أبحاث ودراساتافتتاحية العددمانشيتملف العدد 55ياسر شوحان

نهب الممتلكات الثقافية بين الواقع والقرارات الدولية

ياسر شوحان

ياسر شوحان

ياسر شوحان
ياسر شوحان

ـ الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية:

تسعى معظم الدول في العالم على التصديق على الاتفاقيات ذات العلاقة والاهتمام بحماية الممتلكات الثقافية من الإتجار بها وحمايتها، وخصوصاً اتفاقية عام 1970[1] المتعلقة بالوسائل المستخدمة في منع استيراد أو تصدير أو نقل الممتلكات الثقافية أو ملكيتها بطرق غير مشروعة.

وحيث أنّ هذه الاتفاقية تُعدّ واحدة من النصوص القانونية المتعلقة بالإتجار غير المشروع، فإنها تطرح في مبادئها مبدأ الوقاية بكونه أمراً أساسياً بالإتجار غير المشروع، منها:

ـ إقامة قوائم جرد بشكل منتظم.

ـ تطبيق سياسات الرقابة وإنفاذ اعتمادات التجار.

ـ إبرام شهادات تصدير.

ـ تطبيق نظام العقوبات للمخالفات الإجرامية والإدارية.

ـ تنظيم الحملات المعلوماتية والتثقيفية.

وذلك فيما عدا عن مبدأ إعادة الممتلكات الثقافية /المادتان 7 و13 من الاتفاقية/ وعلى أحكام تنص على استرداد وإعادة الممتلكات، حيث تنص الفقرة (ب) “2” من المادة رقم 7 بخصوص القطع المدرجة في قوائم الجرد والمسروقة من متحف أو من أثر عام، ديني أو علماني، على أن تتعهّد الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ التدابير المناسبة لمصادرة واسترداد وإعادة الممتلكات الثقافية المسروقة والمستوردة. وتنص المادة 13 على تحمّل الدول الأطراف على الصعيد الوطني مسؤولية استرداد الممتلكات، والتآزر فيما بينها بهذا الخصوص[2] وإيقاف تهريب الآثار أو التنقيب السرّي عنها والمتاجرة بها، كما وفّرت الحماية اللازمة للتراث الثقافي والتقاليد المرتبطة به، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ازدياد أعداد الدول الأطراف الملتزمة بهذه الاتفاقية.

وعلى الرغم من هذا فإن هذه الاتفاقية ما تزال دون المستوى المأمول مع تزايد أو انتشار أعمال التنقيب السرّي عن الآثار في دول الصراع، ولا سيما سوريا والعراق أو غيرها من الدول التي لم تدخل في نزاعات مسلحة، ناهيك عن النهب المستمر والمتاجرة بالممتلكات الثقافية وبيعها، مما أتاح ظهور منهجيات جديدة لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها، فيما عدا عن التعاون الدولي للحد من هذا الانتشار الواسع لها، إلا أنه ما يزال هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتطبيقها من قبل الدول الأعضاء في اليونسكو.

فيما ينص بروتوكول اتفاقية لاهاي لعام 1954 المعنيّ بحماية الملكية الثقافية في حالة نزاع مسلّح، على استعادة وردّ الممتلكات الثقافية المصدّرة بطريقة غير قانونية من أراضٍ محتلة[3]. وعلى الرغم من وجود العديد من القطع الأثرية في المتاحف العالمية لا تحمل وثائق خاصة بها، إلا أن منظمة اليونسكو UNEESCO تستبعد سنّ قانون أو أي اتفاقية دولية تُجبر دور العرض والمزادات أو حتى المتاحف العالمية، على إبراز وثائق تدقيق في مصادر القطع الأثرية التي بحوزتها. كما أن ليس من اختصاص منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة UNEESCO العودة للقطع الأثرية ومراجعتها للتأكد من صحة عملية بيعها وشرعيتها، إنما تستطيع تزويد الدول الأعضاء بالأدوات اللازمة لتنفيذ اتفاقية 1970[4]، كما تتيح اللجنة الحكومية الدولية لتعزيز إعادة الممتلكات الثقافية إلى بلدانها الأصلية، أو ردّها في حالة الاستيلاء غير المشروع ICPRCP[5] للدول الأعضاء في اليونسكو، تتيح المطالبة بإعادة آثارهم إلى بلدانها الأصلية، كما تعتمد نموذجاً محدداً للمطالبة باسترداد الآثار إلى بلدانها الأصلية تظهر فيها الأدلة والمعلومات المطلوبة لتوثيق طلبات العودة واستعادة الحقوق.

وفي هذا السياق لا بدّ هنا من الإشارة إلى واحدة من أهم الاتفاقيات، وهي اتفاقية UNIDROIT لعام 1995 والمتعلقة بالممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدّرة بطرق غير مشروعة، حيث تم وضع القوانين اللازمة لاسترداد الممتلكات الثقافية المسروقة، وتحديد القطع الأثرية التي تم التنقيب عنها بشكل سرّي، كما تعتبر أن القطع الأثرية المصدّرة بشكل غير قانوني قطعاً مسروقة، وتحدد معرفة موقع القطع الأثرية وتحديد مالكها، كما تضع ثلاثة مبادئ أساسية وهي:

ـ يجب على مالك المادة الثقافية المسروقة إعادتها.

ـ تحديد إمكانية دفع تعويض مادي لمالك القطعة الأثرية المسروقة، حيث تم الحرص على تجنّب حيازة الممتلكات الثقافية المسروقة، وتشمل معايير إثبات معايير ظروف الشراء، وطبيعة الأطراف المعنية، والسعر المدفوع وغياب شهادة التصدير.

ـ يجب إعادة القطع الأثرية المُصدّرة بطريقة غير مشروعة إذا كانت القطعة ذات أهمية ثقافية كبيرة للدولة المُطالبة بها.

وعلى الرغم من هذه الاتفاقية التي بلغ عدد الدول الموقعة عليها /31/ دولة، إلا أنها لم تُصدّق بعد، وبالتالي ليست نافذة إلا بعد عملية التصديق[6].

 

ـ في القانون والقرارات الدولية:

في الإطار القانوني الدولي والإقليمي لمكافحة الإتجار بالممتلكات الثقافية، فإن قرار مجلس الأمن رقم 2199 (2013) قد تطرّق لهذا الموضوع فيما عدا عن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يُدين فيه تدمير التراث الثقافي في العراق وسوريا، ولا سيما من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة ANF. وقد ألزم هذا القرار جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع الإتجار بالممتلكات الثقافية، وغير ذلك من المواد ذات الأهمية الأثرية والتاريخية والدينية والدنيوية والتي تمّ إخراجها بشكل غير قانوني من العراق منذ 6 / آب 1990، ومن سوريا منذ 15 / آذار 2011. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه حتى لو لم تقع القطع الأثرية سواء السورية أو العراقية ضمن نطاق هذا القرار، فإن هذا لا يُشير بالضرورة إلى أن القطع الأثرية تمّ تصديرها بشكل قانوني.

كما يحظر قانون الاتحاد الأوربي رقم 1332 / 2013 استيراد وتصدير ونقل السلع الثقافية السورية، حيث أن معظم القطع الأثرية التي تمت حيازتها هناك، توجد حولها أسباب للاشتباه حول نقلها بدون موافقة مالكها الشرعي أو تُشكّل انتهاكاً للقانون السوري أو الدولي.

ويسري هذا الحظر فيما لم يتم “إثبات” أن القطعة الأثرية تم تصديرها من سوريا قبل 9 / أيار 2011، أو أن البضائع يتم إرجاعها بأمان إلى أصحابها الشرعيين، وأيضاً إذا لم يتمكن الحائز أو المحترز للقطع الأثرية من تقديم أي مستند، أو فيما لو لم تتمكن سلطة التحقيق من العثور على أي دليل يشير إلى تصدير قانوني قبل 9 / أيار 2011[7].

ومن الملاحظ أن القانون السوري يتعامل بحزم صارم اتجاه المتاجرة بالآثار في فترة ما قبل الأزمة السورية عام 2011، كما يفرض العقوبات بحق البائع والمشتري سواءً أكانت (حيازة أو احتراز).

وبالمقارنة مع قوانين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نجد أن هذه القوانين تهدف إلى معاقبة المتعاملين بالآثار أو بائعيها، لكن القليل منها موجّه إلى المشترين، حيث لا يفرض القوانين في هذه الدول أي غرامات على الذين يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في نهب المواقع الأثرية، من خلال معاقبة التعامل مع الآثار المنهوبة والإتجار بها[8].

 

ـ واقع التعاون الدولي والمنظمات العالمية في الحدّ من تهريب الآثار[9]:

على الرغم من الكثير من نهب الممتلكات الثقافية السورية أو غيرها، إلا أن العديد من الدول تحاول إثبات حُسن النوايا تجاه الآثار المسروقة، لا سيما من الشرق الأوسط، وتُعدّ القضايا التي نشطت في هذا الجانب من القضايا التي أثارت الكثير من النشاط التحقيقي والتي احتاجت للكثير من المتابعة. ويشير الباحث “ساموئيل سويني” إلى أن التعاون الدولي يُعدّ خطوة أولى لعملية استرداد القطع الأثرية، ومن ناحية ثانية التشديد على المواد المنقولة أو التي يتمّ عرضها للبيع من خلال المزادات العالمية.

وبالعودة إلى هذه القضايا التي أثمرت وبشكل جيد في استعادة ممتلكات أثرية منهوبة من المنطقة، حيث قضية “هوبي لوبي” التي بدأت في كانون الثاني سنة 2011 بطردٍ بريدي يحوي خمسين رُقيماً مسمارياً، حيث تم كشفها من خلال التباين بين التصريح الجمركي (بلاط مصنوع باليد في تركيا) مع التباين في قيمة الموجودات، وقد اكتشفت السلطات الأمريكية أن شركة “هوبي لوبي” هي إحدى الشركات الكبرى في أمريكا والتي تبيع موادّ للفنون والحِرَف، كما كانت تستورد قطعاً أثرية مُهرَّبة من العراق من تاجر إماراتي وتاجرين إسرائيليين، الذين أعطوا الشركة أوراقاً مُزيّفة تقرّ بأن مصدر القطع إسرائيل، وتم شراؤها بشكل قانوني في ستينيات القرن الماضي في الأسواق المحلية الإسرائيلية، إلا أنه وبعد إجراءات قانونية استغرقت أكثر من سبع سنوات (عام 2018) تم إرجاع القطع الأثرية إلى العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ودفعت الشركة غرامة ثلاثة ملايين دولار أمريكي[10].

أما القضية الثانية والتي أُطلق عليها (قضية معبد أشمون) فقد بدأت في عام 1981 بعد أن سُرقت حوالي /600/ قطعة أثرية من مستودعات جبيل في لبنان، وقد ظلت معظم هذه القطع الأثرية مجهولة حتى عام 1996 عندما بدأت إحدى القطع المسروقة والتي تمثل رأس ثور بالظهور للعلن، من خلال شرائها بسعر مليون ومئتي ألف دولار، وفي عام 2009 تم بيع هذه القطعة بقيمة مليون وخمسمئة ألف دولار. وبالعودة إلى أوراق وتسلسل ثبوتيات المشتريات، أكدت شراءها من جورج لطفي لبناني الجنسية بدون تصاريح جمركية ولا وثائق شحن ولا فواتير من المالكين المفترضين سابقاً، غير أنه من المفروض أن القطعة انتقلت بين عدة دول خلال هذه الفترة، وكان يجب أن يكون لها أوراق رسمية، وفي عام 2017 أصدر القاضي في ولاية نيويورك حكماً لصالح الدولة اللبنانية، وتم إرجاع رأس الثور الذي تم تهريبه من لبنان، وهو الآن معروض في المتحف الوطني في بيروت مع قطع منهوبة أخرى من معبد أشمون تم استردادها أيضاً[11].

القضية الثالثة هي المعروفة بقضية “موسى خولي”[12] حيث ظهر في أحد مواقع البيع رأس تمثال عراقي منهوب ومعروض من قبل موسى خولي، الذي هاجر من سوريا إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992 ويملك شركة اسمها ويندزور، وكانت عائلته تمتلك معرضاً للأنتيكات في دمشق، إلا أن هذا التمثال لم يكن إلا مدخلاً لقضية شملت في طيّاتها العديد من القطع الأثرية المهرَّبة من سوريا والعراق ومصر. وأن الإمارات كانت محوراً لعملية نقل أو تهريب للآثار إلى أمريكا، وقد تعامل موسى الخولي مع مجموعة من الأشخاص لتوريد الآثار إلى أمريكا، مع قيامه بتزييف أوراق عن أصل القطع الأثرية، كما صرّح أن معظم هذه الآثار تم جمعها من قبل أبيه في إسرائيل في ستينيات القرن الماضي، وتم إرجاع القطع الأثرية المنهوبة من مصر إليها في عام 2015، ومن الجدير ذكره أن موسى خولي غيّر اسم شركته إلى Palmyra Heritage “معرض تراث تدمر”، وفي سنة 2016 وثّقت مدونة تتابع سوق الآثار أنه باع رأس تمثال يعود لمدينة تدمر مع أوراق جمركية تعود إلى إسرائيل وتبدو مزيفة، ولم يكن هناك متابعة من قبل أي سلطات قانونية[13].

وفي القضايا الثلاث كان التوثيق الدقيق للقطع الأثرية المفقودة أساسياً في كشف الجريمة وإثباتها، وفي معظم الأحيان تصدر المعلومات عن هذه المبيعات من أكاديميين لهم معرفة في الآثار وليس من السلطات، ولربما أن السلطات تستطيع أن تُجري تحقيقاً أو تلاحق المهرّبين، ولكنها لا تمتلك الخبرات أو الموارد في آلية البحث عن المفقودات.

 

[1] 14 نوفمبر / تشرين الثاني 1970 خلال الدورة السادسة عشر للمؤتمر العام لليونسكو.

[2] https://ar.unesco.org/fighttrafficking/1970

[3] اعتُمد في الوقت نفسه بروتوكول بشأن الممتلكات الثقافية أثناء الاحتلال (البروتوكول الأول) عام 1954. ورغم أن اتفاقية عام 1954 تعزز حماية الممتلكات الثقافية، إلا أن أحكامها لم تُنفَّذ على نحو مستمر وثابت. ولمعالجة هذه المشكلة، اعتُمد بروتوكول ثانٍ إضافي لاتفاقية عام 1954 في 26 آذار/مارس 1999. وعلاوة على ذلك يتضمن البروتوكولان الإضافيان (المؤرخان في 8 حزيران/يونيو 1977) إلى اتفاقيات جنيف أحكاماً الممتلكات الثقافية (المواد 38 و53 و85 من البروتوكول الإضافي الأول، والمادة 16 من البروتوكول الإضافي الثاني).

[4] هامش: للاستزادة https://ar.unesco.org/fighttrafficking/1970

[5]  the Intergovernmental Committee for Promoting the Return of Cultural Property

[6] للاستزادة حول هذه الاتفاقية: https://www.unidroit.org/instruments/cultural-property/1995-convention

[7] Sydney CHICHE-ATTALI: COMBATING ART TRAFFICKINGLEGAL ASPECTS AND DUE DILIGENCE, Training -22-23-24 November 2020, Himayaproject, Qatar National Library. (Notes on this topic via Zoom program).

[8] Kersel, Morag-Bouchenaki, Mounir: Middle East and North Africa, The Oxford Handbook of International Cultural Heritage Law, edited by Francesco Francioni and Ana Filipa Vrdoljak, Jul 2020.

[9] سويني، ساموئيل: (واقع التعاون الدولي والمنظمات العالمية في الحد من تهريب الآثار في سورية) مجتزأ منقول من بحث مشارك في ندوة حوارية علمية حول واقع التراث الثقافي السوري خلال الأزمة تحت عنوان “معاً لحماية التراث السوري”، المنعقدة برعاية هيئة الثقافة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية في مدينة الرقة السورية بتاريخ 19 أيلول 2019.

[10] الوثائق الرسمية المتعلقة بالقضية موجودة في موقع ecf.nyed.uscourts.gov برقم قضية 1:2017-cv-03980.

[11] الوثائق الرسمية المتعلقة بالقضية موجودة في موقع ecf.nysd.uscourts.gov برقم قضية 1:17-cv-04755-KPF، وكتبت مديرة المتحف الوطني في بيروت، آن ماري عفيش، عن القضية في مجلة BAAL باللغة الفرنسية:

Afeiche, Anne-Marie Maila: « La restitution au Liban de cinq sculptures d’Echmoun, » BAAL 18, 2018, p. 5-18

[12] الوثائق الرسمية المتعلقة بالقضية موجودة في موقع ecf.nyed.uscourts.gov برقم قضية 1:11-cr-00340، وهناك مقالة عن القضية في جريدة إنترناشونال بيزنيس تايمز في الرابط التالي:

https://www.ibtimes.com/us-returns-25m-egyptian-antiquities-experts-call-tougher-punishment-smugglers-1892622

[13] http://art-crime.blogspot.com/2016/11/auction-alert-i-ancient-palmyran.html

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى