افتتاحية العددمانشيتملف العدد 54ولاء عبد الله أبو ستيت

 الأزمة وإدارتها: إدارة الأزمات الدولية نموذجًا

ولاء أبو ستيت

 

ولاء أبو ستيت

ولاء عبد الله أبو ستيت
ولاء عبد الله أبو ستيت

مقدمة:

تعيش البشرية في الوقت الراهن عصر الأزمات بامتياز، في ظل أزمات متلاحقة في مختلف مجالات الحياة، ولعلّ أكبر هذه الأزمات التي تتخذ إطارًا دوليًا، هي أزمة كوفيد 19 التي تقترب من عامها الثالث، وتتعاظم تأثيراتها رغم مساعي مواجهتها وإداراتها.

ومع كل ذلك تبقى إدارة الأزمات من أهم الشواغل التي تسعى الدول إلى تعزيزها في كافة المجالات، كما أنّ وحدات إدراة الأزمات أصبحت عنصراً أساسياً في الوزارات وفي المشاريع الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية، لمواجهة أية أزمة بطريقة علمية.

وفي هذا السياق يأتي موضوع البحث حول إدارة الأزمة، والتي أصبحت علمًا واضح المعالم، وبالأخص إدارة الأزمات الدولية، والتي برزت في بداية ستينيات القرن الماضي، بينما كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في أوجها، وعلى المحكّ برزت أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962، كإحدى أبرز الأزمات في تاريخ البشرية بسبب الخطر الحقيقي للحرب النووية بين القوى العظمى، فكانت هذه الأزمة بمثابة قنبلة موقتة لظهور حرب عالمية ثالثة ذات أبعاد نووية.

واعتُبرت هذه الأزمة بمثابة التحدي البارز الذي تمّ معه ظهور مصطلح الأزمة، والتعامل معها وفقاً للإطار الفعلي، لتكون أوّل أزمة فعلية يُطبق عليها الإطار العلمي والعملي لإدارة الأزمات، ولتدشّن مسار إداراة الأزمات في السياق الدولي.

وفي السياق فإن هذه الورقة البحثية ستضمّ مبحَثين رئيسيين؛ الأول: الإطار النظري، ويضم:

أولًا: مفهوم الأزمة

ثانيًا: أسباب الأزمة

ثالثاً: مراحل إدارة الأزمة

ويأتي المبحث الثاني؛ ليشمل دراسة الحالة، ويعرض أول أزمة دولية يتم التعامل معها في السياق العملي لإدارة الأزمات، وهي أزمة الصواريخ الكوبية.

  • الإطار النظري: الأزمة.. رؤية مفاهيمية

منذ فجر التاريخ والإنسان يقابل في حياته الأزمات حتى من قبل الدخول في الإطار التنظيمي، في ظل دولة أو حتى في كيان اجتماعي أقلّ، وظلّ التعامل معها بأطر وأساليب تتطور مع تطور التكوين الاجتماعي وتدرّج المراحل، وذلك وصولًا للسياق العلمي في التعامل مع الأزمة وإدارتها

أولًا: مفهوم الأزمة الدولية

الأزمة في سياق تعريفها الأولي هي أزمات مفاجئة تطرأ على الوضع الداخلي للدولة أو المنظمة، أو على الوضع الخارجي بسبب عوامل بعينها، ولكن في هذا السياق وقبل التطرّق أكثر لتعريفات الأزمة المتعددة، فإن هناك مفاهيم وتسميات أخرى شائعة لا بدّ من التفرقة بينها وبين الأزمة، ومن بينها:

الكارثة: وتُعدّ من أكثر التسميات قرباً من الأزمة إلى حدّ الالتصاق، فالكارثة قد تؤدي إلى أزمة أو أزمات، وكذلك الأزمة قد تتحول إلى كارثة حالَ لم يتم التعامل معها وإدارتها.

المشكلة: وهي تغيير غير محسوب يحتاج إلى مزيج من مهارات التخطيط والاحتواء لدى الإدارة لمواجهتها.

الأزمة: هي حدث أو موقف غير متوقع يهدد أفراداً أو منظماتٍ على البقاء، أما الأزمة الدولية فتتعدد تعريفاتها، ومن بينها تعريف أمين هويدي، بأنها “سواء كانت إقليمية أو عالمية فهي: مجموعة من التفاعلات المتعاقبة بين دولتين أو أكثر، تعيش في حالة صراع شديد يصل إلى احتمال عالٍ لنشوب الحرب، ويواجه صانع القرار موقفاً يهدد المصالح العليا لدولته في ظل ضيق الوقت”.

ثانيًا: أسباب الأزمات الدولية

تنبع الأزمات نتيجة عدة أسباب تؤدي إلى وقوعها، وهي أسباب كثيرة من بينها: سوء الفهم، سوء الإدارة، سوء التقدير، الشائعات، استعراض القوة، إستراتيجية افتعال الأزمات، تعارض الأهداف والمصالح.

ثالثًا: مراحل إدارة الأزمة وتطورها

تمر الأزمة بعدة مراحل، يختلف عددها وفقًا لتعدد المدارس المتخصصة في السياق، لكنها في العموم تمر بثلاث مراحل، هي: مرحلة ظهور الأزمة، مرحلة التصعيد، وأخيرًا حل الأزمة.

 

وستقدم الورقة الرؤية التحليلية للأزمة وإدارتها عبر القسم الثاني منها، والتي تقيم رؤية تحليلية عبر دراسة الحالة، متناولة أول أزمة في العلاقات الدولية تم التعامل معها بسياق إدارة الأزمات الدولية، ونجحت في الوصول إلى حل الأزمة وإيقاف حرب كانت وشيكة.

ب- دراسة الحالة: أزمة الصورايخ الكوبية

بداية ستينيات القرن الماضي بينما كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على أشدّها، والتهديد بالحرب النووية بين القوتين العظميين كان هاجسًا يؤرّق الجميع، في ظل حالة مطّردة من التسلح. وفي ظل حالة الشحن الكبيرة بين القطبين برزت على السطح أزمة كانت كفيلة باندلاع حرب عالمية ثالثة، لولا الحكمة في إدارة الأزمة التي تم التعامل معها بإطار علمي يؤصل لإدارة الأزمات الدولية برؤية متوافقة بين الطرفين، لتنهي بذلك الأزمة بحيث لا تصل إلى مرحلة الاحتراب.

تمثلت تلك الأزمة فيما أطلق عليه وقتها أزمة الصواريخ الكوبية، أو أزمة الكاريبي (أكتوبر 1962).

الوضع الدولي المرافق لبروز الأزمة:

كان العالم قبيل بروز أزمة الصواريخ الكوبية، أو أزمة الكاريبي (وفقا للطرح السوفيتي)، في حالة تصعيد وتشاحن كبيرة، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة بكوبا، التي شكلت أزمة للولايات المتحدة بسبب المخاوف الأمريكية من تصدير الثورة الشيوعية إلى أمريكا اللاتينية، فجاءت خطة الـ CIA المعروفة بمحاولة غزو خليج الخنازير في أبريل 1961، عبر مجموعة من المنفيين الكوبيين.

ورغم الفشل في محاولات الغزو الأمريكي في خليج الخنازير، إلا أن الإدارة الأمريكية صعّدت من تحركاتها السرية في مواجهة النظام الكوبي في إطار العملية “النمس” التي طرحها روبرت كيندي شقيق الرئيس الأمريكي جون كيندي في وقتها، الأمر الذي اعتبر أحد أبرز صور التصعيد .

جاء بعد ذلك نصب الولايات المتحدة الأمريكية لخمسة عشر صاروخ “جوبيتر” المزودة برؤوس نووية في تركيا، تتحكم فيها الولايات المتحدة.

نشأة الأزمة:

اكتشفت الولايات المتحدة وجود قواعد صواريخ سوفيتية متوسطة المدى تحت البناء في كوبا، على مقربة من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي قد يمكّن موسكو من تعويض تخلفها في مجال الصواريخ البالستية بعيدة المدى.

الهدف الرئيسي للاتحاد السوفيتي من نشر الصواريخ في كوبا:

كان السبب البارز هو الدفاع عن كوبا ضد هجوم آخر من جانب الولايات المتحدة في خليج الخنازير، وهو ما أكده المؤرخ الأمريكي جون جاديس.

أما وزير الدفاع السوفيتي السابق المارشال ديميتري يازوف، الذي كان في هذا التوقيت ضمن الحملة في كوبا، وراجع فيما بعد كافة الوثائق الخاصة بالأحداث، فيؤكد على أن السبب الرئيسي لإرسال الصواريخ إلى كوبا جاء رداً بالأساس على الصواريخ الأمريكية المنصوبة في تركيا، وكذلك في أوروبا، (إيطاليا بالأساس).

مراحل التطور:

أولا: ظهور الأزمة

كان عنصر المفاجأة للولايات المتحدة الأمريكية بنشر الصواريخ الروسية في كوبا، بمثابة الحدث الذي شكل أزمة كبرى لصنّاع القرار في الولايات المتحدة، لا سيما أن الأمر بدأ ينال ردود أفعال صعبة في الداخل الأمريكي، حتى أن الأمريكيين في المناطق القريبة لكوبا بدؤوا بالنزوح شمالاً، الأمر الذي شكل أزمة كبرى خاصة في ظل تصعيد الإعلام الأمريكي للحالة، والأمر الذي وصل إلى حدّ نشر خريطة بالصواريخ السوفيتية المنصوبة في كوبا والإشارة للمدينة الأمريكية التي سيستهدفها الصاروخ.

واكتشفت المخابرات المركزية الأمريكية مصادفة في أكتوبر 1962 قواعد لصواريخ سوفيتية متوسطة المدى تحت البناء في كوبا، على مقربة من الولايات المتحدة، ما يمكّن موسكو من تعويض تخلفها في مجال الصواريخ البالستية بعيدة المدى.

كانت الأزمة الأبرز للولايات المتحدة ورغم توقع حدوث تصعيد من جانب الاتحاد السوفيتي، هو أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لم تفطن لهذه الخطوة مبكراً، حتى تفاجأت ببعض الصواريخ المنشورة على الأرض.

وفي حديث لدميتري يازوف، وزير الدفاع السوفيتي الأسبق، قال إن الولايات المتحدة لم تعرف شيئاً عن الصواريخ إلا بعد وقت كانت فيه القوات الروسية قد انتشرت على الأرض في كوبا.

ويسرد يازوف أن الرئيس خروشوف، وخلال زيارة له إلى بلغاريا في مايو 1962 وكانت صواريخ جوبتر الأمريكية قد نُشرت في تركيا، كما نُشرت صواريخ في إيطاليا، ولدى عودته من بلغاريا أدرك مدى قِصَر المسافة مع الدول الأوروبية وطرح نشر صواريخ في كوبا.

فور عودة خروشوف وبعد رحلة استجمام في القرم، بدأ في طرح الأمر وبدأ التنفيذ على الأرض وبصورة سريعة، وحتى غير مدروسة الجوانب وفقاً لدميتري يا زوف.

كانت كوبا القريبة من الولايات المتحدة المكان الأمثل، وفي نفس الوقت دعم حالة الارتباط الفكري بين الاتحاد السوفيتي ونظام فيدل كاسترو هناك، وبدأت رحلة الخداع الإستراتيجي عبر وفد زراعي برئاسة رئيس أوزباكستان وضمن الوفد قادة عسكريون استطاعوا الاتفاق مع كاسترو، وبدأ التحضير واختيار الأماكن والأرضية التي ستُزرع فيها الصواريخ.

جاءت الأمور مفاجئة، لكن روسيا أرسلت كل شيء وبدأت الأفواج في الوصول إلى كوبا، وبعثت سرباً كاملاً من القاذفات النووية، وطائرات حاملة للقنابل النووية، منها (طائرة L28) التي كان يمكنها قصف ميامي مثلاً.

واستخدمت روسيا 85 سفينة لهذا الغرض، ولم يُكتشف الأمر بسبب حالة التمويه التي فرضتها موسكو على العملية.

ويقول يازوف إن الولايات المتحدة لم تكتشف الأمر بمفردها، وإنما أبلغها بذلك المستشار الألماني آنذاك (كونراد أديناور) الذي أبلغ الرئيس كيندي بالأمر، عبر جاسوس في الكريملين أرسل المعلومة للسفارة الألمانية في موسكو.

وصلت في هذا الوقت إلى كوبا أربعة أفواج ميكانيكية وكتيبتا مدرّعات، بها أكثر من 120 دبابة، وكانت مهامها منع أي إنزال برّي على كوبا.

وهنا كان عنصر المفاجأة لأمريكا التي اكتشفت بعد عمليات استخباراتية للتأكد من المعلومة، أن الأرض الكوبية أصبح بها انتشار لصواريخ سوفيتية، في الوقت الذي كانت المعلومة لدى كيندي وقتها أن كوبا بها 11 ألف خبير زراعي سوفيتي.

كيف أدارت الولايات المتحدة الأزمة؟

وفي هذه الجزئية سنتطرق إلى الدور الذي تعاملت به الولايات المتحدة مع بروز الأزمة، التي هناك اختلاف على توقيت التعرّف عليها فعلاً، وهل سبق ذلك أكتوبر 1962، أو أن الأمر سبق ذلك.

شكلت الولايات المتحدة خلية أزمة بالمعنى الحديث، وبدأت في تدارس الأزمة المفاجئة التي تشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة.

وكان هناك اختيار بين ثلاثة بدائل، كان على الرئيس جون كيندي الاختيار فيما بينها، بعد طرحها من المسؤولين الأمريكيين، وهي:

الأول: يتمثل في هجوم عسكري مباشر ضد كوبا يسبقه هجوم جوي خاطف لتدمير قواعد الصواريخ السوفيتية.

الثاني: الاكتفاء بتدمير هذه القواعد دون أم يمتد الأمر إلى هجوم شامل ضد كوبا، لإسقاط نظامها القائم والموالي للسوفييت آنذاك.

أما الخيار الثالث: فتمثل في فرض حصار بحري على الشواطئ الكوبية.

كانت الأزمة الأبرز أن الاقتراحين العسكريين الأولين، يحملان في طياتهما خطر وقوع حرب نووية عامة بين الطرفين مما يزيد حدة الأزمة، ومن هنا اختارت الإدارة الأمريكية فرض الحصار البحري.

كان القادة العسكريون الأمريكيون يرون أن الحل يكمن في هجوم جوي مكثّف على كوبا، لتدمير المباني الأسطوانية الشكل لقواعد الصواريخ.

انقسم رؤوس هيئة الأركان المشتركة إلى قسمين فيما يتعلق بالحكمة من الغزو.

وكان ذلك في 19 أكتوبر 1962، وقال وقتها الرئيس كيندي لشقيقه روبرت كيندي المدّعي العام، والذي بدأ في دخول المعترك السياسي مع شقيقه، حتى أنه كان مهندس عملية النمس، الرامية لإسقاط النظام الكوبي والوصول إلى حالة ثورة مضادة، قال له “لم يعدْ أمامنا كثير من الوقت”..

واعتبر كيندي أن الخطر الأكبر في كل ما يجري، هو وقوع خطأ في الحسابات أو وقوع أية غلطة.

  • في 20 أكتوبر قرر الرئيس كيندي فرض الحصار على كوبا، كما أصدر أوامره للجيش الأمريكي بالتجهيز لهجوم قوي على الجزيرة.
  • وضعت الولايات المتحدة في 22 أكتوبر حالة دفاع من الدرجة الثالثة، أي أقل بدرجتين من الحرب الشاملة.
  • خرج كيندي على الشعب الأمريكي ليقول إن الاتحاد السوفيتي يواجه حربا نووية محتملة إذا لم تسحب الصواريخ من كوبا.
  • 24 أكتوبر دخلت القوات الأمريكية حالة التأهب الدائم، وأرادت القوات الكوبية مهاجمة الطائرات الأمريكية، لكن قادة القواعد الروسية في كوبا استطاعوا كبح جماحهم.

ثانياً: مرحلة التصعيد

في 26 أكتوبر صعدت قوات تابعة لسلاج البحرية الأمريكية إلى سفينة شحن سوفيتية، وعلى أثر ذلك، تم تفويض القادة العسكريين السوفييت في كوبا للقيام باستخدام أسلحة ميدان نووية قصيرة المدى إذا بادرت أمريكا بالهجوم.

كان يوم 27 (السبت) أخطر أيام الأزمة، حيث أسقطت كوبا طائرة تجسس أمريكية، وهنا تخوّف نيكوتا خروتشوف من أن تباغت الولايات المتحدة بالرد بهجوم، في وقت كان يشك في قدرته السيطرة على “كاسترو” وعلى 40 ألف جندي سوفيتي كانوا موجودين في كوبا.

ثالثاً: مرحلة الحل

جاء الحل مشتركاً بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وكلا الطرفين كان على دراية أن المشهد سيذهب إلى مزيد من التعقيد، وأن الحرب النووية لن تكون نزهة، كما أنها غير مأمونة العواقب، خاصة أن الولايات المتحدة تتفوق على روسيا في هذا المجال، فوقتها كان لدى الولايات المتحدة الأمريكية خمسة آلاف رأس نووي مقابل 300 لروسيا فقط.

  • فكّر خروتشوف أن الأزمة تتعمق، وأرسل برقية لاتفاقية عاطفية طويلة تعرض اتفاقية جوهرها، أنه إذا وعدت الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا على الإطلاق فإن السوفييت سيسحبون أسلحتهم.
  • فكّرت الولايات المتحدة في بحث البرقية، لكن الموقف شابَهُ ارتباك عندما وصلت برقية ثانية من موسكو، تقترح قيام الاتحاد السوفيتي بسحب الصواريخ من كوبا مقابل سحب صواريخ جوبيتر الأمريكية من تركيا.
  • ونزع خروتشوف فتيل الأزمة في اليوم التالي عندم أعلن سحب الصواريخ من كوبا، مقابل تعهد أمريكا بعدم غزو كوبا.
  • في هذا الوقت قال جون كيندي: “إن العقل هو الذي انتصر في هذه الأزمة”.
  • وفي النهاية تحوّل الأمر للأمم المتحدة للوصول إلى قرار نهائي، وفق الاتفاق الأمريكي الروسي بين خروشوف وكيندي.

تشخيص الأزمة:

 

يذهب المؤرخون إلى أن سوء الإدراك خلق الأزمة، ويحدد روبرت ماكنمارا وزير الدفاع في حكومة كيندي أشكالاً عدة لسوء الإدراك هذا، منها:

  • موسكو كانت تعتقد أن الولايات المتحدة تنوي غزو كوبا للإطاحة بكاسترو.
  • واشنطن كانت تعتقد أن الاتحاد السوفيتي لن ينشر صواريخ خارج اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
  • اعتقد الزعماء السوفييت أنهم قادرون على نصب الصواريخ في كوبا سراً، ومن ثم وضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع لتتقبله عند كشفه.
  • اعتقد مستشارو كيندي خطأ أن بلادهم يمكن أن تستخدم القوة العسكرية، دون أن تثير ردّ فعل سوفيتي عسكري.
  • اعتقدت المخابرات المركزية أنه لا توجد رؤوس نووية في كوبا، إلا أنه كان هناك 36 رأساً حربياً لأربعة وعشرين صاروخاً بالستياً متوسط المدى.
  • لم تكن الولايات المتحدة تدرك أن القائد السوفيتي في كوبا، مفوّض باستخدام صواريخ نووية تكتيكية.

عوامل نجاح إدارة الأزمة:

كان من بين أهم العوامل لتجاوز الأزمة، حالة المرونة والتوفيقية من كيندي وخروتشوف، الأمر الذي جنّب العالم حرباً نووية خطيرة بين القوتين الأكبر في العالم.

الأمر الأهم هو تحليل الأزمة بشكل حكيم والتعرف على أن الحل لم يكن من الممكن أن يكون عسكرياً صرفاً، وأن أي مواجهة كانت ستؤدي في النهاية لكارثة ولإشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة.

دروس مستفادة:

  • يُعتبر أهم درس مستفاد من هذه الأزمة متمثلاً في وجود الخط الساخن بين الرئيسين الأمريكي والسوفيتي، والذي كان بمثابة صمّام أمان لئلا تقع أي مشكلة بين القوتين العظميين مستقبلاً.
  • الدرس الأهم هو انتباه جهات الأمن القومي في العالم، و كذلك الباحثون في مراكز الأبحاث، أنهم بدؤوا ينظرون باهتمام إلى مسألة إدارة الأزمات، وبدأ التفكير والسعي إلى تدريس وتدقيق ملفّات التفاوض وإدارة الأزمات.

نهاية الأزمة:

انتهت الأزمة بعد ما تمّ التوصل إليه من اتفاقات عبر المفاوضات بين البلدين، ووافق الاتحاد السوفيتي على سحب صواريخه من كوبا، وفي المقابل تعهدت الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا أبداً.

وعلى جانب آخر وافقت الولايات المتحدة على تفكيك وسحب صواريخ جوبتر النووية، التي نشرتها في تركيا وإيطاليا.

لكن رغم التأكيد على تفكيك الأسلحة النووية الأمريكية في إيطاليا، يبقى التساؤل حول حقيقة الوضع في قاعدة أنجرليك التركية، التي تُعدّ القاعدة الوحيدة خارج الأراضي الأمريكية التي تتضمن أسلحة نووية.

دور الإعلام في الأزمة وتهيئة الرأي العام:

كان الإعلام الأمريكي له دوره المؤثّر، وربما الضغط على صنّاع القرار في الولايات المتحدة، كما أنه ساهم في إحداث حالة من الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة، بدأت في إثرها حالة نزوح.

وأخيرًا وفي ظل المساعي الدولية في الوصول إلى سلام دائم، رغم الأزمات والأوضاع المضطربة التي تعيشها الدول في علاقاتها مع بعضها، وتشهدها الدول الكبرى في ظل مساعٍ لفرض هيمنة دولية وإقليمية مع صعود أقطاب جديدة غير الولايات المتحدة، التي كانت حتى وقت قريب منفردة في قيادة العالم، كقطب أوحد. وفي ظل أزمة كورونا التي أوقفت العالم في حالة عجز أدت به إلى اللجوء إلى إغلاق تام لمواجهة الأزمة، باتت إدارة الأزمات هي الورقة الأهم التي يحتاجها العالم في ظل ما يعيشه أيضًا من صراعات وحروب وأزمات كبرى، تحتاج إلى حكمة وإلى حلم لحلها، بدلاً من الخوض في مزيد من الأزمات التي قد تتخذ طابع الصراعات أو الحروب.

المراجع:

  • د.إسحق عزيز فريج، الصراع الأمريكي الكوبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2018.
  • د.مروان سالم العلي، استراتيجيات إدارة الأزمة الدولية: أزمة الصواريخ الكوبية أنموذجاً، مجلة جيل للدراسات السياسية والعلاقات الدولية ، ع19.
  • ديفيد جارنم، دراسات في النزاعات الدولية وإدارة الأزمة، مركز الأمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 1999.
  • جالس توستن كامب، أزمة الصواريخ الكوبية.. خمس وأربعون عاماً في الميزان، مقال منشور بمجلة القوة الجوية والقدرة الفضائية.
  • مقابلة تلفزيونية لوزير الدفاع الروسي السابق مارشال دميتري يازوف دور الإعلام، قناة روسيا اليوم، 2014.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى