جسور التواصل… تصورات حول التعايش المجتمعي في منطقة الشرق الأوسط وأثره على التنمية الاجتماعية
د. رباب عبد الرحمن / مصر
د. رباب عبد الرحمن / مصر
تُطرح كثيراً مواضيع تتعلق بالأمن المجتمعي وقضايا التعايش السلمي بين الشعوب والمجتمعات, وتعتبر هذه المواضيع من الأمور المهمة بسبب انتشار النزاعات وتزايد حدّة الصراعات والحروب والخلافات, والتي تأخذ أكثر من بُعد مرة باسم الدين أو الجنس ومرة باسم العرق أو اللغة وما شابه ذلك، إذ يعد البحث في مجال التعايش السلمي بين المجتمعات والتسامح, من الحاجات الأساسية والضرورية لتواجد الأفراد في المجتمعات، ويستلزم تحقيق التعايش السلمي في المجتمع الواحد المتعدد القوميات والمذاهب والطوائف والأديان (كما هو الحال في دول الشرق الأوسط) إلى الانفتاح لقيم وعادات المجتمع على التنوع والتعدد، كما يستلزم الأمر ضرورة الإيمان بالمساواة بين جميع القوميات والطوائف والمذاهب، ولابد من وجود إرادة التعايش السلمي بين المكونات المختلفة، ومن دون أن يفرض مكون نفسه على المكونات الأخرى.
يشهد العالم تحولات جذرية في الخطاب الثقافي والديني وفي أنمـاط التفكير، وقد نتج ذلك عن مجموعة تحولات سياسية شهدها العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
وانعكس خطاب العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية بشكل حاد على تفاصيل الحياة العامة في المجتمعات الشرق أوسطية وأثرت على ثقافات تلك المجتمعات، ومنها فقدان الفهم العميق للمشهد الدولي، وقصور في العمق النظري للسياسات والأفكار، وفقدان الانضباط الفكري، ومقاومة التكيف مع المستجدات الثقافية وكذلك الخطاب الديني والثوابت العقائدية والروحية والوجدانية، والخصوصيات المتمثلة بالأقليات والمكونات داخل تلك المجتمعات.
أولاًـ النظريات المفسِّرة لنشأة مفهوم الدولة والمجتمع
ظهرت مجموعـة من النظريات التي فســـــــرت نشــــــــأة الـدولـة، وقـد اختلفت باختلاف الأســــباب والدوافع لذلك النشــــوء، ففكرة الدولة تعود إلى الكتابات القديمة لأفلاطون الذي أوضـح أن الدولة تكونت بوصـفها ضـرورة لتعاون الأفراد للحصـول على احتياجاتهم لعدم قدرة الفرد على ســـــد حاجاته بنفســـــه، أما أرســـــطو فیرى أن الدولة تكونت نتيجة للمیل الغريزي للإنسان نحو الجنس الآخر الذي دفعه نحو تكوين الأسرة, ومن تجمّع عدد من الأسر تكونت القرى لتتمكن من إشباع الحاجات المادية, ومن ثم تكونت الدولة بوصــــفها وحدة ســــیاســــیة، وقد اتفق ابن خلدون مع أفلاطون وأوضح أن الإنسان اجتماعي بالطبع، وقدرته الفردية قاصرة, مما دفعه ذلك إلى الاستعانة بأبناء جنسه لسد احتياجاته وتوفير الحماية لنفسه.
1- النظرية الدینیة: يعتقد أصــحاب هذه النظرية أن الدولة تعود إلى الإله في نشــأتها، وأن الإنســان لیس عاملاً أســاســیاً، وما على الأفراد إلا الخضوع للدولة والسـلطة، وقد مرت هذه النظرية بتطورات متعددة في المدنیات القديمة (مصــــر، ميزوبوتاميا، فارس، الهند، الصـین وغيرها).
الملاحظ من هذه النظرية هي طريقة توظيف الحكام هذه النظرية لسلطانهم المطلق، فاستعملوها بوصفها سنداً لسلطاتهم وحكمهم.
