أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتمصطفى عبديملف العدد 60

غايات تركيا الخبيثة… ذريعة المنطقة الآمنة شمال سوريا

مصطفى عبدي

مصطفى عبدي

مصطفى عبدي
مصطفى عبدي

يوماً بعد آخر يتعرّض مشروع حزب العدالة والتنمية التركي للمزيد من النكسات، وتبعثر تركيا المزيد من أوراقها في الملفّ السوري، وبالتحديد في منطقة شرق الفرات، ومشروع “المنطقة العازلة” القديم والذي عاد لإثارته مجدداً قبل أيام، وهي المنطقة التي سعت أنقرة لإقامتها كوسيلة لاحتلال المزيد من المناطق وخاصة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي توصف أنها “مستقرة، آمنة” وبالتالي تكرار تجربة شمال قبرص ولواء الإسكندرون, مروراً بشمال سوريا إلى شمال العراق (إقليم كردستان).

خسارة تركيا في سوريا وفشل مشروعها الكبير في الاستيلاء على السلطة عبر “الأخوان المسلمين” دفعها للمناورة والبحث عن بدائل، لتنحصر طموحاتها الجيوسياسية والأمنية التي فشلت في بلوغها مع دعم التمرد العربي السني, لإسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد, بمساعي استهداف الكرد في شمال سوريا والذين أسسوا منطقة الإدارة الذاتية واعتبارهم خطراً يهدد أمنها القومي.

بعدما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتوعد نظيره السوري بشار الأسد بإسقاط نظامه، ويبشّر قادة المعارضة المسلحة التي يدعمها بالصلاة جنباً لجنب في الجامع الأموي بدمشق, انحصرت طموحاته الآن لمواجهة الكرد والعرب المتحالفين معهم بغية تجريدهم من المكاسب التي حصدوها بالكثير من التدبير والسياسة والدم، وعرقلة صعودهم وتحقيق أي نوع من الحكم الذاتي لهم في مناطق شمال وشرق سوريا.

رفضت أنقرة بشتى الوسائل مشاركة الكرد ومن يتحالف معهم في لقاءات جنيف, وفرضت فيتو على حضورهم وهدّدت بسحب المعارضة التي تدعمها من اللقاءات رغم أن قوات سوريا الديمقراطية باتت تسيطر على ثلث مساحة سوريا, ولديها جيش منظّم قوامه أكثر من 50 ألف مقاتل إلى جانب أكثر من 30 ألفاً من قوات الأمن ومكافحة الإرهاب، وأثبتت جدارة قتالية عالية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وأثبتت كذلك أنها الأكثر انضباطاً والتزاماً بقوانين حقوق الإنسان في مناطق النزاع, وأفضل شريك للولايات المتحدة والتحالف الدولي, ولقد شكلت هذه القوات (قسد) هياكل إدارية صلبة بمشاركة كلّ مكونات المنطقة, وأسست تحالفاً سياسياً ضم غالب الأحزاب السياسية والعشائر العربية والكتل الثقافية والمجتمعية, كما ورفضت تركيا كذلك حضورها لقاءات آستانة، وظلت تهاجم مناطق هذه القوات ـ أي قوات سوريا الديمقراطية ـ بشتى الوسائل، وعرقلت مراراً حملاتها العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية, لا بل ونشطت في تحويل مناطق تحتلها إلى مناطق آمنة للدواعش وقادتهم.

كان الفيتو التركي حاضراً لمنع الكرد والعرب الرافضين الانصياع لسياستها من المشاركة في مختلف المحافل الدولية. الاستهداف التركي لم يقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط، وإنما شمل الجانب الاقتصادي من خلال إغلاق المعابر مع “روجافا” نهائياً، وبناء جدار عازل على طول الحدود وقتل أي لاجئ يتجه صوب الحدود، واستهداف الفلاحين والرعاة الذين تقع أراضيهم وبساتينهم في المناطق الحدودية, ومواصلة إطلاق النار عبر القناصة نحو المدنيين في القرى القريبة من الحدود.

وظل التهديد باجتياح عسكري ثالث قائماً، لكنه كان مستبعداً في ظل غياب التوافق الدولي والضوء الأخضر من قبل روسيا وأمريكا، وهو القرار الذي تمكنت تركيا من تحصيله ثلاث مرات من قبل؛ الأولى في حلب حيث أجبرت المعارضة المسلحة على الاستسلام والانسحاب من حلب الشرقية, لقاء صمت روسي عن توغلها في مدينتي جرابلس والباب 2016 بعملية أطلق عليها اسم “درع الفرات”. الصفقة الثانية تضمنت تخلّي تركيا عن المعارضة السورية المسلحة في “الغوطة الشرقية، القابون، برزة” بريف دمشق وإجبارها على الانسحاب منها باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرتها شمال سوريا, مقابل رفع روسيا غطاءها عن منطقة عفرين، لتبدأ تركيا في 20 يناير 2018 حملة عسكرية شارك فيها قرابة 30 ألفاً من مسلحي المعارضة الذين كانوا يقاتلون سابقاً نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، كما وشارك فيها سلاح الجو التركي والبري وجماعات تركية مثل الذئاب الرمادية غير الخاضعة للحكومة، كما وأثبتت الفيديوهات وجود مسلحين من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية، وبعد 900 غارة، وآلاف القذائف، وقتل 400 مدني، واتباع تركيا لسياسة “الأرض المحروقة” من خلال قصف القرى الآهلة بالسكان بالطائرات والمدفعية, اضطرت وحدات حماية الشعب لاتخاذ قرار الانسحاب في 18 مارس 2018، واستقرت في منطقة تل رفعت القريبة. والثالثة كانت عبر الهجوم على مدينتي رأس العين  وتل أبيض في أكتوبر 2019 وما نتج عن ذلك من كوارث بشرية ونزوح وسقوط ضحايا.

حرب تركيا على مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض تسببت في كارثة إنسانية، لم تتوقف تبعاتها حتى اليوم، فرغم نزوح قرابة ثلثي سكان هذه المدن منذ الأيام الأولى للحرب, لم تتوقف الانتهاكات التي وصلت إلى مستوى أن تكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السكان المحليين، حيث قامت تركيا بتوطين آلاف أسر المسلحين الموالين لها (مسلحي التسويات) في منازل أهالي هذه المدن، وطردت الكثير من الأسر من بيوتهم وانتزعت أراضيهم وممتلكاتهم ضمن خطة شاملة للتغيير الديمغرافي، وما زال مصير 2400 مواطن تم اعتقالهم وخطفهم على فترات منذ التوغل التركي في المنطقة مجهولاً، وهم من أصل ستة آلاف تم اعتقالهم، كما أن الفظائع التي تجري في السجون كثيرة، لا سيما وأنه تم الكشف حتى الآن عن قتل 120 مواطناً تحت التعذيب في المعتقلات، وظلت هذه المدن مغلقة كلياً أمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، وإن كانت تركيا قد سمحت لمرة واحدة فقط لمجموعة من الصحفيين بدخول مدينة عفرين في 3 يوليو 2018. روى لي مراسل فرانس 24 الأحداث التي شاهدها، مؤكِّداً أنه لم يتمكن من التجوال بحرية، وكانت مساحة تحركه مع فريقه ضمن منطقة أمنية مغلقة، وأنهم أجبِروا على إجراء لقاءات مع أناس محضّرين مسبقاً برواية أن الأوضاع مستقرة، وهم سعيدون بسيطرة القوات التركية على عفرين. قال المراسل الصحفي لي حرفياً: “كل شيء كان أمامنا مزيّفاً وينافي الحقيقة، عدت إلى تركيا، ولم أرسل شيئاً للبثّ كونه تمثيلية قذرة رفضت المشاركة فيها…”.

لم تتحرك القوات التركية طيلة ثلاث سنوات من انتشار مسلحي تنظيم داعش على مساحات واسعة من حدودها التي ظلت مفتوحة لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، بدءاً من تل أبيض في ريف الرقة الشمالي وحتى مدينة الراعي بريف حلب، والحملة التي شنتها في مدينة جرابلس جرت بالاتفاق المسبق مع تنظيم داعش, فالقوات التركية ومسلحو الفصائل السورية سيطروا على المدينة بدون قتال، وتوجّه جيشها نحو السيطرة على مدينة الباب وذلك بعد نجاح قوات سوريا الديمقراطية من كسر شوكة التنظيم وهزيمته في مدينة منبج, فكان هدف تركيا الأول هو إيقاف حملات “قسد” وغزو مناطقهم ولم يكن بأي حال محاربة التنظيم.

