داعش وماذا بعد سجن الصناعة؟
حسين عمر
ما حصل في سجن الصناعة من جرائم نفذها عناصر التنظيم الإرهابي المتوحش داعش يصعب تصديقه، لما لها من ممارسات بعيدة حتى عن سلوك أعتى المجرمين وسفاكي الدماء في العالم.
حرق جثث العاملين وحراس وإداري السجن في الفرن الذي كان يقدّم لهم الخبر والمأكل. لا أحد يدري حتى اللحظة هل أحرقوا البعض أحياء أم تم ذلك بعد ذبحهم أو قتلهم.
هذه الحقيقة التي أوردها المرصد السوري لحقوق الأنسان تختزل كلّ الأهداف والأساليب والسلوك والممارسات الوحشية للتنظيم الإرهابي الذي أستجرّ من رحم الميراث (الإسلامي) المتناقل الذي تمتدّ جذوره إلى أكثر من ألف عام مضى بواسطة شخصيات غريبة الأطوار مهووسة بالجنس وسفك الدماء، لعبت دوراً تدميريّاً وحشيّاً في تتالي المراحل التاريخية، وصولاً إلى يومنا هذا.
واستفادت على مرّ الفترة المذكورة من ظروف معينة إن كانت في ظل الإمارات والممالك والحكومات الإسلامية المتعاقبة منذ الخلافة الأولى أو داخل مجتمعات قبلية وعشائرية متمرّدة على القوانين الدولتية، مستفيدة من الجهل المتفشي في المجتمعات الإسلامية، وكذلك بعض الممارسات الشنيعة التي أداها بعض قادة المسلمين في المراحل الأولى لفرض وتثبيت العقيدة الإسلامية على المجتمعات التي كانت ترفض الدخول الطوعي في الدين الجديد الغريب عنهم، وهنا لسنا في معرض سرد التسلسل التاريخي لظهور المجموعات المتعصبة ( الإرهابية ) والتي تحوّلت الى داعش بعد سلسلة من الفتاوى، والاجتهادات وأوامر الجهاد التي أصدرتها مجموعة من الذين امتهنوا الدين وظهروا دعاةً ووعاظاً، لتتبوأ صدارة المشهد وتقود قطيعاً متعطّشاً للانتقام تدفعه غرائزه وشهواته المريضة إلى القيام بأبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، وقد حصلت تلك الجرائم على يد المجموعات التي حركتها جهة سلطوية أو إدارية أو سياسية منذ عملية النحر الأولى في الإسلام وحتى يومنا هذا، حيث تمّ تجنيد عناصر شاذة مريضة متعصبة دينيّاً وقبليّاً لِتقوم بترهيب المجتمعات واستعباد المواطن لفرض طاعة ما سمّي بولي الأمر، بصرف النظر عن سلوكه، واستمرّ الأمر على ذلك الحال مع ظهور التنظيمات الإرهابية في العصر الحديث، وخاصة القاعدة وتفرعاتها، وجماعة الإخوان المسلمين التي استخدمها حلف الناتو في معاركها مع الاتحاد السوفيتي السابق، وسلطتهم على رقاب شعوب منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا والمسلمين.
وفي العديد من المراحل خرج وتمرّد بعض قادة الجهات التي دعمتها، وتحوّلت لتعمل لحسابها الخاص كما فعل أبو مصعب الزرقاوي، لكنّ التنظيم لم يستطع الاستمرارية في الاستقلال، لأنّ الجهات الداعمة تستطيع خنقه في أية لحظة، لهذا أصبحت أنقره والدوحة وغيرُها مراكزَ رئيسة لرعاية التنظيمات الإرهابية وخاصة القاعدة ووليدها داعش، وبذلك تمّ توجيههم ليكونوا السيف المسلّط على رقاب الشعب الكردي في روجآفا، والإزيديين في باشور بشكل خاص، وحينها حركت تركيا أبا بكر البغدادي ليقود الجهاد ضد الشعب الكردي، ومعروفة تلك المعارك التي دارت بين الطليعة التي وضعت على عاتقها حماية الشعب الكردي وشركاؤه في المنطقة من المكونات الأخرى حتى تحققت على يدهم إزالة ما سمّي بالخلافة الإسلامية الداعشية من الوجود، وهو ما دفع تركيا الى تجديد الدعم للمجموعات المتبقّية منهم، وحماية قادتها في المناطق التي تحتلها، وخاصة لتحريكهم متى ما شاءت ضد الإدارة الذاتية، ولهذا محاولة السيطرة على مدينة الحسكة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة لداعش، بما أنّ هناك قوة إقليمية تساندها وهو ما ظهر جليا من خلال الأعلام الذي يتخذ من تركيا مقرّاً له مثل قناة سوريا التي يشرف عليها مستشار أمير دويلة قطر عزمي بشارة، وكذلك قناة أورينت التي يمتلكها غسان عبود المعروف بمواقفه العنصرية والمساندة للمجاميع الإرهابية، لقد عنونت قناة عزمي بشارة الهجوم منذ اليوم الأول بملحمة غويران، وهذه التسمية لم تأتِ اعتباطاً، لا من قبل شخص ما يعمل في القناة، بل كانت التسمية مدروسة، لأنّ المعلومات الأولية والجهات التي أمرت وراقبت الهجوم كانت تعتقد أنّ الهجوم سينجح، وسيتمّ تحرير الآلاف، ثم ستتمّ السيطرة على غويران، والأحياء القريبة، وتالياً على جميع أنحاء مدينة الحسكة، ولمؤازرة وتوسيع رقعة السيطرة لم يكن هناك أي عائق ليتقدّم مرتزقة تركيا من مختلف الفصائل الإرهابية السورية للسيطرة على المنطقة الممتدة بين تل أبيض والحسكة، والتمدد نحو الحدود العراقية، وبذلك يستعيد داعش جزءاً من كيانه ليؤسس مع المجاميع الإرهابية المذكورة إمارتها الجديدة بدعم تركي وتخاذل روسي، وانسحاب أمريكي من المنطقة، نعم لو تحقق الهدف من الهجوم لأعلنت الولايات المتحدة الانسحاب حفاظاً على أرواح جنودها، وهذا هو التعليل المنطقي بالنسبة للتدخّل الأمريكي ومساندة ضمنية من وجهة نظر شعوب المنطقة.
بكل الأحوال استطاعت قوات سوريا الديمقراطية إفشال المخطّط، وقطع الطريق على انتصار وهمي للنظام السوري، وتفوق مخابراتي للنظام التركي، وقد يسأل أحدهم لماذا النظام السوري؟ لأنّه كان الأكثر سعادة، وكان يتمنى ألا يفشل الهجوم، وكانت تصريحات مسؤوليه من بثينة شعبان الى ما يسمى بمحافظ الحسكة خير دليل على ما ذهبنا اليه.
من الواضح أنّ داعش ما زال موجوداً وبقوة، وما زال يتلقّى الدعم والمساندة من النظام التركي، والحاضنة الإسلامية المتشدّدة في البوادي، والقرى النائية، ويحظى برعاية كاملة من بعض القوى المتصارعة في العالم، وستبقى الأداة الجاهزة للتحريك في أي وقت تريده تلك القوى كما حصل مع طالبان تماماً.
ستعود داعش قوة مهينة كما عادت طالبان بعد عشرين عاماً من طردها من كابول. وستعود داعش لِتسيطر على مناطق شاسعة ومنها دمشق وبغداد إذا بقيت تركيا مع وجود أردوغان أو بدونه، داعماً للإرهابيين، كما استمرّت باكستان مع وصول شخصيات مختلفة التوجهات إلى سدّة الحكم، لكن بقيت حاضنة لطالبان والقاعدة، وكذا حال تركيا حتى وإن تغيرت الحكومات، إذا بقي توجّه مركز القرار العالمي على الإبقاء على داعش فإنّها كما طالبان ستعود أكثر قوة وتسيطر لأنّها عمليّاً هي من تحكم المناطق المحتلة من قبل تركيا وبادية الشام والعراق والعديد من الجيوب المتناثرة في شرقي دير الزور، ستكون عودة داعش زلزالاً يحطم المنطقة.
لهذا المطلوب هو التوافق الداخلي السوري السوري والعراقي العراقي، ووضع الخلافات جانباً، والعمل من أجل دحر الاحتلال التركي من أراضي كلا الدولتين.
ولن يحصل ذلك في ظل الأجواء الحالية بسبب رفض الجهات المستفيدة من وجود داعش وتبني آمالها على استمرارية ذلك التواجد الذي يشكل تهديداً دائماً على القوى الوطنية الديمقراطية في المنطقة.
إنّ تساهل القوى المؤثرة في العالم والمنطقة مع الداعمين للتنظيمات الإرهابية -تركيا ، قطر ودول أخرى – خاصة الولايات المتحدة الأمريكية – تُشكّل أرضية موضوعية لبقاء الإرهاب المنظّم منتشراً في المنطقة، وتهديداً وجوديّاً للقِوى والمجتمعات الحيوية فيها، إنّ بقاء أكثر من عشرة آلاف من أخطر الإرهابيين على وجه الأرض في مساحة ضيقة ورفض الدول والحكومات استلام مواطنيها هو بحد ذاته مؤشر موضوعي على أنّ تلك الدول وفي مقدّمتها أمريكا كما ذكرنا لا تريد نهاية سريعة لداعش، ولا ترغب في استتباب الأمن والسلام في المنطقة، ولا تريد (لحلفائها) تثبيت الاستقرار والعمل على تحسين الوضع القلق فيها.
ولا يختلف الوضع بالنسبة لروسيا وإيران والنظام، فهم جميعاً مستفيدون مع بقاء داعش كقوة تهديد للسلم والأمن والحياة في المنطقة.
الإدارة الذاتية تتعرض لهجمات يومية من الخلايا النائمة المدعومة من تركيا والمجاميع الإرهابية المرتبطة بها مع وجود ذلك الكم الهائل من الإرهابيين في سجونها وهو ما يشكل تهديداً حياتيّاً لها. وقد أثبت الهجوم الذي استهدف سجن الصناعة بان المجتمع الدولي لا يبالي بقضية معتقلِي داعش، كما أنّ حكومات الدول التي لها مواطنون إرهابيون معتقلون لدى الإدارة الذاتيّة لا نيّةَ لها في استلام مواطنيها، أو حتى مساعدة الجهة التي تطوّعت، ووضعت على عاتقها حماية الإنسانية من خطر أولئك المجرمين حسب إمكانياتها المحدودة، وفي أجواء سياسية واقتصادية سيئة وفي ظل الهجمات المتكرّرة اليومية – كما ذكرنا – من قبل النظام التركي ومرتزقته على المنطقة، دون أن تتحرك الدول الضامنة لوقف إطلاق النار بين الجهتين، لا بل ترى تلك الجهات -أمريكا وروسيا – مبررات للاعتداءات الإجرامية التركية المتكررة حفاظا على علاقاتها مع الأخيرة وتتسبب تلك الاعتداءات اليومية على توجيه الإمكانيات الرئيسية للمنطقة نحو تأمين السلامة والأمن للمواطنين والجهات الفاعلة فيها العسكرية والمدنية منها وهو ما يؤدي الى زيادة نشاطات داعش العسكرية مستفيدة من الأراضي المحتلة للتحضير والتدريب والتجهيز للقيام بالعمليات الإجرامية داخل مناطق الإدارة.
ولهذا المطلوب عاجلاً البحث عن حل مستدام لموضوع المعتقلين والدواعش وأسرهم في المخيمات داخل مناطق الإدارة الذاتية وهذا الحل لن يتم إلا بتضافر جهود القوى الفاعلة على الأرض من خلال مساعدة الإدارة الذاتية في إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم ليلاقوا جزاءهم العادل، ولن يتم ذلك إلّا من خلال اتفاقيات بين الإدارة الذاتية وتلك القوى، واخصّ هنا التحالف الدولي وروسيا والعراق والنظام السوري.
سيبقى خطر داعش مستمرّاً على العالم ككلّ إذا لم يتم إيجاد حلٍّ قانوني وسياسي لأوضاع المعتقلين وعوائلهم، ولن يكون الخطر على مناطق الإدارة الذاتية فقط وإنما كما ذكرنا في المتن فإنّ دمشق وبغداد هما الهدف.