أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتملف العدد 60

لماذا يهتم الغرب بقضايا البيئة

محمد فكري إسماعيل / مصر

محمد فكري إسماعيل / مصر

يقول الشاعر الإنجليزي ديفيد تشالك في مطلع قصيدته الشهيرة:

في كل أرض متحضرة

يقبل الواجب تجاه الجميع

وأيضا للمواطنين حقوق

بعضها عظيم، وبعضها صغير

هكذا يجب أن تكون الأمور في الوطن

لمن يقدر الحقيقة والإنصاف

والعدل واللياقة

مقدمة:

” نحن في طريق سريع إلى جحيم المناخ بسبب النشاط البشري الأرض تقترض بسرعة من نقطة التحول التي ستجعل الفوضى المناخية لا رجعة فيها ”

بهذه الكلمات افتتح الأمين العام للأمم المتحدة السيد ” أنطونيو غوتيرش ” الجلسة الافتتاحية لقمة المناخ 2022 والتي انعقدت في مصر.

يمكن للكثير من المهتمين بالشأن البيئي والعام استشفاف المخاطر الكبيرة التي تنتظر البشر بفعل التدهور المستمر بالبيئة وتأثيراتها الكبيرة على المناخ والتغيرات المناخية.

سنحاول في هذا البحث تسليط الضور على أهم القضايا المناخية والبيئية التي تشكل خطراً على استمرار الحياة على سطح الأرض وسنركز على الأسباب التي تدفع الدول الغربية للاهتمام بالقضايا المناخية.

ربما يمكننا طرح بعضاً من الأسئلة بعد انتهاء أعمال المؤتمر المذكور آنفاً مثل:

1- هل يمكن أن تتمتع المؤتمرات واللقاءات في ميادين البيئة بالقوة القانونية الملزمة؟

2- هل يمكن أن تستجيب الدول الصناعية الكبرى للمطالب الأخلاقية بخصوص الحفاظ على البيئة واحترامها؟

3- هل تستطيع الدول الصغيرة أن تتحمل نصيبها من الأضرار الحاصلة في الموارد الطبيعية؟

4- ما هي قيمة المؤتمرات إذا لم تحقق الغاية المرجوة في حلول سريعة للمشاكل البيئية؟

البيئة لم تعد موضوع أفلاطوني أو إنشائي، بل هو موضوع وجودي واقتصادي وسياسي.

فالآثار السلبية على الطبيعة والبيئة، الناتجة عن إطلاق عمل الشركات بدون ضوابط أو حماية أدت إلى كوراث مثل: ذوبان الجليد، تلوث البحار اختفاء الغابات اضطرابات مناخية في الشتاء وجفاف في الصيف، فقر الملايين من البشر، جوع وتهديد بيئي، فقدان البشر لممتلكاتهم وبالتالي حروب وصراعات.

في العودة إلى موضوع تغير المناخ، تشير أغلب الدراسات أن درجات الحرارة السطحية ارتفعت في بعض أجزاء من العالم بنسبة 2,5٪ درجة مئوية، وحموضة المحيطات آخذة في الارتفاع، كما أن مركبات الكربون الهيدروفلورية التي ترفع بشدة درجة حرارة الغلاف الجوي تزداد بنسبة 10-15٪ سنوياً. مُضيفاً فيما يتعلق بتلك الأخيرة أن الإخفاق في خفض إنتاج مركبات الكربون الهيدروفلورية قد يُؤدي إلى تراكم مليارات الأطنان من ضفاف النفايات الركامية، وارتفاع التكاليف، والمزيد من التقيد بالهياكل الأساسية التي تركز بكثافة على الكربون، وزيادة احتمال تعرض الإنسان للظواهر المناخية شديدة القسوة، وتدهور قدرة تحمل الشعوب والاقتصادات والنظم الإيكولوجية.

من المهم والملح أن تتضافر الجهود وتتحد في إطار استراتيجيات شاملة للتنمية المستدامة لأن الأمر يتسم بأهمية بالغة، لاسيما بالنسبة للمجموعات السكانية الفقيرة والضعيفة في الدول الجزرية الصغيرة النامية المتضررة على نحو غير متناسب بسبب ارتفاع مستويات البحار.

وفيما يتعلق بموضوع حالات الوفاة والمرض ذات الصلة بالبيئة، فإن بيئات العيش والعمل غير الصحية تُسبب ما يقرب من ربع حالات الأمراض والوفيات؛ وأن نسبة تصل إلى 90 في المائة من المياه المستعملة في البلدان النامية تتدفق من دون معالجة في الأنهار والبحيرات والمناطق الساحلية؛ وأن نحو 2,5 مليون شخص لا يزالون يفتقرون إلى الصرف الصحي.

