/ دلبرين فارس- كاتب وصحفي
دراسةٌ مُستقطبة لمرحلة تاريخية معاصرة لصفحات التاريخ الإنساني الحافل بممارسات القتل والتدمير والتهجير، مرتكبوها حفنة من الغزاة والطغاة، قاسمهم المشترك حبّ السلطة، جمعهم أيديولوجية القتل والرغبة الجامحة في سفك الدماء، امتهنوا الإجرام والفتك بالشعوب بكل تفاصيلها، اتخذوا من الأسطورة والدين والفلسفة والعلم ستاراً لجرائمهم وتمسكهم بالسلطة، خمسة ألاف عام؛ لم تكن كافية لإشباع غريزة القتل، إنهم يتجددون باستمرار كمصاصي الدماء “دراكولا” الأسطورة الهوليودية التي لا تنتهي.
ملخص تنفيذي
عبّرت نموذج الدولتيةِ القوميةِ- كآخر حلقة تصاعدية للهيمنة الرأسمالية- عن نفسها بأنها نظام السلطة المركزية الأكثر احتكاراً لعمليات الإبادة والتطهير العِرقي، لذا يمكن القول بأنّ ولادةَ الدولة القومية كانت عسيرة جداً، أفرزت الكثيرَ من المخاض وعمليات الاستئصال. وفي الوقت الذي حارب فيه الشعب الكردي الإرهابَ عن العالم أجمع وقدم آلاف الضحايا والشهداء، تنكرَ له المجتمعُ الدولي المتمثل بالمنظمات والمؤسسات الدولية التي تدعي حقوقَ الإنسان، ولم تقم بالتزاماتها تجاه الظلم والاضطهاد والعدوان الذي استهدف وجوده كشعب أصيل يعيش على أرضه. ولايزال المجتمع الدولي يلعبُ دورَ المُشاهد لحملات التطهير والصهر والأعمال الإجرامية التي تستهدف سلامة وكرامة وهوية الشعب الكردي، كذلك استغلت الدول التي تُشكل الأسرة الدولية تشتُتَ وضعفَ الشعوب التي ترزح تحت وطأة الأنظمة السلطوية الديكتاتورية التي نصبت نفسها كسلطة الأمر الواقع فارضةً هيمنتها على كل مفاصل الحياة.
وتأتي أهمية مناقشة قضية المسؤولية الجنائية الدولية للأنظمة المركزية القوموية الديكتاتورية في المرحلة الراهنة وفقاً للقوانين والشرائع الدولية التي أجمع عليها المشرعون وفقهاء القانون والفلاسفة كونهم واضعي الأسس والقواعد لمجمل القوانين والمبادئ الدولية الراهنة بعد مرور البشرية بحربين عالميتين مدمرتين في المرحلة الراهنة، بسبب عدم قدرة الجهات الدولية على مدى قرنٍ كامل من القيام بالمهام المسؤولة عنها والواجبات الموكلة إليها، “تخلف شخص القانوني الدولي عن القيام بالتزاماته” في حماية الكيان الإنساني والوقوف بوجه كل من يهدد الوجود الإنساني ومحاسبة المعتدين عليه.
وتمثل الجرائم الجنائية الدولية، سواء من قبل الدولة ” النظام” أو الأفراد واتخاذها أشكالاً متعددةً خطراً على مصالح المجتمع الدولي ككلٍ إنساني، لاسيما جرائم العدوان والإرهاب التي ترتكب بحق الإنسان والطبيعة ، لذا فإن ضرورة تفعيل المؤسسات الدولية كقوة قانونية رادعة ومحاسبة بنفس الوقت حتمية لا بد منها، وإلا فإننا أمام انهيارٍ تام للقيم والمبادئ التي بنيت على أساسها تلك المؤسسات وسيكون كوننا مفتوحاً على صراعات وحروب لا نهاية لها في وقت وصلت فيه البشرية لمرحلة متقدمة جداً على الصعيد الفكري والعلمي والتكنولوجي كمحصلة لتطور الحضارة الإنسانية التي شاركت في بنائها كلُّ الشعوب.
وتشيرُ معظم الدراسات المتعلقة بموضوع دراستنا بأن جريمة الإبادة الجماعية، أو ما يطلق عليها جريمة إبادة الجنس البشري، إحدى الجرائم الشديدة الخطورة التي تهدد الإنسانية، لما تنطوي عليها من قسوة ووحشية تستهدف القضاء الكلي أو الجزئي على جماعة عرقية أو وطنية أو دينية أو غيرها من الجماعات. إذ تسببت هذه الجريمة في مقتل أكثر من 170 مليون إنسان على الأقل، وهو العدد الذي يفوق عدد الضحايا الذين سقطوا في الحروب التي دارت خلال سنوات القرنين العشرين والواحد والعشرين. وتنتقل هذه الجريمة من دولة لأخرى، ففي الشرق الأوسط انتقلت جرائم الإبادة من تركيا إلى العراق إلى سوريا وفي أفريقيا انتقلت الإبادة من راوندا إلى الصومال ومالي ودارفور، كذلك من كمبوديا إلى يوغسلافيا ومن بورما إلى كشمير، الأمر الذي يتضح معه عدم التفريق بين الأشخاص أو الثقافات في ارتكاب هذه الجرائم. لذا، جاءت هذه الجريمة على قمة الجرائم التي يترتب عليها تقرير المسؤولية الجنائية الدولية.
وجرائم الإبادة الجماعية تتماثل مع الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في إمكانية ارتكابهما في وقت السلم وفي وقت الحرب، والاختلاف الوحيد بينهما ربما هو إن الجرائم ضد الإنسانية تقع تبعاً للجرائم ضد السلام أو لجرائم الحرب، وتكون على صلة بها، على خلاف الحال في جريمة الإبادة الجماعية التي تعد مستقلة بذاتها، وتقع في زمن السلم والحرب على حد سواء، ولابد أن تقع ضد مجموعة بحد ذاتها بهدف إنهاء وجودها كلياً أو جزئيا. يعتبر فعل الاضطهاد الموجه بسابق إصرار وتخطيط ضد جماعة معينة محلية أو خارجية (خارج حدود الدولة) جريمة ضد الإنسانية ويشير إليها القانون الدولي تحت مسمى (نية إجرامية تمييزية).
كما إن مجرمي الحرب هم القادة والرؤساء الذين تسببوا في اقتراف جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية (انتهاكات حقوق الإنسان وحريته بصورة منتظمة) كونهم الجهة الرسمية التي فوضت وأقرت ارتكاب الجرائم، بالرغم من إن هؤلاء لا يرتكبون الجرائم بأنفسهم، بل هم الذين يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخر في ارتكابها، الأمر الذي يعني أن القانون الجنائي الدولي (محكمة الجنايات الدولية) أقرت ما يُعرف بنظام المسؤولية الجنائية المباشرة للقادة بكافة صورها، أي سواء أكان هؤلاء القادة فاعلين أصليين، أم فاعلين غير مباشرين ارتكبوا الجريمة عن طريق الغير، إما بأمر منهم، أو التحريض، الإسهام، أو مساعدة وتسهيل في ارتكابها، أو أي شكل آخر من أشكال ارتكاب فعل الإجرام.
وبناءً على ذلك، فإن صورَ المسؤولية الجنائية المباشرة لهؤلاء تتمثل في المساهمة الجنائية الأصلية والمساهمة الجنائية التبعية، والاتفاق الجنائي، أو ما يطلق عليه قانونياً (المشروع الإجرامي المشترك). من هنا يأتي ضرورة تفعيل القرار رقم (21) المتعلق بنشر القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة بنوعيها، طبقا للمادة 33/2، للحيلولة دون إفلات مرتكبي جرائم الحرب من المسؤولية الجنائية الدولية.
والمادة 18 من مشروع مدونة الجرائم ضد أمن وسلامة البشرية لعام 1996م عرفت الجرائم ضد الإنسانية وحددت صورها بأنها (الأفعال والسلوك الإجرامي المؤثم التي يتحقق بها الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية)، ويتجلى صورها من خلال الأفعال التالية عند ارتكابه بشكل منتظم أو على نطاق واسع أو بتحريض أو توجيه من إحدى الحكومات أو من أي منظمة أو جماعة، وتشمل القتل العمد – الإبادة – التعذيب – الاسترقاق – الاضطهاد لأسباب سياسية أو عنصرية أو دينية – التمييز النظامي لأسباب عنصرية أو أثنية أو دينية والذي يشمل انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للإنسان ويؤدي إلى ضرر جسيم بجزء من السكان – الإبعاد التعسفي أو القتل القسري للسكان – الاحتجاز التعسفي – الإخفاء القسري للأشخاص – الاعتداء الجنسي بكل أشكاله – الأعمال اللاإنسانية الأخرى التي تلحق ضررًا جسيمًا بالسلامة الجسدية أو العقلية أو بالصحة العامة أو بالكرامة الإنسانية مثل التشويه والإصابات الجسدية الجسيمة” حسب المادة الثانية من اتفاقية عام 1948.
الإبادة الجماعية من منظور الجمعية العامة للأمم المتحدة
جاء في القرار رقم 96 (د- 1) الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون الثاني عام 1946م إن “إبادة الجنس هي إنكار حق الوجود لجماعات بشرية بأكملها، ويتنافى مع الضمير العام، ويصيب الإنسانية بأضرار جسيمة، سواء من الناحية الثقافية أو من ناحية الأمور الأخرى التي من شأنها تهديد هذه الجماعات البشرية، الأمر الذي لا يتفق والقانون الأخلاقي وروح ومقاصد الأمم المتحدة، ولما كانت المعاقبة على جريمة إبادة الجنس هي مسألة ذات اختصاص دولي، لذلك تؤكد الجمعية العامة أن إبادة الأجناس جريمة في نظر القانون الدولي، ويدينها العالم المتمدن، ويعاقب مرتكبوها سواء أكانوا فاعلين أصليين أو شركاء، بغض النظر عن صفاتهم كحكام أو أشخاص عاديين، كذلك تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء لسنّ ما يلزم من قوانين لمنع هذه الجريمة والعقاب عليها، وتوصي بتنظيم التعاون الدولي بين الدول لتسهيل التجريم العاجل لهذه الجريمة والعقاب عليها.
اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها
تم إعداد مشروع اتفاقية دولية بخصوص منع جريمة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها، في أعقاب صدور قرار الجمعية العامة رقم 96 (د- 1) حيث وافقت عليها الأمم المتحدة الموافقة عليها بالإجماع واعتمدتها في التاسع من كانون الثاني العام 1948م، وقد أشارت الاتفاقية إلى أن ارتكاب الجريمة لا يقتصر على زمن الحرب فقط بل يتصور ارتكابها أيضاً في زمن السلم، وبذلك تعتبر الاتفاقية الأعمال التي ترمي إلى إبادة الجنس البشري جريمة دولية واجبة العقاب بغض النظر عن وقت ارتكابها، ويتحقق الركن المعنوي في هذه الجريمة حال توافر القصد الجنائي (التصريحات والأوامر والتوجيهات)، وهو ما يعني العلم والإرادة، فينبغي أن ينصرف علم الجاني إلى أن فعله ينطوي على قتل أو إيذاء أو تدمير أو قهر لجماعة معينة أو نسلها.
يقصد بـ الركن الدولي أي إن الجريمة ترتكب بناءً على خطة مرسومة من جانب دولة ضد دولة أخرى، وقد تصدرت المادة الرابعة من الاتفاقية إمكان ارتكاب الجريمة بناء على تشجيع الطبقة أو الفئة الحاكمة في الدولة المرتكبة للجريمة، أما عن المسؤولية الجنائية فقد أشارت الاتفاقية إلى التزام الدول الأطراف بمحاكمة كل من يثبت ارتكابه لتلك الجريمة ومعاقبته عليها، وكل من يتآمر أو يحرض أو يشترك أو يشْرع في ارتكابها.
المحاكم الدولية تصدت لبعض جرائم الإبادة
بالرغم من افتقار المؤسسات الأممية والمحاكم الدولية للإرادة لكنها استطاعت أن تلعب دوراً في بعض القضايا المتعلقة بجرائم الحرب والإبادة، وقد ظهر ذلك من خلال محكمة جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة حيث أصدر مجلس الأمن قراره رقم 808 لسنة 1993م وكان ضمن فقرته الأولى قرار المجلس بإنشاء محكمة دولية من أجل مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991م.
أما في رواندا فقد أصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 لسنة 1994م، بإنشاء محكمة جنائية دولية لرواندا وعلى ذات نهج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بيوغوسلافيا السابقة، مع مراعاة ما يتلاءم مع ظروف رواندا، وقد نصّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية برواندا على اختصاص المحكمة بالمحاكمة على جرائم الإبادة الجماعية، والتي تضمنت ذات الأفعال والصور المكونة للجريمة بينما عقب المسؤولون في يوغسلافيا على أساس جريمة إبادة الأجناس.
وفي عام 2001م قدمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أول إدانة لجريمة الإبادة الجماعية ضد الجينرال كريستايتش لدوره في مذبحة سربرنيتشيا عام 1995م (بعد الاستئناف وجد غير مذنب بتهمة الإبادة الجماعية ولكن بدلاً من ذلك اتهم بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية).
نماذج لجرائم الإبادة الجماعية المعاصرة
– مجازر الأرمن وما رافقها من علميات تهجير وترحيل أو ما يعرف بالمذبحة الأرمنية التي ارتكبت على يد السلطات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
– حملات التطهير العرقي و’ترحيل تتار القرم من شبه جزيرة القرم وكذلك أكراد أذربيجان والقوقاز بأمر من جوزيف ستالين كشكل من أشكال العقاب الجماعي كنوع من أنواع التعاون المزعوم مع النظام النازي خلال 1942-1943م.
– المجاعة والحصار والاسترقاق والإبادة في الشرق الأسيوي والتي ارتكبت خلال الحربين العالميين، كالمجاعات التي اُرتبكت في الهند الصينية في فترة الاستعمار الياباني لجزر الهند الشرقية الهولندية- والمجاعة والمجازر الفيتنامية عام 1945م- مجاعات كوريا الشمالية- مذبحة نانجينغ التي ارتكبت خلال الأشهر الأولى من الحرب الصينية اليابانية الثانية.
– جرائم الإبادة الإثنية في يوغسلافيا عام 1991- 1992م خلال شهري أيار وحزيران حيث تعرضت مدينة فيشكراد وهامبارين إلى حملة إبادة، حيث قتل في هامبارين لوحدها حوالي ألف شخص، بينما قتل أكثر من أربع آلاف شخص من قرية كوزاراك حيث تم إعدامهم ميدانياً، الجرائم الأبرز والأكثر وحشية كانت في مدينة سراييفو، مذبحة سربرنيتشا في البوسنة خلال شهر يوليو/ تموز من عام 1995م والتي ارتكبها الجنرال راتكو ملاديتش.
– في فلسطين ارتكبت السلطاتُ الإسرائيلية مجازرَ عدة كمذبحة دير ياسين 1948م وصبرا شاتيلا 1982م، أما في لبنان فقد ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجزرة قانا 1996م.
الغرضُ من هذا السرد المختصر جداً لفترة تاريخية قريبة شهد خلالها العالم آلاف المجازر لازالت آثارها حاضرة في الأذهان وفي ذاكرة ضحاياه، وتعكس صورة الصراعات والحروب الدائرة والمركزة في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، هو إلقاء الضوء على ما يحدث في حاضرنا خاصة، وأن الذهنية التي تدير عمليات الإبادة والصّهر هي ذاتها لم تتغير بل أصبحت تجيدُ استخدامَ التقنية في حروب الإبادة.
الإبادة تلاحقُ الشعبَ الكرديّ دونَ حسيبٍ أو رقيب
للكرد سجلٌ خاص مع حملات الإبادة والصهر والجرائم ضدّ الإنسانية حيث تتسم بحالات الانتقام والفتك، هذا الشعب تعرّض لأعتى حملات الإبادة وبكل أشكالها وصورها على يد الغزاة والسلطنات والدول التي تقاسمت فيما بينها أرضَ الكرد وسلطت عليهم بالحديد والنار، إلا أن أكبرَ المجازر وأفظعها تعرض لها الشعبُ الكردي كانت على يد الدولة التركية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، يضاف إليها المجازر التي ارتكبها النظام البعثي الصدامي منذ ثمانينات القرن الماضي. وهنا نورد بعض الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر:
تسببت سياساتُ التتريك الممنهجة والهادفة إلى صهر كل القوميات خاصة القومية الكردية في بوتقة الدولتية القومية التركية بعد الحرب العالمية الأولى بالعديد من مجازر القتل والإبادة بحق الشعب الكردي في شمال كردستان وتركيا بين عامي 1930- 1939م ارتكبت مجازر في كلٍ من (جزرة – ديرسم – كليي زيلان) .
عملياتُ النقل القسري للكرد من مناطقهم وقراهم إلى داخل تركيا ونزوح الآلاف منهم إلى أرمينيا ودول الاتحاد السوفييت بعد تدمير قراهم وحرق بساتينهم، خاصة بعد أن يفتك السلطات التركية بالانتفاضات الكردية لتنقض على الشعب العزل فيما بعد.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أمرٍ هام وهو الدورُ البارز للطغمة العسكرية القوموية في تركيا وصاحبة اليد الطولى في غالبية حملات الإبادة وبكل صورها.
حملاتُ الإبادة في العراق وجنوب كردستان
أقدم النظامُ العراقي البعثي على ارتكاب حملات إبادة منظمة (جينوسايد) بحق الكرد والأثنيات الأخرى في العراق، لكن النصيبَ الأكبر كان للشعب الكردي، وبرزت جرائم البعث الصدامي بصورة موثقة في:
ـ حملة الأنفال عام 1988م والتي انتهت بتدمير ما يقارب من 2000 قرية وقتل الآلاف من المواطنين الكرد وإجبار قرابة نصف مليون كردي على الإقامة في قرى أقامتها الحكومة ومن ثم جرى تصفية غالبيتهم ودفنهم في قبور جماعية في مناطق نائية من العراق.
ـ مجزرة حلبجة 1988م (جريمة حرب)، إذ قصف الجيش العراقي مدينة حلبجة بالغاز الكيميائي في أواخر الحرب العراقية الايرانية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 5500 من الكرد من وأصيب 7000-10000، كما مات آلاف من سكان البلدة في السنة التي تلت الهجوم نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخلقية والتي لازال البعض من الضحايا يعانون منها.
داعش سليلة أنظمة الإبادة والإجرام
المجازرُ التي ارتكبتها داعش منذ ولادتها كمنظمة لها كيانها التنظيمي وتتصرف بتخطيط، وباعتبارها منظمة ممولة تنفذ اجندات الأنظمة والكيانات الاقليمية والدولية التي تقف خلفها، مارست أفظعَ الجرائم بحق الشعوب في سوريا والعراق:
لم تكتف الدولة التركية بتدميرها للمدن في شمال كردستان خلال عام 2016 حتى وجهت مرتزقتها الذين ترعرعوا وتتدربوا في معسكرات الاستخبارات التركية إلى شمال سوريا والعراق مرتكبة عشرات المجازر ما بين عامي 2013- 2018م، كانت أبرزها المجزرة التي ارتكبت بحق الكرد الإيزيديين في 4 أب 2014م في جنوب كردستان وبتواطؤ محلي وبتوجيهٍ خارجي، تلك المجزرة التي أرتقت لجرائم الابادة العرقية والأثنية والتي راح ضحيتها أكثر من 5000 كردي إيزيدي، وخطفت المئات من النساء والأطفال، كذلك المجازر التي ارتكبتها داعش في سوريا كتلك التي حصلت في قريتي تل حاصل وتل عران وقرى منطقة الباب والتي يقطنها الكرد، كذلك المجازر التي ارتكبتها داعش وبدعمٍ وتواطؤ مباشر من طرف النظام التركي الذي خطط ودعم ومول مجمل ممارسات داعش في سوريا خاصة تلك الموجهة لشمال سوريا (المجزرة التي ارتكبت عقب تحرير مدينة كوباني والتي ذهبت ضحيتها 300 شخص كان بينهم عوائل بأكملها، ناهيك عن المجازر التي ارتكبتها ربيبات داعش في عموم سوريا والمجازر التي ارتكبتها قوات النظام السوري، ناهيك عن عشرات المجازر التي تندرج تحت بند جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية بكل صورها.
عفرين من الحصار إلى الاحتلال المباشر
بعد سبع سنوات من حصار عفرين وما رافقها من التهديدات واقتلاع بساتين الزيتون وتحريب ممتلكات السكان العزّل الأمنين، أعاد النظامُ التركي تكرارَ مجازره بحق الشعوب العزل “المدنيين” أثناء هجومها على عفرين واحتلالها، وقد ارتكبت قواتُ الاحتلال التركي أكثر من 12 مجزرة موثقة خلال الغارات الجوية والقصف المدفعي المكثف طيلة 58 يوماً راح ضحيتها العشرات من المدنيين. أغلب هذه المجازر استهدفت المدنيين من الأطفال والنساء، ناهيك عن قتل المدنيين في القرى التي احتلتها الجماعات المرتزقة المرافقة للجيش التركي والعديد من مقاطع الفيديو والصور أثبتت ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي .هنا لسنا بحاجة إلى المراجع والمصادر، فنحن اليوم شهودٌ على حملات الإبادة والتهجير القسري التي اشتهرت بها أسلاف دراكولا العصر، نشهد اليوم ومنذ 20\1\ 2018 الوجه الدموي القديم الجديد للدولة التركية الطورانية التي تأسست على جماجم الكرد والأرمن والآشوريين والسريان والعرب، وليس من باب التعجب والاستغراب إن الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها الدولة التركية وأدواتها أمام أعين ومسامع المؤسسات والمحاكم والمنظمات الدولية أجمع دون أن تكترث لحقيقة الكارثة الإنسانية التي تسبب بها نظام أردوغان، بالرغم من تقديم المنظمات المدنية والحقوقية ومراكز رصد الانتهاكات والاعتداءات في شمال سوريا وخارجها بتقديم مئات الوثائق والثبوتيات والتي من شأنها تجريم الرئيس التركي أردوغان وطاقمه الحاكم بصفته مجرم حرب والمشرف والمدير على مجمل الممارسات والأفعال الإجرامية التي ارتكبت وترتكب في عفرين المحتلة، وذلك حسب اتفاقيات جنيف الأربع ( 1949) وبموجب البروتوكولين الملحقين في عام (1977) ونظام روما الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية ( 1998) واتفاقيتي لاهاي.
نتيجة
إن الفوضى العارمةُ المستشرية في البلدان والمناطق الأم للمدنية المركزية تُظهر للوسط حقيقةَ إفلاس الدولتية القومية وتشاطر السلطة، بكل نواحيها، هذه الفوضى أسقطت كافة الأقنعة التي تنكرت لها الدولة القومية في كلٍ من العراق وتركيا كأكبر قوتين مركزيتين خلال المرحلة السابقة مارستا الإبادة والتطهير العرقي في الشرق الأوسط، وكُشِف للملأ بأن العنف والإرهاب ومجازر الإبادة التي لا تعرف حدوداً تتغذى على هذه المصادر وتترع في كنف أنظمتها الاستبدادية.
وتشكلُ الدولةُ التركية بنظامها القمعي الحاكم مصدرَ قلقلٍ متزايد تهدد السلم والأمن الدوليين في المقام الأول كونها تؤسس لمشروع إرهابي على أرضها وتمتد بفروعها إلى بقية دول العالم حيث تتخذ “الإرهاب” من تركيا قاعدة أساسية في تمويل نشاطاتها أفعالها الإجرامية في معظم دول العالم وأوروبا خاصة.
كما إن الإرهاب والابادة تهدد المجتمعات الانسانية التي ترزح تحت وطأة أنظمة الدول القوموية الشوفينية في زمنٍ وصلت فيه المنظمات المعنية بحماية الانسانية وقيمها من الزوال لدرجة الحضيض في التقاعس وعدم المسؤولية تجاه المهام الموكلة إليها، أمام موجة الطغيان الحاصلة في الشرق الأوسط الذي أنهكته الحروب، وفي وقتٍ فاضت فيه أروقة وسجلات الأمم المتحدة بكل هيئاتها ومنظماتها بالدعوات والقضايا الجنائية الدولية وجرائم الحرب ضدّ الإنسانية التي أفرزها الصراعُ خلالَ العقود الأخيرة من القرن الواحد والعشرين.
قائمة المراجع والمصادر:
1- عبدالله أوجلان: مانفيستو الحضارة الديمقراطية، المجلد الخامس “القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية”.
2- حسنين عبيد: الجريمة الدولية
3- خالد السيد: دراسة عن جريمة الإبادة الجماعية.
4- مارتون شو: الابادة الجماعية (مفهومها، وجذورها، وتطورها وأين حدثت.
5- سوسن تمرخان بكة: الجرائم ضد الانسانية في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
6- مواقع الكترونية: دراسات وأبحاث عن جرائم سلطات البعث في العراق وجنوب كردستان.
7- الموقع الالكتروني لوكالة هاوار: متابعات ورصد للأوضاع في شمال سوريا وعفرين.
8- الدعوة القضائية الصادرة عن منصة الحقوقيين السوريين في شمال سوريا والمقدمة لمحكمة الجنايات الدولية – 6 أيار 2018.