افتتاحية العدد 31: لغة الأمة
هيئة التحرير
تتداول بدائل الحل في الشرق الاوسط كما البحث ببوصلة في وسط صحراء ترفض قبائلها الاستقرار إلا تحت ظل شجرة نخيل دال على عراقة صحوتها في الحياة. ربما سميت كافة اشكال المجموعات البشرية باسماء مختلفة لدى الحاجة إلى شكل هذا التكوين في مرحلة معينة، ولكنها بلغت أقسى درجاتها في مرحلة التدول كشكل هيمنة على المجتمع وليس ادارة كما نقشت في ذاكرتنا. رغم تقديم الامم والشعوب تضحيات لا تقدر بثمن ومنها باسم القومية او العلم او الحدود السياسية ولكنها فقدت هذه المرة الكثير من غناها الاجتماعي تحت ظل سواد مفاهيم بقيت الى اللحظة دخيلة عليها، ومنها القوموية والجنسوية والدينوية والعلموية. هذه النزعات وليدة ذهنية الحداثة الرأسمالية التي انخرت في عظام الديمقراطية الى حد منحدر الموت للقوة الطبيعية للجسد الاجتماعي الحي بقيمه الطبيعية. لا انكار في اصابته بعدوى التسلط والهيمنة، والمناقشات على الحلول مازالت على قدم وساق، لأن الصراعات والنزاعات التي تعانيها المنطقة تفرض حلا جذريا لا مؤقتا وفق مصالح أحفاد الملوك الآلهة إلى الحين كما تم فرضها من قبل بعض القوى الخارجية والأقليمية.
تأكدت المجتمعات من خلال ما آلت اليه من نزيف مميت بأن احياء قيمها الديمقراطية عبر احياء الثقافة المجتمعية الطبيعة باتت ضرورة حياتية بعدما طفح الكيل تحت سيادة انظمة ديكتاتورية وانتفاضها في الربع الأخير من هذا القرن. التمرد والعصيان تجاه النظام الدولتي لم يعد كافياً إن لم تجد الامم طريقة حل بديلة كما شهدتها الكثير من البلدان في العالم على شكل اتحادات ومقاطعات وادارات ذاتية ديمقراطية. هناك أسباب عديدة لحرمان الشرق الاوسط من هذه السبل للحل، واهمها التجزئة باسم الدولة القومية “النظام الدولتي” والنعرات الطائفية والمذهنية والشوفينية، والاقتناع بان التنوع لا يجلب سوى التجزئة والضعف وفق ما تدعيه الحداثة الرأسمالية والتي تحاول فرضه عمليا عبر مشروع الشرق الاوسط الكبير، على عكس حقيقة هذا التنوع الغني الذي تشهده منطقتنا وهذا هو المصب الذي تجتمع فيه كافة الاسئلة الجارية في عقولنا.
مشروع الامة الديمقراطية هو مشروع اللغة المشتركة للامم في الشرق الاوسط وهذا ما اشار اليه قائد الشعب الكردي “عبدالله اوجلان”، حيث طرح مشروع الامة الديمقراطية كمشروع حل في الشرق الاوسط وباسم “مشروع اتحاد الامم الديمقراطية في الشرق الاوسط”. يسعى الشعب الكردي في روج افا الى تطبيق هذا المشروع عبر نظام الادارة الذاتية الديمقراطية والذي اصبح له تجربة في شكل الإدارة التي يتخذ فيها المجتمع بكافة مكوناته واطيافه دورا رئيسيا في ادارة نفسه بنفسه مثل لون قوس قزح، وهذا هو الامثل بالنسبة الى جميع شعوب المنطقة، كون هذا المشروع استطاع اعادة ارادة وقوة المجتمع، والشعب الكردي كان مثالا في ذلك عبر نجاح ثورته ضد اعنف اشكال الارهاب في العالم والمتمثل في داعش وأمثاله، وهذا الخيار يبدو الوحيد لتحقيق مجتمع ديمقراطي حر ليس في سوريا فحسب في عموم الشرق الاوسط حتى نعود الى الاصل قبل ما تأكلنا نار ذهنية الدولة القومية.