عبدالله الرومي
لعب الدينُ على مرّ العصور دوراً في نشوب العديد من الحروب والنزاعات في مناطق مختلفة على مرّ التاريخ الإنساني، واشتركت في هذه الحروب دياناتٌ مختلفة وأزهقت ملاييناً من الأرواح، ومنها ما استمر سنواتٍ وعقوداً طويلة، كالحملات الصليبية، وحرب الثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت وغيرها العديد من الحروب.
ولكن في عصرنا هذا دخل التاريخُ مسيرةَ حرب مختلفة من “تديين” الصراعات وتكريس الظنّ بأن الاختلافَ في الدين والمذاهب والمعتقد هو سببُ الصراعات والحروب بين الأمم والشعوب, ولا يمكن استشراف آفاقها المستقبلية وطرائق الحدّ منها، بل يمكن رصد أثرها في المجتمعات والأفراد في مستويين يجعلان من تغيير الدين أو المذهب وسيلة للنجاة.
وفي السنين الأخيرة استطاع النظامُ الملالي الإيراني- ومن خلال انتشار نفوذه في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان- إلى زيادة الانعزال والكراهية وعدم تقبّل الآخر واختلافاته في العادات والدين والمذهب والممارسات الثّقافية، حيث أصبح الصراعُ داخلَ مناطق النفوذ الإيراني هو (سني وشيعي).
حيث عملت إيرانُ منذ بداية الثمانينيات على نشر المذهب الشيعي من خلال المراكز الثقافية التابعة للسفارات الإيرانية حول العالم، ودعم المؤسسات الشيعية الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية في مختلف الدول, وكانت سوريا، بفعل العلاقات المتميزة بين نظام الأسد الأب والابن مع طهران، واحدةً من أبرز محطات النشاط الإيراني لنشر التشييع، وجاءت الأحداثُ السورية لتؤمّنَ فرصةً سانحة لنظام الملالي كي يوسع دائرةَ التشييع في المناطق التي ازدادَ فيها النفوذُ الايراني بسوريا وما أكثرها، حيث عملت على افتتاح المراكز الثقافية والدينية، وفتحت باب البعثات التعليمية الدينية، ونشرت الدعاة في مختلف المناطق السورية.
ومع توسّع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام في عام 2011، وتحولت هذه الاحتجاجات شعبياً إلى شكل مسلح، لم يجد النظامُ السوري سوى طريق التعاون الوثيق مع حلفائه التقليديين تاريخياً كلٍ من روسيا وإيران لإنقاذ وجوده.
وقد أدت إيرانُ دوراً ميدانياً أكبرَ وأطول من حيث المدة الزمنية، في مساندة النظام السوري، من خلال توفيرها دعماً مديداً تجلّت شواهده في جلب الميليشيات الشيعية من كافة أصقاع الأرض، وزجها في سوريا لمحاربة فصائل المعارضة المسلحة, الأمر الذي أحال إيران لتكون الدولة الأكثر نفوذاً في سوريا من ناحية ميدانية، وهو ما رفع وتيرة تبعية النظام السياسية والاقتصادية والأمنية لإيران التي باتت على ترابطٍ عضويٍ استراتيجيٍ مع النظام السوري.
ويتابع الإيرانيون انتشارهم، وتعزيز تواجدهم في الداخل السوري، فتثبيت الوجود وتعزيزه، لم يعد مقتصراً على العمل العسكري والاهتمام بالجانب العسكري، بل تعدى الأمر في الحالة الإيرانية للانتشار بناءً على أساس مذهبي.
حيث كثّفت إيرانُ من مساعيها لنشر التشيّع شرق سوريا، من خلال بناء الحسينيّات واستقطاب الوجوه العشائريّة والرموز الدينيّة، فضلاً عن منح رواتب مغرية لكلّ من يعلن تشيعه في مختلف المناطق, وأن هذه التحوّلات معظمها حصلت لأناس أنهكتهم ظروفُ الحروب أو بعد تصاعد الفقر فيها، الأمر الذي دفع طيفاً واسعاً من المسلمين السنة إلى تغييّر مذهبهم.
