أبحاث ودراساتافتتاحية العددعلي الصالحمانشيتملف العدد 61

الإسلام الديمقراطي دينٌ أخلاقي… دينٌ حرّم هدرَ الدم

علي الصالح

علي الصالح

لقد جاءت الديانات السماوية متكاملة أو شبه متكاملة, واتبعت ظروفها المكانية أو الزمانية من الناحية التنظيمية والتأثير على حياة البشر ضمن مجتمعاتهم من النواحي الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية, بيد أن كل فلسفة رأت ونظمت حياة المجتمعات والشعوب بصورة مختلفة أو تكاملية أو تعارضية, مثلما لم تتكون بسهولة التقاليد الدينية التي تشكل قسماً هاماً من العالم المعنوي للإنسان، فتغير تلك التقاليد ساهم في الانتشار الجغرافي الواسع, لهذا السبب فإن جميع الأديان وخاصة الإسلام والمعتقدات, برزت وانتشرت في فترات طويلة, حيث لم تتغير في فترة وجيزة أو بسرعة وبسهولة, بسبب قدسيتها وتفوق هويتها على كافة الهويات الاجتماعية الأخرى.

الإسلام والديمقراطية

في بحثنا هذا حاولت الربط بين مصطلح الديمقراطية والدين الإسلامي, حيث وجدتُ عدداً من وجهات النظر حول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية تناولها عدد من المنظرين السياسيين الإسلاميين والجمهور الإسلامي العام .

وأبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين الذين حظيتْ أفكارهم بشعبية واسعة, خاصة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، يرون أن المفاهيم التقليدية مثل الشورى والمصالح المرسلة والعدل هي التي تفسّر المؤسسات الحكومية التمثيلية التي تشبه الديمقراطية الغربية اليوم، ولكنها تعكس القيم الإسلامية لا القيم الحداثية الرأسمالية أو الغربية, حيث ما يزال البعض الآخر  يقدّم نماذج ديمقراطية للسياسة الإسلامية القائمة على التعددية وحرية الفكر والتوجه.

و تُمثَّل العديد من المواقف المختلفة التي تتعلق بالديمقراطية بين عامة المسلمين، إذ تشير الآراء  إلى أن الأغلبية في العالم الإسلامي ترغب في نموذج سياسي حيث يمكن للمؤسسات والقيم الديمقراطية أن تتعايش مع قيم ومبادئ الإسلام، ولا ترى أي تناقض بين الاثنين .

تنظِّم العديد من النصوص الشرعية (القرآن والسنة) أوجه نظام الحكم. ورغم وجود عدة اختلافات بين مدارس الفكر الإسلامية، إلا أن الخطوط العريضة تتلخص في ركيزتين أساسيتين هما:

1- البيعة: تنقسم إلى بيعة خاصة وهي أن يقوم أهل الحل والعقد من العلماء والفضلاء ووجوه الناس بمبايعة ولي الأمر على السمع والطاعة ما لم تكن هذه البيعة في معصية, ثم تكون البيعة العامة والتي يبايع جميع أفراد المجتمع حيث يبايع الرجال والنساء. وهنالك العديد من الآيات والأحاديث التي ذكرت البيعة كقول الله في سورة الفتح – آية 18 و 19 (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية» [10[

2- الشورى: ذكرت في القرآن الكريم في سورة الشورى آية 38: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلآةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). يتفق أغلب المفسرين أن هذه الآية توصي المسلمين بالتشاور قبل اتخاذ أي قرارات ما لم تتعلق بأحكام الشريعة، ولم تحدد الآية شروطاً للمشاركين في المشورة، إلا أنها أمرت بها كطريقة لصنع القرار.[11] وذُكرت الشورى في آيات أخرى تحضّ محمداً صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه (سورة آل عمران – أية )159: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْب).

 

التشابه بين الإسلام والديمقراطية

 

أما أوجه التشابه بين الإسلام والديمقراطية فيتفق الإسلام مع الديمقراطية من حيث المبدأ و إعطاء الشعوب  حق إبداء الرأي ومشاورة الحكام للمحكومين، كما أن الإسلام يأمر بتطبيق المساواة بين أفراد المجتمع وتحقيق العدالة في العديد من النصوص الشرعية كقول الله سبحانه وتعالى (سورة آل عمران – آية 159: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَأوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). وقوله سورة الشورى آية 38: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلآةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم «الدين النصيحة (ثلاثاً) قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .

 

حرمة الدم في الإسلام الأخلاقي

 

يقول الله في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}. هذه الآية الكريمة بدأتُ بها هذا المقال لكي أجعل لهذه الزاوية منهجاً ومساراً، ألا وهو أن الخطاب لا يخصّ المسلمين فقط بل هو خطاب عام لكل الأطياف والأعراق.

أيها الأعزاء: اعلموا أن جميع الشرائع السماوية قد حرمت هدر الدماء، وسفك الدماء, ولم ترخّص لأحد بذلك .

وسوف أتناول في مقالتي هذه (الإسلام وحرمة هدر الدماء) .

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ” رواه أحمد والترمذي

والبيضاء: هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكتاب الله يقول: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيما} ويقول في الآية التي تليها:{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{

ويقول الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين} ثم يختم بهذه الآية العظيمة:{ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً .

**لو تفكرنا في الآية الأولى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً{

لوصلنا إلى حقيقة أنه لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال ولا حجة من الحجج هدر دم إنسان بريء وحتى عندما يقتل خطأ فعلى القاتل عقوبة مالية وجسدية.

دية القتل الخطأ مع صيام شهرين متتابعين {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ{

وإذا انتقلنا إلى الآية الكريمة الثانية: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

فنرى العقوبة على الشكل التالي :

أولاً: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا؛ ثانياً: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ؛ ثالثا: لعنة الله عليه؛ رابعاً: وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا.

إذاً: الأمر جدّ خطير, وللزيادة في التوضيح أنتقل إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله أن نقتدي به  في كل الأمور قال تعالى:{لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا{

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لَزوالُ الدُّنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ رجلٍ مسلمٍ” رواه الترمذي

وعن عبد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنه قَال: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ” رواه ابن ماجه .

هذه بعض الأحاديث الواردة في تحريم الدماء أما الحوادث فهي كثيرة وأقتبس بعضها:

الحادثة الأولى: عنْ جَابِر بن عبد الله  أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَل رَسُول اللَّه ﷺ قَفَل مَعهُمْ، فأدْركتْهُمُ الْقائِلَةُ في وادٍ كَثِيرِ الْعضَاهِ،(شجر كثيف) فَنَزَلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ، وتَفَرَّقَ النَّاسُ يسْتظلُّونَ بالشَّجَرِ، ونَزَلَ رسولُ اللَّه ﷺ تَحْتَ سمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سيْفَه، ونِمْنَا نوْمةً، فَإِذَا رسولُ اللَّهِ ﷺ يدْعونَا، وإِذَا عِنْدَهُ أعْرابِيُّ فقَالَ: إنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سيْفي وأَنَا نَائِمٌ، فاسْتيقَظتُ وَهُو في يدِهِ صَلْتاً، قالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ منِّي؟ قُلْتُ: اللَّه، قَالَ: فسقَطَ السَّيْفُ مِنْ يدِهِ، فَأخَذَ رسَول اللَّه ﷺ السَّيْفَ فَقال: منْ يمنعُكَ مِنِّي؟  فَقال: كُن خَيْرَ آخِذٍ، فَقَالَ: تَشهدُ أنْ لا إلَه إلاَّ اللَّهُ، وأنِّي رسولُ اللَّه؟  قَالَ: لاَ، ولكِنِّي أعاهِدُك أنْ لا أقَاتِلَكَ، وَلاَ أكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخلَّى سبِيلهُ، فَأتى أصحابَه فقَالَ: جِئتكُمْ مِنْ عِندِ خيرِ النَّاسِ. البخاري

الحادثة الثانية: وهي حادثة الإفك وهي اتهام زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضه وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك الاتهام الباطل الذي أذاع وأشاعه رأس المنافقين عبدالله بن سلول والذي قال الله فيه: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون.

فكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الفتنة؟ ولو تُركت للأهواء والرغبات لجرت بسببها بحور من الدماء, فعندما طالب عمر بقتله لأجل قوله وفعله قالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، فَقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْهُ، لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. “بَلْ نَرْفُقْ بِهِ وَنُحِسنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا”، وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه ويتوعدونه، فقال رسول الله ﷺ لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم: “كَيْفَ تَرَى يا عُمَرُ، أما واللهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أَمَرْتَنِي بِقَتْلِهِ لأرْعَدَتْ لَهُ آنُفٌ، لَوْ أَمَرْتَهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتَهُ”؛ قال: فقال عمر: قد والله علمت لأمرُ رسول الله ﷺ أعظم بركة من أمري. رواه مسلم.

والحادثة الثالثة: فتح مكة وما أدراك ما فعل أهل مكة بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه قتلوا من قتلوا، وعذبوا من عذبوا، وشردوا من شردوا، ومع ذلك عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال مخاطباً قريشاً: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ”:  اذْهَبُوا فَأَنْتُم الطُّلَقَاءُ”

وأختم كلامي بخطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عندما وقف خطيباً في جموع الحجيج قائلاً :”إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت اللهم فاشهد” متفقٌ عَلَيهِ.

هذا هو دين الإسلام, فالإسلام بريء من سفك الدماء التي حرمها الله.

أما بالنسبة لما يحدث من سفك للدماء في الآونة الأخيرة في بلدنا فهذا من أمارات الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل”. رواه مسلم

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ». مسلم

 

الخاتمة

إنّ القمع المستمر والإجبار والاستعمار والممارسات الغربية والاحتلال؛ جعل قسماً كبيراً من المجتمع يتغرّب عن حقيقة الإسلام, وقد أدى هذا الوضع وفي البداية إلى الدوغمائية والانكماش والانغلاق والتعصبية.

وتم تناول تطور الإسلام كمعتقد بمستقل عن التغيّر المكاني والزماني، لعدم تجديده وفق الضرورات الاجتماعية المتغيرة. تم معايشة القطيعة باسم الحماية والدفاع, وكنتيجة لذلك حوّلت القوى المهيمنة الإسلام إلى أداة لشرعنة سلطتها, وبسبب عدم فضح ذلك استمرت بوجودها وتوسعت, لذا بقيت فئة كبيرة من المجتمع أسيرة استعمارية وقمع ورجعية القوى السلطوية, وبلغت حدّ قبول ذلك كقدر محتوم, وجعلت المجتمع يؤمن بأن هذا هو أمر من أوامر الدين الإسلامي, فما ابتدعه المهيمنون من ثقافة استعمارية هرمية معدومة من المساواة والعدالة تبنّوها جميعاً باسم الإسلام.

المهيمنون جعلوا الجهالة حاكمة باسم الإسلام، لكن في الحقيقة إن الدين الإسلامي أعطى قيمة كبيرة للإنسان والفكر  والعلم, حيث أن أول ما أُمر به سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: باسم الإسلام هو “اقرأ”، إن مقولة “اطلبوا العلم ولو كان في الصين” هو من ذكره. استمر حكم أنظمة القوى السلطوية عبر إسلام السلطة بالقمع والتضليل وزرع الفتن والنزاع, أي باللاثقافة والجهالة والعمى، وعندما أضيف إليه سياسات وممارسات القوى الغربية الرأسمالية، ظهرت بلاد إسلامية متأزّمة للغاية.

والحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى