دور الشباب في التغيير السياسي والاجتماعي والحد من العادات والتقاليد البعيدة عن المنطق العام وقضايا الانتماء والولاء والهوية الوطنية
أحمد زردشت
الشباب والسياسة
أمست ظاهرة الاهتمام بالشباب ظاهرة محلية وإقليمية وعالمية لاعتبار الشباب شركاء صناعة الحاضر وكل المستقبل ولهم دورٍ بارز ومميز في دعم مسيرة المجتمع، وتفعيل العملية التنموية الشاملة لاعتبارات بشرية وتنموية وسياسية وغيرها.
ومع أن التفكير في قضايا الشباب، ومشكلاتهم واهتماماتهم، وتوجهات ومحاولات إيجاد الحلول الملائمة على الأقل محاولات قديمة، إلا أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد تزايداً ملحوظاً بالاهتمام بهذه المسألة من قِبل العديد من المختصين كعلماء الاجتماع والنفس والتربية ورجالات الخدمة الاجتماعية وكل المهتمين بالقطاع الشبابي، إلى الحد الذي أدّى إلى ظهور ما يسمى بثقافة الشباب كثقافة فرعية متميزة، والتي تشير إلى وجود فكر وقيم واتجاهات وعادات تميزهم عن سائر الفئات الأخرى.
وسنعرج في أدناه بشيء من التفصيل عن مشاركة الشباب في الحياة السياسية
- مفهوم المشاركة السياسية
تعرّف المشاركة السياسية على أنها ((تلك المجموعة من الممارسات التي يقوم بها المواطنون، أو بها يضغطون بغية الاشتراك في صنع وتنفيذ ومراقبة وتقييم القرار السياسي اشتراكاً خالياً من الضغط الذي قد تمارسه السلطة عليهم)) وهذا يعني أن للمواطن حقاً ودوراً يمارسه في عملية صنع القرارات، ومراقبة تنفيذها، وتقويمها بعد صدورها. فهي إذن مساهمة الفرد في أحد الأنشطة السياسية التي تؤثر في عملية صنع القرار و/أو اتخاذه، والتي تشمل التعبير عن رأي في قضية عامة، والعضوية الحزبية، والانضمام لمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو التعاون معها، والترشيح في الانتخابات، وتولى أي من المناصب التنفيذية والتشريعية.
والمشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيسياً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة، دولة الحق والقانون والمؤسسات.
مراحل المشاركة السياسية:-
- الاهتمام السياسي.
ويندرج هذا الاهتمام من مجرد الاهتمام أو متابعة الاهتمام بالقضايا العامة وعلى فترات مختلفة قد تطول أو تقصر، بالإضافة إلى متابعة الأحداث السياسية. حيث يميل بعض الأفراد إلى الاشتراك في المناقشات السياسية مع أفراد عائلاتهم أو بين زملائهم في العمل، وتزداد وقت الأزمات أو في أثناء الحملات الانتخابية.
- المعرفة السياسية
والمقصود هنا هو المعرفة بالشخصيات ذات الدور السياسي في المجتمع على المستوى المحلي أو الوطني مثل أعضاء المجلس المحلي وأعضاء المجلس التشريعي بالدائرة والشخصيات المسؤولة كالوزراء.
- المشاركة الانتخابية
ويتمثل في المشاركة في الحملات الانتخابية بالدعم والمساندة المادية من خلال تمويل الحملات ومساعدة المرشحين أو بالمشاركة بالتصويت وتقديم الشكاوى والاشتراك في الأحزاب والمنظمات.
الشباب والأحزاب السياسية
تتسم العلاقة بين الشباب والأحزاب السياسية في العديد من البلدان بالتوتر. وهناك فجوة واسعة بين الأحزاب والشباب.
فالأحزاب السياسية هي الجهة الرئيسية التي تسيطر على تحديد المرشحين للانتخابات في العديد من البلدان وكذلك تحديد سن الترشيح للمجالس المحلية والبرلمانية وكذلك هم من يرشح الشخصيات للمناصب العليا، وبالتالي فهي تؤثر بقوة على جدول العمل السياسي وعلى صناعة القرارات. وتعمل أيضًا كمؤسسات وسيطة تربط بين الدولة والمجتمع المدني، وتترجم التوجهات السياسية للمواطنين إلى عمل سياسي. ومن المرجح أن يسعى الأفراد الذين لديهم طموح سياسي إلى الوصول إلى مناصب قيادية في الأحزاب السياسية، ومعظمهم يكونوا رجالاً في منتصف أعمارهم.
أسباب عزوف الشباب عن السياسة والانخراط في الاحزاب:
تذكر بعض المنظمات من واقع الدراسات الميدانية التي يشير فيها الشباب أنفسهم إلى مجموعة من العوامل التي تحد من مشاركتهم السياسية، والتي يمكن بلورتها واجمالها بالنقاط التالية.
- غياب التمثيل السياسي للشباب لغياب الديمقراطية داخل أغلب الأحزاب.
- غياب برامج حزبية واضحة المعالم تميّز حزباً عن آخر، تحفّز وتعطي اهتمام لشريحة الشباب.
- ضعف أو انعدام منح الشباب الفرصة داخل الأحزاب السياسية للترشح للانتخابات التشريعية والمحلية.
- شعور الشباب بعجزه في المشاركة والتأثير في القرارات والقوانين التي تنظم كيفية مباشرة حقوقه في المعيشة والحياة والسياسة.
- افتقار البرامج السياسية للأحزاب إلى الاهتمام بشريحة الشباب وتحقيق تطلعاتهم.
- وجود الأمية والفقر وخاصة بين الشباب يلعبان دورين أساسيين في إحجامهم عن المشاركة في الحياة السياسية حيث لا يتحقق الإشباع للحاجات الأساسية للشباب مثل إيجاد فرص عمل مناسبة والزواج وبناء حياته المستقلة بما يؤثر سلباً على قيام الشباب بالأعمال التطوعية بداية وانتهاءً بالمشاركة السياسية.
- ضعف الثقافة الديمقراطية لدى الشباب ووجود فجوة بين المعرفة السياسية والمشاركة السياسية.
- عوامل تتعلق بالثقافة الشبابية بفقدان الثقة في أهمية المشاركة السياسية للفرد والمجتمع. وهناك شعور بعدم جدية الإصلاح السياسي ونزاهة الانتخابات وجدوى المشاركة.
- ضعف الوعي السياسي والاجتماعي وغياب التنشئة الاجتماعية السليمة التي تحث الشباب على المشاركة الايجابية، بل وخوف معظم الأُسر من السياسة ومعارضتها لاهتمام الأبناء بالسياسة، ولأي شكل من أشكال المشاركة السياسية.
- عدم وجود معاهد متخصصة في الديمقراطية تقوم بتثقيف الطلبة والجمهور كما في كثير من البلدان الديمقراطية.
- افتقار القواعد الديمقراطية السليمة في تشكيل وإدارة الأحزاب والمنظمات والاتحادات الطلابية في المدارس والجامعات، مما لا يتيح للنشء الجديد والشباب فرصة التدريب السياسي والتنشئة السياسية الفعالة.
- وجود فجوة كبيرة بين الأجيال وسيطرة جيل من كبار السن على قيادة الأحزاب والمؤسسات المهمة، وعدم إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة الفعالة داخلها. مما أعطى شعوراً باليأس.
تداعيات ضعف المشاركة السياسية للشباب :
تؤدي محدودية المشاركة السياسية للشباب إلى أثار سلبية مستقبلية عدة على الشباب أنفسهم، وعلى المجتمع والحياة السياسية بصفة عامة، أهمها:
- شيوع الإحساس بالاغتراب بين الشباب:
من الملاحظ ازدياد ظاهرة الغربة داخل الوطن وشيوع الإحساس باللامبالاة بين الشباب، وعدم اكتراث الشباب بما يجرى حوله من تطورات طالما أنه عاجز عن التأثير فيها ولهذه دلالات خطيرة على التماسك المجتمعي وفرص التنمية الشاملة في معظم دولنا.
- التمرد والتطرف:
رغم عدم توافر بيانات عن حوادث العنف السياسي والديني في مجتمعاتنا، وتوزيعها حسب الأعمار المختلفة، إلا إنه من الثابت إن شرائح الشباب التي تعاني البطالة ويكتنفها الإحباط واليأس والاغتراب هي الفئة الأكثر ميلاً للانخراط في العنف والتمرد على الدولة.
- جنوح أعداد متزايدة من الشباب إلى سلوكيات سلبية:
منها تعاطى المخدرات، العنف، السلوكيات المنحرفة،… وغيرها من السلوكيات التي تؤثر بشكل واضح ليس فقط على مستقبل الشباب واندماجهم الطبيعي والفاعل في المجتمع بل وعلى مستقبل الدولة ككل.
- هشاشة المؤسسات السياسية وضعف فاعليتها:
فالشباب هم عصب أي مؤسسة سياسية ومكمن قوتها ومنبع التجديد فيها على صعيد الكوادر والأفكار، وكلما قلت المشاركة الفعالة والعضوية الجادة للشباب في المؤسسات السياسية، قلت حيوية هذه المؤسسات وقوتها وقدرتها على التأثير في المجتمع. وبدون مشاركة فاعلة من جانب الشباب تصبح هذه المؤسسات هزيلة وضعيفة وغير مؤثرة.
- ضعف النظام الحزبي في احتضان الشباب أحد العوامل الأساسية لضعف النظام الحزبي ومحدودية فعالية الأحزاب السياسية هو عدم تمتعها بقاعدة شبابية تكفل لها قدرة تنافسية عالية وتعمل على نشر مبادئها وجذب التأييد لها ولرموزها، وتمثل كوادر فاعلة تكفل لها الاستمرارية في المستقبل.
أهم أدوار مشاركة الشباب:-
- المشاركة بعملية الانتخابات حيث تعتبر أصوات الشباب حاسمة، وتشكل جزء كبير لا يتجزأ من الأصوات الشاملة.
- المشاركة بقضايا الرأي العام والمناصرة كقضايا حقوق المرأة والطفل، ومناصرة الفئات المهمشة في الحصول على حقوقها.
- التطوع في مؤسسات المجتمع المحلي، يساهم في إضافة عدد الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج والفائدة.
- القيام بالأنشطة التعاونية، كالقيام بإنتاج فيلم وثائقي يتناول موضوع معين يتعاون على إنتاجه مجموعة من الشباب كل منهم ذو تخصص معين.
- القيام بمؤتمرات علمية وورشات عمل ونقاشات من شأنها توسيع المعرفة، وتحفيز العقل، لاستقبال إنتاجات فكرية جديدة.
- التخطيط للبيئة المحلية وكيفية الحفاظ عليها، كالرسم المتقن لأماكن المنتزهات العامة، وأماكن الترفيه والرياضة والتعليم.
- المساهمة في جمع التمويلات والتبرعات للمؤسسات ذات الإمكانات المحدودة، والتي ميزانياتها محدودة فتهدد وقف أنشطتها.
- تعزيز الجانب الاجتماعي بتبادل الزيارات، كزيارة الجيران والمرضى وتبادل الأفراح والأتراح.
- تعزيز الجانب الثقافي بعمل المبادرات للتعريف بالثقافات المتنوعة، وتبادلها وابتعاث الشباب لبلدان أُخرى.
- الحفاظ على هوية الوطن وإبراز تاريخه، من خلال استدعاء البطولات الماضية وتمثيلها في الحاضر.
- المساهمة والعمل في الدفاع عن الوطن وحمايته، حيث يكون الشباب أول من يقدمون أنفسهم فداءً للوطن، ويرخصون له كل غالي ونفيس.
- نشر الوعي الصحي من خلال الأنشطة والفعاليات التي تعطي معلومات حول الأمراض الخطيرة والموسمية وأسبابها وكيفية الحماية والوقاية منها مع إرشادات ونصائح توجيهية.
- يلعب الشباب دور هام في السياسة والعملية السياسية، حيث يختارون نظام الحكم، والرئيس وكل مسؤول بأي منطقة؛ لأنّ صوتهم قوي.
لذا فإن اندماج الشباب في مسيرة الإصلاح السياسي مهم جداً وضروري في الوقت عينه وذلك لأنه كما ذكرنا فالشباب يشكلون ثروة وطاقة بشرية لكل بلد. والإيمان بقدرة الشباب في المساهمة بالزحف نحو مستقبل زاھر اقتصادياً ومستقر سياسياً يعتبر أساساً للعدالة الاجتماعية. فالمشاركة السياسية للشباب ھي عنصر من عناصر الديمقراطية لذلك يجب خلق فرص وبرامج تھتم بھم. ويتوجب على الأحزاب السياسية الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يساھم به الشباب في السياسة.
تعزيز الحياة الاجتماعية
إن عدم تمكن الشباب من المشاركة الحقيقة في الحياة السياسية الرسمية قد يولد شعوراً لدى الشباب بالعجز والإحباط حيث يفقد الشباب ثقتهم بالسياسيين الموجودين ويتنامى الاعتقاد بأن أصواتهم لن تسمع ولن تؤخذ على محمل الجد مما يتسبب باستبعاد الشباب بشكل متزايد من المشاركة في عملية صنع القرار والمناقشات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. تنعكس الحياة السياسية بشكل مباشر على العديد من الجوانب الحياتية اليومية وبالتالي فإن مشاركة الشباب في الحياة السياسية يؤدي بطريقة ما إلى مشاركتهم في العديد من الأعمال الاجتماعية كالمشاركة في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والأعمال الخيرية المختلفة مما يعزز من شعورهم بالمواطنة الحقيقية.
تعزيز مشاعر الانتماء
تُساعد مشاركة الشباب الحقيقية في الحياة السياسية في تطوير علاقة الشباب بالمسؤولين الحكوميين والسياسيين القدامى الأمر الذي يساهم في تنمية مهارتهم وخبراتهم السياسية مما يساعدهم في قيادة التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، ويعزز هذا الأمر من فرص التنمية والنهوض بالبلد الأمر الذي يعمل على إكسابهم شعورًا أكبر بالانتماء. كما تُساعد مشاركة الشباب بالحياة السياسية على إحياء العديد من القيم الديمقراطية الهامة جداً حيث تعمل هذه القيم على تقويض الممارسات القمعية السائدة وتجنيب البلاد مخاطر عديدة في حين أن عدم مشاركة الشباب يزيد من شعور الشباب بالإحباط وزعزعة استقرار الديمقراطية وتسريع أسباب الصراع داخل الدولة.
لدى الشباب القدرة الكبيرة على التأثير في نتائج الانتخابات حيث يمثل الشباب قوة انتخابية كبيرة صامتة قادرة على إحداث الفرق في أي عملية انتخابية قادمة، لذا تتسابق العديد من الأحزاب السياسية على محاولة جذب الشباب والعمل على إشراكهم في تطوير البرامج الحزبية الخاصة بهم نظراً لقدرتهم الكبيرة في التأثير على الآخرين، وقدرتهم الفائقة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
الشباب بين العادات والتقاليد وبين العصر الجديد
هناك نظرية في علم الاجتماع تقول “الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته”، أي أنه يحب العيش في جماعات ومجتمع وسط عادات وتقاليد وموروث ثقافي، لم نسمع يوماً أن شخصا مفرداً أقام حضارة ما، ولكن جماعات من الناس هي من تشيد الحضارات ونتج عنها ثقافتها وعاداتها الخاصة بها، منها ماهي عادات إيجابية ومنها ماهي عادات سلبية.
فما هي العادات والتقاليد؟
يقال أن أي شيء تفعله أكثر من ثلاث مرات يصبح عادة، والعادة هي الشيء المألوف الذي يفعله الإنسان بدون تفكير ولا يشعر بضيق أو تعب.
العادة تكونت من أفعال مستمرة لشي ما أو حدث ما، ويزخر مجتمعنا بالعديد من العادات والتقاليد منها ما هو غريب، ومنها ما هو طبيعي ومنها ما هو منافي للدين حتى، ومشكلتنا هي تقديس العادات والتقاليد.
العادات: هي موروث ثقافي اجتماعي يحاول المجتمع المحافظة عليها وعدم المساس بها. وهناك فرق جوهري بين العادة والفطرة؛ فالعادة هي شيء مكتسب نتيجة استمرارية ممارسة الأفعال نفسها حتى أصبحت عفوية ولا إرادية، وهناك دافع يدفعنا لممارستها. أما الفطرة هي شيء خارج عن إرادتنا شيء جُبلنا عليه مثل الغريزة الجنسية عند البشر، وغريزة ميلنا للجنس الآخر، وغريزة الأكل والشرب.
العادات والتقاليد هي نتائج أفعال متكررة حتى تصبح شيء من كيان الشخصية، ويجد بعضنا صعوبة في ترك بعض العادات وبعضها عادات مجتمعية تربينا عليها وتستمد قوتها من خوف المجتمع كله من التغيير، وينظرون لأي شخص يرفض بعض عادات المجتمع أنه غريب وغير طبيعي.
لذلك يحاول الآباء زراعة العادات والتقاليد في عقول أولادهم وكأنها جزء لا يتجزأ من هويتهم وشخصيتهم حتى يكبروا وهم متأقلمين معها لا ينفرون منها، فالمجتمع الشرقي من شدة اهتمامه بالعادات لا يرى الاختلاف والتنوع ميزة بل يراها خلاف ومشاكل.
نلاحظ في مجتمعاتنا تنوع عادات وثقافات، شيء جميل ورائع ولكن ثقافة “توريث العادات والتقاليد” مسيطرة على أفكار المجتمع. والمجتمع الذي يرفض الاختلاف والتنوع يحاول عمل نسخ متطابقة من أفراده مجتمع ضعيف وغير متماسك.
ويعيش الإنسان بين هذا وذلك لا يجرؤ على تغير شيء من عادات مجتمعة بل إن البعض يوصلها لدرجة التقديس، وبعض العادات قد تكون عائقا أمام التفكير والطموح.
فالخروج عن عادات المجتمع ليس سهلاً؛ بل يتطلب عزيمة قوية وإرادة لأن الشخص سوف يلاقي معارضة قوية من المجتمع، لأن المجتمع يميل إلى الاستقرار بما هو عليه ويخاف التغيير وعواقب التغيير. لذا على الجيل الشاب أن يتحمل هذه المسؤولية الكبيرة ذلك لما لديه من عزيمة وقوة وفهم لحالة التطور واداركه إن الفرد، حينما يصبح عاجزا عن التصرف بفعالية، لأنه مجبر على اتباع عادة لا معنى لها، يكون أمام وضع يحتم عليه النظر في تلك القواعد والسلوكيات التي تصيبه بالإحباط والقلق، وذلك عندما تصبح حجر عثرة أمام السلوك السليم والفعال.
الانتماء الوطني عند الشباب
لا نستطيع أن نبدأ أي حديث حول حب الوطن أو المواطنة أو الشعور بالانتماء للوطن، قبل أن نتفق على تعريف محدد للوطن أولا. يقول الفيلسوف النمساوي فتغنشتاين: “إننا نسمي الأشياء ثم نستطيع الكلام عنها” علينا أن نعرف الصورة الذهنية التي تحدث في عقول أبنائنا أولا حين نتكلم معهم عن الوطن. والتصور أو الخيال المرئي من نوع ما والمرتبط بكلمة (الوطن).
تحرير المفاهيم
قال الخليل عن الوطن: ” موطن الإنسان ومحله .. ويقال: أوطن فلان أرض كذا، أي: اتخذها محلاً ومسكناً يقيم بها … والموطن: كل مكان قام به الإنسان لأمر”. ويعرف رفاعة الطهطاوي الوطن في لغة أدبية فيقول: “عش الإنسان الذي فيه درج، ومنه خرج، ومجمع أسرته، ومقطع سرته، وهو البلد الذي نشأته تربته وغذاؤه وهواؤه، ورباه نسيمه وحلت عنه التمائم فيه”.
الوطن المكان الذي يولد ويقيم فيه الإنسان مع جماعة من الناس يربطه بهم التاريخ والحدود الجغرافية والمصالح المشتركة والشعور بالانتماء إلى المكان أمر فطري؛ ولكن لا يدعم هذا الانتماء ويعززه إلا الشعور بأن هذا الكيان يحمي الإنسان. ويسهل عليه أمور حياته. ويكفل له حقوقه في مقابل ما يلزمه نحوه من واجبات. وتلك المزايا التي يتميز بها ويراها بشكل محسوس في كل مكان على أرض وطنه لا يمكن أن يمنحها له اي كيان آخر.
إن أهمية اللغة لا تعني تشكيل معاني الكلمات خارج إطار الواقع. تشكيل المفاهيم وتحديد المعاني يبدأ بالواقع أولاً ثم تمتلئ به الكلمات لاحقاً. وحينما يسمع أو يقرأ المتلقي هذه الكلمات يستدعي ذهنه كل الحمولات الدلالية المتعلقة بهذه الكلمة.
إن الوصول إلى المشاعر وغرس المفاهيم المتعلقة بالوطن وتنميتها لا يمكن أن يكون عبر نقل المعلومات في مقررات التعليم، أو بترديد الأغاني الوطنية فقط. غرس المفاهيم وتنمية المشاعر يكون بالسلوك والممارسات اليومية التي يراها الشباب كل يوم في حياتهم. في الشارع والمنزل والمدرسة والمستشفى والحديقة.
بناء الثقة
لا يمكن أن نحمي قيمنا ومبادئنا وأوطاننا إلا بالبناء والتأسيس. وبناء المفاهيم يتم بالمعرفة، والولاء يبنى بالثقة. والانتماء ينغرس وينمو بالرعاية وتعهد العناية والاستمرار بالاهتمام. فالوطن والوطنية والانتماء الوطني ينبغي ألا تكون مجرد ألفاظ أو شعارات نكررها أو نتغنى بها دون أن ترتبط دلالتها العميقة التي تتأصل بالحس في نفوس الناشئة قبل الشباب. وذلك دور التعليم.
إنّ الوطن الحقيقي له رؤية متماسكة وخطاب واضح يتمكن من بناء مفهوم متكامل المعالم لفكرة الوطن الذي يمثل رمز وحدة شعب يختلفون في أطيافهم وآرائهم، مع حفظ كل هذه الانتماءات تحت نظام واحد وعلى أرض واحدة. حين يتكون معنى الوطن في أذهاننا من هذه المكونات يستطيع الفرد أن يفهم الوطن في صورته المعاصرة ويحب نظامه السياسي مثلما يحب أرضه ويترجم ذلك الحب إلى ولاء.
انتماء وولاء
قد يختلف مفهوم الانتماء الوطني عن الولاء الوطني. فالانتماء الوطني حاجة نفسية اجتماعية أساسية عامة لدى الإنسان، تمثل المستوى الأعمق للولاء من الناحية السيكولوجية. والانتماء مفهوم أضيق في معناه من الولاء. والولاء الوطني جملة المشاعر والأحاسيس والسلوكيات الإيجابية التي يحملها الفرد تجاه وطنه والتي تتجسد في الحب والمسؤولية والبذل والعطاء والتضحية من أجل نصرة الوطن ورفعته. والولاء في مفهومه الواسع يتضمن الانتماء فلن يحب الفرد الوطن ويعمل على نصرته والتضحية من أجله إلا إذا كان هناك ما يربطه به. أما الانتماء فلا يتضمن بالضرورة الولاء.
إنّ الشعور بالانتماء الوطني تحدده علاقة الفرد بفكرة الدولة بشكل رئيس. والهوية المدنية مصونة بالحقوق التي تسبغها الدولة، وبالواجبات التي يؤديها المواطنون. الذين هم أشخاص مستقلون ومتساوون في أوضاعهم. ولا يتعارض الانتماء الوطني مع الانتماءات المتعددة الأخرى للفرد مثل الانتماء للدين أو القبيلة أو الطائفة، بل إن الانتماء الوطني هو الذي يتكفل بحماية الانتماءات المختلفة في ظل نظام يحكم بالديمقراطية والعدل والمساواة
مفتاح التربية الوطنية
إن الانتماء الوطني يتعزّز حينما يكون النظام محكم البناء. حينما تقدم برامج تربوية وطنية تنمي في الفرد احترام هذا النظام و”مفتاح التربية الوطنية يكمن في التركيز على السلوك، ولا يصبح المواطنون صالحين بمجرد تلقيهم المعلومات فقط، بل يحتاج التلميذ إلى الانهماك الفعلي في العملية الوطنية وقد “أجرى داينسن “(Dynneson, 1992) دراسة بعنوان “ماذا تعني المواطنة الفعالة عند الطلاب؟” وذلك في عام 1987 في الولايات المتحدة الأمريكية. وأظهرت الدراسة أن أهم خصائص المواطنة الصالحة التي يجب التركيز عليها في تدريس التربية الوطنية هي: معرفة الأحداث الجارية، والمشاركة في شؤون المجتمع والمدرسة، وقبول المسؤولية التي يكلف بها الفرد، والاهتمام بشؤون الآخرين، والالتزام بالسلوك الحميد والأخلاق الجيدة، والتقبل للسلطة بناء على الشرعية والصلاحيات التي تخدم المجتمع، والقدرة على مناقشة الأفكار والآراء، والقدرة على اتخاذ القرار الحكيم، ومعرفة الحكومة وأنظمتها ولوائحها، وإيجاد روح حب الوطن”.
إضافة إلى ذلك تستطيع الجامعات صناعة مفاهيم الولاء والانتماء الوطني وتحويل الولاء من محيط الطالب الجامعي المحدود إلى المحيط الاجتماعي الواسع. ويمكن تعزيز شعور الانتماء في التعليم الجامعي بالالتزام بمبادئ وقيم معلنة تتشارك فيها إدارة الجامعة مع الطلاب والطالبات والمجتمع المحلي وسوق العمل. إن قيام الجامعات بدورها بصورة واقعية منسجمة مع السياق العالمي. وطرح كل القضايا الوطنية بشفافية تامة يعزز الانتماء، فتعزيز الانتماء لا يعني المثالية والتعالي عن الواقع. لا يمكن هدم المفاهيم الخاطئة أو المعوجة إلا من خلال بناء وإحلال مفاهيم وقيم قوية. فالهدم دون بناء حتى إن كان هدما لمفاهيم مغلوطة لا ينتج عنه إلا الفوضى والضياع.