مآلات صعود وسيطرة طالبان
بات واضحاً للجميع أنّ حركة طالبان أصبحت رقماً صعباً في المعادلة الأفغانية بسبب ما أحرزتة من تقدم وسيطرة على أهم المدن في شمال أفغانستان التي تعتبر مناطق نفوذ للحكومة والجيش الأفغاني أبرزها مزار شريف، والتي تمثل عنُقاً استراتيجيّاً هاماً، لندن الشمال وقندوز وسار بول وكلها أماكن تمركز لقوات من عشائر وقبائل أفغانية مناوئة لحركة طالبان، فتقترب طالبان بشدة نحو كابل العاصمة بعد سقوط قندهار أحد أكبر المدن الأفغانية، وتسيطر عليها.
يعود صعود حركة طالبان مجدّداً لسبب رئيس وهو قرار الإدارة الأمريكية في الانسحاب من أفغانستان لأسباب يراها الرئيس الديمقراطي جو بايدن أنها تصب في صالح الولايات المتحدة، من هنا رأت حركة طالبان أنّها أمام فرصة تاريخية للسيطرة على أفغانستان من خلال الجنوب لإسقاط حكومة أشرف غني حليف الولايات المتحدة.
أيضا ما شجع طالبان هو تصريحات الإدارة الأمريكية التي أكّدت على عدم الصدام العسكري مع أيّ قوة في منطقة الشرق الأوسط، والتفرّغ لمجابهة الصين وكوريا وروسيا وإيران سياسيّاً واقتصاديّاً ودبلوماسيّاً دون الخوض في مقامرات عسكرية جعلت طالبان تصعّد من هجماتها على مدن أفغانيّة.
دوليّاً وإقليميّاً
سيطرة طالبان وعودتها مجددا سيكون بمثابة خسارة لدول ومكسب لدول أخري، فعلى سبيل المثال، فقد يكون المستفيد من سيطرة وصعود طالبان تركيا وقطر، فتركيا ممثلة في حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان يرى في حركة طالبان عمقاً استراتيجيّاً في هذه المنطقة، كمنطقة نفوذ وتواجد جديدة وتوافق أيديولوجيّ لطالبان مع التنظيم الدولي للإخوان.
ترى قطر أنّ الحفاظ على علاقة قوية مع حركة طالبان يضعها أمام المجتمع الغربي كواحدة من الدول التي تملك مفاتيح الحل في الملف الأفغاني، ولأن الدوحة تدرك أنّ صعود طالبان قادم لا محالة، فهي تسعى إلى الضغط على طالبان من خلال مفاوضات الدوحة، وبتنسيق من الولايات المتحدة لوقف أيّ هجمات والعمل على حل سياسيّ، في المقابل ربما ترى دول كلٌّ من باكستان، إيران، روسيا خطورة كبيرة في صعود طالبان.
باكستان
دولة جارة وما يحدث سينتقل إلى طالبان فرع باكستان ولأن فرع طالبان باكستان يعتبر همزة الوصل بين حركة طالبان بشكل عام وتنظيم القاعدة مما سيجعل باكستان دولة غير مستقرة وينتقل التمرد نحو إسلام أباد.
إيران
تحاول طهران استثمار ما يحدث في أفغانستان لمحاولة حماية لواء (فاطميون) وهو تنظيم شيعي داخل أفغانستان لا يتوافق أيديولوجيّاً مع طالبان السنيّة، مما سيدفع بصدام قد تدفع ثمنه مليشيا فاطميون، وإيران.
أيضاً طهران تريد التقارب مع طالبان لفتح قنوات سياسية ودبلوماسية لحماية حدودها مع طالبان من أيّ تصدير إرهابي أو هجرة، أضف إلى ذلك أنّ إيران تريد تقديم نفسها كحركة غير داعمة للحركات الشيعية، فقط إنّما للحركات السنية كما هو الحال في دعم إيران للجهاد الإسلامي في غزة، وجماعة الإخوان وغيرها لتوظيف حركة طالبان سياسيّاً، والاستفادة منها.
روسيا
قد ترى روسيا في حركة طالبان أن التأثير والمآلات من هذا الصعود سيؤثر استراتيجيّاً في ملف مكافحة الإرهاب، خاصة وأنّ طالبان تمثّل الحاضنة الرئيسة للجماعات الإرهابية المتطرفة، ولقرب كابول مناطق النفوذ للاتحاد السوفيتي قديماً روسيا حديثا تلك الدول المؤثرة جغرافيّاً وهي دول، كلٌّ من أوزبكستان وتركمانستان وطاجكستان، وبالتالي فإنّ صعود طالبان سينعكس بالسلب على أمن روسيا لذا تتخوف موسكو مما يحقّقه طالبان على الأرض.
يبقى صعود حركة طالبان محلّ اهتمام العالم ومنطقة جنوب آسيا التي ستتأثر بشدة، لأنّ فرض طالبان الأمر الواقع ستترتّب عليه نتائج كبيرة، وتغييرات وتشابكات سياسية واستراتيجية ستتغير من خلال عدّة قواعد اللعبة.