حول أثنوغرافية المرأة الكردية
تكمن الأهمية التاريخية للمرأة الكردية القديمة في منظومة القيم والرسالات الإنسانية التي شملت كل نواحي الحياة، وكونت بمرور الأجيال الجذور الحقيقة التي تستمد منها البشرية تراثها الإنساني في إجماله، ومن أهم هذه القيم الإنسانية الاعتراف بأهمية دور المرأة في المجتمع.
يعتمد الوضع الاجتماعي لكل شعب أو مجتمع في أي عصر كان على عاداته وتقاليده الاجتماعية، وعلى الديانة السائدة في هذا المجتمع وشرائعه وقوانينه، ولشخصية المرأة الكردية ومدى التزامها بعاداتها وتقاليدها دور كبير في الحفاظ على تراثها الثقافي، وباعتبارها الشريك الوحيد للرجل في جميع مناحي الحياة، فلا بد من امتلاك ناصية المفهوم الصحيح للمرأة الكردستانية.
المرأة هي الشق الثاني من الإنسان المعمّر لهذه الأرض، وجاء لفظ المرأة من (مرأ) كما في قاموس (لسان العرب):
مَرَأ: مَرَأ الرجل يمرءُ مُرءَة والمُرُوءَة: الرجولة والإنسانية.
والمَرءُ: الإنسان. تقول هذا مَرْءٌ وتأنيث المرء: مَرْأَة. فإذا عرفوها قالوا: المرأة.
وللعرب في المرأة ثلاث لغات، يقال: هي امْرأتُهُ وهي مَرأتُهُ وهي مَرَتهُ.
كوردستان تتألف من مقطعين( كورد) يعني الشجعان، و( ستان) يعني البلاد، فتصبح (بلاد الشجعان) بالفارسية، وقديماً كان يُطلق اسم (كوردونس) على بلاد الكورد، بينما أطلق عليها العرب اسم (بلاد الجبال).
وكما أوردت الروايات فإن لفظ (كردستان) في الأصل أطلقه السلجوقيون، إما على المنطقة الواقعة بين إيالتي أذربيجان و لورستان، وإما على البلاد الواقعة في غربي جبال زاغروس، فبحسب الرواية الأولى يكون هذا اللفظ قد وُضع لما يلي: ( سنة- سنندج)، دينور، همدان، (كرماشان، كرمانشاه). وبحسب الرواية الثانية لولايتي شهرزور،( كوي- وكيسنجر) فقط.
يقول المستر لوسترنج في كتابه بلدان الخلافة[1]، في أواسط القرن السادس الهجري، فصل السلطان سنجر السلجوقي البلدان الواقعة في غربي الجبال التي كانت تابعة لمقاطعة كرماشان فجعلها مقاطعة مستقلة وسماها كردستان، ثم نصب سليمان شاه ابن اخيه حاكماً عليها. وبقي سليمان شاه هذا حاكماً عليها مدة سنتين ( 554- 556)، حاكماً على إقليم العراقيين بدلاً من عمّه. وهذا هو عين ما رواه المؤرخ الفارسي الشهير( حمد الله المستوفي)، حيث يقول: “إن أحوال كردستان في عهد (سليمان شاه) تحسنت تحسناً كبيراً حتى بلغ إيراد هذا البلد ما يقارب مليونين من الدنانير[2] في عام واحد.
ويقول الأمير شرفخان البدليسي في كتابه ( شرفنامه) “إن هذا اللفظ ( كردستان) أطلق على مقاطعة (درسم) خاصة، كما يقول مثل ذلك صاحب كتاب (نجات وأحكام) إذ قال: – إنّ لفظ كردستان يطلق على منطقة جمشكزك فقط.
هذا وقد كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن المرأة الكردية، وقبل أن أتحدّث عن حياة المرأة الكردية، وتصوير مظاهر حياتها الاجتماعية، ومكانتها في المجتمع، لابد من دراسة عميقة للحياة الاجتماعية والثقافية، ودراسة التكوين العرقي، واللغة، والعادات، وإعادة التوطين، بالاستناد إلى ملاحظات تفصيلية كتبها المؤرخون وعلماء الاجتماع، لما تقوم بها المرأة الكردية فعلياً في البيئة الاجتماعية التي عاشت فيها.
اللغة الكردية
أَولى الرحّالة الذين عاشوا بين الكورد اهتماماً غير كبير باللغة الكردية، ولم يحاول القسم الأكبر منهم دراستها، وأما أولئك الذين تعرفوا عليها فقد قاموا بدراسة هذه اللهجة أو تلك دون أن يكون لديهم اطلاع على متطلبات علم اللغة.
في عام 1762م عبّر مخائيلس عن الرغبة في أن يقوم الرحّالة الذين يرسلهم ملك الدانمارك بمحاولة جمع معلومات عن اللغة الكردية، وفي عام 1764م وضع تلميذه الكبير شلوستر، الأكراد ولغتهم ضمن خطة رحلة إلى الشرق[3]، والمعروضة على الإمبراطورة يكاترينا الثانية، الأمر الذي لم يكن صعباً التأكد منه من أقوال شلوستر نفسه: “إن كان لابد منه، وإن تكن لدي الإمكانية سأدخل إلى فارس وأرى أطراف دجلة والفرات وأعود عبر بحر قزوين”. وقد كان شلوستر الذي أتى على ذكر المؤلف آنفاً يقصد بذلك الكورد الذين رأى فيهم أحفاد الخالدين القدماء.
إنّ أوّل من قام بتعريف العلماء على اللغة الكردية كان الراهب غازوني عضو جمعية روما للدعاية، والذي عاش منذ عام 1764م وخلال 18 عاماً بصفة مبشر في العمادية، وأصدر أعماله تحت عنوان: ( propaganda Fide)، إنّ هذا الكتاب نادر للغاية، وكان كل من “فال وميخائيلسي” أول من وجّها إليه اهتمام العلماء في العالم وذلك بعد أن قدّما عرضاً له. وقد جاء مضمون الكتاب حسب الترتيب التالي: المقدمة[4]، وحروف الهجاء من الصفحة: (11-16) واسم العدد والصرف من الصفحة: (17-18) والأسماء والصفات والضمائر ( 19-23) والفعل من الصفحة ( 23-48)، وجدول عن الحروف والظروف من الصفحة (49-54)، ومجموعة من الكلمات موزّعة حسب مواضيعها، وهي عن الزمان والمناخ والطبيعة وجسم الإنسان، وأواصر القربى من الصفحة ( 54-62)، وعن أداء التحية والسلام وغيرها من الجمل العادية من الصفحة (67-69)، وأحاديث من الصفحة (70-74)، وقاموس (إيطالي، كردي)، ودعاء ربنا Ave Maria باللغة الكردية من الصفحة (283- 284)، وتصويب الأخطاء المطبعية من الصفحة (286- 287).
قدم المبشر “هورنيله” عرضاً موجزاً للهجات اللغة الكردية، وكتب يقول: “فيما يتعلّق باللغة الكردية فقد تأكّدنا في أثناء رحلتنا من صحة المعلومات التي قمنا بجمعها، وهي أن كلّ عشيرة تقريباً تتحدث بلهجة خاصة بها. وعلاوة على ذلك توصلنا إلى قناعة وهي أن لمعظم اللهجات الكردية أصل واحد، وأن العشائر المختلفة تفهم بعضها البعض، وقد كوّنت الدارسات المقارنة المختلفة اعتقاداً لدينا حول أن جذور اللغة الكردية لها أصل فارس (أغلب الظن أن المؤلف أراد القول أن الأصل العام لها أصول فارسية)، ومتناسقة مع الفارسية. ولذلك ينسجم النظام الداخلي للغة الكردية مع النظام الداخلي للغة الفارسية. كما أن قواعد الاشتقاق في اللغة الفارسية موجودة كلها ودون استثناء تقريباً في اللغة الكردية لا تجد كلمات لها جذور أخرى فحسب، بل لواحق وتصاريف أخرى، كما أن اللفظ يختلف عن اللغة الفارسية حتى في تلك الكلمات المقتبسة عن اللغتين العربية والفارسية.
ثمة لهجتان رئيستان في اللغة الكردية هما الجنوبية واللهجة الشمالية، وتنقسم كل واحدة منهما إلى فروع وكل فرع إلى فروع جديدة أخرى. وتنتمي إلى اللهجة الشمالية فروع عشائر مكري وهكاري وشكاك ولهجة اليزيديين في جبل سنجار مع أن الأخيرة بعيدة عن الفروع الأخرى للهجة ذاتها. ولهذه الفروع الأربعة أقسام أخرى مختلفةً، وتسكن العشائر الكردية التي تتحدث بها في الجبال الواقعة إلى الغرب والجنوب وإلى الشمال غرب بحيرة أورميا، وتمتد جنوبًا حتى سنو ومنها إلى السليمانية ومن ثم إلى الأعلى عبر كركوك وماردين وحتى ديار بكر ومنها إلى بحيرة وان، حيث تمتد هذه الأراضي مسافة 1800ميل ويبلغ عدد سكانها 300000 نسمة.
وقد قمنا بجمع معلومات غير وافية عن اللهجة الكردية الجنوبية في الشمال ( في أورميا) وتنتمي إليها الفروع التالية: (ليكي، كورمانجي، كلهور، كوراني، واللوبي). وتسكن العشائر التي تتحدث بهذه اللهجة في أودية جبال زاغروس وفي جنوب سنو وفي كرمنشاه وإلى الأسفل حتى لورستان.
ويخضع قسم من هذه العشائر لحكم إيران أو تركيا أما القسم الآخر منها فهي مستقلة. ومن هنا يبدو أن كلتا اللهجتين مختلفتين اختلافاً شديداً، في حين أن فروعها تكون أكثر تقاربًا مع بعضها بعضًا. ويبدو أن العشائر التي توجد في لهجتها فروع عديدة تتفاهم بين بعضها بسهولة.
يقول المبشّر ذاته في مكان آخر: “من الواضح أن ثمة فرقًا بين الفروع الشمالية والجنوبية، يتجلى أحيانًا في اللفظ وأحيانًا أخرى في الكلمات، وأحيانًا في البنية الداخلية للّغة نفسها”.
وقد يصبح ما رواه الرحالة ” ف. ديتل” في عرضه لرحلة إلى الشرق التي دامت ثلاث سنوات بمثابة تتمة لهذه الإشارات السطحية على وجود ألوان محلية في اللغة الكردية ؛إنها تنقسم إلى لهجات عديدة لم يأتِ أحد على ذكرها حتى الآن، كما أن الشعب الكردي نفسه ينقسم إلى عشائر كثيرة لا يمكن إحصاء غالبيتها. وبما أنّ المقاطعات التي يعيش فيها الكورد تشغل جزءاً من تركيا فإنه لا مناصّ من تأثير اللغة التركية على لهجات تلك العشائر. ويبدو أنّ الفارسية هي السائدة في لغة الكورد في إيران. كما أنّ اللغة العربية التي تشكل عنصراً في اللغتين التركيّة والفارسية فإنها تدخل أيضًا في اللغة الكردية، وخاصة في الأدب الكردي. وينقسم هذا الشعب إلى قبائل أو عشائر كثيرة، لانعرف سوى عدد قليل منها بأسمائها ( حتى 7 عشرية حسب هامر) وبلغ عدد العشائر حسب معطيات ريتر عام 1844 حوالي 200 عشيرة. ولهذا من الصعوبة بمكان الإشارة بدقة وصواب إلى كافة اللهجات التي يتحدّث بها السكان الكورد في كردستان. وفي إيران يجري تسمية العشائر الكردية الكثيرة العدد بالليكي، وتتحدّث بلغة تختلف عن لهجة اللور بما فيها عشيرة بختيار الكبيرة التي لها أدبها أسوة بالعشائر الأخرى.
وبناء على أساس المواد التي قام بجمعها كل من الأب غارزوني وهيولدينشت وكلابروت، وعلى مجموعة من الترجمات إلى اللغة الكردية من الفارسية التي جلبها المبشّر هورنيله قام عالمان لغويان ألمانيان شهيران هما “بوت و ريوديغر” بنشر عدد من الأبحاث حول اللغة الكردية في kunde des morgenlandes .d.f.Zeitschr وبعنوان Kurdische studien.
يتبين من الدراسات التي أجراها ريوديغير و بوت أن اللغة الكردية تنتمي إلى مجموعة اللغات الإيرانية، وهذا ما يبدو من نظامها الصرفيّ، ومن قسم كبير من الكلمات على السواء، كما أن لها صلة القربى باللغة الفارسية المعاصرة، بيد أنها تعرضت في جوانب كثيرة للحتّ أكثر منها، وخاصة في حقل الاختصار وفي غيرها من التغييرات في الحروف الصوتية وفي التصريف وزوال الزوائد المشتقة وغياب الأفعال المساعدة، في حين أن اللغة الفارسية المعاصرة أصبحت لغة الأدب، وبذلك تمكنت من إنقاذ نفسها من الهدم السريع.
قبل ظهور الكتابة في اللغة الفارسية كانت اللغة الكردية وحتى حقبة زمنية معروفة قريبةً جدًا من اللغة الفارسية، لكنها سلكت سريعاً طريقها الخاص بها. وتنحدر هاتان اللغتان من جذر واحد وقريبتان إلى اللغة الزندية. فمن ناحية كان للغتين الكردية والفارسية مصير مشترك واحد، ومع انتشار الإسلام في المناطق الكردية والفارسية دخلت كلمات عربية كثيرة إليهما، والتي تستخدم خاصة في الاتحاد مع الأفعال الطبيعية المساعدة مثل: عمل، أعطى، فعل الكون. وفيما بعد مرحلة متأخرة تمت إضافة زيادة جديدة من الكلمات التركية، رغم أنها أقل من الفارسية، إلى اللغة الكردية وخاصةً في أجزاء من كردستان الغربية والشمالية الغربية. إلا أنه لم يكن للعنصرين التركي والعربي تأثيرًا هامًا على البنية النحوية الداخلية للغة الكردية، وظل العنصران بحيث كان من السهولة تمييزهما عن العنصر الكردي الحقيقي. وفيما يتعلّق بالكلمات الآرامية واليونانية القديمة الموجودة في اللغة الكردية فقد جاءت إمّا عن طريق اللغة العربية أو التركية التي من السهولة معرفتها، أو أنّها كانت تستخدم منذ القدم، كما توجد حالة مماثلة في اللغة الفارسية أيضاً. وعدد الكلمات الآرامية قليل جدًا، وأغلب الظنّ أنّها جاءت عن طريق المسيحيين المجاورين للسريان والناطرة.
المرأة الكردية وجوداً ونشوءاً
يشكل الوجود والوعي قضية محورية في الفلسفة، ومصطلح الوجود بالتحديد لا ينفكّ يتصدّر قائمة المصطلحات الفلسفية التي غالباً ما يدور الجدل والفضول حولها.
أما المصطلح التوءم الذي يلازمه فهو الزمان. وهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض أبداً. ولذا يستحيل التفكير في الوجود بلا زمان. فالزمان أيضاً عدم من دون الوجود. أي أن الزمان معني تماماً بالوجود. والعلاقة بينهما متعلقة بالأكثر بمصطلح النشوء. فهما يتحققان حتمياً بالنشوء. إنّ الزمان يُرغم على النشوء متجسدًا في الوجود. أو بالأحرى، سيرورة الوجود ممكنة بالنشوء. ولدى حديثنا عن الوجود وهو في حالة نشوء، يكون الزمان قد وُلد إذا كان النشوء موجودًا، أي إذا وجدت وردتان مختلفتان في مكان ما على سبيل المثال، فهذا معناه أن الوجود والزمان موجودان هناك. وغياب النشوء يعني انعدام الوجود والزمان في آن معًا. والنشوء حالة اختلاف وتجسّد عيني للوجود. وأي وجود ليس في حالة نشوء، هو وجود غير موجود، وزمان غير موجود.
وعلى هذا يتبين من الدارسات التي أجراها المستشرق الروسي بيتر ليرخ[5]، بأن الكورد عاشوا في الجبال منذ القدم، وقد اشتبك معهم زينفون[6]، في الجبال الواقعة بين أرمينيا وبلاد ما بين النهرين (جودي داغ حاليًا)، حيث كّد على أنّهم عاشوا هنا بصورة مستقلة منقسمين إلى قبائل، ولم تكن روح الوحدة الشعبية على جانب كبير من القوة والتماسك بينهم كما هو الأمر عندهم الآن.
وكانت فرائص جيرانهم في الغرب ترتعد خوفاً من غاراتهم العنيفة آنذاك، ولهذا كان مقرّ الوكيل الأرمني الذي يتاخم مقاطعة كينتريت ( بيوختانجايو حاليًا)، يقع على الحدود ولم تكن توجد بجواره أية قرى أرمينية.
انتشر الكورد خلال قرون على جزء كبير من آسيا الغربية، ففي الشمال امتدّت أراضيهم إلى أعالي نهر الفرات وحتى أراكس، ويعيشون في الأراضي الروسية في إقليم يريفان وفي قره باغ، وفي الغرب امتدت أراضيهم حتى أنغورا[7]، ووصلت جحافلهم قبل سنوات عديدة إلى القسطنطينية.
وعددهم غير قليل في ميزوبوتاميا[8]، وفي سوريا أكثر وبالتحديد حول مدينة حلب. وفي الغرب انتشر الكورد في معظم الأراضي الممتدة من بحيرة أورميا وحتى الخليج. وأخيراً فهم يعيشون في خراسان.
يقطن الكورد منذ القدم تلك الأراضي على ضفاف نهر دجلة والفرات في جبال زاغروس وطوروس، حيث ظهرت مراكز الحضارة الإنسانية الأولى في التاريخ، وانطلاقاً من هذه الوجهة التاريخية فإنّ الكورد بالذات كانوا أصل الدول القديمة مثل: ( سومر- أكاد).
لقد جرت متغيرات مهمّة في جبال زاغروس وطوروس المتاخمة من جهة الشمال مع ميزوبوتاميا السفلى، حيث سكن المزارعون ومربّو المواشي في كوردستان ما قبل التاريخ، وذلك في الألف الخامس قبل الميلاد.
خلف سكان حضارة حسونة تأثيراً قوياً على الحضارات المجاورة، قبائل حلف، التي قطنت حسب اللقايا الأرخيولوجية، من منطقة (وان) شمالًا حتى جبال طوروس في شمال سوريا جنوبًا. إنّ أغلبية الباحثين يتحدّثون عن دمج حضارتَي حسونة وحلف، وبالتالي دمج سكان جبال زاغروس وطوروس. وانطلاقًا من هذا؛ لابد من وضع طبيعي كامل، بأنّ أراضي طوروس حتى قبل قدوم عصر المزارعين كان يقطنها أجداد الكوتيين. وبالفعل لدى مقارنة خرائط امتداد حضارتي حسونة وحلف في الألف الخامس قبل الميلاد، مع الخارطة المعاصرة لطوروس وزاغروس وشمال ميزوبوتاميا، فإننا من الغريب أنّنا لن نخرج خارج إطار حدود كوردستان التي تسمى ببلاد الكورد من قبل جميع الشعوب المجاورة؛ العرب واليهود والإيرانيين. إن هذا الاستنتاج حول انتماء ممثّلي حضارة حلف للكوتيين- الكورد، يتعزز بوجود آثار قبائل حلف في قلب كوردستان، وعلى مقربة من بحيرة وان شمالاً بعيداً عن الساحل السوري.
من الضروري الإشارة إلى أنّ آلهة الأكاديين NiN MaMo تحمل الاسم الكوردي الأصيل MaMo. أما اسم الإله ENLiL الذي سارع لمساعدة الطوفان، يرجع مباشرة إلى الكوردية. Ley- EyaN (طوفان، فيضان زوبعة).
وانطلاقاً من وجود طبقات ثقافية كاملة مقتبسة في السومرية من نصوص المحادثة للجبليين- الكوتيين، التي تؤكدها لغة أجدادهم- الكورد، لابد من الاتفاق مع رأي المؤرخ والأرخيولوجي البريطاني البروفيسور” دايفيد رول” الذي كتب: (من الممكن جدًا، بأنه مثل إينان، العديد من بنتيونات[9] الآلهة السومرية كانوا في أول الأمر آلهة للمناطق الجبلية في الشرق. عندئذ، من المنطقي جداً الافتراض بأنه فيما لو نزلت الآلهة من الجبل إلى السهل، فمن المحتمل أن الناس قد نزحوا في نفس الاتجاه، حاملين معهم ديانتهم السابقة وطقوسهم في العبادة. بهذا الشكل، فيكون القسم الأكبر من سكان سومر جاؤوا من مَسيف جبال زاغروس).
جاء ذكر الكورد باسمهم القومي القديم الهندو- جرماني لأوّل مرة باسم (قبائل كوتي أومان ماندر) في النصوص المسمارية الأولى لكل من سومر وأكاد في الألف الثالث ق.م، كسكان أصلاء لزاغروس و طوروس الذين قادوا حروبًا مستمرة ضد دول العبودية الأولى؛ أعداء ميزوبوتاميا. تعود كلمة (كوتي) في علم الاشتقاق إلى أقدم اللغات الهندو- أوربية وتعني حبة ( بذرة القمح) وفي معناها الواسع تعني الزراعة أو الحراثة في تصنيفها الاجتماعي. إن الكلمة ذاتها في الأصل الهندو- أوربي هي كوتان وتعني (المحراث لفلاحة الأرض) و( طاحونة لطحن حبوب القمح).
لقد بينت السنوات الطويلة من المتابعة والبحث العلمي لعلماء متخصّصين في علم الانتقاء، وعلى رأسهم العالم الروسي المتخصص في علم النبات “نيقولاي فافيلوف” الذي كرّس حياته لدراسة وتحسين القمح والذرة، بأنّ جبال زاغروس وطوروس هي بالذات المناطق الجغرافية التي امتلك سكانها القدامى في الألف الثالث قبل الميلاد القمح البري، مما وضعوا فيما بعد أسسًا لازدهار الحضارة الزراعية الأولى في أودية ميزوبوتاميا.
ولقد ورد ذكر السكان القدامى لزاغروس وطوروس باسم ( الكوتييين- أومان ماندا) و(لولويوم) في المصادر المسمارية بلغات عدة ولقرون طويلة، بدءاً من نقوش وكتابات الملك الأكادي “نارام سين” ( 2300ق.م) ثم في قوانين ملوك الحثّيّين (1600ق.م) وينتهي نسبياً في مراسيم الملك الفارسي قير العظيم (القرن السادس قبل الميلاد).
تقع كردستان في موقع جيوسياسي مهمّ، غني بالثروات النفطية وبالموارد المعدنية؛ ولكن الأهم بالنسبة للشرق الأوسط المياه العذبة، طالما تنبع تماماً من جبال كردستان، مثل نهرَي دجلة والفرات اللذين على ضفافهما نشأت أولى الحضارات الإنسانية، وذلك حوالي الألف الثالث قبل الميلاد. لذلك قيل قديماً في الشرق: (من يضع يده على كردستان يضع يده على قلب آسيا)، ونتيجة لذلك؛ وبسبب الحروب المستمرة مع المحتلين الأجانب؛ حُرم الكرد من إمكانية كتابة تاريخهم القومي بشكل مستقل.
لقد تعرّض التاريخ الكردي لوقت طويل إلى التشويه المقصود خدمةً لإيديولوجية تقسيم كردستان بين إيران وتركيا وسوريا والعراق.
تركت هذه الأعمال السياسية بصماتها على العلوم التاريخية، فمثلًا راح العلماء الأتراك يبحثون عن وسائل علمية لبرهنة أصالة الترك في آسيا الصغرى، ولهذا السبب أعادوا أصل شعبهم إلى الحثيين (الهندو أوروبيين القدامى)، بينما أطلقوا على الكورد الهندو أوروبيين مجرّد اسم؛ “أتراك الجبال” متناسين أصولهم التركية. فهذه النظرية اللا علمية والكاذبة عن الكورد كأتراك الجبال قد أخذت به إلى حين بعض العلماء في دول أوروبا الغربية.
وفي الوقت ذاته وبهدف تبيان أقدمية الفرس أعلن المؤرخون والإثنوغرافيون للنظام الشاهنشاهي في إيران بأن الكورد البختيار هم إيرانيون أقحاح؛ هؤلاء الذين تمكنوا على امتداد آلاف السنين من التاريخ الاحتفاظ بالملامح والسمات الأهمّ الخاصة بالهندو آريين عصر آفيستا وريكفيداد.
وهنا لابد من التذكير بأمر خطير حدث بالنسبة لكوردستان الكبرى (الموحدة)، وهو أن التركيب القومي الأساسي للبلاد، ومنذ الأزمنة القديمة كان وما يزال دوماً من الكورد. أما -الهندو الأوروبيين- و كل الشعوب الأخرى من آشور، وعرب وأتراك فيُعتبرون أقلية قومية. ولذلك يطرح سؤال قانوني نفسه حول مشروعية وجود الدول الثلاث حديثة العهد هذه التي تشكلت على الأراضي الكوردية في أعقاب المؤتمر الدولي برئاسة دول التحالف في لوزان عام 1923م.
لا شكّ أنّ أعداء كوردستان يدركون جيدًا وجود هذه المسألة؛ لذلك يحاولون بشتى الأساليب تشويه تاريخ شعب كوردستان وثقافته وتعداد سكانه، فالإحصائيات الجارية في كل من سوريا وتركيا والعراق لم تعطِ أبداً أرقاماً دقيقة بعدد سكان الكورد، بل غالباً ما استبدلت قومية الكورد بخانة – مسلم- عند إجراء الإحصاء السكاني.
تبلغ مساحة كوردستان وفق إحصائيات العلماء حوالي 550- 600 ألف كم2، وفي قلب هذا البلد الخارق في الجمال تعتلي منظومة الجبال الأساسية في آسيا الوسطى: زاغروس، طوروس وأنتي – طوروس. حيث يصل معدل ارتفاع الجبال إلى 2000م في حين تتجاوز بعض القمم الجبلية 5000 متر.
كوردستان بلاد جبلية، تنبع منها أنهار شرق أوسطية ضخمة أسطورية، وميوزبوتامية مثل دجلة والفرات، بوتان- سو، الزاد العلوي والسفلي (الكبير والصغير)، الخابور، والتي تعد المصدر الأساسي، والرئيسي لمياه الشرب العذبة لمجموعات سكانية ضخمة في الدول المجاورة لبلاد الكورد، وتحديداً على أراضي كوردستان مثلما ورد في العهد القديم، وعلى مقربة من الأنهار الأربعة؛ دجلة، خيدكيل، الفرات، بيرات، آراكس، جيحون، أوزيخون، فيسون.
وحسبما كتبت المتخصصة في المسألة الكردية “ت.ف. آريستوفا”: (إنّ المساكن المحفورة في سفوح الجبال، والتي تُعدّ عملياً كهوفاً تقابلها منذ مئات السنين لدى الكرد تقريبًا في كل مكان، لاسيما أنّ هناك جبال كوردستان التي تتشكل من نوع الحجر الرملي، على سبيل المثال؛ في منطقة التقاء نهر باطمان- سو مع دجلة وكذلك على امتداد دجلة).
أما الكاتب الآخر” فون مولتكه” متحدثًا حول قرى الكرد في آسيا الصغرى، يشير: (في الجبال العالية وبين غابات البلوط تلوح للأنظار القرى الكردية التي تتشكل في الحقيقة من مجموعة كهوف مقعّرة في أحجارها الرملية).
لا شك أنّ هذا النمط البدائي للبيوت توارثها الكرد عن أجدادهم الكوتيين. وعلى ما يبدو أن هذه البيوت للكرد في الجبال، إذْ تعود الأساطير المتعددة للإغريق- اليونانيين حول قيام الآلهة الأولمبية بحجز الأغنام الذهبية في الكهوف ليلاً في الشتاء. وحسبما كتب سابقًا أحد المشاهير نهاية القرن التاسع عشر قائلًا: في كانون الثاني عام 1886م سافرت من كولپار إلى كاكيزشان[10]، فجأة تناهى إلى أسماعنا نباح كلاب من حولنا، يبدو أننا قد وصلنا إلى بيوت الكرد الشتوية، على الرغم من أنّنا لم نرَ بيتاً واحداً من حولنا.
أوقفت الحصان وبدأت أنتظر ظهور الكرد، لم تمضِ خمس دقائق حتّى خرج مباشرة من تحت أقدام حصاني رجل كردي ماسكاً بعود مشعّ في إحدى يديه، فأدهشني ذلك كثيرأ..وبدا لي أن حصاني كان واقفاً على سقف بيت ذاك الكردي. أمام الحصان وعلى بُعد أرشين[11]، ونصفه كان يقع الباب إلى الأسفل، ثم أدخلونا إلى الزريبة. هنا في ميان (المعزولة عن المعلف المكان الخاص بالحيوانات في البيت)، جلس على اللباد حوالي 15 كردياً حول موقد التدفئة، وقبل كل شيء ضيّفنا صاحب المنزل القهوة، وبعد ذلك قدّم لنا خبز الشعير الذي يخبزه الكرد على الصاج مع اللبن والجبن). وبهذا الشكل نرى أنّ الكرد هم من حافظوا على النمط الأكثر قِدماً للبيوت الخاصة في غابر الزمان للسكان القدامى لزاغروس.
بعد كلّ الدراسات التاريخية والأثنولوجية والأنثروبولوجية واللغوية والشواهد الأثرية، تبين أن أصل الكرد من الشعوب الهندوأوربية وبالأخص من الآرية الميدية، وعاشوا على هذه الأرض قبل الميلاد بعشرات القرون، علماً أن معظم الكُتّاب والمثقفين الكرد وقادة الفكر السياسي ومنظّري الحركات السياسية والوطنية والقومية يميلون إلى هذا الترجيح، ويؤيدونه ويعتمدون عليه. الدكتور عبد الرحمن قاسملو في كتابه “كردستان والأكراد”، والأستاذ سيدو علي كوراني في كتابه “من عمان إلى العمادية”، والمؤرخ محمد أمين زكي في كتابه “خلاصة تاريخ كرد وكردستان”، والمؤرخ شرفخان البدليسي في كتابه “شرفنامه”.
المرأة الكردستانية في معتقد الأديان والمذاهب:
يختلف وضع ومكانة المرأة من دين لآخر، وهذا يكون بناءً على الأوامر العقائدية، وأحياناً يكون بناءً على العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع الذي يكون فيه الدين.
ففي الديانة السومرية، لعبت الآلهة (المرأة) دوراً كبيراً، ما يعكس العلاقات الحقيقية في المجتمع الكردي، حيث كانت للمرأة دوماً مكانة رفيعة على عكس الشعوب السامية الشرقيين، حتى أن دخول الكرد في الإسلام لم يهزّ مكانتها الرفيعة، فالمرأة الكردية أبداً لم تضع غطاء الوجه، تستقبل بنفسها الضيوف ذكوراً أو إناثاً، ترعى جنباً إلى جنب مع الرجل الأغنام في الجبال.
تلعب التقاليد الزرادشتية دوراً هاماً في تحقق الوجود الكردي وتشكل هذه التقاليد حلقة انتقالية تاريخية فيما بين الأديان الإبراهيمية التوحيدية والأديان الوثنية( الطوطمية).
فالزرادشتية تُعدّ أول ثورة دينية أخلاقية كبرى، لأنها أخرجت البنى الطوطمية السائدة كمفهوم ديني راسخ في الثقافية القبلية من كونها مسلمات محرّمة لأول مرة، وصيّرتها أرضية أخلاقية اصطلاحية. إنها تشبه الانطلاقة الإسلامية المرتكزة إلى القبائل العربية، لكن تسبقها زمنياً، وهي تطمح في تأمين اتّحاد أرفع مستوى بين صفوف القبائل الميدية الكردية البدئية، استناداً إلى خلفية عقائدية وأخلاقية متينة، وتصوغ حلاً يطغى عليه الجانب الديمقراطي تجاه أزمة المجتمع القبلي. هذا النظام العقائدي الذي يتبدّى وجوده في أعوام 1000ق.م، يطوّر نظاماً مجتمعياً مؤثراً مع زرادشت ( القرن السادس قبل الميلاد). ما يهمّ في الثورة الزرادشتية، هو تخطّيها الاتحادات القبائلية والسلالاتية الضيقة لأول مرة، وإنشاؤها هوية عليا مشتركة بين جميع القبائل الميدية.
- عندما جئنا إلى الناس
- وجدتهم يتمسكون
- بأفكارهم القديمة، تخيل للجميع
- بأنّهم يعرفون ذلك منذ القدم
- أنا الذي أيقظتهم من هذا السبات
- عندما بدأت أعلمهم: – لم يكن أحدهم ملمّاً بعد
- وأمرتهم بكبّ منابرهم القديمة
- وأمرتهم بالاستهزاء بأساتذتهم العظام
- أمرتهم بالاستهزاء بحكمائهم العابسين
- طموحي إلى الحكمة
- صرخ فيّ وقهقه:
- بأن الحكمة المتوحشة العظيمة
- فعلا ولدت في الجبال[12]
زرادشت هو بن بوشب الذي ظهر زمان كشتاسب بن لهراسب الملك، أبوه من أذربيجان، وأمه من الريّ، واسمها دغدوية، وأصل ديانته هو أن النور والظلمة أصلان متضادان؛ النور وجوده وجود حقيقي، وأما الظلمة متبع كالظل بالنسبة إلى الشخص فهو موجود، ولكنه ليس موجوداً حقيقة، والباري تعالى هو الذي مزجهما وخلطهما لحكمة رآها في التراكيب المختلفة، وكان دينه عبادة الله، والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الخبائث.
وإله الشر( أهريمان)، هو أمير الظلمة وحاكم العالم السفلي، وهو الذي خلق الحشرات المؤذية، والظلمة، الجريمة، الخطيئة، واللواط وغيرها من مصائب الحياة، وقد ثار زرادشت على المجتمع وأعلن بصراحة وشجاعة فائقتين أن ليس في العالم إلا إله واحد وهو( أهرومزدا) إله النور والسماء، وأن غيره من الآلهة ليست إلا مظهراً له وصفة من صفاته، وأن للإنسان إرادة حرة، لأنّ (أهرومزدا)، كان يريدهم شخصيات تتمتع بكامل حقوقها، وفي مقدورهم أن يختاروا طريق النور أو طريق الظلام.
وكما ذكر “بيرثيا حسن” في كتابه؛ ( إيران القديمة) أنّ الطبيعة الإنسانية في نظر الزرادشتيين عبارة عن ميدان حرب، يتنازع فيه الخير والشر والنور والظلمة، وتظهر نوعية الإنسان من خوضه لتلك المعارك، وفي عقيدتهم أنّ الإنسان الصالح هو الذي يتمكن من مساعدة المخلوق الخيّر أكثر وبطريقة أفضل، و يعادي مخلوق الشر، وبناء على مبدأ الفكر الطيب، والقول الطيب والعمل الطيب، يتم معرفة الصفات التي يتصف بها عابد (أهرومزدا)، والفكر الطيّب هو عبارة عن محبة أهرومزدا والاعتقاد بأن الخير المطلق منه، وتجنب الكفر والتكبر والحسد والبخل، والقول الطيب هو العمل الذي يساعد على الخير، كبناء المنازل، إصلاح الأرض، بذر البذور بكثرة، حفر القنوات، غرس الأشجار، رعاية الحيوان، حب الأقارب، ومن الآداب الفاضلة: التقوى ويأتي بعدها مباشرة، الشرف والأمانة عملاً وقولًا. وحرّم الربا، وجعل الوفاء بالدين واجباً يكاد يكون مقدساً.
ورأس الخطايا كلها هو الكفر، وإن المرتدين عن الدين يعاقبون بالأعدام، وأول ما يجب على الإنسان في هذه الحياة أن يعبد الله بالطهر والتضيحة والصلاة.
كان الكتاب المقدس للدين الجديد: هو مجموعة الكتب التي جمع فيها أصحابُه ومريدوه أقواله وأدعيته، وسمى أتباعه المتأخرون هذه الكتب ب( الأفستا- الأبستاق) ويُعرف عند الغرب ب (الزند- آبستا). يقول عباس عبد الهادي: (الكتاب المقدس أفستاق، كان في نصه الكامل يشتمل على 12000 جلد من جلود البقر).
ويقول بيريثا حسن: (يقول الباحثون كانت هذه الأخلاق جديدة في العالم القديم، وعندما قدِم الآريون إلى آسيا الغربية كان حدثاً هاماً وتسببوا في نوع من الثورة الأخلاقية، واعتبروها عاملًا من عوامل تطور الحضارة البشرية في التاريخ. ويؤكد هذا القول وول ديورانت: ( وإذا نظرنا إلى هذا الدين نجده دينًا رائعاً، وأقل تخريفاً من الأديان المعاصرة له، وكان خليقًا بألا يُقضى عليه هذا القضاء العاجل).
اختلف المؤرخون في تحديد العصر الذي عاش فيه زرادشت، يقول هغ ولز[13]: “العصر الذي عاش فيه غير واضح، يرجعه بعض الثقات إلى سنة 1000 قبل الميلاد أي قبل قورش مؤسس الدولة الأخمينية الفارسية”.
ويقول وول ديورانت: ( المؤرخون المحدثون يحددون تاريخه فيما بين القرن العاشر والسادس قبل الميلاد، وقيل الذي نشر دين زرادشت هو والد دارا الأكبر). ويؤيد هذا الرأي كل من عباس عبد الهادي في كتابه ( المرأة والأسرة) وتوماس بوا في كتابه ( تاريخ الأكراد). ويعتقد الكرد اعتقاداً جازماً بأنهم كانوا على الدين الزرادشتي قبل الدين الإسلامي.
وبحسب ماذكره – وول ديورانت- في “قصة الحضارة” بأنه لا يوجد أثر للديانة الزرادشتية في هذه الأيام إلا بين عشائر قليلة العدد في ولاية فارس، وبين (البارسيين) من الهنود، ويبلغ عددهم تسعين ألفًا لايزالون يلقون موتاهم داخل أبراج معينة مفتوحة، هي أبراج الصمت والخشوع.
اعتنق الكرد الإسلام في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وذلك في عام 16 للهجرة النبوية، فأسلموا وآمنوا بهذا الدين الجديد، وخرجوا من ديارهم لنشر الإسلام وتعاليم القرآن. وبهذا خرج الكرد من الحكم الفارسي ودخلوا في حكم الإسلام، وأصبحوا جزءاً من الأمة الإسلامية، وأخذوا العلم والفلسفة من كبار العلماء والمجتهدين، وشاركوا وساهموا في تكوين هذه الحضارة والدفاع عنها بكل مالديهم من القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية في مراحلها المختلفة، من عهد الخلفاء الراشدين مرورًا بالأمويين، فالعباسيين.
تمسّك الكرد بتعاليم الإسلام وشعائره، لذا نرى وجود عدد كبير من التكايا والزوايا للطرق الصوفية المنتشرة في كردستان ولا سيما الطريقة النقشبندية التي تعود إلى الشيخ خالد بن أحمد ضياء الدين النقشبندي المجدوي، والطريقة القادرية التي تعود إلى مؤسسه الشيخ عبد القادر الجيلاني. وبصفة عامة كان الكرد متعصّبون للإسلام تعصّبًا شديدًا اشتهر عنهم إلى درجة أوجبت الاعتقاد بأن هذا التعصب أضحى من تقاليدهم.
يَعتبر الكرد الخلافة الإسلامية في عصورها المختلفة وعاء المسلمين، فعندما سيطر مصطفى كمال أتاتورك على مقاليد الحكم في عام 1924م وإلغائه الخلافة الإسلامية، ومطالبة العرب بالدولة القومية بقيادة الشريف حسين ومن ورائهم الإنكليز، حمل الكرد السلاح دفاعاً عن الخلافة الإسلامية مطالبين بإعادتها بعد إلغائها من قبل الطورانيين، وبمساندة القوى الاستعمارية، ففي 13 شباط 1925م، رفع الشيخ سعيد بيران شيخ النقشبندية راية العصيان على الأتراك، وسرعان ما ضمّنت له صلته الوثيقة بنبلاء الكرد عدداً ضخماً من المؤيدين والأنصار، وما إن عمّت الثورة الولايات الشرقية حتّى طالبوا بتعيين سليم بن عبد الحميد خليفة وسلطاناً.
أسر الشيخ سعيد وأعدم في عام 1927م في أنقرة، وفي سنة 1929م، نشبت ثورة كردية أخرى في إقليم آرارات وبحيرة وان. وأُبعد الكرد عن موطنهم الأصلي، ونُقل بعضهم إلى تراقيا الشرقية.
وقد أثّر الإسلام على حياة المرأة الكردية تأثيرًا بالغاً، وغيّر نمط حياتها كاملة ابتداءً من عاداتها وتقاليدها وزواجها، فأصبحت تتفاعل مع الشعائر الدينية الإسلامية بصورة عميقة.
وكانت لوقفة الأميرات الأيوبيّات دورٌ كبيرٌ في صنع الحضارة الإسلامية في عهد الأيوبيين، ودورٌ بارزٌ على نشر العلم والخير والإصلاح في تحقيق الازدهار المجتمعي، وقد تحولت دمشق في العهد الأيّوبي إلى مركز للعالم الإسلامي، يقصدها العلماء والطلبة والفقراء، والأغنياء والتجار والصناع، والمعماريون والبنائون من كل الأصقاع.
عبّرت الوقفات النسائية الأيّوبية عن نوع من الحراك المتواصل في المجتمع الإسلامي، وذلك في تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتعزيز الجانب الأخلاقي في المجتمع من خلال رعاية النساء المطلقات والأرامل والأيتام والعبيد والطبقات المهمّشة، وبالتالي ساعدت على تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتمكَّن الفقير كالغني من الحصول على حقّه في المتطلبات الأساسية من خلال نظام الوقف.
رسائل موثقة للإرث الثقافي والاجتماعي
لدى البحث عن ظروف حياة الكورد وعاداتهم وطباعهم، فإنّنا نجد ثمّة اختلاف كبير بينهما في اللغة والعادات، وبحسب ما يقول شرف خان: – إنّ الكورد ينقسمون إلى أربعة أقسام: ( كرمانج، اللور، كلهور، كوران)، ويجوز أن نأخذ بعين الاعتبار، في ظل المعطيات الحالية، أن نفرق بين العشائر الكثيرة لهذه الأقسام الأربعة. الكرمانج هم من سكان كردستان الوسطى بدءًا من بحيرة (وان) وحتى أردلان في فارس، وهنا فإن طبقة المزارعين تنتمي إلى كوران وتعيش عشائر كوران الرحل إلى الجنوب من أردلان وفي الشمال الشرقي كرمنشاه، وتعيش عشائر كلهور إلى الجنوب منها، وأخيراً عشائر اللور الكثيرة العدد التي تعيش إلى الجنوب من عشائر كلهور. وعلى الرغم من دخول عناصر غريبة كثيرة إلى العشائر الجنوبية الغربية والشمالية الغربية حيث اختلطت مع الجوريين والأرمن والأتراك إلا أن العنصر الكردي ظل سائداً على الدوام في مثل هذه الأحوال.
إذا كان القسم الأكبر من كرد آسيا الصغرى من أصل كرمانجي على الأرجح، فهم مع ذلك يختلفون، حسب شهادة عدد الرحالة، اختلافاً شديدًا عن الكرمانج وبالذات في نمط الحياة. كما أن كوراني وكلهور يحملان تسمية مشتركة هي (لك) والكورد القاطنين في مقاطعة كرمنشاه آنذاك، والذين لهم لهجاتهم الخاصة فإنه عدّهم ضمن عشائر كلهور و(لك).
تتصف نساء عدد كبير من العشائر الكردية بالجمال، وحسب رأي عدد كبير من الرحالة الذين زاروا كردستان، فإنّ المرأة تنقصها تلك النعومة في ملامح الوجه والتي اعتدَّ أغلب الأوروبيين رؤيتها لدى نسائهم. حسب ما رواه (ريتش) الذي زار السليمانية و(سنو فان): – الأكراد شعب قوي البنيان سليم الجسد، ويعمر الرجال والنساء طويلًا، وملامح الوجه في جهة الجزء الأمامي من الرأس عريضة، والكرديّ حاد المزاج وعيونه غائرة، وفي أكثر الأحيان زرقاء اللون أو رمادية، وماشيتهم ثابتة وراسخة. وهذا ما ينسب حسب أقواله، إلى أفراد القبائل فقط ، والذين يختلفون عن الكورد العاملين بالزراعة من حيث الهيئة والمشي الذين ينتمون هنا في أردان إلى فرع الكوراني. وكما يقول: – إنّ لهؤلاء الآخرين ملامح وجه لطيفة وصحيحة، بل وترى بينهم مرارًا النموذج الإغريقي الخالص.
ويقول المستشرق الروسي بيتر ليرخ: تتمتع المرأة الكردية بحرية أوسع مما هي لدى الشعوب المجاورة للكرد، بل ويؤكد Southgate[14]، على أن علاقات الكرديات بأزواجهن أعادت إلى أذهانه الحياة العائلية في الغرب، فالمرأة الكردية لاتضع الحجاب سواءً كانت أثناء العمل أم في مجتمع الرجال، ويثق الزوج ثقة تامة بإخلاص المرأة. وهي تدير الشؤون المنزلية وتعمل في الحقل وتقوم بتربية الأطفال وحياكة الثياب وصناعة السجاد، ولا تخلو الأقمشة التي تنسجها لأجل أطراف بيوت الشعر من الأناقة والجمال. وعمومًا فإنّ المرأة الكردية تحبّ العمل. وحسب مفاهيم الأراك والفرس يعامل الكرد النساء بحرية تامة، ويقول الأتراك إن الكرد أشبه بالأوروبيين في نواحٍ كثيرة.
ويصف مينورسكي في كتابه ( الكرد) المرأة الكردية، بأنها غيورة وشجاعة، فهي تستقبل الضيوف بغياب زوجها وتتحدث معهم وتعد وتحضر لهم الطعام وتقدمه إليهم، إلى أن يأتي زوجها فتدخل خيمتها، ويكون الزوج فخوراً بفعلها هذا( هذه العادة باقية إلى الآن في القرى).
ويقول منذر الموصلي: بلغ الكرد مرتبة عالية بتكريمهم المرأة منذ القدم، وكانوا إذا اشتهرت امرأة وذاع صيتها من حيث الذكاء والشجاعة وغيرها، يضيفون اسمها إلى اسم ابنها فيكنى تشرفاً وفخرًا فيقال فلان ابن فلانة ويشتهر باسم أمه.
نساء الكرد جسورات نشيطات ماهرات، يعملن في صناعة البسط والسجاد والبرادع واللباد. والبيت الذي لا يكون فيه خدم تلعب المرأة فيه أدوار الخادمات، إذ يقمن بكافة الأعمال المنزلية حتى أنهن يشرفن على تربية خيول أزواجهن. أما الرجال فلا مهنة لهم سوى القتال.
كما تقوم النساء بالبيع والشراء ويصل الأمر ببعضهنّ أن يغشين المجالس ويشاركن الرجال في مداولات الرأي وإبداء المشورة. كما يعملن في التجارة، وهنّ يكرمن الضيوف. وعندما يرحل الكرد من موطن إلى آخر، يكون جميع الفرسان في طليعة القافلة وبأيديهم الرماح، بينما تقوم النساء بقيادة القوافل. أما قطعان الغنم والإبل فتكون في آخر القافلة.
ويسمى أولئك الفرسان بيشكوجى ( طليعة القافلة)، فإذا صادفوا عدواً قاتلوه، فتقوم النساء بإنزال الأحمال حيث يضعنها في مكان ما، ثم ينصبن المتاريس والحياط ويحمين أطفالهن فيها وبأيديهن البنادق والمسدسات منتظرات رجالهن الذين يقاتلون، فإن ظفر رجالهن بالعدو، عُدْنَ إلى قيادة القافلة، وإن كان الظفر للعدو، أسرع الرجال إلى تلك الحياط والمتاريس التي أقامتها نساؤهم وتحصّنوا فيها ليعودوا إلى القتال، إلى أن تأتي النجدة من جهة ما. فمن عادة الكرد عندما تحتدم المعركة، أن يرسلوا رسلاً إلى الأطراف لطلب المساعدة.
إن نساء كبرائهم يمتطين الجياد الأصيلة ويحملن الرماح ويتسلحن ويسرن في طليعة القافلة. أما نساء الفقراء فإنهن يسرن مع أطفالهن في أطراف القافلة.
لا يميل الكرد كثيرًا إلى القتل ما لم يكن ثمة دماء وثارات، لكن إن كان الأمر يتعلق بالعرض والشرف فلابد من القتل، حتى لو كانت المسيئة أخت الرجل أو أمه أو ابنته أو زوجته، وإذا حدث ذلك فلا أحد يحاسب القاتل ولا يسأله لماذا قتل؟
أما ملابس المرأة الكردية فنلاحظ أنها لم تبقَ على حالة واحدة مدة طويلة في أي عصر من العصور، بل غلب عليها كثرة التغيير والتبديل، من حيث الطول والقصر والاتساع أو الضيق، كما أنّها تختلف بين قوم وآخر، وبين قبيلة وأخرى، وبلد عن بلد آخر، داخل المجتمع الواحد.
وحسب ما كتب ت.آريستوڤا:( إن نساء قبائل كلهور وسنجابي وكوران في كردستان الجنوبية يلبسن سراويل منتهية بأكمام مخيطة بقطع نقدية، وقمصان مبرقشة، وفساتين من لون واحد حتى القدمين مع أكمام طويلة مشقوقة من الجوانب ومن الأمام، مشدودة عند الخصر بأحزمة من الصوف). جميع الباحثين والإنتوغرافيين أشاروا إلى أن الحزام لابد منه، وهو عنصر ضروري للزي القومي الكردي. وحول مكانة الحزام ومعناه الرمزيّ عند الكرد، تؤكد عليه تلك الحقيقة، على أن الحزام بالذات، وبغضّ النظر عن لونه المختار المحدّد، يميّز القبائل والعشائر الكردية عن بعضها البعض، وعند الكردي كما هو الحال عند براهمان الهند، للحزام معنى سحري.
لو قارنا الآن الطقوس القومية – كلبس النطاق الطقوسي عند الكرد مع تقاليد اللباس عند السومريين، عندها نعلم بأن السومريين (سواء أكانوا نساءً أم رجالاً حتى الموت لم يخلعوا من خصورهم الشريط المزدوج السحري أو الرباط الملبوس على أجسامهم العارية).
ويقول الدكتور طاهر المعروف الرباتي عن ملابس المرأة: – [15]تتألف الملابس النسائية التقليدية من قفطان طويل وعريض محتشم، يصل عادة إلى الأرض وأكمام القميص تنتهي بأزرار في المعصم، عند العمل تربط هذه الأزرار ببعضهما، وتوضع على الكتف حتى لا يعوق تحركها، وتستعمل في الشتاء أحيانًا كمنديل، وطول القميص السفلي نحو متر واحد، أسفله أعرض من أعلاه، ويوجد جيب للعنق، وجيبان للأطراف العليا، وهو يغطي نصف الجسم ويصل إلى الركبة، وهو عريض وليس له أكمام، وتحت القميص تأتي السراويل، ويتكون من قطعتين، القطعة الأولى الفوقانية من قماش أبيض عادي، والقطعة الثانية تتكون من قماش لماع ملون، يصل طوله إلى متر أو أكثر حسب طول الفتاة، وتضم إلى بعضها عند الكاحل بواسطة رباط من الخيط، وفي الأعلى يوجد حزام من الصوف أو من المطاط لضمها، وفوق القميص تلبس الصدرية، تتكون من قماش لماع تكون قصيرة طولها، ولا تصل إلى الخاصر، مفتوحة عند الصدر، وليس لها أكمام، ولونها عادة ورديٌّ أو بنفسجيٌّ أو رمانيٌّ، وتتزين بأزرار معدنية لماعة، وبأشكال وأحجام مختلفة تزيد الملابس جمالاً وزينة، وأحياناً في المناسبات وفي فصل الشتاء تلبس فوق القميص ما أشبه بالحجاب الذي ترتديه المرأة في هذا العصر.
أما غطاء الرأس فيتألف من طربوش يُحاط بأقمشة مزركشة مقصّبة مع حبات من الخرز الملون، وأشكال من القطع المعدنية والنقدية الفضية أو الذهبية، أو قلنسوة حريرية حسب مركز المرأة في المجتمع، وبهذا تكون ثقيلة الوزن وكبيرة الحجم، تُلبس خاصة يوم الزفاف والمناسبات، وهناك الشال العادي من القماش الملون، يوضع على الرأس وتتدلّى أطرافه على الصدر، ويغطي فتحة الصدرية والقميص، وتوجد قطعة أخرى تستعمل للزينة، تسمى بالكردية ( كولوانه) قماش حريري مزركش، ومربع الشكل، يوضع على الكتف ويصل جزء منه إلى الصدر والظهر من الخلف، ولا يوجد فرق بين ما تلبسه الغنية أو الإقطاعية أو الفلاحة والفقيرة من عدد أو نوع الألبسة، إنما يكون الفرق عادة في نوع الأقمشة وفي جمالها وسعرها، ولا يوجد لباس خاص للعمل أو لباس خاص لكل مناسبة بل هي غالباً تلبس اللباس نفسه للعمل والنوم والمناسبات في القرى وفي نظام الرحّل.
تتنافس النساء الكرديات على التزين بالملابس الكردية التقليدية بأناقتها وبألوانها المبهجة في عيد نيروز، ويرتسم بذلك مشهد جميل ولوحة فنية بألوانها المتعددة. ويخرجون من البيوت إلى الطبيعة، ويحضرون الأطعمة التقليدية، ويعدّونه عيداً قومياً، ويروون أنه اليوم الذي انتفض فيه الكرد تحت راية كاوا الحداد ضد الملك الضحاك، والتحرر من الظلم، فوفق الروايات كان إشعال النار رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم، ويصادف التحول الطبيعي في المناخ، والدخول في شهر الربيع الذي هو شهر الخصب، وتجدد الحياة.
تقول الكاتبة السوفياتية أريستوڤا: (إنّ الحكمة والوعي العظيم يبرزان في الحكايات والأمثال والحكم المنتشرة بين الشعب، ففيها نجد صور التأريخ والأحداث، وعادات الشعب الكردي واضحة جلية. وفيها ترى بوضوح علاقات الكردي مع الأطفال، وخاصة مع الأولاد وعلاقاته مع الشيوخ والعجائز، مع عائلته، مع مضيفه وربة بيته، مع المرأة، مع الأصدقاء والمعارف، مع الجيران).
إننا نجد في الأمثال الكردية ذكراً للأسد والنمر والثعلب والضبع وذكراً للطيور والجوارح كالغراب والنسر والعقاب، وذكراً لبعض الحشائش البرية، ولكن في مواقع الذكر أدلة على أن الأمثال وليدة عهد الحضارة، كما أنّ طريقة ذكر مظاهر الراعي توحي لنا بأنّ الأمثال المتداولة بيننا تعود إلى عهد الزراعة. فقد كانت هناك قرى وأرياف ومساكن، رغم أن الرعي يسبق الزراعة في تأريخ المجتمع بقليل، وكدليل على ما نقول نجد الأمثال التالية: (هدية الراعي شنك أو هلكوك) وبحسب المخطوط 1 هما نبتان بريتتان. الأولى تشبه نبتة السلسفيل. ( إن أمطرت السماء فطاحونته تدور، وإن لم تمطر فحرثه قائم).
أو يقول: ( إذا جاء أجل الماعز أكل خبز الراعي). وهناك عشرات الأمثال والحكم الكردية التي تقتبس جانب معانيها الاجتماعية العميقة من تجارب الشعب الكردي في الحياة. فنجد في الأمثال والحكم مظاهر تعود إلى العهد الذي كان النتاج الزراعي مظهراً من مظاهر تقدم الحياة، فإن غزل الصوف والنسيج والحياكة هي من المشاهد الأخرى لحياة الإنسان في الريف، وبداية بسيطة لنشوء الصناعة.( عاد ما غزلناه صوفاً) أو( هل جعلتك حائكاً كي تسرق).
وأخيرًا تكشف الأمثال والحكم الكردية لنا عن الطبيعة القومية للكرد، في تأريخهم وحياتهم اليومية، ولم يصنعوا في فلسفتهم وفي تجربة سنوات حياتهم صفاء القلب والمحبة في إطار زمان ومكان معينين، بل كانت دليل حياتهم في كل زمان ومكان.
كما تُبرز الامثال والحكم الكردية إلى جانب هذه الطبائع نبل وشرف الناس البسطاء، وترينا أن الأشرار سيزولون ومصيرهم الدمار والهلاك.
الإرث الاجتماعي بين الماضي والحاضر
تعد سنة 2012م بداية مرحلة جديدة أعلنت فيه روج آفا عن الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، ضمن نظرية الأمة الديمقراطية.
ومن عظيم الأهمية التبيين أنّ نموذج الحل الديمقراطي ليس منفصلاً كلّيّاً عن الدولة القومية. إذ بمقدور الديمقراطية والدولة القومية أن تلعبا دورهما كسيادتين تحت السقف السياسي عينه. والدستور الديمقراطي هو الذي يرسم الحدود الفاصلة بين مساحتي مناطقها. وبمقدورنا نعت ذلك أيضاً بولادة كينونة مجتمع جديد في الشرق الأوسط، وذلك لمعالجة وجود جميع المكونات الموجودة في سوريا (كرد، عرب، آشور، سريان)، والتخلّص من الذهنية السلطوية الدكتاتورية، وبوسعنا وصف ذلك أيضًا بالعبور من المرأة المضطهدة والجثة الهامدة التي أكل عليها الدهر وشرب، صوب المرأة الحرة والمنتعشة من جديد.
موضوع الحديث هنا ليس ولادة اسمية وذهنية للمرأة، بل هو تحول لشخصية المرأة من حالة الموضوع الشيء، والماضي العبودي، إلى حقيقة مجتمع يعبر عن نفسه بحرية، وينظم ذاته ويسوقها على المسار الصحيح، وبصورة نموذجية يمكننا تسمية هذا بإعادة التكوين في هيئة مجتمع عصري أو مجتمع أمة ديمقراطية.
ينبع الفارق المعاش للمرأة في الشمال السوري- روج آڤا من التجسد في هوية جوهرية جديدة، واكتساب طابع الوجود الثابت والراسخ، والإصرار على الحياة الحرة. أي إن ما حدث للمرأة في أعقاب المراحل السابقة الأليمة والمرحلة الجديدة هي كمرحلة الولادة والنشوء، هو توخي الحيطة والحساسية نفسها المتبعة أثناء عملية الولادة الناجحة، وتحصين كيان المرأة بالدفاع الذاتي، ورعايتها وتنشئتها بالأغذية غير السامة مثلما يربى المولود تمامًا، كي تستطيع التعبير بحرية عن هويتها الذاتية، وحياتها الحرة.
يختلف المجتمع الكردي ثقافيًا عن نظيره العربي، وقد يفسر هذا شيئًا من اختلاف وضع المرأة بين المجتمعين، حيث تعبّر الثقافة عن الذهنية التقليدية والحقيقة العاطفية للمجتمعات، ويشكل الدين والفلسفة والميثولوجيا والعلم ومختلف الحقول الفنية ثقافة مجتمع ما بالمعنى الواضح.
إن نضال المرأة الكردية بشكل خاص في الشمال السوري لما بعد أعوام 2011م، جعلها رقمًا صعبًا ومميزاً في معادلة الشرق الأوسط، قياسًا بثورات الربيع العربي، موضوع الحديث هنا هو هوية امرأة كردية تتمتع بحياة حرة مستقلة متساوية في الحقوق والواجبات، قادرة على التعبير عن واقعها، وجعله حقيقة، والدفاع عنه، وممّا لا شكّ فيه، هو أن هذا الواقع أو الحقيقة في الشمال السوري لم يستطع التعبير عن نفسه في صورة الدولة القومية، بل تخلّت عن نفسها وعن حقوقها.
لم تكن عملية إعادة بناء المرأة الكردية في الأمة الديمقراطية تعني اكتسابها حقوقاً مغايرة، ولكنها لم تكن أيضًا نسخة مطابقة للمراحل التي تسبقها. ما حصل كان تطورًا نوعياً، لا كمياً ساذجاً. لقد كان تحولًا نوعيًا لم يقتصر على المرأة الكردية وحسب، بل شمل المجتمع الكردي ومجتمع الشمال السوري بكافة ألوانه.
فتدريب النساء الكرديات في شمال السوري أنفسهن وتصييرهن فلسفة الحياة الحرة نمطًا لحياتهنّ شرط لا بد منه. ومن خلال التحصّن بهويتهن الأيديولوجية والسياسية في الأمة الديمقراطية استطاعت المرأة حماية نفسها، والتحلي بالقدرة على إطلاق الحملة والالتحام بالمجتمع وحمايته في وجه شتى الهجمات الإيديولوجية والسياسية، وتحت كل الظروف، أي أنّها أصبحت القدرة المتحولة إلى الفرد المشبع الذي يسمّى في الثقافة الشرق أوسطية بالإنسان الكامل. واستطاعت إفشال كافة أنماط الحياة، وشلّ تأثير الإيديولوجيات السلطوية والقوموية والجنسوية والدينوية والليبرالية الباعثة على التقزم والتشرذم والمتسببة بالابتعاد عن الحقيقة.
التمكين السياسي للمرأة في مناطق الإدارة الذاتية
تعيش المرأة الكردية حالة من النضج السياسي لما تقدمها لها المجالس والمراكز المعنية بشؤون المرأة، من دورات تدريبية مكثفة، ومؤتمرات، وندوات، وكتب، وكتيبات، ونشرات، تهدف إلى النهوض بالمرأة، وتمكينها، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة.
فدخول الظاهرة السياسية في الأجندة شرط أولي لذلك. فالسياسة لا تحرر وحسب، بل وتُرتب وتُصنفُ أيضًا. أي إن السياسة قوة تنسيقية وتصنيفية فريدة، وضرب من الفن، وهي تمثل نقيض الترتيبات القمعية للدول والسلطات. وبقدر ما تكون السياسة قوية ووطيدة في مجتمع أو أمة ما، فإن قوى الدولة والسلطة ضعيفة هناك بالمثل، أو يجب أن تكون ضعيفة واهنة. والعكس صحيح، فبقدر ما تكون قوة الدولة أو السلطة راسخة في مجتمع أو أمة ما، فإن السياسة وبالتالي الحرية ضعيفة هناك أيضًا.
في بداية تأسيس الإدارة الذاتية في الشمال السوري- روج آفا عام 2014م تم سن مجموعة من القوانين التي كانت تهدف إلى تعزيز دور المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية، كان من بين هذه القوانين المادة /12/ وجود كوتا للمرأة مساوية للرجل في جميع الإدارات، واعتماد مبدأ الرئاسة المشتركة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والإدارية وغيرها، الذي يقتضي وجود امرأة ورجل- وتعتبرها مبدأ أساسياً في التمثيل المتساوي بين الجنسين وتساهم في التنظيم الديمقراطي للمرأة ككيان خاص بها. والمادة /13/ ضمان حرية وحقوق المرأة في المجتمع والمساواة بين الجنسين. والمادة /14/ تتمتع المرأة بإرادتها الحرة في العائلة الديمقراطية التي تؤسس على أساس الحياة الندية المشتركة. والمادة /25/ تعتبر ممارسة العنف ضد المرأة أو استغلالها أو فرض التمييز السلبي عليها جُرم يعاقب عليه القانون. بالإضافة إلى وجود مؤسسات سياسية وإدارية وعسكرية خاصة بالمرأة.
رغم كلّ الظروف التي كانت تعادي المرأة عموماً، والمرأة الكردية بشكل خاص، إلّا أنّ الثراء الثقافي والفلسفي والطبيعة المختلفة للأمة الكردية جعل إرادة المرأة الكردية أقوى. ورغم أن المرأة تعيش حالة من النضج السياسي في شمال شرقي سوريا- روج آفا، لكن قضية النهوض بالمرأة، تُعد من أعقد وأصعب القضايا في مجتمعاتنا الشرقية، نظراً لوجود العديد من العناصر الحاكمة والمؤثرة على مسألة الاعتراف بمشاركة المرأة، وبأن يكون لها دور بارز في المجتمع، كعدم إيمان البعض بدور المرأة خارج النطاق الأسري.
المرأة في مواقع الإدارة الذاتية الديمقراطية
يستند نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، بحسب الباب الثالث من ميثاق العقد الاجتماعي إلى ( الكومينات، المجالس، نظام الإقليم، مؤتمر الشعوب الديمقراطي، مؤسسة الإعلام والنشر، قوات الدفاع المشروع، مجلس العقد الاجتماعي، نظام العدالة، المفوضية العليا للانتخابات). وفيما يلي التنظيمات النسائية الديمقراطية التي تنظم وتناضل المرأة في ظلها:
مؤتمر ستار: تأسس في كانون الثاني عام 2005م، وكان اسمه حينها (اتحاد ستا)، وذلك بهدف تجميع قوة وطاقات المرأة الكردية في غربي كردستان، من خلال تشكيل تنظيم خاص بالمرأة. في شباط تغير الاسم إلى (مؤتمر ستار)، ليشمل نساءً من كافات مكونات الشمال السوري (عرب، سريان، أرمن، آشوريين، كلدان). كما انضمّ إليه عدد من منظمات المجتمع المدني التابعة للإدارة الذاتية، مثل: (منظمة سارا) لمناهضة العنف ضد المرأة، ومنظمات نسائية أخرى لتعمل جميعها تحت مظلة مؤتمر ستار. تتمثّل أبرز أهداف مؤتمر ستار، بحلّ القضية الكردية ضمن مشروع الإدارة الذاتية، وتنظيم المرأة ذاتها بشكل مستقل وفق نظرية الأمة الديمقراطية، والوصول إلى النظام الكونفدرالي الخاص بالمرأة، في الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية والاقتصادية والدبلوماسية وميدان الدفاع الذاتي وغيرها من الميادين الأخرى، ومحاربة كافة أشكال اللامساواة في المجتمع، وترسيخ إيديولوجية حرية المرأة في المجتمع.
يشارك في كافة النشاطات الاجتماعية وفق مبدأ المشاركة المتساوية والتمثيل المتساوي، كما يشارك في تطوير الحياة التشاركية الديمقراطية من خلال بناء الأمة الديمقراطية، يكافح تجاه البنية العائلية الموجودة ذات السلطة الذكورية، ويتّخذ من العائلة الديمقراطية المرتكزة إلى الاتحاد الحرّ والإرادة المشتركة بين الجنسين أساسًا له.
ينطلق من رؤية الحياة الندّيّة الحرة في نضاله الساعي إلى تجاوز التحكم والسلطوية والتملك والتمييز الجنسي في كافة العلاقات الاجتماعية، ويقوم بتطوير وتكريس الدفاع الذاتي للمرأة في كل مجال ونشاط تجاه شتى الهجمات والبنى الدولتية والجنسوية.
يعترف مؤتمر ستار بالتنظيمات الديمقراطية الحرة لمختلف (العقائد الدينية ،الثقافات والشعوب)، يناضل ضد الذهنية والمواقف والمقاربات الذكورية السلطوية، ويعتمد تغيير وتحويل الرجل وفق معايير الحرية أساسًا له، ويصوغ مشاريعه في هذا الصدد.
يقوم بالريادة في تحويل نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي ظهر مع ثورة روج آفا( ثورة المرأة) إلى أرضية لدمقرطة سوريا بأكملها، ولحماية وتطوير مكتسبات جميع مكونات الشعب السوري.
اللجان المختصة بالمرأة:
توجد في كافة مؤسسات الإدارة الذاتية لجان خاصة بالمرأة على كل المستويات بدءًا من الكومين إلى الأحياء ومجالس المدن والأقاليم. مهمة هذه اللجان متابعة القرارات التي تخص المرأة بشكل أساسي كي لا تتمكن الأنماط الذكورية المترسخة في المجتمع من تقويض حقوق المرأة. وتقوم بتنظيم وتوعية المرأة في القرية أو الحي، وتهتم بأمورها، كما تقوم بحل كافة الخلافات التي توجهها المرأة، دون تمييز أو تفرقة أو انحياز.
وتسعى أيضاً لتكون فاعلةً في الساحة السياسية بنسبة تخوّلها بأن تشترك مع الرجل في بناء مجتمعها الديمقراطي المتقدم، الذي لا بد وأن يؤمن بأن المرأة بإمكانها القيام بالمعجزات إن مُنحت الثقة والحق بدون استغلال في كل مجالات الحياة وليست السياسية فحسب. بل لتحقيق مبدأ المساواة بينها وبين الرجل على مختلف الأصعدة.
هيئة المرأة
يوجد في كل إقليم من أقاليم شمال شرقي سوريا- روج أفا- هيئة خاصة بالمرأة تتبع المجلس التنفيذي للإدارة. جميع العاملات فيها من النساء، وهي تتمتع كذلك بحق الفيتو على القرارات التي تخص المرأة الصادرة من هيئات المجلس التنفيذي.
قامت هيئة المرأة بعد فترة قصيرة من تشكيلها في تشرين الثاني عام 2014 بصياغة مجموعة من القوانين خاصة بالمرأة، جاء في ديباجة هذه القوانين أنها تهدف إلى الوقوف في وجه المفاهيم الذكورية في المجتمع، ولضمان حرية المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وتفعيل دورها ومشاركتها في بناء المجتمع وتقدمه. وتضمنت هذه القوانين 21 بندًا من المبادئ الأساسية، وتسعة من الأحكام العامة، تمت المصادقة عليها من قبل المجلس التشريعي لمقاطعة الجزيرة، ثم اعتمدتها مقاطعتا عفرين وكوباني. وتمحورت حول حقوق المرأة في مسائل الإرث والطلاق وما يترتب عليها، وتفعيل مشاركتها السياسية والاقتصادية.
من أبرز ما جاء فيها منع تعدد الزوجات، ومنع زواج الفتيات دون سن الثامنة عشر، والمساواة بين المرأة والرجل في مسائل الإرث والمساواة بين شهادة الرجل والمرأة، وتجريم العنف ضد المرأة وجرائم الشرف، وحق المرأة في حضانة أطفالها حتى إتمامهم الـ 15سنة، ويكون بعدها حق الاختيار للأولاد، كذلك ألغي المهر باعتباره قيمة مادية هدفه استملاك المرأة ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية، بالإضافة إلى حق المرأة في الترشيح والترشح وتولي كافة المناصب. والجدير بالذكر فقد بلغت نسبة النساء في الإدارة الذاتية الآن 60%.
وحدات حماية المرأة ypj:
لكل نوع في عالم الكائنات الحية نظام دفاعي خاص به. وما من كائن حي واحد فقط يخلو من آلية الدفاع. بل وبالمقدر اعتبار المناعة، التي يبديها كل عنصر أو جُسيم في الكون للحفاظ على وجوده دفاعاً ذاتياً. إذ من الساطع جلياً أن المناعة التي يبديها إزاء أي عطل أو خروج من الكينونة، لا يمكن إيضاحها إلا بمصطلح الدفاع الذاتي. وفي حال فقدان تلك المناعة، فإن ذلك العنصر أو الجُسيم يفسد، ويخرج من كينونته، ويتحول إلى عنصر آخر مغاير. أما في عالم الكائنات الحية، فبمجرد تحطيم جدار حصن الدفاع الذاتي، فإن ذاك الكائن الحي يصبح فريسة سهلة لكائنات أخرى، ويموت. هذا ويسري النظام عينه على النوع البشري والمجتمع البشري .
ويعمل الدفاع البيولوجي من طرف غرائز الحماية والدفاع الموجودة في كل كائن حي. أما في الدفاع الاجتماعي، فجميع أفراد الجماعة يدافعون عن أنفسهم بشكل مشترك. بل ويطرأ التغيير باستمرار على تعداد المجموعة وشكل تنظيمها وفق ما توفره فرص الدفاع عن الذات. وعليه، فالدفاع وظيفة أصيلة في المجموعة. ومحال الاستمرار بالحياة من دونه. وكما هو معلوم، فالوظيفتان الأصليتان الأخريان في عالم الأحياء، هما تأمين المأكل أو التوالد، والنتيجة الهامة الأخرى التي بإمكاننا استخلاصها من موضوع الدفاع الذاتي لعالَمِ الأحياء، هو أن الدفاع يهدف – فقط وفقط- إلى حماية الوجود، وهو يخلو من نظام الاستعمار وبسط النفوذ على أبناء الجنس الواحد أو الأنواع الأخرى من الكائنات. ولأول مرة طورت أنظمة الاستعمار والحاكمية عند الجنس البشري.
وما يلعب دوره في ذلك هو النماء الذهني لدى النوع البشري، والاستحواذ على فائض الإنتاج ارتباطاً بذلك، مما يفضي إلى توفير فرص الاستغلال. وهذا مايؤدي إلى ضرورة حماية قيم الكدح إلى جانب اللوذ عن الوجود. أي إنه يؤول إلى إشعال فتيل الحروب الاجتماعية.
وحدات حماية المرأة هي قوة عسكرية أساسية وطنية ، تتمحور حول المجتمع الديمقراطي الإيكولوجي وحرية المرأة، وخط الدفاع المشروع ضد كل الهجمات التي يتعرض لها مجتمعنا وشعبنا والمرأة من أجل بناء سوريا ديمقراطية وكردستان حرة، وتناضل ضد نظام التجييش التسلطي الذكوري ونظامه الجنسوي الدينوي والعلموي والنظام البطرياركي الدولتي المرسخ لذاته منذ خمسة آلاف عام، ومغتصب القيم الاجتماعية، فهي القوة المشروعة للمرأة والتي تحمل على عاتقها ضمانة نضال تحرر المرأة.
المرأة الكردية في قوات الأمن الداخلي( أسايش المرأة)
تشكّل المرأة جزءاً أساسيًا من قوى الأمن الداخلي الذي تأسس عام 2013م، بنسبة 40%، لدرء الانفلات الأمني ومنع تفشي الجرائم في المنطقة. ولقوات الأسايش مؤسسات عدة تابعة لها، (وحدات المهام الخاصةH.A.T)، مديرة الحواجز والطرقات، شعبة مكافحة الجريمة المنظمة، جهاز الأمن العام، مديرية المرور، بالإضافة إلى الأكاديميات التأهيلية والتدريبية.
يكون لقوات آسايش المرأة مراكز مستقلة سواءً في السجون المركزية أو النظارة، ويكون حراسها حصراً من النساء. وبهذا المشاركة الحيوية للمرأة- فقط- يمكن حماية الجانب الأخلاقي والمعنوي للمجتمع.
ساهمت قوات أسايش المرأة في الحملات ضد تنظيم داعش, حيث كانت المسؤولة عن عمليات التمشيط في المدن والبلدات بعد تحريرها، وكذلك إقامة الحواجز والنقاط لتأمين الوحدات القتالية من الخلف، والدفاع عن المدن من أية هجمات، ومنذ تأسيسها قدمت مئات الشهداء.
المرأة الكردية في الشتات ومساندتها لثورة روج آڤا
ظهرت مشكلة النازحين واللاجئين الكرد على مدار القرن العشرين في الشرق الأوسط واستمرت في التواجد حتى يومنا هذا. ولقد كانت عمليات تشريد الكرد موجودة بالفعل أثناء عهد الدولة العثمانية، بسبب قمع حالات تمرد السكان المحليين، على مدار فترة سيطرة الأتراك على منطقة الهلال الخصيب الشمالية والمناطق المجاورة من زاغروس وطوروس.
وتحول وضع الكرد في تركيا إلى وضع كارثي على مدار فترة عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، نتجت عنها عمليات التهجير وتشريد الكرد، وأسفرت عنها مذابح هائلة وطرد مئات الآلاف من قراهم. ومنذ سبعينيات القرن العشرين خلّف العنف المتجدد تجاه الكرد ما يقارب عن 300,0000 نازحٍ، لا يزال منهم في حالة تشرد.
في كردستان العراق، سعى الكرد للحصول على الحكم الذاتي والاستقلال الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق بفضل الصراعات المسلحة منذ ثورة محمد البرزنجي 1919م. ومع ذلك، أصبحت عمليات التشريد أكثر انتشارًا أثناء الصراع العراقي الكردي، وبدأ ظهور برامج التعريب النشطة الموازية التي يتولاها النظام البعثي، والذي هدف إلى تطهير شمال العراق من الأغلبية الكردية. أصبح عشرات الآلاف من الكرد مشردين، وفرّوا إلى المناطق التي كانت تشهد حروبًا بعد انتهاء حرب كردستان العراق الأولى وحرب كردستان العراق الثانية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
كما خلفت الحرب بين إيران والعراق التي استمرت من عام 1980 إلى عام 1988م، وحرب الخليج الأولى وحركات الثورة اللاحقة ملايين عدة من اللاجئين الكرد بالدرجة الأولى، حيث وجد معظمهم في إيران ملجأ لهم، في حين تفرق آخرون في شتات أوروبا والأمريكيتين.
ازدادت أعداد الجالية الكردية في أوروبا خلال الثورة السورية، وذلك نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدام حالة الأمن و الاستقرار، وعدم الاعتراف به كقومية كردية تعيش على أرضها التاريخية منذ آلاف السنين.
ورغم أنّ النساء الكردستانيات قد هُجّرن من وطنهن، إلا أنهن ما زلن مرتبطات بقضية شعبهن،
فالمرأة الكردستانية في أوروبا هي جزء لا يتجزأ من الشعب الكرديّ داخل كردستان، ويتأثر بما يحدث في أي جزء كردستاني، ويقتصر عملها على نقل الواقع الكردي الحقيقي ومآسيهم من جميع النواحي إلى الحكومات الأوروبية وبرلماناتها وشعبها، وتعريف الشعب الأوروبي والمهاجرين الأجانب إليها بعدالة القضية الكردية، وحق الكرد في أن يكون لهم برلمانهم وحكومتهم ودولتهم أسوة بالقومية العربية، والتركية، الفارسية، وتشكيل لوبي كردي للضغط على مراكز القرار في الدول الأوروبية لدعم ومساندة الشعب الكردي وحماية وجودهم القومي ولغتهم وثقافتهم وتراثهم وتاريخهم. وتقديم الدعم المادي والمعنوي للكرد في داخل كردستان.
فمع غزو داعش لسري كانيه وتل أبيض وريف الجزيرة، وخاصة كوباني – وسيطرة داعش على ما يقارب 386 قرية كردية تابعة لـ كوباني وعلى أكثر من 75% من منطقة كوباني- خرجت المرأة الكردية في مظاهرات واحتجاجات في العديد من العواصم والمدن الأوروبية. كما تم جمع التبرعات والمساعدات الإغاثية لإرسالها إلى اللاجئين الكرد في كل من تركيا وإقليم كردستان العراق وللنازحين الكرد في كردستان سوريا.
إن حالة التشتت والاغتراب القومي التي كانت تعاني منها المرأة الكردية والشعب الكردي، باتت حالة شبه زائلة مع ازدياد الوعي القومي والسياسي، بل والتنظيمي أيضاً وذلك بفضل الحراك الوطني الساري لا سيما خلال العقود الأخيرة، ونسف الحدود المصطنعة تلك عملياً، وإزالتها من العقول والقلوب.
ورغم كل هذه الظروف التي مرت بها المرأة الكردستانية، إلا أنني متفائلة بشكل عام، فمهما يكن فإن تصعيد نضال حرية المرأة في كل جزء من أجزاء كردستان عمومًا وفي شمال سوريا- روج آفا- خصوصًا سيزيد من أملها وعزيمتها، ويصبح لديها قناعة بأن هذا القرن هو قرن ثورة المرأة، وبأن النساء أصبحن قادرات أكثر من أي وقت مضى على تجاوز العقبات التي تعترضهن ، وسيتمكنّ من إحراز تطور جدير بتاريخهنّ وهويتهنّ في الخروج من أزمة الشرق الأوسط الراهنة.
———-
المراجع
– بيتر ليرخ/ دراسات حول الأكراد وأسلافهم الخالديين الشماليين.
صلوات كولياموف /آريا القديمة وكوردستان الآبدية (الكرد من أقدم الشعوب).
محمد أمين زكي/ خلاصة تاريخ الكرد وكردستان.
عبد الله أوجلان/ مانيفستو الحضارة الديمقراطية (القضية الكردية وحل الأمة الديموقراطية).
محمود بايزيدي/ رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم.
الدكتور طاهر المعروف الرباتي/ المرأة الكردية ودورها في المجتمع الكردي.
الموقع الرسمي لوحدات حماية المرأة- ypj https://ypjrojava.com
ميثاق العقد الاجتماعي https://pydrojava.net ›
أرشيف مؤتمر ستار
قوات أسايش روجافا/ http://www.asayish.org
لاجئون أكراد/ https://ar.m.wikipedia.org
[1] بلدان الخلافة الشرقية ص 192
[2] مليون جنيه إنكليزي تقريباً
[3] صدرت الخطة في مجلة لوزارة التعليم الشعبي الجزء 25، ص 1-4، 184
[4] من الصفحة الأولى وحتى العاشرة
[5] زينفون ( 1828-1884)، وهو من أبرز المستشرقين في القرن التاسع عشر
[6] (هو أحد تلامذة سقراط)، أول كاتب يوناني أتى على ذكرهم في كتابه “أناباسيس”،
[7] إلى الشمال الشرقي من بحيرة الملح الكبيرة
[8] بلاد ما بين النهرين
[9] مدفن عظماء الأمة
[10] وادي نهر آراكس في شمال كردستان
[11] مقياس طول روسي قديم يساوي 71سنتيمتراً
[12] فريدريك نيتشه: هكذا تكلم زرادشت
[13] صاحب كتاب معالم تاريخ الإنسانية
[14] انظر Narrat. v. .١١ p. ١٣٨
[15] في كتابه ( المرأة الكردية ودورها في المجتمع)