أبحاث ودراساتافتتاحية العددصلاح الدين مسلممانشيتملف العدد 63

اضطرابات الحروب لمجتمعات شمال وشرق سوريا أثناء داعش وما بعدها

صلاح الدين مسلم

صلاح الدين مسلم

صلاح مسلم
صلاح مسلم

مقدمة

كانت المجتمعات البدائيّة تفسّر نوبات المرض العقلي إلى القوة الخارقة للطبيعة، لكن يعود تاريخ تفسير سيطرة التفسيرات المقدّمة للسلوك الشاذ إلى الحضارات القديمة، فقد أرجع أبقراط إلى مَنشئها المخّي، أي اعتبرها مرضاً في المخّ، واعتقد الفيلسوفان؛ أفلاطون وأرسطو أنّ الأشخاص ذوي الاضطرابات العقليّة مرضى وليسوا مصابين بمسّ شيطاني. المطيري، معصومة سهيل (2005).

لكن في العصور الوسطى سادت فيها النزعة الدينيّة على كلّ جوانب الحياة في أوروبا، وعاد الناس لتفسير نوبات المرض العقلي في ضوء القوة الخارقة للطبيعة مرّة أخرى، فالأشخاص الذين أصيبوا باضطرابات عقليّة إنّما هم يعاقبون على ما ارتكبوه من إثم أو ذنب أو أصابهم مسّ من الشيطان، ومنهم من أعاد الأمر إلى النجوم والكواكب، إلى أن وصل الأمر إلى معالجة الاضطرابات بطريقة أخلاقيّة وإنسانيّة وعلميّة.

من هنا خرج علم الصحة النفسية ليحدد السلوك الشاذ من السلوك السوي، ومن بين الاضطرابات النفسية التي تعكس السلوك الشاذ غير السوي؛ العصاب الصدمي TRAUMATIC NEUROSIS أو اضطراب ما بعد الصدمة. فالإنسان يتعرّض لمواقف ومنبّهات مختلفة القوّة، إلّا أنّه عادة يكون في مقدوره السيطرة عليها والاستجابة لها تحقّق له الكسب أو تبعده عن الإضرار بشخصه، لكن هناك بعض الأشخاص الذين يتعرّضون لمواقف أو منبّهات بالغة الشدّة أو الخطورة بحيث لا يمكنهم السيطرة عليها، أو يجدون أنفسهم عاجزين عن منع ضررها عليهم كما يحدث في مواقف الانفجارات والحوادث وغارات الحروب، وتسمّى مثل هذه المواقف بالصدمات. وينتج عن هذه المواقف أمراض نفسية تسمى بالعصاب الصدمي أو عصاب الصدمة ومن أمثلتها عصاب الحرب WAR NEUROSIS. “المطيري، معصومة سهيل (2005)”.

  • مشكلة البحث:

يعدّ العصاب الصدمي من الأمراض أو الاضطرابات العصابية والتي تتميّز بضعف تأثيرها نسبياً على شخصيّة المريض، بحيث لا تهدّد نجاحه وتوفيقه سواء في عمله أو علاقاته الاجتماعيّة إلا بقدر بسيط نسبياً، ولهذا فإنّ المرضى العصابيين عادة لا يحتاجون إلى الرعاية والحجز داخل مستشفيات إلّا نادراً، وذلك لقلّة خطورتهم على أنفسهم أو على المجتمع.

تكمن مشكلة البحث في أنّ المريض العصابي وخاصّة مرضى العصاب الصدمي لا نكاد نكتشف مرضهم النفسي إلّا إذا حدّثونا وخاصة في البيئة الشرقيّة التي لا يعترف أفراد المجتمع بأمراضهم بسهولة.

  • أهمية البحث

إن انتشار الاكتئاب بشدّة في سوريا عامة، وفي المناطق التي خضغت لتنظيم داعش كبير جدّاً، وهذا ما جعل لدراسة هذه الظاهرة أهميّة كبرى، فالحروب وعدم الاستقرار تؤدي إلى عدم الاستقرار، وتنبثق أهمّية البحث في النقاط التالية:

  • تحديد حالات (ما بعد الصدمة) وإلى أيّة حالة تصل فيه المجتمعات ما بعد الحروب والكوارث.
  • الفرق بين (ما بعد الصدمة) الطبيعية كالزلازل، والكوارث الطبيعية، وبين الحروب من صنع البشر.
  • توصيف حالة المجتمعات ما بعد الحرب.
  • تعزيز طرق الاستجابة لحالات التوعية، وتوصيات الحلول لمراكز القرار.
  • أهداف البحث
  • البحث والتمحيص في المشكلات التي خلّفتها الحروب، وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع، والبحث في الطرق العلاجية.
  • تحديد الطرق الوقائية لئلا تتفاقم الحالات المستعصية ولا تتحول إلى ظاهرة.
  • تحديد الفرق بين الماضي والحاضر، أي ما قبل الحرب وما بعدها، من الناحية الاجتماعية والنفسية والاقتصاديّة.
  • أسئلة البحث
  • ما هو افتراض ما بعد الصدمة؟
  • ما هو توصيف حالة ما بعد الصدمة في الحالة السورية؟
  • ما هو افتراض ما بعد الصدمة (اضطرابات الحروب) لمجتمعات شمال وشرق سوريا بين أعوام 2017 حتى 2020؟
  • ما الذي تغيّر في الحرب السورية؟ من النواحي السياسية والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعية والنفسية؟
  • إلى أيّ حدّ تستطيع الحروب أن تغيّر من نفسية المجتمعات؟
  • حدود البحث البشرية الزمانية المكانية العلمية
  • الحدود البشرية والمكانية: المجتمعات في شمال وشرق سوريا
  • الحدود الزمانية: ما بين أعوام 2017 حتى 2020
  • الحدود العلمية: تطبيق متغيّر افتراض ما بعد الصدمة على متغيّر الحرب.
  • منهج البحث:

اعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي، إذ يفيد المنهج الوصفي في رصد ظاهرة البحث كما توجد الواقع، ويهتم بوصفها وصفاً عامّاً، من خلال التعبير العام لكافّة الشرائح العمريّة، والمستويات عامّة، دون وصفها كمّيّاً. وتمثلت إجراءات البحث بالاطلاع على الأبحاث السابقة في تحليل افتراض ما بعد الصدمة، وتحليل الواقع من خلال معايشة الباحث لهذه الأحداث، وتواجده في هذه المنطقة.

ولتحقيق أهداف البحث استخدم الباحث قليلاً من المنهج التجريبي، من خلال لقاءاته ببعض العائلات المتضررة من داعش، وبحكم عمله الإغائي في تلك المرحلة للعائلات المتضررة من داعش.

وتمثّلت إجراءات البحث ب:

  • اللقاءات الصوتية المسجلة للعوائل الرقّية المتضررة من داعش.
  • الاطلاع على مصادر تحلّل افتراض ما بعد الصدمة، والحدث الصدمي.
  • ملاحظات الباحث المباشرة من خلال عمله الإغاثي.
  • مصطلحات البحث:

اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة: حدّدت منظمة الصحّة العالميّة اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة في التصنيف الدولي العاشر بأنّه استجابة مرجأة أو ممتدّة لحدث أو موقف ضاغط (مستمر لفترة قصيرة أو طويلة)، ويتّصف بأنّه ذو طبيعة مهدّدة أو فاجعة، ويحتمل أن يتسبّب في حدوث ضيق أو أسى شديدين غالباً لدى لدى فرد يتعرّض له مثل: الموت العنيف لأشخاص آخرين، أو أن يكون الفرد، ضحيّة للتعذيب أو الإرهاب أو الاغتصاب، أو غير ذلك من الجرائم

الحدث الصدمي :Traumatic- Event .الأحداث الصدمية أحداث خطيرة ومربكة ومفاجئة، وتتسم بقوتها الشديدة أو المتطرفة، وتسبب الخوف والقلق والانسحاب والتجنب. والأحداث الصدمية كذلك ذات شدة مرتفعة، وغير متوقعة، وغير متكررة، وتختلف في دوامها من حادة إلى مزمنة.
ويمكن أن تؤثر في شخص بمفرده كحادث سيارة أو جريمة من جرائم العنف، وقد تؤثر في المجتمع كله كما هو الحال في الزلزال أو الإعصار. “مجلة ابتسامة 23:15 18/3/2023”

داعش: اختصار لتنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام

  • مجتمع البحث:
  • العائلات المتضررة من داعش في الرقة.
  • العائلات المتضرّرة من قصف التحالف على كوباني
  • دراسات سابقة:
  • لقد عالجت دراسة ديناميات اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة لدى أطفال غزة للدكتور محمد أحمد محمود خطاب (2014) التي أجريت على عينة مكوّنة من (4) أطفال في المدى العمري من سن 9 إلى 12 سنة، وقد اختار هؤلاء الأطفال من (جمعيّة فلسطين لرعاية ضحايا الصدمات النفسية في قطاع غزة) من مشروع تعزيز صمود الأسر الفلسطينيّة، ومشروع الدعم النفسي والاجتماعي لأطفال محافظة غزة – ساند
  • وقد استخدم الطريقة النفسية التحليلية الفرويديّة في دراسته، ورأت هذه الدراسة أنّ هؤلاء الأطفال لا يشعرون بالأمن والحماية والاستقرار والطمأنينة، وأنّهم قلقون ومحبطون، وهذا يؤدّي إلى العدوان، فهم بحاجة إلى وجود أب قوي، لذلك هم عدوانيون تجاه والدهم الذي لا يشبع احتياجاته، فالأنا لدى الطفل يتميّز بالضعف، وقد اعتمد الدكتور خطاب على المقابلة الإكلينيكيّة من خلال اختبار التات، واختبار رسم الأسرة المتحركة في تحليل شخصياتهم الاكتئابيّة، وقد أشارت نتائج دراسته إلى وجود صعوبة لدى الأطفال في التمييز بين الخيال والواقع، ونقص القدرة على الإدراك السليم لمتطلّبات الواقع في ظلّ تخيّلات اضطراب ما بعد الصدمة منعنف وقتل وضعف الذات والحاجة الملحّة والشديدة لللانتقام والثأر، وضعف القدرة على اختبار الواقع.
  • بينما هدفت دراسة الدكتور محمد أحمد محمود خطاب بعنوان (ديناميات اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة لدة فتاة فلسطينية مراهقة) (2015) إلقاء الضوء على ظاهرة اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة لدى فتاة فلسطينية مراهقة من وجهة النظر التحليلية النفسية للوصول إلى العلة الحقيقية التي تكمن وراء انتشارها وبشكل متزائد على عينة واحدة مكونة من حالة واحدة فقط وهي فتاة فلسطينية تبلغ من العمر  وهي تعاني من اضطاب ضغوط ما بعد الصدمة  نتيجة تعرّضها هي وأبيها لقذيفة دبّابة إسرائيليّة في فترة الحرب التي شنّتها إسرائيل على قطّاع غزّة، والتي مّيت بعملية (الجرف الصامد). وقد اعتمد على دراسات تؤكّد أن الإناث وخاصّة في فترة المراهقة هنّ الأكثر تعرّضاً، وتأثّراً باضطرابات ضغوط ما بعد الصدمة.
  • وقد أثبتت الدراسة أيضاً الآثار السلبية البادية على العينة “مروة” وهي النكوص والقلق والحرمان من الحب والحنان واضطرابات النوم والأرق والاستيقاظ فزعاً والكوابيس إضافة إلىالإحساس بالعزلة، وعدم الاهتمام بالعالم الخارجيّ، وضغف الحكم، إضافة إلى الإنكار والكبت، والاكتئاب وفقدان تقدير الذات.
  • أمّا دراسة الدكتور عادل محمد العدل 2020 بعنوان (ضغوط ما بعد الصدمة وعلاقتها بقلق المستقبل لدى طلاب الجامعة بعد جائحة كورونا كوفيد19) حيث استخدم المنهج الوصفي وبلغت العينة الاستطلاعية 68 طالباً بكلّيّة التربيّة بجامعة الزقازيق جميع المستويات الدراسيّة متوسطأعمارهم 20.5 عاماً، وبلغت العينة النهائيّة 412 طالباً بكلّيّة التربيّة جامعة الزقازيق، وقد توصل إلى أنّ الأزمات والأحداث المؤلمة التي يمرّ بها العالم من حجر وحظر وتغيير نظام تعليم وبطالة بعض الفئات والأزمات الاقتصادية والمشكلات الصحّية والوفيات بين مختلف الشرائح الاجتماعية أدّت إلى كثير من مشاعر الخوف والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى، وأنّ هناك كثيراً من الشباب يعانون من مشاعر الخوف والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى، وأنّ هناك كثيراً من الشباب يعانون من الصدمات النفسية ويحملون معهم ذكريات لا تنسى، وهي تتمثّل بالإحباط لعام والاكتئاب والخوف وخاصة اضطراب الضغوط والكرب المصاحب والتالي للصدمات النفسية.
  • أمّا دراسة الباحث محمد سمير محمد أو عيشة 2017 التي قدمها لنيل درجة الماجستير في (الصحة النفسية المجتمعيّة) بالجامعة الإسلاميّة بغزّة بعنوان (نمو ما بعد الصدمة وعلاقته بأعرض الاضطراب النفسي لدى مرضى السرطان) التي قدّمها الباحث بطريقة وصفية تحليلية، وقد اختار الحالات بالطريقة العشوائيّة القصديّة من مجتمع الدراسة، من خلال توزيع الاستبانة على أفراد العيّنة، وقد اتفّقت هذه الدراسة مع دراسات أخرى في أن نتائج هذه الدراسة قد أظهرت نمو ما بعد الصدمة، فقد أظهرت أنّ العديد من المصابين طوّروا نمو ما بعد الصدمة،  وتعزو الدراسة إلى أنّ المصائب في بعض الأحيان قد تؤثّر بشكل إيجابي على بعض الشخصيات، فقد لاحظ أنّ هؤلاء المرضى يكثرون من الحمد والشكر لله على ما بتلاهم، وأرجع ذلك إلى الوازع الديني، وقوّة الإيمانلها دور كبير في التخفيف عن كاهل هؤلاء المرضى، وأنّ هذا ابتلاء من الله عزّ وجل، وسوف يؤجر عليه.

تعقيب على هذه الدراسات

  • لقد استطاعت هذه الدراسات السابقة توصيف حالات ما بعد الصدمة إلى حدّ كبير، وذكر الأعراض السلبية للمرضى المصابين بافتراض ما بعد الصدمة، وقدّمت الآثار السلبية لهذا العرض، وأنواع العرض وأنواع القلق والاكتئاب، وبالمقابل الآار الإيجابيّة لنمو ما بعد الصدمة، وكانت هذه الدراسات عيّنة بحثيّة لأبحاث كثيرة تناولت لأعراض كثيرة لمتغيّر ما بعد الصدمة، ولم أتناول أبحاث للآثار السلبيى للحرب، لكنّها أيضاً تنصبّ في خانة القلق والاكتئاب وغيرها من الآثار السلبية.
  • لكنّ هذه الدراسات تناولت الجانب النفسي فحسب، ولم تعكس الجانب الاجتماعيّ، والتغيّر في السلوك العام، بطريقة تحليليّة، فهي حالات فرديّة قد تعكس هذه العينات الطابع العام، لكنّ التحليل الاجتماعيّ الجمعيّ مرتبط بالتحليل النفسي الفرديّ.
  • وقد استفدت من هذه الدراسات في جمع تعريف لما بعد الصدمة ومصطلحات البحث، والآثار السلبية والإيجابيّة من عرض ما بعد الصدمة، وتنفرد هذه الدراسة عن الدراسات السابقة التي اضطلع عليها الباحث في أنّ الباحص يريد أن يتنال الموضوع بطريقة نفسية اجتماعيّة، وأن الحرب التي حصلت شارك فيها أقارب المرضى ومجتمعه، وليس عدوّاً خارجيّاً أو مستعمراً كالحالة الفلسطينيّة، فداعش خليط ما بين متشدّدين أجانب ومتشدّدين محلّيين، والمشكلة الكبرى في أنّ هذا التنظيم يعتمد خطابه على الذاكرة الاجتماعيّة.

القسم النظري

أوّلاً: الحرب

وبال الحرب تاريخيّاً:

لقد كانت حروب الدولة القومية وبالاً على أوروبا والعالم بأسره، فلم يسلم الشرق الأوسط من هذه الحرب الدموية ولا الصين ولا اليابان، فقد دمرت هيروشيما ونكازاكي وحلبجة عن بكرة أبيها، وكانت الحرب العالمية الأولى والثانية مسرح الدماء، لم يحصل هذا الشيء في التاريخ قط، أن يكون عدد القتلى 50 مليون نسمة، لم تستطع الأوبئة أن تفعل هذا الفعل الشنيع وهذا الإرهاب الوحشيّ، فمن يقف وراء هذا الإرهاب؟ هل إذا أعدمنا تشاوشيسكي وصدام حسين والقذّافي… تنتهي المسألة؟ هل إذا اختفى هتلر تنتهي القصّة؟ فها قد حوكم حسني مبارك، فهل انتهى الإرهاب في مصر؟  لقد مات الفراعنة والنماردة قبل آلاف السنين لكنّ نظام الفراعنة مازال يسري بل بات أكثر توحّشًا من ذي قبل.

لقد كانت الحرب الباردة على أشدّها ما بين الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفيتي، وكانت الحروب طاحنة ما بين المعسكرين (السوفيتي والأميركي) فالشيوعيّون إرهابيّون في نظر الرأسماليين، والرأسماليون إرهابيون في نظر الشيوعيين، والشيوعيون والرأسماليون إرهابيون ملحدون في نظر الإسلامويين، والإسلامويون يفجّرون أنفسهم، والمعسكران يدعمان الإسلامويين (الشيعة والسنّة على السواء).

الصراع العالميّ:

إنّ الصراع دائمًا ما بين قطبين؛ كلاهما يدّعي أنّ الطرف المقابل إرهابي، وكلاهما ينتهج نفس المنهج (منهج السلطة والشهوة والمال) وقد تطوّر هذا الصراع إلى أن وصل إلى حالات معقّدة فوضوية في القرن الواحد والعشرين، مع انهيار برجَي التجارة العالميتين، “ففي أواخر التسعينيات عندما أعلن أسامة بن لادن الحرب على الولايات المتحدة الأميركية بتفجير سفارتيها في تنزانيا وكينيا، قام سلاح الجوّ الأمريكي بقصف صاروخيّ لأحد معسكراته في أفغانستان، وكأنّه عبارة عن دولة بحدّ ذاته. لنفكرّ في الأمر مليًّا: في يوم واحد، في سنة 1998، أطلقت الولايات المتحدة 75 صاروخًا، على شخص واحد! وتلك كانت أوّل حرب في التاريخ تقع بين دولة عظمى وشخص. أمّا أحداث 11 أيلول فلم تكن سوى المعركة الثانية في تلك الحرب.” فريدمان، توماس (2006).

لقد بدأت الأمم المتحدة إعلان الحرب على الإرهاب، بالطبع بقيادة الولايات المتحدة، ونشأت فكرة الهجوم بغرض الدفاع عن النفس ضدّ محور الشرّ، وقد بدأت الأحداث تتلاحق، حيث تمّ تفجير سيارة مفخخة في مرآب بناية مركز التجارة العالمية في نيويورك في عام 1993، وفي عام 1998 تمّ تفجير سفارتَي الولايات المتحدة في دار السلام عاصمة تانزانيا ونيروبي عاصمة كينيا، وبدأت الولايات المتحدة بقصف مواقع في السودان وباكستان، وفي عام 2000 تم تنفيذ إحدى العمليات الانتحارية على ناقلة بحرية في ميناء عدن، وصولاً إلى الانفجار الأهم في 11 أيلول على برجي التجارة العالميتين وعلى مقر البنتاغون، وقام الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بوضع استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب في 2006 تتفق فيها بلدان العالم على نهج استراتيجي موحد لمكافحة الإرهاب، وبدأ مسلسل مكافحة الإرهاب، فلماذا يا ترى بدأت هذه المكافحة الآن؟ هل فقد المجتمع الغربيّ غايته في الوجود؟ هل أصبحت الصين خطرًا كبيرًا على الولايات المتحدة؟ وبالتالي يجب التدخّل في الشرق الأوسط، هل أصبحت الدول الغربية الكلاسيكية (فرنسا – بريطانيا…) هرمة لا تستطيع أن تقود المرحلة القادمة؟ لنعد إلى علاقة الغرب بالشرق الأوسط والولايات المتّحدة على رأسها.

بدأ تدخّل الولايات المتّحدة بأمور الشرق الأوسط مع نهاية الحرب الباردة، فمن خلال هذه الحرب وانتصار قيم الليبرالية الديمقراطيّة الغربيّة، صار الانتصار على الأيديولوجيا، وعلى الأفكار الأيديولوجيّة عبر التاريخ الإنساني، وأضحت الديمقراطية المعاصرة بديلاً حضاريّاً للأنظمة الديكتاتورية في العالم، وفكرة الصراع التاريخي المتكرر بين طبقتَي السادة والعبيد لا نهاية واقعية لها سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر. وأنّ الاشتراكية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإنّ المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتراكية الديمقراطية.

الترويج للحرب:

العجيب في الأمر أنّ هذه الأفكار التي طرحها كلٌّ من هنتغتون وفوكوياما قد انتشرت بسرعة البرق، وارتفع أجر محاضرات فوكوياما إلى أسعار خيالية، وباتت كتب هنتغتون وفوكوياما، تباع منها ملايين النسخ، لطالما تمهّد الطريق أمام إمبراطوريّة الشركات، فالترويج سيكون في أعلى مستوياته، مع العلم أنّ الواقع بات عكس هذه الأطروحات تمامًا، ففكرة نهاية الأيديولوجيات هي نظرية فكرية أيديولوجيا وهي نظام أيديولوجي متكامل، لا يختلف عن الأيديولوجيات السابقة في نفي كلّ أيديولوجيّة سواها، واحتكار الحقيقة، إذ يستحيل تكديس رأس المال وجني الربح من دون أزمة. أي لا يمكن الاصطياد إلّا في الماء العكر، إلّا إذا تضاربت الأوراق، وكانت هناك حاجة مجتمعيّة للتعلّق بهذا النظام، فهو المخلّص من كلّ الأزمات، وإلّا فالحرب ستكون على الأبواب، والمثال السوريّ أقرب إلى هذا الفكرة.

لا يمكن أن نفسّر الرأسماليّة إلّا على أنّها نظام سياسيّ أيديولوجيّ، وإن كانت تحارب الأيديولوجيّات، ففكرة نهاية الأيديولوجيات هي بحدّ ذاتها أيديولوجيّة لا محالة. فكلّ هذه الأزمات في العالم هي من صنيعة الاحتكارات المالية، فالكرة الأرضية مهدّدة، من خلال التلوّث البيئي، والتلوث الالكتروني، والقنابل النووية، والفوضى، ووصول رؤساء غير طبيعيين إلى سدّة الحكم، والفارق الفظيع ما بين طبقتَي التجّار والفقراء، والهوّة تزداد يومًا بعد يوم.

يروّج الإعلام الغربيّ أنّ الحرب العالميّة الثالثة لم تبدأ، ويربطون بدءها باستخدام الأسلحة النووية، لكنّ الحرب العالميّة الثالثة بدأت بانهيار بُرجَي التجارة العالميتين في 2011 كما أسلفنا.

فلا يمكن الحديث عن غزو العالم إلّا من خلال غزو الشرق الأوسط، ولا  يمكن الحديث عن الشرق الأوسط دون الحديث عن العراق، فالعراق وسوريا وتركيا وإيران أو ميزوبوتاميا هي موطن أروع حضارة بشرية وهي حضارة المجتمع الطبيعي الزراعي، وفي العراق بدأت الدولة، وبدأت الحضارة دون التطرّق إلى ما بين النهرين، وهذا ما وعاه الغرب سابقاً من خلال الاستعمار الإنكليزيّ، ومن خلال الهيمنة الجديدة للعالم من خلال التحالف الإنكليزيّ الأميركيّ، فقد تنبّهت أميركا إلى أنّ أيّ تغيير في العالم يجب أن يمرّ عبر البوّابة العراقيّة، لذلك كان التدخّل في العراق عبر حرب الخليج، وكان سقوط صدّام المفاجئ حدثاً جللاً ليس بالنسبة للشرق فحسب، وإنّما بالنسبة للنظام المهيمن نفسه، وهي حتّى الآن تحت تأثير صدمة انهيار دولة قوّيّة جدّاً مثل العراق بهذه السهولة، في ليلة واحدة فحسب، فما هذا النظام الدولتيّ الذي يقع في ليلة وضحاها؟ وكيف سقطت الدولة القوميّة الشرقيّة بهذه السهولة؟ وما هو البديل؟ لقد ظنّوا أنّ البديل الليبراليّ سهل التطبيق، كما هو السقوط، فحول ترقيع الدولة القوميّة بالتطبيع الوضعيّ الليبراليّ، وحتّى هذه اللحظة لم يخرجوا من مستنقع العراق، ولن يخرجوا.

قاعدة الحروب:

لقد كان استلام إيران دفّة الحكم بيسر ودون تكلفة، الأمر الذي جعلت أميركا والغرب في دهشة لا مثيل لها، فكلّ هذه التكاليف الباهظة للحرب على العراق وتأتي إيران التي تعرف أسرار الشرق لتستلم الحكم وتحصد كلّ الثمار، ولا تُبقي شيئاً للذين خطّطوا ونظّموا.

بدا جورج بوش بعد انتصاره – بادئ الأمر –  في العراق واضحاً، عندما قالها دون مواربة سياسية، وبعجرفة القرون الوسطى: (من ليس معنا فهو ضدّنا)، فهو المنتصر الذي تيقّن أنّه أنهى الحرب، وصدام الحضارات، وأنهى التاريخ، لكنّه لم يدرك أنّ الشعوب الشرق أوسطيّة ليست معه، لذلك سيقوم من لعده باستمرار تشغيل طاحونة الحرب التي لن تهدأ، وباتت مفردات الديمقراطيّة وسيلة للربح والإنتاج والسلطة لا غير.

يوجد دائماً عبر هذه الحرب الضروس في الشرق الأوسط اتّفاقٌ ما بين المركز الأميركيّ وبين الأطراف، وهناك ضحيّة أو ورقة يجب التخلّص منها لكن في حينها، ففي الأزمة الليبيّة كان قرار التخلّص من القذّافي قد اتّخذ، وكذلك في مصر وتونس واليمن، لكن في سوريا لم يُتّخذ قرار التخلّص من الأسد بعد، فمن الغباء نعت هذا الصراع الحاصل في سوريا والشرق الأوسط بصراع بين الاشتراكيّة والرأسماليّة، أو بين الشيعة والسنّة، أو بين النظام والمعارضة، بين الشعب الكرديّ والتركيّ أو العربيّ… إلى ما هنالك من الثنائيات التي خُلِقت مع هذه الحرب المفتعلة بين القوى الرأسماليّة التي تريد أن تجعل أيديولوجيّتها هي السائدة، فهذه السلطة المركزيّة الأميركيّة بهيمنتها على الاقتصاد مرغمة على إكمال ذاتها بالهيمنة الأيديولوجيّة النيوليبراليّة بمساعدة الدول الأطراف على الشرق الأوسط، فكيف سيستطيع بوتين ضرْب التنظيمات الإرهابيّة دون التنسيق بينها وبين أميركا؟ فأيّ خطأ سيؤدّي إلى كارثة دوليّة.

افتعال الحروب في الشرق:

كان قرار إنهاء آخر معقل من معاقل الاشتراكيّة في الشرق الأوسط، قد اتّخذ في عام 1999 من قِبل إسرائيل وأميركا، وذلك بإنهاء حزب العمال الكردستانيّ من خلال اعتقال قائد الحزب؛ عبد الله أوجالان، وإنهاء القضية الكرديّة من خلال التسرّب إلى الحزب في قنديل عبر قنواتها الاستخباراتية لتبثّ الفكر الليبراليّ، وتميّع الثورة عن طريق التصفويين، لكنّ أميركا كانت تريد أن تضرب الكرد والدولة التركيّة في آن واحد، وذلك بتصفية الحزب الثوريّ، وجرّ تركيا إلى دوّامة الحرب، وكي تغرق تركيا في وحل الحرب، وتشتعل المنطقة عبر القناة التركيّة، ليدير الغرب الرأسماليّ دفّة الحياة الشرق أوسطيّة بعد أن تنهك الأطراف جميعها، وهذه السياسة هي سياسة تقليديّة لدى الاستعمار، في خلق النزاعات وإضعاف الأطراف ومجيئها كدور المنقذ، فلكي  تستمر مواردهم الاقتصادية فيجب أن تستمر الحرب.

إنّها حرب استنزاف بكلّ معنى الكلمة، حرب إرهاق المجتمعات لإرضاخها على قبول هذا اللبوس الذي لا يُعدّ لبوسها، تريد هذه المنظومة العالميّة أن تلحق الجميع بركب هذا النظام، وتُركع كلّ الإرادات وتجعلها تستسلم إلى سطوتها، وكأنّه يقول: (فإمّا أن تكونوا معي بالإيمان بمشروعي الإلهي، أو سأمزّقكم إرباً إرباً، فسأشرّدكم وأقصف منازلكم، وأبيدكم، فإمّا أن تنصهروا أو تُبيدوا، وسأصادر العقول منكم ليبنوا دولتي، وسأحرق الباقي.)

إنّ الحداثة الرأسماليّة تلجأ إلى قراءة تاريخ الشرق الأوسط، ليس لشيء؛ إنّما لاستخلاص الخلافات الأثنيّة والعرقيّة والجروح الغائرة في القدم، والتي صارت في طيّ النسيان لنبشها وتأجيجها، فمازال شعارها الدؤوب (فرّقْ تسُدْ) بالفرقة تصبح سيّداً، ومازالت الدولة تختال بهذه المصطلحات اللاأخلاقيّة، وتفتخر بها.

إنّ نظريّة استنزاف القوى، وغياب المشروع الديمقراطيّ هما اللذان قد ولّدا داعش، فمن الغباء تفسير ظهور داعش في هذه البيئة، إن كان هناك حلّ أو أيديولوجيّة واضحة، أو إذا كان الحلّ الدولتيّ فعّالاً، أو إذا كانت الديمقراطيّة السلطويّة تنصبّ في خدمة المجتمع، إنّ هذه الأرض كانت أرضيّة خصبة لولادة هذا الوحش بعد غياب وضوح الرؤية وانهيار قدسيّة الدولة القوميّة بسرعة البرق، هذا الانهيار الذي صعق الغرب قبل الشرق، لذلك كان البديل الداعشيّ الحلّ الرائع والوصفة السحريّة لعقم الحلول البديلة عن الدولة القوميّة، حتّى يتمّ ترميمها من جديد، بعد رسم الحدود من قبل هذا الهجين الداعشيّ، والذي يعدّ أفضل وسيلة لتوجيه بوصلة الحرب أينما أراد النظام المهيمن، وكذلك لقتل كلّ هذه القيم المتراكمة في الذاكرة الشرقيّة من خلال التشويه الداعشيّ للتاريخ والحضارة الشرقيّة هذا عدا عن إبادة الآثار ومحو معالم المنطقة حول الفرات ودجلة، فقد كان خلق داعش في هذه البقعة الحضارية ليس بالمصادفة بمكان، هذا بالإضافة إلى أنّه تنظيم منقطع السلالة عن التنظيمات الراديكاليّة المعهودة كالقاعدة وغيرها، وإن لم تكن تختلف عنها كثيراً، وما تدمير القاعدة لتماثيل بوذا في أفغانستان، وتدمير حضارة ما بين النهرين من قبل داعش إلّا استمرارٌ لهذا التلاقح غير الطبيعيّ بين الحداثة الرأسماليّة الغربيّة وبين الشرق، فعلى الرغم من أنّ الحضارة الإسلاميّة استمرت أكثر من أربعة عشر قرناً على هذه المنطقة لكنّها لم  تدمّر هذه المعالم التاريخيّة ولم تمحُ كلّ هذه الذاكرة كما تفعل الآن هذه التنظيمات الهجينيّة.

الحرب والسلطة:

فظاهرتَا الحرب والسلطة على الرغم من كونهما من أقدم المؤسسات القائمة في المنطقة، إلّا أنّ العلاقة بينهما وبين الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تعاني من انقطاع ومفارقات مذهلة، ولم يستسغ المجتمع الشرقي هذه الظاهرة، ولم تتجذّر في أنزيماته، فالعراق على سبيل المثال كان في حالة ثورة دائمة، فلم يستطع الحجاج ولا زياد بن أبيه ولا قبل من النماردة والسلاطين والأباطرة والأكاسرة من إركاع هذا الشعب، فكان الحلّ المؤقّت يقبع في الديكتاتوريّة الصارمة التي تدلّ على عجز الحكم إلّا بالرعب، ولم يستسلم هذا الشعب عبر تاريخه المديد للأوليغارشيّة البعيدة عن الشعب، فقد كانوا يغردون خارج السرب أبداً.

من المحال تحليل الشرق الأوسط بالأسلوب العلميّ الوضعيّ الالذي بلغي الجانب الروحي للشرق، فهذا الأسلوب لا يأخذ بالحسبان الميثولوجيّات والأديان والفلسفات التي انبثقت من لدن هذا الشرق ولا التصوّف ولا الأدب….، فذاتيّة الشرق المثالية تتميّز بتفوقها اللامحدود على موضوعيّة الغرب البحتة، بمعالجتها الأخلاقيات الموجودة في المجتمع والطبيعة على السواء، وعلاقة الإنسان الشرقيّ بالطبيعة، وهناك يكمن موطن الاغتراب التحليليّ اللامحدود.

لم يعِ الغرب أنّه من العسير استسلام الشرق الأوسط لهذه الثقافات الخارجية والعصرية، وبات من المحال صهرها هذا الصهر الصارم في بوتقتها، لذلك باتت الحرب العنوان الرئيس لهذه الممارسة الاستسلاميّة الهروبيّة من الحلّ.

كلّ المقاومات التي حصلت تجاه الحداثة الرأسمالية في العالم على الصعيد الثقافي باتت بالفشل، عدا منطقة الشرق الأوسط، فكلّ من قاوم الحداثة الرأسماليّة كالصين وروسيا على سبيل المثال، قد انصهر في سيل الحداثة الرأسماليّة الذي جرفها دون استسلام، فهذا برهان ناصع على رسوخ البنية الثقافية في الشرق على الصعيدين التاريخيّ والاجتماعيّ.

الحرب على سوريا:

لماذا كلّ هذا التكالب على الشرق الأوسط، موطن الأديان والحضارات والأيديولوجيات، موطن المجتمع الزراعيّ النيوليتيّ، موطن أوّل نشوء للدولة التي لم تتغيّر معالمها منذ الدولة السومريّة حتّى الآن، لذلك حصرت معارك التصفيّة وتغيير النظام العالميّ لبوسه في هذا الشرق، إذْ بعد انتقال مركز الحضارة من الشرق إلى العرب بات هذا الشرق موطن الأفعى الغربيّة التي تعيد تجديد جلدها في هذا البقعة.

يشكل مجتمع الشرق الأوسط الخلية النواة لجميع المجتمعات، إذْ أنّ هذا النظام العالميّ كما يبدو أنّه لم يستطع تحقيق بسط أيديولوجيته الليبراليّة في منطقة الشرق الأوسط، فالحقيقة البادية للعيان، أنّ الحداثة الرأسمالية في الألفية الثالثة قد صعّدت من وتيرة الأزمة في الشرق الأوسط، وهي حقيقة الحرب فحسب، فكل شهر يتأزّم الموقف أكثر فأكثر، وما هذه المعاهدات والاتفاقيات الدوليّة كمؤتمرات جنيف أو إسطنبول أو غيرها من الاتفاقيّات اللاحلّيّة إلّا وبالاً على المنطقة وتطوّراً نحو العقم والفوضى وازدياد وتيرة الحرب، فالمنطقة تشهد حرباً عالميّة ثالثة، حرباً لها خاصّيّة تختلف عن سابقتها من الحربين العالميتين الأولى والثانيّة على الصُعد عامّة، إنّها الحرب الأكثر فوضويّة وعشوائيّة ولاإنسانيّة على مرّ التاريخ.

فالقول السائد: إنّ العصور الوسطى من أكثر العصور ظلمة في التاريخ، ما هو إلّا محض افتراء، وتزوير قدّمه التنويريون على أنّ هذا العصر الحديث هو عصر الخلاص الأزليّ، ونهاية التاريخ كما صوّره فوكوياما في كتابه؛ (نهاية التاريخ).

لقد ضاع الشعب السوري ما بين استراتيجية التخلص من رئيس سوريا، واستراتيجية التخلص من الذين يحاربونه، واستراتيجية محاربة داعش فحسب، واستراتيجية محاربة المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة، مع أنّ أميركا لم توضّح حتّى الآن من هم المعتدلون، فالنصرة مصنّفة ضمن قائمة الإرهاب قبل أن يشتدّ عود داعش، لكنّ أميركا لم تتّخذ قرار الحرب عليها.

لقد فاقت هذه الحرب الخيال، إذْ بات المحلّلون في حيرة من أمرهم في تقديم صورة واضحة لما يجري، فالمملكة السعوديّة على سبيل المثال، تحارب الشيعة من جهة، وتتحالف مع أردوغان في التحالف السنّي، وتدعم بعض الفصائل الإرهابيّة في سوريا، ومن جهة تعدم كلّ شخص ينتمي إلى هذه الفصائل في مملكتها، وتحارب داعش، وتساند السيسيّ الذي يعدّ العدوّ اللدود لتركيا، وكذلك ينطبق التناقض نفسه على بقيّة الأطراف المتصارعة، أيّ أنّ الصراع هو صراع الهيمنة وليس صراع الحضارات كما يتمّ تصويره، فكلمة الفوضى التي باتت شعار هذا القرن يعبّر عن الفوضى التي تعيشها الدولة والنظام العالميّ على حدّ سواء، وليس كما يتمّ تصويره على أنّه خلق حالة الفوضى، فمن كان شعاره؛ (زرع الفوضى) يقدّمْ في الوقت عينه دليلاً قويّاً على أنّه يعيش حالة الفوضى واللاستقرار والتداعي.

إنّ اللا أخلاق بل قمّة الانحطاط الأخلاقيّ يعدّ الشعار الرئيس لهذه الحرب الفوضويّة، فسيول الدماء تجري، والتهجير والقصف، والتشريد، واللا استقرار، إنّها الدولة التي تُبنى أبداً على الجماجم والدماء، والقتل والتدمير….

لقد باتت هيئة الأمم المتحدة التي تعدّ في أساسها (اتحاد الدول القومية المصدر الرئيس للمشاكل)، فوجودها وعدم وجودها سواء، بل إذا كانت غائبة كان أفضل للجميع، وصارت مفردات الاستهجان والقلق التي تخرج من فم رئيسها محطّ سخريّة ونقد على ألسنة المجتمعات عامّة.

هذا بالإضافة إلى اللقاءات السرّية التي جرت ومازالت تجري في الخفاء بعيداً عن الشعب، كما حصل في اتفاقيات (سايكس بيكو، بلفور وغيرها..) من الاتفاقيّات، وقد بات الحديث عن اليهود، ودولة إسرائيل في مغبّ النسيان، وكأنّ هذه الدولة قد صارت المنطقة الآمنة الوحيدة في المنطقة، مع أنّها كانت أشدّ المناطق سخونة في الشرق الأوسط.

أسرار كبرى لا تقتنع الحداثة الرأسماليّة بها تكمن وراء الأزمة التي يعانيها الشرق الأوسط، فالخطأ الفادح الذي وقعت فيه الوضعيّة العلميّة العقيمة في تحليل روح الشرق الأوسط هو تحليل الروح بالمادة، إذْ لا يمكن تحليل ثقافة الشرق الأوسط بالأيديولوجيات الجافّة والعلوم الوضعية للحداثة الأوروبيّة.

فالدولة القوميّة هي المشكلة بحدّ ذاتها، وكلّ الدول القوميّة شيدت بالحرب، فلا يمكن الحديث عن الدولة القومية دون الحديث عن الحرب، ولا توجد دولة قوميّة واحدة في الشرق الأوسط خاليّة من الصراعات، والحروب المريرة والنزاعات والحزازيّات والتوترات الأزليّة التي لا حلّ لها بالوصفات القوميّة الجاهزة.

انظر إلى كلّ بقع التوتر غير المنتهية (الهندوس والمسلمين، السيخ، كشمير، الأويغور، أفغانستان، باكستان، الدول العربية، إيران، تركيا، والكرد مع الدول الأربعة التي تعيش فيها…. والقائمة تطول… كلّها فيها حروب لا تهدأ، فمن هو المسبّب الرئيس سوى هجين الدولة القوميّة؟

في هذه الحرب الضروس ثمّة فراغ في مخيلة الرأسماليّة ألا وهو سقوط الدولة القوميّة المحتوم الركن المهمّ للحداثة الرأسماليّة، وهم في بحث عن الحلّ البديل الذي يرضي طموحاتهم في فائض الإنتاج والربح الأعظميّ؛ إذاً هو ترميم بقايا الدولة القوميّة الساقطة، وهي أزمة بنيويّة في أساسيات الحداثة الرأسماليّة، فتداعي الدولة القوميّة في الشرق يعني إمكانيّة تداعيها في الغرب، بل الحتميّة التاريخيّة تثبت ذلك، لذلك نعيد ونكرّر إنّ الحداثة الرأسماليّة تجدّد نفسها في الشرق الأوسط.

لا يمكن الحديث عن هذه الحرب بمنطق السلطة الضيّق، فقد تجاوزت مفهوم السلطة لدى أولئك السلطويين الصغار في المنطقة، لقد صارت الحرب أكبر منهم حتّى، فهذا النظام يمتلك من الحيلة والبراعة ليستلم زمام الأمور من أيّ قائد، ويحوّلها إلى غيره إذا اقتضت الضرورة، فأمثلة ولاية قطر الأميركيّة وسوريا التي لا تعرف من يقودها وتركيا المتخبّطة… حاضرة في هذا المجال.

إنّ هذه الحرب المستعرة المجنونة في هذا الشرق المدمّى، هي حرب ذهنيّة ثقافيّة، فالشعوب بطبيعتها لا تعرف العداء، ولم يهضم المجتمع الشرقي هذه الوصفة السحريّة الغربيّة الغريبة، إذْ من المحال أن يهضم الشرقيّ ذي الثقافة الممتدة إلى عشرة آلاف عام وأكثر ثقافة قرنين من الزمان، مهما كانت الرائحة عبقة، حتّى أنّ العطور الشرقيّة في السعوديّة أغلى من العطور الغربيّة، وأكثر رواجاً.

لقد دعمت الدول الغربية نشوء التيّارات الإسلامويّة، وساعدت في تنميتها وتطوّرها، وقد ساهمت الإسلامويّة في تدمير الشرق الأوسط، ونشأت الصراعات فيما بين هذه التيّارات نفسها؛ (الإسلام الشيعي – الوهابيّة – الأخوان المسلمون – القاعدة – داعش…) فتفسّخ الشرق الأوسط، وبات على شفير الهاوية، فأرسل الغرب المبشَّرين بالحداثة الرأسماليّة أمثال فوكوياما وهنتغتون ليخلّصوا هذا الشرق من الوباء، ويدعوهم إلى الدين الجديد؛ وهو العالم الليبرالي في النظام المهيمن الحالي (المنقذ، أو الحلّ السحريّ)، بالمقابل ضعُفت الدولة الاشتراكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانحدار روسيا في هاوية النظام العالمي الجديد، فصارت روسيا تابعاً للولايات المتّحدة بعد أن كانت ندّاً له.

عندما قامت التجمّعات السلميّة في سوريا، والتي كانت تعبّر في بداياتها عن الحقيقة الاجتماعيّة في سوريا، كانت الشعارات في كوباني وقامشلو وعفرين تساند الحراك السلمي في درعا وحمص وغيرها من المناطق السوريّة بالطرق الحضاريّة التي تنادي بالحرّيّة والمساواة، وما كان من أهالي درعا وغيرها من المدن خارج غربيّ كردستان إلّا الالتفاف حول الشعب الكرديّ، والتعبير له عن أسفها غير الواضح والمغلّف برائحة المؤامرة، لعدم مساندتها الكرد في ثورة 2004، وتراجعت عن أسفها بسهولة بعد فترة من خلال منظّري الثورة الذين انخرطو في صفوف تجار الحروب من الأصوليين الإسلاميين الذين نهبوا الحراك الإصلاحي.

كانت هذه الانطلاقة هي المعيار الأخلاقي السياسيّ للتعبير عن الحالة الاجتماعيّة السويّة التي آلت إليها، قبل أن يتسلّل المتسلّلون الطبقيّون ليحوّروها عن مسارها، ويصبغوها بطابع إسلاميّ في التفرّد والهيمنة والنزعة القوميّة الإسلاميّة الأحاديّة التي تنفي ثقافات الشعوب، فبعد أيّام لا أكثر جعلوا الجامع المنبر الوحيد لانطلاقة المظاهرات، إلى أن وصلت إلى حالة التشرذم والانحطاط الأخلاقيّ الذي آلت إليه.

لقد كانت الثورة في بداياتها ضدّ السلطة، وسرعان ما تحوّلت إلى استهداف شخص واحد بعينه، وهي العلّاقة التي مازال الائتلاف يعلّق عليها ثورته، فباتت تصوّر الجنة الموعودة في رحيل شخص محدّد، مع أنّ كلّ المؤشرات كانت تشير إلى استحالة رحيله في وقت مبكّر، فمن الغباء أن تقول: – إنّ منظّري الثورة في الخارج لم يعوا هذه النقطة، بل أدركوها جيداً، وعرفوا ما سيصيب سوريا.

من كان ليقنع المنتفض في درعا أنّ المال سيفضي به إلى هذه الحال، وأنّ هذه الثورة ستتحوّل إلى اقتتال طائفيّ عرقيّ أثنيّ بحجّة الثورة، وتتحوّل إلى ثورة مضادّة، حتّى أنّ مفردات ومصطلحات الثورة قد أُزيلت من قواميس الكتائب الإسلاميّة، وبات الوضع دولة راديكاليّة تريد أن تفرض هيمنتها بلغة القومويّة الأصوليّة والشرائعيّة الأصوليّة المدمّرة، وبات الانسياق إلى الخارج هو البحث عن الحلّ، فما يجري على الأرض السوريّة هو تحقيق لمصالح من هو خارج سوريا، فكلّ ما هو علاقة بمسألة النسيج الاجتماعيّ ومسألة التوافق والمشاركة والحلول لا يلقى أيّة التفاتة من أيّ طرف في معادلة (النظام والمعارضة) فالحرب التي تحصل هي حرب نفوذ، إمّا يتقلّص نفوذ فلان أو يزيد نفوذ فلان.

من يتتبّع ربيع الشعوب – الذي أطلق عليه إعلام الحداثة الرأسمالية اسم الربيع العربيّ – الذي انطلق من تونس، والذي اختصر في مصطلح الربيع العربيّ ليصبغ أولئك القومويّون الثورةَ بطابع قوميّ، فقد صوّروا أنّ العربيّ وحده يشعر بالقمع والاستغلال، وكأنّه متفرّد بالنهوض من الغفلة؛ ولكي يحصل شرخ ما بين العرب والمكوّنات الأخرى، وذلك لإبعاد الأثنيّات والقوميات الأخرى عن ساحة الصراع في الشرق الأوسط وهذا هو جوهر فكر الحداثة الرأسماليّة، من خلال إبعاد الأقلّيات عن الحياة، وحتّى وضعوا بعضاً من الكرد والسريان والمسيحيين في الواجهة فإنّهم دمى لا إرادة لها، لأنّهم أشخاص لا يعبّرون عن الواقع، ولكي يكونوا في الطرف الآخر من الصراع.

عندما انتقلت الثورة إلى سوريا بعد مرورها بمصر وليبيا واليمن، وبدأت الانتفاضة الشعبيّة التي تحوّلت إلى ساحة صراع، استطاعتْ الدول أن تتّفق فيما بينها لتقسيم الإرادات وسلبها، فكيف لدولة قامعة لشعبها وتؤيد شعباً ثائراً في دولة أخرى؟ وما كان أيّ حلّ طرحته الدول التي تؤمن بمبدأ استغلال شعوبها إلّا ويصبّ ضد إرادة الجماهير، ففاقد الشيء لا يعطيه.

إنّ النخب اليساريّة والليبراليّة والقوميّة والإسلاميّة العربيّة التي ذاقت الويلات على يد نظام البعث السوريّ والتي عرفت معنى القمع، والتي كان اسمها يلمع وينير الطريق أمام متطلّعي الحرّيّة، قد وصلت إلى درجة من الحنق والغيظ أمام كلّ انتصار للشعوب المتطلّعة إلى الحرّيّة، وباتوا يصفون انتصارات الكرد وانتصارات الشعوب في الشمال السوريّ بالحرب التي تقسّم سوريا على يد الكرد الأشرار حسب وصفهم، ليصلوا إلى مرحلة متصاعدة من قلّة الحيلة في إيجاد مشروع بديل عن مشاريعهم الفاشلة، إذْ أضحى مشروعهم الوحيد هو الارتماء في أحضان السلطان التركيّ. ووصلت معظم هذه النخبة إلى مرتبة الانحطاط الأخلاقيّ، حتّ وصل الأمر بأحد المفكّرين المحسوبين على تيار النهضة الفكريّة الحديثة كعبد الرزاق عيد بشتم فتياتِ الكرد المقاتلات بكلمات عاهرة، بالإضافة إلى التشويه الإعلاميّ، والنفاق والكذب والمؤامرات.. إلى ما هنالك من ألفاظ سوقيّة من المفترض ألّا يستخدموها حسب الإتكيت الإعلاميّ، فلم يبق أي نوع من أنواع الذوق الإعلامي، وخاصّة قناة الجزيرة التي أضحت منبراً سوقيّاً لمفردات لم تكن تستخدم على المنابر الإعلاميّة، فأضحوا لا يسبّون داعش الذي جعل نساءهم أسرى، وجعلهم مشرّدين، حيث خطفَ النساء والأملاك وقتلَ الرجال والأطفال والنساء، وخرّب مسيرة الحياة اليوميّة، ففي كلّ قريّة تتحرّر من براثن داعش هناك قصص وملاحم وأساطير، فالأحرى بهم أن يخلّدوا بطولات هذه القوّات التي حرّرت أخوتهم من براثن داعش، لا أن يحاربوا الحُرّات العفيفات، فقد كان الأحرى بهم أن يروا إيروس التي في داخلهم، التي اجتاحتهم، وقتلت كلّ شرف فيهم، حتى أوصلتهم إلى مرحلة قذف المحصّنات، فلم يبقَ عمل لا أخلاقيّ إلّا وقاموا به قادة الثورة المضادّة الذين ابتعدوا الآن عن الشعوب وصاروا في المهجر يستمتعون بالمال الذي نهبوه، فقُتِل المفكر الشرقيّ الذي كان منارة تهتدي بها الشعوب والمجتمعات المضطهدة، وضاعت النهضة الفكريّة بموتهم، لكنّ الإيجابيّ في الموضوع أنّ القومويّة ماتت معهم.

داعش والحرب:

إنّ ما جرى على السّاحة الفكرية في سوريا ومصر والعراق وليبيا وكلّ الدول التي ميّعت ربيع الشعوب، ونسبتها إلى العرب فحسب، كأنّها تقول للشعوب الأخرى: – لا تثوروا حتى نصفّي حساباتنا مع العرب.

لذلك تخبّطت الرؤى والنّظرة للحضارة، وبات تراكم الوعي فيها تراكما عشوائيّاً متخبّطاً، فمن خلال مجتمع كرديّ إسلاميّ عشائريّ إقطاعيّ، إلى نظرة الأحزاب العلمانيّة اللاديمقراطيّة، أو النّخبويّة، أو الماركسيّة أو الليبراليّة التي لم تحدّد هويّتها بعد، فأيّة نظرة للكون تنظر إليها الطبقات هي نظرة فسيفسائيّة تجمع بين التراكمات الثقافيّة التناقضيّة، فحتّى أنّ مفهوم الثورة قد تشوّه، وكأنّها فرز طبقيّ جديد، لذلك تشكّلت الآن النظرة الهروبيّة في الابتعاد عن الحضارة المجتمعيّة (الثورة الزراعيّة النيوليتية)، فصار الهروب من التاريخ هو قمّة الحضارة، واللجوء إلى أوربا هو الحضارة عينها، لذلك ترى تهشّم الرّؤى وتضارب الأفكار والآراء وعدم نضوج الوعي، وعدم وصول الوعي السّياسيّ المجتمعيّ الأخلاقيّ إلى القدرة على حلّ المشكلات السّياسيّة، والوصول إلى بذور وجذور المشكلة، فإنّك تجد هذه الحالة الاستثنائيّة في مصير شعوب الشرق الأوسط من خلال صعود تيارَين رئيسين، هما تيار (المع أو الضّدّ)، وهذا ما انتهجته الأقلّيّات والأثنيّات والطّوائف الآن، وهي ميزة من ميزات الرأسماليّة الشرقيّة.

لقد كانت ممارسات داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابيّة الوحشيّة تحتوي على عصارة تراكمات مرَضِيّة عبر سنوات القهر والظلم، قادرة على أن تؤجّج تلك الأمراض التي توهِم الشعب أنّه قد تخلّص منها مع بدايات الثورة السوريّة.

كان دمج الليبرالية بالدين، ودمج الاشتراكية بالقومية إحدى المصاعب التي أدّت إلى خلق هجين غير طبيعيّ مرافق للتعصّب، فالتعصّبُ بحدّ ذاته خروجٌ عن المنطق، ودمج التعصّب الدينيّ بالليبراليّة أيضاً خروج عن المنطق، وبالتالي خروج فكره مشوّه أدّى إلى خلق بذور الصراعات والتناحرات التي أدّت إلى هذا التشرذم الثقافي وتشظّي الذهنيّة الشرقيّة، فخرجت تيارات هاربة من هذا التطرّف إلى الغلوّ في السلفية والعودة إلى الماضي كــ (داعش) وأيضاً الهروب إلى الكنف الغربيّ والاستئصال من الجذور (الهجرة من الشرق إلى الغرب)، والابتعاد عن الهوية واللجوء إلى العبثيّة.

لم يكن هناك خيار للمثقّف إلّا الاشتراكيّة أو الرأسماليّة، إمّا اليمين وإمّا اليسار، أو دمجها وتطعيمها بالقومية والدين، لذلك أصبح المكان مرتعاً خصباً للعودة إلى الذاكرة، والتاريخ المجيد، في العودة إلى سيرة حياة الخلفاء والأنبياء والقادة والسلاطين، والعودة إلى السلف الصالح، فكان أرضيّة خصبة لنشوء التيارات الراديكالية المتعصّبة التي وصلت إلى داعش، وبالطبع أثّر كلّ هذا على مناحي الحياة كلّها، وعلى الفنون على وجه الخصوص.

داعش والصدمة:

كانت الدولة الإسلاميّة (داعش) في ذروة التعصّب الدينيّ عبر التاريخ، وهي خلاصة التاريخ التعصّبيّ للثيوقراطيّة الإسلاميّة، وهي امتداد للتاريخ الدمويّ للجماعات التكفيريّة الحالمة بالسلطة منذ الخلافات الدمويّة بعد الخلافة الراشدية، مرورًا بالخوارج والدمويّة الأمويّة، والسواد الفاشيّ العباسيّ وصولًا إلى الأخوان المسلمين فالقاعدة فداعش، وكانت الدولة الإسلاميّة القالب الأشدّ وطأ من الفاشيّة القوميّة في ظل الدولة القوميّة ذات النمط الواحد في اللغة الواحدة والثقافة الواحدة، والشعب الواحد.

لقد شوّه داعش الهويّة الإسلاميّة، فاختصر الإسلام في الشهوات (المال – السلطة – النساء) ولا بدّ من الاعتماد على القوّة والعنف، وتدمير المرأة نهائيًّا لبسط السلطة القويّة، ومحاربة كلّ أشكال الضعف، والأقليات ضعيفة أمام الأكثريّة فبالتالي أصبح محاربتها من أساسيّات الدولة الإسلاميّة، لكن هناك التاريخ الذي أوصل هذا الفكر إلى هذه الصورة، كلّ هذا أدّى إلى التشوّه الفكري والنفسيّ.

كان الفقه يعني الفهم والإدراك، لكن بعد ضعف الخلافة الإسلامية العباسيّة والعثمانية وانهيارها صار بمعنى ترديد المعرفة وتطبيق النص كما فهمه القدماء، والتعلّق بالماضي السلف الذي بات خيرا من الخلف، فصورة المجد التليد باتت ضمن ذهنية المتفقهين، والسّابقون هم الأعلمون، لذلك تقلصَّ الفقه الإِسلامي وبات صورة تكرارية عن الماضي، وأضحى تيار المحافظين الإسلاميين الجدد يرى أنّ القرآن يحتوي على كلّ المعرفة، بعد أن كانت هناك جلسات فكرية عميقة في بغداد في عصر المأمون، تحوّل الفقه إلى الابتعاد عن الفكر التنويري، وأضحى تنقية الفكر الدينيّ من كلّ التأثيرات الأجنبيّة الهاجس الأساس لدى المتفقّهين الجدد الذين مهّدوا لظهور التيّارات الإسلامية التعصّبيّة المتشدّدة التي مهّدت لظهور داعش، “ثمّ شيطنة الفلسفة والعلوم، فضلًا عن اضطهاد الأقليات والنسّاء. ما أدى إلى موت التبّادل الثقّافي الإِسلامي مع المُفكّرين غير المُسلمِين الامر الذي أدى بدوره إلى عقم ثقافي وركود مجتمعي وعلمي. أضف إلى ذلك اكتشاف الطريق البحري المعروف باسم رأس الرّجاء الصّالح من قبل المستكشف البرتغالي فاسكو ديجاما عام 1177 ممّا ساعد على التقّليل من أهميةّ الشّرق الأوسط عالميّاً.

إنّ تدمير الثقافات الذي وصل إلى تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان، وتدمير الآثار في الموصل وصولًا إلى الرقة، ومحاربة كلّ الثقافات العريقة، وانتهاج سياسات متناقضة تجاه الأقليات الأثنيّة، فمن جانب كانت هناك قوميّات من أنحاء العالم كافة حيث انضمّت إلى التنظيم من كل الأعراق والأنساب في العالم، وبالمقابل كانت هناك محاربة للأثنيّات المحلّية، وتكفير للكرد، وعدم القبول أن يتحدّث أحد باللغات المحلّية، وبالطبع تقديس اللغة العربيّة بما أنّها لغة القرآن ولغة أهل الجنّة، وتقديس الشام التي تعتبر أرض الأنبياء، بل الجنّة الموعودة عبر التاريخ الإسلاميّ التي اعتبرت الشام والعراق المليئة بأوصاف الجنّة المختلفة عن الصحراء في شبه الجزيرة العربية؛ مولد الإسلام.

بالمقابل كانت هناك محاربة لكلّ الأقليات الدينيّة غير الإسلاميّة على طريقة داعش، وتكفير كلّ التيارات الإسلاميّة التي لا تمشي على خطا داعش “وإنّ العالم المعاصر شهد بعُدًا جديدًا لخطر فكرة الجهاد مع ظهور أول دولة في القرن الحادي والعشرين ترتكز على مبادئ الشريعة وفكرة سمو الإسلام فوق كل الديانات. ومع ظهور داعش طفا على السطح سؤال: هل الدواعش يمارسون الإِسلام الحقيقي أم يقومون بتزييف الدين لخدمة أهدافهم الخاصّة؟

هنا يقول حامد عبد الصمد: “الإجابة على هذا السؤال تعتبر مشكلة سواء أجبنا بالنفي أو بالإيجاب. فلو قلنا إن داعش “لا” تمثل الإسلام، فمعنى ذلك أنه يمكننا مواصلة تدريس نفس نصوص الإسلام ونفس الآراء الفقهية القديمة وكأن شيئًا لم يكن، ولا داعي لأي إصلاح. لكن لو قلنا إن داعش يمثل الإسلام ويطبق نصوصه بضمير، فهي دعوة صريحة ومباشرة لكل شاب مسلم إما أن يترك الإسلام أو أن يلتحق بداعش.

وهذا ما أدّى إلى تشظّي الشخصيّة، أي أنّ ما قبل داعش كان تمهيداً نفسيّاً لصدمات إثر صدمات.

لقد أصابت الأعمال الإجرامية لداعش الكثير من المسلمين بالذعر من الإسلام المسلّح وجعلتهم أكثر قابلية لفكرة مراجعة التراث ومحاربة الإرهاب باسم الدين. ولكن على الجانب الآخر فإن البعض منهم رأى في داعش بشائر تحقيق الوعد الإلهي. بانتصار الإسلام

كأنَّ الخيار المطروح هو إمّا الإسلام الداعشيّ أو الهروب من الذاكرة الإسلاميّة، وهنا مشكلة البحث عن الهويّة، وكأنّ المواطنيّة هي الحلّ الأمثل، وإلّا صور مجازر داعش أو الخراب في كوباني والرقة والموصل ماثلة أمام الأذهان، وهي ترعب من يرد أن يجعل الإسلام هويّة له.

هذا ما أدّى أن يكون داعش متغيّراً في الذاكرة المجتمعيّة لشعوب شمال وشرق سوريا، فداعش قد غيّر الذهنيّة التواؤميّة التآلفيّة لشعوب المنطقة، وأحيت الذاكرة التعصّبية، من خلال العنف الممارس على الشعوب عامّة، فكلّ من هو ضدّ داعش فهو كافر يجب قتله، وهذا ما أدّى إلى تظاهر معظم الشعوب التي تحت سيطرة داعش بأنّهم مع هذا التنظيم الدموي، وأدّى بكثير من الناس المنخدعين بالشعارات البرّاقة لهم، وهذا ما أدّى إلى كثرة القتلى في صفوف المنتمين لداعش، وموت الكثير من المعارضين، فكثر اليتامى، وكثرت الأرامل، وهذا ما أدّى إلى فرضات ما بعد الصدمة.

صدمات الكوارث الإنسانيّة:

إذا  قارنّا ما بين الكوارث الطبيعيّة كالزلازل، والنشاط البركاني، والانهيارات الأرضية، والأمواج المدية، والأعاصير المدارية وغير ذلك من العواصف الشديدة، والزوابع والرياح العاتية، وفيضانات الأنهر والفيضانات الساحلية، وحرائق الغابات والاغبرار المرتبط بها، والجفاف، والعواصف الرملية/الترابية، وتفشي الأمراض…) وما بين كوارث من صنع الإنسان (كالنزاعات، وتحطم الطائرات والقطارات، والحرائق والحوادث الصناعية، والكوارث التكنولوجية أو الطوارئ المعقدة أو النزاعات، والمجاعات، والتشرّد بكلّ أنواعه، والحوادث الصناعية، وحوادث النقل، إضافة إلى التدهور البيئي والتلوث، إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان.

كلّ هذه الكوارث التي من صنع الإنسان لا تعادل الكوارث الطبيعيّة، فإذا كانت الطبيعة تبحث عن الاستقرار والتوازن البيئي، فالكوارث من صنع البشر هدفها عدائي، وتحقيق مصالح الرأسماليّة، في خلق الفوضى، وتكديس المال، فالرأسمالية تستطيع أن تفعل أيّ شيء في سبيل مصالحها، ولا تعرف معنى الأخلاق أبداً، وصرخات الأمم المتّحدة والمنظمات الإنسانيّة والبيئيّة تذروها رياح الإعلام الذي بيد الرأسمال.

لم يعرف المجتمع الزراعي معنى السطو والسلب والحرق والإبادة والإرهاب وقمع المرأة، حيث كان العقد الاجتماعي عفويًّا بيد المرأة، ولم يكن هناك فائض إنتاج وتكديس له، فالكلّ يأخذ حسب حاجته، ولم يكن هناك احتكار، بل تخزين لبعض المواد للشتاء، لكن مع نشوء المدنية والطبقات والتصنيفات التي جاءت مع المدينة والحضر والتجار ولدت حالات العنف والإرهاب، حيث بدأت المدن تكبر وتتضخم على حساب القرى، إلى أن وصلت إلى حالة غير طبيعية، وباتت كدودة القز تقتات على الريف، فصار هناك فائض للمال، وبدأ الاقتصاد يرتبط بالدولة، في حين كان الاقتصاد خاصيّة أسروية وعائلية وكلانية، ففي سنوات قليلة شيدت الأهرامات والقصور والمعجزات العمرانية، حتى وصلت إلى ناطحات السحاب والبروج المشيّدة، وبات القرويّ جائعًا لا سبيل له سوى المدينة حيث العمل في المصانع وإن بأجور زهيدة وعمل مضنٍ، وراحت أحلام القريّة وصارت فردوسًا مفقودًا، لقد صوّرت الجنّة على أنّها المكان الذي يهرب فيه الإنسان من عوالم العنف والقوّة والتسلّط، وصارت المدينة مكانًا للمآثم والشرور، فنشأ التذمر والحقد على هذا الظلم في تقسيم الثروات، وهذه الطبقات الغريبة.

وكلّما تضخّمت المدينة تفاوتت طبقاتها، وازدادت الحاجة إلى الموارد الطبيعية خارج المدينة، فيبدأ الغزو والنهب، ويبدأ الطمع والبحث عن مدن أخرى لغزوها، وكلّما ازدادت المدن باتت الحاجة إلى جيش مسلّح مدرّب، ولابدّ من عقيدة تدفع أولئك الجنود للقتال والموت، فلابدّ للعقيدة أن تكون عُنفيّة، ولا تمتلك الدولة إلّا عقائد المجتمع، فلابدّ من تشويه تلك العقائد لتكون في خدمة السلطة والطبقات التجارية والماليّة، وكانت هذه الأسطوانة تعاد من حضارة إلى أخرى.

من سمات الرأسمالية العالميّة أنّها تخرّب الطبيعة، لكن زاد من الأمر هو العبث بالطبيعة، وخلق الكوارث، والأوبئة، (كوباء كورونا، أو خلق الزلازل) وكلّما تقدّم العلم وتطوّر زادت الرفاهية من جانب، لكن من الجانب الآخر والأعمق والخفيّ زادت تعاسة البشر، فالعلم بات سلاحاً مدمِّراً بيد الرأسماليّة العالميّة، وصارت الرأسماليّة الشرقيّة تابعاً مخلصاً للرأسماليّة الغربيّة أو العالميّة على حدّ سواء.

التنوّع السوريّ:

إنّ سوريا هي بقعة مقتطعة من منطقة التنوّع الأثني في الشرق الأوسط، ولكلّ أثنيّة امتدادها التاريخي والجغرافي لدول الجوار التي حدّدتها اتفاقية سايكس بيكو 1918 التي قسّمت كلّ هذه الأثنيات لحدود لم تراعِ الامتداد الأثنيّ للعرب والكرد والأرمن والسريان والمسيحيين والتركمان والآشوريين والعلويين وباقي الأثنيات والأعراق، فهناك أثنيات في العراق وسوريا وإيران وتركيا، وكذلك المسيحيون، والأرمن… وهناك امتداد عشائري ما بين الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والسعودية… ناهيك عن التنوّع الأثني التاريخي الكبير في المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب وحمص والقامشلي وغيرها.

وتعدّ منطقة سوريا منطقة صراع حضارات عبر تاريخ نشوء الدول، ناهيك عن منطقة حوض الفرات التي كانت حدود الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية طوال عقود من الزمن، وكانت منطقة الهروب من النزاعات، ونستطيع أن نطلق عليها كمنطقة آمنة أو فاصلة لنزوح العديد من الأعراق هربًا من حرب الدول المتصارعة.

كانت منطقة الشرق الأوسط ومازالت نقطةَ الصراع والحضارات، حيث أنّها أولى الأبجديات والفلسفات والأديان، وبالأخصّ الهلال الخصيب، فقد كانت المنطقة الممتدة من أورفا وصولاً إلى حران وجرابلس إلى حواف الفرات ودجلة وروافدهما، فهي موطن الأديان والأخلاق والثورة ضدّ الظلم والعدوان، موطن الديانتين الإبراهيميّة والزردشتيّة التي غذّت العالم بالفكر والمعرفة والرقيّ والمساواة والمحبة والسلام، والثورة ضدّ الدولة غير الأخلاقيّة.

عندما نريد الحديث عن منطقة ما في الشرق الأوسط علينا أن نذكر الأحداث العظيمة التي أثرت فيها، ولا يفيد كثيراً ربط التاريخ بما قبل الميلاد أو ما بعد الميلاد، فمثلاً الرقة يمكن أن نربطها بما قبل غزو هولاكو وما بعد غزو هولاكو، بما قبل داعش وما بعد داعش… فلا يمكن الحديث عن منطقة شمال وشرق سوريا دون ذكر ما قبل داعش وما بعد داعش.

إنّ ربيع المجتمعات الذي تحوّل عبر محوّري المصطلحات إلى الربيع العربي، قد أخرج النزعات الأقلّيّة وتحوّلت الجماعات المسلّحة إلى جماعات قاتلة فانية للأقليات، وكان خروج المظاهرات من الجوامع في يوم الجمعة إقصاء لكلّ الأقليات المجتمعيّة التي لم تكن راضيّة عن الدولة القوميّة الإقصائيّة، والنظرة الأقلّويّة للحكم في سوريا، عبر توصيفها أنّها حكم الأقلّيّة العلويّة، والتي أصبحت تهمة يمكن أن يكون الحدّ هو الذبح، بمجرّد تهمة النصيرية، والتي تدلّ في مدلولها على استحضار الكلمة التاريخيّة (النصيريّة) التي لم تكن متداولة من قبل، ومن جهة أخرى زرع الخوف من الفناء والدمار الشامل إذا استلم العرب المسلمون السُّنّة الحكم، وبالتالي كان اللعب على وتر الأقلّيات تحايلًا على جوهر الصراع الحقيقي ما بين المجتمع ومفهوم الدولة.

طالما كانت هناك آيات قرآنية تميّز أمّة الإسلام عن بقيّة الأمم، وكانت لها أسباب سياسيّة حينها، ولكن ظلّت هذه الآيات ركائز تعتمد عليها الجماعات التعصّبيّة الإقصائيّة للأقليات، كالآية التي تقول: “كُنتمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ للِناَّسِ تأمُرُونَ باِلْمَعْرُوفِ وَتنْهوَنَ عَنِ الْمُنكَر” والآيات التي تدلّ على أنّ الإنسان مسيّرٌ وليس مخيّرًا.

لأسماء الله قسمان؛ قسم يدلّ على الجمال (الجميل، الرحمن، الرحيم..) وقسم يدلّ على الجلال (المنتقم، الجبّار، المتكبّر…). وقد كان الصراع محتدمًا ما بين الجلاليين والجماليين، فالمتصوفة كانوا روّاد الجمال، بينما استند الخلفاء والأمراء إلى الجلال، فتدرّج الدين الإسلاميّ من البساطة إلى التعقيد، فالمذهب المالكيّ على سبيل المثال كان مذهبًا بسيطًا سمحًا مقارنة بالحنفية مرورً بالشافعية وصولًا إلى الحنبلية، حتّى وصلت إلى الوهابية فالقاعديّة فالداعشيّة، ولا ندري غدًا أي مذهب أكثر تشدّدًا وتطرّفًا سوف يولد، فعبر الصيرورة التاريخيّة على مدى أربعة عشر قرنًا انتصر روّاد الجلال وصولًا إلى داعش، وانهزم فكر المتصوفين الذين ظلّوا في عزلتهم عن هذا التيار المتشدّد التكفيري، غير المؤمنين بالحرب وإراقة الدماء، وكانوا يحبون الله فيعبدونه، لا يخشونه فيعبدونه، أو يبحثون عن الشهوات فيعبدونه

ثانياً: اضطراب ما بعد الصدمة

تعريف اضطراب ما بعد الصدمة(PTSD) :

تؤثّر اضطرابات الشخصيّة تأثيراً سلبياً على الفرد فينخفض تبعاً لذلك إنجازه الأكاديمي، وترتفع درجة القلق لديه، وتكون قدرته على احتمال منخفظة وتتدنى مهاراته الاجتماعيّة ويزداد لديه الخف من المستقبل، واحتمال متدنٍ لتحمل الألم البدني والانفعالي، وتقدير للذات منخفض، وبعض الأشخاص الأسوياء قد يتّصفون ببعض الصفات الشخصيّة المتطرّفة الملاحظة في بعض حالات اضطراب الشخصيّة، ولكن هذا التطرّف في صفاتهم يكون عادة خفيفاً وغير معوق لفعاليات الشخص ولا يجعل الشخص يعاني من الضيق والتوتر ولا تؤدّي لاضطراب علاقاته مع الآخرين.

ويرى العدل، عادل محمد (2020) أنّ ضغوط ما بعد الصدمة تأتي نتيجة التعرّض إلى الحدث الصادم، والحادث الصادم هو حدث حادّ ومفاجئ ومربك وشديد الوقع على الفرد الذي تعرّض لهذا الحدث سواء أكان هذا الحدث من فعل الإنسان كالحروب والأومات الاقتصاديّة أو من فعل الطبيعة كالزلازل والأعاصير التي تهدد أمن الفرد.

وترى وزارة الصحة السعودية أنّ الاكتئاب؛ هو اضطراب في المزاج يسبب شعورًا متواصلًا بالحزن واليأس وفقدان المتعة، مما يسبب كثيرًا من المشكلات العاطفية والجسدية. والتي بدورها تؤثر في أداء الأنشطة اليومية. وتعرّف اضطراب ما بعد الصدمة على أنّه اضطراب قلق ناتج عن أحداث مرهقة للغاية أو مخيفة أو مؤلمة. يمكن أن تشمل: حوادث الطرق الخطيرة، والاعتداءات الشخصية العنيفة، مثل الاعتداء الجنسي أو السرقة، مشاكل صحية خطيرة، والحروب، وغالبًا ما يستعيد الشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة الحدث الصادم من خلال الكوابيس وذكريات الماضي.

بالمقابل يعرّف موقع أدلّه اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) على أنّه مجموعة من ردود الفعل التي يمكن أن تتطور لدى الأشخاص الذين شاهدوا أو مروا بحدث صادم يهدد حياتهم أو سلامتهم (أو حياة وسلامة الآخرين من حولهم، فهو مجموعة من ردود الفعل التي يمكن أن تتطور لدى الأشخاص الذين شاهدوا أو مروا بحدث صادم يهدد حياتهم أو سلامتهم (أو حياة وسلامة الآخرين من حولهم). قد يكون هذا حادث سيارة أو غيره من الحوادث الخطيرة، أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو الأحداث الجنائية أو المتعلقة بالحرب أو التعذيب، أو كارثة طبيعية مثل حرائق الغابات أو الفيضانات. تقريباً كل من يعاني من الصدمة لديه ردود فعل ما بعد الصدمة. ومع ذلك، فبالنسبة لبعض الأشخاص، لا تهدأ ردود الفعل هذه في غضون أيام أو أسابيع قليلة، ولكنها تستمر وتعطل حياتهم – وعندها تسمى ردود الفعل باضطراب ما بعد الصدمة، أو بـ (اضطرابُ الإجهاد أو الكرب ما بعد الصدمة) (PTSD).

اضطراب الشخصية هو أحد أنواع الاضطراب العقلي الذي تعاني فيه تصرفات وأداء وظائف ونمط تفكير غير صحي ومتصلب. ويعاني المصاب باضطراب الشخصية مشكلات في فهم المواقف والأشخاص والتعامل معهم. ويؤدي هذا إلى مشكلات كبيرة ووجود حدود في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والعمل والمدرسة، فقد لا تدرك في بعض الحالات إصابتك باضطراب الشخصية نظرًا لأن طريقة تفكيرك وتصرفك تبدو طبيعية بالنسبة لك. وقد تلقي باللوم على الآخرين في التحديات التي تواجهك، وعادة ما تبدأ اضطرابات الشخصية في سنوات المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ. وهناك العديد من أنواع الاضطرابات الشخصية. وقد تصبح بعض الأنواع أقل ملاحظة خلال منتصف العمر.

ترى منظمة الصحة العالمية أنّ الاضطراب النفسي يتميّز باختلال سريري جسيم في إدراك الفرد أو ضبطه لمشاعره أو سلوكه، وعادة ما يرتبط بالكرب أو بقصور في مجالات مهمة من الأداء، علماً بأن أنواع الاضطرابات النفسية كثيرة ومختلفة. ويُشار إلى الاضطرابات النفسية أيضاً بحالات الصحة النفسية. وهذا المصطلح الأخير أوسع نطاقاً ويشمل الاضطرابات النفسية والإعاقات النفسية والاجتماعية والحالات النفسية (الأخرى) المرتبطة بكرب شديد، أو قصور كبير في الأداء، أو خطر إيذاء النفس. وتركز صحيفة الوقائع هذه على الاضطرابات النفسية المبينة في المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض (المراجعة الحادية عشرة).

وفي عام 2019، كان شخص واحد من كل 8 أشخاص، أو 970 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مصابين باضطراب نفسي، وكان القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعاً من تلك الاضطرابات (1). أمّا عام 2020، فقد شهد ارتفاعاً كبيراً في عدد من يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب جائحة كوفيد-19، حيث تبين التقديرات الأولية زيادة في اضطرابات القلق بنسبة 26٪ واضطرابات الاكتئاب الرئيسية بنسبة 28٪ خلال عام واحد فقط (2). ورغم وجود خيارات فعالة في مجالي الوقاية والعلاج، فإن معظم المصابين بالاضطرابات النفسية لا تُتاح لهم رعاية فعالة، كما يعاني كثيرون من الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان.

يؤثر الاضطراب النفسي على شخص واحد من كل 8 أشخاص في العالم، وتنطوي الاضطرابات النفسية على اختلالات جسيمة في التفكير أو ضبط المشاعر أو السلوك، وهناك أنواع كثيرة ومختلفة من الاضطرابات النفسية، توجد خيارات فعالة في مجالي الوقاية والعلاج، ولا تُتاح لمعظم الناس رعاية فعالة.

وتؤكّد منظّمة الصحة العالميّة على أنّ معدلات انتشار اضطراب الكرب التَّالي للرَّضْح والاضطرابات النفسية الأخرى ترتفع في الأماكن المنكوبة بالنزاعات (3). وقد يُصاب الفرد بهذا الاضطراب بعد التعرض لحدث أو مجموعة أحداث خطيرة أو مروعة للغاية. ويتميز هذا الاضطراب بكل ما يلي: 1) استرجاع الحدث أو الأحداث الماضية الصادمة (الذكريات المزعجة، أو استحضار الذكريات، أو الكوابيس)؛ 2) تجنب الأفكار والذكريات المتعلقة بالحدث (الأحداث)، أو تجنب الأنشطة أو المواقف أو الأشخاص الذين يذكّرون الفرد بالحدث (الأحداث)؛ 3) التصورات المستمرة لوجود تهديد وشيك حالياً. وتستمر هذه الأعراض لعدة أسابيع على الأقل وتسبب قصوراً جسيماً في الأداء، ولكن يوجد علاج نفسي فعال لهذه الحالة.

لا ريب أنّ الشخصية الإنسانيّة تمرّ بمراحل عدّة، ومختلفة من الطفولة حتّى النضج، ولا تتوقف عملية النمو حتّى الممات، وعندما نقول عن شخصية ما أنّها سويّة فهذا يعني أنّ الشخص قادر على التوافق مع الآخرين، ويوجد لديه قدر كبير من التناسق والاتساق في السمات التي تميّزه بجودة وصحة علاقته مع الآخرين، أما عدم النضج وعدم السواء في الشخصية رغم اكتمال نموّه الجسماني إلّا أنّه غير سوي مع الآخرين، وهنا نقول عن الشخص غير السوي أنّه مضطرب، وتأخذ المظاهر غير الطبيعية في اضطراب الشخصيّة أنماطاً ثابتة من السلوك تصبغ الشخصية كلها أو جانباً مهمّاً منها ابتداءً من الطفولة المبكرة.

فاضطراب الشخصية اصطلاح عام يطلق على مجموعة من الانفعالات المختلفة التي تحدث للفرد وتحدث له خللاً في كيان شخصيّته، وهي تحدث بسبب عوامل نفسيّة المنشأ دون وجود سبب عضويّ معيّن في الجسم وتجعل المريض في حالة من عدم الارتياح ويشعر المريض كما أشارت “المطيري، معصومة سهيل (2005) هنا في تغيير الواقع من حوله ويصحبه خلل في السلوك، وعندئذ يدخل في عالم الأمراض النفيّة وتتصف الشخصيّة هنا بالتفكك الخطير.

وقد عرّفت الاضطرابات النفسيّة منذ قديم الزمن، وهذا ما دلّت عليه الآثار التاريخيّة في مختلف الشعوب والحضارات التي وصفت وعلّلت وعالجت هذه الأمراض، ومع أنّ أثر الأسباب كانت متسلّطة كالسحر والشعوذة والأرواح الشريرة، إلّا أنّ هذا لا ينكر أنّ هناك من أدرك حقيقتها ومن محاولات التفسير لهذه الاضطرابات: مؤثّرات ما وراء الطبيعة، والعمليات النفسية، والعوامل البيولوجيّة، والتفسير التكاملي.

ويرى علماء النفس أنّ الأشخاص الذين تعصف بهم الحروب والأزمات يكونون في مرمى الإصابة بالمشكلات النفسية أكثر ممن لم يختبروا هذه الظروف العصيبة وإنّ استمرار التعرّض لمثل هذه الظروف الضاغطة يفضي إلى عجز الفرد عن تحمّله واحتوائه، وبالتالي يؤدّي إلى اختلال في التوازن النفسي لديه. فاللاجئون السوريون في مخيّم الزعتري يواجهون اضطرابات ضغوط ما بعد الصدمة من الحرب السوريّة، وذلك من خلال قلقهم وخوفهم من المستقبل، وعدم القدرة على تغيير الحال إلى صورة أفضل، واستمرار معايشتهم لذكريات الحرب الماضية.  الغرايبة، محمود محمد (2014).

هو اضطراب قلقٍ ناتجٌ عن أحداث مرهِقة للغاية أو مخيفة أو مؤلمة، فهو مجموعة من ردود الفعل التي يمكن أن تتطور لدى الأشخاص الذين شاهدوا أو مروا بحدث صادم يهدد حياتهم أو سلامتهم، أو حياة وسلامة الآخرين من حولهم، وكلّ من يعاني من الصدمة لديه ردود فعل ما بعد الصدمة، فبالنسبة لبعض الأشخاص؛ لا تهدأ ردود الفعل هذه في غضون أيام أو أسابيع قليلة، لكنّها تستمر وتُعطِّل حياتَهم؛ وعندها تسمى ردود الفعل هذه باضطراب ما بعد الصدمة.

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة:

هناك منظور البيولوجي منها الجينات، والوراثة، وعوامل نفسية اجتماعيّة، فاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو مجموعة من ردود الفعل التي يمكن أن تتطور لدى الأشخاص الذين شاهدوا أو مروا بحدث صادم يهدد حياتهم أو سلامتهم (أو حياة وسلامة الآخرين من حولهم). قد يكون هذا حادث سيارة أو غيره من الحوادث الخطيرة، أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو الأحداث الجنائية أو المتعلقة بالحرب أو التعذيب، أو كارثة طبيعية مثل حرائق الغابات أو الفيضانات.

فعند تعرّض الشخص لموقف صادم فإنّه يستقبل معلومات كثيرة ومتنوّعة مثل الصور والأفكار، ويعالج الدماغ جزءاً منها، في حين أنّ القسم الآخر لا تتمّ معالجته بالطريقة الصحيحة، وقد يكون السبب في ذلك نقصاً في المعلومات أو أنّها تفوق طاقة الجهاز العصبي في استيعابها، فالخبرة الصدميّة لا تتلاءم فيها المنبّهات الخطيرة والفجائيّة مع خبرات الشخص ونماذجه لأنّها تتخطّى المدى الطبيعي للتجربة، الإنسانيّة. وعليه فإنّ معالجة المعلومات ستكون مضطربة ومشوّهة، وتبقى المعلومات أو المنبّهات الصادمة ناشطة وتعمل بشكل مستمر في ضغطها المؤلم على الشخص المصدوم الذي يحاول تكرار إخراجها من الوعي ليشعر بالأمن والراحة، ولهذا فإنّ الشخص المصدوم ليس أمامه خيار إلّا اللجوء إلى استخدام وسائل الدفاع السلبيّة مثل النكران والتبلد والتجنّب، وجميعها تشكّل أعراضاً بارزة لاضطراب ضغوط ما بعد الصدمة الغرايبة، محمود محمد (2014).

لاضطراب ما بعد الصدمة أسباب عدّة وتقسم إلى قسمين: (أسباب طبيعيّة وأسباب إنسانيّة)

الأسباب الطبيعيّة:

لطالما كانت الأسباب الطبيعيّة سبباً لكلّ أنواع الاضطرابات التي كانت تغيّر من الاستقرار، وتتخبّط فيها الشعوب، وكانت هذه الكوارث الطبيعية سبباً للهروب، والهجرات عبر التاريخ، ولهذا دُمّرت مدن، وتلاشت حضارات، فتداولت الأساطير والحكايات عن الزلازل، والبراكين وغيرها من الكوارث الطبيعيّة، وردّتها إلى غضب الطبيعة، أو غضب القوى الخارقة، فقدّمت الشعوب القرابين لمنع تلك الأوبئة، وهي حلّ ميثولوجيّ للقضاء على هذا الخوف، والاضطراب الجماعيّ، ومع تقدّم العلم، ومن ضمن تلك العلوم تقدّم علم النفس، وبات الحلّ في المعالجة النفسية، وتحليل هذا الاضطراب. ومن أنواع الأسباب الطبيعيّة التي تغيّر من أمن المجتمعات والشعوب:

الزلازل:

هي اهتزازات مفاجئة للكرة الأرضيّة ناتجة عن حركة الموجات الزلزاليّة، والتي تعد حركة الصخور، وانزلاق الصفائح الأرضيّة بفعل الطاقة الكامنة في باطن الأرض سبباً لها.

البراكين:

تُعرف البراكين بأنّها اندفاع وثوران لصهارة الصخور وإطلاق الغازات والشظايا بفعل الارتفاع في حرارة باطن الأرض، والتي ينجم عنها تدمير للأرواح والممتلكات.

الفيضانات:

هي ارتفاع مستويات المياه في مصادرها الطبيعيّة أو الصناعيّة عن منسوبها الأساسي بسبب الهطل المفرط للأمطار أو ذوبان الثلوج وغيرها من الأسباب، مما يؤدي لفيضانها على الأراضي الجافّة متسبباً بكوارث كبيرة على الأرواح والممتلكات.

أمواج تسونامي:

هي أمواج بحريّة كارثيّة، تعد الزلازل، ثوران البراكين والانهيارات الأرضيّة التي تحدث في قاع المحيط سبباً لها، تمتاز بطول موجاتها الكبير جدّاَ والذي قد يصل إلى 200 كليومتر، بالإضافة للسرعة الهائلة والتي قد تصل إلى 800 كيلومتر في الساعة الواحدة.

تُصنّف الكوارث طبيعيّة الحدوث لعدّة أنوع تبعاً للبيئة التي تحدث بها وهي كالآتي:

  • جيوفيزيائيّة: الزلازل، أمواج التسونامي والبراكين.
  • صحّيّة: كالأوبئة المعدية عبر التاريخ: مثل وباء كورونا والطاعون والسل
  • هيدرولوجيّة: الفيضانات والانهيارات الثلجيّة.
  • المناخيّة: الجفاف، التصحّر وحرائق الغابات، انتشار حشرات معينة كالجراد.
  • الأرصاد الجويّة: العواصف والأعاصير.

بالطبع تصنف حالات الموت الطبيعيّة إحداث الأسباب الطبيعية في خلق اضطراب ما بعد الصدمة، مثل وفاة أحد أفراد أسرة المضطرب.

الأسباب الإنسانيّة:

لطالما كانت الكوارث التي يتسبّب بها الإنسان هي السبب الرئيس لكلّ هذه الكوارث منذ بدء الحضارات حتّى الآن، وقد ازدادت وتيرة الحروب إلى حدّ كبير، وغيرها من ازدياد الكثافة السكانيّة في المدن، وكثرة السيارات وتلوّث البيئة، وازدياد العنف، والفقر، وكثرة الأمراضؤ والأوبئة المترافقة مع التطوّر العلمي، والحروب والاختراعات، ومن تلك الكوارث:

حوادث الطرق الخطيرة:

في جميع أنحاء العالم، تقتل حوادث الطرق ما يقرب من 1.3 مليون شخص كل عام – أي بمعدل أكثر من وفاتين كل دقيقة – مع حدوث أكثر من تسعة من بين كل 10 وفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. “الأمم المتّحدة (تم الاسترجاع: 22:43 / 5/4/2023)

الاعتداءات الشخصية العنيفة:

مثل الاعتداء الجنسي أو السرقة، فلا شكّ أنّ داعش كان السبّاق في الاعتداءات الجنسية وتجارة النساء وبيعهنّ، وكانت عدة دراسات قد أعدت بهذا الخصوص، وبالمقابل يزداد التحرش الجنسي للأطفال، فقد كشفت دراسة للأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود بكلية التربية وقسم علم النفس الدكتورة وفاء محمود، أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في المملكة مرتفعة، إذ يتعرض طفل/4 أطفال (طفل واحد من بين أربعة أطفال) لهذا الاعتداء، في الوقت الذي بينت دراسة أخرى لمنيرة بنت عبد الرحمن أجريت في المملكة أيضاً، أن 49.23 % ممن هم في سن 14 من إجمالي عدد السكان تعرضوا للتحرش الجنسي، وقد أكدت المستشارة التربوية والاجتماعية الدكتورة شيخة بنت عودة العودة والتي استشهدت بهذه الإحصائيات والدراسات أمام الأسر أن نسبة الاعتداءات الجنسية على الطفل داخل الأسرة لا تزال غير معروفة (سرية)، مرجعة ذلك لتكتم الأطفال أو حتى الأسر نفسها خوفاً من المعتدي القريب أو حتى الفضيحة. “الرياض، موقع (2014).

ويمكننا تلخيص أسباب اضطراب ما بعد الصدمة بما يلي:

  • الإصابات الشديدة الخطيرة وطويلة الأمد: كالأمراض، و
  • الحروب وتكرار الذكرياتٍ الاقتحاميَّة للحادث الصادِم السَّاحق.
  • الخروج من حرب ما، والخوف المستمر من عودة الحرب، كعودة داعش، أو الفصائل المرتزقة.
  • التهديد المستمر (كتهديد تركيا بالحرب على الشمال السوري).
  • ما زال الكثير من الناس يتوهّمون بأنّ تنظيم داعش سوف يعود وينتقم من كلّ شخص عاداهم.
  • عدم التعاون مع الإدارة الجديدة في المنطقة خوفاً من أن يُستهدَفوا من قبل الخلايا النائمة لداعش.
  • عدم التأقلم مع الواقع المحيط خوفاً من أن تكون هناك خلايا نائمة، أو أشخاص ينجرّون وراءهم فيقعوا في مصيدة داعش.
  • عدم الثقة بأحد، لأنّهم يتصوّرون أنّ داعش يعرف كلّ شيء، من خلال الحرب النفسية الإعلاميّة القويّة التي يمارسها تنظيم داعش.

عوامل الخطر ما يلي:

–        تاريخ عائلي من الاكتئاب والقلق.

–        تعاطي المخدرات مثل الإفراط في الشرب أو تعاطي المخدرات.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

لاضطراب ما بعد الصدمة آثار سلبية عدّة، وخاصّة أثناء التهديد المستمر،

  • الكوابيس التي تتكرّر مع الأشخاص الذين تعايشوا مع الحدث، فتتحوّل إلى مرض مزمن، فيتجنّبون أي شيء يذكّرهم بذلك الأمر.
  • الإثارة المفرطة.
  • زيادة اليقظة، الصعوبة في النوم أو التركيز، واضطرابات النوم والأرق والاستيقاظ فزعاً والكوابيس.
  • الغضب، التهيج، أو الكراهية.
  • أفكار أو مشاعر مؤلمة سلبية تداخلية مثل الشعور بالذنب.
  • النكوص والقلق والحرمان من الحب والحنان
  • الإحساس بالعزلة، وعدم الاهتمام بالعالم الخارجيّ، وضغف الحكم، تجنب الناس والأماكن والأشياء، أو الذكريات مثل تذكر الصدمة، ذكريات الماضي، الهلوسة.
  • الإنكار والكبت، والاكتئاب وفقدان تقدير الذات.
  • غالبًا ما تكون هذه الأعراض شديدة ومستمرة بدرجة كافية ليكون لها تأثير كبير على حياة الشخص اليومية.

اضطراب ما بعد الصدمة في المناطق التي خضعت لسيطرة داعش

  • ما زال الكثير من الناس يتوهّمون بأنّ تنظيم داعش سوف يعود وينتقم من كلّ شخص عاداهم.
  • عدم التعاون مع الإدارة الجديدة في المنطقة خوفاً من أن يُستهدَفوا من قبل الخلايا النائمة لداعش.
  • عدم التأقلم مع الواقع المحيط خوفاً من أن تكون هناك خلايا نائمة، أو أشخاص ينجرّون وراءهم فيقعون في مصيدة داعش.
  • عدم الثقة بأحد، لأنّهم يتصوّرون أنّ داعش يعرف كلّ شيء، من خلال الحرب النفسية الإعلاميّة القويّة التي يمارسها تنظيم داعش.

مضاعفات:

  • يؤثر على الأداء الطبيعي.
  • مشاكل في العلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل.
  • الاكتئاب.
  • تعاطي المخدرات والكحول.
  • اضطرابات الأكل.
  • الميول الانتحارية في الحالات الشديدة

مقترحات وأساليب العلاج:

يندرج علاج اضطرابات الشخصيّة تحت العلاج الطبي، والسيكودينامي[1] والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الجماعي، والعلاج البيئي، والعلاج الأسري. (منصور، كامل الشربيني (2014).

  • قد تشتمل المعالجة على العلاج النفسي (العلاج الداعم وبالتعرُّض) ومضادَّات الاكتئاب.
  • تكون المُعالَجة على العلاج النفسي والعلاج السُّلُوكي والأدوية.
  • الانتظار اليقظ – مراقبة الأعراض لمعرفة ما إذا كانت تتحسن أو تزداد سوءًا دون علاج.
  • مضادات الاكتئاب – مثل باروكستين أو ميرتازابين.
  • العلاجات النفسية – مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات أو إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة.
  • التوعية، والتأقلم مع الحالة التي تبعدهم من السيطرة الذهنية للحرب النفسية.
  • إبعاده عن المثير.
  • عدم تركه وحيداً من خلال تنظيم الرحلات وغيرها.
  • دمج أطفال داعش بالمجتمع.
  • تفعيل المشاركة الاجتماعيّة (عدم لوم الإدارة دائماً)
  • فتح المدارس.
  • مكافحة الفكر العنفي (الأيديولوجيّة الإسلامية المتطرّفة)
  • دراسة كاملة لتقييم حجم الاضطرابات.
  • اتباع المبادئ التوجيهية الاحترام التقدير السرية الثقة.
  • ممارسة الرياضة بانتظام.
  • تعلم وممارسة تمارين إدارة الإجهادتجنب استخدام الكافيين والتبغ.
  • تجنب تعاطي الكحول والمخدرات.
  • الانخراط في الهوايات للحد من التوتر والقلق.

تنطوي هذه العَوامِل على الآتي:

  • مستوى شدَّة الحدث الرضيّ
  • ما إذا حدثت إصابات بدنية في أثناء الحدث
  • ما هُوَ مزاج الطفل
  • ما هو الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعائلة
  • ما إذا مرَّ الطفل بمحنةٍ (مثل الاعتداء الجنسي) من قبل
  • ما هو مستوى أداء الأسرة
  • ما إذا كان للطفل أفراد من الأسرة يعانون من اضطرابات الصحة النفسيَّة

المراجع

الكتب والمجلّات الورقيّة:

  • أبو عيشة، محمد سمير محمد (2017). نمو ما بعد الصدمة وعلاقته بأعراض الاضطراب النفسي لدى مرضى السرطان، (رسالة لنيل درجة الماجستير) الجامعة الإسلاميّة بغزّة، كلية التربية، الجامعة الإسلاميّة، غزّة.
  • خطاب، محمد أحمد محمود (2014). ديناميات اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة لدى أطفال غزة، مصر، المجلة المصرية للدراسات النفسيّة، العدد 84.
  • فريدمان، توماس (2006). / ترجمة: العالم، محمد طعم، في عصر الإرهاب، منشورات الجمل، بغداد.
  • العدل، عادل محمد (2020). ضغوط ما بعد الصدمة وعلاقتها بقلق المستقبل لدى طلاب الجامعة بعد جائحة كورونا كوفيد19، المجلة العربيّة للآداب والدراات الإنسانيّة، المجلد الخامس، العدد 16.
  • المطيري، معصومة سهيل (2005). الصحة النفسية مفهومها.. اضطرابها، الكويت، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى.
  • منصور، كامل الشربيني (2014). الصحة النفسيّة للعاديين وذوي الاحتياجات الخاصّة، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، مصر.

مراجع النت:

[1] العلاج النفسي الفردي أو الجماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى