العلاقات الكردية العربية (الجزء الثالث)
عبد الله شكاكي
العلاقات الكردية العربية (الجزء الثالث)
(بداية العصر الحديث)
عبد الله شكاكي
دور الكرد في مقاومة الصليبيين وبناء مصر
بعد سقوط الدولتين الكرديتين الروادية والشدّادية في جنوب القوقاز أمام الغزاة التركمان والسلاجقة، لجأت الأسرة الأيّوبيّة وعلى رأسها شادي جدُّ صلاح الدين إلى جنوب كردستان، واستقرّت في تكريت، حيث لمع اسم شيرﮔوه وأخيه أيّوب عندما أصبح شادي والدهما قائداً للشرطة في تكريت، وبسبب قيام شيرﮔوه بقتل أحد الضباط لاعتدائه على امرأة صدر قرار إبعاد الأخوين من تكريت فلجأا إلى الموصل ثم إلى بعلبك بتدبير من عماد الدين زنكي، وعمل الأخوين في جيش الزنكي، وبعد أن دبّ الضعف في الدولة الفاطمية في مصر، وقيام وزيره شاور بعقد علاقات مشبوهة مع الفرنجة، لمع دور شيرﮔوه التاريخي.
– شيرﮔوه (أسد الدين) بن أيّوب (ت 1169):
هو عم صلاح الدين الذي قام بواجب الدفاع عن مصر، وجهز حملته العسكرية الأولى سنة 1164م وقادها بنفسه يرافقه صلاح الدين ابن أخيه وكان قد أشرف على تنشئته وتدريبه إلى مصر، وحدثت الحملة الثاني سنة 1167م ، وكان شيرﮔوه قد جهّزَ فرقته الاسدية (نسبت إليه) وبلغ عدد المتطوعين فيها لاحقاً /8640/ فارساً بكل معداتهم، بينهم /111/ أميراً كردياً، وتوفي في مصر إثر تحريرها بعد الحملة الثانية، وكانت الفرنجة قبلها قد استولت على ولايات رها والبيرة وآديمان وديار بكر ومراش بقيادة الكونت جوسلين، حيث أرادوا السيطرة على عموم بلاد العرب وكردستان، ويمكن إيجاز أعمال شيرﮔوه العسكرية في حماية مصر من الصليبيين لعجز الدولة الفاطمية الدفاع عنها وتوحيدها مع بلاد الشام تحت سلطة الدولة الزنكية تمهيداً لتأسيس الدولة الأيّوبية، وفيها تقلّدَ منصب الوزارة في الدولة الفاطمية لكنه توفي بعد شهرين وذلك سنة 1169.
– صلاح الدين الأيّوبي (يوسف بن أيّوب) (1138-1193):
كتب ديفيد مكدول في وصفه كردستان “لقد نالت كردستان سمعة مشابهة لسمعة أسكتلندا كموطن معترف به للقادة، والأشهر من بين هؤلاء القادة هو صلاح الدين الأيّوبي، الذي تمكّن من هزيمة الصليبين بشكل نهائي وإقامة السلالة الأيّوبية”[1]، كما وصف بـ”البطل الأنقى” حسب تعبير ألبير شاندو أحد أحفاد الفرنجة، وهو مؤسس الدولة الأيّوبية بعد إزاحة الدولة الفاطمية وكان عمله هذا موضعَ ترحيب من قبل الخليفة العباسي “العاضد”، التي ضمّت بلاد الشام و مصر و ليبيا و الحجاز واليمن، فهو قائد عسكري بارع وبطل معركة حطين ومحرّر القدس، وهو من وضع أولى أواصر الوحدة بين الشعوب العربية (باستثناء المغرب العربي) من جهة، وبين العرب والكرد من جهة ثانية، اشتهر بتسامحه، واتخذت مصر ودول عربية أخرى من نسر صلاح الدين رمزاً لها، ويسجل له حمايته للمسيحيين الشرقيين (خصوصاً أقباط مصر)، الذين أحبوه ووضعوا صورته في كنائسهم وأديرتهم، فصورة صلاح الدين المنشورة في جميع أرجاء العالم اليوم منقولة من كتاب روسي مأخوذ من دير قديم بمصر، وهذا ما دفع (عبد المنعم الأندلسي) لنظم قصيدة في مدحه، ومنها:
- فحطوا بأرجاء الكنائس صورة لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم
- يدين لها قـس ويـرقى بوصـفها ويكـتبه يشـفي به في الـتمائم
كما يشهد التاريخ على الروح السمحة التي تميز بها، يقول القاضي (وليام. و. دوغلاس): “عندما استولينا على القدس قطعنا آلاف الرؤوس، وحين حرّرها واستعادها صلاح الدين، بدا في رأيي أكثر مسيحية من المسيحيين، لأنه لم يضرب عنقاً واحداً[2]. وحسب قول هاملتون جب: “أن صلاح الدين كان يدعو بني جلدته في كردستان للمجيئ إلى مصر عبر رسائله الموجهة لهم” والدفاع عن بلاد المسلمين، كما وجّه رسائل مماثلة للمجيء إلى جبل الكرد- عفرين الذي كان مسكوناً من قبل الكرد للدفاع عنهم تجنباً لقدوم حملات صليبية جديدة عبر ممرّ بيلان على جبل الأمانوس المطل على البحر المتوسط والمشرف على عفرين، يذكر أن الأسرة الأيّوبية تنتمي إلى العشيرة الراوندية وهي فرع من القبيلة الهذبانية الكردية كانت تقيم في جنوب القوقاز في بلدة “دﭬين” (دبيل بالعربية) وعشيرته هي التي أسست أول دولة كردية إسلامية في جنوب القوقاز وذلك في القرن العاشر (846-1126)م، ولظروف قاهرة رحلت أسرته إلى العراق، وولد صلاح الدين سنة 1137 في قلعة تكريت في الليلة التي صدر قرار ترحيل أسرته منها إلى الموصل، ثم رحلت لظروف قاهرة ثانية إلى بعلبك في لبنان، كما نشير أن السلطنة الأيّوبية التي أسّسها صلاح الدين بدأت من مصر سنة 1169، وانتهت سنة 1524م في مملكة حسنكيف بشمال كردستان، حيث ضمت السلطنة من البلاد العربية: مصر- ليبيا- السودان الحجاز- اليمن (زبيد وصنعاء)- فلسطين- الأردن (إمارة الكرك)- لبنان (إمارة بعلبك)- سوريا (حكومات: الشام وحمص وحماة وحلب، ومن كردستان إمارتَي فارقين وحسنكيف اللتين ضمتا جزءاً من ولاية الموصل والجزيرة وماردين وآمد ومحيطها، بمعنى تمكن صلاح الدين الأيّوبي من توحيد الشرق الأوسط في دولة فيدرالية ولأول مرة، مؤلفة من ممالك وإمارات شبه مستقلة، دون تحيز لدين أو تعصب لقومية، لأنه سليل شعوب الشرق الأوسط من الكرد والعرب… وأديانهم من مسلمين وإيزيديين ومسيحيين ويهود، وهذا ما تصبو إليه الشعوب العربية والكردية، وتوفي صلاح الدين في دمشق ودفن فيها وضريحه بجوار الجامع الأموي.
ونذكر فيما يلي عدداً من الشخصيات الكردية على سبيل المثال وليس الحصر، والتي ساهمت بفاعلية لتأسيس جسر تاريخي بين العرب والكرد في مرحلة ما بعد الأيّوبيين:
– محمد علي باشا (1769- 1849):
سليل أسرة كردية من آمد، ولد في قرية قولة المكدونية غرب استانبول بـ 300 كم توفي والده إبراهيم وتوفيّت والدته أيضاً وهو في الرابعة من عمره، وكان لوالده سبعة عشر ولداً لم يعش منهم غيره، وقد كفله عمه توسون آغا، وبمقتل عمه بأمر من السلطان العثماني أضحى بلا أهل أو بيت يأويه، حيث ضمه أحد أصدقاء أبيه ويدعى خربجي براوسطه إلى أولاده، وقد تعلم أن لا سبيل لحياة كريمة إلا بالاعتماد على الذات وامتلاك القوة، عمل موظفاً لفترة ثم انتقل إلى التجارة وبقي فيها حتى سنة 1801 وهي السنة التي انسحبت فرنسا من مصر، وفيها تبدأ ولادة محمد علي الثانية، حيث انتسب إلى الجيش العثماني وتوجّه إلى مصر ضمن قوة بحرية قوامها ثلاثمائة جندي ألباني بقيادة علي آغا ابن خربجي براوسطه وهو ابن مربيه، وكان محمد علي قد انضم إلى تلك القوة في وقت سابق وأصبح معاوناً لقائدها، وشاركت تلك القوة في المعارك ضد الجيش الفرنسي، وقد ترك علي آغا تلك القوة في عهدة نائبه البكباشي محمد علي عائداً إلى “قوله”.
شهدت جغرافية مصر وقتها صراعات متعددة بين عدد من القوى:
1- السلطة العثمانية الضعيفة أرادت تثبيت وجودها من خلال تصفية بقايا المماليك.
2- المماليك حاولوا إعادة فرض سيطرتهم بعد أن أبعدوا عن السلطة من قبل العثمانيين إثر معركة الريدانية سنة 1517م.
3- الإرادة المصرية في مقاومة صنوف الاحتلال والتي ظهرت أثناء الاحتلال الفرنسي وبدعم من علماء الأزهر.
4- محاولات الإنكليز للبحث عن موضع قدم في مصر من خلال إثارة الفتن بين الجميع وكانوا يريدون بقاء السلطة العثمانية في مصر، لكن في وضع ضعيف ليتمكنوا من فرض شروطهم عليها.
في مواجهة هذا المشهد كان على “محمد علي” إما الانسحاب أو الدخول في اللعبة الدولية، وقد اختار خوض غمار اللعبة، وذلك من خلال الاتصال مع جميع الفرقاء وتقديم نفسه كداعٍ للسلم والتوفيق بين الأطراف وليس كمنافس، وبحنكته السياسية تمكن من إفشال الوالي العثماني خسرو باشا في تصفية المماليك وفرّ إلى دمياط، كما فشل الوالي الجديد طاهر باشا في إعادة الأمور إلى نصابها، حيث ثار الجند عليه وقتلوه، كما فشل الوالي الثالث خورشيد باشا في القضاء على المماليك رغم استعانتهم بفرق الدالاتية (المرتزقة) من الشام، وعمّت الفوضى في البلاد وكثرت جرائم القتل والنهب وخاصة من الدالاتية والجنود لعدم دفع مستحقاتهم الشهرية، وكان محمد علي يعزّز علاقاته مع الشعب لكسب قلوب الجماهير، في وقت كان الوالي العثماني خورشيد يرهق الشعب بالضرائب الثقيلة، ويسعى لدى الباب العالي من أجل إبعاد محمد علي إلى ولاية أخرى، ونجح في إصدار قرار بنقله إلى الحجاز، لكن محمد علي تصرف كوالٍ واضعاً شارة الوالي وزاد اهتمامه بأمور الشعب، وخرجت المظاهرات ومعهم علماء الأزهر وأغلقت المحلات التجارية لوضع حد لتصرفات الوالي والجنود الذين يفرضون الأتاوات، وطالبوا بخلع الوالي وتعيين محمد علي بدلاً عنه.
بغية تحقيق النجاح حاول محمد علي إقناع الباب العالي للموافقة على خلع الوالي خورشيد عن طريق رسائل باسم علماء الأزهر من جهة، وزيادة تحريض الجماهير ضد خورشيد، كما جرت مفاوضات بين الوجهاء وضباط القلعة حول قبول اختيار الشعب للحاكم، كما جذب محمد علي كافة الجنود الألبان (الأرناؤوط) إلى جانبه، وفي تلك الأثناء وصل مندوب الباب العالي إلى الإسكندرية لإنهاء التمرد في مصر، وقد أسرع محمد علي والعلماء والوجهاء لاستقبال المندوب في تموز 1805 وحراسته، حيث أعلن المندوب تعيين محمد علي والياً على مصر، وهكذا أصبح الطفل اليتيم قبل 35 عاماً حاكماً على مصر العظيمة لكنه تابعٌ للدولة العثمانية، وبعد فترة قصيرة حاولت الدولة عزله باستصدار قرار جديد لأنه استأثر قلوب الشعب، لكنه أوفد ابنه إبراهيم باشا بنقل رسالة من الشعب والعلماء والوجهاء بمعية سفير فرنسا إلى السلطان، حيث أصدر السلطان فرماناً جديداً بتثبيت محمد علي على ولاية مصر، والعقبة الأخيرة التي واجهته كانت حملة عسكرية إنكليزية، حيث تمكّن من إفشالها بمساعدة الجنود الألبان، وبالتالي تخلص من كافة العقبات التي واجهته، ومن ثم “منحه السلطان مصطفى الرابع خلعة وسيف شرف”[3].
ثم تمكن محمد علي من تشتيت قوات المماليك والتخلص منهم بإعمال السيف بعد دعوتهم إلى القلعة، كما قمع الحركة الوهابية في نجد بحملة قادها ابنه إبراهيم باشا، وساعد السلطان في قمع ثورات جزر اليونان، واحتل قبرص وجزيرة رودس وضمتهما إلى ولاية مصر، كما توجهت قواته نحو عكا وفتحها ثم حمص وخاض معركة بيلان قرب عفرين وطرد القوات العثمانية إلى أن وصلت قواته إلى قونية حيث تدخلت الدول الكبرى وأوقفت الحملة بالتوقيع على معاهدة كوتاهيا، وتم بموجبها تولية محمد علي رسمياً على مصر والحجاز و كريت وابنه إبراهيم باشا على عكا ودمشق وطرابلس وحلب.
قررت الحكومة المصرية الاستقلال والانفصال عن الدولة العثمانية فجردت الأخيرة حملة ضخمة قوامها ثمانون ألف جندي مع أفضل الأسلحة، ودارت المعركة قرب نزيب سنة 1839 وأسفرت عن هزيمة الجيش العثماني بقيادة حافظ باشا، وتم الاستيلاء على كامل الأسلحة وخزينة حافظ باشا.
تفرغ محمد علي بعدها للبناء الداخلي حيث اعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها، ومؤسس الدولة المصرية الثانية بعد صلاح الدين وموحد مصر مع بلاد الشام، وكان ينوي ضم الكرد إلى الوحدة لكن الدول الأوربية وقفت في وجه تقدمه، يقول الكاتب والمفكر عباس محمود العقاد: حسب بلاد الكرد شرفاً انها أخرجت للعالم الإسلامي بطلين خالدين تاريخياً هما: صلاح الدين الأيّوبي ومحمد علي الكبير، وقد تلاقيا في النشأة الاولى وفي النهضة بمصر وفي نسب القلعة اليوسفية إليهما (قلعة القاهرة)، فهي في البناء تنسب إلى صلاح الدين وبالتجديد والتدعيم إلى محمد علي الكبير[4]، وقد توافد الكرد إلى مصر منذ العهد الأيّوبي وفي العهدين المملوكي والعثماني، خصوصاً في عهد محمد علي باشا وعائلته التي حكمت مصر حتى عام 1952، وسمي احد اروقة الازهر الشريف برواق الكرد تيمناً بهم واعترافاً بدورهم في تاريخ مصر. وفي حي شبرا بالقاهرة توجد الجمعية الكردية التي أسسها كرد الصعيد، ومن العائلات الكردية المعروفة، عائلة تيمور باشا، وبدرخان، الأورفلي، زازا، وانلي، عوني، الكردي، الأباضية، خورشيد، والأغا… إلخ.
تقدّمت مصر في عهد محمد علي إلى مصاف الدول الكبرى، بفضل مهاراته السياسية والعسكرية ونبل أخلاقه وتجنب التعصب الديني والمذهبي، وأكرم الأقباط سكّان مصر الأصليين ومنحهم فرصة العيش بكرامة وأمان، وأخيراً تقدم به العمر وضعفت قواه فتنازل عن الحكم لابنه إبراهيم باشا سنة 1847 وعاش حياة هادئة لسنتين حيث توفي سنة 1849، وأضحت إنجازاته إرثاً حضارياً ليس للشعب المصري وحده، وإنما لشعوب الشرق الأوسط قاطبة.
سليمان محمد أمين المشهور بـ “سليمان الحلبي”:
شاب كردي من غرب كردستان- عفرين كان طالباً في جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، ووالده محمد أمين تاجر زيت الزيتون يقيم في حلب، زار أهله وكانت والدته تحتضر وبعد وفاتها، سمع بظلم الفرنسيين للمسلمين فقرّر العودة إلى مصر للدفاع عن أهلها، ومع أنّ والده حاول منعه من السفر وأراد البقاء عنده لمساعدته لكنّه رفض البقاء، ومع أنّ طريق الوصول إلى مصر كان صعباً زمن الحرب، ومع ذلك تمكن الوصول وبصعوبة عن طريق غزة، وانتقم لشعب مصر الشقيق بقتله الجنرال كليبر خليفة نابليون بونابرت القاهرة سنة 1800 لاعتدائه على قيم الشعب والإسلام، حيث طعنه بسكّينه بأربع طعنات في حديقة قصره وأرداه قتيلاً، ومن ثم قُبِض عليه وأعدم بالموت على الخازوق، ثم أحرقت يده اليمنى، وترك جثمانه طعاماً للعقبان، ثم نقلت عظامه ضمن صندوق إلى باريس، ووضعت جمجمة سليمان على رفٍ في إحدى قاعات متحف “إنفاليد” قرب متحف اللوفر في باريس[5] ، وعلى الرف الأعلى وضعت جمجمة كليبر.
أعلام الكرد في مصر
نبغ في مصر وغيرها من البلدان العربية طوال القرنين التاسع عشر والعشرين عددٌ كبيرٌ من العباقرة والكتاب والفنانين والقادة والتجار الكرد ففي مصر وحدها يفوق عددهم عن أربعمائة شخصية مشهورة، ويعود سبب هجرة أغلبهم نتيجة الإذلال والقهر من السلطة العثمانية، بعد إلغاء الإمارات والإدارات الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي، وكذلك تصفية الثورات والانتفاضات الكردية في جنوب وشمال كردستان، حيث أصبحوا وأحفادهم من رواد حركة الاصلاح والتحرر والفكر والادب والفن في مصر والعالم العربي والإسلامي، من أمثال:
– أمير الشعراء احمد شوقي (1869- 1932) الذي أكّدَ انتماءَه للكرد لنقيب الفنانين العراقيين حقي شبلي في حفل تنصيبه أميراً للشعراء حيث هاجر جده في عهد محمد علي باشا إلى مصر، وأصبح أميناً للجمارك في عهد الخديوي سعيد، وكان جده من أمه أحمد حليم النجدلي (نسبة لمدينة (نغدة- نـﮕده) جنوب بحيرة أورميه في شرق كردستان، بمعنى جده من الأب والأم كرديين، لكن جدته من الأم يونانية ومن الأب شركسية، ولمّا تخرّجَ من كلية الحقوق قسم الترجمة استقبله الخديوي توفيق وهنأه، وقد نفي من قبل الإنكليز إبان الحرب الكونية الأولى إلى برشلونة ثم عاد بعد الحرب، وأصبح أكثر قرباً من الشعب في شعره، وكان بيته منتدى الأدباء والشعراء، وزاره طاغور شاعر الهند الكبير سنة 1926، واختير عضواً في مجلس الشيوخ.
اشتهر أحمد شوقي بديوانه الشعري “الشوقيات”، المؤلف من أربعة أجزاء، زاد شعره عن ثلاثة وعشرين ألف بيت وهذا الرقم لم يصله شاعر بالعربية، وله نظم “دول العرب”، وسبع مسرحيات شعرية.
– عبد الرحمن الكواكبي (1902) المولود في حلب وتوفي مسموماً في مصر وتعود أصوله إلى مدينة أردبيل في أذربيجان، كان مناهضاً للحكم العثماني وسجن ونفي مرات، وكان مؤسس جريدة الشهباء، ومن مؤلفاته (طبائع الاستبداد وأم القرى).
– الإمام المصلح محمد عبده (1849- 1905): عالم دين ومفكر وقاضي وكاتب كردي الأصل مصري المولد والنشأة، وهو أحد دعاة النهضة والإصلاح، ساهم في تأسيس حركة فكرية لتجديد الإسلام والقضاء على الجمود الفكري والحضاري وإحياء الأمة الإسلامية، من مؤلفاته: رسالة التوحيد، الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية وغيرها.
– قاسم أمين (1863- 1908): سليل أسرة كردية من أمراء السليمانية بجنوب كردستان نزحت إلى مصر وفيها ولد قاسم أمين بضواحي القاهرة، التحق والده محمد أمين بك بالكلية الحربية وتدرّج ضابطاً حتى وصل إلى رتبة مير آلاي، ووالدته مصرية، بعد إنهاء قاسم أمين الدراسة الأساسية، درس الحقوق في فرنسا وعاد إلى مصر، عمل في النيابة وأصبح رئيس النيابة في طنطا وبني سويف، وكان يهتم بنهوض الشعب المصري حيث كان وطنياً قولاً وفعلاً، وناضل من أجل حقوق المرأة وقال: – إنّ الإسلام سبب تخلفها، ودعا إلى تحريرها، وأصدر كتابَين من أجلها “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة” كما أنشأ مجلة تحرير المرأة في الإسلام وجريدة التمدّن وجمعية النهضة الأدبية، وطالب بإعادة النظر في تربيتها، وانتقد بشدة مسألة تعدد الزوجات والحجاب وأسباب الطلاق والعادات والتقاليد التي تحد من تحررها ومساهمتها في بناء المجتمع، ولذلك تعرض لانتقادات وشتائم وخصومات من أصحاب الأفكار الرجعية، ومن أقواله:
“أقل مراتب العلم ما تعلمه الإنسان من الكتب والأساتذة، وأعظمها ما تعلمها بتجاربه الشخصية”.
“في الأمة الضعيفة المستعبدة حرف النفي <لا> قليل الاستعمال”
– الأديب عباس محمود العقاد: هو أديب وشاعر وناقد أدبي وفيلسوف وسياسي ومؤرخ، ولد في أسوان سنة 1899 وتوفي سنة 1964وكان يفتخر بكرديته ويحتفل بعيد النوروز حيث أصوله من كردستان العراق، أخذ كنيته من والده الذي كان يعقد شباك صيد السمك، أشهر كتبه “العبقريات” وعشرات الدواوين الشعرية والكتب النقدية والفكرية، كما اشتهر ابن أخيه الاديب عامر محمود العقاد (1936-1985) وله مؤلفات كثيرة حيث تابع خطى عمه وجمع أعماله وأصدره.
– المؤرخ والمترجم محمد علي عوني (1898-1952) وهو والد الكاتبة والصحفية درية عوني التي كانت تفتخر بكرديتها حتى وفاتها.
– العائلة التيمورية
تعود جذور العائلة التيمورية إلى الموصل في جنوب كردستان (العراق)، وكان جدّهم محمد كاشف أول من انتقل إلى مصر في عهد محمد علي باشا، وأصبح أحد قادته وشارك في حملة القضاء على المماليك، ثم أصبح والياً على بلاد الحجاز، ونذكر أربعة من مشاهير هذه الأسرة:
– الشاعرة عائشة التيمورية (1840-1902) هي ابنة إسماعيل تيمور باشا ولدت في القاهرة، وكانت تجيد اللغات التركية والفارسية إلى جانب العربية، ومن آثارها: حلية الطراز (ديوان شعري)، شكوفة (ديوان شعر بالفارسية والتركية)، مرآة التأمل في الأمور (موضوعات اجتماعية نثرية).
– المؤرخ والأديب أحمد تيمور باشا (1871-1930)، ولد في القاهرة وتوفي والده إسماعيل باكراً فربّته أخته عائشة، وترك خلفه مؤلفات كثيرة منها: معجم تيمور الكبير في الأمثال العامية، اليزيدية، ومنشأ نحلتهم، ضبط الأعلام، الآثار النبوية، الحب والجمال عند العرب، السماع والقياس، معجم الفوائد.
– الأديب محمد بن أحمد تيمور (1892-1921) هو شاعر وقاص ونثري ومن مؤلفاته: وميض الروح، الأقاصيص المصرية، المسرح المصري، عصفور في القفص وغيرها، ومما يؤسف له توفي باكراً.
– القاص والأديب محمود بن أحمد تيمور (1894-1973) لقب برائد القصة العربية وشيخ القصة، ولد بالقاهرة وأصبح عضواً في المجلس الأعلى للفنون والعلوم، بلغ مؤلفاته أكثر من خمسين مؤلفاً ترجمت إلى معظم اللغات الرئيسية في العالم، ومن رواياته: نداء المجهول، صقر قريش، النبي والإنسان.
كذلك الكاتب والصحفي إبراهيم رمزي الأرضروملي، وشيخ المقرئين الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد (ت 1988)، والأديب المفكر أحمد الأمين، والأديب والمفكر الدكتور حسن زازا، و الدكتورة سهير القلماوي (1911-1997): والدها كردي وأمها شركسية، وهي أوّل امرأة تحصل على درجة الدكتوراه في الآداب، وتتولى رئاسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب، والشيخ محمد نجم الدين الكردي، وعازف الغيتار عمر خورشيد وشقيقتاه شيرين وشريهان، والفنانة سعاد حسني وهي كردية سورية حصلت على الجنسية المصرية من جمال عبد الناصر وشقيقتها الفنانة نجاة الصغيرة، والممثلة شويكار، والممثل محمود المليجي، والمخرج السينمائي احمد بدرخان وابنه علي…. الخ.
– وأصدر مقداد مدحت حفيد بدر خان باشا أوّل صحيفة كردية في القاهرة تحت اسم (كردستان) بتاريخ 22 نيسان 1898، كما أصدر صالح بدرخان جريدة (أوميد) في الأول من أيلول عام 1900 في مصر، وهي نصف شهرية، كما أنشئت عددٌ من المطابع الكردية في مصر منها: مطبعة جريدة كردستان سنة 1898 ، ومطبعة التمدن سنة 1900، ومطبعة اجتهاد الدولية سنة 1905، ومطبعة كردستان العلمية سنة 1908، والتي طبعت العديد من الكتب، مما أقلقت هذه النشاطات الكردية السلطات العثمانية التي طلبت من السلطات الحاكمة في مصر تضييق الخناق على هؤلاء الناشطين، وفي عام 1917 أنشئت جمعية استقلال كردستان في القاهرة، وكان مؤسسها الأمير أحمد ثريا بدرخان، وانتسب إليها الكرد المقيمون في مصر والطلبة الكرد الذين كانوا يدرسون في الأزهر، وكانت جمعية سياسة تدعو إلى توعية الكرد والسعي لوضع أبجدية موحّدة للغة الكردية وتحرير كردستان.
