افتتاحية العدد 37: العثمانية الجديدة
هيئة التحرير
لقد كان لنشوء الإمبراطوريّة العثمانيّة تأثير كبير على الغرب عامّة وعلى الشرق الأوسط بوجه خاصّ، والتاريخ يذكر أنّ الشعب التركيّ الشقيق من الشعوب الجديدة الوافدة إلى الشرق الأوسط من الشرق الأقصى، مقارنة مع قدم الفرس والكرد والعرب والسريان وغيرهم من الشعوب العريقة في الشرق الأوسط، وكان ذلك الوفود بعد تمدّد الدولة العربيّة الإسلاميّة، وانخراط الشعوب والأقوام الوافدة من الهند والصين وكازاخستان ومنغوليا…
ومنذ تسعة قرون والدولة السلجوقيّة وصولاً إلى الدولة العثمانيّة فقيام الدولة التركيّة في بدايات القرن العشرين تعتمد على مبدأ القوّة والسطوة شأنها شأن الإمبراطوريات الفارسية والبيزنطية والعربيّة الإسلاميّة…، لكن بعد نشوء الدولة القوميّة التركيّة بشكلها الحالي اعتمدت هذه الدولة -كما حال الدول القومية الأخرى- على مبدأ صهر القوميّات غير التركيّة وإبادتها، وقد انتهجت مبدأً عنفيّاً شديداُ تجاه هذه القوميّات الأصيلة، وعلى الأخصّ الشعب الكرديّ الذي يتصدر الشعوب غير التركيّة في تركيا عدداً.
لقد باتت الثقافة العثمانية ثقافة دخيلة على الشرق الأوسط بما أنّها لم تكن امتداداً طبيعيّاً للحضارات العريقة في هذه المنطقة، فاستخدمت الدين الإسلامي كوسيلة للهيمنة، فظلّت عقدة النقص مرافقة للدولة التركيّة ذات اللغة البسيطة التي استمدت من اللغات العربيّة والكرديّة والفارسيّة في الكثير من كلماتها، وفي القرن العشرين استفادت من المصطلحات الإنكليزيّة أيضاً.
فظهرت بعد انهيار السلطنة العثمانيّة بزوال آخر سلاطين العثمانيين؛ السلطان عبد الحميد الثاني، فظهرت الكمالية التركية التي ارتكزت على مبادئ الدولة القومية واتّباع سياسة التتريك عبر مؤسّسة )ترك أوجاغي( أي العائلة التركيّة، وظهرت الجمهورية التي تبنّت العلمانية ديناً لها، وبدأ التقرُّب من الغرب.
لجأ الغرب في أواخر القرن العشرين إلى الأتراك بعد الفشل الأميركيّ في العراق عبر تسلّم حزب العدالة والتنمية الحكم، لكي يمرّ تحوّل الحداثة الرأسمالية من الرأسمال الصناعي إلى الرأسمال المالي في الشرق عبر البوّابة التركيّة، فبدأ الغزو الغربيّ للشرق الأوسط من جديد عبر البوّابة التركيّة فالمصرية فالعراقيّة من جديد فالسوريّة، وبدأ الرضا عن مشروع الإسلام السياسيّ، لكنّه لم يلبث أن فشل بعد أن استلم مرسي الحكم في مصر، وظهرت بوادر العداء ضدّ الغرب، فاتُّخذ القرار
بنسف هذا المشروع، والرجوع إلى الفوضى الخ قّالة، فظهرت الأردوغانيّة؛ )العثمانية الجديدة( وظهرت تحوّلات في تركيا عبر المرور ببوّابات العلمانيّة إلى الإسلامويّة، وترسّخت العلاقات الداعشيّة الأردوغانيّة، وتدهور الديمقراطيّة الهشّة وتحوّلت إلى الديكتاتوريّة، وتحالفت الإسلامويّة مع القومويّة في تركيا والشرق الأوسط وصادرت الثورات عبر تحوير معانيها وتحوّلها إلى ثورة مضادّة.
إنّ استنفاد الحلول جعل الغرب يلجأ إلى البديل الديمقراطيّ لأزمات القوموية والإسلامويّة في الشرق الأوسط، فاستطاع الحل الديمقراطي أن يفرض نفسه مساراً وحيداً لا مسار غيره على الساحة، بعد الفشل الذريع للمشاريع الإسلامويّة والقومويّة في المنطقة؟