أبحاث ودراساتأحمد العنانيافتتاحية العددمانشيتملف العدد 55

إيران ما بين الدبلوماسية التقاربية والعداوة الظاهرية

أحمد العناني

أحمد العناني

لن يغير تبدُّل النظام داخل إيران من معتدل إلى محافظ طبيعةَ الاستراتيجية الإيرانية، سواء من الناحية السياسية أو حتى الدبلوماسية، وذلك لطبيعة علاقة إيران بجوارها.

ثمة مواقف ظهرت من النظام المتشدّد داخل إيران، تظهر مدى العداوة الدائمة لهذا النظام منذ قدوم إبراهيم رئيسي رئيساً لها، فعلى الرغم من محاولة النظام الإيراني تجميل صورته التي دائماً ما يُتّهم بها من محيطه الإقليمي قبل الدولي، على أنها طائفية ومذهبية، وهدفها تخريب استقرار الدول المجاورة من خلال أذرعه في المنطقة، إلا أن الواقع يفرض علينا جميعاً كمراقبين أننا نتفق مع هذا الطرح والرؤية الإقليمية.

إن ما تقوم به إيران وما تجريه من محاولة للذهاب نحو إقامة علاقات مع دول الجوار، خاصة مع السعودية والإمارات من قبل طهران، ما هو إلا محاولة لتجميل الصورة السيئة التي مُني بها نظام الملالي في الدولة الإيرانية، بعد ثورة 1979من خلال إقامة نظام ثيوقراطيّ دينيّ قمعيّ للشعب في الداخل، ولتهديد المنطقة في الخارج.

أما الآن فإن إيران تريد أن تُصدّر الدبلوماسية التقاربية لدول الجوار، من أجل هدف واحد من وجهة نظري وهو عدم مجيء أيّ قوات حليفة لدول الخليج مستقبلاً، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل  وجرّها للحدود الإيرانية بحرياً من قبل السعودية والإمارات والبحرين، بعد أن وقّعت أبو ظبي والمنامة معاهدة أبراهام التاريخية التي قرّبت المسافات، وطابقت الرؤى حول كيفية التنسيق للتصدي لأعمال إيران الخبيثة والمزعزعة للاستقرار، وذلك بعد إجراء مناورات عسكرية أمريكية إماراتية بحرينية إسرائيلية في البحر الأحمر، والتلويح بقرب مناورات قادمة في بحر عمان.

هناك مواقف عديدة وسياسة ثابتة وإيديولوجية متطرّفة، تثبت أن نظام إيران المتشدّد سيظل أمام المجتمع الدولي نظاماً مارقاً لا يحترم المعاهدات، ويتّخذ الاتفاقيات ذريعة للمضيّ قدماً فى تنفيذ أجندته.

  • الاتفاق النووي مثال على ذلك

رغم انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، إلا أنّ إيران ما زالت تصعّد في الملف النووي، حيث رفعت معدّل وتيرة التخزين والتخصيب الذي تجاوز الحدّ الأدنى ليصل التخصيب إلى ٦٠٪ من خلال أجهزة طرد مركزي متقدمة، وهذا ما ترفضه الدول الأعضاء 4+1 في المفاوضات مع قرب الجولة السابعة للمفاوضات في فيينا.

  • أذرع ومليشيات إيران

أحد أسباب العداوة الظاهرية وازدواجية المعايير من قبل إيران بجوارها الإقليمي، هو الحديث عن مقاربة خليجية وحوار إستراتيجي مع السعودية، في وقت تُصدّر إيران الأسلحة للحوثي للهجوم على خميس مشيط وأبها، كما حدث سابقاً من تعدٍّ على أرامكو في بقيق وأخريص.

إن الدعم المالي والعسكري  لحزب الله، الذي يتدخّل في مصادرة القرار السيادي للدولة اللبنانية من أجل التفرّد الإيراني بلبنان، باعتباره أحد دول الهلال الشيعي الذي تحدّث عنه خامنئي قبل ذلك، كدول نفوذ لإيران في المنطقة مع كلّ من سوريا والعراق، والدعم الواضح للمليشيات العراقية حتى بعد سقوط الأحزاب الموالية لإيران في الانتخابات التشريعية القريبة، لقد أرادت إيران أن تحدث استقطاباً سياسياً داخل العراق بين مكوّناته وأحزابه حتى تُدار بغداد كما كانت في السابق من قِبل طهران، من خلال سليماني وأحزاب موالية للمرشد الأعلى داخل بغداد، ولكن تبقى إيران دولة ذات سياسة غير متّزنة بسبب إيديولوجية الحكم المتعاقبة، حتى لو استخدمت ما يسمى بالدبلوماسية التقاربية، لمحاولة تغيير صورتها أمام المجتمع الدولي، كدولة منفتحة غير إيديولوجية، وليست صاحبة أطماع وعداوة ظاهرية سواء للمجتمع الدولي أو لدول الجوار، وبالتالي لن يتبقّى أمام إيران إلا فرصة واحدة إن أرادت أن يكون هناك قبول لها داخل الأسرة الدولية، وهي الكفّ عن التدخلات في شؤون الدول واحترام سيادة دول الجوار، وعدم دعم المليشيات التي تستخدمها لتسييس ملفّات عديدة إقليمياً ودولياً.

إن تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الكشف عن نشاطاتها النووية غير السلمية، خاصة وأن هناك تعنّتاً واضحاً من الحكومة الإيرانية، في ملفّ المنشآت النووية مع الوكالة الدولية، وهذا ما أوضحه “رافائيل غيروسي” أمين عام الوكالة الدولية في عدم مساعدة الجانب الإيراني للمنظمة في تسهيل تفتيش بعض المواقع التي تعمل بالماء الثقيل، ومراجعة كاميرات المراقبة، وكل هذا يجعل من إيران محلّ شكّ في نيّتها بخوض جولة من المفاوضات بحسن نية مع الدول الكبرى.

بالطبع “رئيسي” أمام اختبار صعب؛ إما الوصول لحلّ من أجل رفع العقوبات، وإما الاستمرار في مسلسل توقيع عقوبات على كافة القطاعات، ما سيدفع ثمنه الشعب الإيراني في وقت يسعى فيه المتشدّدون أن يلقوا باللوم على الحالة الاقتصادية المتدهورة في الوقت الحالي على حكومة روحاني، والاستمرار في التصريحات التي اعتاد المحافظون إطلاقها على الشيطان الأكبر؛ أمريكا وإسرائيل اللتين لا تريدان لإيران التقدم.

رغم تغيّر الأنظمة داخل إيران، تبقى الازدواجية في المعايير ما بين تقديم المقاربات الدبلوماسية والعدوات الظاهرية، هي السائدة في الأنظمة الإيرانية، بل توسّعت بشكل مفضوح في ظل حكم إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني المتشدّد، والذي يحاول تقديم وجه آخر لدول الجوار يشمل المقاربات والتفاهمات وإجراء حوارات إستراتيجية، تشمل عدم تدخّل إيران في شؤون المنطقة، ولكن ما تقدمه إيران لا يدلّ بأن هناك نية لأن تكون دولة معتدلة تعتمد بالفعل على التقارب الدبلوماسي، بعيداً عن العداوة العلنية التي باتت مكشوفة أمام المجتمع الدولي برمّته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى