أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتمحمد علي العنانيملف العدد 62

الشباب في الشرق الأوسط، الحرب الخاصة  والهجرة.

محمد علي العناني

محمد علي العناني 

أدركت الدول المصنفة ضمن العالم المتقدم والتي تأخذ الطابع الرأسمالي والحداثي  في عالمنا اليوم طريقها في السيطرة والنفوذ على العالم النامي أو الثالث.

وهذه السيطرة هي  ليست مجرد نفوذ عسكري مباشر  كما كان يحدث في فترات الاستعمار المباشر للدول في أواخر وبدايات القرن التاسع عشر والعشرين، بل إنّما هو نفوذ الاستحواذ على إرادة الشعوب من خلال الحكومات المنصبة بطريقة  أو أخرى، حيث تتلاقى المصالح في قواسم مشتركة.

إنّ هذا النوع من التدخل اللا مباشر، يحتاج دائماً إلى التفوق المعرفي والتقني والثقافي والطاقة البشرية القادرة على تغطية الاحتياجات الكبيرة من العمالة. حيث أنّ التفوق  والحداثة يعني تجميع آليات المعرفة والعلوم والقدرة والطاقة،  وتمركزها لدى عدد محدود من الدول المتقدمة والعمل على استدامة التطوير عن طريق وجود كفاءات وأدمغة بشرية مبدعة وقادرة  وخلاقة، بحيث يضمن التفوق المستمر لدى تلك الدول. ولكي تضمن تلك الدول عامل التفوق فإنّها عملت، ولازالت على تنشيط كلّ الوسائل التي تمكنها من تحديث قدراتها عن طريق استقطاب الكفاءات المختلفة  من مختلف بقاع  الأرض مستخدمة كلّ الوسائل والسُّبل من أجل إنجاز ذلك الهدف.

ولكي تضمن تلك الدول المتقدّمة استمراريتها في تحصيل وتجميع مراكز القوة والنفوذ في يدها فقد عمدت إلى التنويع في مصادر حصولها على الموارد  والطاقة البشرية، وقد تجلى ذلك في تبنّيها سياسة إعلامية ودعائية ضخمة من أجل جلب العمالة والعقول أيضاً واستقطابها إلى داخل مجتمعاتها من مختلف دول العالم خاصة في مناطق وبؤر التوتر كالشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وإن كان التركيز واضحاً وجلياً في استهداف كفاءات وطاقات الدول النامية ذات الدخول المنخفضة بسبب ضعف أداء سياساتها التنموية نتيجة لما تواجهه  تلك الدول من مشاكل عديدة  تحد من سرعة النمو والتطور لديها.

الأمر الذي جعلها هدفاً من  الدول الغربية  من أجل الاستفادة من طاقات أبناء تلك الدول النامية والفقيرة من جهة وتحقيق وفرة اقتصادية ملموسة في إعداد الكفاءات داخل الدول المتقدمة فيما لو قررت تلك الدول الاعتماد بالكامل على سكان البلد.

إنّ انتشار وتسارع وتيرة هجرة الطاقات الشابة من بلدانا هي بمثابة اختراق خطير للمنظومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الأمر الذي بات من الخطورة بمكان عدم التطرق إلى هذا الجانب المهم والحيوي لما يحتويه هذا المفهوم من مؤشرات خطيرة ليس على واقع دولنا خاصة في الشرق الأوسط في المستقبل القريب والمتوسط مسبباً في نخر القواعد الأساسية للتعليم، الأمر الذي يهدد مستقبل الأجيال القادمة وبالتالي مستقبل وجود الشعوب.

وتمثل هجرة الكفاءات بصورة خاصة  نزيفاً مستمراً، الأمر الذي يجعل منه وسيلة ناجعة لبقاء المجتمعات النامية عموماً ومجتمعاتنا في الشرق الأوسط خصوصاً ضمن فلك الدول الأكثر تقدماً، وبالتالي تجريد تلك الشعوب من عوامل استقلاليتها الحقيقية التي هي بالتأكيد ليست تلك الاستقلالية الشكلية التي نراها ونسمع عنها متمثلة بحكومات شكلية وقرارات سياسية تدعي السيادة الكاملة في الشكل ولكنها عديمة المحتوى بسبب حكم التبعية والحاجة التي تحكم شعوبنا إلى ما تنتجه العقول الغربية فضال عن ما توفره تلك الدول الغربية بفضل تفوقها واحتكارها المعرفي والتقني ) المدني والعسكري ( من حماية يتوهم البعض انها ستستخدم من أجل رفع الظلم

عن المظلومين وتحقيق العدالة.

وبناءً على كل ما ذكرته وجدت  نفسي ملزماً  في تسليط الضوء على حجم الكارثة التي تنتج عن هجرة الكفاءات والطاقات الشابة من دول العالم النامي لصالح الدول المتقدمة فيصبح القوي أكثر قوة والضعيف أكثر ضعفاً.

 

الأسباب الرئيسية لهجرة الشباب  من دول الشرق الأوسط:

إنّ البلدان في الشرق الأوسط تعاني المشاكل السياسية المختلفة وبالأحداث والكوارث السياسية التي انعكست سلبا على مجتمعاتها عمليات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وأيضاً حركة التطور في  الصحة والتربية والتعليم و العلوم المختلفة. ومن هذه العوامل السياسية الطاردة نوجز منها التالي:

1–  ضعف  وسوء تقدير النظم السياسية الحاكمة للمجتمعات:

على سبيل الأمثلة لا للحصر  فقد قاست سوريا ومصر واليمن و العراق من سوء تقدير الأنظمة السياسية الحاكمة وإلى غياب الديمقراطية التي تؤمن المناخ الأمثل لعمليات الاستقرار كما ذكرنا آنفاً  والتنوع في الميادين  المختلفة. ونتيجة إلى معايير الولاء والانتماء فقد توارت أعداداً كبيرة من الكفاءات في الدول المذكورة  سواءً نتيجة الإقصاء الجبري أو الهجرة إلى خارج حدود الأوطان  نتيجة إلى اختلاف الرأي والموقف حيث أدّت بالنتيجة إلى توقف الإنتاج  لتلك الكفاءات الأمر الذي أثّر بشكل مباشر على مستويات كفاءات جديدة تضخّ طاقات جديدة إلى مفاصل التنمية الاقتصادية.

وعلى شاكلة تلك الدول  توجد العديد من الأنظمة السياسية التي يحكمها عاملا الولاء والانتماء للنظام السياسي. الأمر الذي دفع بالكثير من شباب تلك الدول التفكير جدياً بمغادرة بلدانهم  حيث يتوفر قسطٌ من الأمن والاستقرار السياسي، والكثير من الدعم المادي والمعنوي، ففي دراسة لعدد من الأكاديميين العراقيين أجروها حول نزوح الكفاءات العلمية في العراق من ذوي تخصصات مختلفة في الطب والهندسة والاقتصاد والمحاسبة للفترة من 2018 وحتى 2021 أظهرت تلك الدراسة أن 9290 عالما عراقياً من بينهم %19 استاذاً جامعياً و %92 باحثاً علمياً انخرطوا في مؤسسات ومراكز بحثية توزعت جغرافياً بين أوروبا, أمريكا و كندا.

ويمكن قياس تلك الدراسة على دول أخرى مثل سوريا واليمن ولبنان التي لم تساهم الأوضاع السياسية فيها قدرة الشباب والمختصين على البقاء  في بلدهم وتوجهوا بكافة الطرق إلى الدول الأوروبية طلباً للأمن والاستقرار.

2–  الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية التي تطال الشباب والطاقات المتمكنة:

ساهمت الحروب والاضطرابات السياسية في الكثير من دول الشرق الأوسط في الهجرة، وتعتبر الحروب والنزاعات الداخلية الناجمة عن الصراعات العرقية أو العقائدية، والمخاطر التي يتعرّض لها المدنيون أثناء الحروب أحد الأسباب التي تجبر الأفراد على النزوح من المناطق غير الآمنة إلى أخرى أكثر أمناً وهو ما يطلق عليه بالهجرة الاضطرارية أو اللجوء السياسي.  هذا وتعتبر منطقة جنوب المتوسط خاصة و أفريقيا بصفة عامة من أهم المناطق المصدرة، والمستقبلة لللاجئين بسبب الحروب وعدم الاستقرار الداخلي.

فالقارة ما تزال تعاني من النزاعات ذات الطابع السياسي مثل النزاعات الحدودية وهي حدود مصطنعة و موضوعة بإرادة خارجية وضعتها القوى الأوروبية خلال  العقدين الذين تبعا مؤتمر برلين 1884، كما تعرف القارة نزاعات ذات طابع اقتصادي )الصراع على الموارد ( أو قد يكون النزاع ذا طابع عرقي يبدأ داخل دولة ثم يتحول إلى نزاعات ما بين الدول كما كان الحال في بحيرة الكونغو، الأمر الذي استدرج حتى الدول من خارج المنطقة، و مأساة – روندا والبو رندي – و النتيجة الحتمية لهذه النزاعات عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين.

إنّ معظم الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين تواجه ما أدرجه دارسو التنمية السياسية على تسميته ” أزمات التنمية السياسية ” أي تلك الأزمات التي يستلزم تحقيق التنمية السياسية حلّها وهي أزمات: الهوية و الشرعية والمشاركة والتوزيع.

1- أزمة الهوية: تحدث عندما يصعب انصهار كافة أفراد المجتمع في بوتقة واحدة، تتجاوز انتماءاتهم التقليدية أو الضيقة، و تتغلب على آثار الانتقال إلى المجتمع العصري بتعقيداته المختلفة، بحيث يشعرون بالانتماء إلى ذلك المجتمع و التوحد معه.

2- أزمة الشرعية: تتعلق بعدم تقبل المواطنين المحكومين لنظام سياسي، أو نخبة حاكمة باعتبارها غير شرعية أو لا يتمتع بالشرعية، أي لا يتمتع بسند أو أساس يخوّله الحكم واتخاذ القرارات و قد يستند هذا الأساس إلى الطابع التاريخي للزعيم أو إلى الدين او الأعراف والتقاليد، أو القانون.

3- أزمة المشاركة: و هي الآزمة الناتجة عن عدم تمكن الأعداد المتزايدة من المواطنين من الإسهام في الحياة العامة لبلدهم، مثل المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية، أو اختيار المسؤولين الحكوميين و تحدث هذه الأزمة عندما لا تتوافر مؤسسات سياسية معينة يمكن أن تستوعب القوى الراغبة في تلك المشاركة.

4- أزمة التوزيع: تتعلق بمهمّة النظام السياسي في توزيع الموارد والمنافع المادية، وغير مادية في  المجتمع و قد تعني مشكلة التوزيع ليس فقط عوائد التنمية وإنّما أيضا توزيع أعباء التنمية، فمعظم الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية غير قادرة على توصيل سلع سياسية إيجابية لشعوبها والقصد من السلع السياسية ” خدمات الآمن والتعليم والصحة والرقابة البيئية، والإطار القانوني العام والقضاء.

تعدّ عدم القدرة على توصيل سلع سياسية إيجابية من قبل الدولة لشعوبها أحد أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها الحكم على الدولة بالضعف أو الفشل أو الانهيار، الأمر الذي يترتب عليه ضعف الشعور بالانتماء إلى هذه الدولة من قبل الطبقات الدنيا خاصة باعتبارها أكثر الطبقات تهميشاً وحرماناً من تلك السلع، ممّا يدفع بها إلى البحث عن بدائل أقرب إلى المجازفة عن طريق الهجرة الغير شرعية.

إنّ غياب الديمقراطية كنظام حكم، وعجز النظام عن بناء صيغ الحكم الجيد، فقلة نصيب الشباب من ممارسة الديمقراطية و عدم الشعور بحضور سياسي فاعل يولد الإحباط  والشعور بالتهميش الذي تتّخذ الهجرة غير الشرعية أحد أكثر اشكاله التعبيرية، وتشكو دول العالم الثالث من الحرمان السياسي وفقدان حرية التعبير عن الرأي و الديمقراطية وغياب مبادئ حقوق الإنسان، واحترام الحريات العامة بحيث يتولد لدى الأفراد حالة من الشعور بعدم الأمان والاستقرار النفسي و الاجتماعي و تعتبر العوامل السياسية من أبرز العوامل التي أدت إلى حدوث العديد من الهجرات على مر التاريخ.

أخذت الدول والهجرات  بالتأثر أكثر فأكثر مع مرور الزمن بالعوامل السياسية على أنّ العامل السياسي في أن هناك عمليات تبادل سكّاني واسعة النطاق، تمتدّ بين دول عديدة، فالعوامل السياسية تتمثّل في أنّ ظاهرة الهجرة السكّانية تأخذ مكانها لمواجهة عمليات الغزو المسلح، وقد تمّ إنشاء الكثير من الهيئات والمنظّمات الدولية التي عملت، وما زالت تعمل من أجل المساعدة عند حدوث مثل هذه الحركات السكانية، وبخاصة تلك الحركات التي تتمّ بين السكان اللاجئين في كثير من أجزاء العالم، ومن هذه الهيئات والمنظمات على سبيل المثال، كلّ من منظمة العمل الدولية، ومنظمة العفو الدولية.

ومن الأسباب السياسية القسرية التي تدفع إلى الهجر ة ضغط القوة والتهديد والاستيلاء، أي أن التدخل العسكري الخارجي من أية دولة من الدول يؤدي إلى هجرة خارجية، إضافة إلى أن الضغط السياسي المحلي يؤدي كذلك إلى الهجرة، ففي معظم الدو ل النامية حيث تنعدم الديمقراطية، وتسود النظم الدكتاتورية، ويساق الناس إلى السجون، والمعتقلات دونما سبب أو محاكمة، وكذلك كثرة الثورات الداخلية والانقلابات العسكرية، والحروب المحلية تؤدي إلى الهجرة إلى الخارج، كما تعتبر بعض الظروف الطارئة كإيقاع عقوبات دولية على مجتمع ما من العوامل المسببة للهجرة.

3-  العوامل الاجتماعية وأساليب نمط العيش:

تلعب العوامل الاجتماعية وأسلوب نمط العيش في بلدان الشرق الأوسط دوراً  طارداً  للطاقات الشابة والكفاءات  العلمية حيث ان العديد من هذه الكفاءات  تجد موانعاً اجتماعية في الاندماج مرة اخرى في المجتمعات التي تركتها نتيجة إلى التباين الاجتماعي والسلوكي فحالة الاغتراب الداخلي الذي يعيشه الشباب يكون وقعها أشدّ خطورة على نفسية الشباب وفي قدرتهم على العمل والمساهمة فيه.

4-  العوامل الاقتصادية الدافعة لهجرة الكفاءات الشابة:

تتنوع العوامل الاقتصادية الدافعة لهجرة الكفاءات من دول الشرق الأوسط  إلى خارج حدود أوطانها الجغرافية، وتحديدا إلى دول الرفاهية المتقدمة في أوروبا وكندا وأمريكا ونوجز منها:

أ. انخفاض وتدني مستوى المعيشة، والدخل الفردي في معظم بلدان الشرق الأوسط.

ب. قلة الإنفاق على المشاريع الداعمة للشباب، من أجل خلق فرص عمل وتأمين استقرار اقتصادي.

ج. المركزية داخل الدولة الواحدة و  بين دولة وأخرى، وغياب التكامل الهيكلي، وتنافر برامج وخطط هذه الدول فيما بينها الأمر الذي شكل عاملاً مهمّاً من عوامل الطرد للكفاءات الشابة إلى خارج حدود بلدانها، حيث أنّ تبنّي سياسة مركزية تؤسس على مبدأ التكامل للقوى، وتبادل فوائض العمالة الماهرة والكفؤة فيما بينها سيخلق عوامل استقطاب إيجابية للكفاءات لجميع البلدان، و سيسهم في إعادة توزيع الخبرة المعرفية في البلدان واستثمارها في بناء وتطوير وتدعيم اقتصاداتها التي ما زالت تتّسم بالتبعية شبه الكاملة لاقتصاديات الدول المتقدمة، وتأثيراتها السياسية الخطيرة.

د. انتشار البطالة المتزايدة في صفوف خريجي الجامعات والمعاهد بسبب فقدان التنسيق ما بين احتياجات

السوق المحلية من العمالة الخبيرة الماهرة وما بين أعداد الخريجين التي تتضاعف عاما بعد آخر مسببة ارتفاعاً متزايداً في أعداد العاطلين عن العمل.

حيث تعتبر البطالة إحدى أخطر المشكلات التي تواجه الدول في الشرق الأوسط , وهي مصنفة ضمن  معدلات البطالة الأعلى في العالم.

وحسب تقرير منظمة العمل الدولية قد ذكر في عام 2009  أن متوسط نسبة البطالة في العالم وصل إلى

%18 بينما بلغت النسبة في الشرق الأوسط في العام نفسه.%19,9 وتتزايد سنويا بمعدل.%2 ومما يجعل هذه القضية من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات في الشرق الأوسط  هو أن %10 تقريباً من سكانها هم دون سن الخامسة والعشرين.

5– العوامل الثقافية المساهمة في هجرة الشباب:

كما أنّ الموروثات والعادات والتقاليد تلعب دوراً طارداً يضاف إلى جملة العوامل الطاردة آنفة الذكر، ومن خلال الدراسات والأبحاث التي ترجع أسباب الهجرة  إلى العادات والتقاليد والنمط السلوكي للمجتمعات في الشرق الأوسط بشكل عام  يمكن ذكر العوامل التالية:

أ. زيادة نسبة الوعي السياسي والاجتماعي لدى شريحة الشباب في مجتمعات الشرق الأوسط وقد تختلف نسب هذا الوعي من بلد إلى آخر نتيجة إلى المعطيات السياسية والثقافية، في تلك المجتمعات. ونتيجة إلى تقدّم وسائل الاتصال المسموع والمرئي ودخول شبكات الإنترنت بنسب متفاوتة أدى بالنتيجة إلى سرعة انتقال المؤثرات الخارجية القادمة من العالم المتقدم وتأثر أعداد كبيرة من شريحة الشباب في الشرق الأوسط  بها مما رفع عامل الرغبة في الهجرة إلى تلك الدول التي تحسن انتقاء الوسائل في قنص الشباب واستدراجهم إلى مجتمعاتها رغبة في تجديد دماء

مجتمعاتها التي يغلب عليها طابع الشيخوخة.

ب. سيادة العادات والتقاليد في المجتمعات المتخلفة وتمركز القوة الاقتصادية والسياسية في أيدي مجموعة من ذوي المصالح مما يقلل فرص التقدم أمام الكفاءات العلمية النشطة منها خصوصاً.

ج. وجود التفرقة الواضحة بين خريجي الجامعات المحلية وخريجي الجامعات الأجنبية. مما أدّى إلى تشجيع الدراسة في الخارج، وساعد على انتشار استخدام الكفاءات الأجنبية، وبالتالي قلّل من الفرص أمام الكفاءات العلمية المحلية  مما شكل دافع طرد لهم إلى خارج حدود بلدانهم.

د. نظرة المجتمع المتواضعة إلى أصحاب المهن المختلفة خاصة الحرفيين والمهنيين، إذ أنّ القيم الحضارية الموروثة والخاطئة لبعض المجتمعات المتخلفة ومن بينها المجتمع الشرق أوسطي  لا تميل إلى تقدير او احترام المهارات الفنية وبالتالي لا توليها  الأهمية أو العناية اللازمة.

و. تعدد صور التفرقة على أساس الدين, الانتماء العائلي أو السياسي, أو التفرقة ضد المتزوجين من أجنبيات.

ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب من دول الشرق الأوسط باتجاه أوروبا:

تعرّف ظاهرة الهجرة غير الشرعية أنّها ” تعني أولئك المهاجرين الذين لا يلتزمون بالشروط المتعلقة بدخولهم وإقامتهم في الدول التي يهاجرون إليها، والمهاجرون العابرون إلى دولة تكون ممراً للوصول إلى دولة أخرى.

كما تعتبر الهجرة السرية ضمن التهديدات العابرة للحدود والتي يتداخل فيها أمن الفرد والدولة والمجتمع كما يقصد بمصطلح الحرقة: “حرق كل الأوراق والروابط التي تربط الفرد بجذوره وهويته على أمل أن يجد هوية جديدة في بلدان الاستقبال.

وتعرف المفوضية الأوروبية الهجرة السرية ” بأنها ظاهرة متنوعة تشتمل على أفراد من جنسيات مختلفة يدخلون إقليم الدولة العضو بطريقة غير مشروعة عن طريق البر أو البحر أو الجو بما في ذلك مناطق العبور في المطارات، يتم ذلك عادة بوثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة من المهربين والتجار و هناك الأشخاص الذين يدخلون بصورة قانونية و بتأشيرة صالحة ولكنهم يبقون أو يغيرون غرض الزيارة فيبقون بدون الحصول على موافقة السلطات.

وأخيراً هناك مجموعة من طالبي اللجوء السياسي الذين لا يحصلون على موافقة على طلبهم لكنهم يبقون في البلاد.

كما عرفت منظمة الهجرة الدولية الهجرة السرية كما يلي: ” الهجرة السرية هي التنقل العابر للحدود الدولية أو الإقامة بطريقة مخالفة لقانون الهجرة، إذ تشير أيضأ المنظمة العالمية للهجرة في تقريرها لعام 2022  بأن عبور الحدود الدولية هو أحد أشكال الهجرة السرية، وكذلك العمل دون رخصة، وكذلك ضحايا تجارة البشر وتهريب المهاجرين، كما تشير أيضا إلى أنّ الهجرة السرية يمكن تعريفها حسب وجهة نظر الدولة المصدرة أو حسب وجهة نظر الدولة المستقبلة.

 ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا:

كانت أوروبا، وما زالت محوراً أساسياً ومهما للتحركات السكانية، خاصة وأنّ حضارتها تضرب في عمق التاريخ، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يتوسط العالم مما يجعلها ممراً دائما للمهاجرين باختلاف أنواعهم، كما أنّ هناك جملة من العوامل خاصة الاقتصادية منها جعلتها من أهم مناطق الهجرة الوافدة، وقد مرّت الهجرة نحو أوروبا  بثلاث مراحل أساسية، و تتمثل هذه المراحل في مرحلة تشجيع الهجرة والتي لم تدم طويلاً  نظراً للتدفق الكبير الذي ميزها، ثم جاءت مرحلة وقف الهجرة و تشجيع رجوع المهاجرين إلى أوطانهم، و أخيراً مرحلة بروز الهجرة غير الشرعية أو غير القانونية.

تزامنت مرحلة غلق الحدود مع بعث سياسة محاربة الهجرة في أوروبا هذه الأخيرة التي تفطنت إلى ضرورة إدخال قضية الهجرة في أولوياتها السياسية و الأمنية تمخض عنه ما عرف” اتفاقية شينغن ” والتي بموجبها تم غلق الحدود و فرض الرقابة اللازمة من أجل منع تدفق المهاجرين، و طبقت سياسة غلق الحدود ابتداء من سنة 1174 و بذلك حصرت أشكال الهجرة في: التجمع السري، اللجوء او الهجرة السرية، و في سنة 1113 قامت الدول الأوربية بتعديل قوانينها المتعلقة باللجوء رغم أنّها لا تستقبل سوى 2 إلى 3 % من إجمالي اللاجئين، و كانت ألمانيا أول من بادر إلى ذلك، على اعتبار أنّها تستقبل ربع حصة أوروبا من اللاجئين، ثم تبعتها في ذلك كلّ من فرنسا وبريطانيا، وهو ما أدّى إلى ظهور أشخاص دون وثائق، والذين يعتبرون أيضا مهاجرين غير قانونيين. غير أنّ هذه السياسة الصارمة كان لها أثر عكسي تجلّى في تشجيع الهجرة السرية في ظل الدور الذي لعبه المهاجرون القدامى المقيمون في أوروبا في تدعيمها، و تشجيع طريقة الدخول غير القانوني ما دامت الطرق الشرعية مستحيلة، وبهذا الشكل انتقلت أوروبا من سياسة تشجيع الهجرة إلى منعها، والبحث عن وسائل ملائمة لوقفها، و ردعها في ظل بروز ظاهرة الهجرة غير القانونية، والتي تعد أكثر تعقيداً، و صعوبة، وباتت تقلق المجتمع الدولي.

ومازالت تيارات الهجرة تتدفق عبر شمال أفريقيا إلى أوروبا فيما سمي بتهديد المهاجرين غير الشرعيين من شمال أفريقيا، ويعد هذا النمط من الهجرة أكبر مشكلة تواجه دول الاتحاد الأوروبي ما جعلها على رأس الأولويات السياسية لمعظم الدول الأوروبية حاليا . وبالرغم مما يكتنف هذا النمط من الهجرة من مخاطر و صعوبات مازالت القوارب غير المجهزة و غير المؤهلة تعبر البحر المتوسط إلى أوروبا يوميّاً عن طريق ما يسمى بالطريق الأزرق، والذي يستخدم لنقل المهاجرين من شمال أفريقيا إلى أوروبا عبر اليونان وإيطاليا و إسبانيا، وقد تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين، وتعددت مصادرهم ووجهاتهم و مساراتهم كما تشير إلى ذلك أحدث بيانات منظمة الهجرة الدولية.

الخاتمة:

إنّ ظاهرة هجرة  الشباب، وهجرة الطاقات والخبرات هي ظاهرة معقدة من حيث الأسباب المنتجة لها، والتي أصبح العالم بأسره يعاني منها خصوصاً في السنوات الأخيرة، فالهجرة بحد ذاتها ليست حديثة بل هي قديمة، و لكنها تحولت وتبدلت إلى أنواع منها الهجرة الرسمية وكذلك  هجرة غير شرعية بعد ان قيد الانتقال من بلد إلى آخر، ووضعت التأشيرات والأذونات للدخول إلى دول الاستقبال، ممّا يجعل الكثير من الحالمين الحصول على هذه التأشيرات.

لقد تعدّدت الأبحاث و الدراسات التي اهتمت بالأسباب و العوامل و الدوافع المؤدية إليها عاكسة وجهة نظر الدارسين فمنهم من تبنى العوامل السياسية، في حين شدت البيئة الاقتصادية المشتغلين على هذا الأمر، بينما اهتم آخرون بالنواحي النفسية و الاجتماعية للمهاجر.

المراجع:

1- سهام حروري، الهجرة وسياسة الجار الأوروبي، مجلة الفكر متخصصة في الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، العدد الخامس، مارس،2021.

2- احمد رشا سالم، الأخطار الظاهرة والكامنة للهجرة غير الشرعية، مقال منشور في: مكافحة الهجرة غير الشرعية، مركز الدراسات و البحوث. بجامعة نايف للعلوم الأمنية، ط،1 الرياض 2010

3- عاطف عبد الفتاح عجوة، البطالة في العالم العربي وعلاقتها  بالجريمة، الرياض، المركز العربي للدراسات 1985

4- هجرة الكفاءات العربية، الأسباب والنتائج، عيد الناصر البدراني،الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك،2009

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى