البيئة وحمايتها بين القانون والأخلاق، ودور الرأسماليّة العالمية ومنظماتها في تدمير البيئة
سعيد أحمد حسن
البيئة وحمايتها بين القانون والأخلاق، ودور الرأسماليّة العالمية ومنظماتها في تدمير البيئة
سعيد أحمد حسن
لا يمكن اعتبار القضية البيئية قضية أفلاطونية أو إنشائية، بل هي قضية وجود وسياسة، فالحداثة الرأسمالية وعبر وكلائها مستمرة في تدمير البيئة والعالم بعيداً عن الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية.
لقد أثبتت الأنظمة القائمة فشلها وأعلنت حاجتها إلى بديل أو إلى إعادة نظر كما نبّه إليها مؤسس منتدى دافوس الاقتصادي حيث قال: “نحتاج إلى نظام يقلل من الآثار السلبية على البيئة عبر شكل جديد من الرأسمالية، وإدخال قوانين دولية وعمل ضرائب لإنفاقها في برامج تدريب وتعليم، ولكن إلى أي مدى يمكن لتلك الأنظمة الرضوخ إلى الاعتبارات البيئية والأخلاقية وإيقاف الاستغلال الجائر للموارد والبيئة, والحدّ من ارتفاع نسب الغازات السامة وتلويث البيئة”.
يمكن تعريف البيئة بأنها العلم الذي يبحـث في عـلاقة الكـائنـات الحـية ببيـئتـهـم الطـبيـعية، حيث تمثل العـوامل الطـبيعـية الضـوء والحـرارة والرطـوبة والرياح والغازات والتـربة والمـياه وغـيرهـا الكـثير, كـل تـلك العـوامل مجـتمعة مكـنت الحـياة بصـورهـا وأشـكـالهـا المخـتلفة من النشـوء والوصول إلى مـا هـي عـليه.
وتتعرض البيئة إلى عمليات اختلال في التوازن لأي من تلك العـوامـل المذكورة آنفاً ليكـون له أثـر كبير عـلى كـل عـناصـر الحـياة عـلى الأرض.
إنّ كـلّ مـا يـنـتج بشـكل طبيـعي يدخـل في دورة الحـياة، وبـمـوته يـنـتقل إلى شـكل آخـر يسـاهـم في إنـتاج مـا يليـه في تلك الدورة؛ إلّا أنّ مـا يـنـتجـه الإنسـان تجـاوز تلك الدورة الطـبيعـية وعـاد ليـضـيف إليـهـا مـا لا يـمكـن احـتواؤه فيـهـا, لأنـّه بحـاجـة إلى فـترات زمـنية طـويلة جـداً من غـير الممـكـن دمجـه فيهـا.
تطرح عملية المحافظة على البيئة إشكاليات أخلاقية وقانونية تتجسد حول إيجاد الوسائل الرادعة للحدّ من التعدي على البيئة وحمايتها, وتفادي حدوث المخاطر والملوثات التي يكون سببها الرئيسي فعل الإنسان في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى تعزيز دور كل من الحكومات والمؤسسات والأفراد على حدّ سواء في الحفاظ على البيئة، من خلال التوعية المستمرة للأفراد وإيجاد آلية للحد من إطلاق الملوثات من قبل المصانع التي تؤدي إلى الإضرار بالبيئة وأهمية الحفاظ عليها، وإعداد خطط متنوعة للنهوض بقطاعات البيئة، والالتزام بالطرق والأساليب المنزلية لحمايتها.
ما هي المخـاطـر التي تهـدد التـوازن الإيكـولوجـيّ؟
المخـاطـر التي تهـدد التـوازن الإيكـولوجـي (البيئي الطـبيعـي) اليـوم هـي من نتـاج الإنـسـان؛ فـمـن اسـتخـدامـه غيـر المـتوازن للمـصـادر الطـبيعـية وصـلـنـا اليـوم إلى مـا يعـرف بمشـكـلة الاحتباس العـالمي, الذي هـو الازدياد المضـطـرد لدرجـات حـرارة سـطح الأرض ومـياه المحـيطـات بسـبب الكـمـيات الهـائلة من غـاز ثـاني أكسـيد الكـربون التي نبثـهـا في أجـواء كـوكـبنـا من مصـانعـنا وسـياراتـنـا, التي تسـتخـدم مصـادر طـاقة من الوقود الحـفري. هـذا التـغـير في درجـات الحـرارة أدى بالفـعـل إلى الإضـرار بالكـثـير من الأنظمة البيـئية (Ecosystems) وأدى بالفـعـل إلى انقـراض بعـض الكـائنات وإلى تهـديد الـتنوع البيولوجـي, وسـيؤدي إلى تغـييرات بيـئية كبيرة جـداً في المسـتقـبل. اسـتمرار الإنـسـان في القضـاء عـلى الغـابات سـيكـون له نتـائج سـلبية عـدة؛ عـليـنا أن لا نـنـسى أن في قـاع السلـسلة (الدورة) الغـذائية الطـبيعية نجـد النبـاتات التي هـي المزوّد الرئيسي للغـذاء لمعـظم الكـائنات الحـية, وهـي المزوّد الأول للأكـسجـين في الجـو عـن طـريق عـملية التـمـثيل الضـوئي.
كـل مـا ذكـرنـاه سـابقـاً مـا هـو إلا الصـورة الحـالية لوضـع الإنـسـان كعـامل مؤثـر في البيـئة الطـبيعـية. مـا عـرفـناه مؤخـراً يشـير إلى أن الممـارسـات التي اعـتدناهـا خـلال الفـترات الزمـنية السـابقة في حـياتـنـا كبشـر, تسـير بهـذه السـفيـنة الكـبيرة المحـتوية على كـل شـيء نعـرفه في الطـبيعـة إلى الغـرق, ومـا عـليـنا القـيام به هـو تغـيير أسـلوب حـياتـنا كـكـل. عـلـينا أن نتـوقـف عـن الصـيد لأنـواع من الحيوانات مهـددة بالانقراض, بل عـليـنا أن نوقف كـل أنواع الصـيد غـير الهـادف إلى توفير ضـروريات حـياتية لا بديل عـنهـا. عـليـنا البحـث عـن مـواد قـابلة للتحـلل بشـكل طبيـعي عـند انـتهـاء الحـاجـة التي صـنعـناها من أجـلهـا (كـالأكـياس الورقـية بدلاً من البلاسـتيكيـة). عـليـنا العـمل عـلى إعـادة التصـنيع (Recycle) للمـواد غـير القـابلة للتحـلل (كـالمعـادن والزجـاج وغـيرهـا).
عـليـنا وقـف قـطع الأشـجـار في الغـابات، والعـمل عـلى تعـويض مـا خـسرته تلك الغـابات بسـببنا (يمكـن أن يكـون ذلك عـن طـريق زرع الأشـجـار، وإنشـاء مـناطـق محـمية يمـنع فيهـا قـطـع الأشـجـار تحـت طائلة القـانون).
عـليـنا الاسـتفـادة ممّـا تقـدمه لـنا الطـبيعـة من مصـادر طـاقة لا تؤدي إلى تفـاقم مشـكلة الاحتباس العـالمي (كـالريـاح والطـاقة الشـمسـية) وعـليـنا تقـديم الدعـم فيـمـا يخـص البحـث العـلمي في مجـالات الطـاقة البديـلة.
وفي هذا السياق لا بدّ من تشديد طرق الرقابة، وتوفير كادر بشري متدرب في مجال الحفاظ على البيئة، وتوفير الدعم المالي الذي يساعد على تنفيذ أي مخطط تتعلق بمجال البيئة، كما يجب العمل على تنمية قطاع الإدارة البيئية، وأخيراً لا بُد من وجود قانون وعقوبات رادعة لكل من يحاول أو يقوم بفعل قد يسبب ضرراً للبيئة.
الدور التشريعي والقانوني في القضايا البيئية
يُعتبر حق الشعوب والإنسان عامةً بالبيئة بمنزلة المصلحة العامة, كما تُعتبر مسؤولية الدولة أساسية في حماية الأرض من التلوث والمحافظة على نقاوة الهواء والمياه والثروة الحيوانية والنباتية والمناظر الطبيعية والآثار واستقرار التوازنات الحياتية ومكافحة كل أنواع التلوث والضرر بالطبيعة، والمحافظة على الموارد المائية والشواطئ البحرية والمجاري والضفاف النهرية، ومراقبة العمران واعتماد التنمية البشرية المستدامة التي يُعتبر الإنسان حاضراً ومستقبلاً محورها، والنمو الاقتصادي النوعي المتوازن الذي يحافظ على رأس المال الطبيعي وسيرته.
الالتزامات والمعاهدات الدولية الخاصة بالبيئة
من خلال بحثي يمكن ذكر بعض المعاهدات الدولية ذات الصلة كما يلي:
1- اتفاقية حمایة التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي اعتمدها اليونسكو عام 1972 والغرض منها وضع قائمة بالمواقع الطبيعية والثقافية التي ینبغي الحفاظ على قيمتها التي لا نظير لها من أجل الأجيال القادمة، وضمان حمایة هذه المواقع عن طریق التعاون الدولي.
واعتباراً من ینایر1996 أصبحت قائمة التراث العالمي تتضمن 469 موقعاً .
2- اتفاقية فيينا لحمایة طبقة الأوزون لعام 1985 والغرض منها وضع إطار تستطيع الدول من خلاله أن تتعاون في مواجهة مشكلة استنزاف الأوزون.
وبموجب الاتفاقية على الدول الأطراف اتخاذ تدابير ملائمة لحمایة الصحة البشرية والبيئة من الآثار الضارة الناجمة أو التي قد تنجم عن الأنشطة البشرية التي تغير أو قد تغير من طبقة الأوزون.
3- بروتوكول مونتریال بشأن المواد المستنفدة للأوزون لعام 1987 (برنامج الأمم المتحدة للبيئة) ويهدف إلى خفض انبعاث المواد المصنعة التي تستنزف الأوزون والقضاء عليها في آخر الأمر. وقد تم تعديل هذا البروتوكول أربع مرات منذ عام 1987 ونصت التعديلات على وضع آليات لنقل التكنولوجيا وتمویلها، وإضافة بعض أنواع الكيماويات إلى قائمة المواد المستنزِفة للأوزون التي یجب منع استخدامها تدريجياً.
4- اتفاقية بازل المتعلقة بمراقبة النفایات عبر الحدود وبالتخلص منها لعام 1989 (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)، وتلزم أطرافها بتقليل نقل المخلفات الخطرة عبر الحدود إلى الحد الأدنى، وضمان التعامل مع هذه المخلفات والتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً, في أقرب موضع ممكن من مصدر إنتاجها، وتقليل إنتاج المواد الخطرة إلى أقل حد ممكن.
5- الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992 (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)، وتلزم الدول الأطراف بتحقيق استقرار تراكيز الغازات المسببة لظاهرة “الاحتباس الحراري” في الغلاف الجوي عند مستوى یمنع التداخلات البشرية الخطيرة مع النظام المناخي. وتهدف الاتفاقية إلى حمایة النظام المناخي، وتخفيف الآثار الضارة للتغير المناخي، ووفقاً للاتفاقية فإن الدول الأطراف لها حق وعليها واجب العمل على تعزيز التنمية المستدامة.
تسعى الاتفاقية أیضاً إلى تجنب تكليف الدول النامية بما لا طاقة لها به من الأعباء بهذا الخصوص، وتشجع على وضع سياسات وإجراءات تراعي اختلاف السياقات الاقتصادية والاجتماعية.
6- اتفاقية التنوع البيولوجي لعام 1992 (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)، وتهدف إلى المحافظة على التنوع البيولوجي، وتشجيع الاستخدام المستدام والعادل والمنصف للموارد الوراثية والانتفاع بها، وتطالب أطرافها بصياغة استراتيجيات وخطط وبرامج وطنية للحفاظ على التنوع الحيوي، وإدراج مسألة المحافظة على التنوع الحيوي في التخطيط الاقتصادي الوطني. كما تطالب الاتفاقية بأن تتخذ أطرافها تدابير محددة تتضمن إنشاء نظام للمناطق المحمية، ووضع السبل الكفيلة بالتعامل مع الكائنات المُعدَّلة، ومكافحة الأنواع الغریبة من الكائنات الحية أو السيطرة عليها, وتعترف الاتفاقية بأهمية أنماط حياة السكان الأصليين والتقليدين ومعارفهم فيما یتعلق بالمحافظة على التنوع الحيوي.
المنظّمات الدّولية والإقليمية والقضايا البيئية
شكّلت المنظّمات الدّولية العالمية منها والإقليمية العامة والمتخصّصة, الآلية والإطار التنظيمي لتوحيد الجهود الدّولية في مجال حماية البيئة والتنسيق بينها، وذلك على الرغم من غموض الكثير من المواثيق المنشئة لبعض هذه المنظّمات لجهة الأساس القانوني الذي يجيز لها النهوض بوظائف معينة, في مجال المحافظة على البيئة وحمايتها والحدّ من خطورة المشكلات المرتبطة بها.
تقوم هذه المنظمات بالدور المشار إليه عن طريق إنشاء أجهزة فرعية خاصة، ولقد كان للأمم المتحدة دور بارز في ﻫﺫا الخصوص، بحيث تضمّنت التوصيات الرئيسية التي خلص إليها مؤتمر استوكهولم 1972 ما يشير إلى وجوب إنشاء جهاز دولي يكون تابعاً لهذه المنظمة الدولية ويعنى بالشؤون البيئية، ولقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتّحدة على قبول هذه التوصيات, وبادرت إلى إنشاء جهاز خاص لهذا الغرض أطلق عليه (برنامج الأمم المتحدة للبيئة) من أجل ترقية التعاون الدّولي في مجال البيئة وتقديم التوصيات المناسبة في ﻫﺫا الشأن, ومتابعة الوضع البيئي الدّولي وتنمية ونشر المعارف البيئية للتنسيق بين الجهود الوطنية والدولية في مجال البيئية وتمويل البرامج البيئية وتقديم المساعدات اللازمة في إطار الأمم المتحدة، كما أنشئت إلى جانب ﻫﺫا الجهاز لجان فرعية أخرى عديدة تعنى بالموضوع ﺫاته في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي .
وقد قامت بعض المنظمات الدولية المتخصصة بدورها في توفير آليات خاصة بقضايا البيئة, وينطبق ﺫلك بشكل ملحوظ على المنظمات الآتية (اليونسكو للأغذية والزراعة، المنظّمة البحرية، منظّمة العمل الدّولية).
أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتّحدة فهو يقوم بمهمة التنسيق بين أنشطة هذه المنظمات والأجهزة النوعية التي تنشئها تلافياً للازدواج والتنازع في العمل اﻠﺫي يمكن أن يحدث بينها.
تطورت المطالبة بالحق في البيئة الصحية, وعلى الرغم من وجود محاولات لوضع اتفاقيات دولية فيما یتعلق بقضايا البيئة في القرن التاسع عشر للحفاظ على الحياة البرية, إلا أنه وحتى مؤتمر استوكهولم الذي عقد في عام 1972 لم یكن هناك أي صك دولي مخصص للإقرار بالحق في البيئة الصحية على نحو واضح وصریح .
وقد اعتمد مؤتمر استوكهولم ما یعرف بالإعلان الذي یتكون من ثلاثة صكوك غير ملزمة، هي قرار بشأن الترتيبات المؤسسية والمالية، وإعلان یتضمن 26 مبدأ, وخطة عمل تتضمن 109 توصيات. ویعتبر إعلان ستوكهولم نقطة بدایة مهمّة عن طریق وضع صكوك تعتني بالبيئة على المستوى العالمي والوطني. ویربط المبدأ الأول من هذا الإعلان بين المحافظة على البيئة ومعايير حقوق الإنسان، حيث ینص على أنّ:
“للإنسان الحق الجوهري في الحریة، والمساواة وظروف الحياة الملائمة، في بيئة تسمح خصائصها بحياة تتسم بالكرامة والسلامة، وعليه مسؤولية جسيمة تتمثل في حمایة البيئة وتحسينها من أجل الأجيال الحالية والقادمة”. وقد أثر مؤتمر ستوكهولم على التطورات القانونية والمؤسسية على مدى العقدين التاليين لانعقاده، ومن هذه الآثار إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وقد أنشئت لجان ترتبط بالحكومات ومنظومة الأمم المتحدة، ولكنها لا تخضع لرقابة أي منها, وكانت نظرة تلك اللجان إلى أنشطة التنمية الاقتصادية في سياق تبعاتها البيئية.
دعا التقرير إلى عقد مؤتمر ثان للأمم المتحدة لتناول مسألة البيئة والتنمية, وبعد مرور عشرين عاماً على مؤتمر استوكهولم، عُقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في یونيو/حزيران 1992 في مدینة ریو دي جانيرو بالبرازيل, والغرض منه هو بلورة الاستراتيجيات والتدابير اللازمة لإيقاف آثار التدهور البيئي، ودعم الجهود الوطنية والدولية لتعزيز التنمية المستدامة والسليمة بيئياً في جميع البلدان, وشهد هذا المؤتمر مشاركة غير مسبوقة من آلاف المنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم.
العولمة والتدهور البيئي والسياسة
لقد تطبعت الفترة ما بعد انعقاد مؤتمر ریو بظاهرة العولمة، وعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي الذي تدعمه العولمة سمح لبعض الدول بخفض نسبة من یعيشون في الفقر، فقد تزايدت حدّة الفقر والتهميش في الكثير من الدول النامية.
وشهد عدد كبير من الدول تردي الأحوال الاقتصادية وتدهور الخدمات العامة، بسبب الارتفاع في التفاوت في الدخول فيما بين الدول المختلفة وفي داخل الدولة الواحدة، وظهرت مشاكل مثل البطالة. حتى إن وثيقة برنامج الأمم المتحدة للبيئة المعنونة حول “التوقعات البيئية العالميـة” (1997)، أشارت إلى أنه خلال نفس الفترة استمر التدهور في حالة البيئة العالمية، مع تزايد انبعاث المواد السامة والغازات المسببة لظاهرة “الاحتباس الحراري”، وعدم تراجع معدلات استئصال الأشجار، واستمرار تقلص التنوع الحيوي.
نتيجة التدهور البيئي وسياسة توجيه اللوم حيث أن البيئة أصبحت موضوعاً هاماً على المستوى العالمي، وفي عدد من دول جنوب شرق آسيا، فقد بدأ السعي لتعقب المتسببين بالمشاكل والاضطرابات البيئية, وتحدید الأسباب الكامنة وراء عدد من المشاكل مثل القطع الجائر للأشجار, وتآكل التربة وتلوث المياه المخزنة وفقدان التنوع الحيوي والتلوث, لكن آليات التنمية الرئيسية عمدت إلى الالتفاف حول النقد الموجه إلى المفهوم السائد للتنمية باعتباره السبب الأول وراء المشاكل البيئية، بأن اعتبرت أن هذه المشاكل ناجمة عن الرجعية والتخلف والفقر. ودخلت البيئة إلى الساحة العامة من خلال ما یمكن تسميته بـ “سياسات اللوم”، أي تصيُّد جهة معينة أو مجموعة من الجهات ذات الدور الاقتصادي الاجتماعي لتحميلها المسؤولية. ولذلك فليس من المستغرب أن تنزع سياسات اللوم إلى إيجاد كبش للفداء, وعلى المستوى الوطني، بدأت أصابع الاتهام تتجه بوجه خاص إلى المزارعين والفلاحين وسكان المرتفعات الأقل حظاً من الثراء والتعليم والعمران الحضري، باعتبارهم الجناة الذين يدمرون البيئة على حساب ملاك الأراضي, أما على المستوى المحلي، فتأخذ سياسات اللوم بعداً عرقياً بدرجة أشد, ففي عدد من دول القارة الآسيوية تم النظر على أنهم متخلفون وأصحاب ممارسات زراعية مدمرة، أبرزها نظام الدورة الزراعية, وفي هذه الحالة تلجأ سياسات اللوم السائدة إلى استخدام واستغلال الاختلافات العرقية.
أما على مستوى المنظّمات الدّولية الإقليمية، فتُعتبر المنظّمات التابعة لدول الاتحاد الأوروبي رائدة في مجال حماية البيئة وتوفير الإطار التنظيمي المناسب لذلك، ومن أهم الأجهزة واللجان والمؤتمرات التي أنشأتها دول الاتحاد وخوّلتها سلطات واختصاصات واسعة؛ (اللجنة الفرعية الخاصة بتلوث الهواء، اللجنة الخاصة بتلوث المياه, لجنة التخطيط الشامل للأقاليم، اللجنة الخاصة بالآثار والمواقع الطبيعية المميّزة، المؤتمر للمحافظة على الطبيعة، المؤتمر الأوروبي للسلطات المحلية والأهلية، المؤتمر الوزاري (الأوروبي) بشأن البيئة، اللجنة الخاصة بالتنسيق لمشاكل البيئة، اللجنة الخاصة بالبيئة والصحة).
من هنا وبعد ظهور العديد من المخاطر التي تهدد البيئة كان لا بد من وجود قانون يختص بحماية البيئة، حيث عمدت العديد من الدول إلى سنّ تشريعات وقوانين لحماية البيئة بأشكالها المتنوعة, إلا أن هذه التشريعات ما تزال قاصرة عن إيفاء موضوع البيئة حقه.
أدى تعبير “الوسط البشري” نوعاً ما إلى التخبط في أذهاننا، لكنه أيضاً يتضمن ضرورة إجرائنا لدراسة الإشكاليات والتناقضات الموجودة لدى الانسان والبنى التي يتم تكوينها تحت محور تأثيره، فتكون بحد ذاتها الشكل الذي يحدد شكل البيئة, وذلك يُعتبر جزءاً من الوسط البشري, ولو تم إجراء تحليل موضوعي لذلك، فإن الوسط البشري هو مَن أوجد وأنشأ ناطحات السحاب كبرجي التجارة العالمية في نيويورك، و”بيكون هيل” في ولاية بوستن والمشاغل والمعامل في كل من بطرسبورغ ووليم سبورغ. طبعاً هذا التعريف إن تم إجراؤه على المنحى الصحيح, لكنه بشكل ما فهو المسبب للقلق, وكأنه يتم استخدام عوامل تؤدي إلى إثارة عدة تأثيرات تمهّد لإزالة أرضية إجراء حكم لهذه الأمور التي تحدث داخل البنية البشرية, وهذا يوضح أيضاً مدى نجاح ذلك, فلو أمعنّا عن كثب لظهرَ لنا وجود تصاميم لمدن تثير الرهبة في النفوس، والتي تؤدي إلى ابتلاع يقظة الرأي العام.
من هذا المنطلق يتم ابتلاع الكيان البشري بمعايير تحط من وجوده وتخلق انعدام الإنسانية من جهة، وخلق نمطاً لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بأحكام القيم الإنسانية من جهة أخرى، بل تؤدي إلى انتهائها، فالنقطة التي نصوّبها هنا كلمة “الإنسانية”، نراها تعبيراً يتجاوز بمعناه مصطلح الإنسانية التكنيكي، وهو يخلق الضرورة الأخلاقية وانعكاسات أهدافها بهذا النحو.
ختاماً يمكننا القول:
إنّ حماية البيئة تتطلب اهتماماً فعلياً من جانب الدولة كما المواطن على حدّ سواء، إذ إن الإساءة إلى البيئة هي إساءة للوطن والمواطنين جميعاً, لأن الجرم البيئي يشكل جرماً جماعياً ومتمادياً, وهو أشد خطورة من الجرائم الفردية بنتائجه ومفاعيله، من هنا لا بدّ لنا من طرح بعض التوصيات في مجال حماية البيئة, منها الانضمام إلى المعاهدات الدولية الهادفة إلى حماية البيئة، وضع تشريع بيئي يجسّد الإرادة الدولية في الحفاظ على بيئة سليمة، وتكوين هيئات قضائية متخصّصة في قضايا البيئة، إدخال مواد ضمن القانون البيئي ضمن المواد الأساسية التي تحمي وتصون البيئة، تأمين الشروط الفضلى والحياة الكريمة للشعوب في محيط بيئي نظيف وبإدارة رشيدة للبيئة، وضع أسس ومبادئ أساسية على كل شخص مادي أو معنوي خاص أو عام على أن يلتزم بها في إطار حماية البيئة وإدارة مواردها الطبيعية.
المصادر والمراجع :
1- سرحان محمد، دور محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات الدولية في إرساء مبادئ القانون الدولي العام، مطبعة الإسكندرية، مصر، 1986.
2- غسان رباح، الحماية القانونية للبيئة في التشريع اللبناني، مجلة قدموس، 2/5/2011.
3- أحمد سانتوسا. الحق في البيئة الصحية ،هذه الوحدة هي صيغة منقحة من بحث أعده الكاتب لورشة عمل جزیرة فاي 1997 م
4- عامر طرفي، المسؤولية الدولية والمدنية في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 2012
5- التقرير النهائي للمقررة الخاصة للجنة حقوق الإنسان بخصوص حقوق الإنسان والبيئة؛ السيدة فاطمة زهرة قسنطيني، وثيقة الأمم المتحدة .2/1994/9Sub.4/CN/E