التّطبيع بين العرب وإسرائيل.. الجذور.. الدّوافع والأهداف
جميل رشيد
التّطبيع بين العرب وإسرائيل.. الجذور.. الدّوافع والأهداف
تمهيد:
يُعتبرُ التّطبيع مع إسرائيل، بكلّ أشكاله ومستوياته، إحدى القضايا الشائكة والمعقّدة التي تواجهها كلّ من الأنظمة والشّعوب العربيّة منذ نشأة دولة إسرائيل وإلى يومنا هذا. وتختلف الآراء والمواقف منه، تبعاً للأنظمة ولموازين القوى بينها وبين إسرائيل، فضلاً عن المعادلات السياسيّة الإقليميّة والدّوليّة السائدة، والتي لها دور فاعل في الضغط باتّجاه عمليّة التّطبيع.
إلا أنّ ردود الفعل المجتمعيّة والشّعبيّة حيال التّطبيع رافضةٌ لأيِّ نوعٍ من التّطبيع، وربّما يستمدّ هذا الرّفض المُطلق قوّته من الأسباب التّاريخيّة والدّينيّة التي صنعت خلافاً متأصّلاً بين اليهود والمسلمين على مدار قرون من الزّمن، وهي تُعبِّرُ عن المزاج الشّعبيّ والذّاكرةِ الجمعيّة للشعوب العربيّة والإسلاميّة، رغم المحاولات الحثيثة لزرع قيم السّلام والتّعايش المشترك بين جميع شعوب المنطقة، والبحث عن تقاطعات، من شأنها تهيئة الأرضيّة للعودة للثّقافة المشتركة للشعوب إبّان الفترات الذّهبيّة التي مرّت عبر حقب التّاريخ المختلفة.
في مبحثنا هذا، سنستعرضُ أهمّ الدّوافع لدى كلّ الأطراف الباحثة عن التّطبيع، حيث يُرجِعُها البعض إلى حاجة الأنظمة العربيّة إلى نوع من الاستقرار والانفتاح على إسرائيل، وأنّها أضحت “دولةً”، و”كياناً” معترفٌ بها، بحكم الأمر الواقع، ولا يمكننا تجاوزها وإلغاؤها، مستندين إلى مبدأ “الواقعيّة السياسيّة”، بعد استحالة نفي إسرائيل والقضاء عليها، أو رميها في البحر. كما ساد هذا المفهوم في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي.
وسنحاول قدر الإمكان البحث في أهداف كلا الطرفين من عمليّة التّطبيع، وتبيين المبرّرات المنطقيّة التي يُسوّقُ لها كلّ طرف، دون إغفال الجانب البراغماتي المتّسمِ بمصالح الأنظمة، وهل فعلاً عمليّة التّطبيع هدفها الوصول إلى عمليّة سلام شامل بين إسرائيل والدّول والشّعوب العربيّة؟ وسنحاول تقديم قراءة له على ضوء العمليّات التي أقدمت عليها عدد من الأنظمة العربيّة، وما جلبته من تغييرات.
كما سنتطرق، بالأدلّة والقرائن، إلى تجارب التّطبيع، وما أسفرت عنه من نتائج سلبيّة أو إيجابيّة، على كلّ المستويات، وهل تمّ تجاوز العقدة الكأداء بين إسرائيل والشّعوب العربيّة بمجرّد توقيع معاهدة سلام من قبل أحد الأنظمة العربيّة، وهل ساحات الرّفض الشّعبيّ ما زالت تمتلك أدواتها الفكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة في استمرارها في نبذ إسرائيل، وعدم قبولها بأيّ نوع من أنواع التّطبيع معها؟ ومادام أنّ التّجارب “التّطبيعيّة” قد خلقت شرخاً بين الأنظمة وشعوبها، كيف عبّرت الأخيرة عن رفضها للتطبيع، وهل جاءت بالنتيجة التي تتوخّاها منه، أم أنّها لازالت تصارعُ طواحين الهواء الدونكيشوتيّة؟
كما أنّ مستويات وأشكال التّطبيع، لها أهميّتُها في الدّراسة، وهي تمثّل بمجملها، مسائل خلافيّة عميقة بين الطرفين، طالما أنّ النظام الرّسميّ العربيّ سعى من خلاله إلى سبغ نوع من المشروعيّة على خطواته التّطبيعيّة، وعدم حصرها في الجانب السياسيّ المتضمّن الاعتراف وتبادل السّفراء، لنقلها إلى الجانب الاقتصاديّ والثّقافيّ والمجتمعيّ، من خلال وضع آليّات للتطبيع متمثّلة في الزّيارات المتبادلة بين أبناء المجتمعين الإسرائيليّ والعربيّ، وتنشيط حركة السياحة وما إلى ذلك.
إلا أنّ النقطة الرّئيسيّة في البحث تتمثّل في مواقف القوى والحركات السياسيّة من عمليّة التّطبيع مع إسرائيل، والتي لها أهميّة كبيرة في انتقال التّطبيع من مجرّد عمليّة اتّفاق بين أنظمة، إلى ترسيخه في بنية المجتمعات وتحوّله إلى ثقافة دائمة. وتنقسم الآراء والمواقف، بين رافضة لها جملة وتفصيلاً، معتبرةً إيّاها “خيانة” موضوعيّة وذاتيّة، لا تمثّل رغبات وطموحات شعوبها، بقدر ما تمثّل مصالح الأنظمة، منطلقة في ذلك من ثوابت قومويّة متشدّدة. في حين أنّ قوى اليسار العربيّ، تتبنّى هي الأخرى مواقف الحركات القومويّة، متذرّعة بأنّ التّطبيع بحدّ ذاته يُعدُّ تنازلاً للقوى الرّأسماليّة العالميّة في تثبيت أركانها في المنطقة عبر إسرائيل، وأنّ أيّ تطبيع معها، يُضعف الصراع مع الرّأسماليّة التي دخلت مرحلة العولمة. كما أنّ بعض القوى الإسلاميّة، وقفت في المنطقة الرّماديّة، رغم تبجّحها بمناهضة أيّ عمليّة تطبيع مع إسرائيل، معتبرةً أنّ الصراع مع إسرائيل أزليّ، غير محكوم بالظروف والشروط الآنيّة، طالما أنّه يأخذ أبعاداً دينيّة. لكن التباينات في مواقفها ظهرت خلال أكثر من مناسبة، لتلعب سياسيّاً على قضيّة التّطبيع، وبشكل موارب، كما حصل مع حركة الإخوان المسلمين في مصر إبّان تطبيق اتّفاقيّة كامب ديفيد، أو من خلال مواقف حركة المقاومة الإسلاميّة الفلسطينيّة (حماس)، وكذلك ما قام به عددٌ من نوّاب جماعة الإخوان المسلمين في مجلس النوّاب الأردنيّ، ومنهم قياديٌّ إخوانيٌّ، هو حاليّاً نائب في “كتلة الإصلاح”، والذي التقى مع وفدٍ من الكنيست الإسرائيليّ خلال مؤتمر (الاتّحاد من أجل المتوسّط) في إيطاليا، لا بل تعدّت الأمور لالتقاط صور تذكاريّة مع الوفد الإسرائيليّ”. فيما عقدت حركة حماس (الجناح الفلسطينيّ لحركة الإخوان المسلمين) عدّة لقاءات ومفاوضات مع الجانب الإسرائيليّ.
فيما أبدت التّيارات الليبراليّة العربيّة مواقف مشجّعة للتطبيع مع إسرائيل، معلّلة مواقفها بضرورة إنهاء الصراع في المنطقة بكلّ أشكاله وألوانه، والالتفات إلى مسائل التنمية والتعليم وبناء الدّولة الوطنيّة، التي طالما كانت ضحيّة هذا الصراع المزعوم الذي تتستّر خلفه الأنظمة العربيّة الاستبداديّة، حسب طرحها.
ولا تغفل الدّراسة آخر محاولات التّطبيع مع إسرائيل في الآونة الأخيرة، وسعي أنظمة أخرى إلى الإسراع في عمليّات التّطبيع، مثل الإمارات العربيّة المتّحدة ودولة البحرين والسّودان، لتكسر النمطيّة السّائدة في العالم العربيّ، وتحذو حذوها ربّما أنظمة أخرى.
في حين أنّ إلقاء الضوء على انعكاسات عمليّات التّطبيع على القضيّة الكُرديّة، بكلّ أبعادها، تشكّل الخُلاصة التي يمكن التوصّل إليها من خلال المُعطيات والنتائج، مع كشف التأثيرات وردود الفعل عليها على الصعيدين الرّسميّ والشّعبيّ، ومقارَنتها مع مواقف أخرى صدرت من مختلف الأطراف، حينما وجِّهت تُهمٌ جزافاً إلى حركة التحرّر الوطنيّة الكردستانيّة، بمحاولة إقامة “إسرائيل ثانية” إن كان في شمال العراق أو في روج آفا “شمال سوريّا”.
تعريف التّطبيع
يختلفُ تعريفُ التّطبيع، تِبعاً للمآرب والأهداف التي يتوخّاها منه كلّ طرف منها، فتجد من يُخضعه لمقصلة الإيديولوجيا التي يتبنّاها، دون القدرة على الفكاك من تأثيراتها وإسقاطاتها الفكريّة والسياسيّة، ويحصر المصطلح في الزّاوية الحرجة للمعنى، مطلقاً عليه مختلف التوصيفات المرتبطة بإيديولوجيّته، معتبراً ما عداها تعاريف خاطئة ومغلوطة، القصد منها تحريف المعنى وتحويره، دون تقديم أدنى قيمة معرفيّة أو جوهريّة له. ومعظم الحركات والأحزاب القومويّة واليساريّة تتبنّى هذا التعريف، منطلقة من نظريّتها القومويّة لتنعته بـ”الخيانة القوميّة”، وتُعدّهُ تنازلاً عن الثّوابت القوميّة في الحفاظ على تاريخ وجغرافيّة الوطن العربيّ وعدم التفريط بأيّ شبرٍ منه، تحت أيّة ظروف أو شروط كانت. في حين زادت الحركات الإسلامويّة على ما سبق، بإصدار فتاوى دينيّة، لتصف أيّ عمليّة تطبيع مع إسرائيل بـ”الكفر” و” الخروج عن الملّة”.
غير أنّ تعريف عمليّة التّطبيع، لغويّاً، وكما يذكر الكاتب الفلسطينيّ “معاذ العمودي” في مقالة له في موقع “نون بوست”، أنّه “في اللّغة تأتي لفظة تطبيع على وزن تفعيل، وهي تتّخذ شكل الدّوام لا خطوة واحدة عابرة سريعة أو غير سريعة”.
فيما يَعرض الكاتب “نبيل السهلي” في مقالة له بعنوان “عندما توقف الشّعوب العربيّة عجلة التّطبيع مع إسرائيل”، تعريفاً لغويّاً آخراً للتطبيع، بقوله: “التّطبيع في اللّغة يعني العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها”، ويضيف أنّه “تمّ الترويج لمصطلح التّطبيع مع إسرائيل بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسّلام في نهاية العام 1991”.
كما عرّفته “حملة المقاطعة الدّوليّة لإسرائيل BDS” بأنّه “المشاركة في أيّ مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلّيّ أو دوليّ، مصمّم خصيصاً للجمع (سواء بشكل مباشر أم غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليّين (أفراداً كانوا أم مؤسّسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكلّ أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطينيّ”.
وهذا التعريف الأخير، يفيد بأنّ التّطبيع هو “الاستسلام”، فيما الأوّل، يشير إلى أنّ التّطبيع عمليّة مستمرّة، لا تنتهي بمجرّد التوقيع على اتّفاقيّة بين دولتين، بل تتعدّاها لتنتقل إلى ترسيخ مفاهيم التّواصل البينيّ والتّلاقح الثّقافيّ، وصولاً إلى التشارك في البناء، ونبذ جميع الخلافات.
غير أنّ التّطبيع في جوهره، ومن حيث هو عمليّة طابعها البدئيّ سياسيّ، يفيد الانتقال من حالة العداوة والصراع، إلى بناء علاقات أبعد من السياسيّة والاقتصاديّة، لتصل إلى حدّ قبول الآخر وإمكانيّة التّعايش معه، في أجواء من السّلام الدائم، وهو ما تسعى إليه إسرائيل دائماً من خلال الاتّفاقيّات التي وقّعتها مع عدد من الدّول العربيّة. ويذهب عدد من الباحثين المختصّين في الصراع العربيّ – الإسرائيليّ للقول بأنّ دولاً عربيّة عديدة تسعى إلى إقامة سلام دائم مع إسرائيل وتطبيع علاقاتها معها، إلا أنّ إسرائيل ترفضها، نظراً لأنّ تلك الأنظمة لا تمثّل شعوبها، وإسرائيل ديدنها إقامة سلام مع الشّعوب وليس مع الأنظمة. فالتّطبيع لا انحياز فيه للشروط والإملاءات التي يفرضها هذا الطرف أو ذاك، ويأخذ معناه الحقيقيّ من خلال الديمومة في إقامة أفضل علاقات التّواصل، وإسقاط الأحكام الإيديولوجيّة والسياسيّة والدّينيّة المُسبقة، والانتقال إلى حالة التّكامل، لبناء جسور الثّقة المجتمعيّة بين الطرفين، بما يعزّز أواصر التّعاون بينهما.
عمليّة التّطبيع تاريخيّاً
تُفيد كُتُب التاريخ أنّ الرّسول (ص) مسك العصا من المنتصف، كما يُقال، خلال تعامله مع اليّهود والنصارى، على حدّ سواء. ويذكر كُتّابُ السيرة النّبويّة أنّ الرسول لم يُفرّق بينهم، بل دعاهم إلى الدّخول في الإسلام، أو البقاء على ديانتهم وممارسة طقوسهم، ولم يُكرِهُهم على دخول الإسلام، على عكس ما يروّج له غُلاةُ شيوخ وعلماء الدّين الإسلاميّ، بأنّ عليهم دفع الجزية، مع الحفاظ على ممتلكاتهم وتجارتهم. ويؤكّد باحثون آخرون أنّ الرّسول تعامل مع اليهود في العديد من الأحيان، خاصّة قبل نزول الرّسالة السّماويّة عليه، عندما كان يعمل في التّجارة بين شبه الجزيرة العربيّة وبلاد الشّام. ويذهب البعض بعيداً في وصف تلك العلاقة؛ ليؤكّد أنّ الرّسول كان يُحسِنُ معاملة اليهود ويزور مرضاهم، وأنّ اليهود كانوا يتقاضون أمام قُضاة المسلمين للفصل في نزاعاتهم ودعاواهم.
وفي إحدى القصص التي تروى عن الرّسول (ص)، أنّ الرّسول كان يَؤُمُ بجمعٍ من المسلمين في صلاة الظهر، وبعد أن فَرِغوا منها، مرّت جنّازة بجانبهم، فقال الرسول: “عليه رحمة الله”، فردّ عليه أحد الصحابة بالقول: “يا رسول الله إنّه يهودي، ولا تجوز عليه الرّحمة!”، فردّ عليه الرّسول (ص): “أليست هي نفسٌ خَلَقَها الله؟!”، فقال الصحابيّ: “بلى”، فردَّ الرّسول: “إذاً تجوز أن تنزل عليه رحمة الله”، وبعدها نزلت الآية الكريمة: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”.
ودستور المدينة الذي طرحه الرّسول بعد استقراره في المدينة المنوّرة، واعتبارها مركز حكمٍ وإدارة له، إنّما ساوى فيه بين المسلمين واليهود والنصارى، فحافظ يهود بني “قينقاع والنضير وخيبر وقُريظة” على ديانتهم، في ظلّ ذاك الدّستور، السّاعي إلى بناء وتنظيم وتوطيد أسس دولة عربيّة متينة متكاملة الأركان، وفق شروط عصرها، معتمداً على كلّ الشرائح والقوميّات والأديان فيها.
وفي عهد عمر بن الخطّاب، التمَّ شمل اليهود والنصارى والمسلمين في أرض فلسطين، وحصل توافق بينهم، بعدما تمكّن بن الخطّاب من حلّ الخلاف المتعلّق بالمسجد الأقصى، حول أحقيّة أيّ دين فيه، فطرح ما يُسمّى “العُهدةَ العمريّة”، بأن سلّم مفاتيح بيت المقدس إلى عائلة مقدسيّة مسلمة، ولا تزال تلك العُهدة مستمرّة إلى اليوم.
يَعدُّ بعض الباحثين في الشؤون الإسلاميّة أنّ أولى خطوات التّطبيع في التّاريخ العربيّ والإسلاميّ، بدأت في عصر الرّسول وعلى يده، وما جرى بعدها، إنّما يُعدُّ انحرافاً عن الخطّ الإستراتيجيّ الذي وضعه الرّسول، أي أنّ ظاهرة التّطبيع ليس غريبة عن التّاريخ العربيّ. في حين يعتبر البعض أنّ التحوّلات التّاريخيّة الكبيرة التي طرأت على أوضاع اليهود والمسلمين فيما بعد، وإنشاء دولة إسرائيل في المنطقة وتهجير الفلسطينيّين من أراضيهم، خلق هُوّةً عميقة بينهم.
التدرّجُ التّاريخيُّ في تصاعد التباينات بين اليهود والعرب في المنطقة، مَردُّهُ مصالح السُّلطات الحاكمة. ففي الفترة التي تحوّل فيه الإسلام إلى دين “السُّلطة”، أي الملك يحكم بموجب ما يُشرّعُ له الإمام والعالم الدّينيّ، وصلت الخلافات إلى ذروتها، وانقطعت كلّ سُبُلِ التّواصل مع اليهود، بعد أن تمّ تكفيرهم.
عاش اليهود بين ظهراني الدّولة الإسلاميّة، الأمويّة والعبّاسيّة، ومن ثمّ العثمانيّة، كأقليّات دينيّة في المدن الكبرى، وضمن أحياء خاصّة بهم، سُمّيت بـ”الغيتوهات”، وفُرِضَ نوع من الحصار الاقتصاديّ والسياسيّ عليهم، وحُرِّمَ عليهم ممارسة طقوسهم، إلّا ما ندر وفي سُرّيّة تامّة. غير أنّ نشاطهم لم يتوقّف، حيث لم ينقطع تواصلهم مع اليهود في البلدان العربيّة والإسلاميّة، وكذلك في الدّول الأوروبيّة، وعملوا على لَمِّ شمل اليهود وإقامة وطن قوميّ لهم في فلسطين.
في الفترة التي تلت انهيار السلطنة العثمانيّة وظهور الدّول القوميّة العربيّة، تصاعدت نبرة العداء بين اليهود والعرب، ووصلت إلى ذروتها بعد صدور وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين، حيث بدأت قوافل ومجموعات من يهود الخزر وأوروبا والمغرب العربيّ وأفريقيا، تتوافد إلى أرض فلسطين، لتتوّج تلك الجهود التي بذلتها المنظّمة الصهيونيّة العالميّة وبريطانيا إلى إنشاء دولة إسرائيل في 15 مايو/ أيّار عام 1948.
هنا شهد التّاريخ انقطاعاً في تدفّقه، وبرزت تناقضات دينيّة وإثنيّة عميقة، أفضت إلى ولادة صراع، يُعدُّ الأعنف والأكثر دمويّة ومأساويّة على مرّ العصور، ومازال مستمرّاً بتلك الحدّيّة إلى يومنا هذا.
الأهداف الإسرائيليّة من التّطبيع
بعد تأسيس دولة إسرائيل في وسط عربيّ، أعلنت جميع الدّول المحيطة بها، والتي تُسمّى “دول الطوق”، مصر، الأردن، سوريا، ولبنان، فرض حصار كامل عليها، والانتقال إلى حالة الرّفض لوجودها والاستعداد لإزالتها من الوجود، وخاصّة بالوسائل العسكريّة.
دعمت الدّول الغربيّة إسرائيل على كافّة المستويات، وخاصّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، حيث سعت الأخيرة إلى تعزيز وجود إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، دون الاعتماد على أيّ مساعدات من إقليمه، من خلال التّعاون المشترك، اقتصاديّاً وعسكريّاً وتقنيّاً، وأبرز مثال هو “وادي السيليكون” في “تل أبيب” الذي يُشبه إلى حدٍّ كبير وادي السيليكون في كاليفورنيا “Silicon Valley” في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ويُعتبر أكبر حقول الإنتاج للاقتصاد التّقني في العالم، حيث تدخل “رقائق السيليكون” في الصناعات الإلكترونيّة.
إلا أنّ إسرائيل تدرك جيّداً وجودها ضمن بيئة معادية لها من كلّ الجهات، فما فتئت تسعى إلى كسر هذا الطوق المفروض عليها، وبشتّى الوسائل. فمهما يكُن وقوف الدّول الغربيّة معها طوق نجاة بالنسبة لها، إلا أنّها تجد أنّ محيطها الحيويّ هو ضمن العالم العربيّ وفي منطقة الشرق الأوسط وليس في الغرب، وأنّها لا يمكن أن تنعم بالأمن والاستقرار كدولة وشعب؛ إلا بفكِّ عُقَد هذا الطوق والحصار. فالموقف الإسرائيليّ، على الأقل الرّسميّ، مبنيٌّ على براغماتيّة مفرطة في إبداء مقاربات انتهازيّة من قضيّة التّطبيع مع الدّول العربيّة، فهي تبحث عن شرعيّتها في محيطها، وتدرك جيّداً أنّه سيرتَدُّ عليها بمزيد من الاستقرار والهدوء، بعد عقود طويلة من الصراع والتوتّرات مع الدّول العربيّة.
يطرح باحثون إسرائيليّون أنّ المرحلة الرّاهنة المرحلة التي يَمُرُّ بها الصراع العربيّ الإسرائيليّ هي “انتقاليّة”، عبر التسويق لتدرّج مسألة “التطبيع”، بمعنى تحوّله من “صراع” إلى “نزاع”، ومن ثمّ إلى “خلافات”، والانتقال إلى التّعاون المشترك وتطبيع العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والصحيّة ووو، وأنّها كفيلة بوضع نهاية للصراع. ويذكر الكاتب الفلسطينيّ “معاذ العمودي” أنّ “التّطبيع كان موجوداً سابقاً، فقبل قيام الاحتلال الإسرائيليّ كان هناك اتّفاق صهيونيّ مع السّعوديّين عُرِفَ باتّفاق “فيصل وايزمن”، وتوتّرت العلاقات تماماً في عصر عبد الناصر والإخوان المسلمين، وقد أُطيح بالملك فاروق والسّنوسي وفي العراق الملك فيصل، وبعدها أصبحت العلاقات سُرّيّة بين “غولدمائير والملك حسين وبين المسيحيّين في لبنان والاحتلال الإسرائيليّ”، إلى أن جاءت كامب ديفيد وأوسلو”.
وتنظر الأوساط البحثيّة الإستراتيجيّة الإسرائيليّة أنّ مجرّد التوقيع على اتّفاقيّة سلام بين إسرائيل ودولة عربيّة ما، لا يجلب لها السّلام الدّائم والاستقرار، في ظلّ رفض فئات وقطّاعات واسعة من الشّعوب العربيّة فكرة التّطبيع مع إسرائيل. وتطرح تلك المؤسّسات فكرة التّواصل الثّقافيّ كأساس لاستكمال عمليّة التّطبيع.
تتلخّص الأهداف الإسرائيليّة من وراء عمليّة التّطبيع مع الدّول العربيّة في عدد من المسائل الأساسيّة، وهي:
1– إنهاء حالة الصراع العسكريّ معها، لما يُشكّل ذلك من استنزاف لطاقات وإمكانات المجتمع الإسرائيليّ، الماديّة والبشريّة، وعدم قدرة إسرائيل على ضبط الأمن والاستقرار داخل دولتها، بعد مرور عقود على الصراع، ما يجعلها دولة مُهدَّدة من قبل محيطها، والسّلام الذي تَنشُدُهُ إسرائيل لا يأتي إلا عبر التّطبيع الشّامل مع الدّول العربيّة.
2– نيل الاعتراف والشرعيّة التي تفتقدها في المنطقة، وهذا يساعدها على سعيها في طرح نفسها كنموذج رائد في المنطقة.
3– الانتهاء من عُقدة الشعب الفلسطينيّ التي مازالت تلاحقها منذ تأسيسها، عبر البحث عن حلول مشتركة مع الدّول العربيّة التي طبّعت معها العلاقات، وإقناعها بأنّ القضيّة الفلسطينيّة هي مجرّد “نزاع”، ويمكن حلّه بالمفاوضات بين الطرفين، وعزلها عن محيطها العربيّ.
4 – التمدّد اقتصاديّاً في المنطقة، والاستفادة من الثروات الهائلة فيها، النفط والغاز والمياه، وحاجة إسرائيل إلى مصادر الطّاقة. وقد طرح الرّئيس الإسرائيليّ الأسبق “شمعون بيريز” مشروع الشرق الأوسط الجديد، قبل أن تطرحه وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السّابقة “كونداليزا رايس” في تل أبيب. والمقوّمات التي استند إليها في طرحه لمشروعه، هي:
أ – الخبرة والإمكانات التكنولوجيّة لدى إسرائيل.
ب – الأموال والثّروة النفطيّة والغاز في دول الخليج العربيّ، كأهمّ مصادر للطّاقة والتمويل في الشرق الأوسط.
ج – يد عاملة مصريّة وسوريّة.
د – مياه تركيّة، عبر تزويد إسرائيل بمياه نهرَي دجلة والفرات، بشقّ أقنية عبر الأراضي السّوريّة
والأردنيّة وإيصالها إلى إسرائيل.
هـ – اعتماد أسواق دول الشرق الأوسط كسوق رئيسيّة لتصريف المُنتجات، ما يُفضي إلى نوع من
التّكامل الاقتصاديّ بين دولها.
5 – التّبادل الثّقافيّ مع شعوب المنطقة، بعد حالة النّفور التّام لكلّ ما هو مرتبط بإسرائيل، وتمرير الثّقافة الإسرائيليّة بشكل سلس ضمن البناء الثّقافيّ والحضاريّ في المنطقة، اعتماداً على إقامة النّدوات الفكريّة والثّقافيّة المشتركة والمهرجانات الثّقافيّة، وتبادل الزيارات الشخصيّة مع البلدان العربيّة.
6 – القبول بدولة إسرائيل كإحدى دول المنطقة، وإشراكها معادلات الحلّ والتسوية أسوة بغيرها من الدّول العربيّة.
7 – إسقاط المفاهيم العدائيّة المتشكّلة في العقل الجمعيّ لشعوب المنطقة، المتمثّلة بنسب كلّ ما هو سيء وشاذٍّ إلى اليهود، وبناء جسور وعلاقات التّعاون المشترك في كافّة المجالات.
8 – تبادل الخبرات الأكاديميّة بين إسرائيل والدّول العربيّة، واستخدام التفوّق الإسرائيليّ في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتوظيفه في خدمة عمليّة التّطبيع.
9 – الاستفادة من المعلومات التي توفّرها الممثّليّات الإسرائيليّة في كلّ دولة أقامت علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، والتي تستهدف دولة إسرائيل، وإمكانيّة ردع أيّ اعتداء عليها، أي جمع المعلومات الاستخباراتيّة.
10 – بناء مشاريع اقتصاديّة وثقافية مشتركة، تُسهم في إزالة العوائق أمام التّطبيع، وإزالة حاجز الصدّ النفسيّ بين اليهود والمسلمين، والتشديد على أنّهم أصحاب ديانات سماويّة لا خلاف بينها، وأنّهم ينتمون لعرق واحد، ومحاربة لا ساميّة اليهود.
أهداف الدّول العربيّة من التّطبيع
خاضت الدّول العربيّة أربع حروب رئيسيّة مع إسرائيل في أعوام (1948، 1967، 1973، 1982)، بهدف تحرير فلسطين، إلا أنّها في المحصّلة لم تُسفِر سوى عن إلحاق مزيد من الخسائر البشريّة والاقتصاديّة، وخلقت معها انكسارات معنويّة عميقة في الوجدان العربيّ، باستحالة التفوّق على إسرائيل في ظلّ موازين القوى العالميّة والدّعم اللا محدود لإسرائيل من قبل الدّول الغربيّة. ربّما يعتقد البعض أنّ حالة الهزيمة التي عاشها النظام الرّسميّ العربيّ، ظلّت محدودة التأثير على شعوبها، إلا أنّ هذا الأمر انعكس في تثبيط قدرة الشّعوب العربيّة في إدارة الصراع مع إسرائيل. ويرجع عدد من الباحثين العرب إلى أنّ حالة اليأس المسيطرة على الشّعوب العربيّة، مردُّها انعدام الحُرّيّات والدّيمقراطيّة في الدّول العربيّة، وسيطرة أنظمة ديكتاتوريّة شموليّة وأوليغارشيّة على مقاليد السُّلطة فيها، وأنّها لا تُعبِّر عن إرادة شعوبها في المواجهة مع إسرائيل.
إنّ فشل الأنظمة العربيّة في إدارة الصراع مع إسرائيل، هو أحد الأسباب الرّئيسيّة لقبولها بعمليّات التّطبيع معها. فبعد عقود من الحروب وحالة القطيعة واستنزاف الموارد البشريّة والماديّة لشعوبها، ورفعها شعارات “تحرير فلسطين وتدمير إسرائيل”، اتّجهت معظم الدّول العربيّة إلى المُهادنة مع إسرائيل والبدء بعمليّات التّطبيع، وهو ما يعتقد البعض أنّها محصّلة لحالة الانكسار والتفكّك التي يعيشها النظام الرّسميّ العربيّ، ولا تُعبّر بأيّ حال من الأحوال عن توجّهات شعوبها.
ترى الأنظمة العربيّة أنّ عمليّة التّطبيع مع إسرائيل، تفكّ عُزلتها الدّوليّة والإقليميّة، بعدما غدت إسرائيل لاعباً رئيسيّاً في السّاحتين الإقليميّة والدّوليّة، بحكم الدّعم الدّوليّ اللا محدود لها. ويمكن تلخيص أهداف الدّول العربيّة وراء عمليّة التّطبيع في النّقاط التّالية:
1 – إنهاء حالة الحرب المفتوحة مع إسرائيل، حيث أنّها تستنزف طاقات وإمكانات شعوبها، ويمكن توظيفها في مسائل التنمية وبناء دولها وفق أسس عصريّة حديثة، بدلاً من استخدامها في الحروب والنّزاعات التي أثبت التّاريخ عدم جدواها، واستحالة إلغاء دولة إسرائيل من الوجود.
2 – الاستفادة من الخبرات الإسرائيليّة في المجال التكنولوجيّ، وفتح آفاق التّعاون مع مؤسّساتها العلميّة والأكاديميّة لتطوير إمكانات شعوبها على أسس علميّة متقدّمة.
3 – تكثيف التّعاون الاقتصاديّ مع إسرائيل وفتح الحدود معها، وزيادة التّبادل التّجاريّ، بما يحقّق لها مستويات عالية من النّهوض الاقتصاديّ في مختلف القطّاعات الاقتصاديّة.
4 – التّعاون الأمنيّ وحماية إسرائيل لأنظمتها من أيّ عدوان خارجيّ عليها، تَحسُّباً للإطاحة بها داخليّاً، وهو ما تبحث عنه الأنظمة العربيّة لديمومة سلطتها، من خلال تكثيف التّعاون الاستخباراتيّ والعسكريّ، وهذا يُبرّر حاجة النظام الرّسميّ العربيّ للتّطبيع، فبعد انطلاق ما سُمّيَ انطلاق “ربيع ثورات الشّعوب” أو “الربيع العربيّ” في المنطقة، باتت أنظمة الحكم العربيّة تتعرّض لاهتزازات عنيفة، حتّى أنّ العديد منها سقطت، وبعضها ما تزال تعيش سَكَرات السقوط، فالصراعات الدّاخليّة التي تعيشها، تجعل إمكانيّة الاعتماد على إسرائيل في وأد أيّ معارضة لها، من أولويّات الأنظمة في التوجّه نحو التّطبيع مع إسرائيل، لتفاضله على عدم امتثالها لرغبات وطموحات شعوبها في التغيير.
5 – القدرة على إقناع إسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967 من خلال المفاوضات والحوار، وإنشاء دولة فلسطينيّة، ووقف كافّة المشاريع الاستيطانيّة، مقابل منح إسرائيل السّلام الدّائم وفكّ عزلتها الإقليميّة.
6 – تحقيق انفتاح أوسع مع العالم الخارجيّ، اعتماداً على القُدُرات الإسرائيليّة ولوبياتها في الغرب، والتي تلعب دوراً كبيراً في وضع ورسم سياسات واستراتيجيّات العديد من الدّول، وخاصّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة وعدد من دول الاتّحاد الأوروبيّ. فدولة مثل السّودان، بحاجة إلى انفتاح على العالم ورفع العقوبات الاقتصاديّة التي فُرِضَت عليها إبّان حكم الإخوانيّ البشير، وتتطلّع القيادة السّودانيّة الحاليّة إلى أنّ التّطبيع مع إسرائيل هو البوّابة التي يمكن أن تعبر منها إلى إقامة علاقات متوازنة مع العالم الخارجيّ والعودة إلى الأسرة الدّوليّة كدولة فاعلة ونشطة.
7 – قناعة الأنظمة العربيّة أنّ إسرائيل أصبحت دولة بحكم الأمر الواقع، ولا يمكنها تجاوز هذه الحقيقة في منطقة الشرق الأوسط، والواقعيّة السياسيّة تفترض الاعتراف بها وصولاً إلى التّطبيع الكامل.
8 – وصول بعض الأنظمة العربيّة إلى حقيقة أنّ الغرب يُحابي إسرائيل عليها، وأنّها وعلى مرّ عقود من الصراع، تيقّنت أنّ الغرب لا يُغيّر مواقفه، ولا بُدَّ في النّهاية من الجلوس حول طاولة المفاوضات لوضع نهاية للصراع العربيّ – الإسرائيليّ.
9 – قناعة بعض الأنظمة أنّ أصحاب القضيّة الرّئيسيّة في الصراع العربيّ – الإسرائيليّ، أي الفلسطينيّين، شرعوا في فتح باب المفاوضات والتّطبيع مع إسرائيل، ما شجّع الآخرين للإسراع في عمليّات التّطبيع.
10 – إخضاع عمليّة التّطبيع إلى العمليّات الرّياضيّة في الرّبح والخسارة، وأنّ ما ستكسبه بعد التّطبيع أكثر ممّا ستخسره في استدامة الصراع.
جملة هذه العوامل، دفعت العديد من الأنظمة العربيّة إلى الشّروع في عمليّات التّطبيع مع إسرائيل، وبشكل منفرد، دون وجود إجماع عربيّ أو موقف مشترك حيال عمليّات التّطبيع التي شهدت في الآونة الأخيرة تسارعاً غير مسبوق، رُبَّما يمكن تفسيره في إطار التحوّلات الكبيرة والترتيبات الجديدة الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وإدراك تلك الأنظمة أنّ رياح التغيير ستأتي عليها، فتداركت في اللّحظة المناسبة لتُقدِم على الدّخول في عمليّات التّطبيع.
مراحل عمليّة التّطبيع
يعتقد البعض أنّ عمليّة التّطبيع تبدأ بالسياسة وتنتهي بها أيضاً، إلا أنّ العديد من الباحثين والمهتّمين المختصّين بأمور وتفاصيل التّطبيع، يذهبون إلى القول بأنّ التّطبيع السياسيّ وإقامة العلاقات الدّبلوماسيّة، يُعَدُّ مدخلاً إلى المراحل والمستويات الأخرى من التّطبيع، ولكنّه لا يُشكّل أيّ جزء منها، وتليه مراحل أخرى أكثر أهميّة، مثل التّطبيع الاقتصاديّ والثّقافيّ والأكاديميّ وما إلى ذلك.
ويمكن تقسيم عمليّة التّطبيع إلى المراحل التّالية:
1– التّطبيع السياسيّ:
يعتبرُ البعض التّطبيع السياسيّ الخطوة الأولى في عمليّة التّطبيع بين أيّ دولتين متعاديتين، ويَمرُّ عبر التّوقيع على اتّفاقيّة سلام، ومن ثمّ إقامة العلاقات الدّبلوماسيّة وتَبادلٍ للسّفراء، بعد إنهاء حالة الحرب بينهما، واسترجاع حقوق الدّولتين لديهما، كما حصل في اتّفاقيّة كامب ديفيد التي وقّعتها مصر، حيث أعادت إسرائيل أراضي شبه جزيرة سيناء إلى سيادة الدّولة المصريّة.
وفي الأعراف الدّبلوماسيّة؛ لا يمكن التوصّل إلى أيّ اتّفاق أو توقيع معاهدة سلام بين طرفين، دون تقديم كلا الطرفين تنازلات عمّا تعتبرها “ثوابت” كانت فيما سبق من المسلّمات التي لا يمكن المساس بها أو تغييرها. إلا أنّه عند جلوس أعضاء الفريقين المتخاصمين وجهاً لوجه حول طاولة واحدة، وبحضور بعض الوسطاء، ضمن الغرف المغلقة، تغدو تلك المسلّمات مسائلَ تفاوضيّة وجدليّة قابلة للتغيير والتبديل، وفق شروط وظروف التّفاوض.
ويؤكّد الكاتب “إبراهيم نصّار” في مدوّنته: “ما هو التّطبيع، لماذا يجب مقاومته بقوّة وما هو البديل؟”، أنّه: “بدأ الحديث عن مفهوم التّطبيع مع توقيع اتّفاقيّات كامب ديفيد بين مصر و”إسرائيل” عام 1979، وهو يعني إقامة علاقات سياسيّة، اقتصاديّة، ثقافيّة واجتماعيّة وأكاديميّة طبيعيّة بين الدّول العربيّة و”إسرائيل” قبل تحقيق السّلام العادل والشّامل، وبالتالي فإنّ التّطبيع مع “إسرائيل” هو قيام علاقات طبيعيّة في واقع وشروط غير طبيعيّة، ذلك أنّ بناء وتأسيس تلك العلاقات والبنى الطبيعيّة يَشترط أوّلاً وقبل أيّ شيء أن تصبح “إسرائيل” دولة طبيعيّة وأن تتصرّف تجاه مواطنيها كدولة طبيعيّة وأن تتخلّى عن عدوانيّتها واحتلالها وعنصريّتها.”
هذا التحليل يقودنا إلى حقيقة أنّ الدّول العربيّة غير رافضة للتطبيع مع إسرائيل، إلا أنّها تريد مقابله سلاماً دائماً وشاملاً. ولمسنا تغيّراً في مواقف ورؤى بعض النُّخب المثقّفة العربيّة التي بدأت تنظر إلى التّطبيع بشيء من الواقعيّة السياسيّة، وتخطّت ذهنيّة السبعينيّات الرّافضة بشكل مطلق أيّ تطبيع مع إسرائيل. وهذا يُلزِمُ الجانب الإسرائيليّ إبداء المزيد من المرونة والقبول بشروط الطرف الآخر، بالتخلّي عن عنجهيّتها المعهودة، وهذا ما قصده الكاتب في مدوّنته بالتشديد على تخلّي إسرائيل عن “عدوانيّتها واحتلالها وعنصريّتها”.
غير أنّ معظم المثقّفين والسياسيّين العرب غير الرّافضين فكرة التّطبيع، يضعون مقوّمات أساسيّة لنجاح عمليّة التّطبيع، وتتلخّص في أربعة مفاهيم رئيسيّة، هي؛ “التّعايش، التّسامح، الحوار، الندّيّة”. وهي آليّات التّطبيع التي لا يمكن دونها أن يكون التّطبيع فعلاً مُمارساً على الأرض، أو يحقّق شروطه الطبيعيّة.
2– التّطبيع الثّقافيّ:
يعتبر التّطبيع الثّقافيّ من أهمّ المراحل، ويتوقّف عليه نجاح واستمراريّة المراحل التي تسبقها والتي تليها. إنّ التبادل الثّقافيّ والأدبيّ والمعرفيّ بين الشّعوب يُعدُّ نقطة الانطلاق نحو بناء حضاريّ مشترك. وعلى مرّ التّاريخ، تَلاقُحُ الثّقافات أنتج شعوباً متجانسة في الميول والآمال والطموحات، فخلقت معها مناخات اجتماعيّة مستقرّة، كانت سبباً في انتفاء النّزاعات والصراعات والأحقاد. وغالباً ما ساهم الدّين – في فترات معيّنة – في تقارب الثّقافات بين الشّعوب المختلفة في اللّغة والمنبت الثّقافيّ. وفي الحالة الإسرائيليّة – العربيّة، يَعتقد البعض أنّ الجذر التّاريخيّ المشترك للدّيانات الموسويّة والمسيحيّة والإسلاميّة، ربّما يمكن البناء عليه في إحداث خرق في جدار التزمّت المفروض بينهما، وإيجاد صيغة معقولة وواقعيّة في قَبول الآخر المختلف، على اعتبار أن لا أحد يرفض وجود ديانة وعقيدة الآخر، على العكس تماماً، فالشّعبين اليهوديّ والعربيّ المسلم، عاشا قروناً طوال في كنف الدّولة الإسلاميّة مترامية الأطراف، دون أيّ تمييز، وخلقوا معاً بيئة وثقافة مشتركتَين، ساهمتا في توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة.
غير أنّ غُلاةُ القوميّين في كلا الطرفين، الإسرائيليّين والعرب، يذهبون إلى حدّ إثارة كلّ المتناقضات التّاريخيّة والدّينيّة والقوميّة بين الشّعبين. فدُعاة القوميّة العربيّة، يعتبرون أنّ ما يفرّق الشّعبين أكثر ممّا يجمعهم، معتبرين أنّ إسرائيل كدولة بُنِيَتْ على فكرة الاستعلاء القوميّ للعنصر اليهوديّ على كلّ ما عداه من المكوّنات الأخرى “الإسرائيليّون شعب الله المختار”، وأنّها تعتمد على نظريّة توسعيّة في المنطقة، شعارها “من النيل إلى الفرات”. ويرى الكاتب “هشام البستاني” في مقالة له بعنوان: “مقاومة التّطبيع” نشرت في جريدة الإخبار اللبنانيّة أنّ: “الجوهريّ في تعريف التّطبيع هو: الاعتراف بشرعيّة الكيان الاستعماريّ الاستيطانيّ الصهيونيّ المُسمّى «إسرائيل»، وشرعيّة مشروعه، وشرعيّة الاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين، والتعاطي معها على أنّها جميعها أمرٌ طبيعيٌّ أو مسألة تحتّمها «الواقعيّة السياسيّة» أو أيّ مبرّر آخر. «إسرائيل» لكونها التشكّل الماديّ للاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ تمثّل ظلماً لا يمكن القبول به لمجرّد وجوده، حالها في ذلك كحال الموقف من أيّ نوع من أنواع الظلم كالعبوديّة والاستغلال وغيرهما، فكيف إن أضفنا إليها سلسلة طويلة من المذابح والاعتداءات، وارتباطاتها مع القوى الإمبرياليّة والاستعمار، ومحاولاتها في توسيع كيانها والهيمنة على محيطها، بل وأدائها دوراً مسانداً للأنظمة القمعيّة والدّيكتاتوريّة في العالم (جنوب أفريقيا، العديد من أنظمة دول أمريكا الوسطى والجنوبيّة، وغيرها)؟”.
في حين يعتمد أصحاب النظريّة الصهيونيّة، اعتبار أرض فلسطين هي خاصّة ببني إسرائيل، ويَحقُّ لها طرد الفلسطينيّين منها وبناء دولة لشعبها عليها، معتبرين أنفسهم أوّل الشّعوب التي استوطنت في المنطقة، وبنوا فيها حضارة انتشرت في أرجاء المنطقة، وأنّ آثارها ما زالت باقية إلى اليوم، مستندين في ذلك إلى ما ورد في التوراة والتلمود، لتثبيت وجودهم في المنطقة.
إنّ هذه النّزعات القومويّة المحمّلة بالفكر التعصّبيّ الإنكاريّ، لا تُنتج في النهاية إلا أحقاداً وصراعات لا تنتهي، ومن الأجدى لشعوب المنطقة، البحث في أدوات التّواصل البينيّ المبنيّة على مدّ الجسور الثّقافيّة، وعدم القبول بنفي وجود الآخر، فهناك حقائق تاريخيّة وجغرافية يجب الرّكون إليها وقبولها، فلا أحد يستطيع نسفَ وجود شعب ساهم في بناء حضارة المنطقة طيلة قرون خلت، والرّغبويّة القومويّة بالتفوّق وإنكار وجود الآخر، أثبتت فشلها في أكثر من مكان، ليس في إسرائيل والمنطقة العربيّة، بل في تركيّا وإيران، وقبلها في أوروبا التي عاشت صراعات دامية، إلى أن توصّل الوعي الجمعيّ الأوروبيّ إلى حقيقة أنّه لا يمكن الفصم بين التّواصل الحضاريّ للشّعوب بشكل إراديّ.
إنّ إقحام الإيديولوجيّة القوميّة في ثنايا التّطبيع، لا ينتج إلا تطبيعاً ثقافيّاً هشّاً سينكسر عند أوّل امتحان جدّي له. فمحاولة أيّ طرف فرض ثقافته القوميّة على الآخر، سيزيد من حدّة الصراع، وسيشعل النّزاعات ويؤجّجها. والحالات التي يتلمّسها العرب من المُقاربات الإسرائيليّة، تصبُّ في هذه البوتقة، من خلال فرض الثّقافة النمطيّة الإسرائيليّة على الشّعوب العربيّة، عبر استخدام تفوّقها التكنولوجيّ والإعلاميّ، ومحاولة إنشاء ذهنيّة داخل المجتمعات العربيّة متوافقة مع الأهداف الإسرائيليّة كدولة. وسعت الدّول العربيّة طيلة عقود الصراع إلى محاولة التأثير على الشّارع الإسرائيليّ، عبر وسائل وأدوات مختلفة، الإعلام الموجّه والسينما والمسرح والأدب. ورغم فشل الجانبَين في تغيير الخصوصيّة الثّقافيّة والقوميّة لكلّ طرف، لا تزال بعض المؤسّسات والجهات تراهن على ذلك.
ويستعرض الكاتب “إبراهيم نصّار” في مدوّنته: “ما هو التّطبيع؟ لماذا يجب مقاومته بقوّة؟ وما هو البديل؟” ليظهر الأبعاد السلبيّة للتّطبيع، بالقول: إنّ التّطبيع الثّقافيّ يَطال “اللّغة، الوعي، الذّاكرة”، ويُسهِبُ في سرده بالقول بأنّ التّطبيع يعني “القبول بالمفردات والمقاربة الصهيونيّة الإيديولوجيّة، إعادة صياغة التّاريخ، إعادة صياغة مناهج التّعليم وشطب كلّ ما يُشير إلى الاحتلال، تغيير أسماء الأمكنة، الاستيلاء على التُّراث (أزياء، أكلات شعبيّة، رقص شعبيّ)، العبث بالآثار وسرقتها، إخفاء وتدمير كلّ آثار الجرائم التي أدّت إلى تدمير القرى والمدن والأحياء العربيّة، تغيير الخارطة التّاريخيّة لفلسطين”.
ويورد الكاتبُ والباحثُ الفلسطينيّ في المركز الدّيمقراطيّ العربيّ “بكر أبو بكر”، بعض الاستثناءات في التّواصل الثّقافيّ مع شخصيّات ومفكّرين أو مؤسّسات إسرائيليّة تنحاز إلى الحقّ الفلسطينيّ موجودة على جانبي الخطّ الأخضر داخل إسرائيل، ويطلق عليهم اسم “أنصار فلسطين من اليهود في فلسطين وجمعيّاتهم الحقوقيّة”، ويورد أسماء بعض تلك الشخصيّات من أمثال “إيلان بابِه، شلومو ساند، عميرة هاس، لطيف دوري، وزئيف هرتزوغ”.
3– التّطبيع الإعلاميّ:
يحتلّ الإعلام مكانة كبيرة في عالمنا المعاصر، لما له من تأثير مباشر على أنماط تفكير المجتمعات وذهنيّاتها، فهو يدخل بكلّ سهولة إلى جميع البيوت، دون رقيب أو حسيب، وليس كما كان في السابق، حيث كانت الأنظمة والسُّلطات تضع ضوابط وروادع أمام دخول الصحف والمجلّات ووصول البثّ الإذاعيّ والتلفزيونيّ إلى مناطق مختلفة. والتطوّر التكنولوجيّ الذي شهده القرن الحالي ووصول خدمة “الإنترنت” إلى مختلف أصقاع العالم، جعل العالم كلّه قرية كونيّة صغيرة، ولم تَعُد عين الرّقيب ومقصّه قادرة على التحكّم في إدخال المعلومة التي تُبثُّ عبر الأثير، وبات معها المواطن في أيّ دولة قادر على التّفاعل مع أيّ حدث كان وإبداء رأيه فيه. غير أنّ المراكز الإعلاميّة المتخصّصة والتي لها باع طويل في صناعة الإعلام، مازالت تُمسِكُ بتلابيب التوجيه الإعلاميّ، وجذب انتباه المستمع أو المشاهد إلى حدث ما تريد إشغال الرأي العام به، حيث يُشرف على إعداد نشرات الأخبار والبرامج الإعلاميّة المختلفة وصناعة الأفلام السينمائيّة، خبراء في علم النفس والاجتماع وضبّاط استخبارات متخصّصين في الإعلام، لديهم المقدرة في التحكّم حتّى في الذّائقة الفنيّة لمتابعيها، وأحياناً تفتعل حدثاً ما لجذب اهتمامهم وصرف أنظارهم عمّا يحيق بأوضاعهم وأوطانهم من أحداث.
الحرب الإعلاميّة بين إسرائيل والأنظمة العربيّة منذ نشأة دولة إسرائيل إلى الآن، كانت دون هوادة، سعى كلّ طرف إلى التأثير على مواطن الآخر، عبر سلسلة طويلة من المؤثّرات الإعلاميّة، وإظهار العدو بصفة سلبيّة دائماً. ورغم أنّ الغلبة كانت لإسرائيل، نتيجة امتلاكها القُدُرات الفنيّة والتكنولوجيّة المتطوّرة، إلّا أنّ العالم العربيّ، ومنذ تأسيس أوّل إذاعة عربيّة في أواخر أربعينات القرن الماضي “إذاعة صوت العرب التي كانت تُبَثُّ من القاهرة”، لم يتوانَ هو الآخر عن تشويه سمعة إسرائيل في الدّاخل والخارج، حتّى تكونت لدى المواطن العربيّ صورة مقيتة للإسرائيليّ، وأنه “يجب قتلهم وسحلهم ورميهم في البحر”. فيما دأبت إسرائيل إلى نعت العرب بالتخلّف وعدم قدرتهم على مواكبة الحضارة، وكشف مَواطِن الضعف التي تعتري الأنظمة العربيّة، فضلاً عن تأليف برامج توجيهيّة غايتها إثارة المواطن العربيّ ولفت انتباهه عن قضاياه المصيريّة وإشغاله بالأمور الثّانويّة.
ألقى استمرار الحرب الإعلاميّة على وتيرتها بظلالها على انعدام إمكانيّة أيّ تعاون بين إسرائيل والأنظمة العربيّة. وفي بداية القرن الحالي، حدث اختراق في أكثر من دولة عربيّة، حيث استقبلت عدّة قنوات فضائيّة عربيّة، وخاصّة الخليجيّة منها، محلّلين سياسيّين وخبراء إسرائيليّين، ليتحدّثوا عبرها إلى المواطن العربيّ، ويوصلوا رسالتهم إلى العالم العربيّ. حيث كان لقناة “الجزيرة” القطريّة السبق في استضافة المستوطن الإسرائيليّ المتطرّف “مردخاي كويدار” في برنامج الاتّجاه المعاكس.
إنّ التّطبيع الإعلاميّ والثّقافيّ ربّما يحتاج إلى وقت أطول كي يغدو واقعاً فعليّاً، من خلال وقف الحرب الإعلاميّة الموجّهة من قبل كلا الطرفين، والانتقال إلى تبادل الخبرات، والبدء ببثّ البرامج التي من شأنها زرع الثّقة بينهما، ونشر ثقافة السّلام والتّسامح الدّينيّ. تجارب التّطبيع المُعاشة بعد التّطبيع السياسيّ والاقتصاديّ، فشلت في ردم الهُوّةِ السحيقة بين الطرفين، رغم المحاولات الحثيثة من الجانبين في تحويل التّطبيع إلى تطبيع “شعبيّ”، واستخدام القوّة النّاعمة في جعل التّعاون الإعلاميّ أمراً اعتياديّاً يسهُل استساغته وقبوله.
4 – التّطبيع الاقتصاديّ:
يأتي التّطبيع الاقتصاديّ في المرتبة الثانيّة بعد التّطبيع السياسيّ، من حيث أهميّة الاقتصاد في عالمنا المعاصر ودوره في تحديد مصير الدّول والشّعوب. وكما أنّه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، كذلك لا اقتصاد دون سياسة، ولا سياسة دون اقتصاد.
فالمشروع الذي طرحه الرّئيس الإسرائيليّ الأسبق “شمعون بيريز”، وأتينا على ذكره أعلاه، يُعبِّرُ عن حقيقة التّطبيع الاقتصاديّ الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه في المنطقة، استناداً إلى قوّتها الاقتصاديّة.
ويرى مفكّرون اقتصاديّون عرب أنّ الغرض من المشروع، هو إلحاق اقتصاديّات الدّول العربيّة بالاقتصاد الإسرائيليّ، عبر فتح الأسواق العربيّة أمام تدفّق البضائع الإسرائيليّة، لتُزاحم البضائع المصنّعة في الدّول العربيّة، ولتقضي بذلك على فكرة “التّكامل الاقتصاديّ العربيّ”، وتُحيّد استخدام الثروات العربيّة، وخاصّة النفط، في عمليّة التنمية وكأداة فاعلة في الصراع العربيّ – الإسرائيليّ.
ويورد الكاتب الفلسطينيّ “نبيل السهلي” إحصائيّات حول خسارة إسرائيل جرّاء المقاطعة العربيّة لها، ويشير إلى أنّ “مراكز البحث الإسرائيليّة المختلفة تؤكّد أنّ خسائر إسرائيل جرّاء المقاطعة العربيّة يصل إلى نحو مليار دولار سنويّاً، أي أنّ الاقتصاد الإسرائيليّ تكبّد خسائر متراكمة وصلت إلى نحو (72) مليار دولار في الفترة (1948-2020)”. ويضيف “إلا أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة قد ساهمت في التعويض عن الخسائر المحتملة لإسرائيل جرّاء المقاطعة العربيّة لها، وذلك عبر المساعدات السنويّة السخيّة لها، حيث تجاوزت ثلاث مليارات دولار سنويّاً خلال العقد الأخير”.
وتبرز القضيّة الأساسيّة الشائكة لدى إسرائيل في إمدادها بمواد الطّاقة اللّازمة لتدوير عجلة الصناعة لديها، حيث دأبت إسرائيل إلى التزوّد بالنفط العربيّ بطريقة مواربة، عبر إقحام شركات وهميّة، أمريكيّة وأوروبيّة، في عمليّة شراء النّفط العربيّ، ومن ثمّ إرساله إلى إسرائيل، وهو ما منح الحجّة القانونيّة للأنظمة العربيّة في استمرار تدفّق النّفط إلى إسرائيل، لتغلق الأبواب على كلّ المعارضين لبيع النّفط إلى إسرائيل. وطفت قضيّة تزويد إسرائيل بالغاز المصريّ في السنوات المنصرمة، كإحدى المسائل التي تحوّلت إلى قضيّة رأي عام، وانكشف الغطاء عن الصفقات التي أبرمها النظام المصريّ السّابق (نظام حسني مبارك) مع إسرائيل، في بيع الغاز المصريّ لها بأقلّ من أسعار السّوق الدّوليّة للمتر المكعب، إلا أنّه رغم ذلك، تمّت تسوية القضيّة بشكل هادئ، وعاد الغاز ليتدفّق إلى إسرائيل ثانية.
إنّ حاجة الدّول العربيّة إلى تطوير صناعاتها، تحتاج إلى خبرات كبيرة، وهو ما تمتلكه إسرائيل. وإذا ما تمّ التّطبيع الاقتصاديّ الكامل، حسب المُدافعين عن فكرة التّطبيع؛ يمكن أن تزوّد إسرائيل الدّول العربيّة بالتكنولوجيّات الصناعيّة الحديثة، وهو ما يُعدُّ حكراً لدى الأولى، بينما يُعدُّ مطلباً هامّاً للثانية لدفعها نحو التّطبيع الاقتصاديّ مع إسرائيل. وتتشعّب التّداخلات والتّعاملات الاقتصاديّة، بحكم تنوّع مصادر الاقتصاد وفروعه التي تشمل الصناعة والزّراعة والتّجارة. وتتطلّع إسرائيل إلى رفع حجم التّبادل التّجاريّ مع الدّول العربيّة التي طبّعت العلاقات معها إلى مستويات غير مسبوقة. فتنوّع الثروات السطحيّة والباطنيّة لدى الدّول العربيّة، يجعلها مصدر جذب للاستثمارات الإسرائيليّة، مثلما يدّعي أنصار التّطبيع، وهو ما لم ينعكس على الأرض إلى الآن، على الأقلّ مع الدّول التي أقامت علاقات سياسيّة واقتصاديّة معها.
يبقى التّطبيع الاقتصاديّ بين الدّول العربيّة وإسرائيل، مرهوناً بالتّطبيع السياسيّ، وقد يحتاج إلى فترة زمنيّة أطول من المتوقّع لدخوله حيّز التنفيذ، هذا في حال وجود بيئة ومناخ اجتماعيّ وثقافيّ غير رافض للتطبيع، وهو لا يزال في حكم التخطيط المستقبليّ.
هناك أساليب وطرق أخرى للتطبيع، مثل التّطبيع الأكاديميّ، وينحصر في إقامة علاقات طبيعيّة علميّة وأكاديميّة بين الجامعات والمعاهد الأكاديميّة العربيّة ونظيراتها الإسرائيليّة، وهو لم يحصل إلى الآن بين إسرائيل والدّول العربيّة التي وقّعت اتّفاقيّات سلام مع إسرائيل. كذلك يأتي التّطبيع الاجتماعيّ ضمن أولويّات الطرفين، ويتمثّل في بناء علاقات بين الشّعب الإسرائيليّ والشّعوب العربيّة، مثل إقامة الأنشطة الرّياضيّة المشتركة، المهرجانات الفنيّة، تشجيع السياحة، بما فيها السياحة الدّينيّة، أي زيارة المعابد والأمكنة الدّينيّة. وفي هذا الخصوص دأبت إسرائيل إلى استغلال ظاهرة السياحة بشكل سيء، عبر محاولتها سرقة آثار العديد من الدّول، وظهرت ردود فعل شعبيّة عليها، مثلما حصل في مصر أثناء زيارة وفد سياحيّ إسرائيليّ لمعبد يهوديّ في سيناء في ثمانينيات القرن الماضي، وتبيّن أنّ المنطقة عسكريّة وممنوع الدّخول إليها، إلا أنّ السيّاح الإسرائيليّين بدؤوا بالتقاط صور الموقع العسكريّ، ما اضطر حرّاس الموقع إلى إطلاق النّار عليهم – سليمان خاطر هو الجنديّ المصريّ الذي أطلق النار، إلا أنّ السُّلطات المصريّة آنذاك اعتقلته وقتلته تحت التعذيب – وفيما بعد أظهرت الأدلّة بأنّ معظم السُيّاح كانوا عناصر من الاستخبارات الإسرائيليّة.
مخاطر التّطبيع:
يختلف العديد من الباحثين والسياسيّين في شرح أبعاد التّطبيع وانعكاساته على واقع ومستقبل الشّعوب العربيّة والإسرائيليّة، فيشرح الكاتب “صلاح الدّين المصري” مخاطر التّطبيع، منطلقاً من إيديولوجيّة قوميّة، لا ترى الوجه الآخر من اللّوحة، رافضاً أيّ نوع من أنواع التّطبيع، ومفنّداً المزاعم التي يسوّق لها “المطبّعون”، معتبراً أنّها مجرّد حالة “انسحاق” لحركة التحرّر العربيّة، تُفضي إلى تبعيّة مُطلقة لإسرائيل، وعلى كلّ المستويات. ويُعدّد تلك المخاطر على الشكل التّالي:
أ – المساهمة في بناء الشرق الأوسط الكبير الذي يقوده الكيان الصهيونيّ، وهو الهدف الذي تسعى إليه الولايات المتّحدة الأمريكيّة والصهيونيّة منذ بدايات التّطبيع (كامب دافيد، أوسلو).
ب – التّسليم بالتفوّق الإستراتيجيّ للكيان الصهيونيّ اقتصاديّاً وعسكريّاً، ومحاصرة أيّ محاولة لمنافسته، بل إنّ المنافسة تصبح جريمة في منظور المطبّعين كما هو الشأن مع الحالة الإيرانيّة وملفّها النّووي.
ت – الإمضاء على وثيقة الموت الطوعيّ للمشروع العربيّ في التحرّر والوحدة والاستنهاض.
ث – التّطبيع؛ هو تنازلٌ عن المعنى الإنسانيّ عند العرب والبشر، ومن العجيب هذا التناقض القاتل عند بعض الغربيّين بين وقوفهم ضدّ “الهولوكوست” وقبولهم بمجازر الصهيونيّة ضدّ العرب؟ السؤال الكبير الذي يطرح على كلّ إنسان: الصهيونيّة حركة عنصريّة، فكيف نقبل بوجودها بيننا؟
ج – الكيان الصهيونيّ قام على القتل والسرقة، ويستمرّ بهذا الأسلوب، فكيف نقبل بوجوده؟ فإذا قبلنا وخاصّة نحن العرب؛ فكأنّنا نضع أمننا واستقلالنا واقتصادنا وثورتنا في طبق نقدمّه هديّة إلى عدوّنا.
ح – التّطبيع قبول بتخريب الكيان الصهيونيّ لوطننا، وقد ظهر هذا التخريب في تقسيم السّودان وفي مصر وفي لبنان وفي العراق وفي سوريّا.
غير أنّ الأحكام المسبّقة قد لا تؤدّي دائماً إلى نتائج سليمة، والحكم على التّطبيع من خلال النظريّات والفرضيّات التي بُنِيَ عليها في الستينيّات والسبعينيّات في غمرة الصراع العربيّ – الإسرائيليّ، قد تحمل في بعض الأحيان قرارات مُتسرّعة وعواقبها غير محمودة، أو تعيد إنتاج منظومة فكريّة وسياسيّة ومجتمعيّة لا تتناسق مع روح وجوهر التطوّرات العصريّة. مثلاً، لا نزال نسمع في إسرائيل أيضاً بعض الأصوات والتيّارات الرّافضة فكرة التّطبيع، وتُنادي بالتفوّق الإسرائيليّ، وتتبنّى نظريّات دينيّة متطرّفة، تستمدُّ قوّتها من الأحزاب الدّينيّة والمتشدّدين المتمسّكين بفكرة الغلوِّ القوميّ الإسرائيليّ.
اتّفاقيّة كامب ديفيد:
تُعدُّ اتّفاقيّة “كامب ديفيد” التي وقّعها الرّئيس المصريّ الأسبق “محمّد أنور السادات” مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ حينها “مناحيم بيغن”، وبرعاية من إدارة الرّئيس الأمريكيّ الأسبق “جيمي كارتر”، في 17 سبتمبر/ أيلول 1978، أوّل اختراق في حائط الممانعة العربيّة لإسرائيل، وأوّل ضربة للموقف العربيّ الموحّد المُعادي لإسرائيل. تَعهّدَ بموجبها الطرفان الموقّعان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات وديّة بينهما، تمهيداً للتسوية، كما انسحبت إسرائيل من سيناء التي احتلّتها عام 1967.
إنّ إعادة قراءة ظروف وشروط الاتّفاقيّة، في سياقها الزّمنيّ، ورؤية نتائجها من زاوية الحلول والسّلام، وكذلك ضمن دائرة الصراع الإسرائيليّ – العربيّ، تُفيد في فهم المراحل اللّاحقة، بما لها وما عليها من انعكاسات على صراع استنزف الكثير من الطاقات والإمكانات البشريّة والماديّة، ورؤية آفاق إحلال السّلام العادل، وبناء علاقات ندّيّة متكافئة، لطالما كان، ولايزال، هدفاً لدى كلا الطرفين، كما يُعلنان.
لا شكّ أنّ الاتّفاقيّة، شكّلت منعطفاً هامّاً وخطيراً في أتّون احتدام فيه الصراع بين إسرائيل والدّول العربيّة، خاصّة أنّها جاءت بعد حرب خاضتها كلّ من مصر وسوريّا، حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأوّل عام 1973 مع إسرائيل، حقّقت فيها الدّولتان انتصارات لا بأس بها في تعديل موازين القوى لصالح الأخيرة. في حين أنّ العديد من الباحثين يُرجِعون أسباب إقدام “السادات”، على توقيع اتّفاق منفرد مع إسرائيل، إلى رؤيته المستقبليّة وقناعته بأنّه لا يمكن “محو إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط وإلغاء وجودها”، وهذا ما أكّدت عليه زوجته الدّكتورة “جيهان السادات” في حديثٍ لها مع قناة الجزيرة، “بأنّ السادات كان شخصاً واقعيّاً، وأدرك قبل غيره من الرّؤساء العرب آفاق الصراع العربيّ – الإسرائيليّ، وبأنّه لا يمكن لأيّ طرف تحقيق النصر المؤزّر وإلغاء وجود الآخر، وهذه الحقيقة أصبحت واقعاً ملموساً بعد رحيله”.
ردود الفعل العربيّة، الرّسميّة والشّعبيّة، على الاتّفاقيّة، وصفتها بـ”الخيانيّة”، وخروجاً عن الإجماع العربيّ، وضرب للمساعي العربيّة لتحرير فلسطين، وإهداراً لحقوق الشعب الفلسطينيّ في العودة إلى أرضه وبناء دولته المستقلّة وعاصمتها القدس. أحدثت الاتّفاقيّة حالة صدمة عند قادة الدّول العربيّة والشّارع العربيّ، فعلّقت عضويّة مصر في الجامعة العربيّة ونُقِلَ مقرّها من القاهرة إلى تونس. وعقدت الدّول العربيّة مؤتمراً في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1978 في بغداد، حضرته عشر دول عربيّة، أصدرت قراراً برفض الاتّفاقيّة ومقاطعة مصر، باستثناء سلطنة عُمان والصومال والسودان، وتمّ تشكيل ما يُسمّى بـ«جبهة الرّفض» بزعامة العراق. وبعد أيّام من مقاطعة مصر، عقدت قمّة عربيّة في تونس، أكّدت استمرار المقاطعة، وتمّ تعيين الشاذلي القليبي، كأوّل أمين عام غير مصريّ للجامعة.
لم تتمكّن القيادة المصريّة، أن تعكس مضمون اتّفاقيّة كامب ديفيد واقعاً مُعاشاً ومُستساغاً في مصر، وظلّت الهُوّة المجتمعيّة بين الشّعبين الإسرائيليّ والمصريّ كبيرة لجهة التّطبيع الشعبيّ. فبقيت أوساط وشرائح مجتمعيّة، مثقّفين، رجال دين، أكاديميّين، قوى سياسيّة… رافضة للاتّفاق، ودفع الرّئيس المصريّ السادات حياته ثمناً له، في حين واصل خلفه “محمّد حسني مبارك” السير على خطّ سلفه، ولم يلغِ الاتّفاقيّة، بل وسّع من العلاقات مع إسرائيل، لتشمل ميدان التّجارة، بعد أن رُفِعَ العلم الإسرائيليّ فوق السّفارة الإسرائيليّة وسط القاهرة. فيما أبدت القوى السياسيّة مواقف رافضة للاتّفاقيّة، أعنفها كان موقف “جماعة الجهاد المصريّة” التي اغتالت الرّئيس أنور السادات في 6 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1981، فيما رفضته كلّ من “حزب التجمّع، جماعة الإخوان المسلمين، الحركة المصريّة من أجل التغيير (كفاية)، الحزب العربيّ الناصريّ، الحزب الشيوعيّ المصريّ، حزب الوفد الجديد”، كذلك انضمّت إليها منظّمات مجتمع مدنيّ مثل “نقابات الصحفيّين والمهندسين والمحامين والأطبّاء وعدّة نقابات مهنيّة”، ودعت لمناهضة كلّ أشكال التّطبيع.
استأنفت الدّول العربيّة علاقاتها الطبيعيّة مع مصر بعد عشر سنوات من المقاطعة، ونُقِلَ مَقرُّ الجامعة العربيّة إلى القاهرة من جديد، وتمّ تعيين المصريّ “عصمت عبد المجيد” أميناً عامّاً لها.
اعتبرت بعض الأوساط السياسيّة أنّ الرّئيس المصريّ الرّاحل “أنور السادات” هو “رجل الحرب والسّلام”، فقد انتصر في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وكذلك في عمليّة السّلام، بعد توقيعه اتّفاقيّة كامب ديفيد بين مصر إسرائيل، حيث عادت منطقة سيناء بالكامل إلى السيادة المصريّة. في حين يوجّه منتقدوه بأنّه “شرّع لعمليّة تطبيع مع العدوّ الأوّل للعرب، ونسف الإجماع العربيّ حول مفاهيم وقيم الوطن العربيّ المشتركة”، وأن خروج مصر من المعركة مع العدو، تعتبر خسارة استراتيجيّة كبيرة للعرب، وإضعاف للتنسيق العربيّ في مواجهة التحدّيات المشتركة، وشرعنة لوجود إسرائيل في قلب الوطن العربيّ.
إنّ قراءة مواد وبنود الاتّفاقيّة وملحقاتها؛ تظهر بكلّ جلاء، نوايا الطرفين في الانتقال من مجرّد التوقيع على اتّفاقيّة ثنائيّة، إلى التّطبيع في كلّ المجالات، ليغدو أساساً لسلام شامل يسود المنطقة، وينهي حالة الصراع المستمرّ منذ عقود بين إسرائيل والعرب. غير أنّ الطرفَين فشلا في تحويل الاتّفاقيّة إلى ثقافة سلام وتعايش مشترك بين البلدين، وخلق مناخ ملائم لتجاوز عُقَدِ الماضي ووضع حدّ للكراهية بينهما.
التّطبيع بين إسرائيل والإمارات:
بين صحّة التسريبات والتأكيدات على وجود تاريخ طويل من العلاقات السرّيّة بين دول عربيّة عديدة وإسرائيل، حتّى قبل التّوقيع على اتّفاقيّة كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، الثّابت أنّ تواصلاً، وإن بمستوياته الدنيا، كان موجوداً بين عدّة دول عربيّة وخاصّة الخليجيّة منها مع إسرائيل. إلّا أنّ ما شهدناه في الفترة الأخيرة من تسارع عمليّات التّطبيع بين إسرائيل وعدد من الدّول العربيّة، يُشير إلى رغبة مشتركة لدى تلك الأطراف في إنهاء مرحلة الصراع، والدّخول في تسويات شاملة، بعد أن تلمّست رياح التغيير التي تضرب المنطقة، وتبديل خرائط وحدود دول، ورضوخ العرب والإسرائيليّين للضغوط الغربيّة، وخاصّة الأمريكيّة، في حثّها على مزيد من الانفتاح والتحرّر من التابوهات القديمة التي عفا عليها الزمن، والبدء بانطلاقة جديدة، تُعيدُ للشّعوب عافيتها، وتَشرع في عمليّة التنمية والبناء، مع الحفاظ على الحقوق والثّوابت الوطنيّة.
مبادرة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة في توقيع اتّفاقيّة السّلام مع إسرائيل، وبرعاية الرّئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، في هذه الأجواء السياسيّة والعسكرية العاصفة في منطقة الشرق الأوسط، تُعدُّ انزياحاً للأولى عن الإجماع العربيّ، وإضعافاً للعرب أمام تنامي قوّة إسرائيل السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة في المنطقة، فيما يصفها البعض بأنّه “انسحاق” للموقف العربيّ، بعد حالة التفكّك في السّاحة العربيّة، وانفراد كلّ دولة في الإقدام على خطوات التّطبيع، وبشكل علنيّ، في حين كانت طيلة سنين مضت سُرّيّة ويلفّها الكُتمان.
تراوحت ردود الفعل الرّسميّة والشّعبيّة العربيّة على خطوة الإمارات، بين الرّافضة والمرحّبة بها، ففي حين طالب الفلسطينيّون بعقد اجتماع لجامعة الدّول العربيّة لإصدار بيان تنديد بالاتّفاقيّة، إلّا أنّ الجامعة لم تُصدر أيّ بيان إدانة، وألقى الفلسطينيّون باللّائمة على أمين عام الجامعة. وصدرت مواقف من حركات سياسيّة وهيئات اجتماعيّة وأطر برلمانيّة ومنظّمات مجتمع مدنيّ عربيّة عديدة، رافضةً ومندّدةً بالاتّفاق. أمّا الأنظمة العربيّة، فتراوحت مواقفها بين الرّافضة والمؤيّدة، ففي حين رفضتها كلّ من سوريّا واليمن، دون أن تشير إلى موقف دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، أيّدت كلّ من “مصر، البحرين، سلطنة عُمان، وموريتانيا” الاتّفاق، فيما اشترطت الأردنّ أنّ مستقبل الاتفاق “سيكون مرتبطاً بما ستقوم به إسرائيل من أجل تحقيق السّلام العادل، عبر إنهاء الاحتلال”، فيما ظهر الموقف السّوداني ضبابيّاً، بداية.
وتستعرض وحدة الدّراسات السياسيّة في المركز العربيّ للأبحاث، في دراسة لها أرقام وإحصائيّات عن حجم التّبادل التّجاريّ والاقتصاديّ بين إسرائيل والدّول العربيّة التي طبّعت العلاقات معها. وأكّدت أنّ التّطبيع يجري على عدّة مستويات، اقتصاديّة، تجاريّة، أمنيّة، عسكريّة، ثقافيّة، ورياضيّة. ونشرت الدّراسة “بيانات دائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة”، والتي “قدّرت إجمالي الصادرات الإسرائيليّة من السلع والخدمات إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو /7/ مليارات دولار أمريكيّ سنويّاً، من بينها أكثر من مليار دولار أمريكيّ لدول الخليج العربيّة. وتمثّل أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو /7/ في المئة من إجمالي الصادرات، و/6/ في المئة من إجمالي الواردات الإسرائيليّة من السلع والخدمات.
وتبحث الدراسة في ارتدادات تطبيع الإمارات العلاقات مع إسرائيل، لتركّز على التّعاون الأمنيّ والعسكريّ، وتصفه بأنّه يعني “انتقال الإمارات لمعسكر الشراكة مع “إسرائيل” رسميّاً، بما يحمله ذلك من تبنّي مفاهيم مشتركة أو متقاربة في مجالات الأمن، والأمن القوميّ، والمصالح الإستراتيجيّة، وتشخيص مصادر التهديد والجهات المعادية. كما أنّ هذه الترتيبات تشير إلى الانزياح الإماراتي نحو تبنّي المعايير الإسرائيليّة في هذه الجوانب، وما يترتّب عليه من تأثير على نظم وتيّارات عربيّة عديدة، وسياسات هذه الأطراف تجاه حركات المقاومة الفلسطينيّة والعربيّة، وخطوط إمدادها وتحرّكها”.
وتشدّد الدّراسة على تبيان جانب التّعاون الاستخباراتيّ والأمنيّ بين إسرائيل ودولة الإمارات، وتضيف: “أمّا على مستوى الاستخباراتيّ والأمنيّ؛ فتُعدُّ بعض الدّول العربيّة متلقيّاً رئيساً للخدمات الأمنيّة والتقنيّات الاستخباراتيّة الإسرائيليّة. ففي عام 2008، وقّعت هيئة المنشآت والمرافق الحيويّة في أبو ظبي عقداً مع شركة “إي جي تي إنترناشونال – AGT International”، وهي شركة سويسريّة مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيليّ، “ماتي كوتشافي”، لشراء معدّات مراقبة للبنية التحتيّة الحيويّة، بما في ذلك منشآت النّفط والغاز”. وتؤكّد الدّراسة أنّ الشركة “زوّدت أبو ظبي بثلاث طائرات مسيّرة، بهدف تعزيز قُدُراتها الاستخباراتيّة والأمنيّة، كما زوّدت شرطة أبو ظبي بنظام مركزيّ للمراقبة الأمنيّة، يُعرَف باسم “عين الصقر – Falcon Eye”، بدأ العمل به رسميّاً في يوليو/ يوليو 2016”.
وتعود الدّراسة لِتَسرُدَ تواريخ وتفاصيل مذهلة ومفاجئة عن تعاون أمنيّ بين إسرائيل وبعض الدّول العربيّة التي لم توقّع أيّ اتّفاق سلام مع إسرائيل، وحتّى قبل توقيع الإمارات العربيّة المتّحدة اتّفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومنها السّعوديّة. وتؤكّد الدّراسة أنّه “في واقعة عُدَّت بداية للتّعاون الاستخباراتيّ والأمنيّ الإسرائيليّ مع السّعوديّة، استعانت الرّياض، في أغسطس/ آب 2012، بمجموعة من الشركات العالميّة في الأمن السيبراني (المعلوماتيّ)، من بينها شركة إسرائيليّة لحماية أمن المعلومات لوقف الهجوم الذي تعرّضت له شركة “أرامكو السّعوديّة”؛ فقد اخترق متسلّلون أجهزة كومبيوتر تابعة للشركة باستعمال فيروس يُدعى “شمعون”، الأمر الذي أدّى إلى تعطيل إنتاج النّفط السّعوديّ”. وتضيف الدّراسة أنّ “بعض دول الخليج العربيّة أقبلت على شراء التكنولوجيا الاستخباراتيّة المصنوعة في إسرائيل، لتعتمدها للتجسّس على معارضيها السياسيّين، ومراقبة وتتّبع نشاطاتهم، مثل تطبيقات “واتس آب – WhatsApp” الذي أنتجته مجموعة “إن إس أو – NSO” الإسرائيليّة باستعمال تكنولوجيا “بيغاسوس – Pegasus” للتجسّس”.
ولا تقتصر أوجه التّعاون بين إسرائيل والدّول العربيّة على المجالات الاقتصاديّة في توريد النّفط والغاز من دول الخليج العربيّ إلى إسرائيل والتكنولوجيّات المتقدّمة، بل تشمل التّعاون العسكريّ، حيث شاركت بعض الدّول العربيّة في مناورات عسكريّة مع إسرائيل، مثل “المناورات التي شاركت فيها السّعوديّة والإمارات في مناورات “العلم الأحمر – Red Flag”؛ وهو تمرين متقدّم على القتال الجوّيّ، تُشرف عليه القوّات الجوّيّة الأمريكيّة. وفي مارس/ آذار 2017 وإبريل/ نيسان 2019، شارك سلاح الجوّ الإماراتيّ في تدريبات عسكريّة تُعرَف باسم “إينيو هوس – Iniohos” في اليونان، شاركت فيها إسرائيل أيضاً”.
لا يمكن التكهّن بمسار عمليّات التّطبيع بين الدّول العربيّة وإسرائيل ومستقبلها في ظلّ التقلّبات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فرغم إقدام دولة “البحرين”، ومن بعدها “السّودان” على التّطبيع، إلا أنّ العمليّة برمّتها مرتبطة بالديناميّات والقوى الشّعبيّة المنظّمة التي تحرّك المجتمعات، وهي مازالت تقف في الجبهة المضادّة لأيّ عمليّة تطبيع مع إسرائيل، دون تلبية شروطها في عودة الحقوق الفلسطينيّة وضمانات الأمن والسّلام، والتي لا تقدّمها إسرائيل. فالعمليّة في النهاية تأتي في إطار ضعف مواقف الدّول العربيّة وتقديمها لتنازلات، دون مقابل لإسرائيل وحليفتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لفرض شروطهما. فالحوامل الثّوريّة والمجتمعيّة لديها القدرة على نسف أيّ عمليّة تطبيع مع إسرائيل، إن لم تلبِ حاجاتها ومصالحها، وكلّ الاعتقاد أنّ إسرائيل تبحث في الثّغرات التي يمكن أن تتسلّل منها، لتقيم سلاماً وتطبيعاً مع الشّعوب وليس مع الأنظمة والحكومات فقط، ويبدو أنّ هذا المسار قد يطول، نظراً لتعقيدات وعوامل تلفّه، منها الدّين والثّقافة والتوجّه السياسيّ والذهنيّة المجتمعيّة، والأنظمة العربيّة غير قادرة على تقديم ضمانات كافية لإسرائيل بأن ينتقل التّطبيع من المستوى الرّسميّ إلى المستوى الشّعبيّ.
إلّا أنّه في ذات الوقت؛ ستبقى كلّ الاتّفاقات الموقّعة مع إسرائيل سارية المفعول وتحظى بشرعية كلّ الحكومات والأنظمة التي تتعاقب على السُّلطة في الدّول التي دخلت معها في عمليّات التّطبيع، لطالما أنّها اكتسبت صفة الشرعيّة الدّوليّة، حيث تمّ تسجيل كلّ تلك الاتّفاقات وإيداعها لدى الأمم المتّحدة، لتأخذ الصفة القانونيّة، لكن يبدو أنّها بحاجة إلى مزيد من الوقت لتأخذ شرعيّتها ضمن مجتمعاتها.
انعكاس عمليّات التّطبيع على القضيّة الكُرديّة:
إنّ شرح الملابسات التي تنطوي عليها هذه القضيّة الشائكة وفكّ طلاسمها، هي في غاية الصعوبة، نظراً لاختلاف المرجعيّات والمنهجيّات التي ينطلق منها كلّ باحث، وهي على العموم خاضعة لإيديولوجيّات معيّنة تحكمها الرؤية الأحاديّة، ولا تدرسها من كلّ جوانبها.
بداية ينبغي التأكيد على أنّ القضيّة الكُرديّة تُعدُّ إحدى القضايا السّاخنة والمحوريّة في الشرق الأوسط، وحلّها مرتبطٌ بجملة الحلول والمعادلات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة في المنطقة، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال فصلها عن تلك المسارات. فالتّاريخ القريب والبعيد، يؤكّد أنّ القضيّة الكُرديّة تأثّرت أكثر من غيرها من قضايا المنطقة بالمتغيّرات، خاصّة خلال الحربَين العالميّتين والحرب الباردة، والآن أيضاً.
فأيّ تحوّل في المنطقة، يُلقي بظلاله على الشّعب الكرديّ وقضيّته، لأنّه شعب أساسيّ من شعوب المنطقة، ساهم في بناء حضارتها وتاريخها، وأيّ إنكار لدوره، حاضراً ومستقبلاً، يعتبر تنصّلاً من المسؤوليّات التّاريخيّة وإبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار.
اتّهمت عدّة أطراف قومويّة في الفترات السّابقة، الحركة التحرّريّة الكردستانيّة في الأجزاء الأربعة من كردستان، وخاصّة في جنوب كردستان (الجزء الملحق بدولة العراق) بالسعي “لإقامة إسرائيل ثانية في شمال العراق” واتّهامها “بالانفصال” و”إلحاق جزء من الأراضي العربيّة بدولة أجنبيّة”، وانتقلت هذه المقولة لِتُدرّس في الكتب المدرسيّة. ففي سوريا ورد في كتاب الصفّ التّاسع الإعداديّ في سبعينات القرن الماضي فصل خاص في كتاب اسمه “التربية الوطنيّة”، تناول القضيّة الكُرديّة، ليوسمها بالانفصال و”إقامة إسرائيل ثانية”. كما ردّد ذات الجملة والمفهوم الكاتب والأديب السّوريّ “ناصيف عبد الكريم”، في روايته المشهورة “الحلقة المُفرغة”، فيما تناولها آخرون من باب التهكّم والسُخرية، مثلما وصفها الأديب والدّكتور “عبد السّلام العُجيلي” في روايته “باسمة بين الدّموع”. فيما شارك الجيش السّوريّ بقيادة اللّواء “فهد الشاعر” في قمع الثّورة الكُرديّة التي قادها مصطفى البارزاني في جنوب كردستان.
الأمثلة التي أتينا على ذكرها، حفرت بعيداً في الوعي الجمعيّ للشعوب العربيّة، وأبعدتها عن رؤية القضيّة الكُرديّة بجانبها الكفاحي، على اعتبار أنّها تعبّرُ عن مظلوميّة شعب طالما عانى من الاحتلال والقمع ومنعه من التحدّث بلغته الأم وتعلّمها. حيث سادت ثقافة قومويّة ضيّقة متّسمة أحياناً كثيرة بالشوفينيّة، وللأسف الشديد، حتّى بين النُّخب الثّقافيّة والسياسيّة العربيّة، لتربط، وبشكل مجحف، بين حقوق الشعب الكرديّ في الحُرّيّة، وبين إسرائيل، وهذه مغالطة فكريّة وسياسيّة وثقافيّة مجتمعيّة كبيرة وقعت فيها تلك النُّخب، وانعكست في الوجدان الشّعبيّ بعدم تقبّل الكرد. وإحدى مرتسمات هذه الذّهنيّة المتشكّلة عبر عقود، تجلّت في الثّورة السّوريّة، وغذّتها الدّول والأنظمة المغتصِبة للوطن الكُرديّ، مثل تركيّا، لتُعيد تلك المقولة “إقامة إسرائيل ثانية في شمال سوريّا”.
تبنّت عدّة أوساط وقوى عربيّة مختلفة معارضة (قوميّة، يساريّة، علمانيّة، ليبراليّة، دينيّة.. إلخ)، مواقف أنظمتها في اتّهام الحركة التحرّريّة الكُرديّة بإقامة علاقات مع إسرائيل، وخاصّة في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، ولتنصب العداء للقضيّة الكُرديّة، وتزيد في شحن الشّارع العربيّ ضدّ أيّ خطوة لنيل الكُرد حقوقهم، وحلّ قضيّتهم العادلة.
إنّ أيّ انفراج في الصراع الدّائر في الشرق الأوسط، يُمهّد الأرضيّة لحلّ قضاياه العالقة، وأهمّها القضيّة الكُرديّة والفلسطينيّة، ويُطلق مشاريع تلاقي بين شعوبها التي فرّقتها خرائط سايكس – بيكو، والحروب الطاحنة التي لم تبقِ ولم تذر على شيء.
إنّ اتّفاقات التّطبيع بين الدّول العربيّة وإسرائيل في الآونة الأخيرة، والتي أصبحت في حكم “الأمر الواقع”، لها أبعاد إقليميّة ودوليّة، لجهة إعادة النظر في الاصطفافات والتّحالفات الرّاهنة وفي جملة المفاهيم التي سادت في الفترة الماضية، واعتبرتها بعض القوى من “المسلّمات” لا يجوز المساس بها.
كلّ الاعتقاد أنّ مقولة “إقامة إسرائيل ثانية في كردستان” فقدت مفاعيلها ودينامياتها المجتمعيّة والسياسيّة، بفعل إقدام العديد من الدّول لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وفي ظلّ رفع العلم الإسرائيليّ وسط بعض العواصم العربيّة والإسلاميّة، كتركيّا، وهي في ذات الوقت تفتح الطريق أمام إبداء مقاربات أكثر إيجابيّة من الحركة التحرّرية الكردستانيّة.
إنّ إقحام الكُرد في الصراع الدّائر بين إسرائيل والعرب، يعتبر خطأ جسيماً ارتكبته الأنظمة العربيّة والقوى الأخرى المتّسقة معها في الفكر والرؤية، وأنتجت على مرّ عقود كتلة كبيرة من الأحقاد والكراهية والقمع والظلم. وشروع الدّول العربيّة على إنهاء صراعها مع إسرائيل، تدفعها إلى تعديل مواقفها من قضيّة الشعب الكُرديّ، مثلما بدأنا نلمس في مواقف كلّ من المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة ومصر من الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريّا وحكومة إقليم باشور/ جنوب كردستان.
الخاتمة:
إنّ قضيّة التّطبيع بين الدّول العربيّة وإسرائيل في ظلّ موازين القوى الرّاهنة، والتكتّلات والتّحالفات الإقليميّة والدّوليّة، ترجّح الكفّة لصالح الثانية. فبقدر ما يكون التّطبيع والسّلام العادل حاجة ومطلباً لشعوب الشرق الأوسط؛ فإنّه في ذات الوقت يشكّل انعكاساً لمشاريع تُعدُّها القوى الكبرى لإعادة رسم خرائط المنطقة وفق مقتضيات مصالحها، وبالتشارك مع الأنظمة الرّاهنة. ومنذ توقيع أوّل اتّفاقيّة سلام بين مصر وإسرائيل (كامب ديفيد) عام 1978، مروراً باتّفاقيّة (أوسلو) عام 1993 بين إسرائيل والفلسطينيّين، واتّفاقيّة (وادي عربة) عام 1994 بين إسرائيل والأردنّ، وصولاً إلى اتّفاقيّات السّلام الأخيرة بين إسرائيل وكلّ من الإمارات والبحرين والسّودان، لم ينتقل التّطبيع من مستوى اتّفاقات الأنظمة مع إسرائيل، إلى مستوى القبول الشّعبيّ، ليعكس رغبة مجتمعيّة في إنهاء حالة العداء والصراع في المنطقة. والمؤكّد أن الشّعوب العربيّة ستستمرّ في رفضها لأيّ حالة تطبيع، إن قُدِّرَ لها أن تُعبِّرَ عن إرادتها وتشارك في صنع قرار دولها وتقرّر مصيرها. ففي ظلّ الاستبداد الضارب بجذوره عميقاً في كافّة مفاصل دول المنطقة، وعدم إتاحتها المجال أمام أيّ تحوّلٍ ديمقراطيّ يكفل بممارسة شعوبها لحقوقها في التعبير بكامل حُرّيّتها، تبقى تلك الدّول المنخرطة في عمليّات التّطبيع مع إسرائيل عاجزة عن جعل التّطبيع واقعاً مُعاشاً ومقبولاً على المستوى الشّعبيّ، وسترتدّ عليها في تضعضع أسس أنظمتها الهشّة، مهما حاولت ترميمها، عبر الاعتماد على القوّة اللّحظيّة والمؤقّتة التي منحتها لها إسرائيل والدّول المشاركة معها في مشاريع التّطبيع.
لن يغدو التّطبيع فعلاً مُمارساً على الأرض، إلا بإشراك كافّة شرائح المجتمع ونخبه الثّقافيّة والسياسيّة، وهذا غير مأمول في المستقبل المنظور، ما ينسف كلّ مبرّرات التّطبيع، ويظلّ محصوراً ضمن قصور الحكام وأروقة إداراتهم الأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة.
المراجع:
– مقالة الكاتب الفلسطينيّ “معاذ العمودي” في موقع “نون بوست”.
– مقالة الكاتب “نبيل السهلي” بعنوان “عندما توقف الشّعوب العربيّة عجلة التّطبيع مع إسرائيل”.
– دراسة لـ” حملة المقاطعة الدّوليّة لإسرائيل BDS”.
– كتاب ” مشروع الشرق الأوسط الجديد “للرّئيس الإسرائيليّ الأسبق “شمعون بيريز”.
– مدوّنة الكاتب “إبراهيم نصّار” بعنوان “ما هو التّطبيع، لماذا يجب مقاومته بقوّة وما هو البديل؟”.
– مقالة الكاتب “هشام البستاني” بعنوان “مقاومة التّطبيع” – جريدة الإخبار اللبنانيّة.
– دراسة للكاتب والباحث الفلسطينيّ في المركز الدّيمقراطيّ العربيّ “بكر أبو بكر”.
– مقابلة قناة “الجزيرة” القطريّة مع المستوطن الإسرائيليّ المتطرّف “مردخاي كويدار” في برنامج الاتّجاه المعاكس.
– الكاتب صلاح الدّين المصري – مخاطر التّطبيع.
– مقابلة قناة “الجزيرة” القطريّة مع الدّكتورة “جيهان السادات” أرملة الرّئيس “أنور السادات”.
– وحدة الدّراسات السياسيّة في المركز العربيّ للأبحاث.
– بيانات دائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة.
– كتاب “التربية الوطنيّة” من مناهج وزارة التربية السّوريّة كان يُدرّس للصفّ التّاسع الإعداديّ في سبعينات القرن الماضي.
– الكاتب والأديب السّوريّ “ناصيف عبد الكريم”، روايته المشهورة “الحلقة المُفرغة”.
– الأديب والدّكتور “عبد السّلام العُجيلي” روايته بعنوان “باسمة بين الدّموع”.
– اللّواء “فهد الشاعر” – قائد القوّات السّوريّة التي شاركت في قمع الثّورة الكُرديّة التي قادها مصطفى البارزاني في جنوب كردستان.
– تقرير لموقع “جفرا نيوز” الأردنيّ الإلكترونيّ، بعنوان ” الإخوان المسلمون والتّطبيع مع إسرائيل”، بتاريخ 22 مايو/ أيار 2017.
– “Assessing Israel’s Trade with its Arab Neighbours,” Tony Blair Institute for Global Change, 14/8/2018, accessed on 14/6/2020, at: https://bit.ly/2XZMrFZ