التمويلُ الإيراني والتركي للأحزاب الفلسطينية بدايةُ الإهلاك – الأطماعُ السياسية تفوقُ المبادئَ الإنسانية
مصطفى الدحدوح
مصطفى الدحدوح – غزة-
الأحاديثُ متشابكة حولَ تحديد طبيعة العلاقة الإيرانية “الفارسية” والتركية “العثمانية” مع أوساط المجتمع الفلسطيني، وخاصة بعد العودة والنظر في أورقة التاريخ نجد بأنّ كلا الدولتين يمضون في علاقات وطيدة ومتجذرة مع العدوّ الأول والأخير للشعب الفلسطيني، والمتمثل في إطار المنظمة الصهيونية العالمية التي تحظى بتحالفات قوية مع الدول المؤثرة في العالم. واليوم سوف نعرض طبيعة الأطماع التي تحملها كلا من الطرفين في استخدام أطراف فلسطينية لتمرير المخططات الشخصية الخاصة بهم، مما يضعنا أمام تساؤل: لماذا تتسارع الحكومة الإيرانية والتركية في بناء نفوذ داخل فلسطين تحت مسمّى دعم الشعب والمقاومة في التزامن مع وجود علاقات مع إسرائيل؟ لنصل إلى من هو الضحية.
وبتأمّل المشهد التاريخي السياسي نجد بأن مضمونَ الحديث القائم سوف يدور حول أسس العلاقات التركية والإيرانية مع الأوساط الفلسطينية متمثلة في الأحزاب الإسلامية والنموذج الأمثل حركة حماس منذ انطلاقها، وملامح التحولات في طبيعة العلاقة بعد تولي حركة حماس زمامَ الحكم في قطاع غزة، والذي كان يتجه نحو طابع سياسي مُسيّس يهدف لتمرير مخططات عبر الحركة مقابل إمدادها بما ينقصها والمتمثل في الدعم المالي والعسكري، مما جعل القضية الفلسطينية اليوم أكثرَ تعقيداً، جاعلاً البعض يحتسب بأنّ فرداً ما بعينه المنتفع من الوضع القائم، ولكن ما خلف الستار الأسود يحمل خفايا أكثر خطورة من الظاهرة.
وفي إطار التطورات القائمة سنحاول وضعَ الأيدي على أهم المحطات التي توضح مقدار المخاطر والأطماع الإيرانية والتركية الهادفة لبناء إمارتهم ونفوذهم في المنطقة العربية جراء استغلال القضية الفلسطينية وخاصة بأن كلا من الدولتين تحملا أطماعاً في عودة أمجاد أسلافهم التي اندثرت عبر التاريخ، وسوف نتوصّل لإجابة حول هل نجحتا في استخدام القضية في خدمة مصالحها الشخصية، وهل تحولهم والتفافهم حول حركة حماس والجهاد الإسلامي وإنشاء بعض الأحزاب الأخرى يدرج ضمن مفهوم الصدفة، أم التخطيط الممنهج؟.
نظرية المصالح والموقف الإيراني
يرى العديدُ من الشخصيات السياسية الفلسطينية بأن السياسةَ الإيرانية تقام على منهجيةٍ تستند على قاعدتين لا ثالث لهم، الأولى تنادي بضرورة تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي لمن يمثل مشروع المقاومة المؤمن في البندقية والكفاح المسلح كطريق لتحرير الأرض الفلسطينية، أما القاعدة الثانية فتقوم على رفض التعامل مع أصحاب مشروع التسوية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل، مما يعطي مؤشرات توحي بأن طهرانَ حريصةٌ على الفصل بين القاعدتين وتقديمهما وكأنهما رؤيتان مختلفتان بالكامل.
وبالعودة إلى التاريخ نجدُ الحكومةَ الإيرانية السابقة ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979 كانت تحظى بعلاقات وطيدة مع الجانب الإسرائيلي لتشهد مداخلات وتبادل حقيقي للعلاقات على الوسط الاقتصادي والعسكري والسياحي على حد سواء، ومع نشوب الثورة الإسلامية جرت بعضُ المتغيرات الواضحة في طبيعة العلاقات بشكل كبير، بينما لم تطلِ القطيعةُ لتستمرّ العلاقاتُ الاقتصادية حتى اليوم.
ولتبدأ الإمارة الإيرانية في الحبو مسرعة خلف تحقيق حلم عودة أمجاد الفرس، لتجد لنفسها أسلوباً جديداً تستطيع من خلاله أن تضع يدها في المنطقة المتصارع عليها متمثلة في الوطن العربي، عساها تجد منطقة تضع لها نفوذ لتحقق حلمها وتمرّر مصالحها، لتبدأ الحكاية بتفاصيلها التي يتذوق الشعب الفلسطيني ذوق مررها.
منذ نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية لعام 2006 بدأت التحولاتُ في السياسة الإيرانية وظهور خفايا الأعوام السوداء السابقة جرّاء دعمها لأحزاب تعمل تحت إمرتها للحصول على النفوذ والسلطة، فلا ينكر أحد بأن الحكومة الإيرانية نجحت بإغواء حماس في المال مقابل خلق أزمة فلسطينية جديدة حقيقية عرفت في الانقسام الفلسطيني، لترى الحركة نفسها قادرة على قيادة أمور قطاع غزة بكل قوة كونها تمتلك المال الممول من إيران وبين يديها السلاح وتمتلك المقاتلين لتصل الأمور لانقلاب الحركة التي حصلت على 76 مقعد من أصل 132على السلطة الفلسطينية والشعب، لتشهد القضية الفلسطينية أزمة حقيقة مبتكرة من قبل إيران وتركيا.
ولم يقتصر المخطط الإيراني لذاك الحدّ بل تخطى الحدود جرّاء إعلانها بشكل رسمي مع بروز مباحثات المصالحة الفلسطينية، اعتبار كل مَن يخوض بها يدرج ضمن قائمة المتنازل عن مشروع المقاومة لصالح مشروع التسوية، لتساهم هذه القاعدة على زيادة الشرخ في جذور القضية الفلسطينية وانحراف حماس عن المفهوم الوطني لصالح دول تقدم لها الدعم وتمنحها السلطة.
لتجد حماس نفسها الطرفَ الأول القائم على محور الممانعة ومجابهة السلطة الحاكمة، لتبدأ المنطقة تشهد تغييرات ترتكز على قاعدة التحركات ضد الحكومات والانقلاب عليها بقوة السلاح، ولتبدأ أزمات الربيع العربي الذي صبّ الويلات على رؤوس الشعوب.
وأعادت المجريات القائمة صياغة المعادلة الفلسطينية في المنطقة وفق معطيات جديدة عبر خلق مؤشرات جديدة داخل القضية الفلسطينية جراء التدخل الإيراني، الذي يدعم الفصائل الإسلامية المسلحة، وذلك جراء ظهور أنظمة عربية تحمل مفهوم الإسلام السياسي كاد أن يعتقد الفلسطينيون بأن إنهاء الأزمة الفلسطينية باتت وشيكة، ولكن الواقع عكس خلاف ذلك ما يعني اتساع الفجوة القائمة.
القضية الفلسطينية في المعادلة الإيرانية
قد يصح القول بأن لا علاقة واحدة تجمع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في القضية الفلسطينية، بل هناك عدّة نقاط تخضع لحيثيات القضية نفسها الموزعة بين فصائل وسلطة واحتلال ودول اعتدال ومحاور مقاومة وغيرها، فضلاً عن تحديات المصالح الوطنية والخطوط الحمر للأمن القومي.
في الواقع يبدو أن ما يجمع إيران في الفلسطينيين وقضيتهم هو عبارة عن علاقات وخطوط اتصال كثيرة تتقاطع أحياناً عند نقطة اشتراك واضحة تتمثل بالإجماع على العدو التاريخي والمشترك متمثلاً بإسرائيل، لكن هذه الخطوط قد تتفرع وتختلف عند نقاط أخرى تطغى عليها لغة المصالح، وأحياناً تتصادم فيما بينها، كما جرى مع حركة حماس على خلفية الأزمة في سوريا، من هنا فإن العلاقة بين إيران والقضية الفلسطينية تعد متغيرة وليست ثابتة تتحول حسب المطالب والمصالح.
لذا يُنظر للمعادلة الإيرانية من جانبين، أولهما علاقة إيران الثورة بالقضية الفلسطينية، من هذه الزاوية تبدو القضية الفلسطينية محكومة في علاقتها مع إيران برؤية السلام من خلال تقليل الثورة الإسلامية لأهمية المتناقضات التي تحكم القضية الفلسطينية، فضلاً عن الاستهانة بالخلافات والإغراق في التفاؤل بشأن القدرة على تدوير الزوايا الحادة مهما كانت الظروف، لكن وفي المجمل فإن الثورة الإسلامية وثوابتها تتعامل مع فلسطين وقضيتها بأنها قضية عادلة، ولا يوجد أدنى شك لدى إيران الثورة بأن القضية الفلسطينية شكّلت في الماضي وتشكل اليوم مصدراً مهماً جداً من مصادر مشروعية الثورة الإسلامية وشرعية النظام الحاكم.
ولكن حسب المفهوم الظاهر للرؤية الإيرانية تتمثل في إيران الثورة، ولكن عندما قررت دولة إيران حكومة ونظاماً التعامل مع القضية الفلسطينية، ظهرت خفايا ما خلف الستار، وذلك خلال وضعها فلسطين مرتكزاً ومحوراً مهماً من مرتكزات صناعة القرار السياسي خارجياً وجعلته أحد أهمّ المرجعيات لصنّاع القرار في اتخاذ مواقفهم الرسمية حيال أغلب القضايا الإقليمية والعالمية، فضلاً عن أن فلسطين شكّلت بنداً مهماً حين قررت الثورة الإسلامية التحوّل إلى دولة عبر إقامة علاقات دبلوماسية مع بقية دول العالم.
وجراء تفسير المشهد الإيراني القائم نرى أن إيران لم تحقق التوازن في سياساتها جراء الجمع بين الثورة والدولة خلال التعامل مع القضية، وكذلك الأمر بالنسبة ما بين الثورة والمصالح ليجد النظام الإيراني نفسه يحاول أن يجعل من نفسه وجهين لعملة واحدة، ولكن باءت المحاولة بالفشل لتتضح معالم الوجهين جراء محاولة إيران جعل فلسطين محوراً مهماً في ملعبها ومخططها، بما لا يضرّ المصالح الخاصة.
إيران وموقفها في إنشاء الانقسام الفلسطيني
حين قررت حركةُ حماس السيطرةَ على القطاع بقوة السلاح وتفريغه من حُكم السلطة الفلسطينية وتحجيم وجود منظمة التحرير الفلسطينية وخلق خلاف عسكري وسياسي وفكري مع حركة فتح، لم تكن حماسُ تقف لوحدها بل وقفت الحكومة الإيرانية بجانب الحركة ودعمتها كي تكون قادرة على حكم القطاع وإدارته، فرأت في ذلك أنه إعلاء لكلمة مشروع المقاومة المسلحة على حساب تراجع مشروع التسوية السياسية الذي تمثله السلطة الفلسطينية في رام الله، مع بدء غليان الشوارع العربية وانطلاق أول الثورات في تونس كان هناك مطلبٌ واحد للشارع الفلسطيني، تمثل في إنهاء حالة الانقسام الداخلي بين غزة ورام الله، حتى إن كثيرين نادوا بربيعٍ فلسطيني ينهي بقوة الشارع حالةَ الانقسام بين غزة ورام الله.
لتستمرّ إيران في مخططها القائم على بقاء الخلاف الفلسطيني لتمرير مصالحها، ولكن خلقت المتغيرات القائمة في المنطقة العربية حماس والسلطة للتوجه لمباحثات إنهاء الانقسام التي تكللت بالفشل في كافة مراحلها وذلك جراء تواجد أنظمة مستفيدة من الواقع القائم بشكل كبير ويدفع الفاتورة السياسية الشعب الفلسطيني ويتقاضى السياسيون الفلسطينيون بعض المال مقابل ذلك ليسدوا حاجاتهم.
ولم يتوقف الدعمُ الإيراني لحركة حماس التي خسرت الدعمَ الكلي، لتحتل حركة الجهاد الإسلامي التي باتت تتبع النهج الإيراني الفكري في التقارب. فاليوم باتت الجهادُ بوابةً حقيقية لإيران في غزة وذلك تحت مسمى دعم المقاومة، مما أتاح للعديد من المشاريع والمراكز الإيرانية أن تظهر بشكل جلي بين أوساط المجتمع الفلسطيني في غزة، وأُتيح المجال أمامها بإنشاء أحزاب سياسية تنتهج الفكر الإيراني الشيعي مما جعل المؤشرات أكثر تعقيداً في أوساط المجتمع الفلسطيني.
مستقبل العلاقة الإيرانية–الفلسطينية
تقليدياً قد يصح القول بأن مستقبل العلاقة بين إيران والقضية الفلسطينية مرتبط إلى حد ما بمستقبل العلاقة مع حركة حماس والجهاد الإسلامي، وهذا بطبيعة الحال لن يخرج عن احتمالين اثنين: إما أن يتجاوز الطرفان هذه المرحلة ويحافظا على العلاقة الاستراتيجية بينهما، وإما أن تتحول هذه العلاقة في نهاية المطاف من علاقة استراتيجية إلى علاقة عادية بدولة صديقة.
ومن المستحيل أن تضحي إيران بنفسها من أجل حزب سياسي، ليتجلى الحديث عن طبيعة العلاقة الإيرانية الإسرائيلية، نجد أن كلاهما لا يتسارع لفرض سيطرته وهيمنته في المنطقة بلغة القوة والسلاح مما يجعل من الطرفين يشكلا خطراً محتماً على أرض فلسطين وذلك تحت اعتبار واحد عندما تتاح الفرصة للقضاء على الشعب الفلسطيني لن يتراجع أحدهم لامتلاك الأرض المتسارع عليها حتى قيام الساعة.
تركيا والتطبيع الإسرائيلي
بترقب تصريحات الساسة والمحللين نجد بأنهم يمجدون في تركيا وما تقدمه من دعم مالي لحركة حماس وغيرها من الأحزاب في فلسطين بشكل علني. وكم من المرات التي وعدت بوضع حلول للأزمات التي يمر بها الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، ولكن لم يطبق على أرض الواقع إلا الجزء المعقول. ولكن من الجانب الآخر دعنا ننظر ما خلف الستار نجد بأن تركيا الدولة الإسلامية الأولى عالمياً التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل.
ولم يقف المطاف عند ذاك الحد بل كانت أول زيارة حكومية رسمية إلى تل الربيع “تل أبيب” من قبل الحكومة التركية لتتوالى العلاقات قوة يوماً بعد يوم على الرغم من تغيير الأنظمة والأحزاب الحاكمة، ليقول بأن الحكومة التركية القائمة بحكم حزب العدالة والتنمية تسير نحو نهج مختلف، ولكن لا ننكر بأن الرئيس التركي قام بزيارة إسرائيل بشكل علني ضمن سلسلة العلاقات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والسياحية القائمة لتحتل تركيا علاقة أكثر قرباً من نظيرتها إيران.
واليوم يقال بأن تركيا قامت بمقاطعة إسرائيل بعد حادثة سفينة مرمره 31 مايو عام 2010، والتي كانت تحمل المساعدات الإنسانية لمواطني قطاع غزة في ظل الحصار المفروض عليهم منذ عام 2006، وحسب الرؤية القائمة بأن تركيا فعلياً قامت بالمقاطعة، ولكنها كانت فقط على الإطار الدبلوماسي ولم تطل العلاقات السياسية والعسكرية، وخاصة أنه توجد شراكة فعلية في عمليات تدريب الجنود وتطوير الأسلحة.
والمشهد يقودنا للقول إن الاتفاق التركي -الإسرائيلي في تطبيع العلاقات بين الدولتين يقودنا إلى مرحلة جديدة ويفتح المجال على مصراعيه للتطبيع الإسلامي والعربي مع إسرائيل، فالقواعد العسكرية الإسرائيلية بتركيا تشهد تطوراً يوماً بعد يوم وخاصة في ظل الشراكة القائمة بين الجيشين وكل منهما يتبع نفس النهج الوحشي في بسط قوته في المنطقة مما يجعلهما شريكين في خندق واحد، مما يجعل من تركيا أكثر خطراً على المنطقة العربية من إسرائيل بالتزامن مع تملقها باسم الإسلام وقيام إماره إسلامية والظاهر يعكس خلاف ذلك.
تركيا والدعم الدولي لإسرائيل
إن جملة التفاهمات القائمة تعكس طبيعة العلاقة والتعاون الاستراتيجي والمستمر منذ إعلان قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وبالإضافة تعكس مدى اهتمام تركيا وأولويات العمل لديها في دعم إسرائيل على الرغم من جملة الحملات الإعلامية والتصريحات والتضليل الممنهج التي تقوده الحكومة التركية بقيادة الرئيس طيب رجب أردوغان الذي يتسم بأسلوب دبلوماسي يجعل من يحيط به يؤمن بما يقول، ولكن عندما يحين الوقت الحاسم تصبح النتيجة مغايرة رأساً على عقب.
قادت تركيا بالتزامن مع عودة العلاقات الدبلوماسية التي شهدت قطعية مع إسرائيل جملة من الشروط واعتلاء صوت أردوغان في عدم إتمام إعادة العلاقات دون تحقيق وتنفيذ تلك الشروط من قبل تركيا وعلى رأسها إنهاء الحصار على قطاع غزة، وبات الشارع الفلسطيني في غزة ينظر بان النصر لقريب وسوف تعود الحياة إلى ما كانت عليه، ولكن كانت الصدمة الفاجعة للجميع بعد إتمام الأمور اجتماع كلا الطرفين دون وجود لغزة على الطاولة.
مما يبرهن ذلك الموقف حقيقة الأطماع التركية “العثمانية” في استخدام الورقة الفلسطينية في إطار الصراع الإقليمي وخدمة المخطط التركي الإسرائيلي في المنطقة، وذلك في إطار دعم المشروع الذي يقتضي باستمرار الانقسام الفلسطيني وإنهاء مفهوم القضية الفلسطينية لتصبح واقعياً تركيا حليفاً لإيران في مخطط إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني.
ولم يقتصر المشهد على ذلك، بل أنّ الحكومة التركية تدعم إسرائيل وتسوّقها في الإطار الدولي كدولة راعية للسلام ودولة تدعم مكافحة الإرهاب، من أجل إقامة تحالف إقليمي تكون “إسرائيل” مكوناً رئيسياً فيه، حيث دعمت تركيا إسرائيل وصوّتت لصالح اختيار إسرائيل لرئاسة اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، واليوم تبحث حكومة أردوغان لدعم تحالفها مع إسرائيل وتدعيم المصالح الاقتصادية بين البلدين وخاصة في مجال الغاز والأنشطة الاقتصادية بينهما والدور السياسي المشترك في الإقليم، وهو ما يدحض الادعاءات التركية التي لم تتوقف بشأن فكّ الحصار عن قطاع غزة كشرط لتطبيع العلاقات، وهو ما تم تجاوزه وأصبح في خبر كان .
تركيا وتضليل حماس
البعضُ ينظر بأنّ حماسَ حليفٌ للدولة التركية، ولكن سياسياً هذا مصطلحٌ غيرُ دقيق، لكون حماس تعدّ أداة قامت تركيا باستخدامها لتمرير مصالحها في وقت كانت الحركةُ بحاجة ملحّة لمن يساندها مالياً للخروج من الأزمات التي تكبدتها، مما تجعلها تتملق وتتقرب من حزب العدالة والتنمية مما جعلها فريسة سهلة للمخطط التركي الإسرائيلي في المنطقة، ليبدأ التدخل التركي بشكل أكثر حضوراً وقوة في غزة عما كانت عليه، لتشهد الساحة جملة من المشاريع والتدخلات في إدارة الأمور بغزة كما كان المشهد عليه من قبل إيران.
وفي المقابل بدأت حركة حماس وغيرها من الأحزاب وعلى رأسهم الجهاد الإسلامي بالالتفاف حول تركيا واضعين أحلاماً بأنها ستكون منقذ القضية الفلسطينية، غير مكترثين لجملة العلاقات القائمة مع إسرائيل مما يدرج ذلك ضمن التطبيع العلني مما يضر بالمشروع الوطني الفلسطيني، لتبدأ مرحلة تقارب منذ عام 2010، ولم تستمر طويلاً لتبدأ الانتكاسات التي تذوق طعمها الأحزاب الفلسطينية بعد إعلان عودة العلاقات التركية الإسرائيلية، مما جعل حماس تمرّ بحالة من الانتكاسة للتطلعات التي كانت تسعى اليها، وفي الوقت نفسه شكلت عنصر صدمة كونها كانت تراهن على الموقف التركي.
ولا يغفل على أحد بأن حماسَ واتباعها في غزة وعبر السنوات الماضية كانت تبيع الوهمَ للناس، حيث عملت حركة حماس واستثمرت سلسلة علاقات إقليمية، معتقدة أن هذه العلاقات ستكون في خدمة حكمها في غزة، ومن ضمن هذه الأوراق التي عوّلت حماسُ عليها كانت الورقة التركية وخيار الرئيس أردوغان، معتقدين أنه امتدادٌ للخلافة العثمانية والتي فرضت واقعاً عبثت من خلاله بالمستقبل الفلسطيني، ومن خلال تحالفات بين قطر وحماس التي وفرت خطاً ساخناً للتنسيق الأمني بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة وإقامة شريط حدودي فاصل عُرف بشارع الجكر على طول الحدود مع قطاع غزة بإسرائيل، واليوم بات الواقع ينهار شيئاً فشيئاً أمام الموقف التركي الذي طالما ربط علاقته مع إسرائيل والتنسيق معها لضمان أن تكون تركيا لاعباً أساسياً في الملف الفلسطيني عبر السيطرة والهيمنة على تبعية حماس لها.
حماسُ كانت تطمحُ بشكل أساسي إلى إنهاء كافة مشاكلها في قطاع غزة اعتماداً على تركيا، وحليفها الأول اردوغان، وسرعان ما تبخّر هذا الحلمُ وتبدّد هذا الطموحُ وكأن شيئاً لم يكن، حيث كانت حماسُ خارجَ حسبة الأرباح التركية، ولم تعد غزة ضمن اهتمامات أردوغان سوى أنه يريدهم الحارس للأمن الإسرائيلي ومن دون أي مقابل، حيث شعر قادةُ حماس وعناصرها بالصدمة من جراء الأوهام التركية التي تبددت اليوم.
مما جعل قيادة حماس أمام حالة صادمة ودهشة وتوقع غير محسوب ونتائج كارثية جعلت حماس التي تكابر وتستمر في فرض حكمها بقوة السلاح ومزيداً من فرض الضرائب في غزة التي تعكس أمجاد الخلافة العثمانية، ليقعَ المجتمعُ الفلسطيني أمام واقعٍ جديد يفرض نفسه وحقائق واقعية باتت تؤثر على الشعب الفلسطيني ومستقبله السياسي حيث الحسابات الخاطئة المدمرة والعلاقات الضيقة التي لا تخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي.
والمؤسف أنّ قيادةَ حماس لم تكن على وعي سياسي لتدركَ طبيعة الاتفاق القائم بين تركيا وإسرائيل، والذي يعطي صلاحيات واسعة لتدخل تركيا في الشؤون الفلسطينية ويمثل بداية مرحلة جديدة لتحويل الانقسام الفلسطيني إلى حالة انفصال واقعي مُوافَق عليه إسرائيلياً، وأن كل فلسطيني يتطلع الي إنهاء الحصار على غزة وإنهاء الوضع القائم ويريد أن يصل إلى غزة المزيد من هذه المساعدات، لكن كل فلسطيني يعرف أن المصالحة التركية الإسرائيلية ليست لإيصال هذه المساعدات وأن ثمنها أكبر من دخول مساعدات.
وبعد التخلي عن حماس ووصول تركيا لأطماعها الخبيثة في القضية الفلسطينية وجدتِ الحركةُ أنه إذا تم استبدال طموحات حماس بحزمة احتياجات خاضعة للاعتبارات الأمنية فإنه لا يُعقل أن تكون تركيا وافقت على تطبيع العلاقات بما في ذلك تلك العسكرية والأمنية مع إسرائيل دون أن يكون هناك ضوابط صارمة لأي طموحات عسكرية وأمنية لحماس.
وفي المقابل لم تقتصر الأطماع التركية داخل قطاع غزة فقط بل امتدت إلى داخل العاصمة الفلسطينية مدينة القدس الشريف جراء تشيع الشبان على الهجرة لتركيا مقابل إتاحة المجال في إنشاء مقرات تابعة للحكومة التركية تحت حجة مشاريع إغاثية للشعب الفلسطيني، ليتبين بأن تلكَ المراكز تعدّ مقرات لتجمّع الحركة الصهيونية في القدس، وذلك لا يغفل على الجميع بأن تركيا تضمّ أكبر تجمّعات الماسونية في العالم، مما يسير إلى زيادة المخاوف على مستقبل القضية الفلسطينية.
والخلاصةُ تتجلي في موجزٍ بسيط يلخّص موقفَ الحكومة الإيرانية والحكومة التركية، والتي نبدأ بالحكومة التركية برئاسة أردوغان الذي يقوم ببيع الدماء الفلسطينية لإسرائيل مقابل النفوذ والقوة في المنطقة العربية، والدليل على ذلك ارتباط اتفاق تطبيع العلاقات مقابل 21 مليون دولار، وإلزام المقاومة الفلسطينية بمنع إطلاق الصواريخ على إسرائيل، والعمل على استمرار وتجذر الانقسام الفلسطيني.
ومن جانب آخر الحكومة الإيرانية التي كانت من أحد المساهمين في إنشاء وتجذّر الانقسام الفلسطيني جراء تقديم حماس في السلاح لبسط القوة في القطاع ليدفع الشعب الفلسطيني الثمن حتى اليوم، لتشير كافة المعطيات بأن كلا الدولتين كانتا سبباً رئيسياً في طمس ومحاربة القضية الفلسطينية وإنهاء مفهوم قيام دولة فلسطين، وذلك بالتزامن مع الأطماع التي تبحث عن النفوذ والقوة في المنقطة العربية معتبرين فلسطين البوابة الأسهل للمضي قدماً نحو أهدافهم الخبيثة.