في عام 1957 خصص راديو القاهرة أوّل إذاعة كردية، واستمرت لعشر سنوات، تبث لمدّة ساعة في اليوم، موجّهة إلى أنحاء كردستان باللغة الكردية، وتتناول مواضيع شتى ثقافية وتاريخية وسياسية، وكانت تسمع في كل أرجاء كردستان في العراق وإيران وسوريا وتركيا، وهذا مؤشر على تعاطف جمال عبد الناصر مع القضية الكردية في العراق على أقل تقدير، ومن العاملين فيها: الشيخ عمر وجدي (من ماردين) شيخ رواق الكرد في الأزهر، والدكتور فؤاد معصوم (رئيس جمهورية العراق السابق)، والأديب عبد الوهاب الملا (من حيّ الكرد بدمشق)، و الشيخ عدنان حقي (من الجزيرة). وذكر الدكتور جلال زيناتي عندما احتجّ السفير التركي في مصر على فتح الإذاعة الكردية في القاهرة، وقد استدعاه الرئيس جمال عبد الناصر وسأله: هل يوجد كرد في تركيا؟ أجاب السفير التركي: لا، وهنا ردّ عليه جمال باستنكار: إذاً لماذا هذا الاحتجاج والامتعاض؟ حيث كان عبد الناصر يؤيد القضية الكردية في العراق ربما نكاية بنوري السعيد وعبد الكريم قاسم لانضمامهم إلى حلف بغداد[6]، كما كان يتمنى قيام دولة كردية تتوسط بين العرب من جهة والفرس والأتراك من جهة ثانية.
بعد قيام ثورة تموز 1958 في العراق وترحيب قيادتها بقدوم البارزاني من المنفى، صرح عبد الناصر لوسائل الإعلام قال فيه: “من حق الكرد التمتع بحقوقهم المشروعة… لأن للعرب عدواً خطيراً واحداً يهدّد مستقبلهم وأمنهم وهو إسرائيل وتركيا وإيران، … لكن في سوريا تغير الوضع حيث قامت قيادة البعث كل من: أكرم الحوراني وميشيل عفلق وصلاح البيطار وعبد الحميد السراج بتضليل عبد الناصر في عهد الوحدة وتلفيق الأكاذيب ضد الشعب الكردي في سوريا واعتقال قيادة الحركة الكردية”[7].
علاقة الكرد مع اليمن
فتح الملك المعظم شمس الدين تورانشاه بن صلاح الدين اليمن سنة 1173، وفي سنة 1183 انتقل الحكم إلى أخيه الملك العزيز طغتكين، وبعد وفاته سنة 1194 خلفه ابنه المعز إسماعيل، الذي مات مقتولاً سنة 1201، ثم خلفه أخوه الناصر أيّوب الذي قتل أيضاً سنة 1214، ثم انتقل الحكم إلى الملك المسعود صلاح الدين بن الملك الكامل، الذي جهّز قوة عسكرية واتّجه صوب اليمن لتأديب العصاة، ودخل مدينة زبيد عاصمة اليمن، واشتبك مع جماعة الإمامية، وبعد عامين من القتال استولى على صنعاء، وفي سنة 1222 رجع إلى مصر، وترك الحكم لأبناء الأسرة الرسولية الكردية أتباع الأيّوبيين، لكنهم في سنة 1229 أعلنوا استقلالهم بالحكم وأسسوا الحكومة الرسولية[8].
تشير وثيقة روسية كتبها القنصل الروسي في بيازيد أكيموفيـﭻ: “بقدر ما استاء الترك من فشلهم في شبه الجزيرة العربية واليمن، ارتاح الكرد من هذا الفشل، وإذا ما تابع العرب صراعهم مع الأتراك بنجاح فسيؤدي إلى انفجار انتفاضة في كردستان، ويخشى الترك ذلك دون شك، لعلمهم أن قمع الكرد المسلحين حتّى أسنانهم سوف يكلفهم ضحايا كبيرة”[9]، ووردت في وثيقة أخرى من المصدر نفسه أن “كرد ولاية بدليس يتلقون بعطف كبير أخبار نجاحات الثوار في اليمن”[10]، وحسب الوثائق نفسها أن عدداً من الزعماء الكرد أجروا “اتّصالاً مباشراً مع الثوار اليمنيين، وباشروا بجمع الأموال لمساندة قضيتهم العادلة… وبدأ زعماء اليمن بإرسال ممثلين عنهم إلى كردستان واتصلوا ببعض المتنفذين في مناطق آمد وموش وخنس وغيرها، وفي بداية آذار 1911 وصل الممثل الشخصي للإمام يحيى وعقد اجتماعاً مع الرؤساء الكرد في مدينة موش”، وشكلت تلك الأحداث والزيارة قاعدة جديدة لصرح العلاقات التاريخية بين الشعبين العربي- اليمني والكردي.
مساهمة الكرد في بناء العراق
وفي التاريخ المعاصر وتحديداً إبّان الحرب الكونية الأولى وقيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين سنة 1916 انشق عدد من الضباط الكرد وعملوا لصالح الشعوب العربية ضدّ الحكم العثماني، ومن بينهم: رشيد مدفعي ساهم في الثورة العربية الكبرى وعيّنه فيصل مستشاراً للشؤون العسكرية، و “يوسف العظمة الذي شغل منصب وزير الدفاع الوطني في حكومة فيصل بن الشريف حسين ملك سوريا 1918، وخليل بكر ظاظا ساهم في تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، وعلي جودة الأيّوبي من الموصل، وأصبح رئيس وزراء العراق في ثلاثينيات القرن الماضي، وجميل المدفعي الذي أصبح رئيس وزراء العراق في أربعينيات القرن الماضي”[11].
وفي مجال الحركة الأدبية والفكرية في العراق نذكر:
– الشاعر والفيلسوف جميل صدقي الزهاوي (1863- 1936): ولد في “زهاو” وهي بلدة تقع بين مدينتي قصر شيرين وكرمنشاه على الحدود العراقية الإيرانية كما تدعي “دَرْتَنْك” وألوان والوند وبعد السيطرة العربية الإسلامية من قبل سعد بن أبي وقاص دعيت “حلوان”، وينتسب جميل صدقي إلى قبيلة بابان الشهيرة في جنوب كردستان التي ثارت على الحكم العثمانيّ، وشكلت إمارة بابان في بداية القرن التاسع عشر، وكانت والدته السيدة فيروز أيضاً زهاوية والده محمد فيضي الزهاوي مفتي العراق، درس في بغداد وتركيا وكان يُتقن اللغات العربية والفارسية والتركية لغته الأم الكردية، درس الحقوق وتوسّع في القانون وعيّن في محكمة الاستئناف، كما مارس السياسة حيث تحدّى السلطان عبد الحميد، ودافع عن العراق والعرب في مجلس المبعوثين، وفي ثورة العشرين ضد الإنكليز، ورفض طلب الملك فيصل أن يكون شاعر البلاط، كما دافع عن حقوق المرأة مثل قاسم أمين في مصر، وكان الزهاوي متعدّدَ المواهب وكتب في مجالات متعدّدة، ومن مؤلفاته في العلوم: كتاب الكائنات، الجاذبية وتعليلها، الخيل وسباقها في صفات الخيل، وترجم رباعيات الخيام من الفارسية نثراً، وكتب رواية “ليلى وسمير”، ومن آثاره الشعرية: الكَلِم المنظوم، رباعيات الزهاوي، ديوان الزهاوي، ثورة الجحيم (قصيدة من 433 بيتاً).
– الشاعر معروف الرصافي (1875- 1945): هو شاعر وكاتب وخطيب ومدرس ومربّي، والده عبد الغني من عشيرة جباري الكردية ولقّبه محمود الآلوسي شيخه بـ”الرصافي” نسبة إلى شيخ قديم وحبه الدين، توفّي والده مبكراً فربّته والدته فاطمة بنت جاسم، وهي من أصل عربي بدويّ، وأدخلته الكتاب وتعلم فيه القرآن والعلوم الدينية ثم انتسب إلى المدرسة الرشيدية العسكرية، ولقي فيها صعوبة بالغة كون لغة التدريس التركية، وهو يجهلها إضافة إلى التناقض بين ميوله الأدبية وقسوة النظام العسكري، ومن ثم اضطر إلى ترك المدرسة، عين مدرساً في المدارس الابتدائية والإعدادية للغة العربية ثم كاتباً في جريدة “إقدام” الاستانبولية بالعربية، ثم مدرساً في المدرسة الشاهانية وكاتباً في مجلة الإرشاد ونائباً عن لواء المنتفق العراقي، كما أصبح مدرس الخطابة في مدرسة الواعظين في استانبول، وغادر بعد الحرب الكونية الأولى إلى دمشق وإلى القدس لتدريس الآداب العربية، وعاد إلى العراق سنة 1921 فأصدر جريدة الأمل وعمل رئيساً للجنة الترجمة والتأليف، ثم مفتشاً لوزارة المعارف والتدريس في دار المعلمين، كما شغل مقعداً نيابياً في خمسة دورات متتالية.
ومن آثاره: ترجمة رواية “الرؤيا” للأديب التركي نامق كمال، و”الأناشيد المدرسية” و “تمائم التعليم والتربية” للأطفال، “دفع الهجنة في ارتضاخ اللكنة”، أرجع الكلمات العربية المستعملة في التركية إلى المعجم، “الأدب الرفيع في ميدان الشرف”، “خواطر ونوادر”، “الرسالة العراقية”، “آراء أبي العلاء”، “دفع المراق في كلام أهل العراق”، “الآلة والأداة” و “الشخصية المحمدية”، كما له ديوان من جزئين في الشعر يؤرّخ لتاريخ العراق في نهاية الحكم العثماني.
الكرد في ليبيا
جرى التواصل بين الكرد و ليبيا في العهد العثماني كضباط وجنود وجباة الضرائب، كما نفى العثمانيون عشيرة الهماوند” الكردية المتصفة بالشجاعة والتي كانت تقيم في شرق كردستان (كردستان الإيرانية) وقد قدمت في مطلع القرن (18) م، لمؤازرة أمراء عشيرة بابان في السليمانية ومقاتلة العثمانيين، وكانوا يقيمون في مدينتي “جمجمال وبازيان” بجنوب كردستان، فقد نفاهم العثمانيون من موطنهم الاصلي عام 1890 إلى “منطقة طرابلس” في ليبيا ومن تبقى منهم إلى “أضنة” في جنوب تركيا، لكن معظم من هجروا إلى ليبيا عادوا بعد سبع سنوات إلى ديارهم، وقد وصف ادموندز هذه العودة بانها تشكل أروع ملحمة في تاريخ هذه القبلية، ولا زالت في ليبيا عائلات كردية استعربت ونسيت لغتها لكنها تقر بكرديتها.
الكرد في السودان
تزامن الوجود الكردي في السودان مع وجودهم في مصر إبان قيام السلطنة الأيّوبية، وحسب دراسة للباحث “جوهر وسو” التي نال فيها الماجستير من جامعة النيلين: أن تاريخ الكرد في السودان يعود إلى سنة 1172، حين قاد الملك الأيّوبي توران شاه حملة على بلاد النوبة، ويعيد بعضهم إلى العهد العثماني في أيام ولاية محمد علي باشا، ويقدر عدد الكرد في السودان بحوالي مئة ألف نسمة يقيم أغلبهم في شرق السودان وكردفان، وبعضهم يتحدّثون الكردية ويحتفلون بعيد النوروز، وأغلبهم مسلمون، لكن بعضهم اعتنقوا المسحية، وقد برز أحدهم في قيادة الحركة المهدية ويدعى “عثمان ديقنه” الذي حارب البريطانيين وانتصر عليهم، ثم قبض عليه وحكم بالسجن مدى الحياة، ومات في السجن بعد مضي سبعة عشر عاماً، وكان قد أقر عند استجوابه من قبل البريطانيين: بأنه كردي الأصل ومن ديار بكر[12].
الوجود الكردي في فلسطين
تعود بداية الوجود الكردي في فلسطين إلى نهاية مرحلة الدولة الزنكية وبدء تأسيس الدولة الأيّوبية على يد صلاح الدين، وخاصة في مرحلة الصراع الصليبي – الإسلامي على مصر وبلاد الشام، حيث وجّه صلاح الدين رسائل إلى القبائل الكردية في كردستان عامة طلب فيها إرسال الشبّان كمجاهدين دفاعاً عن بلاد المسلمين والأماكن المقدسة، واستجاب الكرد لطلبه وتوافدوا إلى معظم مدن وقرى فلسطين، ودافعوا عنها أمام الحملات الصليبية المتلاحقة إلى أن تمّ تحرير القدس وغيرها، و”كانت سياسة صلاح الدين تقوم على إسكان الجنود الكرد في المدن الفلسطينية ومنحهم إقطاعات خاصة بهم، ومع الأيام شكل الكرد أحياءً خاصة بهم في كل من القدس والخليل وعكا ونابلس وغزة واشتهرت باسم محلات الكرد”[13]، واستمر التوافد في العهود المملوكية والعثمانيّة والانتداب البريطاني وحتى مرحلة الصراع العربيّ الإسرائيليّ.
اشتهر القائد حسام الدين لاﭽين في مدينة نابلس، وهو ابن أخت صلاح الدين حيث منحه الأخير إياه نابلس لأنه حرّرها من الصليبيين، وشكّل الكرد حياً باسمهم “حارة الأكراد” في القدس وتدعى اليوم حارة “الشرف” التي تقع غرب حارة المغاربة، وتولّى أحفاد العالم بدر الدين الهكاري إمامة المسجد الأقصى لفترة طويلة باسم “عائلة الإمام”، وفي ساحة الحرم القدسي يوجد “قبة القيمرية” نسبة إلى المجاهدين الكرد القادمين من قلعة قيمر الواقعة بين الموصل وخلاط (ويوجد حي باسمهم- القيمرية في دمشق)، ويضيق المكان في سرد بطولات الجنود والأمراء الكرد في معارك فلسطين، وكذلك مساهمات العلماء الكرد الدعوية والتدريس وخدمة المساجد في معظم المدن والقرى الفلسطينية، ولا زالت تشتهر أسماء عائلات كردية في مدن فلسطين مثل: آل قيمر وآل زعرور في الخليل، آل الملا في الناصرة، وآل الأيّوبي، الكردي، عليكو وزلوم في القدس، والكنفاني في عكا، والآغا في صفد، والكردي في دير البلح، والظاظا في بيسان، وباكير وعلو في حيفا، والآغا والظاظا في غزة، والأيّوبي والسعدية في يافا، وغيرها من مئات العائلات الكردية حيث استعربوا وبقي فقط أسماءها وإقرار انتمائها للكرد.
كما ننوه أن فوزي القاوقجي (1890-1977) وهو ضابط كردي من طرابلس لبنان وخريج الكلية الحربية في إستانبول، ساعد الملك عبد العزيز في تشكيل الجيش السعودي سنة 1929، وقام بتشكيل قوات متطوعة توجه بها إلى فلسطين سنة 1936، وساهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941 في العراق، وكان قائد جيش الإنقاذ خلال حرب 1948 من أجل تحرير فلسطين.
مساهمة الكرد في بناء الأردن
كانت الأردن جبهة متقدمة في مرحلة الصراع الأيّوبي- الصليبي وفيها قلاع الفرنجة في الكرك والشوبك، وشيّد صلاح الدين فيها قلعة عجلون لمراقبة تحركات الصليبيين في غور الأردن، ورابط فيها فرقة الكرد الهكارية، وأقامت في مدينة السلط ولا زالت حارة الأكراد فيها تحتفظ باسمها، و”انتقل بعضهم إلى القدس بعد تحريرها “وكوّنوا حارة خاصة بهم باسم حارة السلطية”[14]، وتولى الملك العادل الأيّوبي أخو صلاح الدين فيها إمارة الكرك (1183- 1262)[15] التي كانت تابعة للكونت رينولد أرناط ووقع أسيراً بيد صلاح الدين، وانتشر صيت عدد من الأعلام الكرد لتطور الحركة العلمية والثقافي في مرحلة الملك الناصر داود الأيّوبي أمثال: عائشة الباعونية، عبدالله الهكاري وابنه بدر الدين، والفقيه شهاب الدين الـﮕوراني، والدكتور محمد الصويركي، واستمر توافد الكرد في العهود المملوكية والعثمانية، فكان معظم الجنود والدرك والموظفين الإداريين وجباة الضرائب من الكرد في الأردن عامة، وانتقل عدد كبير من التجار الكرد من حيّ الصالحية بدمشق إلى المدن الأردنية وأصبحوا مواطنين فيها، كما ساهم الكرد في بناء الأردن الحديث من خلال الأنشطة السياسية والعسكرية والثقافية. وكانوا في مقدمة مستقبلي الأمير عبد الله بن الحسين عند قدومه سنة 1920.
في المجال العسكري كان الضباط الكرد: خليل بكر ظاظا الذي سبق ذكره، نظمي خليل بدرخان، مصطفى الملّي، والزعيم رشيد المدفعي (والد المذيعة الشهيرة في BBC مديحة المدفعي في سبعينيّات القرن الماضي) من بين مؤسسي الجيش والشرطة، كما ساهم مع المشرع والصحفي علي سيدو كوراني في بناء المملكة الأردنية الهاشمية، وكذلك الفريق صالح الكردي قائد سلاح الجو ونائب القائد العام للقوات المسلحة الأردنية (1962-1971)، وفي السلك السياسي والدبلوماسي برزت شخصيات كردية تقلّدت مناصب رفيعة أمثال: سعد جمعة رئيساً للوزراء مرتين، ومن الوزراء: رشيد المدفعي – داخلية، صلاح جمعة – زراعة وتموين، يوسف ذهني – الشؤون الاجتماعية والعمل، سعد الدين جمعة – وزير دولة، والدكتور أشرف الكردي – وزير الصحة وأمين عام اتحاد أطباء العرب للعلوم العصبية ونائب رئيس أطباء العالم للعلوم العصبية وعضو مجلس الأعيان الأردني والطبيب الخاص للرئيس ياسر عرفات.
وفي المجال الثقافي: المفكر والسياسي والأديب سعد جمعة كتب عشرات الكتب والأبحاث والمقالات، وعلي سيدو الكوراني الكردي، صنف كتاباً للسلك الدبلوماسي والعمل القنصلي، وكتب عن رحلته “من عمان إلى العمادية”، وقاموس كردي- عربي، وعضو في المجمع العلمي الكردي العراقي، والدكتور محمد علي الصويركي كتب عدة كتب تاريخية حول الأردن، وآخرون يصعب حصرهم كتبوا في مجالات عدة في الدراسات الإسلامية والفقهية والصوفية والإعلام والمسرح، ولكرد الأردن جمعية خيرية اجتماعية باسم “جمعية صلاح الدين الأيّوبي”.
الوجود الكردي في لبنان
يعود جذور الوجود الكردي في لبنان إلى بداية “الفتوحات الإسلامية” عندما هاجرت الموارنة من جبل الكرد- عفرين والجراجمة من مراش شمال عفرين (حالياً تابعة لتركيا) إلى جبل لبنان وشكّلتا مؤخراً تياراً سياسياً باسم “تيار المردة”، وفي العهد العثماني هاجر الكثير من العائلات الكردية ديارها وخاصة من ولاية هكاري في الزاوية الجنوبية الشرقية من الخارطة التركية، بسبب سياسة القمع العثمانية ، وقد سكنوا في المنطقة الجبلية عكار المصحفة من هكاري حسب التسمية المحلية، ثم انتشروا في المناطق الشمالية (طرابلس والساحل)، وأهم الأسر الكردية المعروفة فيها: آل سيفا، آل حميه، آل المرعبي، آل الكلسلي، آل مرعشلي، ثم استمر التوافد في عهود مختلفة بسبب الضغط العثماني المستمر، حيث سكنوا في مناطق بيروت وزحلة والجنوب، ومن أهم العائلات: آل محو، آل برازي، آل الأيّوبي، آل رمضان، آل ملا، وفي صيدا آل الحريري (عائلة رفيق كالو الحريري رئيس الوزراء أخذ كنيته من بلدة “حرير” في جنوب كردستان)، وآل صعب في قلعة الشقيف، وآل جنبلاط زعماء الدروز الذي كانوا أمراء كلس، ومئات العوائل الأخرى، ومن الكرد المسيحيين من السريان والكلدان نذكر: الأديب سمير شيخاني[16] (عشيرة شيخان) والكاتب الكبير الأب لويس شيخو ، حيث يبلغ عدد الكرد في لبنان حوالي 250 ألف نسمة منهم خمسون ألفاً يحملون الجنسية اللبنانية.
ونشير أنه في بداية تواجد حزب العمال الكردستاني في لبنان والذين عقدوا صداقات جيدة مع المنظمات الفلسطينية الثورية استشهد دفاعاً عن فلسطين الكادر عبد القادر ﭽبوكجي أثناء تنفيذه لعملية استشهادية بالتعاون مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في مطار اللد سنة 1981، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 على لبنان قاوم كوادر حزب PKK بشجاعة نادرة، وخاصة في قلعة الشقيف لعشرة أيام وحدهم في ظل حصار محكم ورفضوا الاستسلام، مما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى استعمال الأسلحة الغازية حيث استشهد عشرة كوادر خنقاً بالغاز الكيماوي، في وقت كان المقاتلون الفلسطينيون قد انسحبوا من المواجهة ووصلوا إلى بيروت.
مساهمة الكرد في بناء سوريا
يعود التواصل بين الكرد والشعوب السورية إلى أكثر من خمسة وثلاثين قرناً، عندما انتشر الخورو- ميتانيون أجداد الكرد في تلك الجغرافيا، وهم الذين منحوا سوريا اسمها، حيث دعيت “بلاد خورا” حسب ما ورد في وثائق المملكة المصرية الوسطى كإشارة إلى سكان سوريا وفلسطين، و”حوري- هوري” تعريب من “خوري” المشتق من “خور” بمعنى الشمس، وكان الشمس (الشمس ذكر في الميثولوجيا الآرية والكردية) إله الخوريين والميتانيين والميديين ويلفظ حسب اللهجات الآرية (آخورا- آهورا- آسورا)، ويخطئ من يقول: إنّ اسم سوريا مشتق من السريان، لأن مصطلح سوريا كان موجوداً قبل ظهور المسيحية وكانت سوريا مقاطعة رومانية قبل المسيحية، في حين ظهر مصطلح السريان عندما انضم بعض آراميي سوريا إلى المسيحية تمييزاً عن الآراميين الوثنيين.
ونشير أن عاديات الخوريين والميتانيين منتشرة في جميع أنحاء سوريا وفي المواقع الأثرية في الجزيرة مثل: تل البيعة، تل بري، تل الحديدي، شاغر بازار وتل ليلان وغيرها، لأن عاصمتهم كانت أوركيش (تل موزان) بداية ثم واشوكاني (تل الفخيرية) قرب راس العين، وكذلك تتبعها الممالك الميتانية التالية: آلالاخ على نهر العاصي، وكيزوفتنا في كيليكيا، وأوغاريت (رأس شمرا) في اللاذقية، وقطنا (تل المشرفة) شرق حمص، وخابوراتوم على نهر الخابور، ومردمان في ماردين، وبوروندوم قرب عينتاب ومملكة نوزي في كركوك.
وفي المرحلة الأخيرة للدولة العثمانية لوحظ تعاون وثيق بين الكرد والعرب أثناء حملة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا مصر سنة 1839 لتحرير سوريا من الحكم العثماني وتوحيدها مع مصر، وقد ناصرت الحملة مباشرة الأمير اللبناني بشير الشهابي وكان سبباً في “هزيمة الجيش العثماني في حمص”[17]، والأمير تيماوي رئيس العشائر الملية (تحالف عشائري ضم العرب والتركمان إلى جانب الكرد) الذي زحف على الجيش العثماني المرابط في ماردين بكل قوّاته واستشهد في ساحة المعركة، وقد انتقم العثمانيون من العرب السوريين واللبنانيين من خلال نصب المشانق للوطنيين في السادس من أيار 1916، وتجويع سكان جبل لبنان خلال سنوات الحرب الكونية الأولى ممّا أدّى إلى موت سبعين ألف شخص من سكان جبل لبنان جوعاً، أما حصة الكرد من الانتقام العثماني أثناء الحرب الكونية الأولى، فكان موت أكثر من مئة ألف جندي بسبب البرد فقط في الجبهة الروسية في مناطق قارص، ناهيك عن التسبب بقتلهم في الجبهات الأخرى أو قتلهم أثناء قيامهم بالانتفاضات وعمليات التهجير حيث بلغ مجموعهم أكثر سبعمئة ألف قتيل.
وأثناء مقاومة الانتداب الفرنسي سارع الكرد إلى التصدي لجيش الاحتلال، ففي الشمال أطلق “المجاهد محو إيبو شاشو الرصاصة الأولى (من جبل الكرد- عفرين) في وجه المستعمرين الفرنسيين وأن عصابته كانت النواة الأولى لتشكيل العصابات السورية”[18]، وفي الجنوب تصدّى الكردي يوسف العظمة لجيش الجنرال غورو رغم ضعف الإمكانات كي لا يدخل العدو إلى دمشق دون مقاومة، وقد استشهد الاثنان في المقاومة، يذكر أن نواة المقاومة الأولى للقوات الفرنسية كانت مؤلفة من سبعة أشخاص، منهم أربعة من الكرد وهم: أحمد روتو و شيخ عبدي خوجة (جبل الكرد- عفرين)، يوسف العظمة (دمشق)، إبراهيم هنانو (جبل الزاوية)، وثلاثة من العرب وهم: الشيخ صالح العلي (اللاذقية)، سعدالله الجابري (حلب)، مصطفى شيخ حسين، وقد خاضوا معارك طاحنة ضد جيش الانتداب الفرنسي منذ عام 1920 وحتى 1939وبدء الحرب الكونية الثانية في جبل الكرد وكوباني والجزيرة، ورغم المحاولات التركية لجذب الكرد من خلال الوجهاء عن طريق والي عينتاب وانطاكية إلا أنها فشلت في مسعاها، فقد كانت المقاومة الكردية بزعامة إبراهيم هنانو إلى جانب الكتلة الوطنية في سوريا، كما حاولت فرنسا استقطاب المجاهد البارز رشيد إيبو إلى جانبه لكن دون جدوى، كما استعملت العنف المفرط بقصف قرى منطقة عفرين بالطائرات وخاصة على قرية نازا والقرى المجاورة في عفرين سنة 1940 ، وقصفت مثلها بياندور وعامودا في الجزيرة لكن دون جدوى.
وكان للنخب السياسية الكردية دور لافت إلى جانب إخوتهم العرب في الدفاع عن سوريا في العهد العثماني، وفي إدارة سوريا في ظل الانتداب الفرنسي أثناء مرحلة الاتحاد السوري وبعد الجلاء، وعندما نتتبع أصول أولئك الكرد في سوريا ودمشق خاصة نجد على سبيل المثال وليس الحصر عائلات: الأيّوبي، آلوسي، آل رشي، باراﭬـي، برازي، زازا، سويركلي سيواسلي، أورفلي، وانلي، مارديني، شيخاني، كيكي، مللي وغيرهم، ونذكر بعضاً من الشخصيات:
– الشاعر خير الدين زركلي (1893- 1976):
هو خير الدين بن محمود آغا بن محمد بن علي الزِرِكْلي نسبة لعشيرة زِرِكي الكردية في شمال كردستان، وكانت لهذه العشيرة إمارة قبل سيطرة العثمانيين على كردستان واستمرت في العهد العثماني لفترة ليست قصيرة، ولد من أبوَيين كرديين دمشقيين وتعلم في مدارسها، درس في المدرسة الهاشمية وقال الشعر وهو صبي، درس في بيروت وعمل أستاذاً للتاريخ والأدب العربي في الكلية العلمانية الفرنسية، وبعد معركة ميسلون غادر دمشق إلى الأردن، وبسبب نشاطه السياسي ضدّ فرنسا حكم عليه غيابياً بالإعدام وحجز أملاكه، ونال الجنسية العربية من الشريف حسين في الحجاز وانتدب مع ابنه الأمير عبد الله إلى الأردن، وعين مفتشا عاماً للمعارف في حكومته ثم رئيس ديوان رئاسة الحكومة 1921-1923 وفي هذه الأثناء قررت فرنسا وقف تنفيذ حكم الإعدام بحقه، ثم عين مستشاراً للمفوضية السعودية في مصر 1934، وانتدب لإدارة وزارة الخارجية سنة 1946 في جدة، ووزيراً مفوضاً للمملكة لدى جامعة الدول العربية سنة 1951، وسفيراً للسعودية لدى المملكة المغربية، وبقي عميداً للسلك السياسي حتى سنة 1965 ولاعتلال صحته أحيل إلى الراحة برتبة سفير، وأذن له الملك فيصل الإقامة في بيروت حتى وفاته.
ومن آثاره: إصدار مجلة “الأصمعي” وكتاب “معجم الأعلام” أسوة بابن خلكان، قال عنه الدكتور شاكر مصطفى: “كان الزركلي من قناديل تلك الأيام والدفعة الشعرية التي غذّت نهضة العرب بالقوافي في الربع الأول من هذا القرن” (القرن العشرين)، وكان منبراً مثل شوقي والرصافي والزهاوي وحافط إبراهيم.
– الأديب محمد كرد علي (1876- 1953)
هو محمد بن عبد الرزاق بن محمد اشتهر باسم محمد كرد علي، ولد في دمشق ونشأ فيها، والدته جركسية، قدم جده من نواحي أربيل بجنوب كردستان إلى دمشق بقصد التجارة واستقر فيها، درس في مدارس دمشق وأتقن اللغتين العربية والفرنسية، عشق الصحافة منذ صغره وأخذ يكتب فيها منذ السادسة عشر إلى جانب اهتمامه بالعلوم الدينية، وتأثر ببلاغة القرآن، وقرأ كثيراً من كتابات الأدباء والشعراء العظام، كما اطّلع على كتب المستشرقين بشكل واسع لإتقانه الفرنسية، وأصدر مجلة المقتبس سنة 1908، لكن أكبر إنجازاته للغة العربية وثقافتها عندما عين رئيساً لديوان المعارف بعد انفصال سوريا عن الدولة العثمانية سنة 1919، حيث قام بتغيير المفردات التركية وإحلال العربية مكانها، كما وضع كثيراً من المصطلحات اللغوية، خاصة بعدما استبدل الديوان بـ “المجمع العلمي العربي” كمركز مستقل سنة 1921 حيث حوّله إلى مركز للإشعاع الفكري والثقافي للثقافة العربية والإسلامية، وأعطى المركز كلَّ وقته واهتمامه، وجمع الآثار والمخطوطات النادرة لإعلاء شأن المركز وشأن التعليم من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية.
أبرز آثار محمد كرد علي الذي يعتبر من أعلام النهضة السورية، كتابه “خطط الشام” المؤلَّف من ستة أجزاء عن تاريخ بلاد الشام، وكذلك: دمشق مدينة السحر، الإسلام والحضارة العربية، أمراء البيان، كنوز الأجداد، رسائل البلغاء، غابر الأندلس وحاضرها، غوطة دمشق و المذكرات[19].
ومن رجال السياسة والسلطة نذكر:
– محمد علي العابد (1867-1939): أول رئيس جمهورية لسوريا في سنوات 1932-1936 بالانتخاب، وكان جده الخامس قد هاجر من مدينة ﭘالو في شمال كردستان سنة 1700 م، وجده الثالث “هولو باشا” كان متصرف بلاد الشام في العهد العثماني ومن أغنى رجال سوريا، وكان مكتبه في منزله بساحة المرجة ويصرف على إقامته وتنقلاته من أمواله الخاصة[20].
– عطا الأيّوبي (1877- 1951): من الكرد الأيّوبيين كان وزيراً في أول حكومة سورية في سنة 1918 بعد رحيل العثمانيين، وكان يموّل الثوار بالأسلحة والأموال ومنهم إبراهيم هنانو وصالح العلي، وأصبح رئيس الحكومة سنة 1936، كما كلف بتشكيل حكومة مؤقتة سنة 1943 مع الاحتفاظ بحقيبتي الدفاع والداخلية، وكان أكثر من ناضل لأجل تحقيق الاستقلال في سوريا.
– حسني الزعيم (1894-1949): من كرد حلب (حي الجديدة- حارة الأكراد) كان قائداً للجيش ورئيساً للأركان، قاد انقلاباً عسكريا في نيسان 1949 بسبب انتقادات حادة من البرلمان ورئيس الجمهورية والتخطيط لتسريحه بسبب حرب 1948 مع إسرائيل، واستياء شعبي من أداء الحكومة، لكنه لم يتمكن من إصلاح الأمور، حيث جرى انقلاب مضاد في آب 1949 من قبل العقيد سامي الحناوي وأعدم الزعيم بطلب من السفارة التركية.
– فوزي سلو (1905-1972): عمل وزيراً للدفاع في خمس حكومات بين سنتي 1950-1951، وبعد انقلاب أديب جيجكلي 1949عين رئيساً للدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع بمرسوم تعيين حتى 1953، وتوفي سنة 1972 بدمشق.
– العقيد أديب جيجكلي (1909-1964): ولد في حماة من عائلة آل فنري- عشيرة الملان الكردية وخاله محسن البرازي، شارك في حرب فلسطين 1948، قاد الانقلاب العسكري في 19 كانون أول 1949، وفي آب 1953 انتخب رئيساً للجمهورية، واغتيل سنة 1964 في البرازيل على يد شاب درزي.
– د. محسن البرازي (1904-1949): محامي وأديب وسياسي ولد في حماة وينتمي إلى عشيرة البرازي الكردية في كوباني، تولى رئاسة وزراء سوريا لفترة وجيزة في عهد حسني الزعيم وأعدم رمياً بالرصاص مع الزعيم إثر انقلاب سامي الحناوي بتوجيه من السفارة التركية كونه من أصول كردية.
– حسني البرازي (1895-1975): ولد من أسرة البرازي الكردية الحموية، درس الحقوق في إستانبول وشكّل مع الطلاب الكرد والعرب منتدى أدبيّاً شكلاً لكنه كان منتدى سياسيّاً، قابل جمال باشا السفاح على رأس وفد، ولما سأله جمال “بأي صفة تتكلم؟ أجابه البرازي بصفتنا كردٌ وعربٌ نسعى من أجل حقوق بلاد العرب وكردستان بإقامة حكم فيدرالي ضمن إطار عثماني”[21]، كما أسس جمعية العهد مع مجموعة من الضباط الكرد والعرب في الجيش العثماني بينهم: يوسف العظمة، نوري السعيد، رشيد مدفعي، عبدالرحمن شهبندر، عزيز علي المصري… وكانت الجمعية منقسمة بين عراقي وسوري فعمل على توحيدهما من أجل استقلال بلاد العرب وكردستان، وشغل منصب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بين نيسان 1943 وكانون الثاني 1943.
– الشهيد يوسف العظمة وزير الحربية السوري (1884-1920): ولد من أسرة كردية دمشقية في حيّ الشاغور (فرع الغصن بالكردية)، درس الابتدائية والإعدادية في المدارس العسكرية بدمشق ثم أكمل في المدرسة الحربية العليا بإستانبول وتخرج ضابطاً في سلاح الفرسان، ثمّ إلى مدرسة الأركان وتخرج برتبة نقيب ركن، كان رئيس أركان الفرقة 25 في بلغاريا أثناء الحرب الكونية الأولى، كما حارب في القوقاز، وبانتهاء الحرب عاد إلى دمشق وأسس الجيش السوري، وبعد خضوع سوريا للانتداب الفرنسي حسب مؤتمر سان ريمو أصبح وزيراً للحربية سنة 1920 في ظل الانتداب، واستشهد في معركة ميسلون إثر مواجهته هجوم الجنرال غورو من لبنان، وذلك برصاصة غادرة من الخلف أطلقها أبو شاكر الطباع.
كما نذكر: علي بوظو أمين عام حزب الشعب السوري (1916- 1985) وكان عضواً في مجلس الأمة الاتحادي زمن الوحدة مع مصر، وعبد الرحمن الشهبندر (1879-1940) ولد في القيمرية بدمشق من العشيرة البابانية في السليمانيّة، تقلّد منصب وزير الخارجية السوري في حكومة فيصل واغتيل في عيادته، ورشدي الكيخيا (1899-1987) رئيس البرلمان السوري بين 1949-1951 وزعيم حزب الشعب السوري، حيث رفض تولي منصب رئيس الجمهورية في عهد الانفصال قائلاً: “نحن الكرد صادقون ومخلصون لهذا الوطن واليد التي وقعت على الوحدة مع مصر لن توقع وثيقة الانفصال”[22].
ونشير إلى عدد من الكتاب والفنانين والمخرجين والممثلين الكرد في سوريا الحديثة والذين ساهموا مع إخوتهم من المكونات الأخرى في تطوير الحركة الثقافية مثل: الكاتب والشاعر سليم بركات، الكاتب والشاعر حامد بدرخان، الكاتب المسرحي وليد مارديني، وفي الفن التشكيلي عمر حمدي (مالفا) وبهرام حاجو، الكاركاتير كاميران شمدين، ومن المخرجين: هيثم حقي، رياض ديار بكرلي وبسام الملا، ومن الممثلين: نهاد قلعي (نهاد قلعي الخربوطلي، نسبة الى مدينة خارﭘيت في كردستان تركيا، وكان يلقب بحسني بورزان)، عبد الرحمن آل رشي، منى واصف (جيلمران مصطفى واصف)، خالد تاجا، طحت حمدي الأيّوبي، زهير رمضان ،لقمان ديركي ، سوزان نجم الدين، كاريس بشار، عبير شمس الدين، جيان عيد، جيني إسبر، محمد أوسو نجم، وائل رمضان، وأحمد مللي.
مما يؤسف له لم يتم تقدير الكرد على مساهماتهم في بناء البلاد العربية طيلة التاريخ، باستثناء جمل نظرية مقتضبة من بعض الزعماء مثل: أحمد بن بلّا الرئيس الأسبق للجزائر، والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، والرئيس الليبي معمر القذافي وميشيل إدة وزير خارجية لبنان الأسبق، وبعض السياسيين العرب مثل شفيق الحوت: عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي قال: “كنت آخذ على المفكرين القوميين العرب أنهم لم يعوا في أدبيّاتهم السياسية قضايا القوميات الأخرى، لاسيما القضية الكردية، ولم يولوها ما تستحقه من عناية واهتمام، فبدت العروبة والفكر العربي قومية استعلائية عنصرية، … ومضي يقول: نحن نطل على القرن الحادي والعشرين، ونمر في عهد يسمى عهد الانسان، من حق الشعوب أن تقرر مصائرها… فالشعب من حقّه أن يكون ضمن هذا الكيان أو لا يكون، ولم يعد من الممكن أن تكره شعباً على وحدة، كما أنّه من غير الممكن أن تكرهه على انفصال لا يريده. إنّ هناك اليوم دولاً تتفكك وأخرى تتشكل حديثاً، والسبب في ذلك أنّ الشعوب في هذه البلدان لم تكن قد سئلت في شأن تقرير مصيرها في السابق، والفيدرالية نوع من أنواع الخيارات المطروحة في أكثر من مكان في العالم، بما في ذلك منطقتنا… وفيما يتعلق بوضع الأخوة الكرد، إذا كان الأمر ينطلق من مبدأ حق تقرير المصير، وإذا كانت الظروف الذاتية والموضوعية تسمح بذلك، فهذا قرار صائب. ثم يقول: – كثيراً ما عمدنا الى حل مشاكلنا – نحن العرب – إما بأسلوب القمع أو بأسلوب التجاهل والإنكار (أسلوب النعامة)، وقد حان الوقت لتغيير ذلك. ربما هناك عند العربي وَهْم بأنّ الكردي إنسان غريب قادم ليعتدي على أراضينا وخيراتنا، ولا يعرف أنّه قائم على أرضه وخيراته، وأنّه محروم من أرضه وخيراته، ويلقى الظلم والاضطهاد، لأنه يتشبث بأرضه ولغته وتاريخه”[23].
وقال غسان سلامة عبر إذاعة مونتي كارلو: “دافع الكرد منذ فجر الإسلام وحتى اليوم عن الإسلام والقضايا العربية العادلة، وقدموا على هذا الدرب قادة عظام وتضحيات جسام، والآن يتعرّضون إلى سياسة تقوم على القمع والاضطهاد والتنكيل، ناهيك عن الجينوسايد، وها قد جاء دور العرب للوفاء لهذا الشعب والبحث عن حلول عادلة للقضية الكردية في كل من العراق وسوريا، ومساندته للحصول على حقوقه القومية كاملة”.
والكاتب المصري: محمود عزمي، رئيس تحرير مجلة “الفكر العربي” كتب: “إن المطلوب هو خلق مناخ ديمقراطي سلمي لحل القضية الكردية …، وتابع: هناك فراغٌ ملحوظٌ في مشروع عربي شامل لحلّ القضية الكردية، على الأقل في العراق وسوريا، وهذا يعود الى غياب الديمقراطية. والواقع أنّه ليس الكرد فقط يعانون الظلم، بل إنّ الشعوب العربية نفسها تعاني من اضطهاد أنظمتها، صحيح أنّ الكرد يعانون أكثر ويلقون اضطهاداً شاملاً، قومياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً، لكنّ الشعوب العربية بدورها ليست حرة، ولا تملك إرادة التعبير…، فالكرد في وضع مختلف تماماً عن وضع إسرائيل. فهم ليسوا جسماً غريباً في المنطقة، إنهم من تاريخ المنطقة وساهموا في الحضارة العربية والإسلامية بقوة… وعلى النخب العربية أن تعي أهمية استيعاب الخصوصية الكردية وألّا تنظر إليها على أنها بعبع أو مؤامرة، وما إلى ذلك من تصورات مشبوهة وخاطئة رسختها الممارسات والتصورات المعيبة للأنظمة.. إنّ جوهر الحل يكمن قبل كل شيء، في توفير الديمقراطية[24].
[1] ديفيد مكدول: تاريخ الاكراد الحديث – مرجع سابق – ص61
[2] دانا ادمز شمدت، رحلة الى رجال شجعان في كردستان، ترجمة و تعليق: جرجيس فتح الله، دار آراس ط2 1999 / اربيل، ص10.
[3] د. أحمد الخليل مرجع سابق ص 239
[4] دانا آدمز شميدت مرجع سابق ص 155 -156.
[5] محمد علي الصويركي ، الكرد في بلاد الشام ومصر ص 150و153
[6] تأسس حلف بغداد METO سنة 1954 كان بدايته اتفاقاً عسكريا بين تركيا والعراق ثم انضمت إليه إيران وباكستان والمملكة المتحدة، كان الهدف المعلن تطويق روسيا والمد الشيوعي في الشرق الأوسط، لكن الهدف الحقيقي التنسيق بين تركيا والعراق وإيران لوقف نشاطات الحركة الكردية ومحاربتها، وعزل مصر وسوريا لعدم انضمامهما إلى الحلف، وبعد انسحاب العراق سنة 1959 دعي حلف المعاهدة المركزية CENTO
[7] حسن ظاظا مصدر سابق ص 211.
[8] اختلف المؤرخون في أصل بني رسول فمن قائل أنهم من أصل تركماني وآخر من أصل عربي، أما المؤرخ تقي الدين المقريزي فقد ذكر في موضعين من كتابه “الذهب المسبوك في من حج من الملوك ص 78-79″، بأن: عمر بن علي رسول كردي الأصل ووصفه بالهكاري، وأنه من أحد الأمراء في الدولة الأيوبية، وكان معتمد الملك المسعود بن الملك الكامل الأيوبي (السادس في سلسلة ملوك بني أيوب- المؤلف)، ثم استقل ببلاد اليمن سنة 1231م بعد وفاة الملك المسعود … وقد ذهبت جماعات من الكرد إلى اليمن في العهد الأيوبي وسكنت في صعدة وزمار ونواحي صنعاء، وما زال بعض قبائلهم تحمل حتى الآن اسم الكرد. (الدولة الدوستكية، عبد الرقيب يوسف هامش ص 65).
[9] مظهر كمال مرجع سابق 133.
[10] كان في عداد الجيش العثماني في اليمن كثيراً من الكرد وقد فرّ اثنين من أبناء قريتي بعد مسيرة شاقة نحو عفرين استغرقت ستة أشهر مشياً على الأقدام عن طريق دمشق لعدم قبولهم محاربة اليمنيين، وقد سردا كثيراً من القصص حول بطولات اليمنيين ضد ظلم العثمانيين وأخيراً انتصروا فيها، ويعتقد أن هذه الثورة حدثت سنة 1909 والتقيت بأحدهم- المؤلف.
[11] حسن ظاظا، دور الكرد في بناء مصر وبلاد الشام، دار شلير قامشلو 2018 ص 50.
[12] دراسة قيد الطبع للدكتور جلال زيناتي.
[13] المصدر نفسه ص 239.
[14] المصدر نفسه ص 228.
[15] عبدالله قره مان، وطن الشمس ج 2 ص 152.
[16] حسن ظاظا، مرجع سابق ص 23.
[17] فيليب حتي ، تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، ج 1 ص 341.
[18] أدهم آل جندي، تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي، مطبعة الاتحاد 1960 ص2.
[19] بتصرف عن بحث للدكتور أحمد الخليل حول مشاهير الكرد في التاريخ.
[20] حسن ظاظا مرجع سابق ص 140,
[21] حسن ظاظا مرجع سابق ص 142.
[22] المصدر نفسه ص 191.
[23] أنظر: صحيفة الحياة – العدد /109997/- الاثنين 22 آذار 1993.
[24] صحيفة الحياة – العدد /10998/- الثلاثاء 23 آذار 1993.