افتتاحية العدد

افتتاحية العدد 38

تمهيد

لقد كان وما زال الصراع محتدماً ما بين الشرق الأوسط والغرب، وخاصة في القرن العشرين،  وكانت تداعيات هذا الصراع واضحة المعالم منذ مئة عام حتى الآن، وتحوّلت نوعية هذا الصراع منذ القدم حتى بداية القرن الواحد والعشرين، وقد دأب المستشرقون أبداً على تحليل الشرق بزاوية غربيّة، وباتوا يشرحون إيجابيات وسلبيات الشرق من خلال المفهوم الأخلاقيّ الغربيّ، ومن هنا ظهرت الطامة الكبرى، فما هو أخلاقيّ في الشرق قد يكون غير أخلاقي في الغرب، والعكس صحيح، وبالتالي بات السؤال المطروح؛ ما هي مصداقية المستشرقين؟ وما هي أهدافهم؟ وهل استطاعوا أن يحلّلوا هذه الروح الشرقيّة؟ وهل عالجوا هذه الروح الشرقيّة بمقاييس شرقيّة أم بمقاييس الغرب؟ ولماذا لم يدركوا أن الشرق يجب يُدرس بأساليب شرقيّة؟؟؟!!

ومع ظهور النيوليبرالية، التي أظهرت الغرب كمركز للكون، وباتت نهاية التاريخ تحوم أفكار المفكريين الحداثويين أمثال فوكوياما، التي أزّمت الموقف وزادته خطورة، وبعد ظهور فكرة صراع الحضارات وتصادمها حسب هنتغتون، وما أدّى ذلك إلى ويلات على الشرق الأوسط، فقد طرح مفكّرون أمثال نعوم تشومسكي أسئلة واضحة؛ فلماذا فكرة الصدام ولماذا فكرة الصراع؟ وكيف ستكون الغاية نبيلة إذا كان الأسلوب غير أخلاقي يعتمد على العنف والظلم والقتل والتهجير…

لقد ظهرت نظريّة الدولة القوميّة المستوردة من الغرب، وبات من الواضح فشل هذه النظريّة التي أدّت إلى الحربين العالميتين، وهذه الحرب العالميّة الثالثة التي يعيشها الشرق الأوسط على وجه الخصوص عبر الكارثة السوريّة.

فما الذي استطاعت أن تحقّقه هذه الدولة القومية في الغرب حتّى تحقّقه في الشرق؟ بعد أن تآكلت هذه النظرية في الغرب عبر الاتّحاد الأوربي، وعبر سقوط جدار برلين، وبات البحث عن بديل آخر لهذه النظرية همَّ الرأسماليّة قبل أن تكون همَّ الشعوب المتطلّعة إلى الخلاص، إلى نظريّة تحقّق التوازن في الغرب نفسه، لكنّ السؤال المحيّر المطروح؛ لماذا لم يتخلَّ معظم المفكرين في الشرق عن نظرية الدولة القوميّة مع أنّها السبب الرئيس لكلّ مآسي الشرق الأوسط؟ ومع أنّها نظرية لم تخرج من لدن الشرق قط؟

إنّ سياسة القطبين قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وسيادة القطب الواحد قبل الثورة السوريّة وثورة روجآفا، والتوافق الروسي الأميركيّ مهما كانت نوعيّة هذا الاتّفاق؟ قد حدّدت الآفاق المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، وانحصر الصراع ظاهريّاً على خط كركوك – البحر المتوسط في الأراضي السوريّة، لكنّ الصراع الرئيس هو صراع الذهنيّة؛ ذهنية الشرق وذهنية الغرب، ذهنية المؤثّر والمتأثّر، ذهنية المجتمع الديمقراطيّ الأخلاقيّ السياسيّ أمام تغوّل وتجبّر ترسانة الحداثة الرأسماليّة وطيشها، فالهجوم من ناحية والدفاع من ناحية آخرى، ويبدو فيما يبدو أنّ الحداثة الرأسماليّة بدأت تنظر إلى الأمّة الديمقراطيّة في سوريا على أنّها الحلّ الناجع أمام تدهور الكون برمّته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى