الأبعاد الفنيّة والجماليّة لـ”مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة “
إسماعيل خالد محمّد
الأبعاد الفنيّة والجماليّة لـ”مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة “
” الدمقرطة وقضايا تجاوز الحداثة الرّأسماليّة“
للمفكّر عبد الله
إسماعيل خالد محمّد
مقدّمة:
“عندما تبلغ النّظمُ الذّروة؛ تبدأ بالانهيار والتهاوي”، بهذه العبارة بدأ المفكّر والفيلسوف عبد الله أوجلان تحليل ذهنيّة الحداثة الرّأسماليّة والتي قال عنها إنّها: “القوّة الحقيقيّة والأصيلة للحداثة الرّأسماليّة التي لا تنبع من مالها أو سلاحها؛ بل من قدرتها على خنق كافّة – اليوتوبيات – بما فيها يوتوبيا الاشتراكيّة الأخيرة والأقوى، وكتم أنفاسها ضمن ليبراليتها المتنكّرة بألبسة متغايرة الألوان بما يفوق قوّة أمهر ساحر”. اليوتوبيا أو الطوباويّة معناها؛ ما ليس في مكان، أيّ المكان الخياليّ وغير الموجود.
تتميّز قدرة المفكّر عبد الله أوجلان في التعرّف على (الحداثة الرّأسماليّة) المتحصّنة بألف درع وقناع، وحسب تحليله ورؤيته فإنّه سوف يتعلّق بالدولتيّة القوميّة كقومويّ بدائيّ، أو كان سيُنهي مَصيره كحركة يساريّة كلاسيكية مثل مئات الأمثلة، حتّى لدى موسّسي الدّول.
وبالعودة إلى الحداثة الرّأسماليّة، إذا لم يُحلَّل موضوع خنقها لكافّة اليوتوبيات الإنسانيّة في بوتقة ليبراليّتها؛ فإنّ أعظم تيّار فكريّ واثق من نفسه لن يتخلّص من التحوّل إلى خادم مُطيعٍ لها في أحسن الأحوال.
ما منْ أحد حلّل الرّأسماليّة بقدر ماركس، وقِلّة نادرة تعمّقت في موضوع الدّولة والثّورة بقدر لينين، ولكن من وجهة نظر المفكّر عبد الله أوجلان: “أنّ التّقاليد الماركسيّة – اللّينينيّة قد أهدت كَمّاً لا يُستهان به من المواد والمعاني إلى الرّأسماليّة، حتّى لو بدت مضادّة لها، وهناك ضرورة للتركيز بعمق أكثر على يوتوبيا الحُرّيّة. إذا لم نحلّل الفرد والمجتمع اللذين تُحرّضهما الليبراليّة، ولم نوجّه الإنسان إلى مساره الطبيعيّ، فلن تكون النتيجة أبعد من الموت بالسّرطان الاجتماعيّ.
يعتبر مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة بمجلّداته الخمسة «المدنيّة، المدنيّة الرّأسماليّة، سوسيولوجيا الحُرّيّة، الشرق الأوسط، القضيّة الكُرديّة»” من أكثر المؤلّفات التي اكتسحت مجالات الوعي البشريّ وفتحت أمامه أبواب الوعي السّياسيّ والتّاريخيّ الاجتماعيّ. هذه الثّمرة الفكريّة الخلّاقة التي نُشرت حتّى الآن بثمان لغات هي “الكُرديّة، التركيّة، الإنكليزيّة، الفرنسيّة، الإسبانيّة، الألمانيّة، الإيطاليّة، والفارسيّة”، تحوّلت إلى أيقونة للثّورة المجتمعيّة، وأحد أهمّ أسسها أنّها شملت جميع المناحي، وخاصّة ما يتعلّق بقضايا الحداثة والمرأة والفكر والنقد.
ارتكزت الفكرة الرّئيسيّة لهذه المؤلّفات القيّمة “مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة”، التي قدّمها المفكّر عبد الله أوجلان على المناورة الإيديولوجيّة الفنيّة والنقديّة التي حملت التأثيرات الاجتماعيّة والثّقافيّة في اللّحظة والعمق التّاريخيّين، والتي اعتبَرها المفْصَل الحقيقيّ في رحلة الوعي البشريّ نحو إشكاليّة حداثيّة جديدة هي (الحداثة الرّأسماليّة).
رَكّز أوجلان من خلالها بشكل كبير وتفصيليّ على عصور ما قبل التّاريخ، وتاريخ المجتمعات القائمة إلى الآن، كذلك كان التركيز على (اليوتوبيا). اعتبار تلك التفاصيل هي تاريخ كفاح الطبقات الاجتماعية، وأيضاً صراع الثنائيّات والإيديولوجيّات والمصطلحات (الحرّ والعبد، النبيل والسّوقيّ، السيّد والتّابع، الميثولوجيا والدّين، الآلهة والبشر، الظالم والمظلوم)، ووقوف تلك الثنائيّات في تعارض دائم الواحد ضدّ الآخر، وخوضها صراعات متواصلة، علناً تارّة وسراً مستترةً تارّة أخرى، صراعٌ انتهى في كلّ مرّة، إمّا بتحوّل ثوريّ للمجتمع كلّه، وإمّا بالهلاك العام للطبقات المتصارعة.
وباعتبار المرافعة أيضاً ركّزت وبدرجة كبيرة على حقيقة الفكر الميثولوجيّ المقنّع المُستَلهم من الآلهة والآلهة الملوك، فإنّه تمّ التركيز على القوالب الدّينيّة التي اُعتبرت الأساس في فهم الكون، والمشحونة بالرّياء والخداع المقنّع، ويرى أنّ أيّ حراك رئيسيّ في الفكر الدّينيّ يتلخّص في الخضوع للذّات الإلهيّة المقنّعة، كما كشفها ووصفها أوجلان في الفصل الأوّل من المجلّد الأوّل (المدنيّة).
وباعتبار الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يتعايش مع الميتافيزيقا؛ كان لا بُدَّ من الأسلوب ونسق الحقيقة؛ انطلاقاً من الحيويّة والجمود في الإنسان، كما يطرح أوجلان. وهذه لا شكّ فيها، طالما الوقائع الاجتماعيّة من فعل أناس يسبغون المؤسّسات والبنى الاجتماعيّة بخاصيّة وكأنّها واقع طبيعيّ واعتيادي ومقدّس وثابتٌ وإلهيٌّ.
يقول المفكّر أوجلان: “التقسيمُ الآخَر الذي اضطررتُ لعَمَلِه؛ معنيٌّ ببُعدُ الحضارةِ الدّيمقراطيّة. فرغم تواجدها ضمن النّهر الأم، إلا أنّه لا يُمكِن مطابقتُها بالأخريات. علماً أنّ الحضارةَ والمدنيّةَ كلٌّ متناقضٌ إلى أبعدِ الحدود. والتّناقضُ الأوّليّ يكمن فيما بين المدنيّةِ الاحتكاريّة والحضارةِ الدّيمقراطيّة للمجتمع غيرِ المتدوّل. ونتلمّسُ التّناقضَ بين المدنيّةِ الدّولتيّة والحضارةِ الدّيمقراطيّة بأفضلِ صُوَرِه بين المدينتَين الإغريقيّتَين في العصرِ القديم. أي، بين إسبارطة التي تُحكَمُ بالمَلَكيّة، وأثينا التي تُدارُ بالدّيمقراطيّة. وقد شوهدَ تناقضٌ محتدمٌ مشابهٌ لدى تطوّرِ المدنيّة الأوروبيّة أيضاً. فالتّناقضاتُ الحادّةُ القائمة بين الدّولة وديمقراطيّاتِ المدائن منذ القرن الرّابع عشر وحتّى أواسطِ القرن التّاسع عشر، هي تناقضاتٌ دارَت من حيث الجوهرِ بين الدّولة والحضاراتِ الدّيمقراطيّة”.
لا يمكن لأيّ عمل أن يصبح ذات قيمة وحياة دون فكرة الصراع وتخطّي القوالب الجامدة، ومحاربة التفكير الأخلاقي لدى الشعوب، وهذا ما ركّز عليه المفكّر في مرافعته العظيمة حين طرح، وبقوّة، فكرة عندما عاد مجدداً ليكمل ما بدأه عن الأسلوب ونسق الحقيقة، وليميّز هذه المرّة بين الفكر العاطفيّ والفكر التحليليّ، وأنّ النّظام الكونيّ يَكْمُنُ خلف العلاقة بين الحقيقة والعدالة، وأنّ الحياة الخاطئة لا تُعاش بصواب، وأنّ الدّول القوميّة هي من ثمار الحداثة الرّأسماليّة، وهذه الحداثة الرّأسماليّة هي السّبب الرّئيسي في مآسي الشّعوب.
في الفصل الثاني يعود بنا المفكّر إلى تاريخ ظهور المدنيّة وإلى قضايا انتشار اللّغة والثّقافة والتطوّر الاجتماعيّ والتفسير السّليم للحداثة وما بعدها. ويركّز هنا حديثه عن منطقة الهلال الخصيب وقوس جبال طوروس وزاغروس، ويتحدّث عن السرّ الذي جعل العلماء والباحثين في الآثار ليتوجّهوا إلى هذه المنطقة بالذّات. وهنا يسرد المفكّر سيرة حياته الطّفوليّة في القرية، عندما كان يرى النّسوة كيف كُنَّ تَخرُجنَ إلى العمل صباحاً، وكيف كان يرى أمّه والنّسوة الأخريات وهُنَّ عائدات من البئر لإحضار الماء، وكيف كانت المعاناة والأنين بسبب ثقل الدّلو المملوء بالماء، وما كان لذلك من الأثر البالغ بضرورة الخروج عن العادات والموروثات التقليديّة المتّبعة، ليطرح فلسفة جديدة قائمة على إعطاء المرأة الرّيادة والدّور الكبير باعتبارها العنصر المحرّك لأيّ مجتمع، وفي الباخوسيات([1]) وديونيسوس([2])، كما كان يحلم المفكّر ليكون عبرة كبيرة للوصول إلى المرحلة التي كان يخطّط لها ويعايشها في وجدانه وقلبه على الدّوام.
ويربط القائد بداية تكوّن المجتمعات المدنيّة ببداية دولة الرُّهبان السّومريّة، ويحلّل معنى الحداثة الرّأسماليّة وعلاقتها بالثّورة النيوليتيّة في منطقة الهلال الخصيب والسوسيولوجيا الوضعيّة، باعتبارها البنية الارتكازيّة لنشوء القبيلة التي هي الأساس في نشوء المدنيّة.
يركّز أوجلان اهتمامه في المجتمع الحضريّ في المدينة، ويتحدّث عن عصر الآلهة المقنّعة والملوك المتستّرين، ويفسّر العلاقات الاجتماعيّة في المجتمع السّومريّ من خلال الدّور الذي كان يلعبه الرُّهبان ودور الزقّورات في إدارة شؤون المجتمع السّومريّ القديم. ويُعرّج على قضايا انتشار المجتمع الحضريّ وتوسّع المدنيّات ذات الأصول السّومريّة، ولا يهمل قضايا المقاومة في مراحل المجتمع الحضريّ في أوائل التّشريعات الدّينيّة لدى المسيحيّة والإسلام أيضاً، وكذلك يبحث في اللّاهوتيّة المُستقاة من الفلسفة الإغريقيّة والسّومريّة والمصريّة والدّعامات الهشّة لليوتوبيا الدّينيّة (المسيحيّة والإسلاميّة).
لقد تطوّرت الدّيمقراطيّات القديمة في عددٍ من المدن الصغيرة ذات الدّيانات المحلّيّة، ولهذا فإنّ نشوء الدّول الكبرى والإمبراطوريّات في معظم البلدان في العصور الوسطى ضمّت إليها الدّيمقراطيّات الأولى أيضاً، وهذا الأمر قلّص فرص تطوّر الدّويلات الدّيمقراطيّة وسرّع في القضاء عليها. في المقابل سجّل في فترة العصور الوسطى تطوّر في مجال الدّيمقراطيّة، لكنّه كان تطوّراً على مستوى حقوق الأفراد والقيم النّاتجة عن قيم الليبراليّة التي ظهرت مع فلاسفة التّنوير أمثال “جون لوك، توماس هوبز، وإيمانويل كانط”، قبل حدوث أيّ تقدّمٍ ملموس في مجال الدّيمقراطيّة. ومن هنا ازدهرت الدّيمقراطيّة الليبراليّة في الغرب. كان للدّيانات الكبرى كالمسيحيّة والإسلاميّة إسهامٌ كبير في توطيد عددٍ من الثّقافات والقيم، الأمر الذي أدّى إلى تغيّر معنى الدّيمقراطيّة وسلوكها السّلوك الحداثي لاحقاً.
لا نهاية للصراع المستمرّ والدّائم، كما يعتقد المفكّر أوجلان، بين ما تفرضه وتصنعه مجتمعات عصر الحداثة الرّأسماليّة، ومفهوم الحُرّيّة التي يسعى إلى تحقيقها، حيث يقول في هذا الصدد: “إنّ الماضي والتّاريخ يبيّن اليوم والمستقبل، تعلموا، انْهَلوا من معارفه ولا تنسوا أبداً ما تمّ عيشه ضمن هذه الجغرافيّة”. الشيء الأساسيّ والبارز هو الإيمان بالحُرّيّة والإصرار في السير على طريقها، أمّا سلطة سلاطين اليوم؛ فما هي إلا حالة مؤقّتة كما كانت عليه في غابر الزّمان.
يقول أوجلان: “تَكتَسِب الحداثةُ الغربيّةُ المؤلَّفةُ من ثالوثِ الصناعويّةِ والدّولتيّة القوميّةِ والرّأسماليّة، ماهيةً تفيد بأنّها من أشدِّ عصورِ التّاريخ ومدنيّاته دمويّةً، بسببِ شموليّتها هذه. إنّ الحداثةَ المرتكزةَ إلى هذا الثّالوثِ المتداخل، تَسقُطُ في وضعٍ تندلع معه الحروبُ الدّاخليّة (الفاشيّة) داخلَ المجتمعِ من جهة، والحروبُ الوطنيّة والإقليميّةُ والعالميّة فيما بين الدّول من الجهةِ الأخرى. وكما ذكرنا مِراراً، فما يكمن وراء ذلك أساساً هو كيفيّةُ نشوءِ وتقاسُمِ الأرباح. فبينما تُحدِّد الدّولةُ القوميّةُ هدفَها في التّصنيع، فهي تضع ماهيّتَها أو رغبَتها في الرَّسملة ضمن الأجندة. وعندما يُدَلِّلُ الرّأسماليّون على الدّولةِ القوميّةِ كهدفٍ سياسيٍّ لهم؛ فإنّهم بذلك يُظهِرون أنّ تشييدَ الدّولةِ القوميّة يَمُرُّ مِن َرَصِّ صفوفِ الأمّة ولصقِها بالنّزعة القومويّة، وأنّ هذا هو نظامُ الدّولةِ الأكثر لزوماً في سبيلِ ترسيخِ نظامِ الرّبح. وهكذا يَكُون مصيرُ القرنَين التّاسع عشر والعشرين قد تَبَيَّن، مع تَحَوُّلِ الصناعةِ إلى هدفٍ رئيسيّ للدولة والرّأسماليّة، على حدٍّ سواء. الصّناعةُ أيضاً عصرٌ إنتاجيّ، مثلما هي الزّراعةُ والمانيفاكتورة. وهي تَعتَمِدُ على الإرثِ الحضاريّ، إلا أنّه ما مِن عصرٍ إنتاجيٍّ مَدَّ الدولةَ والاحتكارَ الرّأسماليّ بقدرةِ الإكثارِ من الأرباح والسُّلطات، بقدرِ ما هو عليه عصرُ الصّناعة. لذلك تَبدأُ الدّولةُ والرّأسماليّ بالتّنافس في موضوعِ التّصنيع، ويُظهِران هذا الحبَّ الأعمى السّوداويَّ له، لا لِتفكيرهما الجدّيِّ بالمجتمع والفرد، ولا لاحترامِهما الكبيرِ للأمّة؛ بل لأنّهما حَظِيا بفرصةِ ربحٍ تاريخيّة”.
يصف أوجلان “المدنيّة الرّأسماليّة” بالقول: “المدنيّة الرّأسماليّة باصطلاح ضيّقُ النطاق. لكنّ تصويرَ مدنيّةٍ كالمدنيّة الأوروبيّة – والتي تشمل في ثناياها على العديد من العناصر الدّيمقراطيّة المنيعة للغاية – وكأنّها مدنيّةٌ مشترَكةٌ بين طبقتَين وحسب (العمال – الرّأسماليّون)، هو تصويرٌ يحتوي على معانيَ خاطئةٍ جدّاً. لذا، سيَكُون من المفيد أكثر التمييزُ بين أوروبا الدّيمقراطيّة وأوروبا الرّأسماليّة، بدلاً من القول بوجودِ حضارةٍ أوروبيّةٍ وحيدة. وما الاتّحادُ الأوروبيّ الحالي سوى مساعٍ لتطويرِ نمطٍ لأوروبا يَسُودُ الوفاقُ فيه بين الحضارةِ والمدنيّة. إنّها تجربةٌ مثيرةٌ وخليقةٌ بالبحثِ والدراسة. فالضرورةُ الماسّةُ لتأمينِ توازنِ مدنيّةِ أوروبا الدّولتيّة المتصلّبة مع التّقاليد الدّيمقراطيّة الحصينة للغاية، ومع القوى المرنةِ كالمنطقِ والحقوق؛ إنّما يتماشى وتعريفَنا بصددِ المرحلةِ الأخيرة من المدنيّةِ الدّولتيّة (أي تداخُل المدنيّة والأزمات). وما الحروبُ الضاريةُ المستمرّةُ على مدى أربعةِ قرونٍ بِحالها؛ سوى برهانٌ آخَر على البنيةِ المتأزّمة. هذا وبالإمكان اعتبارُ مثالِ النّظام السوفيّيتي برهاناً آخَر على النّقاشات الدّائرةِ على قَدَمٍ وساق بشأنِ النّظام القائم. وبُنيةُ الاتّحاد الأوروبي، وجدالاتُه بشأنِ المستقبلِ كافيةٌ لوحدِها لتبيانِ مدى تَرَدُّدِ الحداثةِ وعجزها عن النّفاذِ من الأزمة”.
خاتمة:
لا نملك وصفاً أعمق ممّا ذكره المفكّر عبد الله أوجلان حول ذهنيّة الحداثة الرّأسماليّة “الوحش غير المروّض”، حيث قال: “لا يمكننا التغلّب على نظامٍ يقتات دائماً على الحرب داخلَ المجتمع وخارجه، إلا بالالتفاف حول يوتوبياتنا في الحُرّيّة، وبتأسيس بؤرِ المقاومة والعدالة في كلِّ مكانٍ يتواجد فيه الاضطّهاد والاستغلال والسُّلطة. وكلُّ السُبُل الأخرى أَشبَهُ بدوّامةٍ عقيمةٍ للحياة، حيث لا هدفَ ولا نتيجةَ لها سوى استهلاكُ العمر واستنفاذه.
أخيراً وليس آخراً يُعبّر أوجلان من خلال مرافعته الأخيرة “مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة” أنّه انقطع وتخلّص من الحداثة الرّأسماليّة إلى الأبد، من دون الالتفات إلى الوراء أو الرّجوع لها، من خلال الوعي الإيديولوجيّ والفكريّ لسياسته التي تعتمد على التّنظيم والعمل والأخلاق والثّقافة، والإيمان الكامل بقُدُرات الفرد والمجتمع وخلق الممكن من المستحيل، والإمكانيّات من العدم.
المراجع:
______________________
1- مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة، المجلّد الأوّل: العصرانيّة الدّيمقراطيّة وقضايا تجاوز الحداثة الرّأسماليّة (المدنيّة) عصر الآلهة المُقَنَّعة والملوك المتستّرين – تأليف: عبد الله أوجلان.
2- مانفيستو الحضارة الدّيمقراطيّة، المجلّد الثّاني: (العصرانيّة الدّيمقراطيّة وقضايا تجاوز الحداثة الرّأسماليّة) المدنيّة الرّأسماليّة) عصر الآلهة غير المقَنَّعة والملوك العُراة – تأليف: عبد الله أوجلان.
([1]( الباخوسيّات (أو الباكوسيّات): دراما كتبها الشاعر يوربيديس (480 ق.م – 406 ق.م) كجزء ثالث من إحدى رباعيّاته (تيترالوجي)، وربح من خلالها عام 405 ق.م أوّل جائزة للتراجيديا في أثينا.
([2]( ديونيسوس: هو إله الخمر عند الإغريق القدماء وملهم طقوس الابتهاج والنشوة، ومن أشهر رموز الميثولوجيا الإغريقيّة.