2- نظرية القوة: ترى هذه النظرية أن الدولة نشأت من خلال سيطرة الأقوياء من خلال المجموعات الحاكمة التي اعتمدت القوة في الوصـــول إلى الضـــعفاء, مسـتغلة خوف وقلق الأفراد من الحروب وحاجتهم للأمن والاسـتقرار, وهي وســـیلة في بناء الدولة وقوتها, مستشهدين بسيطرة القبائل القوية على القبائل الضعيفة في الماضـــي كدلیل موضـــح لعنصـــر القوة في نشـــأة الدولة، والقوة بالنسبة لـ “میكافیللي وهیجل ونیتشة” خاصیة طبيعية من خصائص الدولة وفضیلة وجب التمسك بها والانطلاق من خلالها.
3- النظرية الطبيعية: أســــــــاس هــذه النظرية مبني على طبيعة الإنســــــــان باعتباره يعيش ضمن بيئة مكونة من أفراد ضمن المجتمع, وحیث أن الإنســان لا يستطيع أن يعیش منعزلاً؛ دفعته طبیعته هذه إلى الحیاة الجماعية المنظمة، فتطورت حیاة الإنســــــــان من الأســــرة إلى القبیلة فالقرية ومن ثم المدینة, فهو تســــلســــل طبيعي ینســــجم مع التطور الطبيعي للمجتمعات، وتعاون الأفراد من خلال تفاعلاتهم الاجتماعية المختلفة, والتطور الإنســــــــاني جعلهم يرغبون في أن يكون لهم قیادة أو ســـــــلطة، ومن ثم دولة ذات ســـــــیادة وســـــلطة لا يستطيعون أن يعيشوا خارج نطاقها.
4- نظرية العقد الاجتماعي: يعتقد أصـحاب هذه النظرية أن نشـوء الدولة یرجع في أساسه إلى إقامة عقد بین الجماعة, فوّضوا موجبه الأمر إلى شخص تنازلوا له عن حقوقهم (كمـا یـذهـب هوبز) أو جزء من حقوقهم (كمـا اعتقـد لوك) حتى يستطيعوا العیش في أمن وسلام والحدّ من أنانية الأفراد.
بدأ هوبز تحلیله بتصــــور عن الطبیعیة البشــــرية ذاهباً أنه تتملكه غريزة واحدة هي غريزة المحافظة على حیاته، لذا یندفع بكل الوســـــــائل من خداع واسـتعمال أساليب القوة, ومن هنا فالحیاة حالة حرب مسـتمرة بین الأفراد، فكل منهم يســـعى إلى تحقیق مصـــالحه على حســـاب الآخرين, مما یؤدي إلى الفوضـــى والصـراع الذي لا يمكن أن ینتهي إلا بوجود قوة تضـبط سـلوك الناس، وهذه القوة هي مطلقة، وهكذا تكونت أو ظهرت الدولة ـ التي يجب أن يخضـــع لها الأفراد ـ إلى الوجود نتيجة لعقـد اجتمـاعي، إذ تؤمّن الدولة للأفراد الأمن في الداخـل والســـــــلام في الخـارج، لـذلـك يجـب على هـذه الـدولـة أن تتميز بـالقوة المطلقـة حتى تستطيع أن تؤدي مهامها جیداً, لذلك أسـماها هوبز (لوياثان) الوحش الكاســــــر المخیف، فالفرد الإنســــــــاني هو آلة طبيعية تتحكم فیها الحرية, و(لوياثان) هو الدولة الحدیثة التي تقیمها الآلات الطبیعیة أي مجموعة من القوى البشــــــرية (آلة اصطناعية ضـــــــخمة ذات رأس مهمتها المحافظة على المنفعة الأولى لجمیع الأفراد).
5- النظرية الماركسية: إن الدولة عند ماركس هي النتیجة الطبيعية للصراع الطبقي بین الأقوياء والضـعفاء, فقد هيمنت في البداية طبقة بفضـل وضـعها الاقتصـادي, ولكي تضمن استمرار سیطرتها على الطبقة الأخرى فقد أصبحت قوة لا تقهر. الدولة تظهر في الزمن والحالة التي لا توفیق فيها بین الطبقات, فكما يقول “أنجلز” إنها ولدت من ضــــرورة لجم التناقضــــات بین الطبقات ومن النزاع بین الطبقــات، فهي دولــة الطبقــة الأكثر قوة, والطبقــة الأكثر هیمنــة اقتصـــــــــاديــاً, وبالتالي تكتســب وســائل الطبقة المهیمنة ، أي إن الدولة جاءت كانعكاس مؤســســي جدید لقمع واســتغلال الطبقة المضــطهدة نتيجة وضــع اجتماعي تاريخي صــنعه انقســام الطبقات وصــراعها من خلال تســیّد الطبقة الأكثر قوة لجهاز الدولة.
ثانياًـ سوسيولوجيا المجتمعات وإشكاليات التعايش في الشرق الأوسط
عرّفت الأنظمة السياسية حديثاً الدولة من الجانب السياسي على أنها “مجتمع منظّم تعيش على أقاليم معینة وتخضع لسيطرة هيئة حاكمة ذات سیادة وتتمتع بشخصية تميزها عن المجتمعات الأخرى, وترتبط بین أفراد الدولة رابطة ســــیاســــیة قانونیة من حیث أنها تفرض عليهم الولاء لها والخضوع لقوانینها”.
ینظر للدولة من الجانب الســــــوســــــیولوجي من خلال التأكيد على أنها مشــروع ســیاســي من حيث وظائفها وعلاقتها بالمجتمع, حيث عرفها (ماكس فیبر) “بأنها ذات طابع مؤســـــســـــاتي تخضع الأفراد لقوانینها, وتحتوي على أشــــكال الفعل التي تحدث في نطاق ســــیادتها، أي التركيز على الوسائل التي تستعملها الدولة”.
إن مشروع التعايش في الشرق الأوسط يحتاج إلى بيان جملة الإشكاليات التي تعترض عمله, ويقع في مقدمتها بناء ذاكرة للتعايش، ومن ثم الخلاص من خطاب الكراهية, وهو مجموعة من الإشكاليات التي يتوجب حلها قبل الشروع في بناء تعايش جديد في منطقة الشرق الأوسط
بناء ذاكرة جديدة للتعايش
إن بناء ذاكرة جماعية للتعايش في مراحل سبقتها التغيرات الكبيرة التي أصابت المجتمعات نتيجة الغزو الثقافي الغربي, وكذلك الصراعات المحلية والعقائدية والأثنية والقومية والدينية وغيرها، فإن هذه النقطة تشكل واحدة من أبرز الصعوبات التي تواجه بناء تعايش جديد في معظم دول ومجتمعات الشرق الأوسط.
ويمثل الموروث التاريخي أبرز عوامل بناء ذاكرة التعايش, بيد أن الحاضر مازال يمسك ببعض ما مرت به المنطقة من تلك التغيرات المذكورة سابقاً، ويصعب تبعاً لذلك بناء ذاكرة تعايش مع التزام كل مكون ببناء ذاكرته الخاصة بعيداً عن مجال الفضاء العام, الذي يسمح بتداول الحقائق وعرضها على الأفراد, وكما يقول (ميشيل فوكو) “لا شيء أصعب من نظام سياسي لا يكترث بالحقيقة، ولكن لا شيء أخطر من نظام سياسي يحتكر الحقيقة “.
وتصبح المسألة أكثر تعقيداً على التعايش إن تم احتكار فعل التذكر وبناء ذاكرة من جهة واحدة تجعل باقي الجهات تتهمها بالانحياز من قبل مكونات, أو محاولة إلغاء ذاكرة الآخرين أو منعهم من التذكر، إذ إن بناء ذاكرة واللجوء إلى الماضي والاحتكام إليه من أجل حسم النزاعات؛ لا يمكن أن يبني أرضية لذاكرة مشتركة, لأن لكل حدث خاصيته غير القابلة للتكرار، والتذكر ما هو إلا نقل للماضي من طابعه الحدثي المتفرّد والذي يمر سريعاً, إلى طابعه المتمثل ذهنياً، أي الماضي كذاكرة أو صورة تومض.
وما إن يغادر الماضي أرضية الحدث ويدخل دائرة الصورة والتمثل الذهني حتى يغير جلده، ويصبح خاضعاً لعمل المخيلة, وعندئذ فقط يصبح التاريخ قابلاً للنسخ والتكرار وحتى التلفيق والاختلاف والفبركة بصور متعددة وإلى ما نهاية, ويترتب على ما سبق ذكره ضرورة عملية بناء ذاكرة تستوعب الهويات الثقافية المتعددة في معظم مجتمعات الشرق الأوسط, والأمر يحتاج إلى عملية غربلة للأحداث, وإلا سيلعب دوراً في تهديد التعايش بطرائق جديدة تفقد على أثرها المجتمعات مزيداً من أبنائها.
ثالثاًـ المتطلبات الاجتماعية والثقافية للتعايش المجتمعي في الشرق الأوسط
التعايش حاجة ماسة لمجتمعات التنوع والتعدد بجميع أشكاله وأصنافه، ومعظم دول الشرق الأوسط تمثل أبرز مناطق التنوع الديني والإثني والمذهبي واللغوي والقومي، لذا تبرز الحاجة إلى التعايش الذي يمثل صمّام أمان للأطياف المتنوعة، وفي استعراض بسيط فإن مجتمعات الشرق الأوسط تحتوي على تنوع ديني ومذهبي، تنوع عرقي ولغوي, ويترتب على هذا التنوع ضرورة التعايش ولو في حدوده النسبية، ألا وهي ضرورة تحقيق مبدأ التوازن الاجتماعي وجعل الاجتماع البشري مقبولاً, وهذا يعني أن المبادئ الاجتماعية تبقى العنصر الوحيد الذي يحدد نمط الحياة المشتركة, إذ أن التعايش الاجتماعي يحدّ من تطرّف الصراعات العرقية ويكسر من شوكة التعصب القبلي, ويزيل الحواجز النفسية بين طبقات المجتمع وينمّي الشعور بالإخوّة الإنسانية.
رابعاًـ الخطاب الإعلامي وخطاب الكراهية وانعكاساته على التماسك المجتمعي
تعزى حالات الانهیار المجتمعي وتفكك المواطنة والثوابت والقيم وعدم التوافق الإثني في كثیر من الأحيان, إلى ما تقدمه وسائل الإعلام حین ترسم صورة خیالیة لواقع غیر موجود, أو واقع افتراضي عبر الخطاب الإعلامي، وتقدم نموذجاً خیالیاً لا يمكن الوصول إلیه في الواقع، لأن الفكرة المعروضة أحیاناً غير حقيقية أو تعرض بشــكل متناقض، مع نقص المفاهيم المتضــمنة فیها, أو تقدمها بشكل مشوّه أو مبتور.
خطاب الكراهية: يعمل خطاب الكراهية على منع تأسيس تعايش جديد لأنه يعمل بمفردات ومفاعيل وهي : (التحريض، الانتقاص، التحقير من فرد أو مجموعة من أفراد تجاه مجموعة أخرى تحمل عرقاً أو ديناً أو مذهباً أو نوعاً اجتماعياً أو رأياً سياسياً أو طبقة اجتماعية أو فئة اجتماعية)، وتلك المفردات تعطي مخزوناً كبيراً من الحقد والضغينة واستباحة الدماء .
ويعمل نتيجة لذلك على إثارة بوادر الانقسام المجتمعي ويؤسس لحالة القطيعة الأهلية بين أفراد المجتمع الواحد, ويعمل خطاب الكراهية على تجهيل الأنا والذات من أجل استمرار رفضه للآخر وعدم انفتاحه الفكري، إذ ينتهج سبل إسباغ المؤامرة على كل وارد وحديث، ليس لشيء بل لفرض استمرارية هيمنته على المجتمع وسيادة الطائفية والقطعية والوثوقية, بما يجعلها سمة لروحها العميقة, لذا فإن خطاب الكراهية والاستفزاز والاحتقار للآخر، ما كان له أن يتصاعد نجمه لولا القابلية الذهنية في استحضار المقدسات والاحتماء بها عند تناول أقرب القضايا الفكرية المعاصرة .
وإن إشاعة هذا الخطاب أضحى يهدد الوحدة الوطنية في الدول وتضربها في العمق, وفي هذا الصدد فإن خطاب الكراهية يسعى إلى رفض الآخر ويسقط كل السلبيات على المختلف، ويدّعي لنفسه كل الإيجابيات, وهو يدافع عن العنف الذي يمارسه ضد الآخر ويرفض دفاع الآخر عن نفسه، لأن خطاب الكراهية ذو طاقة انفعالية سلبية تلغي مكانة العقل وقدرته على التحكم منطقياً في الأحداث التي تجري في البيئة القريبة أو البعيدة, لذا فإن أية معالجة لبناء الاستقرار في مجتمعات الشرق الأوسط وبناء تجربة للعيش المشترك, لا يمكن أن تحصل إلا بمحاولة حصر هذا الخطاب وتجفيف منابعه, والعمل على تجريم مفرداته والوسائل التي يستثمرها سواء أكانت منصات التواصل الاجتماعي أم الوسائل المرئية أو المسموعة أو المكتوبة, لأنها تعدّ أبرز القنوات التي تجري عبر أحاديث وتحريض أبناء المجتمع ضد بعضهم, وبما يعمل على إثارة الانقسام المجتمعي في الشرق الأوسط .
من هنا فإن خطاب الكراهية أضحى يؤثر على بناء التعايش في المجتمعات, وهو يستثمر أية فرصة حتى يتمكن من بث سمومه وتهديد حياة السكان من جديد بوسائل من شأنها أن تفككّ أواصر التلاحم المجتمعي، وإثارة نوازع الفرقة والتصادم بين أبناء البلد الواحد, لتبقى بذلك المشــكلة الإعلامية والسياسية والاجتماعية متجذّرة وواضــحة في بعض وسـائل الإعلام، مرتهنة لبعض الأطراف ضمن الصـراعات السياسية في الداخل، فهي لیسـت انعكاساً لها, بـل إن لهـا امتـدادات إقليمية وأخرى دولیـة، تؤثر من خلال التمويـل وتوجيه الرأي والحث على العنف لتحقیق مكاســب ذاتیة، وجمیع ذلك بحجة الديمقراطیة والتحرر للخطاب وتحدیث مضـــمونه ومواكبته العصـــر ومعالجته مشـــاكل الواقع, وغیرها من الحجج التي تبدو في ظاهرها الحق ولكن في حقیقتها الباطل، وجمیع ذلك يحتاج إلى معـالجـة جـادة تبتعـد عن التـدلیس في المفاهيم.
لیس التجدید هو التحییـد للقیم والمواطنة والإنسانية, ولیس الخطاب الإعلامي هو تلميع ســـــیاســـــي أو حزبي أو طائفي أو لمكون أو قومية على حســـــابات أخرى، وعلیه يقتضـــــي توافق الإعلامیین في دول الشرق الأوسط على وضــع مبادئ أســاســیة لتنظیم البث الفضــائي, والعمل على ترســیخ فكرة أن الوطن للجمیع, وأن الإعلام ناقل لهموم الأمة ومتطلباتها دون إقصـــــاء لأحد، وذلك بمنع بث ما یؤدي إلى تأجیج الصــراعات والحروب الداخلیة، أو تفتیت الوحدة الوطنیة للدول، أو إثارة النزعات المذهبیة والطائفیة، وعدم تســـــــییس الدین والتدیّن, والعمل على أن تكون وسائل الإعلام الدینیة متاحة للجميع، دون اختزالها سـیاسـیاً لتكون بذلك الإعلام السـیاسـي، والذي یتغلب على رغبات رجل السـیاسة الذي يعمل بفن الممكن, وهو ما یتقاطع مع الأسس التي يســـتند علیها الإعلام الدیني من دعوة ونشـــر الأخلاق والقيم والابعاد عن الإقصاء وإثارة النعرات والتكتلات الطائفیة والقومیة .
الخاتمة
يتطلب بناء تجربةٍ للعيش المشترك في مجتمعات الشرق الأوسط, التذكير بأن هذه المجتمعات عاشت في حالة من الوئام والتسامح وقدرة على استيعاب المختلفين دينياً ومذهبياً ولغوياً واجتماعياً، ويمكن الاستفادة من التجارب التي مرت على تلك المجتمعات وعملت على زيادة التلاحم المجتمعي فيها بعد المحن التي تعرضت لها، لهدف أساسي يتمثل ببناء تجربة تعايش سلمي ومتوازن فيها تعمل على ضمان حقوق جميع السكان والمكونات, وبما يعزز من الاستقرار بمختلف أشكاله فيها .
إن بناء التعايش يتوجب توفير متطلباته وإدراك جملة الإشكاليات التي تعترضه، لذلك لا يمكن أن ندرك مزايا العيش المشترك والتسامح إلا بعد مرحلة من النزاعات الأهلية التي عملت على تشتيت السكان والمجتمعات وتهديد وجودهم، ولا يمكن أن تتم إلا عبر ترسيخ قيم التعايش المشترك وإشاعة التسامح وتعزيز أواصر التواصل الإنساني, وذلك يتضح من جملة النتائج التي توصل إليها بحثنا هذا عبر:
– إن توفير متطلبات التعايش يساعد على إدامته واستمراريته مترابطاً, فلا يمكن الاستغناء عن واحدة منها ولا يمكن البناء على واحدة منها .
– التعايش يعمل وفق هذه المتطلبات, وتعزيزها والاستفادة من تجارب التعايش في مناطق العالم التي مرت بالحروب والصراعات الأهلية يعد ضرورة لا مناصّ منها, لاسيما أن مناطق كثيرة في العالم مرت بتجارب الحرب الأهلية وسيطرة للجماعات الإرهابية عليها وتدميرها.
– هناك جملة من الصعوبات الإشكالية التي تعترض إيجاد أرضية للتعايش, ويقع في مقدمتها التهجير بما يؤثر على التوازن في التركيبة السكانية, ويعمل على زيادة الشقاق المجتمعي.
– إن خطاب الكراهية المبني على ذاكرة تكتنز موروثاً يحمل الحقد بين جنباته، يشكل إرهاقاً جديداً لبناء تعايش في مجتمعات الشرق الأوسط.
المراجع والمصادر:
1- الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في أفريقيا، عبد السلام إبراهيم بغدادي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان بيروت 1993م
2- إشكالية الدولة والأمة في العراق قراءات في المرجعيات التاريخية والثقافية ، وسام مجید جابر البكري ، الجامعة المستنصریة ،2019م
3- علم الاجتماع الســـــیاســـــي , عبد الله محمد عبد الرحمن , دار النهضــــــة العربية ,بیروت ، 2001 م
4- المجتمع والدولة في الوطن العربي , غسـان سـلامة وأخرون، مركز دراسـات الوحدة العربیة , 2 بیروت ,1996م
5- مسارات فلسلفية ، ميشيل فوكو ، ترجمة محمد سبيال ، دار الحوار ، دمشق ، 2004م
6- علي آل طالب ، نبذ الكراهية من الوعي إلى القانون في التعايش السلمي وفهم الآخر ، بغداد 2006 م.