تعتبر تلوث الهواء هو من أكبر المخاطر البيئية على الصحة، حيث يتسبب في 4.3 مليون حالة وفاة مبكرة كل عام، فضلاً عن التلوث في الهواء الطلق الناجم من وسائل النقل، وإنتاج الطاقة والأنشطة الصناعية والمسؤول عن حدوث 3,7 مليون حالة وفاة. والوضع خطير بشكل خاص في البلدان النامية حيث لا يزال ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص يستخدمون الوقود الصلب ويشعلون الحرائق في الهواء الطلق لأغراض الطهي والتدفئة.

في دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2020 قدرت أن تلوث الهواء يساهم في 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً على مستوى العالم، وهو عبء قد يتجاوز حالياً عبء أمراض الملاريا والسل والإيدز معاً.

وإذ تدرك أن نوعية الهواء الرديئة تشكّل تحدّياً متنامياً في سياق التنمية المستدامة، خصوصاً في المدن والمراكز الحضرية، وأن هناك حاجة لبذل جهود في مختلف القطاعات لتحسين نوعية الهواء،

وكذلك أن تلوث الهواء يشكل عائقاً أمام التنمية المستدامة في الدول، بما يؤثر على جملة أمور من بينها الاقتصاد وإنتاجية العامل وتكاليف الرعاية الصحية.

وإذ تعي أن تحسين نوعية الهواء يمثل أولويةً لحماية الصحة العامة وتوفير منافع مشتركة للمناخ، وخدمات النظام البيئي، والتنوع البيولوجي، والأمن الغذائي.

يعتقد عدد من العلماء أن زيادة الاستهلاك هي واحدة من المشاكل الأساسية التي تهدد الرفاه وسلامة النظام البيئي للأرض فالبشر، بشكل خاص في النصف الغربي من الكرة الأرضية، يستهلكون الموارد بخطى تفوق قدرة الأرض على تجديد هذه الموارد وامتصاص ما ينتج عن ذلك من نفايات. فقد تم ّ استعمال المياه، والغابات، والهواء النقي، التي تلوثت بنسب أعلى بكثر من تلك التي حلّت مكانها، وأن النفايات التي نتجت عن الاستهلاك والانتاج، كما يعتقد كثر من العلماء، تسبّب ثقوباً في طبقة الأوزون، ومشاكل أخرى كثرة. وقد أخذ التنوع الإحيائي بالتضاؤل منذ بدأت بيئات الحيوانات والنباتات تتدمر أو أخذ بالتحول إلى جزر صغر ّ ة أو حدائق، معزولة بعضها عن بعض عن طريق «التطور»

وأدت هذه المشاكل بعدد من العلماء والناشطين البيئيين إلى أن يقلقوا كثراً على سلامة النظام البيئي لكوكبنا وعلى قدرته على تعزيز الحياة. بيد أن القوى الفاعلة التي تهد ّ د رفاه الأرض هائلة ومعقدة، وأنا لا أرغب في أن أختزلها إلى مسألة قيم فقط. مع ذلك علينا الاعتراف بموقع المادية في المعادلة، ذلك أن الدليل المادي يبين ّ أن الخيارات التي تنشأ من التوجه نحو القيم المادية في الغالب

لا تهتم بالطبيعة، أو أنها شديدة العدوانية تجاه الطبيعة أينا نماذج لكيفية تصارع القيم المادية ّ مع الاهتمام بالعالم الأوسع. فمثلاً يقلّ اهتمام الأشخاص الذين يركّزون على القيم المادية بـ «المدن والقرى الجميلة»

وعلى نحو مشابه يبّين نموذج الدائرة المعقدة للقيم أنه في ثقافات عديدة تتعارض قيمة الثروة مع الاهتمام بـ «حماية البيئة» والحصول على «عالم من الجمال» وبلوغ «الاتحاد مع الطبيعة»

يوجد دليل آخر على ارتباط القيم المادية بقلّة الاهتمام بمسائل البيئة والمحيط.

فقد بين شون ساندرز  Shaun Saunders ودان مونرو  Munro Dan أنّ الأستراليين الذين عبروا بشدة عن قيم مادية عبروا أيضاً عن مواقف سلبية تجاه البيئة، وعن قليل من الحب لكل الكائنات الحية، وعن قلّة التصرفات الصديقة للبيئة.

كما توصلت دراسة مارشا ريشنز  Richins Marshaوسكوت دوسون Scott Dawsonحول المادية التي أجريت على أكثر من (200) شخص في الولايات المتحدة إلى نتائج مشابهة حيث أكمل المشاركون استبياناً يسأل كم مرة انخرطوا في ثلاثة نماذج من الأعمال السليمة بيئياً: الذين كانوا مادياً بسطاء (يقودون دراجة بدل قيادة سيارة، يشترون منتجات مستعملة بدل الجديدة،) وأولئك الذين لهم حرية إرادة أكثر (يخبزون خبزهم بدل شرائه، يقومون بالإصلاحات المنزلية بأنفسهم.) والذين أظهروا وعياً بيئياً أكثر (يدورون النفايات ويساهمون في المنظّمات البيئية.) حصل الناس الذين لهم قيم مادية قوية على درجات متدنّية في كل من هذه المقاييس.

كما كانوا متورطين في تصرفات تسبّب خراباً للبيئة في الانقياد للأنانية والمادية، فإن كارثة بيئية بانتظارنا. لقد بيّنت دراسة حول سنوات من الأزمة الاجتماعية أن السلوك الإنساني هو السبب المتكرر لهذه المشاكل وهذه العملية تسمى أحياناً ّ «مأساة العامة» مرعى يخص مجتمعاً يتشارك فيه عدد من الأفراد.

لقد ارتبط مفهوم التنمية المستدامة بالتوجه العالمي القائم على دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والثقافية في عملية اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي بعد أن كان في معزل عن ذلك، ففي الستينيات من القرن المنصرم تم اعتماد برامج من قبل بعض المنظمات الدولية الأممية تقوم أهدافهاً أساساً على تخفيف حدة الفقر وإعادة توزيع الدخل واستمر الوضع على ذلك النحو حتى العقد الماضي، حيث برز مفهوم التنمية المستدامة  القابلة للاستمرار الذي جرى تعريفه في تقرير لجنة الأمم المتحدة للبيئة عام 1987م بأنه «تلبية حاجات الأجيال الحاضرة دون التضحية بحاجات الأجيال القادمة مما يعني الاعتراف بمحدودية المصادر الطبيعية وضرورة مراعاتها وعدم الحاق اضرار فادحة بها تكون في حالات كثيرة غير قابلة للإصلاح وكانت ضمن أفكار ومنطلقات الشركات متعددة الجنسيات التي لم تعطي لتلك لاعتبارات البيئية أهمية تذكر إلا بعد ظهور أزمات كبيرة في التغيرات المناخية وحدوث كوراث بيئية .

ومنذ قمة الأرض الأولي عام 1992م والتي عقدت في «ريودي جانيرو» بالبرازيل ونتائجها التي تتلخص بأنه وبدون إدارة بيئية فإن التنمية ستتعرض للانتكاس وأنه وبدون تسريع التنمية في الدول النامية فإن السياسات البيئية ستفشل وعند مراجعة ما جرى منذ انعقاد تلك القمة فإن التقارير تشير إلى أن الإنجاز لم يرتق إلى مستوى الطموحات، حيث أن الدول النامية مازالت تفتقر إلى الموارد المالية التي تكفل بصورة أساسية عدم التضحية بمصادرها الطبيعية، وهي تواجه مشاكل الفقر والتخلف ومعضلة الموائمة بين التنمية والبيئة.

ورغم استمرار الدول المتقدمة في زيادة الضغط على البيئة العالمية، فإنها بعد أن تمكنت من تحقيق إنجازاتها الرئيسية في المجال الاقتصادي بدأت بدمج الاعتبارات البيئية في أنشطتها الاقتصادية وهو ما ليس بمقدور الدول النامية مجاراتها خلال مراحل نموها الأولي، حيث يلاحظ بصورة عامة أنه خلال بدء ارتفاع الدخل القومي لبلدان الدول النامية، فإن التدهور البيئي يزداد إلى نقطة معينة تبدأ بعدها نوعية البيئة بالتحسن.

الخاتمة:

بالمحصلة نستطيع القول إن الدول النامية لن تكون قادره على تحمل نتائج التردي البيئي التي ستؤدي في النهاية إلى دفع ثمن اقتصادي باهض قد لا يكون المبكر مع مشاكل البيئة والتنمية في نفس الوقت من خلال دمج الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، بحيث يتم السعي نحو التنمية وتحسين نوعية الحياة ضمن الضوابط والحدود التي تفرضها المحافظة على المصادر الطبيعية.

إنَ الواقع السياسي والاقتصادي أصبح يفرض ضرورة النظر إلى البعد البيئي (الاعتبارات البيئية) في تقييم النشاطات الدولية والمحلية البشرية والسياسية والاقتصادية، من منطلق كون المشاريع تعتمد في سبل تحقيق مصالحها على موارد الطبيعة، التي تستنزف دون النظر لتلك الاعتبارات والقدرة على تجديدها، لذا تبرز إشكالية التأثير الذي تحدثه المشاريع في الطبيعة، والمجتمع. ومقابل المخرجات التي توفرها المشاريع تنتج آثار (الأثر البيئي) خارجية سلبية تمثل تكلفة إضافية يتحملها المجتمع، وتؤثر على البيئة بتلويثها. أي أن التفاعل بين المشروع والبيئة يفرض حتمية دمج الآثار الخارجية في الحسابات المختلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، كتكاليف بيئية وأعباء لا تستطيع تداركها في زمن قريب.

المصادر:

  • تقرير القمة العالمية للتنمية المستدامة، جوهانسبرج، جنوب أفريقيا، 2002
  • كيف تؤدي حرية السوق إلى تآكل أفضل الأشياء في الحياة،ب سوارتز ، نيويورك ، 1994م
  • الاعتبارات البيئية والتنمية المستدامة، مجلة البيئي، القاهرة، 2007م
  • تقرير قمة المناخ العالمي شرم الشيخ مصر 2023م
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى