أبحاث ودراساتافتتاحية العددلقمان أحميمانشيتملف العدد 60

البيئة والسياسة

لقمان أحمي

لقمان أحمي

تمهيد:

البيئة نظام متكامل، سمحت في كل فترة من فتراتها لأنواع عديدة من الكائنات بالحياة على الكوكب، كما أنها منعت أسباب الحياة عن كائنات عديدة أخرى، فظروف الحياة لنوع معين تختلف عن نوع آخر، وعندما تختلف الظروف ينقرض نوع أو أنواع وتهيَّؤ الظروف لعيش أنواع أخرى، والطبيعة لا تراعي الأحاسيس والمشاعر عندما تعيد التوازن المتعارف عليه منذ تكوّن ظروف عيش البشر على الأرض.

فعملية التأثير متبادلة بين البيئة والبشر كون الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك ملكة التفكير، وبسبب ذلك أنشأ نظماً متعددة، فالذي كان يقلق البشر ومازال هو الاستمرار، ولأجل الاستمرار لابد من الحماية من ظروف الطبيعة وكائناتها، والتكاثر وتأمين الغذاء، وبذلك تُبنى أفكار عديدة ما بين التعايش بوئام ضمن الطبيعة إلى الفكرة التي تقول بأن البشر يجب أن يتسيّدوا الطبيعة ويجيّر كل شيء لخدمتهم، وفي كل عصر كان هناك نظام سياسي يتبنى فكراً أو فلسفة ما، للتعامل مع الطبيعة والبيئة.

فالنظام هو ترتيب الأمور على نحو معين لتحقيق هدف محدد.

وتتركز افتراضات النظام في النظرية العامة للنظم بما يأتي:

– إن النظام هو مجموعة من الأجزاء المترابطة.

– إن أجزاء النظام تتفاعل فيما بينها.

– إن كل جزء من أجزاء النظام يمكن أن يتصف بدرجة معينة من الاستقلال عن الأجزاء الأخرى المرتبطة به.

البيئة:

البيئة توفر الثروات الطبيعية إضافة إلى وظائف النظام البيئي التي تعتمد عليها لإنتاج الغذاء وتوفير المواد الأولية وتوفير الطاقة، وتدوّر البيئة منتجاتها بشكل كامل، كما تدوِّر البيئة جزئياً مخلفات المنتجات والنفايات الناتجة من النشاطات البشرية، وتمثل البيئة للبشر المصدر الأساسي للغذاء والاستجمام والقيم الروحية.

النظام البيئي والتوازن الإيكولوجي

البيئة يحكمها ما يسمى بالنظام البيئي والتوازن الإيكولوجي، وهما فكرتان متلازمتان من الناحية العلمية، والإنسان جزء من نظام معقّد يتفاعل معه ويؤثر فيه عن طريق المجتمع ومن خلاله، والظواهر البيئية الناتجة عن التغيّرات التي يحدثها الإنسان في بيئة الأرض من خلال الأنشطة المختلفة التي يقوم بها، لا يمكن فهمها إلا في إطار علاقة ثلاثية تبادلية تقوم بين الإنسان والمجتمع والبيئة.

النظام البيئي عبارة عن وحدة بيئية متكاملة تتكوّن من كائنات حية ومكونات غير حية متواجدة في مكان معين، يتفاعل بعضها مع بعض، وفق نظام دقيق ومتوازن، في ديناميكية ذاتية.

عناصر البيئة:

يمكن تقسيم البيئة، وفق توصيات مؤتمر ستوكهولم، إلى ثلاثة عناصر هي:

  • البيئة الطبيعية: وتتكون من أربعة نظم مترابطة وثيقاً هي: الغلاف الجوي، الغلاف المائي،اليابسة، المحيط الجوي، بما تشمله هذه الأنظمة من ماء وهواء وتربة ومعادن، ومصادر للطاقة بالإضافة إلى النباتات والحيوانات، وهذه جميعها تمثل الموارد المتاحة للإنسان كي يحصل منها على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى.
  • البيئة البيولوجية: وتشمل الإنسانالفرد، وأسرته ومجتمعه، وكذلك الكائنات الحية في المحيط الحيوي، وتعد البيئة البيولوجية جزءاً من البيئة الطبيعية.
  • البيئة الاجتماعية: ويقصد بالبيئة الاجتماعية ذلك الإطار من العلاقات الذي يحدد ما هي علاقة حياة الإنسان مع غيره، ذلك الإطار من العلاقات الذي هو الأساس في تنظيم أي جماعة من الجماعات سواء بين أفرادها بعضهم ببعض في بيئة ما، أو بين جماعات متباينة أو متشابهة معاً وحضارةفي بيئات متباعدة، وتؤلف أنماط تلك العلاقات ما يُعرف بالنظم الاجتماعية.

إن عدم قدرة البيئة على تجديد نفسها، نتيجة نشاط الإنسان المتسارع، في الوقت المناسب يحدث الخلل في التوازن البيئي.

 

خصائص النظام البيئي

يتكون كل نظام بيئي مما يأتي: كائنات غير حية وهي المواد الأساسية غير العضوية والعضوية في البيئة.‏

كائنات حية تنقسم إلى قسمين رئيسين:‏

– كائنات حية ذاتية التغذية:  وهي الكائنات الحية التي تستطيع بناء غذائها ‏بنفسها من مواد غير عضوية بسيطة بوساطة عمليات البناء الضوئي، مثل النباتات ‏الخضر، وتعتبر هذه الكائنات المصدر الأساسي والرئيسي لجميع أنواع الكائنات ‏الحية الأخرى بمختلف أنواعها، كما تقوم هذه الكائنات باستهلاك كميات كبيرة من ‏ثاني أوكسيد الكربون خلال عملية التركيب الضوئي وتقوم بإخراج الأوكسجين في ‏الهواء.‏

– كائنات حية غير ذاتية التغذية:  وهي الكائنات الحية التي لا تستطيع تكوين ‏غذائها بنفسها وتضم الكائنات المستهلكة والكائنات المحللة.

والكائنات المستهلكة اثنان:

المستهلك الأول: هي الكائنات آكلات الحشائش مثل ‏الحشرات التي تتغذى على الأعشاب، كائنات مستهلكة تعتمد على ما صنعه النبات ‏وتحوّله في أجسامها إلى مواد مختلفة تبني بها أنسجتها وأجسامها، سميت كذلك لأنها تعتمد مباشرة على النبات.

المستهلك الثاني: هي الحيوانات التي تتغذى على الحشرات) المستهلك الأول) أي أنها تعتمد ‏على المواد الغذائية المكونة لأجسام الحشرات والتي نشأت بدورها من أصل نباتي.

‏أما الكائنات المحللة فهي تعتمد في التغذية غير الذاتية على تفكك بقايا الكائنات ‏النباتية والحيوانية وتحولها إلى مركبات بسيطة تستفيد منها النباتات ومن أمثلتها ‏البكتيريا والفطريات وبعض الكائنات المترممة.‏

التلوث البيئي أو الخلل في التوازن البيئي

التلوث البيئي مصطلح يُعنى بكافة الطرق التي يتسبب النشاط البشري في إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية، وهو أحد أكثر المشاكل خطورة على البشرية، وعلى أشكال الحياة الأخرى على كوكبنا، ففي مقدور هواء ملوث أن يسبب الأذى للمحاصيل، وأن يحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة.

وتهدد ملوثات الماء والتربة قدرة المزارعين على إنتاج الغذاء الضروري لإطعام السكان، كما تهدد الملوثات البحرية الكثير من الكائنات العضوية البحرية.

وللتلوث أنواع عديدة منها: تلوث الهواء، تلوث الماء، تلوث التربة، التلوث بالضجيج، التلوث بالنفايات السائلة والصلبة، التلوث البصري، التلوث بالإشعاعات وغيرها.

 

 

 

 

السياسة
السياسة لغةً: هي القيام على الشيء بما يصلحه.

وكثيراً ما تُفهم بمعنى الإجراءات التي تتخذها السلطة العامة، أو دستور الدولة ونظام الحكم فيها، ورغم ذلك فإن هنالك قدراً من الاتفاق على أن السياسة تتعلق بالسلطة في الدولة والمجتمع شكلاً ومضموناً، وأنها تعني ممارسة السلطة في جماعة سياسية معينة.

  • خصائص النظام السياسي:

يتميز النظام السياسي بالخصائص الاتية:

1- امتلاك النظام السياسي سلطة عليا في المجتمع، ومن ثم تكون قوانينه وأنظمته وقراراته ملزمة للكافة .

2- تحكم علاقات عناصر النظام السياسي قواعد قانونية وسياسية، ومن ثم فهو يتمتع باستقلال ذاتي نسبي أكثر من أي نظام فرعي آخر من أنظمة المجتمع .

3- يكون تأثير النظام السياسي في المجتمع أكثر من أي نظام فرعي آخر .

4- يتفاعل النظام السياسي مع النظم الفرعية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كونها البيئة التي يتحرك فيها وعلى أساسها .

بعض وظائف النظام السياسي:

يؤدي النظام السياسي الوظائف الآتية:

1- تحديد أهداف المجتمع والدولة التي تتركّز حول الرفاهية والأمن .

2- تعبئة طاقات المجتمع وضمان مشاركة أبنائه في تحقيق الرفاهية والأمن.

3- دمج العناصر التي يتألف منها المجتمع أو توحيدها، لتعزيز عناصر القوة ومن ثم ضمان مصالحه وتحقيق أهدافه .

4- المطابقة بين الحياة السياسية، كما هي ممارسة مع القواعد القانونية والسياسية الرسمية، أي إضفاء المشروعية على العملية السياسية ومن ثم النظام السياسي نفسه.

5- تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين .

البيئةالسياسة

البيئة السياسة ( Political ecology)‏، هي دراسة العلاقات بين العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع القضايا والتغيرات البيئية، تختلف البيئة السياسية عن الدراسات الإيكولوجية غير السياسية عن طريق تسييس القضايا والظواهر البيئية.

تحاول البيئة السياسية بالإضافة إلى ذلك خلق النقاشات والبدائل في التفاعل بين البيئة والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

يُعدّ “فرانك ثون “أول من صاغ مصطلح البيئة السياسية في مقال نشره عام 1935 وقد استُخدم على نطاق واسع منذ ذلك الحين في سياق الجغرافيا البشرية وعلم البيئة البشرية، ولكن دون تعريف منهجي. أحيا عالم الإنسان “إريك وولف “هذا المصطلح مرة ثانية عام 1972 في مقال عنوانه (البيئة السياسية والملكية)

وقد غلبت البيئة السياسية إلى حدّ كبير على علم البيئة الثقافية بصفته شكلًا من أشكال التحليل وفقًا لوولكر، بينما تؤكد البيئة الثقافية ونظرية النُظم على التواؤم والتوازن، تؤكد البيئة السياسية بدورها على دور الاقتصاد السياسي بصفته قوة ناتجة عن سوء التكيّف وغياب الاستقرار.

 مصطلح السياسة البيئية:  يدل على مجمل الإجراءات التي يتم اتخاذها أو التي لم تُتخذ عمدًا لإدارة الأنشطة البيئية، بهدف منع الآثار الضارة على الطبيعة ومواردها أو تقليلها أو تخفيفها، وضمان عدم تسبّب التغيرات التي من صنع الإنسان في إحداث آثار ضارة.

هذا وتتكون السياسة البيئية من مصطلحين رئيسيين وهما: البيئة والسياسة.

إن مصطلح البيئة هنا يدل على البعد البيئي (الأنظمة البيئية)، ولكن يمكن أن يأخذ في اعتباره كذلك البعد الاجتماعي (جودة الحياة والبعد الاقتصادي إدارة الموارد)، ويمكن تعريف السياسة على أنها «مسار من الإجراءات أو المبادئ المتبناة أو المقترحة بواسطة حكومة أو حزب أو شركة أو فرد».

وبهذا يتبين أن السياسة البيئية تركز على المشاكل الناشئة عن التأثير البشري على البيئة، والذي ينعكس بالضرورة على المجتمع البشري من خلال تأثيره السلبي على القيم البشرية كالصحة الجيدة والبيئة النظيفة والخضراء.

فالعلاقة بين البشر والبيئة هي علاقة متبادلة، فمنذ وجود البشر على الأرض اضطر إلى حماية نفسه من قوى الطبيعة مثله مثل أي كائن حيّ آخر، ولكن نتيجة قدرة البشر على التفكير فقد استطاع اكتشاف قوانين الطبيعة، فغيّر القوة المحركة للاقتصاد البشري الذي كان يعتمد على القوة العضلية للبشر إلى استخدام قوة الحيوان ومن ثم قوى الطبيعة، ومع اختراع الآلة البخارية ومن ثم المحرك الانفجاري والذي يعمل بمشتقات النفط، وسيطرة فكرة السيطرة على الطبيعة وتكييفها لخدمة البشر حسب مواصفات البشر، والضغط الكبير على استهلاك الوقود الأحفوري، أصبحت الطبيعة تقوم بعمليات ذاتية لإعادة التوازن البيئي نتيجة الخلل الذي أحدثه البشر.

إن كل نظام سياسي يتبنّى فكراً وفلسفة ما، ولا توجد سياسة بدون فلسفة، وبناء عليها، أي الفلسفة، يتم تسيير السياسات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، ولأن النظام السياسي هو الذي له السيادة والسلطة العليا على جميع النظم، فإن اتباع اقتصاد سياسي لتحقيق الربح الأعظمي والاحتكار وزيادة عدد المستهلكين، وتحويل كل شيء إلى صناعة، قد أوصلت البشر إلى ما نعانيه من كوارث طبيعية، فمثلما أثرت سياسة البشر في الطبيعة بشكل سلبي منذ مئات السنين، فقد حان الدور للطبيعة لكي ترد.

فامتلاء الجو بالغازات الاحترارية، وقطع أشجار الغابات، إلى تخزين المياه في بحيرات اصطناعية عظيمة، وإفراغ باطن الأرض من البترول والمياه، يستوجب على الطبيعة أن تقاوم.

والآن وبعد أن استشعر النظام السياسي العالمي خطورة ذلك، أصبح يبحث جاهداً عن الحل، وهو يعتقد أنه لاقى الحل بالتحول نحن قوة محركة جديدة لاقتصاده السياسي أقل تلويثاً للبيئة ألا وهو الغاز، وبسبب ذلك ولأجل فتح خطوط أنابيب الغاز ومساراته والسيطرة على مناطق إنتاجه يقود حروباً محلية متعددة بصبغة عالمية، فمن حرب العراق إلى ثورات ربيع الشعوب والحرب الأهلية السورية والليبية والعدوان الروسي على أوكرانيا، كلها لأجل السيطرة على القوة المحركة الجديدة، وهو ما يجعل العالم على شفا الحرب النووية.

فكيف أن السياسة أثرت بشكل سلبي في البيئة، فالآن حان دور البيئة لتغير النظام السياسي.

إن النظام السياسي العالمي مضطر لتغيير سلوكه الاقتصادي وتعامله مع البيئة، وإلا فنهاية الجميع على مرأى الجميع.

فهل لازال هناك متّسع من الوقت لإعادة التوازن المفقود، أم أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة.

إن الطبيعة ستعيد التوازن البيئي ولكن هل الشروط والظروف الملائمة لاستمرارية عيش البشر ستكون متوفرة أم لا؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى