نص الحوار الذي أجرته مجلتنا مع عضو الهيئة الرئاسية لمنظومة المجتمع الكردستاني ” KCK” السيد “مصطفى قره صو” حول دور الحركة التحررية الكردية بقيادة السيد “عبدالله اوجلان” في تطوير سياسة ديمقرطية في كردستان والشرق الاوسط.
لقد ظهر حزبكم “حزب العمال الكردستاني” كحركة ثورية تحررية في تركيا اعوام السبعينات والذي كان العالم يمر فيها بتغييرات جذرية، ما هي نوع السياسة التي اتبعتموها ودورها في تصعيد وتيرة السياسة الديمقراطية في كردستان والشرق الاوسط؟
بلا شك لم تكن حركتنا التحررية هي الوحيدة في الشرق الاوسط آنذاك، بل كانت هناك حركات تحررية وديمقراطية واشتراكية ويسارية اخرى ايضا. حيث اتصفت تلك الاعوام بولاء اهتمام وتقدير للمناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية والاشتراكية. بالطبع وكانت الحركات التحررية الديمقراطية والاشتراكية مستمرة بكفاحها في عموم الشرق الاوسط وعلى راسه العالم العربي وتركيا وايران، إلا انها عانت الكثير من الاخطاء والنواقص داخلياً، وذلك بسبب اعتمادها على ذهنية وبراديغما الغرب في الحرية والاشتراكية والديمقراطية، وتأثرها الكبير بالمجتمع الغربي وثقافته البعيدة عن استوعاب حقيقة المجتمع في الشرق الاوسط. لذا فان عدم ادراك حقيقة الشرق الاوسط اصبح عائقا امام نجاح هذه الحركات نجاحا متفوقا بالرغم من انها حققت تطورات هامة، ولكن الابتعاد عن ادراك حقيقة المجتمع في الشرق الاوسط وتحقيق عمليته شكل بؤرة من اللاحل.
لقد اثرت التطورات العالمية هذه على PKK ايديولوجيا ونظريا وعمليا منذ تأسيسه، اي لم تبقى الحركة التحررية الكردستانية بمعزل عن مؤثرات هذه البراديغما بذهنيتها وفكرها ونظريتها وسياستها وعمليتها كسائر الحركات الاخرى، إلا انها اتصفت بمزايا مختلفة عنها منذ النشأة كما ذكره القائد “آبو” في احدى مرافعاته ايضا. حيث تحلت بطابعين اساسيين وهما الطابع العصراني-الغربي من جانب والطابع الشرق الاوسطي من جانب اخر. كانت حركتنا ومنذ ظهورها مدركة وقريبة من حقيقة وقيم المجتمع في ذات القائد “آبو”. وبالطبع كانت للاشتراكية المشيدة وبراديغما الغرب في الحرية والديمقراطية تاثير على فكر قائدنا، لكنه بقي على الدوام مستقل في فكره وعمله، ولا يسير وفق الصيغ الكتابية حرفيا، حيث لم يكن كسائر الاشتراكيين واعضاء الحركات الاخرى الذين كانوا يلجؤون الى مقتطفات من كتب ماركس وانجلس ولينين وستالين لتعميم افكارهم في كل الجلسات والندوات، بل اتخذ من فكره اساسا في مسيرته حتى وإن لجأ احيانا الى افكار القادة الاشتراكيين كمقياس. لم يكن القائد يتقيد بأية قوالب وبقي قريبا من الحقيقة الاجتماعية منذ البداية، واعتمد عليها في تركيا وكردستان والشرق الاوسط لدى تناوله هذه القضية وثابر على تطوير فكره ضمن هذا الاطار، اي كان صاحب فكر دياليكتيكي بحقيقة شخصيته هذه. وبالطبع تحولت خصوصيته هذه الى خاصية اولية لـ PKK والذي من خلالها استطاع ان يؤثر على المجتمع في فترة وجيزة ويتحد مع مفهومه في الحرية والديمقراطية. وقد اجتمع الشعب الكردي حول قائده عندما وجده قريب من حقيقته وقيمه.
ان قرب الحركة من حقيقة الشرق الاوسط ومن الحقيقة الاجتماعية لكردستان وتركيا ايديولوجيا ونظريا وتنظيميا ساعدها على التجمهر والتطور سريعا. حيث بدى ومنذ اعوام السبعينات ملامح تطور هذه الحركة لتتخطى حدود كردستان وتركيا لتشمل الشرق الاوسط عموما. لقد أثر القائد “آبو” وPKK على المجتمع الكردي عبر الدفاع عن الحق والعدالة والمساواة والحرية وبمواقف مبدأية واصرار شديد، بسبب تعرض المجتمع الكردي للظلم والطغيان والممارسات اللانسانية. لذا نجد بان الحركات التحررية والديمقراطية الحقة والديمقراطيين الاحرار كانوا على مقربة من القائد والحركة التحررية الكردية منذ البداية، ومثلما تطور PKK في كردستان استطاع عقد علاقات مع الحركات الثورية الاخرى أثناء توجهه الى لبنان. وقد وجدت الحركات التحررية والاشتراكية الديمقراطية في الشرق الاوسط وعلى راسها الحركات الفلسطينية في لبنان وفلسطين ومنذ البداية بان له طابع تحرري وديمقراطي واشتراكي مختلف، ووثقت وآمنت بوفاء ومبدأية واصرار القائد والحركة في الكفاح التحرري الديمقراطي. كما أيد PKK ومنذ الخطوات الاولى التطورات الثورية في ايران اثناء قيام الثورة الاسلامية، وهذا ما ادى بدوره الى لفت انظار قواها السياسية المختلفة الى مدى جدية مواقفه ووقفته. ان السبب في تمركز الحركة تحت قيادة القائد “آبو” في لبنان منذ لحظة خروجها وتقوية وتوسيع التنظيم فيها يعود الى طابعها التحرري الديمقراطي، وعزيمتها النضالية. وإذا ما سُأل الذين تعرفوا على القائد والحركة آنذاك فسيذكرون هذه الحقيقة لانهم صدقوا عليها، وكانوا واثقين بانها ستصبح منظمة كبيرة وستناضل بكل عزيمة واصرار، وسيؤكدون على انهم شاهدوا هذا البريق والاصرار منذ ذاك الحين. لذا فلم تتعجب المنظمات الفلسطينية والفلسطينيين الذين تعرفوا على الحركة انذاك من تطور وتعاظم نضالها في كردستان والشرق الاوسط، ويعترفون بانهم كانوا على دراية بجوهر الحركة هذه. ولم يجد الفلسطينيون هذه الحقيقة فحسب، بل وجدها كل الثوريين بانتماءاتهم المختلفة في لبنان.
كانت حركتنا بقيادة القائد “آبو” تشدد على اخوة الشعوب بذهنية اممية منذ ذلك الحين، ودعت الى تحقيقه، وهنا بالطبع عندما نشير الى الاممية لا نعبر عن ممارسة الاشتراكية المشيدة للاتحاد السوفيتي او الصين وعن الذين كانوا تحت تاثير هذه الممارسة كليا ويطبقون اقوالها وافعالها بدوغمائية بحتة. نجحت حركتنا بمواقفها المستقلة تجاه هذه المفاهيم بخاصيتها الذاتية والمتكافئة مع طبيعة التحرر والديمقراطية والاشتراكية وفق مسارها وهويتها ودافعت عن الاممية وسعت الى تحقيقها ضمن هذا الاطار. واستطاعت ان تكون مثلا ايجابيا في تاثيرها على القوى المنادية باخوة الشعوب في الشرق الاوسط الذي كان بحاجة ماسة اليه، الى جانب تاثيرها على المواقف الدوغمائية وسلوكيات بعض القوى التي كانت تنسى هويتها لدى التعامل مع القوى الاخرى.
اما الخاصية الهامة الاخرى لـ PKK فهي خاصية التنظيم، اي تتخذ القرارات من بعد المناقشة والتداول ضمن اطر تنظيمية، حيث كان القائد “آبو” يستشير برفاقه دائما ويسعى الى تكوين جو ديمقراطي اثناء اتخاذ القرار، وهذه الخاصية لقيادتنا كانت من اكثرها تاثيرا على التنظيم، وبه تحول التشاور وتبادل الافكار والاراء الى ثقافة تنظيمية وحياتية للحركة. لذا فلم تتوان الحركة ومنذ ظهورها عن عقد اجتماعاتها كاحدى ضروريات هذه الثقافة الى جانب عقد مؤتمراتها وكونفرانساتها واجتماعاتها الادارية بشكل دوري الى راهننا. لذا فان الحركة ترعى وتولي اهتمام كبير لنظامها الداخلي ولقرارتها، ويبدو بانها المنظمة الوحيدة التي تعقد كونفراساتها ومؤتمراتها في زمانها وتحول نظام قراراتها الى ثقافة حياتية ليس في تاريخ الشرق الاوسط بل في العالم ايضا. ولهذا دوره ايضا في ترسيخ ثقافة ديمقراطية جديدة في الشرق الاوسط.
ما هي الاسس والمبادئ التي تعتمد عليها حركتكم لممارسة سياسة ديمقراطية في مواجهة الابادة الممنهجة بحق الشعب الكردي وحركته وقائده منذ عقود؟
السياسة الديمقراطية سياسة تستند على المجتمع وتأخذه كاساس في التنظيم، لذا فان PKK ومنذ بدايته اتخذ من انضمام المجتمع الى السياسة مبدأ اوليا له، وذلك من خلال تنظيمه وجعله القوة الفاعلة الرئيسية وليست المجهولة فيها. وبه استطاع تحقيق ثورة ديمقراطية وثقافية واجتماعية متداخلة مع المجتمع، ولم ياخذه كمسند له، بل كقوة رئيسية وعلى علاقة وثيقة به عبر ثقاقة التنظيم لتحوله الى جزء لا يتجزء من مسيرته النضالية حتى وإن لم يكن جميع فئات المجتمع كاعضاء رسميين اي ككوادر محترفة في الحركة. لقد كانت هذه الثقافة موجودة منذ السنوات الاولى من نضالنا وحتى بعد تطور حرب الكريلا ايضا ليتخذ المجتمع دوره الفعال في هذه المسيرة ولم تفقد الحركة اهتمامها بهذا الجانب ابدا.
ان الانتفاضات التي تحققت في اعوام التسعينات كانت من نتاج هذه السياسة التي اتخذت من المجتمع اساسا، وبه حدثت تغييرات هامة في المجتمع، حيث تحققت الثورة الديمقراطية والاجتماعية والثقافية والوطنية ايضا. سطر الشعب الكردي اسمى البطولات بارادة حرة في اعوام التسعينات مع تحقيق الثورة الاجتماعية والديمقراطية والثقافية بعدما كان المجتمع الكردي خاضع لامرة الاغوات والشيوخ والبكوات، الى جانب ظهور حقيقة شعب مناضل ومنظم بارادته الحرة وحامي قيمه الاجتماعية. وهنا لا يمكننا التغاضي عن الدور الرئيسي لمفهوم تحرير المرأة الذي تبناه القائد “آبو” وبذل جهودا عظيمة وولى اهتماما بالغا لتطويره منذ اعوام الثمانينات في ظهور حقيقة شعب بهذا الشكل، كون هذه الجهود كانت السبب وراء انضمام المرأة الى الانتفاضات وقيادتها في اعوام التسعينات، وبذلك زاد تطور البنية الديمقراطية للمجتمع. ان نهوض المرأة الكردستانية وانضمامها بامل الحرية الى النضال بارادة وفكر حر ولعب دورها السياسي، طور الطابع التحرري الديمقراطي للمجتمع، وبه تصاعد مقاومة المجتمع الكردي ضد الهجمات المعادية وانضم الى النضال السياسي بقيادة PKK.
ترسخ مفهوم السياسة الديمقراطية وذهنيتها على اسس اجتماعية حقيقة مع انضمام جميع افراد العائلة وفئات المجتمع برجاله ونسائه وشبابه واطفاله الى النضال وتحولهم الى جزء فعال من جوهر النضال السياسي. لذا زاد تاثير تطور السياسة الديمقراطية بعد التسعينات في كردستان، وخرج النضال والفكر السياسي من كونه عمل الكوادر والقادة والفدائيين، لظهور حقيقة مجتمع جديد عبر نضاله السياسي الفعال. اي يمكننا ان نصف اعوام التسعينات بمرحلة اعادة بناء المجتمع الكردي على اسس الثورة الديمقراطية والاجتماعية والثقافية. كان هناك اختلاف كبير بين حقيقة المجتمع الكردي قبل اعوام التسعينات وبعدها، فمع تحقيق الثورة الديمقراطية تبدل شعوره وثقافته وذهنيته وهدفه وحتى معنى حياته. حيث تحولت فلسفته الحياتية التي لم تتخطى نطاق المعيشة اليومية واستمرار نسله الى فلسفة حياة نضالية لاجل تحقيق الحرية. وهذا بدوره ساهم في تقوية حقيقة المجتمع الديمقراطي والسياسة الديمقراطية المستندة على هذه الحقيقة، الى جانب تقوية قيادتنا وحركتنا ايضا. ويمكننا ان نجد مدى قوة السياسة الديمقراطية في كردستان من خلال الدور النضالي الفعال للمرأة في كافة الميادين وعلى راسها الميدان السياسي ومدى تاثيرها على المجتمع وكذلك من خلال دور الشبيبة والقرويين المحرومين والعجائز في تفعيل هذا الميدان. في الحقيقة ان السياسة الديمقراطية وحقيقة المجتمع الديمقراطي من العوامل الرئيسية لتقوية اي مجتمع او منظمة او حركة، فلا المال ولا السلاح ولا اية امكانيات اخرى بمكانها ان تستجيب بقدر تحقيق السياسة الديمقراطية. ان تنظيم المجتمع وانضمامه الى السياسة يحوله الى قوة، وغير ذلك سيتحول الى آداة دعم فحسب. لذا استطاعت حركتنا التصدي لكافة الهجمات الدولية وليست التركية فحسب ضد الشعب الكردي من خلال ممارسة سياسة ديمقراطية اعتمادا على المجتمع، وقد بدى ذلك من خلال موقف الشعب الكردي ووقفته العظيمة ضد المؤامرة الدولية، حيث ابدى موقفا تخطى موقف الكريلا وكوادر الحزب، ولم يتراجع عن التضحية بكل غال في سبيل قائده، واستطاع افشال هذه المؤامرة بالالتحام مع القائد والحركة بشيبه وشبابه ونسائه واطفاله. اما الذي نهض بالشعب الكردي وجعله صاحب هذا الموقف فهو مفهوم المجتمع الديمقراطي لـ PKK الذي استجاب له المجتمع الكردي، لانه وجد من تبني ودعم حركته وقائده تبني ودعم لنفسه في نفس الوقت ايضا، وبذلك استطاع اعاقة نجاح المؤامرة الدولية ضد القائد والحركة.
ماهي العوائق التي تشكلها سياسة قوى الحداثة الراسمالية والاقليمية في تسيير سياسة ديمقراطية في الشرق الاوسط، وانتم كقوى مطالبة بتحقيق سياسة ديمقراطية ما هي العوائق التي تواجهكم على وجه الخصوص؟
يحاول نظام الحداثة الراسمالية التحكم بالشرق الاوسط، وبدونه لن يتحول الى نظام حاكم في العالم، لذا ترفض وجود شعوب ومجتمعات ذو ارادة حرة مستقلة ولا تقبل بقوى سياسية معادية في الشرق الاوسط. ومن جانب اخر يحاول استمرار هيمنته عبر قوى متعاونة مستسلمة ومتواطئة في المنطقة، لهذا فانها تتصدى لكافة انواع الممارسات السياسية الديمقراطية التي تتخذ من المجتمع اساسا وتحوله الى قوة عبر مفهوم ديمقراطي، كون بناء المجتمع المنظم بسياسة ديمقراطية وتحويله الى قوة، يعني انهاك قوى الحداثة الراسمالية والتصدي لها. بالمستطاع التصدي للقوى الامبريالية من خلال ممارسة سياسة ديمقراطية استنادا على المجتمع الديمقراطي وبناء مجتمع يتحلى باراة حرة مستقلة. وهذا ما تدركه هذه القوى خير ادراك. فلا يمكن التصدي للامبريالية ومناهضة الحداثة الراسمالية بالقول فقط، لانه عندما كان هناك قطبين في العالم سابقا، وجدت قوى تصف نفسها بالقوى المعادية للامبريالية اعتمادا على القطب الاشتراكي او تقول بانها من القوى المعادية للقوى الخارجية اعتمادا على قوى اخرى، إلا انه لا توجد الان امكانية ذلك. لمناهضة الامبريالية اليوم واتخاذ موقف مستقل يجب ممارسة سياسة ديمقراطية وبناء مجتمع ديمقراطي والتحول الى قوة سياسية بالاعتماد عليه. لا يمكن للذين لا يعتمدون على السياسة الديمقراطية وعلى حقيقة المجتمع الديمقراطي ان يتصدوا لاية قوى خارجية، علما باننا نشاهد هذه الحقيقة في الشرق الاوسط. فهناك البعض الذين يدعون بانهم ضد الدولة الفلانية وضد القوى الامبريالية وامريكا، ولكن ظهر للعيان بانه لا يمكنهم التصدي لاية قوى بالقول.
ستنهار الانظمة والسلطات التي لا تعتمد على المجتمع كما يحدث الان في الشرق الاوسط، وهذا ما تأكدت منه قوى الحداثة الراسمالية ايضا. فلا يمكن للقوى التي لا تعتمد على المجتمع والشعب والسياسة الديمقراطية ان تتصدى لقوى الحداثة الراسمالية، فاما انها ستنهار او ستتحول الى قوى متواطئة ومتعاونة معها. ولهذا السبب فان قوى الحداثة الراسمالية تعادي القوى التي تعتمد على المجتمع والسياسة الديمقراطية بارادة حرة ومستقلة من امثال PKK، ولم نكن غريبين عن هذه الحقيقة طوال اعوام مسيرتنا النضالية. لا توجد مواجهات واحتكاكات مباشرة بين PKK وامريكا والغرب، ولا حرب ضد امريكا والغرب وقوى الحداثة الراسمالية، ولكن PKK والشعب الكردي يواجهان اكبر العداءات من هذه الجبهات، والسبب الرئيسي يعود الى اتباع القائد “آبو” و PKK سياسة ذاتية مستقلة وبارادة حرة مستندة على تقوية المجتمع وعدم الخضوع لسيطرتها السياسية. وهذا بدوره يؤدي الى اثارة غضبها، لانه لو تطور هذا المفهوم في الشرق الاوسط فلا يمكنها الاستمرار فيه ولا ايجاد اعوان لها، بل وستظهر مواقف وذهنية سياسية تحول المجتمع الى قوة استنادا على السياسة الديمقراطية. وهذا يعني فقدان قوى الحداثة الراسمالية دورها في المنطقة، وحتى ان كانت هذه القوى والبلدان الغربية تتحدث كثيرا عن الديمقراطية، لكنها لا تريد ديمقراطية راديكالية وسياسة ديمقراطية اصلا، وتشن الهجمات وتحيك كافة انواع المؤامرات ضد القوى السياسية التي تسعى الى ممارسة سياسة ديمقراطية حقيقية. لو كان هناك ديمقراطيون واحرار حقيقيون ضمن هذه القوى فكانوا سيتقربون من الشعب الكردي على مبدأ الصداقة وبدرجة عالية من المسؤولية والشعور والاحساس، وكانوا سيساندون النظام الديمقراطي الذي يحاول الشعب الكردي تحقيقه بالاعتماد على حقيقة المجتمع الديمقراطي والذهنية الديمقراطية بدلاً من دعم ومساندة تركيا والقوى السياسية الاخرى التي تهاجم الشعب الكردي الذي يهدف الى بناء هذا النظام الديمقراطي. ولاضعاف PKK تدعم تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني، وحتى ايران وبعض الدول الاخرى ايضا ابدت مواقف مشابهة وإن لم يكن مباشرا إذا ما تطلبت مصالحها ذلك، ويتفقون ضمنيا ضد PKK.
ينبع كل ذلك في الحقيقة من مساعي PKK في تحويل المجتمع الى قوة بذهنية وبراديغما جديدة في الشرق الاوسط، وكذلك من ممارسته سياسة ديمقراطية في تنظيم المجتمع. كما ان هذه القوى خائفة من حل PKK القضايا الموجودة بسياسة ديمقراطية اعتمادا على اخوة الشعوب، لان المجتمع سيصبح قوة بهذه الطريقة، وإذا ما تم حل القضايا اعتمادا على اخوة الشعوب فستفقد الحداثة الراسمالية قوتها في الشرق الاوسط، وبهذا فلا يمكنها استغلال نقاط ضعف المجتمع ولا زرع العداوة والفتن بين صفوفه، لذا فانها تستهدف كافة القوى والحركات التي تمارس السياسية الديمقراطية المعتمدة على المجتمع وتحيك كافة انواع المؤامرات للايقاع بها.
يبدو بان الشعب الكردي بقيادة حركته التحررية الشعبية يمثل اهم قوى التغيير المطالبة بتحقيق نظام كونفدرالي ديمقراطي في الشرق الاوسط، كيف يمكن تخطي العوائق الموجودة امام هذه القوة كما في مثال مطالب الشعب الكردي في سوريا في سبيل ترسيخ هذا النظام، وماهي السياسة المتبعة لتحقيق ذلك وفق رايكم؟
ان الشعب الكردستاني من الشعوب المناضلة والمنظمة اعتمادا على السياسة الديمقراطية بقيادة PKK اليوم في الشرق الاوسط، ولا يسعى الى تغيير ودمقرطة نفسه فحسب، بل يسعى الى تغيير الشعوب والمجتمعات والبلدان التي يعيش فيها بطابعه الديمقراطي ويحثهم الى تحقيق الديمقراطية. ان الشعب الكردي بثورته الديمقراطية من القوى الديمقراطية الديناميكية في الشرق الاوسط، وقد بات واضح مدى تاثير الحركة التحررية الديمقراطية في شمال كردستان على تركيا، لانه يمثل قوة رئيسية في دمقرطتها وتطورها. حتى وإن كانت تعاني اليوم من مخاضات في تطبيق الديمقراطية وتطور ذهنيتها وتفرض الديمقراطية نفسها كضرورة، فالسبب يعود الى كفاح الحركة التحررية الكردية، وخاصة نضال النسوة الكردستانيات اللواتي اصبحن العمود الاساسي في دمقرطة المجتمع التركي. ان المراة الكردية اليوم من اهم القوى الديناميكية في المجتمع، وهذا بدوره يبين مدى شمولية الديمقراطية والحرية في المجتمع الكردستاني. ان ما تعيشه المراة الكردستانية يثير اعجاب ودهشة جميع الذين يتابعون الشارع الكردي عن قرب، حتى وان كان الساسة الاتراك بعيدين عن انعكاس ذلك ميدانيا. حيث بات المجتمع الكردستاني يقبل ريادة المراة الكردستانية في الميدان السياسي والميادين الاخرى ايضا. كذلك ان شعور جميع الاقليات الاثنية والدينية بالحرية في كردستان مع تطور حركة المراة باتت حقيقة لا مفر منها، ولا يمكن لاحد غض النظر عن ذلك إلا إذا كان اعمى اوعديم الشعور والضمير.
واليوم الشعب الكردي في غرب كردستان يتقدم بنضاله التحرري الديمقراطي في الشرق الاوسط، وهناك ثورة ديمقراطية واجتماعية وثقافية عظيمة في هذا الجزء من كردستان. فأي مجتمع في الشرق الاوسط حقق ثورته الديمقراطية والاجتماعية والثقافية في بناء المجتمع الديمقراطي بهذه السوية؟ واي مجتمع تقدم بسياسة ديمقراطية لتحقيق دمقرطته بهذه الطريقة؟ وفي اي مكان من الشرق الاوسط يوجد التسامح والتبادل والتعاون بين الاقليات الدينية والاثنية مثلما عليه غرب كردستان؟
يسعى الشعب الكردي في غرب كردستان الى بناء ادارته الذاتية اعتمادا على سياسة ديمقراطية يتضمن جميع التعدديات الاجتماعية. بالطبع انه لتطور مذهل في وحدة التعدديات لتقوية ارداتهم وصون وجودهم. حيث يعيش كل من العرب والسريان والارمن والاشوريين بحرية في غرب كردستان، وما يعيشه هذا الجزء من حرية واخوة وتسامح مثال حي على السياسة الديمقراطية للشعب الكردي. قد توجد اخطاء ونواقص ولم يصل الشعب الكردي الى تحقيق مجتمع ديمقراطي وفق براديغما القائد “آبو” والسوية التي تبتغيه الحركة التحررية الكردستانية، إلا انه انجز مكتسبات هامة بالرغم من النواقص الميدانية. حيث بُنيت المجالس الشعبية والمحلية والاتحادات في كل المناطق والاحياء والقرى، والمجتمع هو صاحب القرار في عمله ويحل قضاياه بنفسه. اي تتطور عملية ديمقراطية مستقلة عن الدولة والسلطة وحتى هناك رفض قاطع للمتسلطين وجميع انواع التسلط. هناك ادارة ذاتية ديمقراطية تعتمد على تنظيم المجتمع نفسه بنفسه، وليس فصل منطقة او طرد الدولة وبناء حكم جديد بدلا عن حكمها، بل يعني تقوية وتنظيم المجتمع ذاتيا. اي هناك ادارة ذاتية يتخذ فيها الشعب قراراته ويلبي اعماله بارادته الذاتية الحرة. هذا من جانب، ومن جانب اخر ينبغي على افراد كل مجتمع الانضمام الى هذه الادارة بقوته التنظيمية، اي ينبغي ان ينضم العرب والسريان والارمن والاشوريين بشكل منظم الى هذا النظام. ان الادارة الذاتية تعتمد على تقوية وتنظيم المجتمع اعتمادا على السياسة الديمقراطية وذلك لتحقيق مجتمع ديمقراطي.
بالطبع الطابع الديمقراطي هذا لا يؤثر على سوريا فحسب، بل سيؤثر على التطورات في الشرق الاوسط ايضا. حيث يشكل هذا الطابع الان ديناميك دمقرطة سوريا، ومثال لمجتمع ديمقراطي. وهذا ما سيؤثر بدوره حتما على تكوين سوريا الجديدة، وعلى العالم العربي الناهض والشرق الاوسط. فشعوب المنطقة الان تتصدى القوى الحاكمة والسلطات، ولا تقف ضد حكامها فحسب بل ضد قوى الحداثة الراسمالية ايضا. فهناك عصيان عربي، ولكن الافق ضيق في كيفية تشكيل حياة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة، اي لا توجد مشاريع ملموسة في هذا الخصوص، وامامه طريقيين الان، أما القبول بانظمة تسلطية قديمة او ديمقراطية ليبرالية يطرحها الغرب كمشروع حل. اما الديمقراطية التي ينادي بها الشعب الكردي في غرب كردستان فهي ديمقراطية راديكالية ينظم ويدير المجتمع نفسه بنفسه ويعبر فيه الكل عن ارادته بحرية، وليست ديمقراطية ليبرالية يستلم فيها مهيمنين جدد الحكم بدل القدماء ليخفف من خلالها الضغوطات على المجتمع. بمستطاع الشعب الذي اودى بالانظمة القديمة ولكنه يعاني من كيفية بناء انظمة جديدة ان يتخذ من نظام الشعب الكردي في غرب كردستان مثالا له. ان هذه التطورات جديدة في الشرق الاوسط، وحتى الاولى من نوعها. فهناك الديمقراطية الليبرالية التي تحاول القوى الغربية تطبيقه كنظام، إلا انه نظام سياسي مستغل بيد فئة تمتاز بكافة الصلاحيات، الى جانب اعطاء فرص لبناء المؤسسات والنقابات وتحقيق العملية الانتخابية كل اربعة اعوام، لكنه لا يعتمد على المجتمع ولا يعترف بقوته. في الحقيقة ان هذه القوى تسعى الى بناء نظام ضمن هذا الاطار وذلك للتخفيف عن المجتمع، لانه باء ضرورة لا يمكن المفر منها لمواجهة التطور الذهني الديمقراطي الحر للمجتمعات في العالم. وبذلك تريد التحكم بالشعوب وبناء سلطتها من جديد بهذه الطريقة. اما نظام الادارة الذاتية الديمقراطية في غرب كردستان فبمكانه تحطيم قيود هذا النظام، لان ثورة غرب كردستان تتحلى باهمية تاريخية.
كيف تقيمون دور السياسة الديمقراطية بقيادة قائد الشعب الكردي “عبدالله اوجلان” و PKK في تنمية الوعي والوحدة الوطنية والديمقراطية في كردستان؟
بلا شك، ان مفهوم PKK في السياسة الديمقراطية لعب دورا هاما في الوحدة الوطنية وتنمية الوعي الوطني الكردي في الاجزاء الكردستانية الاربعة وعلى راسها شمال كردستان. ان الشعب الكردي على تبادل بشعور وفكر وطني بالمقارنة مع السابق حتى وإن كان يعيش في اربعة اجزاء. لقد حقق PKK ثورة وطنية وديمقراطية في المجتمع الكردستاني، واستطاعت جميع العشائر والمعتقدات ان تحتل مكانها ضمن النضال الوطني الديمقراطي في حين بقاء جميع الحركات الوطنية ضمن نطاق مناطقها سابقا. تم وضع حد لكافة انواع التشتت الاقليمي والعشائري والمذهبي والديني في كردستان مع تحقيق الثورة الديمقراطية والاجتماعية والثقافية. كما تطور مفهوم الوحدة لدى تعبير جميع المعتقدات والتعدديات عن انفسها بحرية. كما انضمت جميع العشائر والقبائل الى النضال الوطني بعدما كانت سببا في التجزئة وذلك بعد تطور الذهنية الديمقراطية بقيادة PKK. ان الانتساب الى عشيرة او مذهب او اثنية ما لا يشكل سببا للتمييز والتفرقة، بل سيساهم في تطوير الوحدة الوطنية بروح التعاون والاحترام المتبادل. اي بمستطاع جميع التعدديات والاقليات والعشائر والاثنيات التعبير عن نفسها بحرية وتطوير خاصيتها وضمان هويتها ضمن صف الوحدة الوطنية الديمقراطية. وهذا ما سعى اليه PKK بقيادة القائد “آبو” الى ضمانه في كافة الاجزاء الكردستانية بمفهوم سياسته الديمقراطية المعتمد على حقيقة المجتمع الحر والذي ادى بدوره الى تحقيق الثورة الديمقراطية. كما ادى هذا المفهوم الى تفاهم وتبادل حقيقي بين صفوف الشعب الكردستاني في الاجزاء الاربعة، وبه ادرك بانه قوة يتمم بعضه البعض ثقافيا واجتماعيا. كما كان لـ PKK دور رئيسي في تطوير الوعي والشعور الوطني وتوحيد الاجزاء الكردستانية اجتماعيا وثقافيا. ان السبب الرئيسي في تحول الحركة والقائد الى قوة فعالة في الاجزاء الكردستانية وخارج البلاد يعود الى طابعهما الشمولي البعيد عن المفاهيم والنزعات القوموية والاقليمية والعشائرية والمذهبية الضيقة. للثورة والذهنية الديمقراطية دور رئيسي في تنمية الوعي الوطني الديمقراطي والشعور بالوحدة والتضامن والتعاون والدعم المعنوي بين الاجزاء الكردستانية الاربعة. لقد فقدت كل من تركيا وايران والعراق فرص قمع الشعب الكردي، ولم يعد بمكانهم تصفيته، كون النضال في جزء ما يعني النضال في الاجزاء الاخرى الى جانب الدعم المادي والمعنوي لبعضها البعض على عكس ما كان يعانيه الشعب الكردي سابقا، حيث كان بمكان كل دولة حاكمة على كردستان ان ترتكب بحقه ابشع انواع الممارسات اللانسانية وحتى تتوحد فيما بينها، ولكن الشعور بالوحدة الوطنية جعلتها تفقد هذه الفرصة، هذا من جانب، ومن جانب اخر لا يمكن لهذه الدول ان تتوحد في هذه الظروف.
لم يطالب PKK برسم الحدود وفصل الدول، بل دعى الى ضمان الوحدة الوطنية الديمقراطية والثقافية والاجتماعية بمفهومه السياسي الديمقراطي. ينبغي ان لا يتم تناول الوحدة الوطنية كمفهوم معادي لتركيا والعراق وايران وسوريا، بالعكس فانها تشكل جسر الترابط الاخوي بين كافة هذه البلدان، وسيتطور المجتمع الديمقراطي مع دمقرطة بلدان المنطقة.
كيف تقرأون اللقاءات الجارية في امرالي مع قائد حركتكم “عبدالله اوجلان” والتي انعكست بصداها على الراي العام العالمي ايضا، وهل للسياسة الديمقراطية التي تحدثتم عنها دور في اتخاذ قائدكم وحركتكم كمخاطب لحل القضية الكردية؟
لقد استهدفت القوى المتآمرة تصفية حركتنا التحررية الكردستانية عبر اعتقال قائدنا وزجه في سجن امرالي الانفرادي، ولكن القائد “آبو” حول هذا السجن الى ميدان للنضال. حيث درس اسباب هذه المؤامرة من كافة الجوانب، وسعى الى تقوية الحركة عبر النضال الفلسفي، الايديولوجي، النظري والتنظيمي، وذلك عبر التغيير الاستراتيجي على اسس براديغما جديدة. ولكن لم يكن هذا التغيير على شاكلة ما قامت عليه بعض القوى والاطراف اليسارية والاشتراكية من بعد انهيار الاشتراكية المشيدة والذي اودى بهم الى الانضمام الى النظام، بالعكس فكان هذا التغيير على اسس كيفية التصدي لهجمات النظام ومتابعة النضال. وبذلك استطاع PKK المثابرة على خطوات نضالية سديدة في حين كانت قوى النظام تنتظر تصفيته، ولم يتوقف الى هذا الحد بل طور سياسة ديمقراطية اعتمادا على المجتمع لافشال جميع الهجمات عبر هذا التجديد. وفي الحقيقة ان الظاهرة التي نسميها بالبراديغما الجديدة هي تقوية جديدة لتحقيق المجتمع الديمقراطي والحياة الكومينالية وبناء مجتمع اخلاقي وسياسي، وقد استمر PKK بنضاله اعتمادا على هذه القوة. لم يفشل القائد المؤامرة الدولية فحسب، بل رفع من سوية نضال الحركة وموقعها من كافة الجوانب لتتحول الى قوة بمكانها توجيه السياسة في الشرق الاوسط وليست تركيا فحسب. وما اللقاءات الجارية في امرالي مع القائد “آبو” والحركة واتخاذهم كمخاطبين للقضية الكردية إلا ثمرة لجهود هذه المرحلة.
لو لم تنجح الحركة التحررية الكردية كقوة معتمدة على الشعب فلا القائد ولا الحركة كانا سيتخذان مخاطبين للقضية الكردية. فكما هو معلوم ان لقاء اوسلو كان يعتمد على اعوام 2008،2009، 2010، 2011. وبالطبع لكل قوة سياسية حساباتها من وراء كل لقاء بهذا الشكل. فلو كانت حركتنا خائرة القوة لِمَ كان لحزب العدالة والتنمية حسابات واهداف. وقد كان من اهم حسابات حزب العدالة والتنمية تقوية سلطتها، وكنا على دراية بهذه الحقيقة، ولكننا كنا في بحث عن الحل بالمفاوضات وبالسياسة الديمقراطية. اما حزب العدالة والتنمية بدا بشن هجماته عندما وجد بانه مشدود الساعد واعتقادا بقدرته على تصفية حركتنا عام 2011، ولكنه تلقى جوابه عام 2012، وتكبل الجيش التركي بخسائر فادحة لا مثيل له في تاريخها. كما تصاعد تاثير قوات الكريلا بشكل لا مثيل له في اية مرحلة اخرى، ولم يتصاعد نضال الشعب الكردي في شمال كردستان فحسب بل في جميع الاجزاء وعلى راسها غرب كردستان. وهذا بدوره ما فتح السبيل امام تصاعد القوة الكردية في الشرق الاوسط. لكن عندما وجدت الحكومة التركية بانها ستخسر في هذا العام إذا ما استمرت بهذه الطريقة، لجأت الى اجراء لقاءات مع القائد “آبو”، وهذا الطبع يعني نجاح للحركة التحررية الكردية. بالرغم من جميع انواع الهجمات والقمع ضد الشعب الكردي ولكنه استطاع التصدي لها عبر قوته المنظمة وبذهنيته النضالية. لقد ارغمت الدولة التركية على اجراء اللقاءات مع قائد الشعب الكردي، لانها لن تتحمل شبيه ما تعرضت له عام 2012، وبالطبع كان للقاءات العلنية مع القائد تاثير بالغ، لان النضال الموجود في تركيا لن يؤثر عليها فحسب بل سيؤثر على عموم الشرق الاوسط وحتى على السياسة العالمية ايضا. فإذا ما تم حل القضية الكردية على اسس ديمقراطية، ستتحقق الديمقراطية في تركيا ايضا، ودمقرطة تركيا ستغير المفهوم السياسي والتوازنات السياسية في الشرق الاوسط جذريا، وستؤثر بدورها على موقع القوى الاقليمية والعالمية ايضا. لذا نرى بان الجميع ينتظرون نتائج هذه اللقاءات بفارغ الصبر.
بالطبع يسعى حزب العدالة والتنمية الى النفاذ من مأزقها، وذلك عبر تقديم الشيء القليل للشعب الكردي حتى يتغلب على العوائق التي يشلكه نضال حركتنا له. ان تقرب العدالة والتنمية لا يتجاوز النفاذ وليس حل القضية جذريا وبسبل ديمقراطية. اما القائد “آبو” فتقدم بطرح حل ديمقراطي معقول اعتمادا على قوة الشعب الكردي وتاثير السياسة الديمقراطية للحركة التحررية الكردية في تركيا والشرق الاوسط، وبالتالي اراد تصعيد وتيرة التطورات الديمقراطية في المنطقة. ان نتائج حل القضية الكردية لن تنحصر في كردستان وتركيا فحسب، بل ينبغي تناوله كموضوع استراتيجي في عملية التغيير في الشرق الاوسط، لان هذا الموضوع سيفتح السبيل امام تغيير المفهوم السياسي وحقيقة النظام الموجود فيه، وستظهر انظمة وقوى سياسية ذات ارادة مستقلة ومرتبطة بحقيقتها الاجتماعية النابعة من صميم المجتمع بشكل اكثر. ان حل القضية الكردية حلا ديمقراطيا سيؤثر على حل القضية الكردية في غرب كردستان وفي ايران وجنوب كردستان ايضا. حتى وان كانت هذه التطورات ستثير مخاوف البعض إلا إنها ستكون منبع السرور والسعادة لشعوب الشرق الاوسط. وعلينا ان نعتبر القائد “آبو” والحركة التحررية الكردية من مناصري البحث عن الحل بذهنية وطريقة ديمقراطية. وسيتحقق هذا النجاح عبر التصدي للهجمات القمعية التركية وبيان استحالة قمع الحركة التحررية الكردية. فما زلنا في بداية العمل، ومثلما سعى قائد الشعب الكردي الى اظهار حقيقة المجتمع الكردي وحوله الى قوة، فله مساعي في حل القضايا الموجودة في تركيا حلا ديمقراطيا ايضا. حيث كان لمشروع الحل السياسي الديمقراطي الذي طرحه القائد والحركة التحررية الكردية تاثير كبير على المجتمع التركي، وإذا ما وصلت اللقاءات مع القائد الى مستوى العلنية فيعود السبب الى المفهوم السياسي للقائد والحركة، والذي يؤثر بدوره على المجتمع التركي وقواه السياسية. ان مفهوم حل القضية الكردية حلا ديمقراطيا وعلى اساس وحدة حرة ديمقراطية فتح السبيل امام مثل هذه المرحلة في تركيا وضاعف من مؤثرات الحل فيها. واليوم وصل الامر بالمجتمع التركي ان يطالب بحل القضية الكردية. بلا شك، يعود ذلك الى تاثير السياسة الصحيحة للقائد والحركة ليس في كردستان فحسب بل في تركيا ايضا.
ولكننا نقول بان لا الدولة التركية ولا حكومة العدالة والتنمية مستعدان لحل سياسي ديمقراطي، لا نقول فحسب، بل نرى ذلك ايضا. لكن القائد والحركة يفرضان على الدولة والحكومة التركية القيام بحل هذه القضية عبر سياسة ديمقراطية صحيحة، ويلبيان كل ما يقع على عاتقهما لتحقيق الحل. بلاشك، توجد ظروف مهيأة للحل، ولكن قد تشتد الحرب في المرحلة المقبلة لعدم وجود ارادة للحل. والاحتمال الاكبر قد تكون هذه المرحلة من اقوى مراحل النضال ضد القوى التي تقف عائقا امام الحل الديمقراطي في تركيا. كما ان حركتنا على استعداد لخوض النضال ليس لاجل حل سياسي ديمقراطي في تركيا فحسب، بل للوقوف ضد سياسة الدولة التركية بشكل اقوى وبمقاومة اكبر لدمقرطة تركيا. كما بدى من آراء القائد التي انعكست اعلاميا ايضا، لو لم يتحقق الحل سيكون العام المقبل عام نضال سياسي وعسكري عنيف.