دلشاد مراد
إنّ الموقعَ الجيوسياسي لإيرانَ التي يُعتبر الكردُ من سكانها الأصليين، جعلتها تتعرض في العصر الوسيط والحديث لغزواتٍ وهجمات وحروب خارجية من قبائل تركية وفارسية، مما جعل الكردَ ضحايا لتلك الغزوات والحروب، وأصبح وطنهم كردستان عرضةً لنهب واحتلال تلك القبائل التي استوطنت في المنطقة، وبنت لنفسها دولةً اصطناعية على حساب الشعوب الأصيلة في المنطقة، وذلك بمعية الدول الاستعمارية الكبرى.
نبذة عن الكرد في إيران
يُعتبر قسمٌ كبير من أراضي إيران الحالية (غربي إيران) جزءاً من الوطن التاريخي للكرد، حتى إن كلمة “إيران” والتي تعني “أرض الإيرانيين” تعود أصلها إلى كلمة “آر” وتعني النار باللغة الكردية، وسمي بذلك لأن سكانها القدماء كانوا يقدسون “النار” حسب العقيدة الزرادشتية، وهي عقيدة كردية ظهرت في الألف الأول قبل الميلاد.
تبلغُ مساحة جغرافية كردستان في إيران حوالي 175 ألف كم2، وتضم مناطق سنه، كرمنشاه، إيلام، همدان، أورمية، لورستان، بختياري. ومعظم تضاريسها جبلية وتغطي الغابات حوالي الثلث منها، وأراضيها غنية بالبترول والحديد والذهب والنحاس والكبريت.
وتقدِّر معظمُ المصادر الكردية نسبةَ الكرد في إيران بحوالي 16-17 % من مجموع سكان إيران، أي حوالي 13-14 مليون من أصل 82 مليون في العام 2016م. كما تقيم جالية كردية كبيرة في العاصمة طهران وكذلك في شمال خراسان في أقصى الشمال الشرقي من إيران. وتعد مدينة كرمنشاه من أكبر مدن كردستان إيران وعدد سكانها حوالي المليون نسمة.
الاحتلال الصفوي لكردستان
ظهرت إماراتٌ قبلية كردية شبه مستقلة في مناطق كردستان بعد انهيار الخلافة العربية الإسلامية في المنطقة، وبعد تقوية نفوذ الصفويين (1) بدؤوا بالهجوم على مناطق كردستان وإخضاع القبائل والإمارات الكردية تحت نفوذهم، وأدت هذه المحاولاتُ إلى صراعات دموية انتهت باحتلال صفوي على مناطق كردستان إيران، وفي إجراء عقابي جماعي على رفض الكرد للسلطة الصفوية، قام الصفويون أثناء حكم طهماسب الأول (1514 – 1576م) بتدمير الكثير من القرى الكردية وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز (جنوب بحر قزوين) وخراسان. وقد نظم الكردُ الإيزيديين بقيادة شير صارم انتفاضةً ضد الصفويين بين عامي 1506- 1510م ولكنها قُمعت على أيدي الصفويين.
وفي عام 1609م وقعت معركة قلعة دمدم المعروفة في التاريخ الكردي بـ (ملحمة دمدم)، حيث كان الكردُ يعيشون في المنطقة الواقعة بالقرب من بحيرة أورمية، وكان الكرد يحتفظون باستقلالية المنطقة تحت زعامة الأمير “خان لب زيرين” (معناه بالعربية الأمير ذو الكف الذهبي)، حيث قام الأمير الكردي بترميم وتطوير قلعة دمدم وجعلها حصناً قوياً لإمارته. وبما أن الصفويين رفضوا أي استقلالية للكرد بدؤوا بمهاجمة المنطقة بقيادة حاتم بك، حيث حشدوا قوات كبيرة وفرضوا حصاراً طويل الأمد على القلعة دام سنة ونصف، وانتهت المعركة باقتحام قوات الصفويين للقلعة ولكن بعد مقاومة باسلة من الكرد المتحصنين في القلعة الذين رفضوا الاستسلام حتى آخر رمق، وقام الصفويون بعد ذلك بحملة إبادة وتهجير للكرد في تلك المنطقة. (2)
وبسبب الزحف الصفوي نحو الغرب وقف بوجههم العثمانيون (الترك السنة) الذين كان لهم مطامع توسعية في المنطقة، فتحالفوا مع بعض القبائل الكردية في حربها مع الصفويين، وأوقفوا المدَّ الصفوي على إثر هزيمتهم في معركة جالديران بتاريخ 23 آب 1514م، وبذلك انقسمت كردستان بين النفوذين العثماني والصفوي، وقد أبرمت الدولتين العثمانية والصفوية عدة اتفاقيات ومعاهدات لترسيم الحدود ومحاربة الكرد في مناطق نفوذهما كان من أبرزها معاهدة قصر شيرين بتاريخ 13 أيار 1639م. (3)
كانت إيرانُ تشهد في تلك الفترة اضطراباتٍ داخلية وتغييرات في الأُسر الحاكمة وحروب توسعية للأتراك العثمانيين، أثرت بشكل مباشر على ولاءات القبائل الكردية، وخضعت المنطقة الكردية إلى الاحتلال العثماني المباشر، وإلى غزوات قبائل تركية جديدة من جهة الشمال والشرق، تخللتها قيام إمارات وحكومات كردية مستقلة كإمارة أردلان ومركزها مدينة سنه، والمملكة الزندية بقيادة كريم خان زند وعاصمتها مدينة شيراز والتي قامت بين عامي 1752-1795م، وقد أصبح كريم خان حاكماً لإيران كلها.
استمرت الدولة العثمانية في عقد معاهدات مع الأسر الحاكمة في إيران لمحاربة طموحات القبائل الكردية، فوقعت مع الدولة القاجارية (4) معاهدة أرضروم الأولى في 23 تموز 1823م ومعاهدة أرضروم الثانية في 31 أيار 1847م التي رسخت تقسيم كردستان بين العثمانيين والإيرانيين، ووضعت نظاماً مشتركاً لوضع حد للتطلعات الكردية ومنعهم من تشكيل كيان مستقل في المنطقة.
ثورة عبيد الله النهري
خلال عامي 1880-1881م نظم الشيخ عبيد الله النهري (من شيوخ منطقة هكاري) ثورة كردية شاملة للتحرر من الاحتلالين القاجاري والعثماني، فعمل على رصّ صفوف قبائل الكرد، وعقد مؤتمراً في شمزينان في نهاية شهر تموز1880م حضره 220 من زعماء القبائل الكردية، كما تواصل مع وجهاء الأرمن والآشوريين وزعماء البلاد العربية. وطلب من بريطانيا عن طريق القنصل في الأناضول الدعم الدولي لقضية كردستان مع إعطاء ضمانات للحقوق المسيحية.
اندلعت الثورة على الحدود الإيرانية التركية، وانتشرت بسرعة، واستطاعت تحرير أغلب مناطق كردستان إيران، وعلى الفور أنشأت فيها إدارة محلية رسمية.
تنبه النهري لمحاولة الأتراك خلق فتنة بين الكرد والأرمن والسريان، وحين طلب منه العمل على تقتيل المسيحيين عام 1885م كان جوابه: “ان الأتراك يريدون أن يضربوا بنا المسيحيين، وحين يقضى على المسيحيين سيوجه الأتراك اضطهادهم ضدنا”. (5)
وبموجب المعاهدات الموقعة بين الطرفين أرسلت تركيا جيشاً لمساندة الجيش القاجاري في إخماد ثورة الكرد، وعند اقتراب قوات الثورة من تبريز في أقصى الشمال الغربي من إيران تدخلت القوات الروسية أيضاً لمساندة الجيش القاجاري في إخماد الثورة بعد أن طلبت منها الدولة القاجارية ذلك رسمياً، وحاصرت الجيوش القاجارية والعثمانية والروسية قوات الثورة وسحقتها، وأسر الشيخ عبيد الله النهري، وجرى نقله إلى استنبول ومن ثم نفي إلى الجزيرة العربية.
ثورة سمكو شكاكي
كما ثار سمكو آغا زعيم قبيلة شكاكي الكردية في إيران ضد الحكومتين القاجارية والبهلوية (6) ما بين عامي 1920 – 1930م في إقليم أورميه بهدف تحرير كردستان. وقد استطاع شكاكي أن يسيطر على المنطقة الكردية غرب بحيرة أرومية، ووطد علاقاته مع محمود الحفيد زعيم الثورة الكردية في السليمانية عام 1923م.
أرسل البهلويون عقب تسلمهم السلطة عام ١٩٢٥ حملة عسكرية للقضاء على الثورة، مما أرغم سمكو شكاكي على اللجوء إلى منطقة السليمانية، ومن هناك شن هجمات على القوات الإيرانية والعراقية والتركية. وفي شهر أيلول 1930م استدرجته الحكومة الإيرانية البهلوية للتفاوض مع قائد الجيش الإيراني في مدينة شنو حيث نصبوا له كميناً واغتالوه غدراً.
واُتهم سمكو شكاكي باغتيال البطريرك مار بنيامين شمعون الزعيم الروحي والديني والسياسي للآشوريين نهاية عام ١٩١٨م أثناء زيارة الزعيم الديني له، وذلك في تصرف متهور، وهذا ما كان أحد أبرز أخطائه.
حركة جعفر سلطان
في خريف عام 1931م قامت حركة مسلحة بزعامة جعفر سلطان هورمان في منطقة همدان، ولكن تم القضاء عليها بقسوة. وكان من نتائجها منع الكرد من استعمال لغتهم وممارسة أي شكل ثقافي خاص بهم تحت طائلة العقوبة.
حركة حمه رشيد خان
في عام 1941م ظهرت حركة مسلحة قادها الشيخ حمه رشيد خان، الذي استطاع تحرير منطقتي مهاباد وسقز، ولكن الجيش الإيراني قمعت حركته، فاضطر للجوء إلى كردستان العراق عام ١٩٤٢حيث ألقي القبض عليه. وبعد الافراج عنه حاول العودة مجدداً إلى كردستان إيران عام ١٩٤٥ مع ٢٠٠ فارس، ولكن حركته انتهت بدون أي نتائج تذكر.
جمهورية كردستان الديمقراطية
خلال الحرب العالمية الثانية توغلت القوات الروسية في الأراضي الشمالية الغربية الإيرانية بحجة موالاة شاه إيران رضا البهلوي لهتلر على الرغم من إعلان الدولة الإيرانية الحياد خلال الحرب. وقد استفاد الكرد والآذريون من ضعف نفوذ نظام الشاه، فأعلن الآذريون تأسيس جمهورية آذربيجان الشعبية في تشرين الثاني 1945م، فيما أعلن الكرد تأسيس جمهورية كردستان الديمقراطية برئاسة القاضي محمد في 22 كانون الثاني 1946م، واتخذت الجمهورية من مدينة مهاباد عاصمة لها.
رفض نظام الشاهنشاهية (الأسرة البهلوية) في إيران استقلال الكرد والشعوب الأخرى، واستطاع إسقاط الجمهورية الكردية بعد 11 شهراً فقط وكذلك الجمهورية الآذرية بدعم دولي “أمريكي – سوفيتي”، وأعدم القاضي محمد مع عدد من كبار وزرائه في 31 آذار 1947م في ساحة عامة في مدينة مهاباد، وقد انسحب الروس السوفييت من إيران بموجب اتفاقية مع نظام الشاه بعد منحها امتياز للحصول على الغاز الإيراني.
عبد الرحمن قاسملو .. زعيماً سياسياً
شهدت مناطق شرق كردستان قمعاً شديداً بعد انهيار جمهورية كردستان. ولم تستطع الحركة السياسية الكردية هناك من لملمة نفسها إلا في منتصف الستينيات من القرن الماضي، لينظموا في آذار 1967م انتفاضة في مناطق مهاباد وأورميه ضد نظام الشاه الذي لجأ إلى قمع الانتفاضة واعتقال زعماءها.
وخلال عامي 1969-1973م أعادت الحركة السياسية الكردية تنظيم نفسها من جديد في شرق كردستان، فتأسست حزب كومله كردستان، وعقد الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران الذي تأسس عام 1945م مؤتمراً له انتخب د.عبد الرحمن قاسملو (7) في رئاسة الحزب، واعتمد الحزب شعار “الديمقراطية لإيران والاستقلال الذاتي لكردستان” مع الالتزام بمبدأ النضال المسلح.
قاد قاسملو وبرفقته عشرين ألف مقاتل من البيشمركة حملة ضد جيش شاه إيران عام 1978م حيث كان الأخير يلفظ أنفاسه الأخيرة جراء قيام الاحتجاجات على نظامه في معظم أرجاء البلاد، وخلال فترة قصيرة حررت قواته ثماني مدن وعشرين بلدة في كردستان.
ثورة 1979م ضد نظام الخميني
ساهم الكرد بفعالية في إسقاط نظام الشاه عام 1979م بالتنسيق مع التنظيمات الإسلامية واليسارية المعارضة في إيران، وبعد استلام الإمام الخميني (كان مقيماً في فرنسا) سدة الحكم في إيران انقلب على القوى الديمقراطية وهمش حقوق الشعوب الأخرى، ومنع الكرد من مشاركة في كتابة الدستور الجديد لإيران، وقد أتى الدستور الجديد لتثبيت نظام الخميني “الدينوقومي”. ويبدو أن النظام الدولي المهيمن كان يهمه وصول الإمام الخميني إلى الحكم في سياق هدفها تشتيت شعوب المنطقة، عبر إنشاء نظام إسلامي شيعي قومي متطرف في منطقة الشرق الأوسط لإدخال المنطقة في صراعات وحروب عرقية ودينية طويلة الأمد.
رفضت الأحزاب الكردية الدستور، مما دفع بالخميني إلى إصدار فتوى ضد الكرد واعتبارهم كُفاراً في آب 1979م. ولم تكتفِ الحكومة الإيرانية بذلك، إذ تطور الأمر إلى حد قصف المناطق الكردية بالطائرات، ما دفعت بالحركة السياسية الكردية (الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران بزعامة عبد الرحمن قاسملو وحزب كومله الكردستاني) بالتعاون مع الزعيم الروحي الشيخ عز الدين الحسيني إلى إعلان الثورة المسلحة في عام 1979م واستمرت حتى كانون الأول 1982م، قمعها نظام الملالي بوحشية، حيث هاجمت قوات الحرس الثوري الإيراني المعروفة بالباسدران المناطق الكردية، ما أدى إلى مقتل الآلاف من الشيوخ والنساء والأطفال وسط مقاومة بطولية للمقاتلين الكرد في ظروف وإمكانات غير متكافئة على الإطلاق، واستمرت المقاومة لأكثر من ثلاث سنوات استطاعت الحكومة الإيرانية إعادة سيطرتها على مناطق الثورة والتي مارست فيها قوات الحرس الثوري أبشع الجرائم والممارسات القمعية كالاعتقالات والإعدامات وتدمير أكثر من 271 قرية كردية وتشريد 200 ألف كردي.
وقد استخدم نظام الملالي الكرد في حربها الطويلة مع العراق (1980-1988م)، إذ قتل فيها عشرات الآلاف من الشباب الكرد، وأصبحت مناطق كردستان مسرحاً للعمليات العسكرية بين البلدين.
اغتيال قادة الكرد
في تموز 1989م اغتيل د.عبد الرحمن قاسملو في العاصمة النمساوية فيينا مع اثنين من رفاقه على يد عناصر استخبارات نظام الملالي في إيران بعد استدراجه إلى طاولة المفاوضات.
وبعدها بثلاث سنوات تم اغتيال صادق شرفكندي الذي خلف قاسملو في رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني وذلك في برلين بتاريخ 17 أيلول 1992م على أيدي عناصر الاستخبارات الإيرانية بقيادة أحمدي نجاد، وتم إقفال الملف الجنائي من قبل الحكومة الألمانية بعد ذلك من دون معرفة الجناة أو ملاحقتهم بشكل جاد.
احتجاجات الكرد
يرفض نظام الملالي في إيران الحقوق المشروعة للشعب الكردي من الاعتراف بالهوية والثقافة الكردية بشكل رسمي وعبر الدستور، وحق مشاركتهم في الحياة السياسية من تأسيس أحزاب سياسية وتولي المناصب العليا في المؤسسات الرسمية للبلاد من الحكومة والبرلمان والبلديات. وعلى الرغم من الثروات الطبيعية التي تتمتع بها شرق كردستان، إلا أن المحافظات الكردية في ايران أقلها تنمية، حيث يعمل النظام بشكل ممنهج لإبقاء الكرد في مستوى اقتصادي متدن. كما إن أكبر نسبة للإعدامات السياسية في إيران خلال السنوات العشرة الأخيرة كانت ضد النشطاء الكرد، وقد ازداد أعمال الاعتقالات في الأوساط الكردية، واتسع نطاق القمع ضد الكرد ولاسيما بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق 2003م والاعتراف بحقوق الكرد بشكل رسمي في العراق، والذي زاد من جرأة الكرد بتنظيم تظاهرات واحتجاجات في المدن الكردية خلال عامي 2004 -2005م.
وفي أيار 2015م، تسبب انتحار امرأة كردية واسمها “فريناز خسرواني” أرادت الإفلات من مصير الاغتصاب من قبل أحد المسؤولين الأمنيين باندلاع احتجاجات كبيرة في مهاباد ومدن أخرى، وقد قُمعت تلك الاحتجاجات من قبل النظام الإيراني بقوة أجهزتها الأمنية.
وتستمر الاحتجاجات على الدوام في مناطق كردستان نتيجة أعمال الاضطهاد والتضييق المتواصلة بحق الكرد من قبل نظام الملالي.
الحركات السياسية في كردستان- إيران
يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران من أقدم الأحزاب الكردية في الجزء الكردستاني الواقع في إيران، وتأسس عام 1945م، وقد قاد هذا الحزب جمهورية كردستان الديمقراطية التي قامت في عام 1946م برئاسة القاضي محمد. وقد انهار الحزب بعد القضاء على جمهورية كردستان، ليلملم نفسه في منتصف الستينيات، وفي عام 1973م عاد بقوة مرة أخرى مع انتخاب د.عبد الرحمن قاسملو في رئاسة الحزب واعتماد مبدأ العمل المسلح لتحقيق حكم ذاتي في كردستان، وعلى الرغم من قيادة قاسملو وحزبه ثورة ضد نظام الخميني، إلا أن الأخير قمع بشدة حركته الثورية، وتم تصفيته عام 1989م بعد استدراجه للمفاوضات.
وقد لجأ قادة وعناصر الأحزاب السياسية الكردية (الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران، حزب كومله الكردستاني) إلى كردستان- العراق (جنوب كردستان) بعد إعلان فيدرالية إقليم كردستان عام 1991م. واستقر استقر حزب كومله على جبال قرداغ شمال مدينة السليمانية، فيما استقر الحزب الديمقراطي في بلدة كويسنجق قرب مدينة أربيل. وقررا تجميد أنشطتهما المسلحة ضد القوات الإيرانية مراعاة لأوضاع الكيان السياسي القائم في الإقليم مقابل تقديم الأحزاب الحاكمة في إقليم جنوب كردستان معونة مالية لهما.
وبعد اغتيال صادق شرفكندي استلم مصطفى هجري قيادة الحزب حتى عام 1995 واستلم بعده عبدالله حسن زادة القيادة في مؤتمر أقيم للحزب عام 1995م، وفي مؤتمر عام 2004م أعيد انتخاب مصطفى هجري أميناً عام للحزب.
وفي عام 2006م انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران على نفسه بين جناحين، الأول تحت اسم (الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران) بقيادة مصطفى هجري وحتى هذه اللحظة والثاني تحت اسم (الحزب الديمقراطي الكردستاني – ايران) بقيادة خالد عزيزي الذي خلفه مصطفى مولودي عام 2017م.
كما انقسم حزب كومله الكردستاني إلى جناحين: حزب كومله الكردستاني الإيراني (عبدالله مهتدي)، حزب كادحي كوردستان – كومله (عمر اليخانزاده)، عدا عن الحزب الشيوعي العمالي بزعامة “إبراهيم علي زاده” الذي ظهر من رحم تنظيم كومله.
كما يوجد أحزاب كردية أخرى في جنوب كردستان، لكنها صغيرة وأقل تأثيراً كـ ” منظمة النضال الكردستاني في إيران، حزب آزادي كردستان، اتحاد ثوار كوردستان…الخ”
وخلال عامي 2015- 2018م شهد إقليم كردستان- العراق عمليات اغتيالات واسعة من جانب الاستخبارات الإيرانية وفيلق القدس استهدفت قيادات في الحركات السياسية الكردستانية الإيرانية. وفي 8 أيلول 2018م استهدف النظام الإيراني بالصواريخ مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كويسنجق أثناء اجتماع لقيادة الحزب، مما أسفر عن مقتل العديد من أعضاء قيادة الحزب.
وقد انضم الكثير من أبناء كردستان – إيران (شرق كردستان) إلى حركة حزب العمال الكردستاني برئاسة مؤسس الحزب عبد الله أوجلان منذ الثمانينات من القرن المنصرم، وبخاصة في فترة انقطاع الحركات السياسية عن العمل النضالي داخل كردستان ولجوئها إلى إقليم جنوب كردستان.
وللدفاع عن الكرد في كردستان من السياسات القمعية لسلطات نظام الملالي تأسس حزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك” في عام 2003م بقيادة كل من عبد الرحمن حجي أحمدي وأفيندار ريناس، ويطالب بإقامة نظام سياسي علماني وديمقراطي في إيران، والإدارة الذاتية في كردستان. وقد شن “بيجاك” عمليات كثيرة ضد قوات نظام الملالي ومقراته وقواعده في كردستان. ويتولى الرئاسة المشتركة للحزب كل من “سيامند معيني، زيلان فجين”. ويعتبر من أكبر الأحزاب الكردية في إيران وأكثرها وجوداً وتحركاً في مناطق كردستان.
وفي أيار 2014م تشكلت “منظومة المجتمع الديمقراطي الحر في شرق كردستان- كودار”، برئاسة كل من ريزان جاويد وزيلان تانيا وأنشأت المنظومة جناح عسكري باسم وحدات حماية شرق كردستان، ويتولى الرئاسة المشتركة للمنظومة كل من “فؤاد بيرتان، زيلان تانيا”.
نتيجة:
بعد عرض نبذة لأبرز المحطات التاريخية التي مرّ به شعب شرق كردستان يمكن استخلاص الآتي:
ـ لم ينعم الكردُ في شرق كردستان وإيران بوضع مستقر خلال العصور الوسطى والحديث، فقد كانت مناطقهم على الدوام عرضة لغزوات قبائل تركية تارة أو فارسية، كما باتوا ضحايا للحروب بين القبائل الحاكمة في إيران والعثمانيين الترك في الأناضول. وكان من نتائج تلك الغزوات والحروب تدمير آلاف القرى الكردية وتهجير إجباري لمئات آلاف من الكرد إلى مناطق شمال خراسان على الحدود الإيرانية الأفغانية، وإحداث فتن وشق للصفوف بين القبائل الكردية.
ـ إن الدول الإمبراطورية الكبرى “بريطانيا، روسيا” والحكومات الإقليمية ” إيران، العراق” كانت تقف بوجه الطموحات الكردية في تحقيق الاستقلال لمناطقهم، وتجلت ذلك في محاربة الحركات التحررية والثورية الكردية.
ـ بسبب البطش الإيراني للشعب الكردي اضطرت حركته التحررية للالتجاء إلى مناطق جنوب كردستان (كردستان العراق) مما أدخلهم في حسابات وتجاذبات العلاقات بين الحركة السياسية في جنوب كردستان والأنظمة الإيرانية.
ـ أصبحت سياسة الاغتيالات منهجاً لدى الأنظمة الإيرانية في ضرب الحركات السياسية والثورية الكردية، لكن دون أن يأخذ قادة الكرد حذرهم في هذا الأمر، مما يودي بحياة الكثير منهم.
ـ خرق الشعب الكردي في شرق كردستان لحاجز الخوف، ورفضهم لتدخلات الأنظمة الإيرانية في شؤونهم المحلية، مما يجعلهم يقومون بالانتفاضات والاحتجاجات على الدوام تعبيراً عن موقفهم الرافض لسياسات تلك الأنظمة.
ـ ظهور حركة حزب العمال الكردستاني ومنظومة كودار أوجد بديلاً تنظيمياً لشعب جنوب كردستان في مواجهة سياسات الأنظمة الإيرانية بعد اضطرار الحركات السياسية الكردية الأخرى للجوء إلى جنوب كردستان وقبولها وقف أنشطتها السياسية والثورية في مناطق شرق كردستان وفقاً لحسابات وتعقيدات سياسية في المنطقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر:
1ـ يختلف المؤرخون على أصول الأسرة الصفوية، إلا أن معظم المصادر تذكر أن الصفويين هم أتراك أذربيجانيين غزوا إيران وحكموها، وكذلك فعلت قبائل تركية أخرى مماثلة لها أسست لها دول في المنطقة مثل الدولة الغزنوية، الأيلخانية، السلجوقية، الخروف الأسود، الخروف الأبيض، الأفشارية، والقاجارية. وقد تحول الصفويون من المذهب السني إلى الشيعي تماشياً مع طريقتهم الصوفية وطموحاتهم التوسعية مستغلين قداسة الصحابي علي بن أبي طالب لدى المتصوفين، واعتمدوها مذهباً رسمياً لدولتهم، مما خلقوا عداءً من جانب بني جلدتهم من الترك العثمانيين في الغرب الذين كانوا يطمحون لإنشاء امبراطورية تركية تحت اسم الخلافة الإسلامية (اعتماداً على المذهب السني) والأوزبك في الشرق. وانهارت الدولة الصفوية على يد غزاة أتراك جدد هم قبيلة “الأفشار” الذين أسسوا الدولة الأفشارية، التي سقطت هي الأخرى على يد قبيلة تركية غازية هم “القاجاريون” الذين أسسوا الدولة القاجارية عام 1779م.
المصدر: مقال “الشيعة الفرس الصفويين .. جهل في الأنساب والأصول” لـ صالح الطائي، موقع صحيفة المثقف (العدد:1822 الثلاثاء 19 / 07 /2011).
2ـ مقال للكاتب جودت هشيار، بعنوان “ملحمة قلعة دمدم.. أحالت الواقع الآني إلى أسطورة دائمة”، صحيفة المدى العدد 633، 1 نيسان 2006م.
3ـ قصر شيرين، بلدة تقع في محافظة كرمانشاه في كردستان، بلغ عدد سكانها حوالي 20 ألف نسمة حسب إحصائيات 2006م.
4ـ القاجار: سلالة تنحدر من قبيلة تركمانية حكمت إيران بين سنوات 1779-1925 م. كان مقرهم في طهران. استطاع قائد القبيلة آغا محمد خان أن يستولي على الحكم في إيران، بعد قيامه بتصفية الخانات الزند في كرمان بطريقة دموية، ثم قضى وبنفس الطريقة على الأفشاريين (أسرة حاكمة من الفرس) في مشهد واتخذ لقب الشاه سنة 1796م. وبسبب ضعف حكام القاجار في الربع الأول من القرن العشرين قام الروس والبريطانيون ومنذ سنة 1918م بالاستيلاء على العديد من المناطق في البلاد. وأصبحت إيران منذ 1919م تحت الوصاية البريطانية. وفي عام 1925م قام رئيس الوزراء رضا خان بهلوي والذي أصبح نفوذه يتزايد بخلع آخر شاهات القاجاريين ثم اتخذ لنفسه لقب الشاه.
5ـ كتاب “كردستان والكرد: دراسة سياسية واقتصادية” لـ الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الترجمة من الإنكليزية “ثابت منصور”، من منشورات بنكه زين لإحياء التراث الوثائقي والصحفي الكردي- العراق/ إقليم كردستان، السليمانية، الطبعة الثانية 2008م- مطبعة شفان/ السليمانية.
6ـ الأسرة البهلوية: أسرة حكمت إيران منذ عام 1925 إثر الانقلاب الذي قام به رضا بهلوي ضد الشاه أحمد مرزا القاجاري، استمر حكم رضا بهلوي مؤسس مملكة إيران حتى عام 1941 حين أجبره الغزو البريطاني السوفييتي عن التنحي لصالح ابنه محمد خلال الحرب العالمية الثانية بسبب علاقته الشخصية مع هتلر، ولطالما كان محمد رضا بهلوي الحليف الرئيسي للغرب في الشرق الأوسط، ما أدى مع الوقت في غضب الشعب وقيام الثورة واسقاط حكم الأسرة البهلوية عام 1979. قامت الأسرة البهلوية بإحياء التقاليد الفارسية ما قبل الإسلام. عند وصول رضا بهلوي إلى السلطة كان اسم البلاد فارس، فقام بتغيير الاسم إلى إيران التي تعني بلاد الآريين.
7ـ ولد د.عبد الرحمن قاسملو في مدينة أورمية عام 1930 ودرس المراحل الأولى فيها وفي طهران، وأكمل دراسته الجامعية في استنبول وأوروبا، تعرف خلال وجوده في استنبول على الكاتب والصحفي موسى عنتر. درس في فرنسا ومن ثم في تشيكوسلوفاكيا العلوم السياسية والاجتماعية، وانضم إلى المعارضة اليسارية في عهد حكومة د. مصدق في إيران، ورجع إلى البلاد ليعمل كشخصية سياسية كردية بشكل علني. قام قاسملو بتدريس مادة رأس المال والاقتصاد الاشتراكي في جامعة براغ ودرس اللغة والثقافة الكردية في جامعة السوربون في باريس حتى عام 1961م. وكان له دور بارز في تأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي في كردستان الذي كان أحد مؤسسات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، لينضم رسمياً إلى الحزب، وتدرج في المسؤوليات حتى أصبح أميناً عاماً للحزب.