أبحاث ودراساتافتتاحية العددد. أنمار نزار الدروبيمانشيتملف العدد 63

الإرهاب أحد أهم المقومات الفكريّة الأساسيّة لحكومة نتنياهو

أنمار نزار الدروبي

أنمار نزار الدروبي

أنمار الدروبي
أنمار الدروبي

وما بعد بن غوريون وشارون وباراك وغيرهم، جاء نتنياهو من مهد البيئة التي أنتجت الأسطورة، وهي أسطورة الإرهاب والإجرام المتوّجة بشمعدان الصهيونية البربرية، وربهم الأعلى (ثيودور هرتزل) مُنظّر الصهيونيّة السياسيّة المعاصرة ومؤسّس دولة إسرائيل، فهم يتقنون دورهم الإجرامي في قتل أبناء الشعب الفلسطيني. لاسيما يمكن القول إنه ليس في العالم القديم أو المعاصر تراثٌ عسكريّ أو سياسيّ لأيّ شعب من الشعوب يشبه التراث الصهيونيّ والإسرائيليّ عن الإرهاب. فالمذابح الجماعيّة التي تحدثت عنها كتب اليهود القديمة في أكثرَ من موضع تمثل النموذج الذي استخدمته، وسارت على هديه فيما بعد المنظمات الصهيونيّة وإسرائيل في دير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وكفر قاسم، وفي الجنوب اللبنانيّ وسواها. وهي المذابح التي تمت كلها لتحقيق هدف واحد، هو إبادة الشعب الفلسطينيّ وتصفيته جسديًّا بالقتل والتهجير. بلا شك أن تاريخ الحركة الصهيونيّة وإسرائيل حافل بسلسلة طويلة من أعمال الإرهاب والقتل الجماعيّ. كما أن التراث الفكريّ الصهيونيّ والإسرائيليّ غنيٌّ بالأعمال الفكريّة التي تُعبّر عن العنف والإرهاب عقيدةً ووقائع، وكان لكتابات قادة الصهيونيّة وزعماء إسرائيل ومفكريها مؤلفاتٌ كثيرة بحثوا فيها الإرهاب كعقيدة وسياسة ووسيلة، وتحدثوا عن المنظمات الإرهابيّة وأيديولوجيتها ونشوئها وتنظيمها وأهدافها وإنجازاتها والجرائم التي ارتكبتها، بدليل حلم مشروعها التوسعي الاستيطاني كان شعاره (يا اسرائيل حدودك من الفرات الى النيل) وضمن هذا الشعار أصبح الإنسان في الشرق الأوسط قرباناً لنيرانهم التي لا تخمد بوجوب تعاليم معتقداتهم العنصرية اللاهوتية. أما التراتيل فهي تمتزج بين صخب أفكار زعماء الصهاينة، تلك الأفكار الملطخة بالدماء على نعي المظلومية في شوارع الديمقراطية التي عبدتها الصهيونية خلال ملحمة تدمير كل آثار الحضارات التي شيدها الإنسان العربي.

هذا ما يحصل في استراتيجيات العهد الاستبدادي الديكتاتوري الذي تعيشه الإنسانية حاليا. فالعقلية التوسعية الاستبدادية للصهاينة قد تجاوزت حدود الممارسة الفردية لتعبر عن طبيعتها في عقيدة تشتمل على جملة أفكار شاذة عن الفطرة الإنسانية ومنطق الأشياء، وكذلك ما حدث مع النازية وما تكرسه الحركة الصهيونية في الوقت الحاضر، فالخطر في هذه الحالة لا يقف عند حدود الفرد الدكتاتور الذي تفرض حالته ظروف معينة تنتهي مع هلاكه أو سقوطه بسبب تصرفاته الشاذة واستهتاره بالقيم الانسانية. عليه فإن مثل خطر عصابة بني صهيون وقادتها قد استشرى كالوباء لأنهم لا يطيقون التعاطي مع متطلبات التقدم الحضاري. لاسيما أن الشعب الفلسطيني كان ومازال يتطلع الى الرقي الإنساني ويحلم بالتحرر من الاحتلال الإسرائيلي الذي عانى منه لعقود، فهو يناضل من أجل نزع سلطة القمع والاستبداد الصهيوني، واستيلاء عصابة متعفنة في دهاليز أفكارها المتطرفة التي سلبت جميع مقدرات الفلسطينيين، ذلك الحلم الذي لم ولن يتبدد وإنما تحول الى كابوس مرعب على الصهاينة.

ومن خلال اغتصاب ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني تم إعلان تصدير الإرهاب الصهيوني والذي يعد أحد أهم المقومات الفكريّة الأساسيّة للحركة الصهيونيّة، لذا فقد اقترن إنشاء دولة إسرائيل بأبشع أشكال العنف وأفظع أنواع الإرهاب. وعندما فكرت الصهيونيّة في إقامة دولة يهودية خالصة في فلسطين علمت أن ذلك لن يتم إلا بإبادة سكان البلاد الأصليين، أو طردهم باستخدام شتى طرق العنف والإرهاب. وهذا هو ما يمثل صلب الخطة الصهيونيّة الرامية إلى احتلال فلسطين، فقد اتبعت الصهيونيّة في غزوها لفلسطين، ومن ثم تثبيت دولة إسرائيل كيانها وتوسيع حدودها وتفريغ فلسطين من أهلها مختلف الأساليب الإرهابيّة، استمدتها من الفكر الصهيونيّ والتقاليد الموروثة في هذا الفكر.

ومن كتاب (أفيستا) الذي يلخص الزرادشتية استوحى الفيلسوف الألماني “نيتشه” فكرة السوبرمان التي لخصها في كتابه المسمى (هكذا تكلم زرادشت) هذه الفكرة ألهبت روح الألمان بمشاعر التفوّق العرقي على جميع الأجناس البشرية وسمحت لهتلر النازي أن يبيح لنفسه قتل الملايين من البشر على اعتبارهم حشرات أو كائنات دونية. إنها نفس الأفكار ونفس المنهل والأصول بذات المنهج العنصري المتوحش الدموي، لكن التساؤل الأهم في كل ما ذكرناه هل هنالك من يدير بشاعة ما يدور على مسرح الواقع البشري ويستثمر كل ذلك سياسياً بهدف الهيمنة الإمبريالية؟

نعم هي أخطاء السياسة الأمريكية القاتلة التي سوف تؤدي إلى ظهور أجيال مقاومة أيا كانت أيديولوجيتها لكن أشد ضراوة وتعقيداً، تتجاوز كل حدود القدرة على مواجهتها. ولا غرابة في صمت البيت الأبيض على ما يقترفه نتنياهو من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، ربما سنسمع تصريحاً أمريكياً خجولاً وبارداً لا يتسق مع حرارة الحدث, بينما كانت ومازالت التصريحات بل التبريرات تتوالى من الأنظمة الفاشية لدعم حكومة نتنياهو. ولكي يتم تبرير ما يقترفه نتنياهو من إرهاب ضد الشعب الفلسطيني فلابد من أكذوبة يتغلف فيها أو يختبئ خلف تجسيدها على أرض الواقع. هكذا تنطلي علينا الأوهام وتبلغ قلوبنا الحناجر ونحن نعايش أحداثاً تتحكم في أذهاننا ومشاعرنا, رغم أن الجدار الفاصل بين حقائقها وبين عقولنا أكثر صلابة من الإسمنت. ما نحتاجه ليس صدمة تعيد لنا الوعي، فقد توالت علينا الصدمات ولم نصحو من مرقدنا.

من المؤكد أن هذا الدمار الشامل الذي يحدث الآن في غزة سيمر مرور الكرام على حساب الشعب الفلسطيني، وإذا أضيف لهذه الحرب حوادث أخرى سابقة في فلسطين، فإن موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الدولية والإقليمية, بات على المحك وهم مطالبون أن يثبتوا قدراتهم على قيادة حازمة توقف العصابة التي تحكم في تل أبيب أن تلتزم حدودها. بينما سيبقى نتنياهو بحاجة ماسة لحقنة تنشيط حيويّة للشعارات الطنانة التي استهلكها وهو يشق طريقه في قتل وإبادة الفلسطينيين، فلم تعد هنالك مدينة أو قرية تقطنها طائفة أو قومية بعينها في غزة إلا وتم تدميرها بالكامل وتهجير أهلها أو تحويل بيوتها الى مقابر تعمر بجثث ساكنيها، باقي التفاصيل معروفة لكل متابع في هذا الشأن، وبهذا الصدد من حقنا أن نتساءل:

  1. هل الذي جرى بمجمل تفاصيله المأساوية المرعبة كان نتيجة أخطاء السياسة الأمريكية؟
  2. أم أن كل ذلك يندرج ضمن إستراتيجية مشروع أمريكي شامل لمنطقة الشرق الأوسط؟

في حالة اعتبار ما جرى تراكم أخطاء سنكون أمام هول من العبث والجهل وفقدان توازن ضمن دوائر صنع القرار الأمريكي. وهذا الاعتبار تنبني عليه نتائج وخيمة تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة الأمريكية قانونياً وتاريخياً وأخلاقياً. أمّا في حالة اعتبار ما جرى ويجري حالياً بأنه مخطط يندرج ضمن استراتيجية مدروسة بهدف تحقيق أهداف بعيدة المدى في إطار مشروع كبير وشامل، فهذا يجرنا إلى ويلات قادمة قد تكون أدهى مما أصابنا وحاق بمنطقتنا.

في السياق ذاته، عندما وصف وعد بلفور عام 1917 الأغلبية الساحقة من العرب في فلسطين بأنها السكان غير اليهود, كان هذا الوصف المبهم يعني في ذهن صاحب الوعد وفي الزمن الذي صدر فيه، يعدّ السكان البدائيين أحطّ من أن يُنظر فيهم، أو أن تكون لهم حقوق السادة، وهو بذلك يشجع الإرهاب الصهيونيّ الاستعماريّ على أن يتمادى ضد أولئك البدائيين. وعندما قدّم “وايزمان” إلى المجلس الأعلى لمؤتمر السلام المنعقد في باريس عام 1919 خطته التي تضمنت الحد الأدنى لدولة اليهود المقبلة، وأدخل فيها كل فلسطين وجنوب لبنان وجنوبي سوريا حتى دمشق وخليج العقبة، والحجاز حتى معان، ومنابع مياه الأردن في سفوح جبل الشيخ، كان ذلك فعلاً من أفعال العنف السياسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى