السياسة العامة وأطوار الإنسان: الطفولة والمسنين
حميد المنصوري
حميد المنصوري
كاتب ومحلل سياسي
دائما ما تعكس السياسة العامة تحولات وأحداث ووقائع وتطورات ذات طابع داخلي ودولي مرتبطة بالإنسان، الذي يمثل محلاً لدوران فلك السياسة العامة من خدمات وتوجهات، فالإنسان له تحولات وتغيرات على مستويات عدة من حالة الحرب والسلام، إلى مستوى التطور في المعرفة والعلوم والصناعة، وغيرها من المستويات مثل التعاون والتواصل، وهنا نضع مسارات مهمة في مرحلتين من أطوار الإنسان من الطفولة إلى كبار السن، لنكتشف جزءا مهما من اهتمام العالم.
المرحلة الأولى، استطاعت السياسة العامة تكوين ظاهرة مهمة أُطلق عليهاBaby boomers، فهذا المصطلح يشير إلى أولئك الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، حيث ضخامة عدد المواليد من آباء شباب، وذلك بسبب الدعم الكبير في سياسات الحكومات، التي تكبدت خسائر بشرية هائلة مع الدمار في البنية التحتية جراء أكبر حرب شهدتها البشرية. لكن الأمر لا يقتصر على تلك الدول، بل جُلّ الدول بدأت تُطَور الخدمات الحكومية في الصحة والتعليم والاقتصاد والتنمية. وقد دعمت منظمة الأمم المتحدة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والتعاون بين الأمم، وتبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فكان الشباب مشاركاً ووقوداً للصناعات والتعليم والعمل والاستهلاك، وللحركات الثورية والوطنية والداعية للتحرر والمحافظة على البيئة والمناهضة للحروب وغيرها كالحركة النسوية. واتسمت هذه المرحلة، بالتنمية الأساسية الحكومية وتوفر فرص العمل والخدمات الصحية، ورخص التعليم، والزيادة في الإنتاج والاستهلاك، بالإضافة إلى المؤانسة المتعددة من تلفاز وراديو وسينما وروايات ومجلات وسيارات ونوادي وموسيقى وألعاب إلكترونية وغيرها كالأطعمة المنتشرة والملابس والسياحة. أما الوجه المظلم في هذه الحقبة، اندلاع حروب دولية وأهلية محدودة، مع انتهاكات جسيمة للإنسان، وفقر وتخلف في بعض المجتمعات والدول، التي لم تستطع النهوض بالحاجات الأساسية لشعوبها.
وفي وقتنا المعاصر لقد كَبر الطفل، وأصبح العالم أقل طفولةً، فقد سجل عام 2018 لأول مرة في التاريخ وعلى المستوى الدولي العالمي، بأن زاد فيه عدد المسنين فوق سن 65 عن عدد الأطفال دون الخامسة، لذا ليس غريبا بأن تضع منظمة الصحة العالمية اهتماماً بكبار السن حيث أخرجت دليلاً لمعايير المدن والمجتمعات الصديقة للمسنين، Age-Friendly Cities and Communities ، وفتحت AFCC مجالاً للتعاون بين الدول والشعوب والمنظمات والهيئات حول إيجاد وابتكار أفضل السبل والسياسات حول كبار السن. وعلى مسار AFCC خرجت Dementia-friendly initiatives مبادرات صديقة للخرف في المملكة المتحدة لإنشاء “مجتمعات صديقة للخرف” (DFCs)، فأكثر من 82 مكانًا تلتزم بأن تصبح صديقة للخرف في أوائل عام 2015.
تزايد أعداد كبار السن حول العالم يأتي في إطار تطور الطب والخدمات الصحية، قطعا، أمسى كبار السن فئة وشريحة كبيرة ومحلاً لتوجيه السياسات العامة الحكومية من الخدمات والرعاية الطبية مع أهمية الحماية القانونية وتفاعلهم مع مجتمعاتهم، علاوة على توفير مدن بمختلف وسائلها ومرافقها تكون مناسبةً لكبار السن وقدراتهم الجسدية والحسية المتناقصة. دون شك، السياسة العامة تتلاقى مع الشركات والمصانع والتي أضحت مهتمة في توفير مختلف الصناعات والخدمات لكبار السن عبر توفير أنواع تناسب كبار السن كالحاسوب والهاتف ذو الازرار الكبيرة وأبواب السيارة ومقاعد النقل العام وغيرها الكثير من الصناعات والسلع والخدمات. هكذا هي السياسة العامة جل اهتمامها حياة الإنسان والبيئة التي يحيى فيها، فأطوار الإنسان وقدراتهِ تنعكس على السياسة العامة بخدماتها وتشريعاتها وقيمها واقتصادها وصناعاتها على مستوى الدول الداخلي وحتى المستوى الخارجي المرتبط بالتعاون الدولي، إلى جانب حقيقة ذلك، هناك سياسات عامة مرتبطة بأصحاب الإعاقة لمن فقد قدرات جسدية وحسية معينة، والذي الفئة يطلق عليها في دولة الإمارات مصطلح أصحاب الهمم، كمصطلح داعم ودامج لهم.
ففي الأول من أكتوبر القادم، وفي كل عام، يأتي اليوم العالمي لكبار السن، لنتذكر معه حقيقة ارتباط السياسة العامة بأطوار وقدرات الإنسان، ولنقيم في أكتوبر أيضا ماذا قدمنا وماذا سنقدم لكبار السن في المستقبل…