أحمد كايا حين تعضُّ البلاد أصابع أبنائها ويعلو الصراخ فوق راية الوطن
نوزاد جعدان
وأنت في سلامك الأبدي.. سلام عليك
أحمد كايا حين تعضُّ البلاد أصابع أبنائها ويعلو الصراخ فوق راية الوطن
نوزاد جعدان
هناك في فرنسا حيث تسدل القواميس ستارها على آخر مفرداتها وحين ينتهي تصريف أفعال الحياة، ألقى الفنان والشاعر الكردي التركي أحمد كايا وشاحه على مقبرة بير لاشيز حيث يَرقدُ صيّادو المفردات الشقية والشاقية، يرتلون الزمن في المسافة ما بين اللحظة ولقطة الختام في البعد الوجودي.
“كايا” الفنان متعدد المواهب، شريكنا في رحلات الإياب حين يخيم الحزن وتحبل الثانية بآلاف الذكريات، لنحزم معها كل عدة الفرح، تراهُ يغرف من بحر الحياة وعاء من الكلمات، ويعرف جيداً أنّه سيعزف من خلالها لحنَ كلّ بيت مظلم في مدينة مضيئة، ويحيي كلّ غصن مكسور في الغابة..
أرقٌ لا يعرف الرقاد، مع ذلك تجده أرقّ من ورقة بيضاء ومن ريق البلابل.. لكنّه يبقى ذلك الطفل المشاغب، صيّاد المفردة الشقية، يُؤرق حراس الكلمات، يُعبّر عن روح الشارع، وينقل كلمات أترابه ممّن عانوا الظلم وخيبة الوطن ويرفع نخبهم بنجابة النخب وصخب الترب..
سننتظر طويلاً حتى نجد صوتاً كصوته، وذوقاً فنّيّاً كتذوّقه، وتصرّفاً كتصرفاته، لا يعرف الاعتدال في شيء، لأنه واسع الخيال وحاد الحس وسليم القلب، يهيم في أودية الإبداع، ويجيد كل ما يغنيه في الدور والتوشيح والطقطوقة والمونولوج والموال والقصيدة وإعطاء كل كلمة المعنى الذي يترجمها ترجمة صادقة فالتوفيق يأبى إلا أن يلازمه في جميع ما يغني.
هو موجود لا يجد للوجود معنى إلا في صخبه وتوتراته فهو يعزف على الكمان والطنبور والبغلما، ومجيد في علم النغم، وأيضا ببحور الشعر وقوافيه، يمتاز بتكوين سليم لا عيب فيه، يضبط نسب مقاماته ضبطاً محكماً، ويتبين في الجو مسارح أنسه الأولى ومعاهد هواه القديم.
اختطفه القدر في ريق نضارته تخليصا له من كل السفاكين الذين اغتالوا شبابه، غنى من خلال هذا العمر القصير ما يزيد عن مائتي أغنية كما لحن ما يزيد عن مائة وتسعين أغنية إضافة إلى كتابته كلمات ما يزيد عن خمسين أغنية، وهذه إحصاءات تقريبية بعد جهد مضنٍ في البحث.
ما يشبه السيرة الذاتية:
وُلد أحمد كايا في الثامن والعشرين من تشرين الأول عام 1957 في ولاية ملطية في تركيا، وكان أحمد هو الطفل الأصغر لعائلة مُكوّنة من خمسة أشقّاء إلى جانب الوالدين، تلقّى علومه الابتدائية والمتوسّطة في ملطية حتّى عام 1972، عندما كان في السادسة من عمره لم يكن يجد سوى صندوق صغير من الصفيح (التنك) ليروي شغفه بالموسيقا حيث كان يستعمله كطبلة ولما كان في الثامنة من عمره اشترى له والده طنبوراً،عندما انتقلَ مع عائلته إلى مدينة اسطنبول على إثر تقاعد والده من عمله، وعندها لم يستطع إكمال تعليمه الدراسي بشكل طبيعي في المدارس فقرّر التخرّج من المدرسة الثانوية الخارجية والالتحاق بمعهد تعليم الموسيقا وتحديدًا في قسم الكمان.
غنّى أحمد كايا لأول مرّة على المنصّة أو المسرح وهو في عمر التاسعة، من خلال إحدى الحفلات التي نظّمها عمال المصنع الذي كان والده يعمل به في مدينة ملطية.
بدأ كايا العمل في محل لبيع الكاسيت، وفي ذلك الوقت كان معظم رواد المحل، وزبائنه من طلاب الجامعة في الوقت الذي كان فيه الذوق الجماهيري العام ميالاً لنوعين من الموسيقا والمتمثلين في تيارين اثنين تيار أورهان غينجباي، وهو فنان تركي يغني للعاطفة والمعاناة وتيار روحي سو وكان فناناً مغنياً للقومية والوطن سوى أنّ معظم الطلبة الجامعيين كانوا ميالين لسماع روحي أكثر من غيره وذلك ما شدّ أحمد كايا الى سؤال مهم ما الذي يجذب كل هؤلاء الطلبة لفن روحي سو، وللحصول على جواب لسؤاله قرّر أن يسمع سو ويفهم منه وكان ذاك .. ثم أحبه كايا ليبدأ بممارسة الموسيقا.
عندما كان أحمد كايا في عمر الـسادسة عشر سُجِنَ بسبب طباعته وتوزيعه لمُلصقات سياسية ممنوعة، وعندما خرج من السجن التحقَ مع أصدقائه باتحاد الوحدات الشعبية في ذلك الزمن ومارس معهم العديد من الأنشطة السياسية.
تزوج لأول مرة عام 1979 من السيدة أمينة التي أنجبت له ابنته تشيدم واستقر في أسطنبول وبعد الأحداث السياسية والانقلابات في مطلع الثمانينات واعتقال ومقتل الكثير من أقرانه انفصل عن زوجته عام 1981.
في أوائل الثمانينات وقبل أن يبدأ أحمد كايا مسيرته الفنية، عمل كسائق لسيارة أجرة في مدينة إسطنبول، وكعازف في فرقة المطرب فيردي طيفور، وأثناء تعليمه الموسيقى لأحد أبناء المطلوبين لدى الحكومة التركية تمّ القبض عليه وسجنه لمدة ثلاثة أشهر، بعدها أقام حفلات موسيقية مع الموسيقار حسين ديميريل، ولكن سرعان ما افترقا.
في عام 1985 تزوّج أحمد كايا من السيّدة غولتين خيال أوغلو والتي تعرف عليها من خلال المطربة سيلدا بهاجان، وهي شقيقة الشاعر يوسف خيال أوغلو، ورزق منها بابنته الثانية ميليس.
وبعد تحسن وضعه المالي بفضل نجاح ألبومه الرابع الذي صدر عام 1986، انتقل هو وزوجته إلى حي بيوغلو في منزل قريب من مدرسة غلطة سراي الثانوية. وبسبب الجانب السياسي اليساري والكردي في أغانيه، فقد لفت انتباه الحكومة التركية. واعتقل لعدة مرات ثم صادرت الحكومة في عام 1992 سيارته، فأجابها بأنه يمكنه ركوب حمار أيضًا.
في الحادي عشر من عام 2000 تُوفيَ أحمد كايا إثر نوبة قلبية تعرّضَ لها في مدينة باريس في فرنسا، ليُدفَن مُباشرةً في مقبرة بيرلاشيز بجوار رفيق دربه المخرج يلماز غوناي في باريس بعد جنازة ٍ كبيرة تأثّر فيها جمهور كايا الواسِع.
استمرَت مسيرة أحمد كايا الفنية خمسة عشر عامًا أصدر خلالها سبعة عشر ألبومًا موسيقيًا، عاش من خلالها حياة كبيرة على الرغم من قصرها.
يعد كايا إضافة إلى كونه مغنياً وملحناً وشاعراً ذوّاقاً في اختيار كلمات الشعراء، فاختار خلال مسيرة أغانيه التي بلغت ما يزيد عن مِئتي أغنية، خمس عشرة قصيدة للشاعر إتيلا إلهان وثلاث عشر أغنية للشاعر حسن حسين كوركمازجيل، واثنتين وثلاثين قصيدة ليوسف خيال أوغلو وثماني قصائد لعلي تشنار، ومثلها لنوزاد جيليك إضافة إلى أربع قصائد لصباح الدين علي، ومثلها لأحمد عارف، وخمس لأنور غوكتشه واثنتين لناظم حكمت وأربع لأولكو تامر واثنتان لرضا توفيق، ومثلها لنهاد بهرام إضافة إلى قصائد لكلّ من الشعراء أورهان والي، وعارف دمر، ومحمد عاكف أرصوي وغيرهم.
النتاج الفني:
بدأ أحمد كايا مسيرتَه الفنّيّة في منتصف الثمانينيّات من القرن العشرين، وسُرعان ما استطاع الوصول إلى قلوب العديد من الجماهير التركية من خلال كلماته وألحانه إلى جانب صوته الجميل.
في نيسان من عام 1985 أصدرَ كايا ألبومه الأول والذي كان يحمل عنوان (Ağlama Bebeğim لا تبكِ يا طفلي) وغنّى فيه حوالي أربع عشرة أغنية، لحّنَ ثلاث عشرة أغنية منه، وكتبَ كلمات ثلاث أغاني منها عنوان الألبوم، إضافة إلى ثلاث قصائد غناها للشاعر صباح الدين علي (1907-1948) وقصيدتان لأحمد عارف ( 1927-1991 ) وقصيدة لناظم حكمت ( 1902-1963) وأخرى لمحمد عاكف آرصوي (1873-1936 ) وواحدة لعارف دمر 1925-2010.
يُقال: إنّ الشريط الأول لأحمد كايا كان مهداة الى أمه، وكان يعتقد أنه سيسجن فور انتشار هذا الشريط في الأسواق، ولم يكن ذلك ليزعجه، بل على العكس تماماً، كان يتمنّى لو أنّه سُجن بسبب شريطه الغنائي حتى يعيش في سجنه بسلام بعيداً عن ضغوط الحياة الاقتصادية، لذلك جاء شريطه بنبرة سياسية، لكنّ كايا الذي كان يعي جيداً أنّ مثل هذا الشريط، ربما يودعه في السجن مدى حياته، فإنّه ونظراً لتخوّفه فقد لحّن لأحد الشعراء القوميين محمد عاكف أرصوي وذلك كمناورة منه حتى لا يظل في السجن طويلاً خاصةً أنّ آرصوي هو نفسه كاتب النشيد التركي.
وبعد نزول شريطه الى الأسواق وبلغت مبيعات أول شريط غنائي له خمسمائة ألف نسخة، اعتكف كايا في البيت ينتظر البوليس للقبض عليه لكن أحدًا لم يأتِ ذلك المساء في صباح اليوم التالي التقى بصديقه في الشارع، حيث بارك له الأخير وعبر له عن إعجابه الشديد بأغانيه الرائعة أحمد كايا الذي بقي واقفاً كالملسوع لم يصدّق ما سمعه، وأكّد لصديقه بأنه سيدخل السجن، لكنّ صديق كايا أكّد بأنّ أغانيه الوطنية والإنسانية أشعرتهم بإنسانيتهم، وأنّه أصبح شهيراً ومحبوباً من الجميع.
صادرت الرقابة أوّل ألبوم لأحمد كايا بسبب توجهّاته، وأفكاره السياسية، ومن ثمّ رُفِعت الرقابة عنه وأُصدِرَ للعلن.
وفي كانون الأول من العام ذاته، أطلَقَ ألبومه الثاني بعنوان “Acılara Tutunmak” ” التشبث بالألم” وضمّ عشر أغاني لحّنها جميعاً، كما كتب كلمات ثلاث منها إضافة إلى ست قصائد للشاعر حسن حسين كوركمازغيل (1927-1984) إحداها عنوان الألبوم، وقصيدة لكل من الشعراء أورهان والي (1914-1950) وأخرى لأتاوول بهرام أوغلو (1942-) وأنور غوكتشه (1920- 1981) .
في عام 1986 كانت انطلاقته الفعلية نحو الجمهور التركي مع ألبوم أغنية الفجر Şafak Türküsü الذي ضمّ إحدى عشرة أغنية لحّنها جميعها، وكتبَ كلمات ثلاث منها، إضافة إلى تلحينه إلى خمس قصائد للشاعر نوزاد جيليك (1960-) من إحداها عنوان الألبوم، وقصيدة واحدة للشاعر أنور غوكتشه وأخرى لحسن حسين كوركمازجيل وثالثة لإبراهيم بُرا أيان أوغلو (1946-).
ولعلّ ما ميَّزَ هذا الألبوم منذ إصداره أغنية الألبوم وعنوانها وأكثر أغانيهِ شُهرةً، كونها قصيدة من قصائد الشاعر نوزاد جيليك التي كانت ممنوعة في تلك الفترة بسبب الرقابة، وفي هذا العام تحديدًا حُكِمَ على شاعر هذه القصيدة بالإعدام، والجدير بالذكر أنّ هذا الحكم لم يُنفَّذ وأُطلِقَ سراحه في ديسمبر من العام التالي.
في نهاية العام ذاته أصدر أحمد كايا ألبوم اللحظة آتية An Gelir الذي ضمّ إحدى عشرة أغنية لحّن عشراً منها وكتب كلمات أربع أغاني أما البقية فكانت قصائد للشعراء ناظم حكمت ونوزاد جيليك وحسن حسين كوركمازجيل وأولكو تامر 1937-2018 وثلاثة قصائد للشاعر اتيلا إلهان (1925-2005) أحدها أغنية الألبوم.
في عام 1987 أصدر ألبوم الديمقراطية المتعبة”Yorgun Demokrat” واحتوى هذا الألبوم على اثنتي عشرة أغنية، كسابِق ألبومات كايا فقد لحَّن مُعظَم أغانيه وكتبَ بعضها إضافة إلى قصائد لكل من الشعراء يوسف خيال أوغلو (53-2009) وزكي أوزغر أركداش (1948-1973) وأنور غوكتشه ( 1920-1981 ) وأتيلا إلهان، وحليم شفيق غوزالسن (1913-1990).
في العام التالي أصدر كايا ألبوم Başkaldırıyorum أعلن تمرّدي الذي ضمّ عشر أغاني لحّنها جميعها، وشارك بكتابة بعضًا منها، إضافة إلى قصائد للشعراء إرسين أرغن (1957 -) وأتيلا إلهان و أولكو تامرورضا توفيق بلكباشي (1896-1949) ونهاد بهرام (1947 -) وجورجي إيفانوف نيكوف (1922 -) وأغنيتان للشاعر يوسف خيال أوغلو منهما عنوان الألبوم .
في عام 1989 أصدر كايا أكثر من عشرين أغنية من خلال ألبومين الأول “Resitaller-1” والثاني وردة متفائلة İyimser Bir Gül وبالطبع كانت مُعظَم هذه الأغاني من ألحانه وبعضها من كلماتِه.
في الألبوم الأول الذي ضمّ ست عشرة أغنية استعان بقصائد شعراء أمثال صباح الدين علي وقصيدتين ليوسف خيال أوغلو وواحدة لأتيلا إلهان وأخرى لأنور غوكتشه وواحدة لنوزاد جيليك وثلاث قصائد لحسن حسين، أمّا في الألبوم الثاني الذي ضمّ اثنتي عشرة أغنية، فغنى ولحن كايا سبع قصائد للشاعر يوسف خيال أوغلو منها عنوان الألبوم، وواحدة لفتحي بيريلي أوغلو ومزج إحدى أغانيه بكلمات الشاعر البوليفي بيدرو شيموس ( 1940-).
مع مطلع عقد التسعينات أصدر كايا مع أول عام منه ألبومين الأول بعنوان “Resitaller-2” والثاني “Sevgi Duvarı” جدار الحب، ضمّ الأخير عشر أغاني ثمانٍ منها من ألحانه واثنتين فقط من كلماته.
لحن كايا في الأول معظم أغانيه كما كتب كلمات البعض منه، إضافة إلى قصائد للشعراء وفنانين أمثال إسماعيل أيدن (أشق ديمي ) واثنتين ليوسف خيال أوغلو، وواحدة لروحي سو ( -1912 1985) وفاضل حسين داغ لارجا ( 1914-2008) والتي كانت من ألحان تحسين إينغرجي، وأغنية لابوزير قرقوش (1952-1993)، وأخرى لأولكو تامر( 1937-2018)، وقصيدة لحسن حسين وأخيرة لأنور غوكتشه.
أمّا الألبوم الآخر الذي صدر في نفس العام ضمّ عشر أغانٍ، وكعادته لحن معظم أغانيه، كما كتب كلمات بعض منها إضافة إلى قصائد لكل من أحمد إرهان ( 1958 -2013) وجان يوسيل (1926-1999)، ومنها عنوان الألبوم، وأغنية من كلمات الشاعر حسن حسين والمستوحى لحنها من أغنية للفنان اللبناني مارسيل خليفة، وأخرى للشاعر نهاد بهرام ( 1947-) وواحدة للشاعر الأذربيجاني علي آغا وحيد (1895-1965 ) والتي لحنها علي بابا محمدوف ( 1929-2022 ) وأغنيتان للشاعر علي تشنار ( 1965).
في عام 1991 كان موعد الجمهور مع ألبوم “Başım Belada”أنا متورط، الذي ضمّ اثنتي عشرة أغنية، جميعها من ألحانه، وواحدة فقط من كلماته، أمّا البقية كانت من كلمات يوسف خيال أوغلو بسبع أغانٍ واثنتين للشاعر أحمد عارف ومثلها للشاعر أتيلا إلهان.
في تموز من عام 1992 طرحَ ألبوم لا تلمسني ستحترق Dokunma Yanarsın، والذي ضمّ أيضاً اثنتي عشرة أغنية، لحّن معظمها وكتب كلمات أربع منها، إضافة إلى كلمات الشاعر يوسف خيال أوغلو لأربع أغان وأتيلا إلهان لاثنتين، وواحدة لسهى توغتيبي ( 1956 -) وأخيرة للناشطة والشاعرة عائشة هوليا أوز زمورت Aysa Hülya Özzümrüt ( 1960 -)..
وفي نيسان من العام التالي، أصدر ألبوم Tedirgin غير مستقر الذي ضمّ إحدى عشرة أغنية لحن معظم أغانيه وكتب كلمات أغنيتين إضافة إلى كلمات كل من الشعراء ست لعلي تشنار منها عنوان الألبوم وثلاث لأتيلا إلهان وواحدة لسيدا أكاي.
في أيار من عام 1994 أصدر ألبوم أغنيتي إلى الجبال Şarkılarım Dağlara وكان من أكثر الألبومات الغنائية نجاحًا وانتشارًا في تركيا، انطلاقًا من هذا العام وحتّى الأعوام التالية من فترة التسعينات مُحافِظًا على أرقام قياسية من ناحية المبيعات.
وضمّ الإصدار اثنتي عشرة أغنية لحن كايا معظمها وكتب كلمات بعض منها أما البقية فكانت لكل من زينب تالو (1967- ) و أتيلا إلهان و غولتن خيال أوغلو و أورهان كوتان ( 1944-1998 ) ولحن أغنية من أغاني الألبوم الملحن الأرمني أرا دينكيجان.
مع مطلع عام 1995 أصدر كايا ألبومه والآن سترضا” Ya Rıza Şimdi” وكسابقاته كانت معظم الأغاني من ألحانه وبعضها من كلماته إضافة إلى كلمات كل من الشعراء نوزاد جيليك واتيلا إلهام ورضا توفيق ويوسف خيال أوغلو.
وفي نهاية العام ذاته، أصدر ألبوم “Beni Bul”جدني الذي ضمّ اثنتي عشرة أغنية لحن معظمها وكتب بعضها إضافة إلى كلمات يوسف خيال أوغلو وصالح غونغور.
وفي عام 1996 أعادَ غناء وتسجيل بعض أغانيه السابقة وأدرجَ جميع هذه الإصدارات الجديدة بألبوم حملَ عنوان “Yıldızlar ve Yakamoz”. النجوم وضوء القمر.
في عام 1998 أصدرَ أحمد كايا الألبوم الأخير قبل وفاتِه، وكان بعنوان Dosta Düşmana Karşı صديق يواجه عدوا وضمّ اثنتي عشرة أغنية لحّن مُعظَمَها وكتبَ كلمات أغنية واحدة فقط إلى جانب الألحان والغناء، وكانت بعنوان “Söyle” حقّقت هذه الأغنية نجاحًا واسع الأمد وتحديدًا بعد وفاته، فباتَ يُردّدها العديد من نجوم الفن التركي إلى جانب جماهيرهم حتّى تركت أثرها في الجيل الحديث الذي لم يشهد نجومية أحمد كايا الفعلية.
كما استند في الألبوم ذاته على كلمات كل من الشعراء والفنانين أورهان كوتن وحسين قرقوش ومظفر أصلان التي كانت من ألحان عبد الرحمن كيزلاي واثنتان لغولتين خيال أوغلو وخمس ليوسف خيال أوغلو.
في عام 2001 وبعدَ وفاة أحمد كايا، صدرَ ألبوم بعنوان “Hoşçakalın Gözüm” وداعا يا عيوني وقد ضمّ هذا الألبوم بعضَ الأغاني التي سُجّلَت بصوته في عام 1998 ولم تُنشَر في ألبومه الأسبق، وقد ضمّ هذا الألبوم عشر أغاني، سبع منها من ألحان أحمد كايا و أربع من كلماته واثنتان من كلمات يلماز أوداباشي ومثلها لغولتن كايا وواحدة بالكردية من ألحان وكلمات الفنان الكردي خوشناف تيلو.
في عام 2002 أصدرَت شركة الإنتاج التركية جام برودكشن ألبومًا بعنوان اسمعني يا بلدي الحبيب Dinle Sevgili Ülkem ضمّ العديد من أغاني أحمد كايا بصوت نجوم الموسيقى التركية مثل نيران أونسال ” وبانوكيرباغ والموسيقي كيفرجيك علي والمغنية نازان أونجال وغيرهم الكثير.
عام 2003 أيضًا أصدرت الشركة ذاتها ألبوم “Biraz da Sen Ağla”ابكِ قليلا، ضمّ تسجيلات لأغانٍ قديمة للراحل أحمد كايا، منها ثلاث عشرة أغنية وأشرف على تنفيذ الموسيقى السيّدة جولتين كايا زوجة أحمد كايا والفنان إيمره أيدودو.
في عام 2005 وتحديدًا في الذكرة الخامسة لوفاة الفنان أحمد كايا، أُصدِرَ ألبوم جديد باسمه حمل عنوان Kalsın Benim Davam دع قضيتي حية وكان أيضًا من إنتاج زوجته وإيمره أيدودو وقد ضمّ العديد من الأغاني الشعبية لأحمد كايا وغير المنشورة بَعدْ، وفي ديسمبر 2006 أيضًا أصدر ألبوم عيوني عمرها ألف عام “Gözlerim Bin Yaşında” وحملَ اسم أحمد كايا.
الجوائز:
حاز أحمد كايا العديد من الجوائز والتكريمات في حياته الفنية، وحتّى بعد وفاته، آخرها كان في أكتوبر 2013 وتحديدًا في يوم ميلاده عندما مُنح أحمد كايا الجائزة الكبرى في الثقافة والفنون عن فئة الموسيقى وهي جائزة رِئاسية تُمنَح سنويًا في تركيا.
جائزة مؤسسة الصحافة التركية 1985، جائزة موسيقار العام من تلفزيون شو التركي 1999. جائزة الرئاسة الكبرى في الثقافة والفنون في فئة الموسيقى في أكتوبر 2013، منح من الجمعية التركية لصحفي المجلات جائزتها الخاصة في يونيو 2012.
لماذا رحل إلى فرنسا؟
قامت إذاعة لندن القسم التركي في السادس عشر من أيلول من عام 2016 بإجراء مقابلة مع زوجة أحمد كايا السيدة غولتن كايا عن تفاصيل الليلة التي هجم فيها الفنانون الترك عليه، في شباط عام 1999 حصل أحمد كايا على جائزة” أفضل فنان العام” في تركيا، وذلك في حفل الجوائز المنظم من قبل جمعية “صحافيو المجلات”، هذا الحفل كان البداية لتلك الحقبة التي انتهت بترحيله عن تركيا.
أما عن سبب الترحيل، لأنه قرّر تقديم أغنية باللغة الكردية في ألبومه التالي، تقول غولتن: ((في صالة ممتلئة بالرجال والسيدات المتأنقين على أكمل وجه، كان الحفل يسير بفرح، من الكوكتيل والطعام والأحاديث ومراسم لائقة)).
عند توزيع الجوائز جاء دور أحمد كايا الذي خرج إلى المسرح وصُفق له، فحمل الجائزة بيد والميكرفون بيدٍ أخرى وبدأ يعلن …
قال كايا : ((في الألبوم القادم، ولأنني من أصل كردي سأقدم أغنية كردية، وسأصور فيديو كليب لها، وأنا على يقين أن هناك أشخاص سينشرون هذا الفيديو، وإن لم يفعلوا ذلك، فلا أدري كيف سيحاسبون أمام الرأي العام التركي)).
تعلق غولتن: ((وبلحظة واحدة يتحول أولئك الأنيقون والأنيقات إلى بهائم، منهم من أخذ الملاعق والشوك بأيدهم وبدؤوا بالرمي وإطلاق الإهانات، خلال خمس دقائق تغيّر كل شيء، تغير على نحو 360 درجة، تخيلوا كل أولئك الرجال والنساء المحترمين قبل دقائق هناك، ذهبوا إلى أماكنهم وأصبح داخلهم أشخاص مختلفين تماماً، جاهزين لنشر الأذى، كان تحوّلاً لا يصدق!
في البداية حاولت أن أفهم لماذا ردة الفعل هذه، لكن فوراً فهمت من الصراخ الذي كان يأتي من حولنا، بأنّه ليس هناك ما يسمى كُـرد، وأن الشيء غير المقبول هو رغبة أحمد كايا الغناء بالكردية واعترافه بأصله كردي، عندها اتضحت ليَّ الأمور.
كان قد غنى كل أغانيه باللغة التركية وليس بلغته الأم، كونه على مدى أربعين عاماً تلقى تعليمه باللغة التركية الرسمية، وكان يفكر أيضا بالتركية، للأسف لم يكن يعرف لغته الأم بمستوى متقدم.
بالنسبة لي كان الأمر طبيعيّاً جداً، حتى أنني دعمته بأن يكون له أثر بلغته الأم، وكان هو يعمل على ذلك، خاصة فيما يخص اللفظ الصحيح بمساعدة أصدقائه المتمكنين في اللغة الكردية.
انتهى أحمد كايا من أغنيته على المسرح ونزل يتقدم نحو الطاولة، حيث كانت زوجته غولتن تجلس.
تقول غولتن: (( انتهى، نزل من المسرح، وعندما كان يتقدم نحو المكان الذي يجلس فيه، بدأت الإهانات والمضايقات اللغوية والفعلية، أقصد بالفعل أنّ بعض الأشخاص في الصالة بدؤوا يضايقونه في سيره، وبهذه الحال تقدم نحو الطاولة وجلس، ومن حولنا بالطبع العديد من الصحفيين والمصورين بميكروفوناتهم يسألونه إن كان يريد أن يقول شيئا ما، وبالمقابل داخل الصالة كنا في حالة تعجب واندهاش، لقد صدمت جراء سماعي ورؤيتي لتلك الإهانات، وكذلك كان أحمد: انفصالي، ارموه خارجاً، لا يوجد هنا كُـرد،… في الحقيقة تم التلفظ بعبارات لا تصدق …
لكن على الطاولة حيث كان يجلس، قال أحمد بعض الجمل الأخرى، وكان مضمونها كالتالي: لأنني من أصل كردي أريد أن أغني بالكردية، في هذه الصالة عليكم كلكم تقبل الكُـرد، لأن هذا الشعب موجود وثقافته موجودة، ويجب أن تقبلوا ذلك، ولكن إن كان هذا ذنبا فليأخذوني، ماذا عساي أن أفعل؟!..
زادت ردات الفعل والإهانات، أحمد وغولتن حوصروا في الطاولة المجاورة للجدار، في ذلك الوقت على المسرح كانت تُغنّي أغاني مليئة بالكلمات القومية المتعصبة.
تقول غولتن ((كانت أغاني تلك الأغنية كالتالي: “في هذا الزمن ليس هناك شاه أو سلطان”، ومن بعدها جاءت كلمات عفوية وليس كلمات الأغنية الأصلية، تلك الكلمات: “على طريق أتاتورك تركيا كلها، هذا الوطن لنا وليس للغرباء”، طبعاً عندما كانوا يقولون ليس للغرباء، بأجسادهم كانوا يشيرون نحو طاولتنا ونحو أحمد، في هذه الأثناء عندما انتهى ذلك المغني من تلك الأغنية بدأ يغني النشيد الوطني ….)).
انتهت الأغنية ونهض الحاضرون للنشيد الوطني …
تكمل غولتن ((كل من في الصالة نهض وبدأ بترديد النشيد الوطني، بينما كنا لا نزال نجلس في أماكننا، اعتقدنا أن الذهاب أو المغادرة ليس منطقياً في تلك اللحظات، وسط تلك الجموع الحساسة في مثل هذه المواضيع، سيبدو وكأنه قلة احترام للنشيد الوطني، من ناحية أخرى كنا نفكر ما دور النشيد الوطني في مثل هكذا مناسبة؟!!!!، رغم ذلك انتظرنا انتهاء النشيد)).,
بعد ذلك وبمرافقة الشرطة ومن أمامهم الصحفيين غادرا القاعة، وافترقا عن بعضهم وسط تلك الفوضى.
تستطرد غولتن: ((أحمد كان في حالة هلع، لم يرني في البداية، كان يصرخ: غولتن غولتن، لقد شاهدت هذا لاحقاً في التسجيلات، بمساعدة بعض الأصدقاء والشرطة المكلفة بحمايتنا هناك، تمكن أحمد من مغادرة البناء وركب إحدى سيارات الأجرة، وأنا ركبت سيارتنا الخاصة وعدنا إلى البيت)).
بعد هذه الليلة، اتهم أحمد بإهانة الوطن، وافتتحت بحقه العديد من الدعاوى، وبعض مؤسسات النشر اتهمته بالانفصال وبدأت بالتحرك ضده.
تختتم غولتن: ((جرى تمزيق صور أحمد كايا وتكسير أشرطته وإرجاع ألبوماته وتوقيفها عن البيع، كانت عملية إخفاء عن الخارطة، كانت تأتينا فاكسات مليئة بالتهديدات بشكل لا يصدق، رسائل ومكاتيب تهديد تركت في علبة البريد الخاصة بنا، كتب في إحدى الرسائل: كيف تريد أن تموت؟، خنقاً بالسلاسل الحديدية أم بطريقة أخرى …)).
صعبت الحياة على أحمد كايا في تركيا مع مرور الزمن، بينما كان يتحدث هو عن كل لحظة حب عاشها في وطنه، في تقريرـ لبي بي سي أيضا عام 1996 كان قد تحدث عن ذلك: أحمد يقول: ((أنا أحب تركيا كثيراً، لا أتخيل نفسي أن أكون قادراً على صنع الفن أو الإبداع في مكان آخر)).
كان أحمد كايا وزوجته يثقون بأن هذه المرحلة مؤقتة وستمضي.
في حزيران عام 1999 مع حقيبة يد صغيرة غادر تركيا في جولةٍ أوربية، بينما كانت تقول الصحافة التركية أنه هرب.
لم يعد أحمد كايا إلى تركيا أبداً، وفي عام 2000 بمدينة باريس فقد حياته جراء نوبة قلبية.
بعد سنوات عديدة اعتذر فنانو تلك الليلة عما بدر منهم، أما الدولة فبعد ثلاث عشرة سنة من وفاته كرمته بمنحه جائزة رئاسة الجمهورية للفن والثقافة.
سبب الجائزة أن موسيقا وتعليقات وكلمات أحمد كايا استطاعت أن توحد آراء مختلفة للعديد من الناس.
بعض كلمات أغانيه
من الآن فصاعدا لا طريق Bundan Böyle Yol Yok
بقيتْ أحلامنا وراء الجبال العالية مرة أخرى
ثمة موت جديد في هذه المدينة
وتعود إلى الحياة ثانية عتمةٌ على المدينة
وحب مزيف
إذن في القلب حزن جديد..
من الآن فصاعدا، لا يوجد طريق
كان على هاتين الذراعين أن تتعفنا
أبعد من ذلك السواد
أنت لم تفهمني
عيناك حمراوان كأنها بقعتا دم
هناك شقاق في الطرف الآخر
ثمة شيء ما أكبر من الانفصال
من الآن فصاعدا، لا يوجد طريق
مددتُ ذراعي طويلا.. ولم يبادرني أحد
آهٍ!، إنك تمزق قلبي بهاتين العينين الجميلتين
وهما تلوحان للأمل
وأنا في منفاي هذا …لكن قفصي كسر جناحاي
مع ذلك اشتم عبيرك في كل هبة نسيم ..
أنت لم تفهمني
عيناك حمراوان كأنها بقعتا دم
هناك شيء ما أكبر من الانفصال
اعثري على يا أمي Beni Bul Anne
كلمات : احمد كايا
البارحة راودني حلم
رأيتك فيه يا أمي.. كم اشتقتك
يداي بين يديكِ.. وعيناك غارقتان بالدمع
مسحتُ الدمع عن عينيكِ
عندها أسقطت الزجاجة على الأرض
وغرقت يداي بالدماء
تعالي يا أماهُ تعالي
اثنان من الدرك يمسكان بي ويداي مكبلتان بالأغلال
البارحة راودني طيفك في المنام
اشتقتك يا أماه
والدمع الذي سقط من عينيكِ على صدركِ
أكان أنا
إذن هل آلمتك يا أماه
أسقطتُ الزجاجة على الأرض
وغرقت يداي بالدماء
اثنان من الدرك يمسكان بي ويدي في الأغلال
تعالي الآن أماه تعالي
اعثري عليّ بين هذا الزحام
جِديني
بقيت بلا نافذة يا أمي!!!
Penceresiz kaldim Anne!!!
كلمات: يوسف خيال أوغلو وأحمد كايا
أين ألعابي
كرياتي الزجاجية.. بلابلي
قميصي الذي مزقته شجرة الكرز
سرقوا طفولتي على غفلة
بلا نافذة بقيتُ يا أمي
على أسلاك شائكة علقت طائرتي الورقية
أين شبابي يا أمي
ما بال هذا البخار يحرق الحلق
كالماء ومثل الخبز
ماذا بجوار كل هذا الحب الذي كبرت ونشأت فيه؟
ما هذا التناقض الفاضح أماه؟
وقعت على مائدة الذئاب
أين شبابي؟
أين تلك الأشياء التي كانت مصدر أفراحي؟
الكناري
حوض الأسماك الذي وضعت فوقه زهرة الصبار
وكتبي التي صادروها دون أن يسألونني
الجدران صامتة يا أمي
صامتة لا تتكلم
لا باب هنا يبقى موارباً
كلّ الأبواب موصدة
والأمطار تكدّست يا أمي
حتّى اشتعل هذا العمر
أين الشباب الذي احترق
مغامرة
شعر: أورهان والي
صغيراً كنتُ، صغيراً جداً
رميتُ صنارتي إلى البحر
احتشدتِ الأسماك،
رأيتُ البحر !..
***
صنعتُ طائرة ورقية بسلك معدني
ذيّلتُها بألوان قوس قزح
رميتُها إلى السماء.
رأيتُ السماء !..
***
كبرتُ
عاطلاً عن العمل، جائعاً كنتُ
كان من الضروري كسب المال
دخلتُ بين الناس
رأيتُ الناس!..
***
لا أستطيع التخلّي
لا عن حبيبتي ولا رأسي
ولا البحر ولا السماء ولكن…
آخر شيء رأيته لا يتركني،
أقول هذا ما رآه الشاعر المسكين
وسيراه….