والانتقالُ من مذهبٍ إلى آخر يعتبرُ ردّة فعلٍ على الأوضاع المحيطة أكثر منه قناعة فكرية بمفهوم العقيدة, فتغييرُ المذهبِ ليس نابعاً من رفض المذهب، بل رفض لأولئك الذين استغلوا الدين لاستباحة الدماء, وإشكالية تغيير المذهب لا تقتصر على أسبابها ودوافعها الفردية، بل على الإشكالات التي رافقت دخول الدين وسط الحروب، وجعلتها عرضة للاستغلال السياسي بوصفها حرباً مفتوحة بين المذاهب.
فالانتشارُ الواسع لحركات التشيّع والتي نراها حالياً في سوريا وسبقتها العراق وغيرها من البلدان، ظاهرةٌ منتشرة خاصة في المدن الساحلية ودمشق وحلب ودير الزور ومناطق أخرى، والأسباب الرئيسية لظهور التشيّع تُحصر تقريباً في الظلم والفقر التي ترتبط بظروف الحروب الحالية.
حيث يستغلّ نظام الملالي الظروفَ التي يمرّ بها البلدُ من حاجة الناس إلى المال أو لجوء الشباب إليهم ليحموا أنفسهم من الالتحاق بالخدمة الإلزامية أو الاحتياط, حيث نجد نشاطهم يزداد في الساحل السوري ودير الزور، حيث يقومون باستغلال عائلات الشهداء بعد أن تخلى عنهم النظامُ السوري, حيث يبرزون الوجهَ الحسنَ ويقومون بتقديم كل ما يحتاجونهم إلى هذه العائلات من مال وطعام وغير ذلك, مما دفع الكثير من المسلمين السنة إلى التخلي عن مذهبهم والالتحاق بالمذهب الشيعي.
ففي محافظة دير الزور- على سبيل المثال وليس الحصر- وفي الأيام الأخيرة، نجد رفعَ الأذان وفقاً للمذهب الشيعي، ففي حي “التمو” الواقع على طريق قلعة الرحبة قرب محطة الكهرباء في مدينة الميادين، عند الضفاف الغربية لنهر الفرات، بريف دير الزور الشرقي، يشهد رفع أذان الصلاة في مسجد حي التمو، الذي يتخذه الإيرانيون كحي خاص بهم في المدينة، وكذلك تشهد المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الايرانية انتشارَ ظاهرة زواج المتعة بكثرة.
ونرى تزايدَ أعداد المتطوعين والمنتسبين من أبناء مناطق غرب نهر الفرات بمحافظة دير الزور إلى صفوف الميليشيات الإيرانية “الشيعية” من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية المنتشرة في تلك المناطق, وعملية التطوع هذه تضم منشقين سابقين عن قوات النظام والراغبين بتسوية أوضاعهم، بالإضافة لمقاتلين سابقين في صفوف المعارضة المسلحة ومدنيين آخرين من محافظة دير الزور. كل هذه الأمور تتم عن طريق إغراء المتطوعين وتشجيعهم على تبني هذا المذهب عبر استغلال وضعهم الاقتصادي والمعيشي من خلال تخصيص راتب شهري يبلغ 150 دولار أمريكي، فضلاً عن إعطاء المتطوع الخيار في عملية انتقاء مكان الخدمة، بين الذهاب للجبهات أو البقاء في مركز التدريب بغرب نهر الفرات.
وفي تاريخ 5/2/2019 احتفل الإيرانيون- برعاية النظام السوري- بالذكرى الأربعين لتولي الخميني الحكم في إيران وسقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي, حيث أقامت لجنة الأصدقاء الايرانية السورية احتفالاً خطابياً في مدينة دير الزور بحضور عددٍ من مسؤولي النظام السوري في المدينة وعدد من الشخصيات الإيرانية وقيادات المليشيات الايرانية المتواجدة في تلك المنطقة، وقد ألقى محافظ دير الزور “عبدالمجيد الكواكبي” واللواء “شوقي يوسف” رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية لقوات النظام بالمنطقة الشرقية خطابات حيّوا فيها الدورَ الإيراني وما يقدمه “الشركاء الإيرانيون” في سوريا عموماً ودير الزور خصوصاً من دعم ومساندة للمشاريع المنفذة في المدينة .
ونظراً لموقع دير الزور الجغرافي المرتبط مع العراق، والتي تعتبر نقطة ربط (الهلال الإيراني) ما بين طهران وبغداد وبيروت، وهي تشكل نقطة صراع أمريكي إيراني، وهذا ما يشير إلى احتمالية نشوب معركة في تلك المنطقة، لقطع الهلال وطرد إيران من شرق سوريا.
أما جنوب سوريا، فقد بات لإيران وحلفائها دورٌ مركزي في تركيبة السلطة الناشئة, ويصعب في الواقع الناشئ تمييز الفاصل الذي ينتهي عنده دور الدولة السورية ويبدأ دور إيران وحلفائها, فقد تحول جنوب غرب سوريا، الذي كان مهداً للانتفاضة ضد الأسد، إلى ولادة سوريا جديدة، حيث تشكل إيرانُ مع حلفائها فيها مكوناً حيوياً.
و أقامت إيران في الجنوب السوري 52 نقطة وموقعاً عسكرياً بهدف تأسيس “حزب الله” السوري, كما أسست إيران خلايا أمنية تابعة لها في الجنوب، وثمانية حوزات (مزارات شيعية) وخمس جامعات، إضافة إلى محاولاتها المستمرة في تغيير معتقدات الناس ودياناتهم عبر أساليب الترغيب والترهيب المتنوعة.
وأن الخطر الإيراني في سوريا مستمر ومتزايد، وأنها “تسعى إلى تأمين حلمها في خط بري يصل طهران بلبنان، عن طريق التغلغل الناعم والمستمر في مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع وفي كل المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية.
وتصاعد الحديث خلال الأشهر الماضية عن الوجود الإيراني في الجنوب السوري والأهداف التي تخفيها طهران في المنطقة.
وكان أبو الفضل الطباطبائي، ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، في سوريا، زار مدينة درعا، 24 من تشرين الأول، على رأس وفد من ثلاثة أشخاص، ما فتح باب التساؤلات حول أهداف الزيارة.
وأن ظهور مجموعات تتبع لـ “حزب الله” اللبناني في المنطقة الشرقية (نصيب وصيدا وبصر الحرير)، خلال الأسابيع الأخيرة، تعمل على تقديم إغراءات لعناصر التسوية (مقاتلي الجيش الحر سابقاً) للالتحاق بها.
ومن جهة أخرى تستعدّ إيران- بالاتفاق مع العراق وسوريا- لمدّ سكّة حديد تربط الدول الثلاث. وفي حين أن للمشروع فوائد اقتصاديّة جمّة، فإنّ هناك من يرى فيه توسيعاً للنفوذ الإيرانيّ في المنطقة، ولا يتناسق مع تشديد العقوبات الأميركيّة على طهران, حيث أوعز الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني في 12 تشرين الثاني/نوفمبر بمدّ سكّة حديد من منفذ الشلامجة الحدوديّ إلى مدينة البصرة في العراق، فيما كشف مساعد مدير شركة سكك الحديد الإيرانيّة مازيار يزداني أنّ “مدّ سكّة الحديد تستكمل الخطّ السككيّ بين إيران والعراق وسوريا إلى ميناء اللاذقيّة على البحر المتوسّط”، الأمر الذي يكشف الهدف السياسيّ أيضاً من المشروع، وهو أمرٌ كانت أعلنته إيران وسوريا في 14 آب/أغسطس من عام 2018 عن عزمهما مدّ سكّة حديد بين البلدين بمشاركة العراق لمواجهة العقوبات الغربيّة وتعزيز التعاون الاقتصاديّ، تمتدّ من مدينة الشلامجة جنوب إيران إلى ميناء البصرة العراقيّ، ثمّ إلى الأراضي السوريّة.
وإنّ الأمر الذي يعزّز من حماس إيران إلى مشروع السكّة، نيّتها إنشاء موانئ على سواحل سوريا، فيما رأت إسرائيل أنّ مشروعَ السكّة سوف يسهّل من عمليّات نقل السلاح إلى سوريا.
وفي التفاصيل الفنيّة التي كشفتها الوزارة، فإنّ “المشروع في جزئه السوريّ يتضمّن إنشاء 32 كيلومتراً من سكك الحديد، فيما الباقي ينشئه العراق في عمق أراضيه لربط كلّ من بغداد بكربلاء (وسط العراق) وكربلاء بالأراضي السوريّة، الأمر الذي يسهّل تنقّل الأفراد وشحن البضائع بين إيران والعراق إلى سوريا، وبالعكس”.
الربط السككيّ لدول ثلاث في منطقة تعاني من ويلات الحروب ونشاط الجماعات المسلّحة، التي قطّعت أوصال الحركة التجاريّة بينها، سوف يكون مشروعاً جريئاً ومفيداً ما لم يصطدم بعراقيل المواقف السياسيّة، التي تعتبر مشروع السكّة خطراً إيرانيّاً يقترب من سواحل البحر المتوسّط، وما لم يتجاوز شروط العقوبات المفروضة على إيران، لا سيّما أنّ سوريا وإيران أعلنتا في29 آب/أغسطس عن اتفاقيّة عسكريّة لتعزيز البنى التحتيّة الدفاعيّة السوريّة، الأمر الذي يجعل المشروع في فوهة معارضة واشنطن، فضلاً عن الدول المتحالفة معها.
وصرّحَ في وقت سابق رئيسُ هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أن البحريةَ الإيرانية ستطلبُ قريباً إنشاءَ قواعد لها في سوريا, وإن الحكومة السورية باتت بين فكي كماشة روسية ـــ إيرانية، فمن جهة يضغط الروس عليها لرفض القواعد الإيرانية، ومن الجهة الأخرى يضغط الإيرانيون لقبولها.
وترى موسكو أن تلك القواعدَ تشكلُ تهديداً لأمن إسرائيل، ويمكن أن تثيرَ غضب الولايات المتحدة، وأنه إذا قبلتها دمشق فستواجه ضغوطات دولية كبيرة، إضافة إلى احتمال قيام الإسرائيليين أو الأميركيين بمهاجمتها مراراً، وانتهاك سيادة الأراضي السورية، معتبرة أن إعطاءَ إيران تلك القواعد سيكون مبرراً لتركيا والولايات المتحدة لتأسيس أخرى مماثلة. أما الحكومة السورية أبلغت الإيرانيين مراراً بأن الظروف الحالية لا تسمح لها بمنحهم قواعد مستقلة، وعرضت بدلاً من ذلك فتح قواعدها العسكرية لهم على أن تعيد تقييم الموقف بعد انتهاء الأزمة الحالية، مضيفاً أن طهرانَ تصرّ على توقيع اتفاقية عسكرية طويلة المدى مع دمشق، وأن تحصل على هذه القواعد قبل انتهاء الحرب السورية.
ولا يغيب عن ناظري الروس حيث ترى أن طهرانَ تسابقُ الزمنَ في إطار الصراع على النفوذ في سوريا، وتود أن تؤكد لموسكو على أنها رقم صعب في أي تسوية مقبلة مع واشنطن وأنقرة والدول العربية حول سوريا.
أما طهران فالقاصي والداني يعلمان أن لديها حلماً قديماً منذ زمن الإمبراطورية الفارسية، ومن مصادفات القدر أنه ذات الحلم الروسي منذ زمن بطرس الأكبر وكاترينا العظمى، أي الوصول إلى المياه الدافئة على شاطئ المتوسط. والشاهد أنه إذا كان الروس قد أدركوا حلمهم من خلال الموانئ السورية، فإن الإيرانيين يأملون بأن يصنع نفوذهم ممراً من بغداد إلى دمشق فلبنان وصولاً لسواحل البحر الأبيض المتوسط، ولتضحي بعدها البحرية الإيرانية شريكاً في الحضور الاستراتيجي العسكري في منطقة ملتهبة، الأمر الذي لا تقبله إسرائيل، ولا ترضى عنه موسكو بالقدر نفسه.
مخاوفُ الانقلاب الروسي على إيران يحاول الملالي مداراتها لكنهم يخفقون، وهذا ما حاوله المستشار الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية اللواء حسين فيروزي، من خلال التقليل من أهمية التباينات الكبيرة بين إيران وروسيا، لكن الحال يغني عن السؤال.
كارثة إيران أبداً ودوماً أنها في خضم غرورها تنسى ما يعرف عسكرياً بميزان الانتباه، ذاك الذي يقيس قدراتها العسكرية الحقيقية، وتتناسى أن روسيا كانت ولا تزال ترفض إيران مصدرة القلاقل والإرهاب، وصاحبة النوايا غير الخافية على أحد في نشر دوغمائيتها في الجمهوريات السوفييتية السابقة.
ومنذ دخول العقوبات القاسية على طهران قبل أشهر حيّز التنفيذ، أرسلت إيرانُ إشاراتٍ متعددة تعلن خلالها الاستعدادَ للدخول في مفاوضات مع إدارة دونالد ترمب حول الوضع في دول المنطقة.
وصل الأمر بالإيرانيين إلى إبداء الاستعداد بالتراجع من ميادين عديدة خاصة في سوريا، لقاء وقف العقوبات والشروع بجولة تفاوضية جدية تعيد إحياء الاتفاق النووي، لكن الأميركيين رفضوا ذلك، وأصرّ ترمب على هجومه المتعدد الأوجه.
يجدد الأميركيون هجومهم، ويضعون دفتر شروط شاملا وقاسيا على طهران، كالانسحاب من سوريا، تغيير السلوك بشكل كلّي في لبنان لـ جهة ترسيم الحدود البرية والبحرية، بشأن حماية بلوكات النفط، وتأمين حماية إسرائيل عبر إدخال حزب الله في هذه التسوية وتجريده من سلاحه الكاسر للتوازن، وليس الملف العراقي بعيداً عن دفتر الشروط. إيران ترفض هذا الكم الهائل من دفتر الالتزامات، خاصة بعد تكبّدها لخسائر مادية وبشرية ضخمة، وهي تقاتل في سبيل إنجاز مشروعها الإمبراطوري الاستراتيجي عبر ربط أراضيها بالعراق وسوريا فلبنان.
غاية إيران الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، والتمتع بقدرة إصلاح أنابيب النفط لتصدير نفطها وغازها عبر هذه الأنابيب إلى أوروبا، حالما تصل إلى توافق مع الأميركيين على غرار الاتفاق النووي في العام ٢٠١٥، والذي تم بموجبه رفع العقوبات عنها.
وتؤكد المعلومات أنَّ هناك اتفاقاً روسياً أميركياً على وجوب تحجيم نفوذ إيران في سوريا، الطرفان يلتقيان على وجوب توفير أمن اسرائيل، وقضم مناطق السيطرة الإيرانية، ومنعها من استمرار امتلاك القدرة التأثيرية على النظام، وهذا بلا شك سيدفع إلى حصول مناوشات عديدة بين الإيرانيين والروس، عسكرياً وسياسياً.
بالتزامن، يعقد مؤتمر وارسو لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يخرج بتوصيات واضحة تعزز مفهوم العقوبات، وتعطي صورة مواجهة أكثر من 70 دولة، للدور الإيراني في المنطقة. هذه التوصيات، كانت قد استبقت بإجراءات أميركية متعددة، منها قانون قيصر، الذي يوجب فرض عقوبات على من يتعامل مع النظام السوري ومن يتعامل مع المتعاملين معه. بالإضافة إلى التدخل الأميركي بقوة لمنع تطبيع العلاقات العربية مع النظام، ووقف مسار فتح السفارات, وهذه إشارة أميركية إلى أن المعركة لم تنته, لا بل هناك شكل آخر تتخذه، ولا يمكن أن يُسقَطَ منه الخيار العسكري.
تقف منطقة الشرق الأوسط أمام شهور حاسمة, تتراوح المعادلة فيها بين حرب كبرى وشاملة، أو تسوية كبيرة وشاملة. الأمر يرتبط بالاتجاه الذي تقرره طهران لمسار الأمور. الأميركيون وضعوا شروطهم على الطاولة، وهي قاسية بالنسبة إلى طهران، إسرائيل تضغط عسكرياً عبر الغارات المستمرة على المواقع الإيرانية، وتنسّق مع موسكو سياسياً، الالتقاء العربي الروسي واضح حول وجوب ضرب النفوذ الإيراني، وانسحاب إيران من سوريا.
الأطماع الإيرانية غير محدودة، فحكام طهران لم يتستروا لحظة على استهدافهم لبلدان المنطقة، وهم من ادّعى منذ زمن السيطرة على أربع عواصم عربية، وبعض أتباعهم من زعماء الميليشيات الطائفية هددوا بأن “الهلال الشيعي” سيصبح بدراً, وقضى هذا المشروع بسابقة اجتياح حدود “سايكس – بيكو”، وهي الحدود التي أمّنت طيلة قرنٍ كامل قيام دول حافظت على نسيجٍ مجتمعي وفّر رخاءً وأمناً.
و في الطريق لترسيخ “الهلال الشيعي” كي تبسط طهران نفوذها، شهدت سوريا والعراق أوسع عمليات اقتلاع للسكان وجرى فرض تغييرات ديموغرافية، ونُكبت سوريا بظاهرة إحلال ميليشيات شيعية خصوصاً أفغانية وباكستانية مكان السكان العرب السنة الذين باتوا مواطنين درجة ثانية, خطوات حثيثة تتم بعدما حوّلت الحرب التدميرية المنظمة أبرز الحواضر العربية, وجاءت القرارات الموحى بها وإجراءات السيطرة على الممتلكات والثروات لتفرض واقعاً خطيراً، ثم “اتفاقات” مفروضة طويلة الأمد، وما ارتبط بها من إقامة اقتصاد موازٍ، وفرسنة نظام التعليم وحملات التشيُّع المدفوع في الأوساط المعدمة وإدخال عادات وتقاليد جديدة من اللباس إلى الصلاة والسلام، إلى الإمساك بالمؤسسات، لرسم منحى خطير لنتائج هذه السلبطة وما يريد المشروع الاستيطاني الزاحف فرضه، لجهة الحؤول دون عودة ملايين اللاجئين بعدما بات الوضع السكاني أكثر “تجانساً”.
كل هذا التوسع في نفوذ النظام الإيراني حدث في غفلة من الزمن، وهو استفاد من قراءة أميركية جائرة بدأت بعد 11 سبتمبر (أيلول) وتكرست في مرحلة أوباما خصوصاً مرحلة الاتفاق النووي وما بعده ليتم تلزيم المنطقة لميليشيات قاسم سليماني. ومن ثم جاء التغيير في الإدارة الأميركية ليساهم في رسم أساس مغاير، وبات من الصحيح القول إن المنطقة تنام على أمر وتصحو على آخر، لكن ضمن المعطيات الراهنة لا أسس تشير بأن مشروع حكام طهران سيتراجع!
المراجع:
1- المتحولون دينيا: دراسة في ظاهرة تغيير الديانة والمذهب.
2- تغيير المذهب أو الدّين لغايات اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو عقائديّة: “تيلي لوميير” Tele Lumiere
3- المرصد السوري لحقوق الأنسان.
4- مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية- لندن.
5- الاستثمارات الإيرانية في سورية وأهمية “القلق الأمريكي”، الحياة.