هيئة التحرير
ان تضارب الأفكار والآراء بخصوص الديمقراطية وسبل تحقيقها ليست بمسألة جديدة، وكم من طرق البحث عن حقيقة هذا المصطلح ازدحمت لتتوارى بين صفحات الحرب احيانا والسلام في اخرى. ظل بحث الفلاسفة والحكماء دائم عن ميزات هذا المصطلح والذي شعرت الشعوب والمجتمعات بضرورة تحقيقه اكثر من الجميع. ومازالت الانسانية لن تعكف عن تحقيق هذا الانجاز في جميع اصقاع العالم وعلى رأسه الشرق الاوسط، لانه عان الكثير من جراء فقدانها قرون طويلة، وما نهوض الانتفاضات والحركات الشعبية في الاعوام الاخيرة في الشرق الاوسط إلا تعبير وبنوع من الشفافية عن ضرورة انبعاث وتعزيز الديمقراطية الحقيقة ولكن ليس على شاكلة ما تفصله ذهنية الحداثة الراسمالية والنظام الغربي، لانها تبذل قصارى جهدها في سبيل انشاء انظمة تصفها بالديمقراطية وذلك بتتويجها بالانتخابات البرلمانية ومدى الفوز باغلبية المقاعد فيها او اعطاء الفرصة الكاملة للحريات الفردية وذلك لاطفاء صبغة ديمقراطية وكأن هذه السياسة هي الجديدة من نوعها في العالم، ولكن كلنا نعلم بمدى تاثير الديمقراطية الليبرالية التي تروج لها هذه الانظمة وتصدعاتها في كافة الميادين وعلى راسها الميدان السياسي ليس في المجتمع الشرق الاوسطي بل في المجتمع الغربي ايضا.
يبدو من الطور الثاني للاحتجاجات الصاخبة في شوارع العديد من البلدان العربية والشرق الاوسطية حتى من بعد تحقيق العملية الانتخابية وتشكيل حكومات جديدة بان البنية السياسة الديمقراطية لم تتعزز بعد، ودلالة على وجوب اعادة النظر في سبل انجازها عبر سياسة ديمقراطية صائبة وخاصة من بعد التاكيد على فشل سياسة الدولة القومية والتي ادت بدورها الى تعقيم المجتمع في الشرق الاوسط. ان ممارسة سياسة ديمقراطية بحاجة الى تفعيل دور جميع فئات المجتمع وعلى راسها دور المراة في كافة الميادين الحياتية واتخاذها قوة رئيسية في عملية الدمقرطة. وما من سياسة بمكانها ان تكون ديمقراطية من دون اتخاذ المجتمع قوة رئيسية وتحوله الى قوة في نفس الوقت. ان تهميش الفرد والمجتمع في عملية التغيير الديمقراطي او ممارسة ديمقراطية ليبرالية لا يعني سوى تحطيم ارادتهما.
لذا فهناك حاجة ماسة الى ممارسة سياسة ديمقراطية راديكالية حتى تعبر المجتمعات بكافة شرائحها عن نفسها بحرية. وكذلك إذا لم تستطع التعدديات والاقليات التعبير عن نفسها ولم يكن مبدأ الاعتراف بالاخر هو الاساس في اي تغيير، فهذا يعني عدم وجود سياسة ديمقراطية صائبة، ويبدو هذا في العديد من بلداننا التي تعاني من التشتت والنزعات الاهلية والطائفية. لا يمكن تسيير سياسة ديمقراطية بدون وعي ديمقراطي واجتماعي وثقافي، وإذا ما بلغ اي شعب الى هذه السوية من الوعي فبمكانه ادارة نفسه بنفسه وتحقيق مبدا الاعتراف بالاخر ويتحول غنى التعدديات الى لبنة حية لانبعاث مجتمع ديمقراطي، كما يبدو بوادرها في نضال الشعبين العربي والكردي اليوم. حيث يسعى الشعب الكردي الى ممارسة سياسة ديمقراطية وذلك عبر انشاء نظام معتمد على المجتمع ويحتوي على جميع شرائحه واقلياته القومية والدينية والاثنية. ويبدو ذلك في طرح السيد “عبدالله اوجلان” الذي تقدم به كمشروع حل القضية الكردية حلا ديمقراطيا في الاونة الاخيرة. وكون الشعب الكردي من اكثر الشعوب التي تعرضت للانكار وتحطيم الارادة على مدى قرون طويلة، لذا فهو خير المدركين باهمية السياسة الديمقراطية لتحقيق مجتمع ديمقراطي حر، كما في مثال انشائه لنظام الادارة الذاتية الديمقراطية في غرب كردستان والذي بمستطاع الكثير من المجتمعات والشعوب ان تاخذه مثلا في تطبيق نظامها.
إذا ما اعتمدت اية سياسة على تحويل المجتمع الى قوة رئيسية فعالة في عملية الديمقراطية، فلا بد لها من النجاح وحل جميع قضاياها حلا ديمقراطيا، كون السياسة الديمقراطية فن ادارة المجتمع باحسن الاشكال اعتمادا على حقائقه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية. كما ان السياسة الديمقراطية تبادل وتعاون وروح وشعور مشترك لا يتعالى فيها اي قوم او فئة او دين او معتقد او مذهب على اخر، وما الشعوب المسحوقة خير المدركين بهذه الحقيقة على حد تعبير المثل القائل الخيل اعرف بفارسها.