العلاقات الكردية العربية في الإسلام (الجزء الثاني)
الباحث/عبد الله شكاكي
الباحث/عبد الله شكاكي
لا ريب أنّ الكرد من أقدم الشعوب الإسلامية تاريخياً حيث ثبت وجودهم على أراضيهم منذ آلاف
السنين، ورغم كلّ التغييرات السياسية والعسكرية بقوا متشبثين بجغرافيّتهم الجبلية خلال العهود التاريخية
المختلفة، ولم يتسنَّ لهم القيام بنشاطات تاريخية – حضارية خارج وطنهم إلا في العصر الإسلامي الوسيط،
بدءاً من الجوار القريب لبلاد الكرد وهي بلاد الشام، حيث يشكّل الجزء الجنوبي الغربي من كردستان
امتداداً لبلاد الشام من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية، وربما تعود أسباب الهجرات الكردية بسبب وقوع
بلاد الكرد على طريق الغزاة، مثل حملة الإسكندر وبعدها الرومان من الغرب إلى الشرق أو حملات
العنصر الطوراني من الشرق إلى الغرب، وكذلك لأسباب جغرافية – سيكولوجية حيث معظم تضاريسهم
جبلية، والجبليون يتّصفون بنزعة الحرية والتمرد ولا يقبلون الانقياد لأحد، وتعرضوا لكثير من الحروب
والقتل والاستعباد، ولذلك كانت كردستان في معظم مراحلها موطن الاضطرابات والثورات عبر العصور
على السلطات الحاكمة، كثورات “الخوارج” بعد معركة صفين ضد الخلافة الأموية وخاصة في عهد عبد
الملك بن مروان وحربه مع الحجاج الثقفي، والثورة الخرّمية التي قادها بابك الخرمي من أردبيل في
جنوب القوقاز ضد الخلافة العباسية انتقاماً لمقتل أبي مسلم الخراساني مؤسس الخلافة العباسية، واستمرت
22 عاماً، وكذلك الانتفاضات التي قامت ضد السلطة العثمانية، وما إن تنتهي الانتفاضة بالإخفاق كان
يتعرّض المشاركون فيها لانتقام السلطة، وتجنّباً للعقوبة كانت الأُسر المشاركة تهاجر بعيداً إلى الأماكن
الآمنة، ومنها بلاد الشام ومصر وخاصة منذ القرن الحادي عشر وحتى القرن العشرين.
لكن جذور وجودهم التاريخي اكتنفه نوع من الإبهام والغموض وغفل التاريخ عن ذكر دورهم، وخاصة
في مرحلة الحروب الصليبية وما بعدها، حيث جرى استيطانهم، ولعبوا دوراً رئيسياً في الميدان السياسي
والعسكري والإداري، فقد ورد في كتاب “ذيل تجارب الأمم” ص 228 اسم أحمد الضحاك الكردي الذي
لعب دوراً حاسما في معارك الجيش الفاطمي مع الجيش البيزنطي سنة 997م وقتل قائد الجيش البيزنطي،
وفي أحداث القرن الحادي عشر استقر الكرد بين حمص وطرابلس من قبل شبل الدولة المرديسي ملك
حلب سنة 1037 بغية حماية حصن الأكراد وعرفت القلعة باسمهم، وذكر المؤرخ أبو صلت أمية الأندلسي
(ت 1133) الذي زار مصر بقوله: “وأما سكان مصر فأخلاط من القبط والروم والعرب والكرد والديلم
والأحباش والأرمن…”[1]، ويتبين أن الكرد قاموا بدور فعال في عملية الاستنهاض الحضاري في مصر
والشام، ونشير إلى أنّ عوامل تواجد الكرد في الشام ومصر تختلف عن العوامل التي حدت بقبائل وعشائر
وأسر إلى الانتقال والاستقرار فيها لأسباب أمنية واقتصادية أو مناخية، وإن ما حدث كان بمثابة مهمة
تاريخية فرضت نفسها بقوة، كالعشيرة الراوندية التي هي جزء من القبيلة الهذبانية الكردية وتنتسب إليها
الأسرة الأيوبية التي قدمت من جنوب القوقاز لتقوم بدور تاريخي عظيم فرضته لحظة حاسمة.
تقلّد الكرد المهام السياسية والدينية:
تقلّدت الشخصيات الكردية وظائف سياسية ودينية في مصر وبلاد الشام منذ مراحل تسبق العصر الأيوبي
وبعده، لكن ممّا يؤسف له أنّ المؤرّخين العرب والمسلمين غضّوا الطرف عن ذكر انتمائهم القومي الكردي
وتحاشوا إبراز اسم الكرد، ناهيك عن نسب بعضهم إلى العرب أو الفرس أو الترك، ونذكر بعض الأمثلة
عن تلك الشخصيات:
– خالد البرمكي (709- 780):
هو سليل أسرة كردية زرادشتية من عشيرة الزرزاري[2]، كانت أسرته سدنة بيت النار في بلخ ومنها جاءت
تسمية “بَرْ مَكْ” (خادم البيت الأساس)، أما ما ورد في المصادر أن البرامكة أسرة فارسية هي من قبيل
الانتماء السياسي وليس القومي، حيث كثيراً من الأعلام يحملون الجنسية السورية والعراقية والإيرانية
والتركية لكنهم من أصول كردية، وكان خالد عسكرياً بارعاً مناصراً للدعوة العباسية في العهد الأموي
وتحت أمرة أبي مسلم الخراساني، وبنجاح الدعوة العباسية أسند الخليفة الأول أبو العباس السفاح إليه ديوان
الجند وديوان الخراج، وفيما بعد استوزره وبقي حتى وفاة السفاح، كما أقره أبو جعفر المنصور في
الوزارة، ثم ولّاه على الرّيّ وطبرستان ودمباوند، وكان داهية في السياسة كما في الحرب، ووجّهه الخليفة
المهدي مع ابنه هارون الرشيد لمحاربة الروم فنجح في مهمته، وقد أرضعت كل من زوجتي السفاح وخالد
ابنة الأخرى.
– يحيى بن خالد البرمكي (738- 805):
ولّاه أبو جعفر المنصور على أذربيجان ولا يولّى هذه الوظيفة إلّا لأهل الثقة لأنها من بلاد الثغور، وبعد
وفاة المنصور اختاره الخليفة المهدي ليكون وزيره وكاتبه وعلى ديوان رسائله ومؤدب أولاده، وكان
هارون الرشيد ابن المهدي يناديه: يا أبتِ … فقد أرضعت الخيزرانة (أمازيغية) زوجة المهدي وأم هارون
الفضل بن يحيى، وأرضعت زوجة يحيى أم الفضل هارون الرشيد[3].
– الفضل بن يحيى البرمكي (766- 808):
وكّله هارون الرشيد في عهده أمر تربية ابنه الأمين، ونظراً لشجاعته وحسن تدبيره ولّاه على إقليم الجبال
وهي المقاطعات الكردية في جنوب وشرق كردستان وكذلك طبرستان وجرجان والري، كما ولاه خراسان
فأزال الظلم عنها وأكرم الجند والقواد والكتاب، وجنّد فيها خمسمائة ألف مقاتل سماهم “العباسية” وخاض
بهم حروباً مع الترك وفتح شرق أفغانستان، ثم عاد إلى بغداد فاستقبله هارون بحفاوة، وقلده الوزارة حيناً،
ثم نقلها إلى أخيه الأصغر جعفر حيث كان مولعاً بحب جعفر، فقد حاول الرشيد زرع التنافس بين الأخوين
لكنه لم يفلح، وقد كلّف الرشيد الفضل بتولية البلاد من الأنبار (العراق) وحتى تونس، ثم عزله عن جميع
مناصبه وأبقاه وصياً على ابنه الأمين (ولي العهد).
– جعفر بن يحيى البرمكي (768- 803):
كان له محبة خاصة لدى الرشيد ومن ندمائه والمقربين جداً منه وكأن بينهما صلة رحم، ويعتمد عليه في
معظم القضايا لرجاحة عقله، إضافة إلى أنه كان سياسياً وأديباً بليغاً وكريماً وحلو الكلام وفصيحاً،
ويصرف أمور الناس ويرفع عنهم المظلومية دون مخالفة الشرع إلى جانب الحق والإنصاف، وكان أبوه
يخشى من هذه العلاقة الحميمة، فقد قال ذات يوم “لا أرحام بين الملوك وبين أحد”، وكأنه كان يتنبأ لكارثة
تحلّ بهم، وحدثت “نكبة البرامكة”، بسبب علاقة حب نشأت بين جعفر و “عباسة” أخت هارون الرشيد،
حيث كان هارون لا يطيب له الجلوس على مائدة الشراب دون جعفر وعباسة، وقال لجعفر سأزوجكما
ليحل لك النظر إلى عباسة إذا حضرت مجلسي، لكن دون أن يكون لك حق الاختلاء بها لوحدكما كما بين
الرجل وزوجته، ولكن حدث ما كان متوقعاً وولدت عباسة منه غلاماً، حيث نقلت إحدى الجواري الخبر
إلى هارون الرشيد بدسيسة من زوجته زبيدة، وثار الرشيد ووقعت النكبة، حيث قتل العباسة وشطر جسم
جعفر إلى نصفين رفع نصف على الجسر الأعلى ونصف على الجسر الأسفل ورفع رأس جعفر على
الجسر الأوسط ببغداد، ثم أكمل على بقية أسرة البرامكة وزجّ يحيى وولده الفضل في أعماق السجن حتى
الموت، مع أن البرامكة هم من أوصلوا الرشيد إلى سدة الخلافة، وهم من أخمدوا جميع الثورات التي
نشبت ضد الخليفة شرقاً وغرباً، وهو من نظموا أمور الدولة وحققوا لها الازدهار، ويشبه سلوك الرشيد
تماماً سلوك السفاح مع أبي مسلم.
– الأمير محمد يزدان الشهرزوري: عين والياً على دمشق بين سنوات 939- 941م، ثم أصبح والياً في
مصر على الشرطة حتى وفاته سنة 943 م.
– تولّى الأمير أبو الثريا الكردي ولاية دمشق سنة 974.
– تولّى سهم الدولة خليفة بن جيهان الكردي حاكماً على حماة في العهد الفاطمي سنة 1029م. والأمير
علي الكردي حاكم حماة سنة 1110م في العهد الزنكي.
– تولى علي ابن السالار الكردي منصب الوزير للخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله سنة 1149م، ثم ولّى
الإسكندرية وقتل غيلة سنة 1152[4]، وكانت له نشاطات عسكرية ضد الصليبيين.
وفي الوظائف والأمور الدينية والعلوم نذكر على سبيل المثال:
– القاضي تاج الدين عبد الغفار الكردي ولّى قضاء حلب سنة 1166.
– القاضي مالك بن سعيد الفارقي: تولى قضاء مصر سنة 1009، وبعده القاضي أبو الفتح بن سعيد الفارقي
سنة 1030[5]، وكلاهما من آمد (ديار بكر) والعشرات غيرهم.
– قاضي القضاة ضياء الدين الشهرزوري الذي تولّى قضاء الشام، ثم ولّى قضاء حماة وتوفي سنة 1202،
وعشرات غيرهم من الشهرزوريين والهكاريين، وقد حصل القضاة على ضياع وإقطاعات مما شجعهم
على الاستقرار وبقاء بعضهم على الأقل[6] في تلك الديار.
دور الكرد الثقافي والتجاري في الأمة الإسلامية
إضافة إلى الدور السياسي والعسكري والإداري نلحظ إقبالاً كبيراً من النخب الثقافية الكردية في العصر
الوسيط على دراسة العلوم الإسلامية وأصولها، وفروعها المختلفة، وكذلك الكتابة في التاريخ والآداب
والعلوم الأخرى وباللغة العربية، كما يلحظ بوضوح تأثير الثقافة الإسلامية والعربية على كتاباتهم بالكردية
وخاصة في مجال الشعر، أمثال: بابا طاهر الهمداني في رباعياته، وملاي جزيري، وفقي تيران، وملا
أحمدي خاني في رائعته الملحمية “مَمْ و زين”. وإن المدارس الدينية والكتاتيب كانت تدرس تلاميذها
الأدب الكردي إلى جانب علوم الدين وأصول الفقه، حيث كثرت وقتها أعداد رجال الدين الذين تلقبوا بـ
“ملا” وهم الذين كانوا يمارسون مهنة التدريس ومنح الشهادات إلى جانب ممارستهم للأمور الدينية.
ففي اللغة الكردية برع “ماسي سورات” و “بينوشاد” في وضع أبجدية كردية خاصة مؤلفة من 42 حرفاً،
وحسب ما ذكره ابن وحشية النبطي الكلداني في كتابه “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام” وهو من
مسيحيي كردستان، وكان كاتباً ومترجماً لدى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (ولد من أم كردية)،
وكان يجيد الكردية، بأنه: “رأيت في بغداد ثلاثين كتاباً بهذه الأبجدية، ولديّ في مكتبتي بالشام كتابان منها،
يحكي إحداها حول زراعة الكرمة، والأخرى حول علل المياه واستخراجها، وقد ترجمتهما إلى اللغة
العربية ليستفيد منها العرب”، كما استعمل الكرد قبلها عدة أبجديات منها: الهيروغليفية والمسمارية
والآفستائية وأبجدية مستمدة من الآرامية المربعة والبهلوية.
ونسرد عدداً من أعلام الكرد الذين خدموا الثقافة العربية وساهموا في بناء الحضارة الإسلامية في المجالات
المختلفة حسب التسلسل الزمني وعلى سبيل المثال لا الحصر:
أبو حنيفة النعمان (699-767 ):
وهو من التابعين وأحد المجتهدين الكبار وأول الأئمة الأربعة صاحب المذهب الحنفي، وله كثير من
المؤلفات والتصانيف في الفقه والحديث، تعرض للسجن والتعذيب على يد أبو جعفر المنصور لأنه رفض
عرضه لمنصب قاضي القضاة كي يفتي حسب رغبته، ولما ألحّ عليه المنصور لتولّي أي عمل كان، فقبل
أبو حنيفة أن يقوم بأعمال البناء وإعداد اللبن، وقيل توفي في بغداد بعد ضربه وسقيه بالسم.
أبو حنيفة الدينوري (828-895):
هو أحمد بن داوود بن ونَنْد، من علماء الفلك والنبات واللغة ورواية الحديث، ولد في دينور[7]، نسبته
المصادر الإسلامية إلى الفرس تارة والعجم تارة أخرى وهو كردي، قال عنه أبو حيان التوحيدي: “إنه
من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم”، بلغ مؤلفاته حوالي عشرون كتاباً منها: تفسير القرآن (13 مجلد)، الوصايا، الشعر والشعراء، ما تلحن فيه العامة، إصلاح
المنطق، النبات، البيان، رسالة في الطب، الجبر والمقابلة، البلدان في الجغرافيا، الانواء في الفلك والطقس،
الأخبار الطوال في التاريخ.
الرحالة ابن فضلان (877- 960):
هو أحمد بن فضلان العباس رحالة مشهور، غادر بغداد سنة 921م بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر
بالله في بعثة دينية إلى بلاد الترك والخزر وروسيا والصقالبة ووصل إلى بلغاريا يوم 12 أيار 922م
(اتخذت جمهورية تتارستان ذلك اليوم عطلة دينية)، يعتبر وصفه أقدم وصف أجنبي لروسيا. (ويكيبيديا).
أبو علي القالي (901- 967):
هو إسماعيل بن عيذون بن هارون بن محمد بن سلمان، وكان جده سلمان مولى الخليفة عبد الملك بن
مروان، ويعني أنه من الموالي وليس عربيّاً، ولد في مدينة ملاذ كرد- مناذ كرت بشمال كردستان أهلها
غالبية كردية مع قليل من الأرمن والروم لأنها كانت تحت سيطرة بيزنطة وقتها، وكنيته “قالي” جاءت
من اسم المدينة التي دعتها العرب “قاليقلا” (من قال قيل لأنهم لم يفهموا لغة أهلها) لكن اسمها الحقيقي
“ملاذ كرد” التي اشتهرت تاريخياً أثناء معركة آلـﭖ آرسلان السلجوقي مع البيزنطيين سنة 1071م وكان
الكرد يشكلون عشرة آلاف فارس من أصل الجيش السلجوقي المكون من 14 ألفاً، ومن المؤكد أن “القالي”
كردي، لأنه مسلم ولو كان رومياً أو أرمنيا لذكر كنيته، سافر القالي إلى الموصل وهو صغير طلباً للعلم
ثم شد الرحال إلى بغداد حيث درس النحو والعربية والفقه والحديث والأدب وبرع فيها، ثم توجه نحو
الأندلس تلبية لدعوة من الملك عبد الرحمن الناصر ووصل إلى قرطبة، ولقي استقبالاً من ولي العهد وعهد
إليه التدريس في جامعة قرطبة ونزل ضيفاً على الخليفة الناصر، وعكف على التأليف إلى جانب التدريس
وأبرز كتبه: المقصود والممدود، خلق الإنسان، مقاتل الفرسان، فعلتُ وأفعلتُ، البارع، وأشهر كتبه:
الأمالي وهي مجموعة محاضرات وقد ذكره ابن خلدون في مقدمته وكذلك ياقوت الحموي والقفطي،
وتوفي في قرطبة.
– ابن حوقل النصيبي (القرن العاشر الميلادي):
هو محمد بن علي البغدادي الموصلي المشهور بابن حوقل، ولد في بغداد وأسرته نصيبينيّة الموطن (بجانب
مدينة قامشلي) وهو ليس بعربي لأن العرب من عاداتهم ينتسبون إلى قبائلهم، ولم يكن وقتها للتركمان
وجود في المنطقة، وليس سريانياً لأن السريان مسيحيون، ونرجح أنه كردي، أمضى ابن حوقل ثلاثين عاماً في الرحلات، وكان يزاول التجارة من نهر السند حتى المحيط الأطلسي، كما زار اليونان والبلقان
وإيطاليا واسبانيا، اشتهر ابن حوقل بكتابه “المسالك والممالك” المعروف بـ”صورة الأرض” وضع فيه
كل معارفه الجغرافية من النواحي البشرية والطبيعية والاقتصادية والعرقية والحيوية (النبات والحيوان)،
ويعتقد أنه توفي سنة 978م.
الفيلسوف شهاب الدين السُهْرَوَرْدي (ت 1190م):
هو يحيى بن حبش بن أميرك ولقب بالشهيد، ولد في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، وتقع بلدة
سهرورد الكردية شمال شهرزور وقريبة من زنجان في جنوب كردستان، ويعتبر السُهْرَوَرْدي من كبار
مفكري المذهب الإشراقي، والإشراقية تعني الوصول إلى المعرفة الحقيقية، وهي حسب قول قطب الدين
الشيرازي “ظهور الأنوار العقلية وفيضانها بالإشراقات على النفوس عند تجردها”، ويقول السهروردي
إنّ: “الله نور الأنوار ومن نوره خرجت أنوار أخرى هي عماد العالمين المادي والروحي”، وهي قريبة
من مذهب أفلاطون، ولتوسيع معرفته تجول في معظم مدن كردستان وآسيا الصغرى وبلاد الشام، بلغت
مؤلفاته تسعة وأربعين كتاباً منها: حكمة الاستشراق، المناجاة، كشف الغطا لإخوان الصفا، الألواح
العمادية، هياكل النور وغيرها، وأخيراً استقر بحلب، لكنه تعرّض لانتقادات قوية بسبب فلسفته من قبل
الفقهاء والعلماء واتهموه بالكفر لعدم قدرتهم على فهم رؤيته، ولأنه كشف جهلهم أمام الملك الظاهر ابن
صلاح الدين ونافسهم على مجالسة الملك وصداقته، وكان صلاح الدين بحاجة إلى أولئك العلماء لدرء
خطر الفرنجة والضغط الزنكي ناهيك عن أنه على المذهب الشافعي الأشعري، فأوعز إلى ابنه التخلص
منه، ولما أدرك السهروردي بأنه سيقتل اختار أن يُترك في مكان منفرد ويمنع عنه الطعام والشراب إلى
أن يلقى ربه، ففعل الملك، واستشهد في قلعة حلب عن عمر نحو ست وثلاثين سنة[8].
ابن الصلاح الشهرزوري (1181- 1245):
هو الإمام عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشرخاني ولد في شرخان قرب شهرزور (ولاية السليمانية
جنوب كردستان)، عاش في العصر الأيوبي وزار بغداد والموصل ودمشق وتولى التدريس في العديد من
المدارس منها مدرسة ست الشام زمرد خاتون أخت توران شاه، برز في علوم التفسير والحديث والفقه،
وكان القاضي والمؤرخ ابن خلكان تلميذه، قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: “هو في عداد الفضلاء
الكبار”، ومن مؤلفاته: شرح صحيح مسلم، الأمالي، الفتاوي، طبقات الشافعية وغيرها، توفي في دمشق
ودفن فيها وقبره بجوار قبري ابن تيمية وابن كثير داخل مبنى كلية طب الأسنان. (بحث إلكتروني للدكتور
أحمد الخليل).
العالم الفقيه عيسى الهكاري (ت 1189):
هكاري بلاد جبلية تقع في قلب كردستان في الزاوية الجنوبية الشرقية من خارطة تركيا، يجهل المؤرّخون
ولادته ونشأته وشبابه، كان يقيم بحلب ودرّس في المدرسة الزجاجية، اصحبه القائد شيركوه إلى مصر
وأصبح إماماً، ثم مستشاراً لصلاح الدين، وتولى الوزارة، كما كان من كبار أمراء العسكر ومن قدماء
فرقة فرسان الأسدية (فرقة شيركوه) بمعنى أنّه كان فقيهاً وجندياً “يلبس زي الأجناد وعمائم الفقهاء”[9]،
إلى جانب كونه سياسياً بارعاً أيضاً، وتكمن عبقريته السياسية في تمكّنه من إقناع الخليفة الفاطمي في تولية
الوزارة لصلاح الدين بعد وفاة شيركوه، وإقناع أمراء الجند لقبول تولية صلاح الدين مع أنه كان من
أصغر قادة الجند.
الفقيه ابن الحاجب (1175- 1249):
هو عثمان بن عمر.. بن الحاجب الكردي الدويني (نسبة لمدينة دﭬين- حالياً في أرمينيا) كان أبوه حاجباً
لدى الأمير موسك ابن خال صلاح الدين، استوطن في مصر ونبغ في الشام ثم انتقل إلى مصر، كان عالم
زمانه ومفتياً وضليعاً في التفسير والتصريف واللغة والعروض، وله تصانيف عدة منها: مختصر في
الفقه، شرح المفصل، الأمالي، المقدمة، الجامع بين الأمهات، الكافية، الشافية، وغيرها، ويعتبر ابن
الحاجب وابن الصلاح الشهرزوري من أشهر علماء الإسلام.
ابن تيمية (1263-1328):
هو أحمد بن عبد الحليم الحراني اشتهر بكنية أسرته “ابن تيمية”، وهي اسم إحدى جدّاته حيث تتمكن المرأة
الكردية من منح اسمها لعائلتها؛ لأهميتها في المجتمع الكردي، وكان إماماً وخطيباً ومحدثاً ومفسراً ومفتياً
ونحوياً وفقيهاً حنبلياً لقب بشيخ الإسلام، وكان هدفه إعادة الإسلام إلى عهده الأول واتباع خُطا الأسلاف،
ولد لأبوين كرديين في حران (منطقة كردية تابعة لولاية أورفا) ومن أسرة راسخة في العلم فقد كان والده
وجدّه عالمين جليلين، حارب البِدع ووقف في وجه كل خروج عن الشريعة وقاد حملة على غلاة الصوفية،
ولذلك كثر أعداؤه وزجّ به في السجن بعد أن عجز حساده من تفنيد حججه، وفي مصر أيضاً دخل السجن
بسبب عداء المتصوفة له؛ لرفضه مسألة الاتصال بالذات الإلهية والوصول إلى الحالة الروحانية، كما أنّه
وقف في وجه التتار الذين غزَوا بلاد الشام في عهد الملك قلاوون، وقابل ملكهم وحاربهم، ولمّا انتهت
البلاد من غزو التتار تم سجنه من جديد؛ بسبب فتوى منع بموجبه زيارة القبور اعتماداً على نهج السلف،
وتوفي في السجن، ومن كتبه: الرسالة الحموية، منهاج السنة النبوية وغيرها.
– عزالدين ابن الأثير الجزري (1160-1233):
يعتبر من أشهر مؤرّخي الإسلام، ولد في جزيرة بوتان وتوفي في الموصل، عاصر دولة صلاح الدين
ورصد أحداثها، ومن أعماله الشهيرة: الكامل في التاريخ /12 مجلداً/ أسد الغابة في معرفة الصحابة،
اللباب في تهذيب الأنساب، آداب السياسة… الخ.
ضياء الدين الجزري (1164-1239):
اجتهد في مجال الادب ومن أعماله: المثل السائر في أدب الكاتب، والشاعر/ مجلدان، الوشي المرقوم في
حل المنظوم، البرهان في علم البيان.. الخ.
– ابن خلكان (1211-1282):
هو أحمد بن محمد أبي بكر بن خلكان بن باوك … بن حعفر بن خالد البرمكي الأربيلي من قبيلة الزرزاري
الكردية، أصبح قاضي القضاة في عهد الملك بيبرس على الديار الشامية، كما أنه فقيه وأديب ومؤرخ، ولد
في أربيل ودرس فيها ثم انتقل إلى حلب ودمشق والموصل، وأخيراً إلى القاهرة، ثم توفي في دمشق،
وأشهر كتبه “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان”.
ابن النديم (أبو الفرج محمد بن اسحاق):
أديب وكاتب سيرة وجامع فهارس، أشهر مؤلفاته: الفهرست (فهرست ابن النديم) وأحد عشر كتاباً غيره،
ولد في بغداد وتوفي فيها سنة 1047.
ابن شداد (1145- 1234): هو يوسف بن رافع بن شداد الموصلي، قاض ومؤرخ وسياسي، ولد في
الموصل، اتسم بالحكمة ورجاحة العقل، رافق صلاح الدين في حروبه ودوّن تلك الاخبار والوقائع، أشهر
كتبه: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، وهو في وصف سيرة صلاح الدين الأيوبي.
– ابن شداد (1217-1285):
هو محمد عز الدين بن علي بن إبراهيم، نشأ في حلب وخدم الأيوبيين، مؤرخ وجغرافي، أشهر كتبه:
الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة.
أبو الفداء (إسماعيل بن علي الأيوبي) (1273-1331):
هو جغرافي ومؤرخ وسياسي وشاعر، ولد في دمشق وولي على حماه، أشهر آثاره: تقويم البلدان، وهو
من أهم الكتب في علم الجغرافيا في العصر الوسيط، وكتاب: المختصر في اخبار البشر. نقش اسمه على
جدران الجمعية الجغرافية الفرنسية وسمّي أحد جبال القمر تيمّناً باسمه. قال عنه كراتشكوفيسكي: الكتب
التي أثارت اهتمام الغرب (القرآن، ألف ليلة وليلة، وتقويم البلدان لأبي الفداء)، وهي شهادة كبيرة من لدن
هذا العالم.
زرياب (789-857):
هو علي بن رافع الموصلي ولد في بغداد وعاصر الرشيد، لقب بـ”زرياب” ويعني ماء الذهب (بالكردية)
لعذوبة صوته، أكبر موسيقي في العصر الاسلامي، أعجب هارون الرشيد بموهبته، ابتكر شكل الموشح
والعديد من المقامات، وأضاف وتراً خامساً للعود، وأحدث في أساليب التلحين والايقاع، تأثرت أوربا
بموسيقاه، وكان متعدد المواهب ومبتكر فن الذوق (أتيكيت)، كما أنّه أدخل ولأول مرة الأواني الزجاجية
على مائدة ملوك الأندلس بدلاً من الأواني النحاسية وغيرها.
– إبراهيم الموصلي (742-806):
هو إبراهيم بن ماهان (أو ميمون) من يهود كردستان المتـأسلمين، أقام في الموصل، كان إبراهيم من أشهر
المغنّين في بلاط هارون الرشيد، توفي في بغداد. أما ابنه اسحاق الذي ولد في الري، فقد برع في التلحين
والإيقاع، ووضع تصنيفاً للمقامات الشرقية، وألف كتباً عدة.
كما نذكر العالم الفقيه عثمان بن عيسى الماراني الكردي (ت 1208) أشهر علماء العهد الأيوبي في مصر
شرح بعض الكتب ومارس التدريس[10]، والملك المعظم عيسى بن أبي بكر الأيوبي صاحب دمشق
(ت 1227) كان من فقهاء الحنفية إلى جانب عمله في الجهاد والإدارة، والملك الأمجد بهرام شاه الأيوبي
صاحب بعلبك قتل سنة 1230 كان شاعراً وخلف ديواناً شعرياً، والصلاح الأربيلي (ت 1233) كان أديباً
وشاعراً وفقيهاً.
المؤرخ ابن أبي الهيجاء (1223-1301):
هو الأمير عز الدين محمد بن أبي الهيجاء الهذباني الأربيلي، ولد سنة 1223 م بمدينة إربيل ومن قبيلة
هذباني الكردية العريقة التي كانت تنتشر على الجغرافية الواقعة بين إربيل وجنوب القوقاز التي قامت
عليها الدولتان الكرديتان الروادية والشدادية وتتبع أمراؤها إلى عشيرة الروادي التي هي فرع من الهذبانية،
“توجه إلى الشام في شبابه وجالس الشعراء والفلاسفة ومنهم العز الضرير، وهو فيلسوف كردي أربيلي
ولد في نصيبين”[11]، وعاصر أبو الهيجاء مرحلة سقوط الدولة الأيوبية على يد المماليك بعد قتلهم
لـ”تورانشاه” آخر ملك أيوبي وتنصيب زوجته شجرة الدر خليفة للمسلمين تمهيداً للسيطرة على الدولة.
تولّى أبو الهيجا في عهد السلطان المملوكي قلاوون ولاية دمشق سنة 1285 وبقي والياً عليها حتى وفاته،
وكان عصره يعج بالحروب والمؤامرات داخلياً وخارجياً مثل مؤامرة إسقاط الدولة الأيوبية داخلياً،
وغزوات المغول والتتار المتلاحقة من الشرق والفرنجة من الغرب بغية إنهاء الدولة الإسلامية وخاصة
في بلاد الشام، وقد شارك أبو الهيجاء في صناعة الأحداث السياسية وقام الفرنجة حتى طردهم سنة 1290.
ما بقي من آثاره كتابه “تاريخ ابن أبي الهيجاء” اعتمد في كتابه أسلوب التسلسل الزمني السنوي بدءاً من
النبي محمد، لكنه ركّز على أحداث العاشر، وحتى الثالث عشر، وتوفي في دمشق ودفن في جبل قاسيون.
شرفخان البدليسي (1543- 1603):
أمير وحاكم كردي على إمارة بدليس الوراثية، سياسي ومؤرخ صاحب كتاب “شرفنامه” أقدم كتاب
تاريخي عن الكرد، وينتمي إلى عشيرة روجكي الكردية.
[1] د. قادر محمد حسن، إسهامات الكرد في الحضارة الإسلامية، دار سبيريز اربيل ص 39.
[2] ابن خلكان، وفيات الأعيان، ويؤكد ابن خلكان أنه ينتسب إلى العشيرة نفسها وينتسب إلى أسرة البرامكة.
[3] د. أحمد الخليل، عباقرة كردستان في القيادة والسياسة، كتاب الكتروني ص 37.
[4] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ص 281د. قادر محمد حسن، مرجع سابق ص 51
[5] الكندي، تاريخ ولاة مصر، بيروت 1987، ص 376-379،
[6] د. قادر محمد حسن مرجع سابق ص 51.
[7] دينور أهلها من الكرد وتقع في قلب بلاد الجبل عرف في العهد الأموي باسم ماه الكوفة تقع بين همدان وكرمنشاه بكردستان إيران، وصفها اليعقوبي في كتابه البلدان ص 6 بأنها “دار الأكراد”، وكانت عاصمة الدولة الحسنوية ثم أصبحت تابعة للدولة العيارية الكرديتين، كما كتب عنه المؤرخ الكردي عبد الرقيب يوسف أن أبو حنيفة عالم كردي.
[8] بتصرف عن مقال للدكتور أحمد الخليل حول مشاهير كردستان.
[9] ابن خلكان وفيات الأعيان ص 498.
[10] ابن خلكان، وفيات الأعيان ص 497
[11] دراسة بحثية للدكتور أحمد الخليل