افتتاحية العدد 22: الربيع في ثنايا الوحدة
هيئة التحرير
من بعدما دق ربيع الشعوب على الطبول معلنا عن قيام الثورة في الشرق الاوسط، والمحافل الدولية والاقليمية للقوى الحاكمة لم تغلق ابوابها في الجدل على كيفية حصاد محصول هذه الثورة. من اوسع الابواب التي تسعى هذه القوى وبقيادة الولايات المتحدة الامريكية أن تصل من خلالها الى مآربها هي التشتت والتجزئة التي يعاني منها المجتمع مع قوته المعارضة في الشرق الاوسط، وبالأحرى عدم وجود قيادة ايديولوجية وفكرية قادرة على توحيد صفوف جميع التعدديات الموجودة في كل بلد اوسطي. الغنى والتعدد في منطقتنا من انشط عوامل الوحدة الوطنية ولكن في راهننا يستخدم هذا العامل للتفرقة والتشتيت، وكأن شوط المسابقة الان هو للفوز بكرسي السلطة، رغم كل التجارب والدروس التاريخية التي لا تكاد صفحات الكتب تملأها.
تحاول الحداثة الرأسمالية عبر القوى الحاكمة محاصرة واعاقة كل السبل المؤدية الى تحقيق الوحدة الوطنية لشعوب الشرق الاوسط، وخاصة عبر التسلل الى صفوف الحركات الشعبية وقوى المعارضة عبر مخططات ومشاريع تصب في حوض مشروع الشرق الاوسط الكبير، وهناك الكثير من الامثلة الحية وخاصة منذ ان بدأت الحركات الشعبية في اغلب البلدان العربية والشرق الاوسط بلم شملها تحت سقف واحد. لكن مازالت صفوف المعارضة التي تدعي البديل للأنظمة الديكتاتورية وللسياسة الغربية تعاني من تجزئة وعدم وحدة الكلمة والقرار، وحتى انها لم تتخطى مفهوم الاحراز بالسلطة بدل من المطالبة بتحقيق الديمقراطية عمليا. من المحال بناء نظام مركزي تحت لواء قومية واحدة ولغة واحدة ونظام مركزي لا ديمقراطي في أي بلد من بلاد الشرق الاوسط من الان فصاعدا، وقد بات ذلك حلما لمن يحلم به امثال اردوغان المتسلط على رقاب الشعب الكردي وقضيته وقيادته بسلاح الاسلام السياسي المتواطئ ومحاولاته في تشتيت الصف الكردي.
من دون البحث في حقيقة التجزئة الموجودة بين صفوف شعوب المنطقة وقواها السياسية وعلى راسهم الصف العربي والكردي، لا يمكن تخطي الاشكاليات التي تصيبنا من قبل قوى النظام الرأسمالي واعوانه في كافة الميادين الحياتية في راهننا. فعلى سبيل المثال لا يمكن دمقرطة سوريا من دون توحيد صفوف مجتمعها بكل تعددياته وهوياته الثقافية وتوحيد صفوف المعارضة اعتمادا على سياسة ديمقراطية، أو تهميش أية قوى سياسية للأخرى والانفراد بوحدها في السلطة مثلما تحاول البعض من قوى المعارضة تحقيقه بالاعتماد على بعض القوى الاقليمية والدولية. للوحدة الوطنية الديمقراطية في الشرق الاوسط اهمية بالغة في خضم الظروف الراهنة، وإذا لم تواجه سفينة ربيع الشعوب في الشرق الاوسط امواج الحداثة الرأسمالية وهجماتها المضادة للمقاومة الشعبية بشراع الوحدة الوطنية، فلن تتمكن السفينة من مصارعة الدوار والنجاة من الغرق.