لم تتوقف طموحات تركيا عند حدود عفرين والباب وتل أبيض ورأس العين, بل توعّد الرئيس التركي وقتها بالاستمرار في القتال حتى السيطرة على كامل الشريط الحدودي بعمق 30- 50 كم في حلب والرقة والحسكة, وانتعشت آمال أردوغان مع قرار الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” بالانسحاب من سوريا، وطرح موضوع المنطقة العازلة التي توقعتها تركيا هدية مجانية يتحقق من خلالها طموح تدمير الاستقرار والأمن في مناطق شرق الفرات، من خلال إرسال غُزاته الذين كانوا باسم “الجيش الحر” فأصبحوا “جنوداً انكشارية” يخدمون أهداف تركيا التوسعية في المنطقة.

خططت أنقرة للتوغل بجيشها في المنطقة، وأن تؤسس فيها قواعد عسكرية، وتنشئ قوات أمنية وإدارية خاضعة لها, وذلك بعد تدمير القوات العسكرية والأمنية فيها، وتدمير كافة الهياكل والمؤسسات الإدارية المشكّلة منذ سنة 2012، وتهجير السكان أو غالبهم بما يضمن لتركيا ما يلي:

– تأمين نقل آلاف اللاجئين “العرب السوريين” على أراضيها لتوطينهم في أراضي ومنازل ” الكرد السوريين” كما فعلت في عفرين وقرى في ريفَي الباب وجرابلس, وكما فعلت خلال العقود الماضية ضمن حدودها بتهجير الكرد من منطقتي أورفا وعينتاب ونصيبين وتوطين الأتراك مكانهم.

– تشكيل مجالس محلية موالية لها وتحت إشرافها المباشر.

– ربط هذه المناطق إدارياً مع ولايات “أورفا وهاتاي وعينتاب” كما فعلت في عفرين وجرابلس وإعزاز والباب وتل أبيض ورأس العين، حيث تتم إدارتهم من خلال ولاة أتراك.

– فرض الثقافة واللغة والمناهج التركية ضمن عملية التغيير الديمغرافي والتتريك الممنهجة كما فعلت في منطقتَي جرابلس وعفرين.

– تحويل مستوطني هذه المناطق إلى مناطق إنتاج الجهاديين الموالين لها لإرسالهم لمعارك تخدم مصلحة تركيا أولاً كما فعلت في ليبيا وفي أرتساخ بأرمينيا.

إنّها المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لتأسيسها، وقد أعلنت عن تلك الخطوات في وسائل إعلامها وتصريحات مسؤولي العدالة والتنمية.

ولتحقيق ذلك كان لابدّ لتركيا من الاستعانة بأطراف سورية خاضعة لها، والعمل على الترويج عن مظلومية الكرديّ – العربي الواقع تحت حكم “ب ي د” ويكون لهم دور كذلك في دعم رؤيتها ومواقفها في اعتبارها دولة مهتمة بحقوق الإنسان، وأنها تتمتع بأهلية التحدث باسم العرب والكرد والدفاع عن حقوقهم. إضافة لدعمها بالظهور الإعلامي وفتح منصات خاصة لهم واستهدافهم بحملات إعلامية وسياسية ضمن سياسة الحرب الإعلامية التي تقف وراءها المخابرات التركية والغرف الأمنية.

تكفلت المخابرات التركية بهذا الملف الذي وسّعت مجالات التواصل مع شخصيات وأحزاب وتكتلات سياسية سورية وعشائر، ودعم تشكيل المزيد من التجمعات التي تدّعي تمثيل الكرد والعرب وهو ما فعلته أيضاً في منطقة عفرين، حيث قامت بالاستعانة بشخصيات كردية وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية كردية، وقامت بتوظيف إعلامي مكثّف لهم ونفخت فيهم أمام الإعلام الأجنبي والعربي والتركي. ومن تلك الجماعات المسلحة نذكر على سبيل المثال “لواء مشعل تمو، الجبهة الكردية، درع القامشلي، درع عفرين، لواء أحفاد صلاح الدين، كتيبة آزادي”, وأيضاً نذكر من الأطراف التي اعتمدت عليها تركيا للترويج لدعايتها ما يسمى بـ “رابطة المستقلين الكرد” التي تأسست في أورفا سنة 2015 من قبل المخابرات التركية وبتمويلها، إضافة إلى وسائل إعلام كردية أو ناطقة باللغة الكردية وتجنيد شخصيات تعمل لصالحها.

بعض من هؤلاء بعد “احتلال عفرين” تخلصت منهم تركيا وتعرضوا للطرد أو الاعتقال أو الاختطاف. فيما شارك قادة الكتائب الكردية مع تركيا في غزو مدينة عفرين، فقد داهموا مقراتهم، ونزعوا أسلحتهم وحلّوا كتائبهم.

كما تم توظيف ظهورهم المكثّف على وسائل الإعلام العربية والتركية والكردية، ولعلّ الوثائق المسرّبة من قبل موقع “عثمانلي” قد كشفت النقاب عن تدخّل الاستخبارات التركية ومكتب الرئيس رجب أردوغان في إدارة قناة “تي آر تي”، ووسائل إعلام أخرى تعمل في تركيا عن طريق التحكم في اختيار الموظفين، وإخضاعهم للتحقيقات وفرض المحتوى الذي تقدمه القناة وأسماء الضيوف المسموح بظهورهم على شاشتها. تدخّل مكتب أردوغان في إدارة القناة، ووضع قوائم الضيوف الذين يظهرون في المقابلات على شاشة القناة، حيث يقوم العاملون في المكتب بدراسة أسماء الضيوف بعناية قبل الموافقة على ظهورهم، ومنحهم مبالغ مالية كبيرة لقاء ذلك. هذه الوثائق تكشف أسباب الظهور المكثف لأعضاء “رابطة المستقلين الكرد” على القناة بشكل متكرر، وأن استضافتهم جاءت بترتيب من المخابرات التركية.

واجتهدت تركيا للترويج لتوسيع حملتها على طول الحدود لتشمل مناطق شرق الفرات أيضاً، فقرار ترامب بالانسحاب من سوريا آثار لعاب الرئيس التركي الذي خرج متوعداً “الأكراد” بدفنهم في الخنادق وتحت الأرض، وخلال تلك الفترة كثفت تركيا من جهودها لترتيب خطة ما بعد الانسحاب حيث رسمت استراتيجية تمثلت بـ:

– تدمير الكيانات العسكرية الأمنية التي أنشأتها وحدات حماية الشعب وقسد في المنطقة، وذلك بشن حملة عسكرية، وقصف مقراتهم جواً وبالمدفعية الثقيلة تمهيداً لتنفيذ توغل بري.

– تدمير الهياكل الإدارية والتنظيمية ومختلف المؤسسات الخدمية والاجتماعية والثقافية في المنطقة.

– لا يقتصر هدف تركيا على السيطرة الأمنية والعسكرية على المنطقة، وإنما ترسم خطة لتهجير سكانها بأكبر نسبة ممكنة ضمن خطة التغيير الديموغرافي “التتريك”.

 

عقدة تل رفعت

لم تتوقف تركيا عن السعي للوصول إلى بلدة تل رفعت، حيث وقفت إيران بحزم في وجهها هذه المرة لكونها ـ تل رفعت ـ تحيط بمدينتي نبّل والزهراء.

وتظهر مختلف اللقاءات والزيارات الكثيرة التي يجريها المسؤولون الأتراك إلى روسيا وواشنطن, تظهر التركيز على مدينة تل رفعت, ومنها الزيارة الأكثر أهمية في ديسمبر 2018 حيث زار وفد تركي ضمّ وزيرَي الخارجية مولود تشاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، أعقبتها زيارات ضمن الفريق السابق والرئيس التركي كلها كانت تتمحور حول صفقة طرحتها تركيا بترك شرق الفرات، ثم ترك مدينة منبج لتركيا على أن تسحب تركيا يدها نهائياً من ملف إدلب و غربي حلب لصالح قوات الحكومة السورية.

ظلت تل رفعت بيضة القبان بالنسبة لتركيا، وكانت آخر آمالها لا سيما وأن أهم وعد قطعه أردوغان على نفسه بعد استكمال السيطرة على عفرين، بوعد أطلقه للمسلحين السوريين بأن تل رفعت ستكون التالية، وأنّ الجيش التركي سيتجه للسيطرة عليها قريباً.

ما ظهر أن روسيا لم ترفض مقايضة تل رفعت ومناطق مهمة في ريفي حماة وإدلب كما عرضت روسيا، لكن إيران كانت الرافضة لأي نوع من صفقات جديدة في ريف حلب الشرقي حماية لمدينتي نبل والزهراء. لم تقبل إيران أن يتم تكرار نموذج كفريا والفوعة في ريف حلب، لا سيما وأنها مناطق نفوذ قوية بالنسبة لها، وأن أي صفقة جديدة ستمنح تركيا ومعارضتها السورية فرصة الانتعاش مجدداً والعودة وتهديد حلب هذه المرة.

لكنّ اللافت أنّ الصفقات التي رعتها تركيا بالاتفاق مع روسيا وإيران، انطوت على تغيير التركيبة السكانية لتلك المناطق عامة، كما شهد ريف حلب الشمالي محاولة بعض فصائل المعارضة السورية وبالتعاون مع الجيش التركي, السيطرة على بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.

تقع تل رفعت بالقرب من بلدتَي نبّل والزهراء الشيعيتين, وهاتان البلدتان تحاذيان الطريق العام الذي يربط مدينة حلب ببلدة اعزاز الحدودية مع تركيا والتي تسيطر عليها المعارضة.

وتسعى تركيا بالاتفاق مع روسيا إلى فتح الطريق البري بين تركيا ـ حلب بهدف تنشيط حركة التجارة، لكن تواجد إيران ومسلحين موالين لها في البلدتين الشيعيتين وانتشار وحدات حماية الشعب في تل رفعت يحولان دون ذلك.

وهناك عدة أسباب تدفع إيران إلى الإصرار على وجودها العسكري في نبّل والزهراء؛ فهما بمثابة قاعدة لها ومركز وجودها العسكري في ريف حلب الشمالي.

وتعرضت بلدتا الفوعة وكفريا الشيعيتين في إدلب (عدد سكانهما 7000 نسمة في عام 2015) للحصار من قبل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وفصائل معارضة أخرى، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين المعارضة والحكومة بوساطة تركية وروسية لفك الحصار عنهما.

بموجب الاتفاق تم إجلاء سكان البلدتين وبينهم مقاتلون موالون للحكومة السورية، في يوليو/تموز 2018، وجرى نقلهم إلى مناطق سيطرة الحكومة بحلب وبالمقابل خرج 1500 شخص من بلدتي مضايا والزبداني بريف دمشق، كانتا تخضعان لحصار خانق من قبل الجيش السوري ومقاتلي حزب الله لسنوات.

وبنهاية عام 2018، لم يبقَ شيعي واحد في إدلب، الأمر الذي يخشى الإيرانيون أن يتكرر في كل من نبُّل والزهراء.

وكانت وسائل إعلام موالية للحكومة السورية تحدثت عمّا يشبه صفقة بين روسيا وتركيا خلال جولة أستانة الحادية عشرة، تضمنت تسليم بلدة تل رفعت إلى القوات التركية والمعارضة الموالية لها، مقابل تسليم بلدة جسر الشغور في إدلب والخاضعة لسيطرة المعارضة إلى القوات الحكومية.

وتتقاسم السيطرة على تل رفعت حالياً عدة أطراف، قوات الحكومة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية والقوات الروسية ومليشيات تابعة لإيران وحزب الله اللبناني.

ويسكن في البلدة وريفها حالياً عشرات آلاف الأكراد المهجّرين من عفرين وقراها منذ مارس/آذار 2018.

وتدرك إيران خطورة سيطرة القوات التركية ومن معها على تل رفعت، إذ يشكل ذلك تهديداً على الوجود الإيراني في البلدتين الشيعيتين كما أسلفنا، إذ تسيطر حالياً الفصائل الموالية لتركيا على قرية “براد” وهي أقرب قرية كردية إلى نبّل، ولا تبعد عنها سوى 11 كيلو متراً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى