افتتاحية العددمانشيتمصطفى شيخ مسلمملف العدد 54

حركة إيتّا من النشوء.. إلى الحل

مصطفى شيخ مسلم

حركة إيتّا من النشوء.. إلى الحل
مصطفى شيخ مسلم

مصطفى شيخ مسلم
مصطفى شيخ مسلم

كان وجود الحركات المتمردة والانفصالية منذُ القِدم ملازِماً وموازياً لوجود الحكومات التي كانت تحكم أطيافاً مختلفة على الصعيد المذهبي والعرقي وحتى الديني، لذا كانت العوامل السابقة بمثابة أرضية خصبة لنشوء الحركات الانفصالية وتصدرها واجهة الحراك السياسي المسلح في العديد من الدول، وعلى سبيل المثال لا الحصر، منظمة وطن الباسك، والحرية المعروفة اختصارا باسم “إيتّا”، منظمة إسبانية مسلحة تشكلت من طلبة غاضبين، وسعت منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين إلى انفصال إقليم الباسك عن إسبانيا وتأسيس دولة مستقلة.

النشأة والتأسيس: 

أنشئت منظمة “إيتّا” وهي الحروف الأولى لكلمات “وطن الباسك والحرية” بلغة اليوسكارا أقدم لغات أوروبا التي لا تزال تستخدم، في 31 يوليو/تموز 1959 في منطقة الباسك الواقعة على الحدود بين إسبانيا وفرنسا.

ويقول خبراء اللغات إن تلك اللغة لا علاقة لها باللاتينية أساس اللغتين الفرنسية والاسبانية. ويمتد إقليم الباسك على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع قاطعاً الحدود الغربية بين فرنسا واسبانيا. وتعتبر مدينة بيلباو عاصمة له.

وحول إنشاء حركة “إيتّا”، ثمّة أكثر من رأي حول من قام بإنشائها بدايةً، فأحدى الآراء تفي بأن مجموعة من معارضي الحزب المحافظ آنذاك المعروف بـ “الحزب الوطني لإقليم الباسك” وكان هؤلاء المعارضون ممن نفاهم الجنرال فرانثيسكو فرانكو خلال سنوات حكمه الذي وصف بالديكتاتورية، هم اللذين أنشؤوا الحركة.

أما الرأي الآخر يقضي بأنّ الحركة أنشأتْ من قبل طلاب قوميين ثائرين على ركود الحزب القومي الباسكي «حزب معتدل وهو الحزب الحاكم اليوم في منطقة الحكم الذاتي الباسكية في مواجهة الحركة الفرنكوية». فيما يرجع مؤرّخون معاصرون الحركة القومية الباسكية الي نهاية القرن التاسع عشر وقد أسسها «سابينو

ارانا» بناء على أيديولوجيا أثنية كاثوليكيّة متزمّتة ومعادية لإسبانيا، ثم تأسست هذه الأيديولوجيا في مرحلة من مراحلها بالنزعة الماركسية اللينينية لمؤسس «إيتّا».

ومنذ ذلك التاريخ فإن حركة «إيتّا» في الغالب تستهدف بعملياتها قوات الشرطة والجيش وهي تتحرك بصورة خاصة من خلال السيارات المفخخة وأعمال العنف في المدن والاغتيالات.

رسّخت المنظمة أرضيتها في مؤتمرها الأول في “دير بييوك” في بفرنسا، وصفت نفسها بكونها “حركة ثورية باسكية للتحرير القومي”، وانتهجت العمل السري والثوري عبر “الكفاح المسلّح”.

المسار السياسي:

بنت إيتّا عقيدتها على ثلاثة أسس: أولها الدفاع عن اللغة المحلية والعرق الباسكي، وثانيها معاداة ومقاومة الإسبانية، وثالثها العمل على استقلال بلاد الباسك التي تضم مقاطعات آلابا وبيثكايا وغيبوثكويا الإسبانية، ولابوردي ونابارا السفلى وثوبيروا الفرنسية.

قامت بأنشطة مسلحة واختطافات، وكانت أول عملية مسلحة تقوم بها -يوم 18 يوليو/تموز 1961-استهداف قطار يقلّ فريقاً من أنصار الجنرال فرانشيسكو فرانكو الذي حكم إسبانيا في الفترة 1939-1975.

اغتالت إيتّا عام 1968 مدير مكتب المخابرات الإسبانية في مدينة سان سبستيان في إقليم الباسك ميليتون مانتاناس، وفي عام 1973 اغتالت رئيس الوزراء الإسباني لويس كاريرو بلانكو بسيارة ملغومة في مدينة مدريد، تلتها تفجيرات عام 1974 في المدينة نفسها.

أنشأت “إيتّا” عام 1978 جناحا سياسيا باسم “هري باتاسونا” دون أن يمنعها ذلك من الاستمرار في عملياتها العنيفة والمسلحة، حيث كانت بداية الثمانينيات أكثر السنوات دموية في تاريخها، سجلت فيها مقتل 118 شخصاً.

أدرج كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية المنظمة على لائحة المنظمات الإرهابية،  فيما أعلنت المنظمة من جانبها وقف عملياتها العسكرية مؤقتا عام 1989، ودخلت في مفاوضات مع الحكومة الإسبانية.

عادت “إيتّا” عام 1991 إلى العمليات المسلحة، واستهدفت بمحاولة فاشلة الملك خوان كارلوس عام1995 وبعدما فشلت مفاوضتها مع الحكومة عام 1999 صعّدت من عملها المسلح عام 2001، ونفذت 16 عملية راح ضحيتها 11 شخصاً.

أعلنت في 22 مارس/آذار 2006 وقف إطلاق نار دائم كمرحلة أولى لبدء مفاوضات جديدة مع الحكومة الإسبانية للوصول لحق تقرير المصير لبلاد الباسك، كما أعلنت في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 تخليها النهائي عن العمل المسلح بكافة أشكاله.

اعتقلت إسبانيا بمساعدة فرنسا عدداً من زعماء منظمة إيتّا، منهم ايزاسكون ليساكا في أكتوبر/تشرين الأول 2012 بشرق فرنسا، وإيبون غوخياسكوشيا -الذي يُعتقد أنه زعيم الجناح العسكري للمنظمة- في شمال فرنسا.

جددت عام 2012 الإعلان عن استعدادها للتفاوض والدخول في حوار مباشر مع الحكومتين الفرنسية والإسبانية تمهيداً لحلّ نفسها بعد أربعين سنة من العمل المسلح، لكن الحكومة الإسبانية قابلت ذلك بالرفض وأصرت على اعتبارها منظمة إرهابية وطالبت بحلها دون شروط.

وفي 8 أبريل/نيسان 2017 أعلنت إيتّا تسليمها مخازن أسلحة إلى السلطات الفرنسية، وقال رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف، إنّ المتفجرات والأسلحة التي كانت على الأراضي الفرنسية بلغت 3.5 طن.

ووصف وزير الداخلية الإسباني خوان إغناسيو ثويدو تسليم “إيتّا” الانفصالية أسلحتها بأنه “استعراض إعلامي”، وقال في تصريح متلفز: “ينبغي على إيتّا أن تعتذر للمتضررين بسبب أعمالها، وتحل نفسها بدلا من استعراض إعلامي”، معتبرا أن المنظمة تسعى من خطوتها إلى تحقيق مصلحة سياسية بعد هزيمتها. وأضاف ثويدو أنه “على الإرهابيين عدم انتظار حسن نية من الحكومة الإسبانية”.

أبرز عمليات الحركة:

– نفذت إيتّا أول عملية اغتيال لها حيث قتلت ميليتون مانثاناس مدير مكتب المخابرات الإسبانية 1968 بمدينة سان ساباستيان بإقليم الباسك.

1973 – اغتيال رئيس الوزراء الاسباني لويس كاريرو بلانكو بسيارة ملغومة في مدريد.

1974 – تفجير مقهى بمدريد وقتل 9 أشخاص.

1978 – إنشاء الجناح السياسي ويعرف باسم هري باتاسونا

1980 – أكثر السنوات دموية في تاريخ إيتّا، حيث قتل 118 شخصاً.

1983 – كونت الحكومة الاسبانية مجموعة من الفرق شبه العسكرية لمحاربة إيتّا باسلوب جديد.

1987 – إيتّا تعتذر عن التفجير الخاطئ لقنبلة قتلت 21 مدنياً في محل تجاري بينما كان من المقصود أن تنفجر في مقر الحرس الوطني بمدينة ذاراجوذا.

1989 – إيتّا تعلن وقفاً مؤقتاً للعمليات وتبدأ في مفاوضات مع الحكومة الإسبانية بالجزائر.

1991 – عودة العمليات.

– نجاة السياسي المعارض آنذاك خوذيه ماريا أذنار من محاولة اغتيال بسيارة ملغومة، واحباط خطة لاغتيال الملك خوان كارلوس في منتجع مايوركا 1995

1996 – العودة إلى المفاوضات تثبت فشلها.

1997 – اغتيال محافظ الباسك الاسباني ميجيل بلانكو

1998 – اغتيال المحافظ الجديد مانويل ذامارينو. وبدء جولة جديدة من المفاوضات بين إيتّا والحكومة.

1999 – فشل المفاوضات للمرة الثالثة اشتراك فرنسا مع اسبانيا في احباط محاولة لتفجير عدة شاحنات محملة بالمتفجرات كانت تعبر الحدود من فرنسا.

2001 – إيتّا تكثف من عملياتها حيث نفذت 16 عملية راح ضحيتها 11 شخصا، والشرطة الفرنسية والاسبانية تلقيان القبض على 100 من المشتبه في انتمائهم لإيتّا.

2002 –2004 – حكومتا باريس ومدريد تلقيان القبض على المزيد من المشتبه بهم وعمليات إيتّا تقل بصورة ملحوظة.

2004 – شكوك حول مسؤولية إيتّا عن تفجيرات مدريد الأخيرة.

حل الحركة:

أعلنت حركة أرض الباسك والحرية (إيتّا) الانفصالية في إقليم الباسك أنها حلّتْ تماماً كلّ هياكلها، وأنهت حملتها التي استمرت 50 عاماً، وذلك في خطاب بتاريخ 16 أبريل/نيسان نشرته صحيفة “إل دياريو” الإلكترونية الأربعاء، وقالت إنها “حلت إيتّا تماما كل هياكلها وأنهت مبادرتها السياسية”.

وأضافت الحركة، التي فشلت حملتها من أجل إقامة دولة مستقلة في شمال إسبانيا وجنوب فرنسا وسقط خلالها نحو 850 قتيلا، إن قراراتها تهدف إلى “التخلص من الوضع الذي كان سائدا خلال العقود الأخيرة وبناء مستقبل من نقطة بدء جديدة”.

المراجع:

1- الجزيرة نت.

2- فرانس 24.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى