زاخو اليوسف
أريد أن أبدأ من مقولة القائد عبد الله أوجلان التي تقول بأن ( أول حرب بدأت في تاريخ البشرية هي الحرب التي أعلنت ضد المرأة من قبل الرجل )، في الحقيقة إذا ما عدنا إلى الأساطير والميثولوجيات القديمة سنرى حقيقة هذه المقولة بأسطع الأشكال، ففي إحدى الأساطير التي تم كتابتها قبل الآلاف من السنين يتم التوقف على حادثة تمت بين الإلهة تيامات وإبنها، حيث يستخدم فيه إبنها كل أشكال العنف الجسدية والتعذيب، والذي يعبر عن المرحلة التي يتطور فيها حاكمية الرجل والنظام الأبوي، هذا بالإضافة إلى أن الأبحاث التاريخية والآركولوجية في موزوبوتاميا والتي تخفي في داخلها الكثير من اللغز تؤكد على أن المعابد السومرية هي أول الأماكن التي تم فيها تطوير الفحوش، ففي ملحمة جلجاميش يمكن رؤية ذلك بشكل واضح وهو استخدام فتاة موجودة في إحدى المعابد من أجل جذب أنكيدو الذي يعيش في الغابات و تعمل هذه الفتاة على ترويضه عن طريق التأثير عليه بأنوثتها ليصبح بعدها الصديق الحميم لجلجاميش، يعني إن المعابد هي أولى المؤسسات التي استخدمت النساء كفاحشات من أجل مصالح الطبقة الحاكمة، والنساء هن أولى المتعرضات في التاريخ للعنف الجسدي والنفسي.
واذا كان العنف قد تحول إلى نظام يحكم كل خلايا حياتنا وترسخ في ما تحت شعور البشرية لهذه الدرجة، يعود إلى الأساليب الفظيعة التي استخد مها النظام المستبد وحقيقة الدولة المعتمدة على الحاكمية البطرياركية للرجل، بحيث نفذ العنف إلى أعماق سيكولوجة الإنسان، وتحول إلى ذهنية أو حتى إلى أمر لايمكن الاستغناء عنه، بحيث يتم حل أو العمل على حل كل شيء عن طريق العنف.
بالطبع العنف مازال كما في بدايته مطبوع بطابع الرجل، حيث حقيقة تنظيم الجيوش والأسلحة والعساكر باتت ملتحمة بحقيقة الرجل، فكل قواد الحرب بدءاً من ماردوك وسارغون هتلر، صدام، وحتى يومنا الراهن جورج بوش كلهم رجال، وكل المؤسسات الموجودة في النظام العالمي بدءاً من الدولة وحتى العائلة تديرها العنف، ليتحول العالم إلى غابة يديرها القوي من الناحية العسكرية، وحقيقة الجبروت الأمريكي والإسرائيلي يعود إلى هذا السبب بالطبع، وإذا كان اليوم يتم الفزع من هذه القوى ليس لأنهم يقدمون خدمة من أجل الإنسانية، وإنما لأنهم يملكون أسلحة أكثر دماراً، ومن هذا يمكننا القول بأنه كلما يتم تصعيد العنف يتم الإبتعاد عن الطبيعة الإنسانية ومن يستخدمون العنف لتخويف البشرية فهم بطبيعة الحال أكثر الأُناس بعداً عن الحقيقة الإنسانية. والفوضوية التي تعيشها الإنسانية والإنحطاط والأزمة الموجودة مربتط بالدرجة الأولى بهذه الحقيقة.
والجدير بالذكرهو إن العنف تم ممارسته في البداية ضد النساء ولكن لم يقتصر عليهن فحسب، بل أصبح بلاءً على الإنسانية كلها، حيث الحروب تحصد يومياً الملايين من الناس الأبرياء إن كان بالأسلحة أو بطرق أخرى ، ولكن ما لم يتغير ولآلاف السنين هو إن النساء ولحد الآن مازلنا متعرضات للعنف أكثر من الرجال، ولم يتخلصن بعد من هوية المغدورة والمضروبة، في حين الرجال يتعرضون لعنف الحرب فقط، فإن النساء وكونهن نساء يتعرضن يومياً للإهانة والشتم، في البيت مازالت الكثير من النساء تتعرضن للضرب يومياً من قبل أزواجهن أو أبائهن أو من قبل اخوانهن، وكونها إمرأة فخروجها إلى الشارع يكون تحت ضغط نفسي لأن في كل لحظة يمكن أن يواجهها رجل يقوم بالتعرض لها بحركة ما أو بالتحرش بها بشكل أو بآخر، هذا بالإضافة إلى ما تعانيه من ضغط في العمل من قبل أرباب العمل و……الخ، يعني أن المرأة تكون في مجتمعنا وبشكل دائم تحت ضغط إجتماعي وقانوني وذهني فظيع، والعنف الممارس ضدها يكون منظماً جداً لأنه يمارس بشكل رفيع ومخفي، بحيث الكشف عنه يكون صعباً للغاية حيث يقوم كل آليات المجتمع البطرياركي بحمايته، العادات والتقاليد والقوانين، الدين، أي كل المعطيات تشرع هذا العنف للرجل.
العنف كظاهرة في مجتمعنا باتت من أكثر الظواهر التي يجب أن نقوم بمعالجتها، حيث يؤثر وبشكل فظيع على العلاقات الموجودة وعلى كل ما يدور من حولنا، حيث اللغة الحاكمة في المشاكل الإجتماعية يتم معالجتها بالعنف من قبل الأسرة، سواءً مع الأطفال أم النساء، المشاكل الوطنية أيضاً يتم العمل على حل المشكلات بالحروب فالقضية الكردية والقضية الفلسطينية هي خير دليل على ذلك والتي تودي يومياً بحياة العشرات من شبابنا، كذلك نرى بأن العالم يعمل على حل المشاكل الاقتصادية عن طريق الحرب كالحرب العراقية_الأمريكية التي تستهلك المئات من الأبرياء، والشيء الفظيع والخطير في هذه المعادلة المستحيلة الحل، هي أن قيمة الإنسان تصبح رخيصة وبخسة كثيراً أمام ظاهرة العنف، لدرجة أن كل شيء يصبح أكثر قيمة من الإنسان في مجتمعنا، لأن الحرب تسرق يومياً أرواح الناس، ووصل لدرجة أن تصريح وسائل الإعلام عن مقتل مئة عراقي أو ما هنالك من أخبار، يتم تلقيها من قبل الناس وكأنه أمر طبيعي ويمر عليه جميعناً مرور الكرام، ألا يعتبر هذا أبشع جريمة يتعرض لها ضمير الإنسانية، وهو ضياع الشعور والحس الإنساني، نعم هذا ما يخلقه العنف ونظامه اللعين في ذاتنا، بالطبع المسألة ليست مقتصرة على الحروب فقط بالنسبة للمرأة لأن الأماكن التي لا تتواجد فيها الحروب أيضاً تتعرض فيها النساء يومياً للعنف.
بما أن أكثف أنواع العنف تمارس ضد النساء إذاً علينا أن نقوم بتحليلها بشكل علمي، درجة تأثيره على نفسية المرأة ، على الرجل الذي يمارس العنف، على الأطفال الذين تطبعهم العائلة بطابعها، إن إرتجاف المرأة أمام محاكمة الرجل في كل لحظة في مجتمعاتنا، تفرض علينا التفكير على الكثير من الأسئلة الحياتية، وهي إلى أي درجة يمكن أن يكون مجتمع سليم من الناحية النفسية والعقلية…؟ وإلى أي درجة يمكن أن يكون أطفال هذا المجتمع واعيين وإراديين…؟ إلى أي درجة يمكن أن يكون هذا المجتمع ديمقراطي…؟ إلى أي درجة يمكن الحديث عن الحرية والثقافة…؟ هل يمكن أن يدافع هذا المجتمع الهشّ والمتخلف عن نفسه ضد الهجوم الإيديولوجي والسياسي والثقافي والعسكري…؟ إذاً المسألة لها أبعاد كثيرة، إننا كشعوب الشرق الأوسط إذا لم نعمل على فهم هذه العقدة كأداء لا يمكننا الحديث عن بناء مجتمع ديمقراطي أكولوجي معتمد على التحرر من النظام البطرياركي.
ففي مدينة ميريفان الإيرانية إذا ما تقوم أسبوعياً كل امرأة بقتل نفسها أما بالحرق أو بشكل آخر، وتطور تجارة النساء يومياً في تركية بحيث أصبحت شركات الفحوش من السياسات الأكثر تداولاً، وقتل إمرأتين في حمص المدينة السورية بإسم حماية الشرف دون أن يعاقب القوانين المجرمين لأنه مباح في قانون العقوبات السورية، وعدم تمكن النساء من السير في الشارع العراقي خوفاً من الإغتصاب، يعبّر عن التراجيدية الموجودة في منطقتنا، في المكان الذي يتعرض فيه النساء للقتل العام هل يمكن أن نتحدث عن الدين، الوطنية، عن الشرف، عن الحرية، في الحقيقة إن المجتمع الذي يتعرض نساءه لكل هذه الانتهاكات، هل يمكن أن يتحدث عن الذكوري العصري، ألا يجب أن نتشكك بهذه الذكورية…؟ كلها أسئلة علينا أن نجاوب عليها بشجاعة، وإلا فإن اللعنة ستحل علينا إن شئنا أم أبينا، وإننا لن نتخلص من المأساة التي نعيشها يومياً، ولكن دعك من إعطاء الجواب، حتى مناقشتها ممنوع في بعض المجتمعات، ففي إيران الفتاة التي تنتحر نتيجة الضغط التي تتعرض عليها من قبل المجتمع بشكل أو بآخر، لا يشارك أحداً في مراسيم دفن الجنازة، لأنه أمر غير أخلاقي في نظرهم، في حين لا يسأل أحد ما هي المرارة التي تجعل هذه الفتاة في ربيع عمرها تجعلها أن تتحمل مرارة وألم وحرق كل خلية في جسمها، وحتى أمها لا تقوم بالبوح بكلمة عن إبنتها نتيجة الخوف، ليحكم صمت الأموات على الجميع، وهذا نفس الشيء بالنسبة لكل الشرق الأوسط، ألا يعني هذا وأد النساء في القرن الواحد والعشرين…؟.
نعم إننا أمام معضلة إجتماعية فظيعة، تحمل في داخلها كل مشاكل مجتمعنا، الجهل، الفقر، اللاعدالة الموجودة في الدساتير، النظام المتعفن، والعائلة المفلسة، والذهنيات الرديئة، هذا يعني إننا بحاجة إلى إعادة البناء لكل ما نضع عليه إسم القيم، القوانين، العائلة المقدسة، وأن نحقق التغيير في العقد الإجتماعي الذي ينظم حتى الآن علاقاتنا، وهذا الدور يقع على عاتق المنظمات والأحزاب المؤمنة بأن وضع المرأة هو المعيار الأول لدرجة الديمقراطية في المجتمع، في الحقيقة إن الوعي الجنسي لدى النساء، يعتبر ذو أهمية عظيمة من أجل مواجهة الإيديولوجيات والنظريات التي تبيح العنف ضد النساء، هذا بالإضافة إلى أن وجود إيديولوجية تحرر المرأة يعتبر أمراً لابد منه، لكي تتمكن النساء من حماية حقوقهن أمام الصراع الإيديولوجي الذي يعيشه العالم في المرحلة الراهنة، والأمر الآخر الذي نحن بحاجة إليه كنساء هو وجود تنظيم يوحد قوانا الفكرية والمعنوية وصهرها في بوتقة واحدة، لأن التنظيمات والأحزاب الموجودة معظمها تدار من قبل الرجال وللأسف الشديد، لذلك هناك حاجة ضرورية لبناء تنظيمات خاصة بالنساء، سواءً كانت منظمات المجتمع المدني أم التنظيمات السياسية التي تعمل على مشاركة النساء في مراكز صنع القرار، أيضاً على النساء أن تخلق تنظيمات الدفاع المشروع التي تمكنها من الدفاع عن حقوقها المدنية وهو تشكيل لجان حقوق المرأة، هذا بالإضافة إلى إكساب النساء الوعي والتدريب الذي تمكنهن من القيام بالدفاع عن أنفسهن ضد اعتداءات الرجال الجسدية والمعنوية، كالمعالجة الصحية والمعنوية وغيرها من التدريبات الجسدية، بالطبع دور المنظمات هي إكساب النساء الثقة بذاتهن، وهي من أشد الحاجات للنساء، والإصرار في النضال يعتبر أيضاً من الخواص الأساسية المتطلبة في النضال التحرري النسوي، هذا وتضامن النساء المادي والمعنوي يعتبر قوة عظيمة بالنسبة للنساء.
إننا كنساء اذا ما قمنا ببناء نظامنا يمكننا أن نواجه الأنظمة المستبدة التي تحرمنا من أبسط حقوقنا، وإلا فإن المرأة التي تفقد الفكر والتنظيم والنظام المستقل بها إنها ستكون محكومة للنظام الأبوي لا محال، يمكن أن تكون البداية صعبة ووعرة، ولكن أيوجد أصعب من العيش طوال العمر تحت نير الخوف والعبودية…؟ أعتقد بأنه لا يوجد أي صعوبة تضاهي ألم ومرارة فتاة تحرق نفسها، لذلك ما علينا نحن النساء هو السير دون تردد من أجل تعيين قدرنا بأنفسنا وتحرير أرواحنا لنجعلها تنطلق وتشق الأفق، وأن نترك أصواتنا تحطم جدار الصمت التي تلف ملايين النساء، فنعتق إرادتنا من كل أنواع العنف والإستبداد.