محمد عبدو
تعتبر الشائعات من الآفات الاجتماعية والنفسية الخطيرة التي تهدد المجتمعات التي تتعرض لها، وإذا ما أردنا التحدث عن الشائعة؛ فلا بد لنا أن نعرفها في البداية. فالشائعة في اللغة بحسب المعجم الوسيط تأتي بمعنى “الخبر الذي ينتشر ولا تثبيت فيه”.[1]
في حين يُعرّفها عالم النفس “البورت وسبتمان”، اصطلاحاً، على أنها “كل قضیة أو عبارة نوعیة مقدمة للتصدیق، وتنطوي على مادة موضوعیة يتم تناقلها من شخص لآخر بالكلمة المنطوقة، وذلك دون أن تكون هناك معاییر أكیدة للصدق”.[2]
بينما يصفها “جان نويل كابفيرير” صاحب “كتاب الشائعات” بأنها “أقدم وسيلة إعلامية”، ويؤكد نظريته بأن قناة التواصل الوحيدة قبل الكتابة كانت المشافهة، والتي سهلت نقل الشائعة تحت بند نقل الأخبار التي أضيفت لها بعض الأحداث لتكون أيضاً وسيلة لبناء السمعة أو تقويضها”[3].
وفي تعريف جامع لها يمكننا القول بأن الشائعة هي عبارة قابلة للتصديق لا تطلب برهان أو دليل، تنتقل من شخص إلى آخر عن طريق الكلمة الشفهية أو من خلال وسيلة من وسائل العمليات النفسية.
وتأتي خطورة الشائعة كونها تجيب على التساؤلات بأسلوب يرضي جميع الاتجاهات والآراء، وبالتالي يكون لها التأثير الفعّال والمدمّر على عواطف وسلوكيات تلك الأهداف المخاطبة.
أما عن سبب انتشار الشائعات، فيرجع في المرتبة الأولى إلى نوع المجتمع نفسه، فالشائعة يتم إثارتها في مجتمع يفتقر إلى المعلومات أو إلى عدم تزويد الأفراد بالأخبار والأحداث بشكل مستمر.
بدوره يرى السياسي المصري “صلاح نصر” عبر كتابه ” الحرب النفسية معركة الكلمة والمعتقد”، أن عدم توفر الأخبار أو ندرتها ليس بعامل كافٍ لترويج الشائعة، وإنما يحتاج الأمر إلى شرطين أساسيين يجب توافرهما، هما كل من الأهمية والغموض الذين يتحلى بهما الموضوع.
لدينا أيضاً ذلك المجتمع الذي لم يتلقَّ تعليماً أو ثقافة، ترى النفاق والأكاذيب تنطلي عليه بسرعة، لكونه مؤهلاً تماماً لاستقبال أي كذبة بكل حفاوة، بحيث لا يبحث عن تفسير شائعة وما وراءها أو السؤال عن مصدرها، بعكس المجتمعات المتعلمة تماماً.
أيضاً ما يزيد من انتشار الإشاعات داخل المجتمعات، هو الافتقار للشخص المخوَّل له الرد عليها ونفي كل ما يتعلق بها من شكّ وأقاويل، وهنا نقصد بالمتحدثين الرسميين باسم المؤسسات والجهات المعنية.
ولعل الشائعات التي انتشرت إبان كارثة الزلزال، وأنها كانت ضمن مفاهيم نظرية المؤامرة، هي خير دليل على ما نتحدث عنه.
كما أن الشائعات تشكل خطورة من نواحي عديدة أهمها تأثيرها على الأمن الوطني، فنشر الشائعات يؤدي إلى انتشار الفوضى بين أفراد المجتمع وتهديد الأمن والاستقرار، والتشكيك بالجهات المسؤولة ومدى مصداقيتها، والضغط على صانعي القرار في الدولة للاستعجال في اتخاذ القرار واتخاذ إجراءات القوانين.
إن انعدام الثقة أيضاً من الأسباب المباشرة لانتشار الشائعات، إلى جانب التأثير الاقتصادي، فانتشار الخوف والهلع يؤدي إلى عدم الإنجاز ومنع التقدم الاقتصادي.
دور وسائل التواصل غير الجماهيرية (التقليدية) في محاربة الشائعات:
إن الآثار الكارثية المترتبة على انتشار الشائعات، تنبهنا إلى ضرورة العمل على مجابهتها بكل الطرق المُتاحة، ومن بين هذه الطرق دعم وسائل التواصل غير الجماهيرية كـ(المؤسسات الحكومية، المراكز الثقافية، دور العبادة، المؤسسات التعليمية)، ويمكن إضافة الأشخاص المؤثرين ضمن تجمّعاتهم البشرية كرؤساء العشائر، حيث يُلقى على عاتقهم مهمة درء خطر الشائعات عن عشائرهم.
ويمكن القول: إنّ رابطة الدم المشتركة التي يتحلّى بها أبناء العشيرة الواحدة إلى جانب احترام الهيكلية التنظيمية الاجتماعية من قبل أفرادها، تسهل من مهمة مجابهة العشيرة، عبر تنبيه رأس الهرم، وهو رئيس العشيرة، سواء لدرء الفتن الناتجة عن الشائعات، أو لتحذيره من مغبَّة انتشارها.
كما أنّ للمؤسسات الدينية دوراً كبيراً في منع انتشار الأفكار الخاطئة التي تروَّج عبر الشائعات من خلال الخطب وغيرها، فمثلاً عملت بعض الأطراف على بث إشاعات خلال كارثة الزلزال، تشير إلى نقص الغذاء والماء، هدفها منع انتشار المساعدة وتصوير الموضوع على أنه يجب على شخص الالتفات لنفسه فقط، إلا أن المؤسسات الدينية عملت على تدارك هكذا مواضيع.
وتتخذ المؤسسات الحكومية في مجابهة الشائعات دوراً ريادياً يكمن في العديد من النقاط، منها، إصدار تشريعات تعمل على تجريم الشائعات قانونياً للحد من انتشارها، إلى جانب العمل على تفعيل دور المتحدّثين الرسميين لمشاركة الرأي العام والجمهور المعلومات بكل مصداقية وتمنع ظهور أي إشكاليات.
فالرأي العام هو اتفاق وجهة نظر الناس تجاه موضوع ما، طالما كانوا أعضاء في مجتمع واحد[4].
أما المؤسسات الثقافية؛ فعليها العمل على تنظيم الندوات وإطلاق المبادرات التوعوية قبل حدوث أعمال شغب، لتهيئة المجتمع لمواجهة الحرب النفسية التي تشكل الشائعة جزءاً منها.
فمن السهل الكشف عن الصلة الوثيقة بين وقوع أعمال الشغب والشائعات، لكن هذا لا يعني أن الشائعات هي العامل الوحيد في إثارة الشغب، لكنها تلعب دورا مساعداً وهاماً في ذلك، وهذا ما يؤكده أحد الباحثين في دراسات الشائعة بقوله “ليس هناك من شغب يمكن أن يحدث بغير ما إشاعات تستثير العنف وتصاحبه وتغذيه”[5].
دور وسائل التواصل الجماهيرية في مجابهة الشائعات:
تعتبر وسائل الإعلام بجميع أنواعها المرئية والمكتوبة والمسموعة أهم صلة للتواصل مع الجماهير، إلى جانب أن الإعلام بمفهومه العام يعتبر وسيلة لنقل المعلومات ونشر المعارف وحتى التأثير في تشكيل سلوك الفرد وتوجيه الرأي العام.
ويأتي دور الصحفي الصانع للمواد الإعلامية ريادياً في تلك الوسائل من خلال المواد التي يمدها بها، والالتزام بأولويات العمل الصحفي المهني وعدم التسليم والتصديق من قبل الصحفيين لكل المواد والمعلومات التي تَرِد إليهم، خاصة عندما تكون مصادرها مشكوك فيها، ولابد من التثبت منها قبل النشر، لكيلا يتحول من ناقل للأخبار إلى صانع للإشاعات أو مساهم بها.
ويمكن وصف دور وسائل التواصل الجماهيرية بالفعال أثناء كارثة الزلزال، عندما عملت على توعية المجتمع بخصوص التعاطي مع الأزمة كونها غير مألوفة، وذلك عبر نشر بروتوكولات التعامل مع الزلزال وشرحها بطرق مبسَّطة عبر الإنفو غرافيك والفيديو غرافيك وغيرها من الوسائل الأخرى لإيصال المعلومة إلى جميع شرائح المجتمع من مثقفين وأميين.
كما أن كبر رقعة انتشار هذه الوسائل يساهم في إيصال الرسائل المراد إيصالها بشكل سريع وغير مكلف جداً. وشكلت القرارات التي أصدرتها الحكومات للتعامل مع أزمة الزلزال أو نداءاتها، مسألة هامة لتبديد الشائعات وزيادة التعاضد الاجتماعي وغيرها.
وحول هذا الموضوع يقول “الكاتب د. محمد كامل القرعان” بأنه يجب على القائمين بأعمال الدوائر الإعلامية في مفاصل الدولة ومؤسسات صنع القرار عدم تجاهل مقولة (الإعلام لا يُختزَل فقط بخبر صحفي)، وإعطاء الأهمية للتحليل والتمحيص والشفافية والحقيقة ما بعد الخبر، أهم من الخبر ذاته.
إن الغموض في الإشاعة يخاطب جانباً مهماً لدى الإنسان وهو الرغبة في المعرفة وحب الاستطلاع، فنجد أن الإنسان يتبادل الحديث حول الشائعة مع الآخرين كي يتأكد من موقفهم تجاهها وفيما إذا كانوا يصدقونها أو ويرفضونها[6].
وهنا يأتي دور وسائل الإعلام لتلافي هذه الرغبة، عبر تزويد المتابعين بالأخبار وبالسرعة المطلوبة، فالتوقيت أحد العناصر المهمة المكونة للخبر الصحفي، إلى جانب الجدية والسرعة في النشر، بعد التأكد من المصادر، كما أسلفنا الذكر.
ويمكن لوسائل الاتصال الجماهيرية مكافحة الشائعات أيضاً عبر ثلاثة طرق، اتفق عليها علماء النفس والاجتماع والإعلام، وهي على الشكل الآتي:
1 – تحليل الإشاعات: من خلال إجراء يعرف باسم “عيادة الشائعات”[7]، وذلك يتم عبر عدة خطوات منها فحص الوقائع والأحداث والاستعانة بخبرات من شأنها كشف زيف الشائعات.. إلخ.
2 – تكذيب الشائعة: وتستند على شرطين أساسيين، أولهما قيام شخصية لها مكانتها الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية بتكذبيها، ويستحسن أن يكون عبر البث الحي للتلفزيون، ثانيهما عدم تكرار الشائعة عند تكذبيها باستخدام الألفاظ نفسها، بل العمل على تغيير صيغتها.
3 – قتل الشائعة: وقتلها بشائعة أخرى أكبر منها حجماً، وهي الطريقة التي استخدمها النازيون على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية.
في النهاية نجد بأن الشائعات تعتبر أداة من أدوات الحرب الخاصة التي تأخذ مكانة أكبر لها خلال القرن الواحد والعشرين وتكاد لا تنفك عن كونها أخطر من الأسلحة التقليدية التي تستخدم في الحروب.
فالصحفيون أصبحوا مقاتلين ومدافعين على جبهات غير تقليدية مختلفة، وتعتبر أكثر تعقيداً من حيت التعاطي وفق الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها، ليوجهوا المجتمعات ويحمونها من المحيط والآفات التي تخلقها الأنظمة الفاشية الرأسمالية.
ولكي يتم التخلص من مظاهر التبعية العمياء، التي لا تكون محسوسة بفعل الشائعات، لا بد لنا من العمل على زيادة توعية المجتمع لمخاطر تلك الشائعات، والعمل رفع سوية التعاضد بين كل مكونات المجتمع وشرائحه، درءاً لمخاطر الانقسام، ولمواجهة الكوارث والأزمات بجسم واحد متكامل لا يأبه للشائعات.
المصادر والمراجع:
- نويل كابفيرير،ج.( 2007).الشائعات الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم (تانيا ناجيا، مترجم) بيروت- لبنان: دار الساقي
- سامية أبو النصر، الإعلان والعمليات النفسية في ظل الحروب المعاصرة واستراتيجية المواجهة، القاهرة، دار النشر للجامعات،2010.
- حسام الدين مصطفى، استخدام تكنولوجيا الاتصال في انتشار الشائعات: دراسة حالة مستخدمي الانترنت والهاتف السيار،ص77.
- صلاح نصر، الحرب النفسية- معركة الكلمة والمعتقد، دار القاهرة للطباعة والنشر 1199 ،الجزء الأول، ص 429.
- عبد السلام خضر، أحمد.(2019-22-23 أبريل).أساليب مواجهة الشائعات، قدم إلى مؤتمر العلمي السادس “القانون والشائعات”، بكلية الحقوق بجامعة طنطا.
- جوردون ألبرت – ليوبوستمان، سيكولوجية الإشاعة، ترجمة صالح مخيمر وعبده ميخائيل رزق ، دار المعارف، مصر.
[1] مجمع اللغة العربیة، معجم الوسیط (ج1 ،ط2 ،طهران: المكتبة العلمیة، 1972)ص50.
[2] Auport, J. w& postman, I the sychology of umor, (New york : henryholtandeo, 1984) – p211.
[3] نويل كابفيرير،ج.( 2007).الشائعات الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم (تانيا ناجيا، مترجم) بيروت- لبنان: دار الساقي.
[4]صلاح نصر، الحرب النفسية- معركة الكلمة والمعتقد، دار القاهرة للطباعة والنشر 1199 ،الجزء الأول، ص 429.
[5] جوردون ألبرت – ليوبوستمان، سيكولوجية الإشاعة، ترجمة صالح مخيمر وعبده ميخائيل رزق ، دار المعارف، مصر
.911 ص، 1194
[6]حسام الدين مصطفى، استخدام تكنولوجيا الاتصال في انتشار الشائعات: دراسة حالة مستخدمي الانترنت والهاتف السيار،ص77.
[7] سامية أبو النصر، الإعلان والعمليات النفسية في ظل الحروب المعاصرة واستراتيجية المواجهة، القاهرة، دار النشر للجامعات،2010.