شلير سيدو
إن كانت هناك مشكلة واحدة في الكون من صنع البشر وتُعتبر مصدرَ قلقٍ للعالم أجمع، فهي استخدامُ العنف من قبل جماعاتٍ تسعى لتحقيق أهدافها.
في كل أنحاء العالم سواء أكانت هناك أنظمة ديمقراطية أو ديكتاتورية، هناك شعورٌ دائم عند فئة من الناس أنهم لا يحصلون على حقوقهم ولا يعيشون الحياة التي يريدونها، فبالتالي يسعون إلى الانضمام إلى منظمات وجمعيات سرية للحصول عليها، وغالباً ما يلجؤون إلى أساليب العنف لإرغام الخصم واستخدام القوة وأدواتها كوسيلة لتحقيق الأهداف التي انطلقوا من أجلها ولحسم الصراع لصالحهم.
هذه الصراعاتُ تصبح عنيفةً وتؤدي إلى الكثير من الخسائر في الأرواح والقيم المعنوية وتخلق نزاعات اجتماعية ضمن المجتمع الواحد أو مع المجتمعات المجاورة إلى جانب الخسائر الكبيرة في القيم المادية أيضاً كل هذه الأمور تدفع نحو سيادة مفاهيم العنف في الحياة الاجتماعية ويمهد للانغلاق على الذات وبروز أفكار التعصب القومي أو الديني أو الطائفي والمذهبي وغيرها، وبالتالي يصبح المجتمع ضحية مفاهيم التعصب والتطرف في التعامل مع الآخر، والتي غالباً ما يؤديان بالنتيجة إلى ظهور الإرهاب كوسيلة لتعميق المصطلحين. وبسبب فوضى المصطلحات في ظل الإعلام المسيّر الهادف إلى تضليل الرأي العام، يتم خلط التطرف والتعصب والإرهاب مع بعض. ويمكن إلقاء الضوء على بعض هذه المفاهيم كما يلي:
بالرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه حول هذين المصطلحين إلا أنه يتم استخدام مصطلحات مثل “متطرف” و”متعصب” بشكل متكرر في النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي، والطريقة التي يتم استخدام هذين المصطلحين يدلّ على ترادف المعنى وغياب وجود معيار عام لقياس كلٍّ من التعصب والتطرف. فما الفرق بين التعصب والتطرف؟ وهل من الممكن أن يحسب الاختلاف الموضوعي بالرأي تطرفاً أو تعصٌّبا؟
يعرّفُ البعض ومنها موقع ويكيبيديا التعصّبَ على أنه ” شعور داخلي يجعل الإنسان يرى نفسه على حق ويرى الآخر باطل، ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف ينطوي عليها احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته”. بينما نرى بأن التطرف يعرف من الناحية الاجتماعية على أنه “الخروج عن المفاهيم والأعراف والتقاليد والسلوكيات العامة”.
وقد ذكر موقع يوتوبيا أن: التعصب أصعب من التطرف من ناحية تشخيصه، فالأول شعور داخلي يتجلى بسلوك، بينما الآخر سلوك أو فكر خارج عن المألوف.
وبينما يمكن أن يكون التطرفُ أحدَ عوارض التعصب لكنهما ليس بسيّان، فالتعصب أخطرُ من التطرف، لأنه ينبع عن شعور داخلي أي أنه منصهر بكينونة الإنسان وبعقله الباطن. وبالرغم من أنه قد يظهر في سلوك أو أفكار معينة لكن “الأنا” تتمكن أحياناً من المراوغة لتضليل المتلقي. لذلك يعتبر قبحاً كامناً.
أما التطرفُ، فبالرغم من أنه أسهلُ من التعصب في التشخيص لكنه أيضاً أسهلُ من ناحية الخلط بينه وبين الاختلاف الموضوعي. فالتاريخ يثبت أن كل فترة تحكمها منظومة قيم تختلف عن سابقتها ولاحقتها. وعليه ما صُنّف على أنه تطرف في الماضي أصبح رأياً مختلفاً في الحاضر، لذلك نحتاج للتروي في إطلاق الأحكام والاستفاضة بطرح الأسئلة مع الحرص على الاستقبال بعقلية مفتوحة، فإن سقطت أحدُ النقاط في منطق المناقش يمكن لك أن تنتقل للبحث عن تبرير آخر لفكره أو سلوكه.
إذاً التعصبُ أكثر خطراً من التطرف، كما أنه عادة ما يحمل في طياته معاني العنصرية. ويمكن الاستعانة بمعايير حقوق الإنسان للتعرف عليه. أما التطرف فهو أقلّ ضرراً إذا ما قورن بالتعصب خصوصاً إذا كان فكراً. وإذا وجد في مجتمع لايزال في طور التغيير ولم يثبت على سقف للحرية يرتضيه الجميع لأنه قد يكون في الواقع اختلاف موضوعي بالرأي.
فالإنسانُ لا يولد متطرفاً ولا متعصباً، إنما بعض السياساتُ المفروضة وبعض أنظمة الحكم وسوء فهم الدين بشكل خاص والإعلام المضلل يدفع بالفرد إلى التطرف أو التعصب. حيث يؤكد علماء النفس والاجتماع أنه لا بدّ من تشخيص الأفراد الذين يولد لديهم أعراض التعصب ومناقشة المتطرف كون يعتبر التعصب مرضاً يجب معالجة أسبابه ونتائجه.
في ظل وجود سياسات الحكومات المختلفة وظهور سياسيين مراوغين يقومون بفرض آرائهم على الشارع العام عبر تغيير مسار تفكير الناس وطرق تعبيرهم، تتبنى الغالبية الأفكار وتتلقاها فقط، بينما قلة من الناس يقومون بتحليل ما يقال. لذا نرى سوء استخدام السلطة والسياسة يؤدي إلى ردّ فعل سلبي وعدم قبول تظهر ملامحه في التطرف والتعصب. فنجد أن المتعصبَ يرفض وجهات النظر التفاؤلية التي من شأنها أن ترفعَ معنويات الإنسان وتسعى إلى تغيير إيجابي في السياسات والظواهر الاجتماعية.
الجهلُ والحربُ مصدران أساسيان للتعصب
إن المجتمعاتِ في جوهرها قائمةٌ على اجتماع القيم والتشاركية والعيش المشترك وتبادل الثقافات. ويأتي السؤال الجوهري: لماذا تبتعد المجتمعاتُ عن جوهرها الطبيعي؟ لأنه بازدياد الجهل بالأمور يزداد الشعور بالتعصب. فالجهل هو السبب الرئيسي لمعظم المشاكل الاجتماعية في المجتمعات. فالأفراد الذين يمتلكون صدور رحبة وعقول منفتحة وثقافة عالية، لا يمكن لهم أن يتعصبوا لشيء مهما كانت المؤثرات. وبالطبع تتفتح العقول بتلقي ثقافات وقيم أخلاقية ومعارفية عالية يريد للآخر ما يريد لنفسه، ويتم بذلك القضاء على الجهل منبع التطرف والإرهاب.
الأمرُ الذي يغذي الشعور أكثر بالتطرف والتعصب هو الحربُ ومفرزاتها التي تفتك ببنية الفرد وتجعله أسيرَ مشاعر سلبية مختلطة تتعمق يوماً بعد يوم. فنرى أن المجتمعَ يخرج عن جوهره بسرعة فائقة وتتصبغ بتلك المشاعر التي بالنتيجة تكون تدميرية للذات وللغير.
وكما قلنا سابقاً فالتعصبُ هو أشد وطأة من التطرفِ، لأن التطرفَ هو الميلُ للطرف الثاني في أوقات وأوقات… والتعصب هو الانكماش للجانب الثاني حتى لو خطأ وظلم. فالمتعصب لا يمكن أن ينقد الجهة المنكمشة إليها مهما أساؤوا أو أخطؤوا، فهو بمثابة الأيمان الأعمى والسير على الجمر مهما أدى إلى حروق. لذلك تطور التعصب كثيراً منذ التاريخ إلى الحاضر ليصبح على أنواع وأشهرها تلك المرتبطة بالدين، ويمكن ذكر بعض أنواع من التعصب بالشكل التالي:
أنواع التعصب
1.التعصب الديني
2.التعصب العرقي
3.التعصب المذهبي
5.التعصب السياسي
6.التعصب القومي
7.التعصب الثقافي
8.التعصب لأهل البيت
التشخيص المرضي للتعصب
يشعر المتعصبُ بحالة توتر وقلق دائم وخوف من الجميع، فيرى أنه مهددٌ دائماً كما يحتاج الى الدفاع عن نفسه كثيراً. يركز على مشاعره أكثر من عقله فهو يتحرك حسب عواطفه. فإن حكم العقل فسيصل الى الحقيقة التي يخاف منها وهو في حالة رفض للحقيقة ويعتبر أنه يمثل كل الحقيقة. كما أنه يرفض أي فكرة أو مشروع جديد كونه متمسك بالعادات والتقاليد التي تربى عليها من أجداده، وهذا جلي جداً في مجتمعات الشرق أوسطية.
هل يمكن علاج التعصب أو التخلص منه؟
نعم ممكن جداً وذلك عن طريق:
1.إعادة تأهيل الأفراد مثلما يتم إعادة تأهيل المدمنين على المخدرات وضحايا العنف.
2.تحسين نوعية التعليم في المدارس والجامعات والابتعاد عن فرض دين معين على عقول الفئة الشابة.
3.طرح برامج توعوية مكثفة ومنتديات وملتقيات لمناقشة هكذا أمور للوصول إلى حلول أكثر.
4.تشجيع ثقافة العيش المشترك من خلال نشاطات إيجابية ملفتة تتمكن من جذب الأفراد إليها والابتعاد عن النشاطات السلبية المشجعة للتعصب.