الجانب الخفي للأزمة السورية ومصير أنظمة المنطقة
لقمان أحمي
مقدمة:
يعاني العالم ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي، مخاض إنشاء نظام عالمي جديد بقطب واحد، بنظام بين الفيدرالي والكونفدرالي، والدمج بينهما، حيث أنّه عندما لا يفي النظام الكونفدرالي بالغرض يتم اللجوء إلى النظام الفدرالي وهكذا حسب الحاجة، حيث ستكون هناك حكومة في المركز تدير شؤون العالم، مع وجود حكومات مهيمنة في كل إقليم, ولأجل ذلك يتطلب حل جميع القضايا التي يعاني منها العالم، فالحكومة الواحدة تتطلب الاستقرار وليس المشاكل مثلما في عالم القطبين أو متعدد الاقطاب، حيث يميل نظام كل دولة إلى القطب الايديولوجي الموافق له أو الذي يحقق بقاءه دون الأخذ بعين الاعتبار حل القضايا من عدمها، وبذلك كانت تتحقق التحالفات، ويبقى الرؤساء في حكم الدول إلى ما شاء.
في هذا النظام الجديد، يجب حلّ جميع القضايا حاجة الاستقرار العالمي، ولا تستطيع أي حكومة الاستقواء بأي طرف آخر لعدم وجوده، وبذلك يضطر للالتزام بالنظام الجديد ومتطلباته، من حيث الديمقراطية وحقوق الانسان، وحقوق الأقليات.
وحيث لا يوجد مشروع ديمقراطي ويضمن حقوق المكونات لدى من يتبنون مشروع تعدد الأقطاب. ضمن هذه السياسة تنطلق القوة المهيمنة عالميا، اي أمريكا، لتنفيذ هذا الأمر.
ــ الثورات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط:
بدأت الثورات في المنطقة للإطاحة بالأنظمة العسكرية الديكتاتورية, وحلول البديل الديمقراطي، حيث كانت أوروبا الشرقية قد نالت نصيبها من الثورات الديمقراطية وتحوّلت في تسعينيات القرن العشرين إلى التخلّي عن الاشتراكية.
بدأت الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وقد فطنت الأنظمة إلى مشروع التغيير في المنطقة، فأعدت خطة بديلة، حيث قامت بالإفراج عن جميع قيادات المجموعات المصنفة إرهابية من سجونها، وأبقت على القيادات الديمقراطية ونكّلت بهم. ومن ثم فتحت جميع السبل أمام المجموعات الإرهابية لتسيّد الموقف، وقيادة الحراك الثوري، وكانت لها ما أرادت حيث تم استيلاء هذه المجموعات الإسلاموية على الحكم في تونس ومصر وليبيا، وبذلك تمكّنت الأنظمة الديكتاتورية من إقناع الرأي العام أن بديلهم يعني الإرهاب وبذلك استطاعت تشويه الثورات من خلال البقاء أو الرجوع للحكم مرة أخرى، عبر معادلة إمّا الديكتاتوريات أو الإرهابيين في الحكم. وتشتّتْ الجهود وخلطت الأوراق.
وأرادت تركيا أردوغان وإمارة قطر، قيادة قطب إسلاموي وتأسيس قطب منافس والخروج عن دورها الوظيفي وذلك بمساعدة الروس ولكن تمنع منعها من ذلك مؤخراً.
ــ الصراع في سوريا:
لم يختلف الوضع في سوريا وطريقة تعامل السلطات مع الحراك الثوري، حيث أفرجت عن الإرهابيين المعتقلين لديها، وقامت باعتقال وملاحقة القيادات الديمقراطية والتضييق عليها، واستطاعت عبر هذه السياسة إبراز الوجه الذي تريد إلصاقه بالحراك الثوري، حتى أنّها تغاضت عن توسع داعش في سوريا، ولم تقدّم أيّ مساعدة لوحدات حماية الشعب أثناء مقاومة كوباني.
كان التدخل الروسي بقصد منع تكون طريق أو خط بديل للغاز الروسي الذي يغذي أوروبا، وبالمقابل تدخّلت تركيا كطرف مباشر في سوريا بهدف السيطرة عليها، وبتمويل قطري، وبذلك دعمت المجموعات الإرهابية بما فيها داعش.
كما تدخّلت إيران لدعم النظام ومنعه من الانهيار، حيث العلاقات بينهما هي علاقات تكافل وتضامن.
استطاعت القوى والأحزاب الكردية منذ بداية الحراك الثوري من تنظيم نفسها، وتأسيس قوات عسكرية بالمشاركة مع العرب والسريان لحماية روجآفا، كما تمكّنت من تأسيس إدارات ذاتية ديمقراطية، تدير مناطقها، وأصبحت قوة لا يمكن تجاوزها.
ومع توجيه تركيا لتنظيم داعش الإرهابي نحو المناطق الكردية، واحتلال معظمها ومحاصرة كوباني، ومع عدم تلقّي القوات الكردية الدعم من أي جهة تساعدها في الحرب ضد داعش، وإثباتها نفسها كقوّة حلّ وكطرف في المعادلة، تدخّلَ التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بمساندة قوات حماية الشعب الكردية. وبذلك اكتملت حلقة التدخلات في سوريا. ومع كلّ هذه التواجدات لم يسقط نظام البعث في سوريا.
ــ الحرب على أوكرانيا:
كانت أوروبا بأكملها تعارض سياسة أمريكا تجاه روسيا، ولم تكن تُلقي بالاً لها، حيث أنّ المشروع الأمريكي هو قيادة العالم بقطب واحد، وهذا ما كانت لا تحبّذه القوى الأوروبية وخاصة ألمانيا وفرنسا، حتى أنّ الرئيس الفرنسي قد نعى حلف الناتو في إحدى خطاباته، وبذلك أدركت أمريكا خطورة الوضع فتحركت بسرعة، ولذلك خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحضيراً للمرحلة المقبلة، ولكي تستطيع التصرف بحرية توافقاً مع السياسة الأمريكية.
فقد كانت العلاقات الأوروبية الروسية مميّزة، وميزان التبادل التجاري كان يرتفع باضطراد،
ولكن روسيا بوتين وقعت في خطأ قاتل؛ ألا وهو الهجوم على أوكرانيا، وبذلك سيطر الرعب على أوروبا كلِّها خوفاً من السيطرة العسكرية الروسية، وتم تفعيل حلف الناتو الميت سريريا، وأصبح الملجأ الوحيد ضدّ التهديد الروسي، فتداعت أوروبا بداية لخلق البديل عن الغاز الروسي واستطاعت تحقيق ذلك وإن كانت بأسعار أعلى حيث المعادلة كانت إمّا الخضوع للهيمنة الروسية أو البديل؛ الغاز الغالي، فاختارت الثاني، وأصبحت أوروبا تقبل سياسية القطب الواحد والحكومة العالمية. فالذي أرادت موسكو من تدخلها في سوريا لعدم خلق البديل لغازها، قد حققته الحرب الروسية على أوكرانيا.
ولأجل حلّ هذه القضايا، كانت الحرب في سوريا، والحرب الروسية على أوكرانيا هي لمنع هذه السياسة من التطبيق، ولكنّ الحربين دخلت في الخطّة وخدمتها إلى أبعد الحدود.
والآن روسيا في حرب استنزاف والغرب كله متّحد خلف أوكرانيا وما ينتظر روسيا الآن هو خسارة الحرب والتفتت، حيث بداخلها اكثر من أربعين قومية يتوقون للحرية، وستصبح روسيا في أحسن الأحوال دولة كونفدرالية هشّة، وتدخل في النظام الجديد.
ــ إيران:
التي دفعت بكلّ ميليشياتها لمنطقة الحرب، كانت لمنع هذا النظام من التشكّل، وهي رافضة أيضا للنظام العالمي السابق، ولكن بدأت الجبهة تتّسع أمامها، وما لم يكن ممكناً قبل الحرب السورية، قد حدث فاتفقت الدول الخليجية، حيث أنّ السعودية على بعد أشهر لتوقيع اتفاق مع إسرائيل، إضافة إلى الدول الموقعة سابقاً للاتفاقات مع اسرائيل إلى جبهة واحدة، وأصبح الطوق يغلق على إيران من الغرب، ومن الشمال أذربيجان وتركيا، ومن الشرق طالبان، وأصبحت إيران في عين العاصفة.
الآن هناك أمام إيران مساران إمّا الخضوع لنظام عالمي ذات قطب واحد، أي أن يتم احتواءها، أو الاستعداد لمواجهة عسكرية شاملة أعدت لها أمريكا كلّ السبل للانتصار فيها.
وبذلك نأتي على محاصرة روسيا بالكامل، وبالتالي عدم السماح لها حتى بالاستسلام والحفاظ على قوتها، بل لا بدّ من إيصالها إلى دولة دون قوّة تستطيع بها تهديد الجوار من جديد.
ــ الصين:
الصين أصبحت محايدة تقريباً بعد أن رأت ما حدث لروسيا بوتين في حرب أوكرانيا.
ــ تركيا:
عليها أن تتنازل عن أطماعها في الدول المجاورة، وأن تسير على طريق الديمقراطية، وهذا ما نراه بعد فوز أردوغان بأنه دخل الخط المرسوم له دون عنتريات، ودون صفة خليفة السنة، وما إليها من ألقاب فارغة غذتها توجهه نحو روسيا، لعله يحقق مآربه، لكن بعد تيقّنه من وقوع بوتين في المستنقع الأوكراني، فهم الدرس.
ــ دول الخليج:
بحكم أنّ هذه الدول جزء من المشروع أو النظام العالمي الجديد، فإنها عملت على دعم التغيير في سوريا وغيرها من الدول، ومع تدخّل العديد من الدول تعقّد الوضع السوري، وفقدت دول الخليج تجارة الترانزيت عبر سوريا بوابتها إلى أوروبا، وكذلك مناطق السياحة السورية. ولم تؤمن خط غاز بديل عن الغاز الروسي عبر سوريا، فما كان منها سوى البحث عن بديل عن خط غاز المار من سوريا المقترح، وإيجاد بديل سياحة وتجارة مع أوروبا.
ــ اسرائيل:
هي جزء رئيسي من النظام العالمي الجديد، وإحدى الدول الاقليمية المهيمنة، كانت تراقب الوضع عن كثب، ومع عدم استطاعة أي طرف من السيطرة على الجغرافية السورية كاملة، فقد استطاعت الاستفادة من الوضع في سوريا فأصبحت تتدخل جوا وتفعل ما تريده عبر الأجواء السورية.
فمن ناحية أزمة الشرق الاوسط؛ أي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدأت تحل لأنّ الحرب في سوريا أجبرت الجميع على الخضوع لمنطق الاقتصاد، فالطرق التجارية المقطوعة منذ عقد بين الخليج وأوروبا، والتي كانت تمرّ من سوريا والعراق، كانت تبحث عن بديل، فكان لا بدّ من اتفاقات أبراهام بين الدول الخليجية واسرائيل، فلأجل وصول غاز الخليج والتجارة بين الخليج واوروبا لا بدّ من فتح طريق في ساحل المتوسط والبديل هو إسرائيل.
فطرحت إسرائيل نفسها البديل عن الجغرافيا السورية، كبوابة للخليج إلى أوروبا وبديل سياحي وأيضا ممرّاً لعبور التجارة والغاز الخليجي، فكانت اتفاقات أبراهام مع الإمارات والبحرين، وكذلك السودان، وقد لا ننتظر للنهاية، إلا ونرى اتّفاقا مع السعودية، إذا اخذنا بعين الاعتبار الأجواء السعودية المفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي، وأيضا مشروع الطريق الذي يربط الخليج بإسرائيل، وقد يكون مترافقا مع خط للغاز، وقد يتم إنجازه نهاية العام الجاري.
ــ الخلاصة:
بناءً على المعطيات السابقة وغيرها، فإنّ سوريا والحرب فيها أو الازمة السورية، ستبقى مستمرة إلى حين تأخذ الطرق التجارية وخطوط الغاز أماكنها، وأيضا يستقر إنتاج الغاز من المتوسط، والتعود عليها، وهذا يتطلب وقتاً قد يستمر عقداً آخر، وبذلك ستظل الحال السورية هكذا، منطقة الادارة الذاتية بإرادة شعوبها و بغطاء أمريكي، منطقة المجموعات الإرهابية بدعم تركي وغطاء أمريكي، ومنطقة النظام بدعم روسي إيراني وغطاء أمريكي.
حينذاك يمكن النظر في الأزمة السورية من قبل القوى العالمية صاحبة الحل والربط، كما أنّ الحل سيكون بشكل سوريا دولة اتّحادية ديمقراطية تؤمن وتضمن حقوق جميع المكونات السورية، دولة مسالمة لا تخلق المشاكل في الإقليم ، ولا زالت الحرب السورية تفعل مفاعيلها في ذلك.