أبحاث ودراساتافتتاحية العددغالية الكجوانمانشيتملف العدد 61ملف المرأة

الثورة الديمقراطية تُدوَّن بأنامل المرأة السورية

 غالية الكجوان

 غالية الكجوان

إنَّ ما يترجم الواقع المعاش والحالة العميقة والأصيلة لشعوب المنطقة, هو نتاج فلسفة الأمة الديمقراطية التي أظهرت الإرادة الحقيقية لجميع المكونات والأطياف في العيش المشترك, والأخوة الوطنية والروابط الإنسانية، بعيداً عن أجواء التعصب والتمييز والنزاعات الجائرة بكل أشكالها، هذا إلى جانب اصطحابها بألوان ثقافة المرأة الثائرة والمناضلة لنيل الاستقلال بكل أنواعه, وفي كافة مجالات الحياة الحرة التي هي اليوم تدوَّن وتُرسم  بأنامل السوريات اللواتي عشن مراحل عصيبة ومشتتة نتيجةً لسياسات الأنظمة الحاكمة والنابعة من الذهنية الذكورية والرؤية المجتمعية للأنثى، وتأطيرها ضمن الاتحاد النسائي الذي لم يكرِّس سوى دوره النمطي والعبودي التابع للسلطة، ولذلك لم تسنح الفرصة لهنَّ بتخليد نضالهن، وإن صح التعبير, لم يكتب التاريخ ما سطّرته المرأة السورية من أمجاد وبطولات عبر تاريخها, وإلى يومنا هذا الذي يشهد أهمية وقدسية ثورة الحرية التي قامت بها، متحديةً الأزمة العالقة والحرب الشرسة والأعنف في البلاد, إلَّا أن انطلاقتها من الوهلة الأولى كانت محطّ تقدير وفخر, وإنجازاتها بارزة على المستوى العالمي والإقليمي, وتُعتبر الأسمى والأرقى من طراز مسيرتها النضالية، حيث استمرت بخطوات راسخة لتغيير المسار النمطي والأفق الضيق لنهج الثورة السورية, وتحويلها لثورة ديمقراطية “ثورة المرأة”.

باتت الثورة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا الحل الفعلي والأساسي لكافة المشاكل والقضايا العالقة في سوريا، إذ حققت آمال وأهداف أبناء وبنات سوريا، ومثَّلت الإرث الحقيقي للتاريخ وللروح الثورية والنضالية التي هدفت إليها الثورة السورية، لتكون الأجدر والأولى خلال عملها الدؤوب في تغيير المسار الاستبدادي الذي انتهجته حكومة دمشق بسياسات نظامها المركزي من جهة، ومن جهة أخرى لتغيير الأداة الإجرامية المرتهنة لعقلية المرتزقة الاحتلالية. وإذا نظرنا بعين التحليل السياسي في الداخل السوري ووضع كل منطقة في سوريا, وفي ظل وجود الكثير من الدول والقوى المتداخلة في شأنها وعلى جغرافيتها، فسنجد أن ذلك يدل على الواقع الذي يفرض نفسه, وهو نقطة تلاقي الدول المركزية, ورؤية ترابط مصالح قوى الهيمنة العالمية الموجودة بكل أشكالها على الأرض, والتي هدفها منع تطور إرادة الشعوب وتقسيم سوريا, وتفريق مكوناتها وتمزيق أطيافها العريقة، وإجهاض كل المشاريع والحركات التحررية الهادفة لترسيخ السلام المستدام، ولإفراغ الوطنية الحقيقية من جوهرها وتكريسها في سبيل المفاهيم القومية المزيّفة، فالوطن أصبح ظاهرة أو خريطة سياسية مرسومة للتجزئة والتقسيمات غير الواقعية الأصيلة لتاريخ سوريا.

إن الوطنية الحقيقية في الظروف الملموسة في وقتنا الحالي قد تجسّدت في مقاومة النساء السوريات، وظهرت على شكل النضال والحرية بالمعنى الجوهري في قلب الصراع الدموي، ومنها صنعن الأمل والنصر رغم  الحرب والخراب, ويحملن على عاتقهن حل القضية العالقة وسط الظلام السياسي منذ اثني عشرة سنة حتى أصبحن نوراً وجزءاً من ثورة الشعب السوري الصامد ضد النظام الدكتاتوري، وهنَّ السبَّاقات دائماً من أجل التغيير الديمقراطي المنشود, وتحقيق النهضة السورية في ظل الظروف المعقّدة والتحديات الصارمة من الأزمة المعاشة، حيث يعود هذا الوجود البارز والإثبات الرائد لحالة الوعي والإدراك السياسي الحقوقي الاجتماعي والثقافي، وكيفية صياغة شكل استرجاع حقيقة جوهر تاريخ المرأة السورية واستكماله بثورة ربيع الانتفاضة الشعبية السورية، فالتحول كان من المظاهرات والمسيرات التي شهدتها مدن ومناطق سوريا, ولكن بأسلوبٍ وطريقة وفكر ديمقراطي مميَّز ومختلف وبشعارات وطنية, وبروح المقاومة الحقّة التي نادت بتغيير بنية النظام الجائر, ونيل الحرية بالعدالة والمساواة، وفي المقابل وُوجِهت بالقمع والرفض القاطع وبالرصاص الحيّ الذي لم يفرّق بين أطفال ورجال ونساء الوطن اللواتي أصبحن جريحات وقتيلات ومعتقلات وأسيرات الحراك السلمي، وبلغة الفخر هنَّ صانعات المجد وتاريخ سوريا المستقبل.

وحينها ومازال شعور الألم وحالة القهر البائس والإجرام الوحشي الذي لايُوصف ولايمكن التعبير عنه، إلى جانب ذلك آليات وقوانين الجلّاد الحاكم من الاستبدادي إلى المرتزق الذي لا يرحم ولا يعرف الحقوق الإنسانية والأخلاقية, وما بالك بحقوق الحياة السياسية الطبيعية للمرأة، فاتّباع سياسة التعتيم والجهل وانغلاق الحياة الاجتماعية بأبسط مفاصلها، جعلها سجينة العادات والتقاليد السلبية والجارحة لسوسيولوجيا الحرية التي تُعتبر هدف الكون بكل طاقاته، وبعكس ذلك جعلها أداة جنسية منتجة ومستهلكة بكل ما يعنيه المعنى، فربَّةُ المنزل لا تعني الأم الآلهة والمقدّسة، فالسطو والاستغلال الذكوري بطرق وأساليب الكهنة والأديان, وخاصة الديانة الإسلامية المحرَّفة, لم تعطِ الحقّ الكامل والعادل للمرأة, وأبسط مثال على ذلك نهج الإرهاب الداعشي “نهج خيانة الإسلام الجوهري” في ذلك الزمان الذي لا يُنسى, ويذكر دائماً من شدة الوجع والصبر معاً، فكان حينها ضعف وقتل واستسلام المرأة المسالمة البريئة، لا يقبله الضمير والوجدان الحيّ والعقل المجتمعي في الذاكرة التاريخية التي لعبت دور الحسم والنقطة الفاصلة لانطلاقة الحس والإدراك الديمقراطي الحرّ, الذي وُلد من رحم وقلب المأساة والإبادة الأليمة للمرأة في ظل النعش الداعشي المستمرّ, بعقلية وغيمة المرتزقة الاحتلاليين الذين يتجهون نحو الزوال والفناء، لتشرق شمس الحرية الساطعة في سماء الخلود الأبدي لنفوس المحبّات والعاشقات لنبض ولذة لحظات الحياة الحرة بكامل محطاتها وألوانها الجميلة, وبنفس الوقت المُفعم بحيوية الإصرار والعزيمة في جبهات المقاومة النسوية لحماية ثورتها وإرثها النضالي، والدفاع عن وجودها بالاستمرار والحفاظ على البقاء في سبيل العيش الرغيد والكريم، ومن أجل ذلك دفعت الثمن الأغلى لتكون الضحية الأولى في دوّامة الحرب والإرهاب وآلام النزوح والتهجير، ومرارة التحديات والعوائق التي تقف عائقاً في درب حريتها، حتى إن عيدها العالمي في الثامن من آذار قد توّجته بالكفاح والمقاومة التي لا تلين ولا تخشى المخاطر مهما أثقلت هموم الحياة عليها, وبالرغم من كل هذا جعلت عنوان عيدها هذا العام “المرأة, الحياة, الحرية” نحو ثورة المرأة، نحو إثبات ذاتها وتنظيمها المميز من الرئاسة المشتركة التي أبهرت العالم إلى كيانها الخاص الرائد على كافة المستويات والمجالات الكامنة والقيمة.

وهذا يعني بأن كل المراحل التاريخية الراهنة والمعاناة العميقة والفوضى البينية التي مرت بها البلاد، لم تكن لتلبية أهداف وآمال النساء السوريات، ولكن بميلاد هذه الثورة وتحويلها اليوم إلى “ثورة الديمقراطية” بجميع مكوناتها وأطيافها ومنذ انطلاقتها من روج آفا إلى كافة المناطق الفراتية التي تشهد اليوم أنها بطليعة وريادة المرأة قد حققت إنجازات ومكتسبات عظيمة سطّرها التاريخ, وأثبتت أنها ليست لنساء وشعوب شمال وشرق سوريا فقط, وإنما لجميع أبناء الشعب السوري، وهذا يدل على أنها سائرة لترسيخ الديمقراطية اللامركزية والحياة الحرة الحقّة في مناطق الداخل السوري, الذي مازال يعاني ويناشد ويأمل بالتغيير والإصلاح عبر بناء “الفيدرالية ” نظام الإدارة الذاتية بمبادئ الحرية والهوية الوطنية السورية، فهي الخلاص الوحيد والبوّابة الرئيسة لحلّ الأزمة السورية عبر رؤية ومبادئ حزب سوريا المستقبل, الذي رسم ملامح سوريا الديمقراطية بأنامل المرأة السياسية, وليس سوريا التقسيم والانفصال المرتهن بنكهة الذكورة المهيمنة والاستعمارية في سياسة الأنظمة الرأسمالية والدول القومية التي هي مضادّة لتحرر الشعوب, والمرأة المضطهدة روحياً وفكرياً, وبذلك لتكون قادرة على قيادة المجتمعات وحاكمة عادلة في مواقع صنع القرار, ومصدر الإلهام, ومنبع الحل والجواب الصائب لجميع القضايا والاعتقادات الشائكة، لتصبح لائقة وطليعية بتمثيل الإرادة الحقيقة في سيادة الدولة السورية الديمقراطية، فحقيقةً هذا ما نسعى ونطمح إليه في مجلس المرأة العام لحزب سوريا المستقبل الذي يحمل الرسالة الوطنية والرؤية السياسية وأمانة الحرية, التي هي بمثابة أهدافه وأولى أولوياته تجاه النساء السوريات.

غالية الكجوان ناطقة مجلس المرأة العام لحزب سوريا المستقبل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى