الإعلام الأسود ودوره في خطاب الكراهية وصناعة التطرف والتطرف العنيف وتأثيراته المختلفة “صناعة الخديعة”
محمد علي جابر
محمد علي جابر / جمهورية مصر العربية
هناك الكثير من المفاهيم والمصطلحات المتداولة في عالم الإعلام اليوم تحمل دلالات وأبعاداً غير مفهومة للمتابع العام, وتلعب هذه المفاهيم والمصطلحات الدور الكبير في إعطاء أو إيصال الرسائل المراد توجيهها من قبل الدول أو الجهات. في بحثنا هذا سنحاول تسليط الضوء على الجوانب الخفية لعمل الإعلام والإعلام الإلكتروني.
لقد كان الإعلام إلى وقت قريب مقتصراً على الصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون, وكان المتعاملون معه قلة قليلة قياساً إلى هذه الأيام التي طغى فيها وبلغ الأوج، فدخل كل بيت عبر الشبكة العنكبوتية ليتعاطاه جميع فئات وشرائح المجتمع, حتى وصل الحال إلى حدّ الإدمان. أصبح التواصل بين الناس- دونما اعتبار للزمان أو المكان- أهم سمات العصر, وتم ذلك بالصوت والصورة, وغدت الكاميرا تنقل كل خبر بأسرع ما يمكن, بل ويتابع المشاهد الأخبار على الهواء مباشرة في بثّ مباشر.
معنى وتعريف الإعلام ودوره, والإعلام الأسود
في التعريف المجازي للإعلام يُقصد به ﺗﺰﻭﻳﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺭﺃﻱ ﺻﺎﺋﺐ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ، ﺃﻭ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻌﺒّﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺗﻌﺒﻴراً ﻣﻮﺿﻮﻋياً عن ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻬﻢ ﻭﻣﻴﻮﻟﻬﻢ.
ﻭلقد عرّﻓﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ (أﻭﺗﻮﺟﺮﻭﺕ) بأنه التعبير ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻋﻦ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎهير ﻭﺭﻭﺣﻬﺎ ﻭﻣﻴﻮﻟﻬﺎ، ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ.
الإعلام له دوره في كل الظروف سلماً وحرباً، إلا أن هذا الدور قد تعاظم إلى درجة غير مسبوقة وازداد إلى حد هائل مع تعدد وسائله وكثرتها وتطورها وسهولة الوصول إليها والتعامل معها، بعيداً عن المراقبة الرسمية التي كانت تكبح جماحه وتقيّد حركته.
إن تضليل وخديعة عقول البشر كما وصفه “باولو فرير “ضمن أدوات صناعة القهر , فهي إحدى الأدوات التي تسعى الأنظمة والمؤسسات من خلالها إلى «تطويع الجماهير .” وتفسر وتبرر الشروط السائدة للوجود وتضفي عليها أحياناً طابعاً غير منطقي يضمن التأييد الشعبي لنظام اجتماعي لا يخدم في المدى البعيد المصالح الحقيقية للأغلبية. وعندما يؤدي التضليل الإعلامي للجماهير دوره بنجاح تنتفي الحاجة إلى اتخاذ تدابير اجتماعية بديلة.
الإعلام والإعلام الموجّه
على الجانب الآخر فإن الإعلام، بوسائله المختلفة التقليدية منها والحديثة على السواء، وبما يقوم به من دور محوري في مناقشة وتناول مختلف قضايا المجتمع، لا يقف بطبيعة الحال بعيدًا عن هذا الأمر، إذ اهتمت وسائل الإعلام وعبر سنوات طويلة مضت, بمتابعة ظاهرة صناعة العنف والتطرف، فأصبحت توليها الصدارة وتخصص لمعالجتها مساحات واسعة ضمن صفحاتها وبرامجها وشبكاتها، حتى أصبحت أخبار التطرف والعنف و الإرهاب وتبعاته ضيفًا مشتركًا ودائمًا بين وسائل الإعلام.
الإعلام تلك الآلة السحرية التي يمكنها توجيه الرأي العام إلى شيء ما وإبعاده عن آخر، وتحويلة إلى النقيض وتعبئته وتصوير ما ليس له وجود على أنه واقع ليس منه مفرّ, عن سيطرة الإعلام على الجماهير وعن السيطرة على الإعلام من قبل مجموعة محدودة ومعينة نتحدث.
إن خطورة الإعلام في هذا العصر تضاعفت أضعافاً كبيرة وبات يشكل سلاحاً فتّاكاً يلعب بعقول الناس ويوجهها حيث يشاء, ويوظفها وفق أهدافه ومراميه. كم معركة استطاع الإعلام فيها أن يزيّف الحقائق ويلبسها الثوب الذي يريد ويخدع به المتلقي ويؤلم مخبره. وإذا كانت المعارك والحروب يديرها جنرالات الحروب والعسكرة, فإن المعارك الإعلامية يوجهها متخصصون في تلوين الأخبار وفق المصلحة التي تدرّ عليهم أموالاً طائلة يسيل لها لعابهم وليذهب غيرهم إلى الجحيم. إنها الأنانية المفرطة التي تعمي وتصمّ.
الإعلام الأسود أو «صناعة الخديعة» هو من أخطر الوسائل والأدوات والأساليب أو الحروب التي تستهدف عقول البشر، وقد نشط الإعلام الأسود في عهد ألمانيا النازية، وظهر بوضوح في كتاب «كفاحي» لـ«أدولف هتلر» الذي كتب يقول: «إنني أفضِّل الحديث إلى جمهور قد فرغ لتوّه من تناول عشائه؛ لأنه يكون حينها مرتاحاً ويغلبه النعاس».
قوة تأثير الإعلام على عقلية وإدراك المتلقي
إنّ الاعتماد على دراسة الأطر الإعلامية والتي تُعدّ من المداخل التي تجمع بين قوة تأثير وسائل الإعلام ومحدودية هذا التأثير، حيث تكمن قوة التأثير في الإطار الذي تقدم وسائل الإعلام المعلومات من خلاله، وبالتالي التأثير على طريقة إدراك المتلقي للمعلومة ضمن هذا الإطار المقدَّم والمعدّ من قبل وسائل الإعلام, أما محدودية هذا التأثير، فإنها تكمن في المتلقي وأفكاره المسبقة والعمليات المختلفة التي يتم من خلالها تمثيل واستيعاب المعلومات الواردة له حتى يتسنى للفرد إدراكها بالطريقة التي تتفق وأفكاره واتجاهاته. وتسمح نظرية الأطر الإعلامية بقياس المحتوى الضمني للرسالة الإعلامية التي تعكسها وسائل الإعلام، كما تقدم هذه النظرية تفسيرًا منظمًا لدور وسائل الإعلام في تشكيل الأفكار والاتجاهات حيال القضايا البارزة، وعلاقة ذلك باختيارات وباستجابات المتلقي المعرفية والوجدانية لتلك القضايا.
الإعلام و وسائل صناعة الخديعة
تتراوح وسائل الإعلام الأسود بين الكذب الصريح وبين تحريف المعلومة والتضخيم والتهويل والإثارة والبلبلة، والمقصود به توصيل المعلومة محرَّفة أو خارج سياقها الصحيح لكي تشوّه وعي المواطن، وهي درجات:
إن وسائل التضليل عديدة ومتنوعة, لكن من الواضح أن السيطرة على أجهزة المعلومات والصور على كل المستويات وسيلة أساسـيـة. ويـتـم تأمين ذلك من خلال إعمال قاعدة بسـيـطـة مـن قـواعـد اقـتـصـاد الـسـوق, فامتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها شأنه شأن أشكال الاقتصاد والتجارة الأخرى.
والنتيجة الحتمية لذلك هي أن تصبح محطات الإذاعة وشبكات التلفزيون والصحف وصـنـاعـة الـسـيـنـمـا ودور النشر جميعاً جملة متنوعة من المؤسسات والتكتلات الإعلامية, وهكذا يصبح الجهاز الإعلامي جاهزاً للاضطلاع بدور فعّال وحاسم في عملية التضليل.
تحريف المعلومات: ومن أمثلة ذلك تحريف تصريح لشخصية عامة بغرض تشويه صورته أو الاتجاه الذي يمثله.
التكتيم والتجاهل الإعلامي: ويقصد به إخفاء معلومات عن الرأي العام، أو إخفاء المتسبب الحقيقي في استمرار اشتعال الموقف.
المصادر المجهولة: وهو صياغة الخبر منسوباً لمصادر مجهولة، وعادة ما تلجأ الوسيلة الإعلامية إلى هذا في نشر الشائعات الكاذبة لتوجيه الرأي العام أو التأثير عليه دون تحمّل أدنى مسؤولية، مثل قول: «أفادت مصادرنا الخاصة.. صرّحت مصادر مطلعة.. تواترت الأنباء».
التهويل أو التضخيم: يقصد به المبالغة في تضخيم الحدث، مثل تركيز عدسة الكاميرا على جزء معين من ميدان التحرير حيث يمتلئ بالمتظاهرين, في حين أن باقي الميدان لا يوجد به أحد.
بثّ الذعر: ويقصد به إثارة الفزع والخوف لدى جمهور المشاهدين أو القرّاء من شخص أو اتجاه بعينه, عن طريق الإلحاح على فكرة الخطر البالغ الناتج عن تأييد هذا الشخص أو هذا الاتجاه, حتى ينصرف الناس عن ذلك.
الكذب الصريح وقلب الصورة: يُقصد به اختلاق معلومات غير حقيقية وكاذبة للتأثير على الرأي العام، أو توجيهه في اتجاه بعينه.
البلبلة: وهي من أشهر أساليب التضليل الإعلامي بنشر معلومات متضاربة يكذّب بعضها بعضاً في الزمن الواحد أو المكان الواحد؛ بهدف إحداث حالة من البلبلة لدى الرأي العام.
التدليس: وهذا يظهر بنشر أخبار كاذبة ثم أخذ رأي خبراء فيها قبل أن يتبيّنوا صحتها, فتصل المعلومة للقارئ على أنها منقولة عن خبير، بينما الهدف توريط الخبير أو السياسي والتدليس على القارئ أو المشاهد.
التضليل الإعلامي
وهو إحدى الأدوات الرئيسة للسيطرة التي غالباً ما تكون صنيعة مجموعة صغيرة حاكمة من صنّاع القرار من أصحاب الشركات ومسؤولي الحكومات المهيمنة والقوية, وإنه لمن المفيد أن نورد تحفظاَ تحذيرياَ واحداً في هذا البحث.
وليس من المستغرب أن يبلغ التضليل الإعلامي بوصفه أداة للهيمنـة أعلى درجات تطوره في الدول الغربية “أوروبا والولايات المتحدة” ففي أمريكا مثلاً أكثر من أي مـكـان آخر تتيح الظروف المواتية التي عرضنا لها باختصار فيما سبق, تتيح الفرصة أمام قسم كبير من السكان للإفلات من القمع الشامل, ومن ثم يصبـحـون عناصر فعّالة (من الوجهة الإمكانية) في العملية التاريخية. ذلك أن التضليل الإعلامي يسمح بالمظهر الخارجي للانخـراط الـنـشـط, بـيـنـمـا يـحـول دون تقديم الكثير من الفوائد وكل الفوائد السيكولوجية للمشاركة الأصيلة. وحيث يكون التضليل الإعلامي هو الأداة الأساسية للهيمنة الاجتماعية, تكون الأولوية لتنسيق وتنقيح الوسائل التقنية للتضليل على الأنشطة الثقافية الأخرى.
إن وسائل التضليل عديدة ومتنوعة, لكن من الواضح أن السيطرة على أجهزة المعلومات والصور على كل المستويات تمثل وسيلة أساسـيـة. ويـتـم تأمين ذلك من خلال إعمال قاعدة بسـيـطـة مـن قـواعـد اقـتـصـاد الـسـوق. فامتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها والنتيجة الحتمية لذلك, هي أن تصبح محطات الإذاعة وشبكات التلفزيون والصحف والمجلات وصـنـاعـة الـسـيـنـمـا ودور النشر, مملوكة جميعاً من المؤسسات المشتركة والتكتلات الإعلامية, وهكذا يصبح الجهاز الإعلامي جاهزاً للاضطلاع بدور فعّال وحاسم في عملية التضليل.
دور الإعلام الأسود في خطاب الكراهية وصناعة التطرف والتطرف العنيف
من نواحٍ كثيرة، كانت النقاشات التي تواجه المحاكم والهيئات التشريعية والجمهور في الدول, حول كيفية التوفيق بين القيم المتنافسة للتعبير الحرّ وعدم التمييز, منذ قرن أو أكثر تباينت الديمقراطيات في مناهجها الفلسفية تجاه هذه الأسئلة، حيث إن تكنولوجيا الاتصالات سريعةِ التغيير؛ أثارت تحديات تقنية لرصد التحريض والتضليل الخطير والاستجابة لها.
بكلّ تأكيد إن خطاب العنف والكراهية لا يميز بين هدف عسكري ومدني, ومع أن مهاجمة هدف عسكري قد ينتج عنها خسارة مادية آنية، إلا أن الخسارة والشقّ المجتمعي الناتجين عن تأثيرات خطاب الكراهية, عادة ما يستمران لأجيال, وقد تنتج عنهما نزاعات لا تتوقف لعقود قادمة.
تتغذّى مشاعر الكراهية لدى الأفراد أو الجماعات باستغلال الجانب الغرائزي والانتماءات الضيّقة والهويّات المغلقة التي تقوم على التعصّب, بادّعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة تحت مسوّغات دينية أو عرقية (إثنية) أو طائفية أو مذهبية أو أيديولوجية أو عشائرية أو غير ذلك، وهذه بدورها تنمّي الشكوك وتزرع الأحقاد بين الناس، لأنها تقوم على ادّعاءات التفوّق، فيصبح “الآخر”، أي آخر خصمًا أو عدوًّا “وكلّ غريب مريب”، وبالتالي فهو لا يستحقّ ذات المكانة التي ينتمي إليها الفرد أو المجموعة.
والتعصّب يتضمّن الرغبة في الإقصاء والإلغاء والتهميش، والحطّ من قدر الآخر، وذلك قبل أن يتحوّل إلى فعل أو سلوك، إلّا أنه يصبح خطرًا حين ينتقل من التفكير إلى التنفيذ فيتحوّل إلى تطرّف.
والتطرّف يقترن بفرض الرأي بالقوّة بزعم امتلاك الحق، فيسوق حججًا ومبررات لذلك، وهكذا لا يتورّع المتطرّف عن اللجوء إلى العنف لفرض رأيه. والعنف هو نتاج استيلاء التعصب والتطرّف على عقل الإنسان، وتبرير ما يقوم به حتى ولو ارتكب مجازر، فلا ضير في ذلك, لأن الحقيقة ستكون إلى جانبه مدّعيًا أن غايته شريفة، بغضّ النظر عن الوسيلة التي يستخدمها للوصول إلى غايته. وبالطبع لا تعصم المبادئ الدينية أو القومية أو الأيديولوجية من ارتكاب المعاصي والآثام تحت الحجج ذاتها.
إن ثقافة الكراهية، هي نتاج فكر استعلائي متعصّب يدّعي احتكار الحق والحقيقة، بعضها يقوم على أوهام التفوّق، التي يتم ضخّها بأساليب مختلفة من خلال مناهج التعليم والإعلام والخطاب الديني بالضدّ من الآخر، سواءً بالممارسة العملية أو من خلال قوانين تمييزية تتعارض مع ثقافة السلام والتسامح والتنوّع والتعددية.
الإعلام ودوره في مواجهة التطرف والعنف والخديعة
لقد فرضت ظاهرة التطرف والتطرف العنيف نفسها على اهتمام الكثيرين من الباحثين والأكاديميين، في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، باعتبارها ظاهرة عالمية تؤرّق المجتمعات المحلية وتعطل تنميتها، وذلك في رغبة قوية من هؤلاء الباحثين في فهمٍ أكبر لتلك الظاهرة وتحليل عميق لها، ومحاولة منهم للمساهمة في علاج هذه الظاهرة واستئصالها من جذورها. ليس هذا فحسب, بل إن خطورة التطرف قد فرضت اهتمامًا كبيرًا وموازيًا على صانعي السياسات والقرارات من الرسميين، بالإضافة إلى اهتمام الجمهور ومتابعته لحوادث الإرهاب والعنف والتطرف وتبعاته ، حيث تتعدى آثار الظاهرة لتشمل كل قطاعات المجتمع.
لم يعد التطرف ظاهرة تخص دولة بعينها بظروف سياسة خاصة، بل أصبح ظاهرة عالمية تجتاح معظم مناطق العالم، ولكن بدرجات متفاوتة، حيث تطالعنا وسائل الإعلام بوقوع العديد من أحداث العنف في مختلف بلدان العالم التي أصبحت تعاني من الإرهاب, خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، ولا شك أن ظاهرة الإرهاب تحظى باهتمام الشعوب والحكومات في شتى أنحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على أمن الدول واستقرارها، بعد أن اتضح أننا أمام ظاهرة إجرامية منظمة تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير في أوضاعها السياسية, وضرب اقتصاداتها الوطنية عن طريق قتل الأبرياء وخلق حالة من الفوضى العامة.
فالعنف والتطرف ظاهرة تاريخية عرفها العالم منذ وقت بعيد، والتي لا تزال تأثيراتها السلبية مستمرة حتى وقتنا الراهن خاصة خلال العقدين الأخيرين، حيث صار ظاهرة خطيرة تهدد مختلف دول العالم، مع تفاوت الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الأعمال الإرهابية بين دولة وأخرى ، ولعل الأمر الذي ساهم في إعطاء تلك الأهمية القصوى للتطرف والعنف في زمننا الحاضر, هو التقدم الهائل لوسائل الإعلام أو ما يسمى بثورة الاتصال التي استقطبت الجماهير بشكل كبير، فالإعلام بمختلف أنواعه يقوم بدور فعال في تعريف الجمهور بالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة داخل مجتمعاتهم، بالإضافة إلى توعية الرأي العام وتمكين المواطنين من فهم وحل مشكلات العصر .
خلاصة البحث :
في نهاية هذا البحث نرى أن الشواهد التي استعرضتها فضلاً عن التسارع اللاعـادي للأحداث السياسية والاقتصادية وحتى اليومية بصورة متواترة, يوضح أكثر فأكثر أن كل التغيرات التي نراها والتي سنشهدها خلال السنوات القادمة؛ ليست لوسائـل الاتـصـال وحـدهـا دور في التورط في حقبة التلاعب بالعالم وتوجهات الشعوب وثقافة المجتمعات وسياسات الدول بـوجـه عام.
يرى “جون جيرلي” أسـتـاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد أن «قوى مناوئة قوية» ستنشط ضد السيطرة الغربية المقصود قوى الهيمنة العالمية. وسوف تواجه حركات ثورية مستمرة.
والمنافسات الاقتصادية القوية والصراعات الفكرية والمؤسساتية والثقافية والإعلامية مع الدول الصناعية الغربية الرئيسة, وضغط القوة الداخلية من أجل الحصول على نصيبها من التعبير والحماية من الاختراق, سيواجَه كل ذلك باللجوء المتزايد إلى سياسة تدخل تلك القوى المهيمنة, وسوف تعاني الشعوب بوجه خاص أشكالاً صارمة من القمع.
____________________________
المصادر البحثية:
1-حسن عماد مكاوي وليلى حسين السيد- الاتصال ونظرياته المعاصرة- الطبعة السابعة- القاهرة: الدار المصرية اللبنانية- 2008 م.
2- الكسندر كوكبرن وجيفري سانت كلير- التحالف الأسود – ترجمة: أحمد محمود – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2003م.
3- هربرت ايرفينغ شيلر – المتلاعبون بالعقول – ترجمة : عبد السلام رضوان ،عالم المعرفة العدد 243- 1999م.
4- نعوم تشومسكي – السيطرة على الإعلام – ترجمة : أميمة عبد اللطيف – مكتبة الشروق الدولية – القاهرة 2003 م.
5- رامي عطا صديق ، فاطمة الحسن -الإعلام والإرهاب : دراسة حالة وإستراتيجية مواجهة- العربية للنشر والتوزيع – 2018 م.
