أبحاث ودراساتافتتاحية العددعواس عليمانشيتملف العدد 55

قضية الكُرد واستعصاء الحل

عواس علي

عواس علي

عواس علي
عواس علي

بداية لا أقصد من هذا البحث المختزل إظهار الكرد كشعب يتغنّى بماضٍ مجيد، كما هي شعوب الشرق الأوسط التي تعيش تحت نير الظلم والاضطهاد سواء من قبل الحكومات ذاتها أو من قبل دول خارجية سلّطت تلك الحكومات على شعوبها، وتغفو تلك الشعوب حالمة بالماضي المجيد وتفتخر بعظام الأجداد البالية، ومن غير المهم إن كان الميتانيون أوالاخمينيّون أو الآشوريون أو الفراعنة هم من اكتشفوا العربة ذات العجلات (حدّثني عمّا أنت عليه الآن) ففي النهاية جمع الإنسان من منبت واحد، والفخر يعود للجميع، ولا يحق لأحد أن يفتخر بإبداعه على أحد. وربما تكمن الاستفادة من هذا البحث، من خلال كشف الستار عن الواقع الحقيقيّ للعالم الذي أضحى مكشوفاً للعيان بكلّ تفاصيله، وباتت دول محدودة تتحكم بمصير العالم عبر ما يُدعى بالعولمة، وإن كان للعولمة إيجابياتها، فهي أيضاً تخفي في أحشائها سلبياتها، فبات من السهل استجرار أيّ شعب بالاتجاه التي ترغبه الدول المسيطرة على وسائل العولمة، خاصة الإعلام الهادف، فمن السهل اعتبار حكومة دكتاتورية حكومة شرعية، واعتبار حكومة قانونية شعبية دكتاتورية، وبات من الصعب على أي محلل سياسي الدنو من تحليل واقعة ما دون اللجوء إلى إبعاد العولمة وتأثيراتها عن تلك الواقعة.

يعتبر الكُرد من أكثر الشعوب على الأرض عدداً، ورغم ذلك لم تنل حقوقها في العصر الحالي، حيث يبلغ تعداد الكرد ما يُقارب 40 مليون في إحصائيّة ما قبل ثلاثين عاماً، ومن الحقائق التي تفند ادعاءات الدول الضامنة لحقوق الانسان وعلى قمتها منظمة الامم المتحدة، وقد نجد مثيلا للكُرد شعوباً في القارة الافريقية التي مازلت ترضخ تحت الاستعمار المباشر، والحقيقة المطلقة أن الدول التي ادعت الاستعمار بداية كانت تتستر تحت عباءة هذا المسمى الذي انحرف عن معناه الحقيقي ” الأخذ بيد الدول الضعيفة و إعمارها” والتحوّل إلى مسمّى يقصد به الاحتلال الذي يراعي مصالح تلك الدول.

بلاد الكُرد: تقع كردستان بين درجتَي العرض 34 و39 ودرجتَي الطول 37 و 46 والمساحة الكلية لكردستان تُقدّر بـ 409000 كيلو متر مربع، مقسّمة بين أربع دول، وتحتلّ تركيا الجزء الأكبر، ثم إيران والعراق وسوريا.

لابدّ من ذكر كردستان الحمراء التي تقع ضمن جمهورية أذربيجان وهي منفصلة عن الأجزاء الاربعة المتصلة بعضها ببعض.

تبلغ مساحة كلّ جزء كما يلي:

تركيا 149000 كيلو متر مربع

إيران 124000 كيلو متر مربع

العراق 72000 كيلو متر مربع

سوريا 310683 كيلو متر مربع

كردستان الحمراء 6210 كم مربع

في الحقيقة كردستان الحمراء مهمّشة من تاريخ الكرد، وربما السبب هو أن الأحزاب الكردية أكثرها ذو نهج ماركسي لينيني، وليس من المعقول اعتبار رأس الهرم في الشيوعية دولة مضطهدة للشعوب كونها كانت منارة للشعوب المضطهده، غير أنّ الحقيقة مغايرة لذلك تماماً، وسنتطرق إلى مصير الجمهورية الحمراء إبّان العهد الستاليني، ولابدّ من كشف الستار عن الجرائم التي تمّ ارتكابها من قبل حكومة ستالين بحق الكرد.

حقيقة الكُرد: من المؤسف أنّ معظم الدارسين لتاريخ الكُرد أرادوا طمس تاريخهم، وخاصة المؤرخين من البلدان التي تحتل بلاد الكرد، فنجد أنّ المؤرّخين العرب يردّونهم إلى أصول عربية عبر تفسيرات سفسطائية لا معنى لها البتّة، فنجد المؤرخ الراغب الأصفهاني والمسعودي في (مروج الذهب) يردّان أصولهم إلى الجن، والنبي سليمان، والقديس الإمام الصادق طلب من قومه عدم مخالطة الكرد كونهم من الجن. والمؤرخون الفرس لم يكونوا أكثر موضوعية من المؤرخين العرب، وكذلك الاتراك الذين اعتبروهم أتراك الجبال، وربما كان المؤرخون الأوربيون والمستشرقون منهم أكثر موضوعية من غيرهم، فنجد بعضهم سرد تاريخ الكُرد كما رآه على الواقع، ونكاد لا نجد مؤرخاً لجأ إلى التاريخ الموضوعي،الأنثروبولوجيا (علم الاجناس) أو علم الأنثربولوجيا الفيزيائية (علم يعتمد على السجل الاحفوري لتطور البشر) لدراسة تاريخ الكُرد، ومن المؤسف أنّ جلّهم نسب التاريخ الكردي إلى الفرس، بعضهم عن دراية، وبعضهم عن جهل عدم التفريق بين الكُرد والفرس، على الرغم من أنّ هيرودت الصقلي اعتبر اللغة الكردية أقدم من اللغة الفارسية، والفارسية مشتقة من اللغة الكردية، ومن المؤسف أن نجد المؤرّخين الكرد يبحثون عن أصول الكرد خارج بلاد الكرد على الرقم من تطور الدراسات التي تؤكّد على وجود شعب أصيل وجد في تلك البقعة من الأرض، سواء عن طريق التفسيرات المعتمدة على الكتب السماوية أو الدراسات العلمية.

الجغرافية السياسية لكردستان: إنّ موقع كردستان الجغرافي بين أربع دول، وتلك الدول ذات أهمّيّة من الناحية الجيوسياسية بالنسبة لدول القوى العظمى، جعل من جغرافية كردستان سبباً في صعوبة حلّ القضية الكردية عالمياً، فالدول العظمى تسعى إلى تحقيق مصالحها عبر تلك الدول المحتلة لكردستان، وخاصة الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية لجغرافية كردستان، فمعظم حقول النفط تقع ضمن أجزاء كردستان المحتلة، ممّا دفع الدول العظمى إلى استرضاء الدول المحتلة لكردستان، مقابل حصولها على ما تريده من حكومات تلك الدول، وفي حال نشوب صراع بين الدول العظمى وإحدى الدول المحتلة لكردستان نجد أنّ الدول العظمى تغض النظر عن الوجود الكردي بتلك الدولة استرضاءً لباقي الدول المحتلة، وخاصة إبّان الحرب الباردة بين أميركا والاتّحاد السوفيتي.

نظرة عامة على واقع المجتمع الكردي اجتماعياً: ربما مقولة ليس للكرد أصدقاء سوى الجبال لم تُقَل جزافاً، ويعني بها الكرد أنّ الجبال وحدها القادرة على حماية الكرد من أعداءهم، والحفاظ على وجودهم، فالمجتمع الكردي لم يتعرض للذوبان في بوتقة الحكومات التي أرادت أن تجعل من الكرد  شفرة الاستنساخ القومي لتلك الدول الطامعة في فرض القومية للدولة المحتلة على الكرد، لكنّ الشفيع الوحيد للكرد كانت الجبال التي يقطنها الكرد، فمن خلال نظرة بسيطة نجد أول من بدأ في فرض القومية للدولة المحتلة لبلاد الكرد على الكرد هو كمال أتاتورك الذي يعتبر نفسه جدّ الأتراك، فبعد تنصّله من الوعود التي وعد بها الكرد، وإبرام اتفاقية لوزان، فنجده وقف عاجزاً أمام الكرد القاطنين الجبال، وبعد حرب طاحنة خاضها ضد الكُرد، فحاول جاهدا استجرار العائلات الكردية المعروفة بانتمائها وولائها للقومية الكردية إلى عمق الدولة التركية، وفرض اللغة التركية ومنع التحدث باللغة الكردية في الدوائر العامة والمدارس، وكان مثاله الأعلى؛ السلطان عبد الحميد الذي أجبر عائلة بدرخان على الإقامة في اسطنبول ليسهل عليه مراقبة تحركاتهم، ونجد أنّ حقبة أتاتورك قد امتدت حتى نهاية القرن العشرين، بقدوم أردوغان إلى الحكم، فحاول أردوغان أن يميل عن نهج الأتاتوركية، فسمح باللغة الكردية وكانت هناك إدارات شبه كردية في المناطق الكردية غير أنه سرعان ما تراجع عن نهجه، وعاد إلى نهج الأتاتوركية، ومن خلال إلقاء نظرة إلى واقع المجتمع الكردي في تركيا نجد أنّ الكرد أشدّ تعصّباً للإسلام من الأتراك، وما زالوا يحذون حذو الدولة العثمانية التي كانت تجمع قوميات عدة تحت راية الإسلام السياسي، ونجدهم لا يفكرون بالقومية بالقدر الذي يفكرون في الأمة الإسلامية، ولا يعترضون على ممارسات الحكومة التركية اتجاه الكرد، ويكتفون بأنّ الدولة الحاكمة هي دولة مسلمة، وكلّ من يخرج عن طوعها فهو كافر، ونجد أنّ اردوغان سار بهذا الاتجاه بعد تحليله المجتمع في تركيا سواء الكردي أو التركي وقد استفاد من استقطاب المجتمع التركي والكردي تحت مسمّى الإسلام، ونهج منهجاً بعكس ما تنتهجه الأحزاب الكردية التي تدعو إلى العلمانية، والابتعاد عن الإسلام السياسي الذي استفاد منه أردوغان، وربما كانت هناك دراسة خاطئة من قبل الأحزاب الكردية للمجتمع الكردي، فلم يرد في حسبانهم أنّ المجتمع الكردي الميال للإسلام السياسي، في ظاهره دون الإلمام بالحقائق المتخفّية خلف ذلك الإسلام، ممّا جعل شرخاً بين تلك الأحزاب والمجتمع، وربما من الخطأ النظر إلى مجتمع متشرذم من خلال منظار واحد، ويتوجب النظر إلى ذلك المجتمع من خلال أفكار وأيديولوجيات عدة بما فيها الإسلام السياسي، لاستقطاب المجتمع تحت مظلة واحدة تمثّل جميع الشرائح، فنجد أنّ الحكومات التركية استطاعت أن تستقطب شريحة واسعة من المجتمع الكردي تحت مظلة الإسلام السياسي المعادي للعلمانية، فنعتت الحكومات التركية المتعاقيبة الأحزاب الكردية السياسية بالكفر والزندقة، ونجد أن شريحة واسعة من المجتمع الكردي تتقارب مع التفكير المسيطر على القومية التركية التي تعتبر نفسها حاملة راية الخلافة الإسلامية، والمتمعّن في المجتمع الكردي في تركية يجد ثلاث شرائح من الكرد، الكرد الذين دخلوا بوتقة الأتاتوركية وأصبحوا يعتزون بتركيتهم، وحتى أنهم يخجلون من الانتماء إلى القومية الكردية، وأتوقع تعدادهم يفوق الثلث من تعداد الكرد، وجلّهم من المثقفين والتجار والعائلات الأرستقراطية، والكرد الذين لا يعارضون، ولا يخفون كرديتهم، لكنهم يطالبون بالعيش تحت مظلة العلم التركي، والقومية التركية، والحكومة التركية، وأتوقع تعدادهم يقارب الثلث، واكثرهم من صغار الكسبة والموظفين والمستفيدين، ويبقى لدينا ما يقارب الثلث، وهم القاطنون في المحافظات الشرقية الواقعة بين الجبال، وهم من مربي الأغنام والمزارعين، ويؤلفون مجتمعاً قبليّاً متماسكاً ومتعصّباً للقبيلة ومن ثمة القومية، ومحافظون على لغتهم الأم وثقافتهم الاجتماعية، وعاداتهم الكردية الأصيلة، لكنّهم مصابون بالإحباط واليأس من خلال ما تعرّضوا له من قتل وتدمير على أيادي السلطات التركية، وهكذا نجد أنّ الحكومات الأتاتوركية المتعاقبة استطاعت أن تجعل المجتمع الكردي في تركيا، مجتمع يأس متشرذم يفتقد التماسك والتجانس، وهذا الواقع ينعكس بشكل واضح وجليّ على صعوبة استقطاب الكرد تحت مظلة واحدة.

يضاف إلى تلك الأسباب، الاستنبات القسري الذي سيطر على المثقف الكردي الذي وجد نفسه أمام تطور هائل، ومرعب، أثناء انتقاله من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب حيث المجتمع الذي تجاوز كلّ ما كان يحرمه عليه المجتمع الكردي المحافظ بين جباله، بالإضافة إلى الثقافة التركية التي تلقّاها في المدارس، ممّا ولد مثقفاً منسلخاً عن المجتمع الكردي، يعتزّ بالقومية التركية ولغتها، ممّا خلق برجوازية صغيرة مرتبطة مع الدولة المحتلة، وخاصة أنّ الطبقة الإقطاعية الكردية كانت قد هيئة الأرضية لتلك الفئة من البرجوازية الصغيرة التي انبثقت من رحم الإقطاع دون الانقلاب على تلك الطبقة الإقطاعية.

ويضاف إلى ذلك انتقال العالم من مرحلة الكفاح المسلح إلى الكفاح الفكري، جعل الأحزاب الكردية التي كانت تنادي بالكفاح المسلح متخلفة عن مواكبة التطور الهائل من العلوم والتكنولوجيا، فتحوّلت تلك الأحزاب تحوّلاً قسرياً من الثورية إلى النضال السياسي، مع الحفاظ والبقاء من حيث المضمون على النهج والفكر العسكري، فكان التحوّل تحوّلاً من حيث الشكل والحفاظ على المضمون، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفشل النظرية الماركسية في تحرير الشعوب المضطهدة، وفشل نظرية الاقتصاد الاشتراكي الذي اعتبر بؤرة للبيروقراطية والفساد الإداري على مستوى جميع الدول الاشتراكية.

هذه حقيقة المجتمع الكردي في الجزء المحتل من قبل تركيا، وليست الأجزاء الأخرى أفضل حالاً منه.

ففي إيران الخمينية استطاعت الحكومة الخمينية أن تحول المجتمع الإيراني إلى مجتمع متعصّب إلى مذهبته، والعمل من أجل نشر المذهب الشيعي الذي اتّخذته كأيديولوجيا لجهادها، من أجل تحويل العالم كلّه إلى عالم إسلامي شيعي يطالب بالثأر للحسن والحسين من السنة، واستطاعت الحكومة الخمينية أن تجعل من نفسها مرجعاُ لجميع الشيعة في العالم، عبر تقديم الدعم المادي لجميع فروع حزب الله في العالم، ممّا حوّل المجتمع الإيراني إلى مجتمع يبحث عن لقمة العيش فلا يجدها، وكان ذلك على حساب المواطن الإيراني، وبذلك استطاعت أن تشحن المجتمع الإيراني ضد المجتمع الكردي ذي المذهب السني، وجعلت المجتمع الكردي مجتمعاً محاصراً من كل الجهات، وتركت البوابة الوحيدة مع جارتها الحكومة التركية التي لا تتوانى عن التعاون المستمر معها، من أجل تحليل المجتمع الكردي ضمن بوتقتها القومية، وملاحقة كل من يتقرب من القومية الكردية أو يعمل لأجلها، والحكم عليه بالإعدام، ونكاد نجد أنّ القضية الكردية في إيران مهمّشة حتى على المستوى الإعلامي الكردي، وربّما يعود السبب إلى قدرة الحكومة الخمينية على استجرار الأحزاب الكردية إلى شباك مصالحها، وبناء علاقات مع الجزء الذي يعتبر الام للقضية الكردية، لكنّه في الحقيقة تنازل عن القضية الكردية لدول عدة من ضمنها دول محتلة لأجزاء من كردستان، وربما كان الحلم الكردي الذي بناه على ذلك الجزء المحرر آمال عدة، لكنه في النهاية تفاجأ من موقف الحكومة التي تترأس ذلك الجزء، وظهرت على أنّها حكومة لا تتعدّى المصالح العشائرية الضيقة، فالحزبان في إقليم كردستان ليس إلا ممثلَين لأكبر عشيرتين في الإقليم، يتبادلان المصالح مع الحكومة الإيرانية التي لا تتوقف عن إعدام كلّ من يتطرق إلى القضية الكردية.

يكاد المجتمع الكردي في جزء كردستان المحتلة من قبل إيران لا يختلف عن وضع المجتمع في تركيا، إلّا أنّه لم يتعرّض للانحلال في بوتقة القومية الفارسية، وما زال يحافظ على ثقافته الكردية في الحد الادنى من الإمكانيات المتاحة، ويناضل ضد الحكومة الخمينية. وإن كان نصيبه من الثروات قليلاً، لذلك لا نجد له أهمية على المستوى الدولي وحتى الأحزاب الكردية.

إقليم كردستان العراق: هذا الجزء يعتبر من الأجزاء الكردستانية التي لم تهدأ البتّة في نضالها الدؤوب من أجل الحرية، من بداية الاستعمار البريطاني للعراق وحتى ظهور حزب البعث، وأشدّ ما تعرض له هذا الجزء من مجازر في مرحلة حكم صدام حسين، كان الهدف منها القضاء التام، والتصفية التامّة للشعب الكردي في هذا الجزء، لكنّ الظروف الدولية والعواصف الأمريكية أطاحت بصدام حسين، ممّا هيّأ لتحرير ذلك الجزء من تحت سيطرة الحكومة العراقية الدكتاتورية، وربما كان الدعم الأميركي لهذا الجزء جاء من خلال ما يتمتع به هذا الجزء من ثروات، ما جعله ذا أهمّيّة استراتيجية بالنسبة للدول العظمى، ومع ذلك جاء موقف حكومة الإقليم مخيباً لآمال الكرد كقومية، فكان الأمل معقوداً على تلك الحكومة في توفير الدعم المادي والمعنوي للكرد في الأجزاء الأخرى، غير أنّ الحكومة التي تحولت إلى حكومة عشائرية ترعى مصلحة العشيرتين الأساسيتين في الأقليم؛ عشيرة البرزانية وعشيرة الجلالية، ونجدها دارت ظهرها للقضية الكردية.

الكُرد في سورية: إنّ الجزء التابع لسورية من كردستان تم اقتطاعه في عهد الاحتلال الفرنسي وفق اتفاقية سايكس بيكو عام  1916 عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، كما تم اقتطاع أجزاء من سورية والحاقها بتركيا، والحقيقة عاش الكُرد في سورية في مرحلة ما قبل ظهور حزب البعث، وأفكار جمال عبد الناصر في كنف بلاد تضمّ أثنيات عدة، ولم يكن هناك ما يدعو إلى الصراع القومي أو الطائفي في ذلك البلد حتى أنّنا نجد أنّ الكرد قد تبؤوا مناصب عدة على مستوى رؤساء للدولة، منهم الشيشكلي وحسني الزعيم، وحسني البرازي، وشارك الكُرد في التصدي للاستعمار الفرنسي في بدايته، بقيادة الشهيد يوسف العظمة الذي تم اغتياله على أيدي خونة سوريين تظاهروا في مشاركته للتصدي للاحتلال الفرنسي، ثم تلاه بعد ذلك إبراهيم هنانو، وأحمد برافي.

لم تظهر التفرقة بين المكونات السورية على الرغم من اقتراحات عدة جاءت على أساس التغيير الديموغرافي لشمال سورية، إلا في زمن الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 وظهرت بوادر قومية شوفينية تم طرحها من قبل جمال عبد الناصر على أساس تشكيل وطن موحد للأمة العربية، فكان من نتائجه الإحصاء ضد الكرد في سورية عام 1962 جاء على إثر دراسة أعدّها الملازم محمد طلب هلال عن الكرد في شمال سورية، وهي دراسة عنصرية بحته، فتمّ تجريد ما يقارب من 150 ألف كردي في منظقة الجزيرة من جنسيتهم، ثم تلاها الحزام العربي بقيادة حزب البعث عام 1974 وبموجبه تم انتزاع أراضي الكُرد، وتمليكها العرب المغمورين  في بحيرة سد الفرات بالطبقة بطول 275 كم وعمق 15 كم، وبذلك اشتعلت فتيلة الحقد بين الكرد والعرب وإثارة الفتن، وتم توجيه الأحزاب الكردية باتجاه النضال من أجل حقوق الكُرد، فتشكل مجموعة متعصّبة قوميّاً ضد ممارسات التعصّب والعنصرية البعثية العربية، وبذلك تشكل شرخ ضمن المجتمع السوري، وطالت الاعتقالات مجموعة من المناضلين الكرد، منهم رؤساء أحزاب، وأفراد، وبدأ رجال الأمن بمطاردة الكُرد، وبدأ الشرخ يتّسع ضمن المكونات السورية، فظهرت تيارات شوفينية عدة سواء بين الكُرد أو العرب، وتوّج بحركة الإخوان المسلمين التي حاولت استنهاض السنة ضد العلوين، فتم على إثرها إبادة مدن بحالها، وضاقت السجون بالمعتقلين، وتم البطش بكل من تقرب من الإخوان أو حتى رجال الدين منهم المعتدل،وبذلك تمت مصادرة الحريات العامة، وتطبيق الأحكام العرفية على أصولها، وبقي الحال على ما هو، حتى ظهور ما يدعى بالربيع العربي الذي امتد إلى سورية، فكانت البداية التحضير لحركة شعبية سياسية تطالب برفع الأحكام العرفية والتعدّدية السياسية، ومن المؤسف شرعان ما تحولت إلى حركة عسكرية مسلحة عبر التدخلات الخارجية، سواء من قبل تركيا أو إيران أو روسيا، وتم اعتقال كلّ المعارضين الحقيقيين، وحرف الثورة إلى ما يحقق أجندات خارجية، كانت البداية من محافظة الرقة، فتم اعتقال جميع المعارضين العلمانيين على أيادي لواء أحرار الشام المدعوم من قبل تركيا وقطر، وعلى إثرها تمّ اطلاق سراح جميع الموقوفين من فصيل منظمة القاعدة لدى الحكومة السورية، وتوجههم إلى المناطق الساخنة، وباعتبارهم معتقلين سياسيين كان لهم أفضلية القيادة، فتظاهروا بداية باللين حتى سيطروا على زمام الأمور في تلك المناطق، وسرعان ما تحوّلوا إلى تنظيم داعش بعد انشقاق مجموعة من تنظيم جبهة النصرة الموالية لمنظمة القاعدة، فكان التباعد التام بين المعارضة السياسية والعسكرية، وسرعان ما أجبرت المعارضة السياسية التي تفتقر إلى برنامج سياسي إلى اتّباع خطوات المعارضة العسكرية التي استجرّتها إلى مستنقع المصالح الدولية، فبدل أن تستند إلى القوى العربية راحت تستند إلى السلطات التركية، ووضعت نفسها في خدمة الحكومة التركية الإخوانية، وعبر لجوء النظام في سورية لطلب العون من الحلفاء استطاعت روسيا تقوية نفوذها في سورية إلى جانب إيران، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم تلاقِ المعارضة الدعم من أوربا وأميركا، وكان دعما خجولاً، الحقيقة الذي كانت عليه بداية الثورة السورية هو ما جعل أوربا وأميركا يبتعدون عن دعم المعارضة، كانت الثورة السورية قد بدأت تخرج من الجوامع وشعارها: الله أكبر والمطالبة بنظام حكم إسلامي، والغرب المتخوف من الإسلام راح يرقب الثورة وشعاراتها، فظهرت جبهة النصرة وأحرار الشام، ثم توّجت بتنظيم الدولة الإسلامية، والمعارضة المترقبة لدعمها هي تعلم علم اليقين أنّها لن تحظى بالدعم لطالما هي على ذلك النهج ويبدو أنّ الغرب توصّل إلى حقيقة مفادُها أنّ حكم بشار الأسد ليس له بديل من ضمن المعارضة، فنجده تراجع عن المطالبة بإسقاط النظام، واكتفى بالتنديد، وحتى الدول العربية راحت تنحو ذات المنحى وربما الحقيقة، في بعض الأحيان ظهرت المعارضة بمظهر أسوأ من النظام من خلال برامجها السياسية المقطورة خلف العسكرة، خاصة من خلال تعاملها مع الملف الكردي، فبدل من احتواء الشعب الكردي ضمن المعارضة، ووضع برنامج يتضمّن حقوقه كشعب، راحت المعارضة تتبنّى مفهوم الحكومة التركية وتعاملها مع الملف الكردي، ومن المفارقات العجيبة أنّ المعارضة احتوت الأحزاب الكردية  المطالبة بالانفضال، وراحت تنعت من يطالب بالحفاظ على وحدة سورية بالانفصالي، وذلك بناء على برامج ومشاريع تمّت صياغتها من قبل الحكومة التركيّة.

المعضلة الكردية وصعوبة الحل: تعتبر قضية الكرد في الشرق الأوسط معضلة حقيقية تنعكس آثارها على الأمن القومي والاستقرار العام في الشرق الأوسط، فلا يمكن للشرق الأوسط أن ينعم بالسلام دون حل القضية الكردية حلّاً شاملاً وعادلاً في الشرق، فاقتسام كردستان بين أربع دول يجعل تلك الدول مهدّدة بشكل دائم وأبدي، ويخلق مجتمعاً مشرذماً ضمن الدولة الواحدة، ولا يمكن أن تسيطر تلك الدول، وتفرض سيطرتها على كامل جغرافيتها السياسية طالما هناك جزء من شعب تلك الدولة يشعر بالغُبن، وهناك من يطالب بحقوق ذلك الشعب، وذلك ما يخلق فجوة لكل دولة ترغب في زعزعة الاستقرار في أي دولة مستعمرة لجزء من كردستان، وخير مثال ما مر عبر التاريخ بين الحكومة الإيرانية والعراقية، فنجد أنّ الحكومة العراقية تنازلت عن المطالبة بالخليج العربي مقابل إيقاف الدعم الذي كانت تقدمه الحكومة الإيرانية للكُرد الثائرين ضد الحكومة العراقية، ومتكالبين على حقوقهم كحكم ذاتي، وسرعان ما عادت الحكومة العراقية في عهد صدام حسين وطالبت بالخليج العربي الذي اعتبر مقايضة بين إيران والعراق، ممّا خلق حرباً دامت لسنوات عدة تم فيها تدمير الاقتصاد العراقي والإيراني، وزعزعت الاستقرار في تلك الدولتين كذلك الحكومة السورية التي احتوت حزب العمال الكردستاني المطالب باستقلال كردستان الواقعة تحت سيطرة تركيا، ممّا خلق أزمة بين الدولتين، يضاف إليها تدمير الاقتصاد التركي عبر خوضها حرباً ضد حزب العمال لسنوات عديدة، كانت محصلته خسائر بالأرواح والعتاد والاقتصاد، وما زالت تلك الحرب مستمرة، ولا يمكن أن تتوقف تلك الحرب إلّا بعد إيجاد حلّ للقضية الكردية في تركيا التي أشرف اقتصادها على الانهيار من جرّاء محاربتها الكرد، ويمكن أن نجد أن حزب العمال الذي عدل عن المطالبة بالاستقلال إلى نهج قائده عبد الله أوجلان الذي طرح مفهوم الأمة الديمقراطية الذي يتضمن نظاماً فيدراليّاً في الدولة الواحدة يضم مكوّنات عدة على أساس التعايش المشترك بين تلك المكوّنات على أساس فيدرالي ضمن الدولة الواحدة، والحقيقة لا يمكن أن تنعم تركيا بالاستقرار والأمن من دون إيجاد حل شامل للقضية الكردية، وذلك ينعكس على الدول المستعمرة لكردستان، فستبقى تلك الدول مهددة في أمنها واستقرارها واقتصادها، لطالما هناك فجوة بين صفوف شعبها يمكن لأي دولة أن تتسلل من خلاله وتعبث بأمنها واقتصادها، والحقيقة أنّ الازمة الخانقة التي تعيشها تركيا سببها القضية الكردية.

والحقيقة التي تختفي خلف عدم وجود الاستقرار والأمن في سورية في عهد النظام وحتى عهد الثورة السورية عام 2011 هو عدم التعامل مع القضية الكردية في سورية بالطريقة الصحيحة، وعدم البحث عن الحل، فبدل الحل نجد النظام البعثي تعامل مع القضية الكردية على أساس عنصري وشيوفيني، ممّا أجج الصراع بين الكرد والحكومة البعثية، ومن المؤسف أن المعارضة نهجت نهج النظام البعثي، وراحت تغزل على مغزلة “بلاد العرب أوطاني” بالرغم من أنّ بلاد العرب رفضت أن تستقبل لاجئاً سوريّاً واحداً، ونجد أنّ الحريري الذي يتزعم الائتلاف السوري المعارض هو ذاته حفيد محمد طلب هلال، ولا يكاد أن يختلف عنه بشيء في عنصريته وشوفينيّته، والبعض يبحث عن التقارب بين المعارضة والإدارة الذاتية وهو ضرب من ضروب الخيال، فلا يمكن أن يوجد ذلك التقارب بوجود العقلية الشوفينية التي لا تعترف بوجود الطرف الآخر، فشيخ المعارضين السوريين هيثم المالح يصرّح بأن الكرد تعوّد أصولهم إلى قبائل عربية، وهم ليسوا سوى نوع من أنواع الجن، وليس لهم وجود في سورية، يضاف إلى ذلك أنّ المعارضة السياسية لا تمتلك على الأرض السورية أيّ أرضية أو مؤيدين، وهي تستظل في ظل الكتائب المسلحة التي لا تقتاد بها أبداً، وتكاد لا تعترف بوجودها.

الكرد والسياسة الدولية: يأتي في أول الأسباب التي لم تجعل القضية الكردية قضية دولية وقوعها وتجزئتها بين أربع دول ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للدول العظمى، فدائماً كانت خسائر الكرد في معاركهم استرضاء للدول المحتلة لكردستان، من الثورات في الجزء المحتل من قبل تركيا إلى مهاباد مروراً بثورة المرحوم الملا البرزاني كان فشل تدويلها يعود إلى استرضاء القوى العظمى في العالم للدول المستعمرة لكردستان، خاصة في عهد الحرب الباردة بين تياري القوى العظمى؛ حلف وارسو وحلف الناتو، فكلا القطبين كانا في سباق لاستمالة الدول المحتلة لكردستان على حساب القضية الكردية، وظهرت مقالة “حق الشعوب في تقرير مصيرها” ليست إلا مقالة تأخذ بها الدول العظمى وفق مصالحها، ويضاف إلى ذلك موقع كردستان بين أربع دول محتلّة لها، جعل النزاع بين أحد هذه الدول وأي دولة عظمى يرجح الميزان إلى استرضاء الدول المحتلة الباقية، فنجد بالرغم من الصراع بين إيران والولايات الأمريكية المتحدة، يجعل هذه الأخيرة تغضّ النظرعن الخروقات والإعدامات التي ترتكبها إيران بحق الكرد استرضاء لتركيا الحليف الأقوى في الشرق الأوسط، وبعد انتهاء الحرب الباردة نجد ظهور روسيا  كقوى عظمى هي الأخرى تغضّ النظر عن القضية الكردية؛ أملاً في استمالة أحد الدول المحتلة لكردستان طمعاً في كسبها كحليف لها، كل تلك الصفقات تجري على حساب القضية الكردية، وليست بالبعيدة عن ذلك أوربا التي تقودها بريطانية وألمانيا وفرنسا، نجدها دائماً تكتفي بالتنديد والاستنكار حسب ما تتطلبه مصالح تلك الدول، فالعلاقات التجارية بين تركيا وألمانيا جعلتها ملجومة أمام الانتهاكات ضد الكرد في تركيا، وكذلك في إيران، والعراق وسوريا، والحقيقة التي تكشفت في ظل العولمة التي عرت كل الدول وبانت على  حقيقتها، فالقانون الإنساني ليس إلا شعاراً يرفع حسب ما تتطلبه مصالح القوى العظمى، حتى أوربا باتت تحت إبط الولايات الأمريكية المتّحدة، ولم تعد قادرة على الخروج من تحت إبطها، وربما كانت البداية من مشروع الماريشال الأمريكي عقب الحرب العالمية الثانية التي خرجت فيه أوربا منهكة فاستنهضتها الولايات الامريكية المتحدة، في مواجهة الاجتياح السوفيتي الاشتراكي فمازلت أوربا تأتمر بأوامر الدول الأمريكية، وكلنا سمع ما قاله ترمب رداً على الرئيس الفرنسي حين طالب بوقف الغزو التركي لشمال وشرق وسوريا” فلتذهب فرنسا وتقاتل إلى جانب الكرد” وفي المحصلة نجد أنّ القضية الكردية لها انعكاساتها على السلم والأمن في الشرق الأوسط بشكل مباشر، كما هي القضية الفلسطينية، فلا يمكن الوصول إلى أمن وسلام في الشرق الأوسط لطالما هناك تفكّك وتشرذم بين شعوب معظم دول الشرق الأوسط، وليست بالبعيدة عن ذلك دول الخليج العربي التي تستظل تحت ظل اقتصادها القوي والذي يعتبر اقتصاداً وهمياً، فنجد أن ذلك الاقتصاد هو عبارة عن اقتصاد إنتاجي يعتمد على إنتاج النفط، بينما الصناعة والتكنولوجيا الوطنية مازالت تعاني من الضعف في ظل الشركات العالمية الرأسمالية، ومعظم دول الخليج تعاني من الصراع والتشرذم بين السنة والشيعة إلى جانب صراع قبلي بين القبائل الحاكمة والقبائل المحكومة، وسيأتي اليوم الذي تنفجر فيه تلك الصراعات المتخفية.

وفي النتيجة يمكن أن نورد أسباب فشل إيجاد حل القضية الكردية في الدول المستعمرة لكردستان.

ـ اعتماد الكرد في ثوراتهم، في عهد الكفاح المسلح التي حققت فيه معظم الشعوب استقلالها، على الدول المستعمرة لكردستان فتم استخدام الثورات الكردية كورقة ضغط على الحكومات التي ظهرت الثورة في دولها، والأمثلة كثيرة، مثال الملا البرزاني الذي اعتمد في ثورته على إيران الشاهشانية التي كانت ترغب في تحقيق مصالح مع الحكومة العراقية، وكان ذلك الدعم المقدم للبرزاني على حساب الكرد في إيران حتى أنه ساهم في قتل عدد من عناصر الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، وكذلك اعتماد حزب العمال الكردستاني على النظام السوري الذي كان يرغب في تحقيق مصالح لدى النظام التركي.

ـ انتهاج معظم الأحزاب الكردية للنظرية الماركسية والانخراط في صراع الحرب الباردة الدائرة بين الاتحاد السوفيتي وأميركا، ومن المؤسف أنّ الاتحاد السوفيتي لم يكن جاداً في دعمه الثورات التحررية في العالم كما كان يدعي، وتبيّن أنّه يسعى إلى تحقيق مصالح استراتيجيّة مع الدول المستعمرة لكردستان لخلق توازن قوى استراتيجية مع القطب الآخر بقيادة الولايات الامريكية المتحدة.

ـ معادات الكرد للرأسمالية والوقوف في قطب الاشتراكية التي أثبتت فشلها كنظرية، ممّا جعل القطب الآخر بقيادة الولايات الامريكية المتحدة وحلفائها الأوروبيين يقفون موقفاً عدائياً تجاه الكرد وقضيّتهم.

ـ معاداة الأحزاب الكردية للدين، ومحاربته في ظل تعصّب دينيّ أعمى متفشٍّ بين الشعب الكردي، ممّا جعل الأحزاب السلطوية والحكومات المستعمرة لكردستان، تستغلّ ذلك النهج لصالحها، وخلق عداء بين الشعب الكردي لتلك الأحزاب والعمل على توطيد دعائم التعصّب الديني بين الشعب الكرديّ.

ـ تشرذم الأحزاب الكردية بين القبلية والعشائرية والمصالح الشخصية وارتباطاتها المشبوهة مع الأنظمة المستعمرة لكردستان.

ـ تباين الثقافات بين الشعب الكردي الواحد، وذلك لمحاولة كل دولة مستعمرة لكردستان أن تُطبع الجزء الذي يقع تحت سيطرتها بالطابع القومي والديني والمذهبي والثقافي لتلك الدولة، ممّا خلق تبايناً ثقافيّاً بين شعب كلّ جزء من أجزاء كردستان.

ـ التفكك الاقتصادي بين الشعب الكردي أيضاً ساهم في التباعد الاقتصادي، وأنواع المفاهيم الاقتصادية، فنجد أنّ الكردي المستعمر من قبل إيران يبعد الكردي المستعمر من قبل تركيا في أفكاره الاقتصادية ومفاهيمه السياسية.

ـ تخلف شعوب الدول المستعمرة لكردستان وتعصبها لقومياتها وطائفتها وإنكارها للآخر، والسبب يعود إلى الصحوة القومية المتأخرة لدى شعوب تلك الدول، واستغلال حكومات تلك الدول لتلك الصحوة لأجل الحفاظ على السلطة لأطول مدة ممكنة في ظل إيجاد حروب مفتعلة، وأعداء مفتعلين لقومياتها.

ـ سيطرة الدول ذات القوى العظمى على المنظمات الدولية التي ترعى الأمن والسلم العالمي، ما جعلها تأتمر بأوامر تلك الدول، وعلى رأسها الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومراعاة مصالح تلك الدول في العالم، وتبنّي مفاهيم دولية نسبية يتم تطبيقها حسب المصالح العامة للدول العظمى.

الحلول المقترحة

ربما تكمن الصعوبة الكبرى في حل القضية الكردية هي معاصرتها  زمن حروب التحرير الشعبية، وزمن الحرب الباردة ثم الحرب التكنولوجية  في ظل العولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، ويضاف إليها تحول العالم من عالم ذي قطبين إلى عالم أحادي القطب ترعاه الولايات الأمريكية المتّحدة، ومن المؤسف أن الأحزاب الكردية ما زالت تحافظ على جلّ أفكارها في عهد حرب التحريرالشعبية المنتهجة للأفكار الماركسية، ولم تستطع أن تجدّد أفكارها وفق متطلبات العصر، وما زالت تعادي الرأسمالية المجانبة للإنسانية، بالرغم من حقيقة جميع ما يرد عن الرأسمالية واستغلالها للإنسان والطبيعة، وهي تعمل على جني الثروات والأرباح عبر تطور تلك الرأسمالية إلى شركات عالمية باتت تتحكم بمفاصل أدق تفاصيل الحياة في العالم.

الأمة الديمقراطية: ربّما البديل المطروح عن الفكر الماركسي والرأسمالي هو نظرية الأمة الديمقراطية التي ولدت وترعرعت في قلب الرأسمالية على يد المفكر والفيلسوف الأمريكي ” موراي بوكتشين” وقام بتطويرها على نطاق واسع، القائد والمفكر عبد الله أوجالان، وهي عبارة عن نهج فلسفي متكامل من حيث يقوم على أساس حقيقة الكوانتم الحر في حركته المنتظمة مع بقية المكونات، تتمحور فكرة الأمّة الديمقراطية على أساس العيش المشترك بين جميع المكونات في أي دولة وعلى مستوى العالم، واحترام الإنسان بغضّ النظر عن أفكاره ودينه ومذهبه، واحترام الطبيعة الإنسانية والعودة إلى المجتمع الطبيعي “المجتمع البدائي” واحترام الطبيعة واستغلالها وفق ما يكفي لحاجات الإنسان، و تقوم تلك الأفكار على أساس أفقية السلطة، على عكس ما هي عليه الآن بشكل هرمي، وتبدأ من سلطة الكومين على مستوى القرية والحي ثم المجالس على مستوى المدن، ويمكن صياغة ذلك المفهوم ضمن نظام الفيدرالية الواقعية، والتي تعني الاتحاد والتعايش المشترك بين جميع المكونات والأثنيات على اختلاف بنيتها الفكرية والثقافية مع الحفاظ على خصوصية كل مكون أو أثنية، ومفهوم الدولة لدى الأمّة الديمقراطية هو مفهوم إداري غايته تحقيق الرفاهية للإنسان.

وفي الحقيقة هذه التجربة تحتاج إلى مجتمع راقٍ في ثقافته وأخلاقه، وأشدّ ما تواجهه من صعوبات، صعوبة نجاحها كونها معادية للرأسمالية التي تعتبر المحور الرئيس الذي يقود العالم عبر شركاته العالمية وفق نهجه العولمي.

وفي النهاية لا يمكن أن ينعم الشرق الأوسط بالسلام والأمن دون إيجاد حل للقضية الكردية، والصراع الأثني بين مكونات الشرق الأوسط، فايجاد حل للقضية الكردية في الشرق الأوسط يعني القضاء على الخلخلة المجتمعية في الشرق الأوسط، وربما إيجاد الحل للقضية الكردية سيجلب للشرق الأمن والأمان والسلام، ويقضي على الكثير من الصراع الأثني بين مكونات الشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى