك على المساحات الزراعية، وأيضاً على بيئة الكائنات الحية، وأيضاً قطع مياه محطة علوك عن سكان مقاطعة الحسكة أدى إلى عطش السكان وأصبحوا عرضة للأمراض, ناهيك عن نضوب مصادر المياه السطحية نتيجة استجرارها للشرب بشكل استنزافي اضطراراً لمساعدة السكان للبقاء على قيد الحياة.

إن حفر الآبار بشكل غير مدروس من فترة ما قبل العام 2011 أثّر بشكل سلبي على الينابيع وعلى مخزون المياه الجوفية واستنزافها.

كما تتعرض المياه السطحية للتلوث نتيجة صبّ مخلّفات المجارير في مجاري الأنهار دون معالجتها، وكذلك وضع القمامة بشكل عشوائي, مما يفزر نواتج سائلة تنزل إلى باطن الأرض بعد هطول الأمطار.

التربة

لقد تأثرت التربة كثيراً نتيجة ما تلقّتْه من إجهاد في سنوات ما قبل العام 2011 واستخدام الأسمدة بشكل عشوائي من قبل المزارعين, وكذلك الأدوية التي تكافح الأعشاب الضارة، كما أن استخدام مياه المجارير في زراعة الأراضي القريبة من المدن أثّر بشكل سلبي على جودة التربة، وكذلك أثّرت على صحة السكان. الحرق المستمر لمخلفات المزروعات أيضاً ساهم بشكل كبير في إفقار التربة, كذلك الحرب على الإرهاب ساهمت في تآكل التربة وتعريتها نتيجة المقذوفات الحربية, إضافة إلى المساحات الشاسعة من الإنتاج الزراعي نتيجة الاحتلال التركي لها وتحويلها إلى خطوط جبهة، ناهيك عمّا تخلفه ذخائر النظام التركي الفاشي من تأثير ضار بالبيئة وخاصة الذخائر المحرمة دولياً منها.

الرعي الجائر من الأسباب المهمة, حيث أصبحت المناطق المستهدفة أكثر تعرية وإثارة للغبار, ورمي المخلفات البلاستيكية (الأكياس البلاستيكية) بشكل عشوائي أيضاً له تأثير ضار لانتشارها في الأراضي الزراعية.

كما أن إنتاج النفط المستمر منذ اكتشافه في روجآفا، وعدم اهتمام حكومة دمشق بالأثر البيئي السلبي للإنتاج، وعدم معالجته حسب الشروط البيئية, ساهم بشكل كبير في تدهور جودة الهواء والتربة والمياه السطحية في مناطق استخراج النفط.

إدارة النفايات

كانت إدارة النفايات الصلبة والسائلة في مناطقنا شبه معدومة لعدم اهتمام حكومة دمشق سابقاً بهذا الجانب، ولم يتطور هذا الجانب حالياً بالشكل المأمول، مع وجود بعض التحسّن في ذلك من ناحية تجميع القمامة في مكان واحد ولكن من دون معالجة أو إعادة تدوير، ومازالت النفايات الخطرة تضرّ بالبيئة بشكل كبير، كما أن معالجة مياه الصرف الصحي وعدم صبّها في مجاري الأنهار أو منع الزراعة عليها ما يزال مهملاً, والجميع يعلم ما تسببه من أضرار هائلة على البيئة.

الخاتمة:

هذا هو بشكل مختصر الوضع البيئي في سوريا، ولأجل عدم تدهور البيئة بشكل أسوأ في روجآفا ومناطق شمال وشرق سوريا, وسوريا ككل، يجب على الإدارة الذاتية وكذلك حكومة دمشق القيام بما يلي:

ـ نشر الوعي البيئي بين السكان، وإلزامهم بتنفيذ التعليمات البيئية الخاصة بالنشاطات المضرة بالبيئة.

ـ التركيز على تنفيذ القوانين الصادرة من المجلس التشريعي بخصوص حماية البيئة وتنميتها.

ـ إصدار القوانين المكمّلة لحماية البيئة في حال لم تفِ القوانين الموجودة بالغرض.

ـ الاهتمام الكافي بزيادة المساحات الخضراء، ونشر ثقافة الاعتناء بها.

ـ وقف نزف المياه الجوفية، وتلوث السطحية منها, والحد من هدر المياه بشكل عام.

ـ إنشاء محميات طبيعية كبيرة المساحة متنوعة الغطاء النباتي، وحماية المساحات الموجودة من التعديات التي تطالها من زراعة ورعي وصيد وغيرها من الأعمال المضرة بها.

ـ الضغط على المؤسسات الدولية لكي تطلق تركيا حصة سوريا من المياه، وكذلك منع مياه الصرف الصحي من المدن في شمال كردستان (التركية) من أن تصب خارج حدودها.

ـ على القطاع النفطي الاهتمام الكافي بحماية البيئة، وصرف موازنة خاصة لذلك.

ـ الإصرار على تنفيذ تعليمات البيئة بخصوص مصافي النفط.

ـ رفع عوادم مولدات الكهرباء المدنية والرسمية بشكل كاف وحسب القوانين الصادرة بذلك.

ـ معالجة النفايات الصلبة والسائلة وإعادة تدويرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى