أبحاث ودراساتافتتاحية العددعلي البحروايمانشيتملف العدد 62

انتشار ظاهرت المخدرات، ودور الدول والحداثة الرأسمالية

علي البحرواي 

علي البحرواي

تعتبر مشكلة تعاطي وإدمان المخدرات من أبرز وأخطر مشكلات العصر التي تواجه المجتمعات على اختلاف أنواعها، خصوصاً بعد صدور تقارير دولية ومنظمات متخصصة حول  الزيادة الكبيرة  في نسبة المدمنين  في كل دول العالم  المتقدمة منها والنامية. ولقد لوحظ في الفترة  الأخيرة انتشار ظاهرة تعاطي وادمان المخدرات في مجتمعاتنا في الشرق الأوسط ، وخاصة بين  أوساط الشباب، بل ومن المؤسف أن  هذه الظاهرة قد انتشرت نسيباً بين مجتمع الطلاب أيضاً.

يعود سبب اختياري لهذا الموضوع لمجموعة اعتبارات علمية وأكاديمية واهتمامي بقضايا التي تخص حماية بلداننا في العالم العربي والشرق أوسطي، من بينها الأهمية التي أصبح يكتسبها الاتجار غير المشروع في المخدرات و الاهتمام الدولي به، وبروز جريمة الاتجار غير المشروع بالمخدرات على النطاق المحلي والدولي كظاهرة خطيرة تهدد أمن المجتمعات والشعوب  والدول، وتقف أمام تطورها سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي ومعرفة وسائل مكافحتها وكيف تم التصدي لها، والنظر إلى الاستراتيجيات الدولية والاقليمية والمحلية  المعدة لذلك، من أجل الوصول إلى حلول مناسبة تقلل من وقع هذه الظاهرة والتصدي لها، مع التركيز على المبادئ والأحكام  الأساسية  التي اشتملت عليها الاتفاقيات والصكوك الدولية المعنية بالرقابة على المخدرات، إضافة إلى الوسائل والآليات التي أوجدها المجتمع الدولي لمكافحة هذه الجريمة، ودراسة المشاكل التي يمكن أن تكون عائقاً أمام ذلك، حتى يمكن معرفة القصور و النقص الذي يشوب هذا التعاون الدولي في هذا المجال.

أولاً: ما هي المواد المخدرة ؟ :

إنّ المخدرات قبل كل شيء هي عبارة عن مواد أو عقاقير تستطيع أن تتفاعل مع الكائن الحي بشكل قد تؤثر عليه سواء من الجانب النفسي أو الوظيفي، وهذه المواد بطبيعة الحال لها بعض الخصائص الكيميائية والبيولوجية و النفسية، لهذا اهتم بها العلماء وحاولوا إعطاءها مفهوماً علمياً انطلاقاً من ميدان تخصصهم.

فعرفت بأنها عبارة عن مواد كيميائية لها تأثير مهبط قوي على الجهاز العصبي الإنساني حيث تسبب المادة المخدرة عدم الشعور بالألم، والذهول والنوم والغيبوبة وذلك طبقاً للكمية التي يتم تعاطيها.

وحسب هذا التعريف لا تعتبر المنشطات وعقاقير الهلوسة مواد مخدرة، بينما يمكن اعتبار الخمور  من المخدرات. وتعرف أيضا بأنها “مادة تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ويسبب تعاطيها حدوث تغيرات في وظائف المخ، وتشمل هذه التغييرات تنشيطاً أو اضطراباً في مراكز المخ المختلفة تؤثر على مراكز الذاكرة والتفكير والتركيز، واللمس، والشم، والبصر، والتذوق، والسمع، والإدراك، والنطق، كما تؤثر على مراكز المخ التي تتحكم في وظائف الجسم المختلفة، فهي تؤثر على حرارة الجسم وعلى وظائف القلب والشرايين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والعضلات والغدد “.

فمنذ منتصف السبعينيات والثمانينيات القرن المنصرم  تحولت ظاهرة انتشار المخدرات من مجرد ظاهرة اجتماعية سلبية  إلى مشكلة  قومية واقليمية وحرباً سياسية وثقافية تمارسها الحداثة الرأسمالية.

( وهي جزء من  حرب خاصة  ذات تكلفة اقتصادية وصحية واجتماعية وأمنية باهظة، مما ينعكس سلباً علي الطاقة البشرية الموجودة في المجتمع بصورة مباشرة وغير مباشرة، وعلى خطط وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية.)

من خلال إشارات إحصاءات الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في تقريرها لعام 2013 وثقت  حوالي 322 مليون مدمن ومتعاطي مخدرات  على مستوي العالم.

كما أكد التقرير العالمي المخدرات  لعام 2008م  عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن التبغ يقتل حوالي 5مليون شخص كل عام، وأن المشروبات الكحولية  تقتل حوالي 2.5مليون شخص، وأن المخدرات تقتل حوالي 222ألف شخص في جميع أنحاء العالم  حسب تقرير عام 2014 م.

ثانياً : المخدرات والسلطة و المجتمع :

إنّ تزايد وتصاعد من حدة الجريمة والعنف في أي مجتمع من المجتمعات تساهم في اضمحلال رأس المال الاجتماعي في تلك المجتمعات، وتضعف هنا دور القانون بوجه عام وتتحول المنظومات المجتمعية وبفعل التداخلات الكبيرة إلى عبء في ظل غياب الثقافة المجتمعية الضامنة للقيم والضوابط الأخلاقية.

ومن الناحية الاقتصادية كذلك، يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعاملات التجارية، لأنه لا يصبح بالإمكان الاعتماد على الإدارة والسلطة  توفير الاطار اللازم. وكنتيجة لارتفاع هذه التكاليف تحدث هبوط عام في النشاط الاقتصادي الكلي ومن ثم هبوط في رفاه المجتمع بوجه عام.

ثمة عنصر آخر يسهم في اضمحلال رأس المال الاجتماعي هو الفساد، وبخاصة فساد النخبة السياسية والنظام السياسي كله، وهو مظهر آخر لضعف سيادة القانون. ومع أنه لا يوجد مجتمع محصن بوجه الفساد، فان توفر مقادير كبيرة من الأموال غير المشروعة هو عامل يساعد على ديمومة الفساد. وهذا أيضا يؤدي إلى زيادة التكاليف الكلية للمعاملات التجارية، ويقلل بالتالي من إمكانات رفاه المجتمع.

إنّ النسيج الاجتماعي يصاب حالما تصبح الأنشطة غير المشروعة مثل تجارة المخدرات وانتشار مظاهر الجريمة هي العرف السائد. كما يوفر تحقيق الأرباح بسرعة من الاتجار بالمخدرات حافزاً للشباب على ترك مقاعد الدراسة. وهكذا تنشأ حوافز لجيل بكامله لكي يعيش حياة يكون فيها مجرداً من المؤهلات التعليمية.

والمجتمع المحروم من الفرص التعليمية لا يمكنه أن يتطور. كما إن تأثر الأسرة ستعاني  أيضا الأمرين بمشاكل عويصة، لأنّ الأسر تشكل عادة نواة المجتمع وأي خلل في بنية تلك الأسر تعني انهيارها وابتعادها عن مهمتها في بناء الإنسان والمجتمع.

ثالثاً :المجتمع الدولي والاتفاقيات الدولية الخاصة بالإتجار غير المشروع في المخدرات :

لقد حاول المجتمع الدولي من خلال الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة المخدرات تحديد المقصود بالمصطلحات المستخدمة في كل مواد هذه الاتفاقيات. فقد عرفت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 في المادة الأولى  فقرة “ن” المخدر بأنه: ” أي مادة طبيعية كانت أو اصطناعية من المواد المدرجة في الجدول الأول و الجدول الثاني من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة،1961 ومن تلك الاتفاقية بصيغتها المعدلة ببرتوكول سنة 1972 المعدل لالتفافية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961، ولقد نصت الاتفاقية الموحدة للمخدرات لسنة 1961المعدلة بموجب برتوكول 1972 في المادة الأولى تحت عنوان تعاريف بند “ي” على أنه “يقصد بتعبير المخدر كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجدولين الأول و الثاني”.

أن بعض الحكومات في منطقة الشرق الأوسط  لا ترى سوى المنافع القصيرة الأمد ولا تعترف بالخسائر الطويلة الأمد من حيث تقصر في التنظيم الرقابي للنظام التنمية. وفي هذا الصدد، فإنها تقصر في تخصيص الامكانات والدعم  وفي اتخاذ التدابير المناسبة، لمكافحة إنتاج المخدرات والاتجار بها بشكل غير مشروع؛ وأن سياسة مراقبة المخدرات تصاغ في بعض الأحيان ضمن سياق محلي  يتجاهل الآثار الدولية الطويلة الأمد.

هناك علاقة طردية بين التنمية وانتاج المخدرات والاتجار بها بصورة غير مشروعة، وكذلك بين السياسات الانمائية ومراقبة المخدرات. ويمكن القول ان مراقبة المخدرات هي في الحقيقة شرط أساسي لنجاح التنمية، بينما قد يكون نجاح التنمية الاقتصادية شرطاً مسبقاً لتحقيق نجاحات مستدامة في مجال مراقبة المخدرات.

مع وجود دلائل تستند إلى التجربة تدعم النظرية القائلة بأن مراقبة المخدرات تخدم التنمية بالفعل، فان اعتبار العلاقة العكسية للتنمية الاقتصادية العامة العالية شرطاً لازماً لتحقيق النجاح في مراقبة المخدرات هو أمر أقل تأكيداً. ولا تتيح الدلائل إعطاء جواب قاطع على ذلك. ومن الممكن العثور على دلائل تثبت أن التنمية يمكن أن تؤدي، ضمن سياقات مختلفة، إما إلى تقليل مشاكل المخدرات وإما إلى زيادتها.

رابعاً : المخدرات والسياسة المعولمة، ودور الحداثة الرأسمالية في انتشارها :

لقد عرف العالم مع نهاية القرن العشرين تحولات  سياسية كبيرة وتغيرات في موازين القوى العالمية تمثلت في نهاية النظام العالمي المزدوج، وانهيار المعسكر الشرقي وتفتت الدول التي كانت تحت رعاية الاتحاد السوفيتي سابقاً، وضعف السلطة المركزية للدول، وتفكك نظام العدالة الجنائية والاجتماعية، أدى إلى ظهور وسيطرة المنظمات المتخصصة التي امتهنت تجارة المخدرات والتي تنشط لحسابها في ميادين مشبوهة، مستغلة هذه الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية الجديدة، وتطورت تبعاً لإهمال السلطة القائمة وتفشي الرشوة في أوساط ممثلي النظام وسلبية وخوف الشعوب، كما ساعدت سلطة المال وسهولة التحويلات المالية بين الدول وصعوبة المراقبة، وضعف الإدارة الاقتصادية الشرعية في تشكيل جماعات إجرامية منظمة جديدة تجاوز نشاطها الحدود، فأصبحت قوتها تناظر قوة الدولة وتهدد أمنها وكيانها.

كما أنّ تحول الأنظمة السياسية لدول الشرق والانتقال السريع من نظام مركزي اشتراكي إلى نظام رأسمالي سمح للمنظمات والجماعات المنظمة من احتكار الأسواق والتصرف فيها حسب أغراضها، كما كان للثقافة الرأسمالية أثراً على ذهنيات المجتمعات والشعوب وأصبح هوس الوصول إلى الثروة بأي طريقة كانت هدف هذه المنظمات. وفي ظل هذه التناقضات أصبحت الأنظمة القانونية للدول غير مستقرة، بل أكثر من ذلك أصبحت غير قادرة على مسايرة المتغيرات السياسية والاقتصادية الحديثة، فظهرت الفراغات القانونية التي أصبحت كمنفذ لتمرير الأفعال الإجرامية لهذه المنظمات التي تبنتها الرأسمالية الغربية، التي بدأت تستغل هذا العجز القانوني بتوسيع شبكة نشاطاتها عبر الدول، وأصبح لديها قابلية التنظيم داخل قطاعات الأنشطة المشروعة ومحاولة مزاحمة الدول في أنشطتها وأعمالها من خلال التأثير السياسي.

هذه التغيرات التي شهدها العالم كان لها دور في تطور المنظمات الكبرى والتي تمارس أنشطتها في مختلف مجالات العمل غير المشروع  ومنها التعامل غير المشروع بالمخدرات، حيث ضاعفت من أنشطتها خارج مناطق تواجدها التقليدية، كما ارتفعت مقدرتها على التأثير وخلق عدم الاستقرار، حيث تسارعت خطى هذه المنظمات ولم يعد الأمر اليوم يتعلق بالمافيا التقليدية، بل بمنظمات وليدة وجديدة تقــــوم بممارسات غير مشروعة، وتلعب دوراً اقتصادياً واجتماعياً مكنها من تكديس ثروات كبيرة، بربط علاقات واتصالات مع المؤسسات الشرعية، كظهور المافيا الروسية التي يناهز عددها اليوم المائة منظمة دولية تضم 20 ألف عنصر، وكذلك حرب البلقان التي أفرزت المافيا الألبانية، والمؤكد أن المنظمات غير المشروعة استفادت كثيراً من التغيرات الجيوسياسية و استغلتها لفائدتها من أجل أن تنتشر و تزداد قوة.

إنّ التأثيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لم تقتصر على المعسكر الشرقي، بل إن تلك المتغيرات قد مست وتأثرت بها حتى الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية، مما شجع انتشار جماعات الإجرام المنظم واحتراف الجريمة المنظمة لا سيما عبر أقاليم الدول الضعيفة، سواء باستعمال أقاليمها كأقاليم عبور لكل النشطات الغير مشروعة، أو القيام بالنشطات ذاتها داخل أقاليمها بالاعتماد على الأسواق الداخلية، لتسويق المخدرات وغيرها من الأنشطة غير المشروعة

حيث أضحى النظام الاقتصادي العالمي اليوم نظاماً واحداً تحكمه أسس علمية مشتركة، يتميز باندماج اقتصاديات دول العالم في شبه سوق عالمية تتحرك فيها رؤوس الأموال والسلع والخدمات بحرية كبيرة، حيث زالت القيود، وتم تقريب المسافات وتوفير الوقت والجهد، تديرها مؤسسات عابرة للقارات ذات تأثير على الاقتصاديات المحلية بما تملكه من الإمكانيات المالية الضخمة، وأصبحت الأسواق التجارية والمالية خارجة عن سيطرة دول العالم، بما في ذلك أكبرها وأغناها، وبدأ التحكم التقليدي للدول في النشاط الاقتصادي يتراجع.

خامساً : استهداف الشباب  وانتشار المخدرات في المجتمعات :

إنّ انتشار الجريمة في المجتمع إن الأموال الطائلة التي يجنيها المجرمون بوجه غير شرعي جراء  أنشطتهم في مجال الاتجار غير المشروع في المخدرات، وبطرق سهلة وسريعة، مع إمكانية استمتاعهم بهذه الأموال بعد إضفاء صفة الشرعية عليها، عن طريق القيام بعمليات تبييضها كل ذلك يؤدي إلى زيادة دوافعهم الإجرامية ودخولهم ميادين جديدة للجريمة، والنتيجة زيادة معدلات الإجرام في مختلف الميادين.

وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى انتشار جرائم تبييض الأموال كجريمة تبعية لجريمة الإتجار غير المشروع في المخدرات، فهي تعتبر بمثابة الأمان لمن يحصل على أموال غير شرعية من المنظمات التي تعمل في مجال الاتجار في المخدرات والممنوعات، بحيث تصبح الملجأ لمحترفي الإتجار غير المشروع بالمخدرات من المساءلة القانونية نتيجة نجاحهم في الافلات  من الملاحقة والعقاب، وحتى وإن ألقي القبض على المجرم خاصة إذا كان ضمن تنظيم فهو يمتلك أصوال وممتلكات هائلة تبقى حرة طليقة في كثير من الأحيان، مما يشجع غيرهم على ولوج عالم المخدرات، وبالتالي انتهاج طريق الجريمة كوسيلة للثراء السريع.

إنّ تعاطي المخدرات من أخطر الأمراض الاجتماعية التي تعرفها الإنسانية، فالشخص المتعاطي لها يعبر عن سلوك ما، وباعتبار أن السلوك الإنساني ليس بالسلوك البسيط، لأنّ الإنسان يتكون من روح وجسد يؤثر ويتأثر في تكويناته الداخلية التي هي مصدر سلوكه، فإنه يمكن تفسير الإقبال على تعاطي المخدرات  لدى الفئة الشابة مرده  إلى عامل أو مجموعة من المبادئ الأولية.

بل هو سلوك معقد ومرتبط بالعديد من العوامل النفسية والاجتماعية والجسمية والاقتصادية التي تجعل الأفراد متعاطين ومدمنين على المخدرات، هذه العوامل ربما تكون لوحدها سبباً أو تتداخل مع بعضها البعض، وفي كثير من الأحيان يكون هنالك أكثر من عامل واحد مساعد على التعاطي وانتشار هذه الآفة، وقد تختلف هذه العوامل وأهميتها من دولة إلى أخرى بل من مجتمع إلى آخر في نفس الدولة، ومن فترة زمنية إلى أخرى في البلد الواحد حيث يتوقف ذلك على طبيعة العرض والطلب غير المشروعين على المواد الـــمخدرة بأنواعهــا المختلفة.

سادساً :انهيار الثوابت  في القيم الاجتماعية لدى الشباب بسبب المخدرات:

تؤدي جرائم المخدرات إلى انهيار الكثير من القيم الاجتماعية لدى الشباب و التي بقيت راسخة في أعماق المجتمع قروناً طويلة، حيث يصبح المعيار المادي فوق القيم  والأخلاقيات، نتيجة ضعف وظيفة القيم الرادعة، ويصبح المعيار الاجتماعي لقيم الفرد هو المال وبصرف النظر عن مصدره، الأمر الذي يؤدي إلى تشجيع السلوك المنحرف واندثار القيم النبيلة.

بذلك تنتشر مجموعة من السلوكيات السلبية والتي منها الفساد الوظيفي وشراء الذمم والاختلاس والاستيلاء وتبييض الأموال و غيرها من الجرائم، كما يضعف الولاء والانتماء للوطن عند بعض الشرائح الاجتماعية، وذلك مع تزايد السلبية واللامبالاة بالمجتمع لدى بعض الأفراد، وبالتالي ينعدم الاستقرار الاجتماعي اللازم لقيام عملية التنمية.

قد تتعرض قوة التماسك الاجتماعي للتقويض الشديد أيضاً، عندما يحدث تحول في القيم التقليدية نتيجة لظهور تغيرات ثقافية وسياسية واقتصادية وروحية، وكذا نشأة مجموعات جديدة من القيم وقد يفرز هذا الوضع إحساساً لدى بعض الفئات الاجتماعية بالإقصاء أو بالانفصال عن القيم الجديدة والناشئة ويجعلها أكثر ميلاً إلى السعي لتحقيق مصالحها الخاصة بغض النظر عن تأثيرها على المجتمع ككل.

وكذلك فقدان احترام  القانون  فتساهم جرائم  المخدرات في شيوع ظاهرة تحدي القانون، وروح التمرد خاصة لدى الشباب والاستهانة بالسلطة الشرعية وعدم الرغبة في التمسك بالأنظمة والقوانين المعمول بها، نتيجة عدم التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وتبعا لذلك تنعدم الروح الجماعية وتبرز الروح الفردية الأنانية، والتفكك الأسري وضعف روابطها، وما ينجم عن ذلك من انعدام للقيم.

خاتمة البحث :

في خلاصة هذا البحث المتواضع  رأينا  الأهمية بمكان  دراسة جريمة الإتجار غير المشروع في المخدرات والتعرف على الأساليب التي تم وضعها لمواجهتها سواء على المستوى الدولي أو المحلي، ومدى نجاعتها في التصدي لها، في ظل استغلال الشبكات المتخصصة في هذه التجارة غير المشروعة عبر استخدام  الشباب ضمن مجتمعاتهم وعبر التقدم التكنولوجي، وكثرة وسائل الاتصال وسهولة نقل الأموال والأشخاص واستثمار مناخ العولمة، مما أدى إلى تطورها وتوسع دائرة نطاقها وأساليبها، وبطبيعة الحال يكون ذلك من خلال الإجابة على الإشكالية التي تم طرحها في مقدمة البحث.

ويضاف إلى ما سبق مشكلة زراعة المخدرات بالنسبة لبعض دول الجنوب الفقيرة، التي تعتمد عليها بطريقة أو أخرى في اقتصادها، وهي لا تستطيع القضاء عليها لعدة اعتبارات مادية واجتماعية وحتى سياسية، ما لم تكون هناك مساعدات من قبل الدول المتقدمة، من أجل إتباع برامج للتنمية شاملة وإحلال الزراعات المشروعة البديلة للمخدرات وتوفير سبل تسويقها، بما يضمن تخلي المزار عين عن زراعة المخدرات إلى هذه الزراعات المشروعة.

وهذا ما لا يتم العمل عليه بل على العكس تسعى الرأسمالية إلى ترسيخ ثقافة الهروب من الواقع وعدم مواجهته وإبطال الخطط المحلية التي ترمي إلى ضبط عمليات الاتجار غير المشروع في هذه المادة السامة التي تهدد المجتمعات والأجيال.

وفضلاً عما سبق رأينا أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة المخدرات تفتقر إلى الجانب الزجري، بسبب عدم وجود هيئة عليا تتكفل بحالات انتهاكها وعدم احترامها، إضافة إلى مسألة التحفظات التي يمكن للدول أن تبديها على هذه الاتفاقيات، مما قد يؤدي إلى إضعاف أو التقليل من الغاية التي وجدت من أجلها، وبالتالي تؤثر هذه التحفظات على غرض وأهداف هذه الاتفاقيات، أو تؤثر سلباً على تحقيق التعاون الدولي في مجال مكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات، مما يفقدها قيمتها في فرض أحكامها على الدول.

مصادر البحث :

1- مدحت محمد أبو النصر مشكلة تعاطي وإدمان المخدرات، الدار العالمية للنشر والتوزيع،القاهرة 2008م

2- نصر الدين مروك، جريمة المخدرات في ضوء القوانين والاتفاقيات الدولية، دار هومة، الجزائر،2004.

3- سليمان بن صالح، المخدرات وأثارها النفسية على الطلاب في المجتمع الخليجي، فعليات مؤتمر الشباب الجامعي وآفة المخدرات، 2006م.

4- حسين علي فايد، سيكولوجية الإدمان، مكتب العلمي للكمبيوتر و النشر والتوزيع، القاهرة، 2008م

5- أنور العمروسي، المخدرات وأثارها وأنواعها وجرائمها وعقوباتها، دار الفكر الجامعي، القاهرة،2006 م

6- مصطفى عمر التير، المخدرات والعولمة،الجوانب السلبية، جامعة نايف العربية للعلوم، الرياض، 2007م

7- معن خليل عمر، العولمة والجريمة في الوطن العربي، بحث مقدم لندوة التخطيط الأمني  لمواجهة عصر العولمـــة مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض مارس،2005م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى